البناية شرح الهداية

باب اليمين وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه حاضرة في المصر، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحلف، لأن اليمين حقه بالحديث المعروف فإذا طالبه به يجيبه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا، فلا يكون حقه دونه كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس ومحمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - فيما ذكره الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب اليمين]
[قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين]
م: (باب اليمين) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان يحتاج هنا إلى الفصل بالباب، بل كان ينبغي أن يسوق الكلام متواليا، لأنه لما ذكر صحة الدعوى ترتب عليها الحكم بالإقرار والبينة واليمين، قلت: الذي رتبه المصنف هو الأصل لأنه لما كانت اليمين مشروعة بعد فقد البينة تعين ذكرها بعدها بأحكامها وشرائطها.
قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري: م: (حاضرة في المصر) ش: واحترز به عن البينة الحاضرة في مجلس الحكم فحينئذ لا يجوز الحكم باليمين بالإجماع، وإن طلب الخصم واحترز به أيضا عما إذا كانت البينة غائبة عن المصر، فحينئذ يستحلف بالاتفاق.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحلف؛ لأن اليمين حقه بالحديث المعروف) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لك يمينه "، وقد مر عن قريب، م: (فإذا طالبه) ش: أي فإذا طالب المدعي المدعى عليه باليمين م: (يجيبه) ش: أي يجيب القاضي المدعي ويستحلف المدعى عليه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا) ش: إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألك بينة؟ " فقال: لا، قال: "لك يمينه» .
فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رتب اليمين على فقد البينة، م: (فلا يكون حقه دونه) ش: أي لا تكون اليمين حق المدعي دون العجز عن البينة، يعني لا تكون ولاية الاستحلال دون العجز عن إقامة البينة، م: (كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس) ش: أي في مجلس القاضي حيث لا يجوز الاستحلاف، م: (ومحمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - فيما ذكر الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وأنكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على المصنف في جعل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكره الخصاف، فقال: لأن الخصاف لم يذكر

(9/323)


قال: ولا ترد اليمين على المدعي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» قسم، والقسمة تنافي الشركة وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخلاف في "أدب القاضي" إلا بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، ولم يذكر لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولًا.
وكذلك فعل أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح أدب القاضي" للخصاف، ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصلًا، وكذا قال الإمام أبو محمد الناصحي النيسابوري في "تهذيب أدب القاضي" للخصاف، فقال: ولم يذكر الخصاف قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وذكر أبو علي بن موسى: إن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما روى عبد الرحمن البزدي وغيره من أصحاب محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وأنكر الأترازي أيضًا عليه في جعل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكره الطحاوي، ثم قال: لأن الطحاوي ذكر هذه المسألة في "مختصره" وذكر الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: ولم نجد هذه الرواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأنكر الرواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصلًا ومع هذا كيف يدعي صاحب " الهداية " أن محمدا مع أبي حنيفة - رحمهما الله- فيما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟، قلت: لا وجه لهذا الإنكار، لأن عدم وقوف الطحاوي على أن محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة لا يستلزم عدم وقوف غيره من المصنف وغيره.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا ترد اليمين على المدعي) ش:، وقال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: ترد، وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الظاهر كقولنا، م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» ش: الحديث أخرجه البيهقي في "سننه" عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» .
وروى محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وجه الاستدلال به هو: ما قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (قسم) ش: أي قسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الخصمين، فجعل البينة على المدعي واليمين على من أنكر، م: (والقسمة تنافي الشركة وجعل) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء) ش: بيانه: أنه ذكر اليمين محلى بالألف واللام وأنه للجنس إذا لم يكن ثمة معهود.

(9/324)


وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال: ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويقال: جعل البينة حجة جنس المدعين، واليمين حجة جنس المنكرين، فتكون جميع الأيمان على المنكرين فمن رد اليمين على المدعي لم يجعل جميعها على المنكرين، فيكون ذلك نسخًا للحديث المشهور، ولأنه عمل به الأئمة، وأنه لا يجوز بخبر الواحد ولا بالقياس، م: (وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قد ذكرنا رد حجته ومن معه في مسألة القضاء بشاهد ويمين.
روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بيمين وشاهد» والجواب عنه من وجهين، أحدهما: أنه معلول بالانقطاع لأن فيه عمرو بن دينار عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الترمذي في "علله الكبير": إن هذا الحديث قاله عمرو بن دينار ولم يسمعه من ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال ابن القطان في كتابه: والحديث وإن كان مسلمًا أخرجه عن قيس بن سعد وعمرو بن دينار، عن ابن عباس، ولكنه يروى بالانقطاع، وقال الطحاوي: وقيس بن سعد لا نعلمه إلا بحديث عمرو بن دينار.
الوجه الثاني: أن هذا على صحته لا يفيد العموم. قال الإمام فخر الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول الصحابي: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كذا، وقضى بكذا لا يفيد العموم، لأن الحجة في المحكي عنه لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصًا وأيضًا فالقضاء له.. قد وجد البياض في السختين....، أقر بها إلا في هذا الموضع فعل الخصومات، وهذا مما يتعين به الخصومات، إذ لا يأتى فيه الحكم يعمل من شاهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قيام الساعة، بل إنما يقتضي شاهد خاص.
فإن قلت: روى سهل بن أبي حثمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القسامة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأنصار: "تبرئكم يهود بخمسين يمينًا" فقالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتحلفون وتستحقون» .
فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأيمان على المدعين بعد أن جعلها على المدعى عليهم فعلم أن رد اليمين جائز، والجواب: أنه لا دليل فيه لخصم، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال ذلك على سبيل الإنكار عليهم، بدليل أن اليمين عند المخالف لا ترد على المدعي إلا بعد أن يمتنع المدعى عليه، واليهود لم يمتنعوا من اليمين، وإنما قالت الأنصار: لا نرضى بأيمانهم، فدل على أن الكلام خرج على وجه الإنكار.

[بينة صاحب اليد في الملك المطلق]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق)

(9/325)


وبينة الخارج أولى، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويقضي ببينة ذي اليد لاعتضادها باليد، فيتقوى الظهور وصار كالنتاج والنكاح ودعوى الملك مع الإعتاق والاستيلاء والتدبير. ولنا: أن بينة الخارج أكثر إثباتا أو إظهارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وأراد بالمطلق أن يدعي الملك من غير أن يتعرض للسبب، بأن يقول "هذا ملكي" ولم يقل ملكه بسبب الشراء والإرث ونحو ذلك، لأن المطلق ما يتعرض الذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات، فلذلك قيد به احترازًا عن الملك المقيد بدعوى النتاج، وبسبب لا يتكرر، وعن ماذا ادعيا الملك من واحد وأحدهما قابض؟، وعن ماذا ادعيا الشراء من اثنين وتارخ أحدهما أسبق؟، فإن هذه الصورة تقبل بينة ذي اليد بالإجماع.
فإن قلت: أما انتقض مقتضى القسمة حيث قبلت بينة ذي اليد وهو مدعى عليه؟ قلت: نعم، لأن قبولها من حيث ما ادعى من زيادة النتاج، والقبض، وسبق التاريخ، فهو من تلك الجهة مدعى عليه، والبينة للمدعي.
فإن قلت: فهل تجب على الخارج اليمين لكونه إذ ذاك مدعى عليه، قلت: لا، لأن اليمين إنما تجب عند عجز المدعي عن البينة، وهاهنا لم يعجز، وإذا تعارضت بينة الخارج وذي اليد في ملك المطلق فبينة الخارج أولى لعدم زيادة يصير بهما ذو اليد مدعيًا.
م: (وبينة الخارج أولى) ش: إن أقاما بينة م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي ببينة ذي اليد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والقاضي منه من أصحاب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقولنا
م: (لاعتضادها باليد) ش: أي لتقوية البينة باليد، إذ اليد دليل الملك م: (فيتقوى الظهور) ش: لأن بينة الخارج أكثر إثباتًا م: (وصار) ش: أي وصار حكم ذي اليد بالقضاء بينة م: (كالنكاح) ش: بأن ادعى نكاح امرأة وهي في يد أحدهما يقضي لصاحب اليد بالإجماع م: (والنتاج) ش: بأن أقاما بينة على نتاج دابة وهي في يد أحدهما يقضي لصاحب اليد.
م: (ودعوى الملك مع الإعتاق) ش: بأن ادعى عبدًا في يد رجل وأقام بينة أنه عبده وأعتقه وأقام ذو اليد بينة أنه أعتقه وهو يملكه فبينة ذي اليد أولى، م: (والاستيلاء) ش: بأن أدعى أنها أمته استولدها وهي في يد أحدهما فبينة ذي اليد أولى، م: (والتدبير ولنا: أن بينة الخارج أكثر إثباتًا) ش: بأن ادعيا أنه عبده ومدبره فبينة ذي اليد أولى في كل وجه، وبينة ذي اليد لا تثبت الملك من كل وجه، بل من وجه، لأن اليد دليل الملك، ولهذا لو رأى عينًا في يد إنسان يتصرف فيها تصرف الملاك جاز لمن رأى أن يشهد بالملك له م: (أو إظهارًا) ش: يعني في الواقع، فإن بينته تظهر ما كان ثابتًا في الواقع.

(9/326)


؛ لأن قدر ما أثبتته اليد لا يثبته ببينة ذي اليد إذ اليد دليل مطلق الملك بخلاف النتاج لأن اليد لا تدل عليه، وكذا على الإعتاق وأختيه، وعلى الولاء الثابت بها.
قال وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول وألزمه ما ادعى عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقضي به بل يرد اليمين على المدعي، فإذا حلف يقضي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن قدر ما أثبتته اليد لا يثبته ببينة ذي اليد، إذ اليد دليل مطلق الملك) ش: فبينته لا تثبت لئلا يلزم تحصيل الحاصل بخلاف بينة الخارج فإنها تثبت الملك وتظهره، وما هو أكثر إثباتًا، من البينات فهو أولى لتوفر ما شرعت البينات لأجله فيه، فإن قيل: بينة الخارج تزيل ما أثبته ذو اليد من الملك فبينة ذي اليد تفيد الملك، ولا يلزم تحصيل الحاصل، أجيب بأنها ليست موجبة بنفسها حتى يزيل ما ثبت باليد، وإنما تصير موجبة عند اتصال القضاء بها، فقبله يكون الملك ثابتا للمدعى عليه، وإثبات الثابت لا يتصور، فلا يكون بينة مثبتة بل مؤكدة لملك ثابت والتأسيس أولى من التأكيد.
م: (بخلاف النتاج، لأن اليد لا تدل عليه) ش: فكانت البينة مثبتة لا مؤكدة، فكان كل واحد من البينتين للإثبات فترجح إحداهما باليد، م: (وكذا على الإعتاق وأختيه) ش: أي وكذا اليد لا تدل على أختي الإعتاق، وهما التدبير والاستيلاد فتعارضه بينة الخارج، وذي اليد ثم ترجحت بينة ذي اليد م: (وعلى الولاء الثابت بها) ش: أي بالإعتاق والاستيلاد والتدبير ومعناه: أن البينتين في الإعتاق وأختيه يدلان على الولاء، إذ العتق حاصل للعبد بتصادقهما، وهما استويا في ذلك، وترجح صاحب اليد بحكم يده، ثم يستوي الجواب بين أن يكون الخارج مسلما أو ذميا، أو عبدًا أو حرا أو امرأة أو رجلا، والمدعى عليه كذلك والمدعي به كذلك أي مال كان.

[نكل المدعى عليه عن اليمين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول) ش: أي قضي القاضي على المدعى عليه بالنكول م: (وألزمه ما ادعى عليه) ش: أي ألزم القاضي المدعى عليه بما ادعى عليه المدعي، وفي بعض النسخ: ولزمه، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقضي به) ش: أي بالنكول م: (بل ترد اليمين على المدعي، فإذا حلف يقضي به) ش: أي إذا حلف المدعي يقضي له بما يدعيه.
وفي " التفريع " للمالكية: وإذا ادعى على رجل دعواه لم يحلف له بمجرد دعواه حتى يثبت أن بينهما خلطة، فإذا ثبت ذلك حلف المدعى عليه وبرئ، فإن نكل عن اليمين لم يحكم عليه بمجرد النكول، وحلف المدعي على ما ادعاه واستحق ما ادعاه بيمينه ونكول خصمه، فإن لم يحلف لم يحكم له بشيء، انتهى.
وروي عن أحمد أنه قال: إذا نكل المدعى عليه حبسته أبدا حتى يحلف فيبرأ، أو يقر

(9/327)


لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة واشتباه الحال فلا ينتصب حجة مع الاحتمال ويمين المدعي دليل الظهور فيصار إليه. ولنا: أن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب، ولا وجه لرد اليمين على المدعي لما قدمناه. قال: وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه، وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم، إذ هو موضع الخفاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيحكم عليه، وبقولنا قال سفيان بن سعيد الثوري، م: (لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة) ش: أي عن اليمين الصادقة م: (واشتباه الحال) ش: يعني ويحتمل أن يكون الحال مشتبهة عليه، لا يدري أصادق في الإنكار فيحلف، أو كاذب فيمتنع، م: (فلا ينتصب) ش: أي يمين المدعي عليه م: (حجة مع الاحتمال، ويمين المدعي دليل الظهور) ش: لما كانت يمين المدعي عليه، وينكر له، وبنكوله صار الظاهر شاهدا للمدعي، فإذا كان كذلك م: (فيصار إليه) ش: أي إلى المدعي.
م: (ولنا أن النكول) ش: أي نكول المدعى عليه م: (دل على كونه باذلا) ش: أي كان النكول بذلا كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (أو مقرا) ش: أي كان إقرار كما هو مذهبهما م: (إذ لولا ذلك) ش: أي لولا أن اليمين بذل أو إقرار م: (لأقدم على اليمين الصادقة إقامة للواجب) ش: لأن اليمين واجبة عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «واليمين على من أنكر» وكلمة " على " للوجوب م: (ودفعا للضرر عن نفسه) ش: وهو بذل المال م: (فترجح هذا الجانب) ش: أي جانب كون الناكل باذلا ومقرا على الوجه المحتمل، وهو كونه متورعا، أو نحو ذلك.
م: (ولا وجه لرد اليمين على المدعي لما قدمناه) ش: إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وفي " المبسوط " و " الأسرار ": مذهبنا مؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على ذلك، فإن قيل: كيف يكون إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حلف المدعي بعد نكول المنكر؟ .
قلت: وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في المنكر طلب منه رد اليمين إلى المدعي فقال: ليس لك عليه سبيل، وقضى بالنكول بين يدي علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال له علي: قالون، بلغة الروم، أي: أصبت.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي للقاضي أن يقول له) ش: أي للمدعى عليه م: (إني أعرض عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا فقضيت عليك بما ادعاه) ش: أي المدعي م: (وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم، إذ هو موضع الخفاء) ش: أي الحكم بالنكول موضع الخفاء لأنه

(9/328)


قال: فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر، وأما المذهب إنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمناه هو الصحيح، والأول أولى، ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله - لا أحلف - وقد يكون حكميا بأن يسكت، وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش أو خرس هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مجتهد فيه، ولعدم دلالة النص على ذلك فيجوز أن يلتبس عليه ما يلزمه النكول.
م: (قال: فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول، وهذا التكرار ذكره الخصاف) ش: لأن التكرار ليس بشرط على ما ذكره في الأصل، بل إذا قضى بالنكول مرة جاز، وإنما ذكره الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر) ش: فصار كإمهال المرتد ثلاثة أيام م: (وأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمناه) ش: إشارة إلى ما ذكر إذ النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، كذا قاله الأترازي، والكاكي، والأكمل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال تاج الشريعة: قوله: م: (لما قدمنا) ش: يعني أنه لولا كونه كاذبا لأقدم على اليمين إقامته للجواب م: (هو الصحيح) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احتراز عن قول الخصاف فإنه يشترط التكرار، وقال الأكمل: احتراز عما قيل - لو قضى بالنكول مرة واحدة لا ينفذ وهذا هو الأوجه، م: (والأول أولى) ش: أي ما ذكره الخصاف أولى، كما في الإمهال للمرتد، فإن قتل بلا إمهال جاز.
وفي " الكافي ": والتقدير بالثلاث في العرض لازم في المروي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وبه قال أحمد والجمهور- رحم الله الجميع - على أنه للاحتياط، وبه قال مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله: لا أحلف، وقد يكون حكميا بأن يسكت وحكمه) ش: أي حكم السكوت م: (حكم الأول) ش: وبه قال الثلاثة م: (إذا علم أنه لا آفة به من طرش) ش: بفتح الراء من يطرش طرشا، من باب علم، أي صار أطروشا، وهو الأصم، والطرش أهون من الصمم م: (أو خرس) ش: بفتح الراء، وهو آفة باللسان تمنع الكلام أصلا م: (هو الصحيح) ش: أشار به إلى اختلاف الروايات فيما إذا سكت المدعى عليه بعد عرض اليمين عليه ولم يقل - لا أحلف.
فقال بعض أصحابنا: إذا سكت المدعى عليه سأل القاضي: هل به خرس أو طرش؟ فإذا قالوا: لا، جعله ناكلا، وقضى عليه، ومنهم من قال: يحبس حتى يجيب، والأول هو الصحيح، كذا في " شرح الأقطع "، وفي " الفصول ": لو كان استحلاف عند غير القاضي كان المدعي على دعواه، لأن المعتبر يمين قاطعة للخصومة، واليمين عند القاضي قاطعة لها.
ولو قال المدعي: إن حلف المدعى عليه فأنا بريء، أو قال: فدعواه باطلة لا تبطل دعواه،

(9/329)


قال: وإذا كانت الدعوى نكاحا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يستحلف عنده في النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود واللعان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حتى لو أقام بينة بعد يمين الخصم تقبل بينته، وفي " المبسوط ": بعض القضاء من السلف لا يسمع البينة بعد يمين الخصم، ولسنا نأخذ بذلك، وإنما نأخذ فيه بقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإنه جوز قبول بينة المدعي بعد حلف المدعى عليه، وبه قالت الثلاثة.
وفي " النوازل ": لو ادعى دواعي متفرقة لا يحلفه القاضي على كل شيء لملكه جمعها في يمين واحدة، وفي " التتمة ": لو ادعى دينًا في التركة وصلت في يد هذا يحلف بالله وحده، بالله ما وصل إليه شيء من التركة ولا يعلم أن له دينًا على أبيه، وقيل: يحلف يمينين على الوصول على البتات، وعلى الدين على العلم، وبه قال عامة المشايخ، وأجمعوا: أن المدعي بعد إقامة البينة يحلف أنه ما استوفاه ولا أبرأه، وإن لم يدع الخصم ولا يعلم فيه خلاف.

[ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة وبالعكس]
م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت الدعوى نكاحًا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة وبالعكس، فلا استحلاف فيه عنده.
م: (ولا يستحلف عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في النكاح) ش: سواء كان الرجل مدعيًا أو المرأة , م: (والرجعة) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في الرجعة، بأن ادعى الزوج بعد انقضاء العدة أنه كان راجعًا في العدة، وهي تجحد أو ادعت هي كذلك وهو يجحد، م: (والفيء في الإيلاء) ش: أي ولا يستحلف في الفيء في الإيلاء أيضًا، بأن ادعى بعد مضي هذه الإيلاء أنه فاء إليها في المدة وهي تجحد، أو ادعت المرأة كذلك وهو يجحد م: (والرق) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في الرق بأن ادعى على مجهول النسب أنه عبده أو ادعى مجهول النسب، م: (والاستيلاد) ش: بأن ادعت الأمة على مولاها أنها ولدت منه وأنكر المولى، ولا يتصور العكس من قبله عليها، لأن الاستيلاد يثبت بإقراره.
م: (والنسب) ش: أي ولا يستحلف في الولاء أيضًا بأن ادعى على معروف النسب أنه معتقه أو بالعكس م: (والولاء) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في النسب، بأن ادعى الوالد على الولد وأنكر الآخر م: (والحدود واللعان) ش: أي ولا يستحلف أيضًا فيهما.
أما الدعوى في الحد بأن قال رجل لآخر: لي عليك حد قذف وهو ينكر لا يستحلف بالإجماع، لأنه يندرأ بالشبهات، إلا إذا تضمن حقًا بأن علق عتق عبد بالزنا، وقال: إن زنيت فأنت حر، وادعى العبد: أني زنيت، ولا بينة له عليه يستخلف المولى حتى إذا نكل ثبت العتق

(9/330)


وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله- يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود واللعان.
وصورة الاستيلاد: أن تقول الجارية: أنا أم ولد لمولاي وهذا ابني منه وأنكر المولى؛ لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره، ولا يلتفت إلى إنكارها، لهما أن النكول إقرار، لأنه يدل على كونه كاذبا في الإنكار على ما قدمناه، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين الصادقة إقامة للواجب، فكان إقرارا أو بدلا عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون الزنا، كذا ذكره الصدر الشهيد في " أدب القاضي ".
وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح كتاب الاستحلاف " وقد قالوا إنه يستحلف في التعزير لأنه في حكم الأموال، وهذا يصح فيه العفو والإبراء، وقال القدوري فيه أيضًا: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا تعلق بهذه الأشياء استحقاق مال استحلف القاضي في المال وإن كان لا يستحلف في سببه كالمرأة إذا ادعت النكاح والمهر، والرجل إذا ادعى النسب والنفقة.
أما الدعوى في اللعن بأن ادعت المرأة على زوجها أنه قذفها قذفًا يوجب اللعان وأنكر الزوج لا يستحلف بالإجماع، فإنه في معنى الحد.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود واللعان) ش: فلا يستحلف فيهما بالإجماع كما ذكرنا، وبقولهما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لكن عنده: يجري في حد القذف والقصاص، ولا يجري في الحدود الخالصة.
وقال مالك وأحمد - رحمهما الله-: لا يجري التحالف إلا فيما لا يثبت إلا بشاهدين، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجري في القصاص وحد القذف والطلاق، والعتاق م: (وصورة الاستيلاد: أن تقول الجارية: أنا أم ولد مولاي وهذا ابني منه، وأنكر المولى؛ لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره، ولا يلتفت إلى إنكارها) ش:، وإنما ذكر صورة الاستيلاد فقط لأن في الباقي من صور التنازع فيه الدعوى في الجانبين سوى هذه الصورة، وقد مر الكلام فيه م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- م: (أن النكول إقرار لأنه يدل على كونه كاذبًا في الإنكار) ش: السابق م: (على ما قدمناه) ش: يعني قوله: م: (إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب) ش: ودفعًا للضرر عن نفسه.
م: (فكان) ش: أي النكول م: (إقرارًا أو بدلًا) ش: بفتح الدال المهملة، أي خلفًا م: (عنه) ش: أي عن الإقرار، هذا في الحقيقة جواب عن شبه، ترد على كون النكول إقرار عندهما. أحدها: ما لو اشترى نصف عبد ثم اشترى النصف الثاني، ثم وجد به عيبًا فخاصمه في النصف الأول فنكل، ولو كان النكول إقرارًا لزمه النصف بنكوله في المرة الأولى، كما لو أقر في تلك المرة، وأجيب: بأن النكول ليس بإقرار في نفسه، ولكن يجعل مقام الإقرار خلفًا عنه لقطع

(9/331)


والإقرار يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة، والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى الحد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه بذل لأن معه لا يبقى اليمين واجبة لحصول المقصود وإنزاله باذلا أولى كي لا يصير كاذبا في الإنكار، والبذل لا يجري في هذه الأشياء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخصومة، فيقوم النكول مقام الإقرار بقدر الحاجة إلى دفع الخصومة، فكان كالإقرار في المرة الأولى لا في الثانية.
الشبهة الثانية: الوكيل بالبيع إذا ادعى عليه عيب في المبيع فنكل فإنه يلزم الموكل، ولو جعل إقرارًا للزم الوكيل كما في الإقرار به، وأجيب: بأنه وإن كان الإقرار فهو أمر لزمه بسبب البيع، بحيث لا اختيار أمر الموكل أدخله فعليه خلاصه، أما إذا أقر فهو شيء لزمه باختيار الإقرار، فإنه كان ينقضي في عهدة الدعوى بالسكوت أو النكول فيلزمه الضمان، ولا يرجع به على الموكل.
الشبهة الثالثة: هي ما إذا كفل بما وجب على فلان، فادعى المكفول له مالًا على فلان فنكل فلان لا تقضى بالمال على الكفيل، ولو كان المنكول إقرارًا لقضي به على الكفيل كما لو أقر، وأجيب: أن أبا يوسف ومحمدًا - رحمهما الله- يقولان: إن النكول يدل على الإقرار في قطع الخصومة، لأنه يكون إقرار حقيقة، ولهذا لا يثبت المدعي بنفس النكول بخلاف الإقرار، كذا في " المبسوط " وغيره.
وذكر الأكمل هذه الشبهة بقوله "وعليه تفرض إجمالية" م: (والإقرار يجري في هذه الأشياء) ش: المذكورة م: (لكنه إقرار فيه شبهة) ش: هذا جواب من يقول "لو كان النكول إقرارًا ينبغي أن يجب الحد "، فأجاب بقوله: فإنه إقرار فيه شبهة، م: (والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى الحد) ش: لأنه قائم مقام القذف في حق الزوج، وقائم مقام حد الزنا في حق المرأة، وقد مر ذلك في اللعان.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أنه) ش: أي أن النكول م: (بذل) ش: وإباحة وهذه الحقوق لا يجري فيها البذل والإباحة، فلا يقضى فيها بالنكول، كالقصاص في النفس وعليها الأموال م: (لأن معه) ش: أي مع البذل م: (لا يبقى اليمين واجبة لحصول المقصود) ش: ولا تبقى لليمين فائدة، وتحقيق الكلام هاهنا: أن النكول وإن كان بدلًا لكنه يحتمل أن يكون كذبًا م: (وإنزاله باذلا أولى) ش: حملًا لحاله على الصلاح م: (كي لا يصير كاذبا في الإنكار) ش: السابق لأنه كان أنكر أولًا فلا يظن بينكم الكذب فجعل بذلًا.
م: (والبذل لا يجري في هذه الأشياء) ش: أي الأشياء المذكورة التي لا يستحلف فيها، فإذا كان كذلك لا يقضي فيها بالنكول، فإنه إذا قال مثلًا: أنا حر وهذا الرجل يؤويني فدفعت إليه نفسي أن يسترقني، أو قال: أنا ابن فلان، ولكن أحب أن يدعي نسبي، أو قالت: أنا لست

(9/332)


وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول فلا يستحلف، إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب، والعبد المأذون بمنزلة الضيافة اليسيرة، وصحته في الدين بناء على زعم المدعي وهو ما يقبضه حقا لنفسه، والبذل معناه هاهنا ترك المنع، وأمر المال هين. قال: ويستحلف السارق، فإن نكل ضمن ولم يقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بامرأته، لكن دفعت إليه نفسي وأبحت له الإمساك لا يصح، م: (وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول) ش: يعني أن البذل فيها لا يجري وفات فائدة الاستحلاف، لأن فائدة القضاء بالنكول، والنكول بذل والبذل فيها لا يجري.
م: (فلا يستحلف) ش: فيها لعدم الفائدة م: (إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: إن النكول لو كان بدلًا ينبغي أن لا يملكه المكاتب والمأذون لأنهما لا يملكون البذل، فأجاب بقوله: م: (فيملكه المكاتب والعبد المأذون) ش: له يحتمل م: (بمنزلة الضيافة اليسيرة) ش: وتقدير الجواب: أنهما ملكاه باعتبار ما فيه من دفع الخصومة في حق المدعي، وإن كان لا يملك أنه بانفراده كالضيافة منهما لأنها من توابع التجارة، م: (وصحته في الدين) ش: أي صحة القضاء بالنكول م: (بناء على زعم المدعي) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره بأن يقال: لو كان النكول بدلًا لم يصح القضاء بالنكول في الدين، لأن البذل لا يتحقق فيه، لأن الدين وصف ثابت في الذمة، والبذل لا يجري فيه.
وتقرير الجواب: أن صحة البذل في الدين بناء على زعم المدعي م: (وهو ما يقبضه حقًا لنفسه) ش: تقرير هذا: أن البذل لم يصح في الدين فيما يكون من جهة القابض، ومن جهة الدافع، فإن كان الأول فلا مانع لأنه يقبضه حقًا لنفسه بناءًا على زعمه وإن كان الثاني وهو قوله: م: (والبذل معناه هاهنا) ش: أي في الدين م: (ترك المنع) ش: وجاز له أن يترك المنع م: (وأمر المال هين) ش: جواب عما يقال: فهلا جعل أيضًا في الأشياء، والسبعة المذكورة تركًا للمنع، فأجاب: بأن أمر المال هين أي سهل، لأنه خلق في الأصل مباحًا مبذولًا لمصالح الناس، ولم يصح في الأشياء السبعة، لأن أمرها ليس بهين.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويستحلف السارق) ش: يعني إذا كان مراد المسروق منه المال يستحلف بالله ما له عليك هذا المال، لأنه يثبت بالشبهات، فجاز أن يثبت بالنكول.
م: (فإن نكل ضمن ولم يقطع) ش: ولا خلاف فيه، وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح كتاب الاستحلاف": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحلف شيء من الحدود، لا في الزنا، ولا في السرقة، ولا في القذف، ولا شرب الخمر، ولا السكر، إلا أنه طالب المسروق منه

(9/333)


لأن المنوط بفعله شيئان الضمان ويعمل فيه المنكول، والقطع ولا يثبت به فصار كما إذا شهد عليه رجل وامرأتان.
قال: وإذا ادعت المرأة طلاقا قبل الدخول، استحلف الزوج فإن نكل ضمن نصف المهر في قولهم جميعا، لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم، لا سيما إذا كان المقصود هو المال، وكذا في النكاح إذا ادعت هي الصداق لأن ذلك دعوى المال، ثم يثبت المال بنكوله ولا يثبت النكاح، وكذا في النسب، إذا ادعى حقا كالإرث، والحجر في اللقيط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضمان المال، استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمنه المال ولم يقطع، هـ م: (لأن المنوط بفعله) ش: أي لأن المتعلق بفعل السارق م: (شيئان) ش: أحدهما: م: (الضمان) ش: أي ضمان المال م: (ويعمل فيه المنكول) ش: يعني يثبت بالنكول لأنه يجري فيه البذل، ويثبت بها فيه شبهة، م: (والقطع) ش: والثاني: القطع.
م: (ولا يثبت به) ش: أي ولا يثبت القطع بالنكول لأنه لا يجري البذل بالنكول، لأنه لا يجري البذل في الحدود، ولا يثبت بما فيه شبهة الإقرار م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا شهد عليه) ش: أي على السرقة م: (رجل وامرأتان) ش: حيث يثبت المال فلا يثبت القطع.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعت امرأة طلاقًا قبل الدخول) ش: وفائدة تعيين صورة المسألة في الطلاق قبل طلاق الدخول حتى يعلمهم أن الدعوى في كل المهر أو نصفه سواء كان دعوى المهر في ضمن أو بدونه هذا، قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الأكمل: فيه نظر، لأن الطلاق يغني عن ذلك، وليس فيه توهم التقيد بذلك م: (استحلف الزوج، فإن نكل ضمن نصف المهر في قولهم جميعًا؛ لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم، لا سيما إذا كان المقصود هو المال، وكذا في النكاح) ش: أي وكذا يجري الاستحلاف إذا كان دعوى المال في النكاح، وهو معنى قوله م: (إذا ادعت هي الصداق، لأن ذلك دعوى المال، ثم يثبت المال بنكوله ولا يثبت النكاح) ش: في النكاح.
فإن قلت: وجب أن يثبت النكاح أيضًا لأنه يثبت بالشبهات؟.
قلت: البذل لا يجري فيه كما ذكرنا.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يستحلف م: (في النسب إذا ادعى حقًا كالإرث) ش: بأن ادعى رجل على رجل آخر أنه أخ المدعى عليه، مات أبوهما وترك مالا في يد المدعى عليه، أو طلب من القاضي فرض النفقة على المدعى عليه بسبب الأخوة فإنه يستحلف على النسب، فإن حلف برئ، وإن نكل يقضى بالمال والنفقة دون النسب م: (والحجر في اللقيط) ش: أي وكذا إذا ادعى الحجر في اللقيط إن كان صبيا لا يعبر عن نفسه في يده ملتقط، فادعت إخوته امرأة تريد قصر يد

(9/334)


والنفقة، وامتناع الرجوع في الهبة لأن المقصود هذه الحقوق، وإنما يستحلف في النسب المجرد عندهما، إذا كان يثبت بإقراره، كالأب والابن في حق الرجل، والأب في حق المرأة؛ لأن في دعواها الابن تحميل النسب على الغير والمولى والزوج في حقهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الملتقط لحق حضانتها، وأرادت استحلافه فنكل، ثبت لها الحجر دون النسب.
م: (والنفقة) ش: بأن ادعى النفقة بسبب الإخوة وهو زمن، فأنكر المدعى عليه الأخوة يستحلف بالإجماع، فإن حلف برئ وإن نكل يقضى بالبينة بالنفقة، ولا يقضى بالنسب م: (وامتناع الرجوع في الهبة) ش: أي وكذا يستحلف في امتناع الرجوع في الهبة، صورته أن الواهب أراد الرجوع فقال الموهوب له: أنا أخوك فلا رجوع لك، فالواهب يستحلف، فإن نكل ثبت الامتناع من الرجوع ولا يثبت النسب.
م: (لأن المقصود هذه الحقوق) ش: هذا دليل " المجموع "، أي لأن المقصود في الصور المذكورة إثبات المال، فعند النكول يثبت المال ولا يثبت النسب، لأن فيه تحميل له على الغير، وهو لا يجوز، م: (وإنما يستحلف في النسب المجرد) ش: قيد به احترازًا عما هو مقرون بدعوى المال، فإنه يثبت المال ولا يثبت النسب م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-، م: (إذا كان يثبت بإقراره) ش: المدعى عليه، فإن النكول عندهما إقرار.
بيان ذلك في قوله: م: (كالأب والابن في حق الرجل) ش: فإن إقراره يصح بالأب والابن م: (والأب في حق المرأة) ش: كما إذا ادعت أنه أبوها م: (لأن في دعواها الابن) ش: أي في إقرارها به م: (تحميل النسب على الغير) ش: فلا يجوز، حاصله: أنه يصح إقرار المرأة بأربعة بالوالدين، والزوج والمولى، ولا يصح بالولد لما قلنا.
وإقرار الرجل يصح بخمسة: بالوالدين، والولد، والزوجة والمولى، لأنه أقر بما يلزمه، وليس فيه تحميل النسب على الغير، ولا يصح إقراره بما سواهم م: (والمولى والزوج في حقهما) ش: أي في حق الرجل والمرأة، وهو متعلق بقوله: والمولى والزوج جميعًا، لأن إقرار الرجل والمرأة جميعًا بالمولى والزوج يصح.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مبسوطه": الأصل في هذا الباب أن المدعى عليه النسب إذا أنكر هل يستحلف، إن كان بحيث لو أقر به لا يصح إقراره عليه فاستحلف عندهم جميعًا، لأن اليمين لا تفيد، فإن فائدة اليمين النكول، حتى يجعل النكول بدلًا وإقرارًا فيقضى عليه لو أقر فإنه لا يستحلف عندهم جميعًا إن كان المدعى عليه حيث لو أقر به لزمه ما أقر به، وإذا أنكر هل يستحلف على ذلك؟، فالمسألة على الاختلاف، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحلف، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يستحلف، فإن حلف

(9/335)


قال: ومن ادعى قصاصا على غيره فجحده استحلف بالإجماع، ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس يلزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لزمه الأرش فيهما، لأن النكول إقرار فيه شبهة عندهما، فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه، كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها البذل بخلاف الأنفس، فإنه لو قال: أقطع يدي، فقطعها لا يجب الضمان، وهذا إعمال للبذل، إلا أنه لا يباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
برئ عن الدعوى وإن نكل عن اليمين لزمته الدعوى، فعلى هذا الأصل يخرج مسائل الباب.

[ادعى قصاصا على غيره فجحده]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": م: (ومن ادعى قصاصًا على غيره فجحده استحلف بالإجماع) ش: ولا خلاف فيه م: (ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال القاضي ومالك - رحمهما الله- بعد حلف المدعي، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، م: (وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الذي ذكر من النكول فيما دون النفس، والنكول في النفس.
م: (وقالا:) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: م: (لزمه الأرش فيهما) ش: أي يلزمه المال في النفس والطرف جميعًا، وهذا الاختلاف فرع اختلافهم في معنى النكول، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو في معنى البذل، وعندهما في مضي إقرار فيه شبهة، لأنه لم يصرح بالإقرار، وهو معنى قوله: م: (لأن النكول إقرار فيه شبهة) ش: أي شبهة البدلية، أو شبهة الإقرار، لأن النكول إقرار فيه شبهة الإنكار م: (عندهما فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصًا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه) ش: قيد به لأنه لو كان امتناعه من جهة من له القصاص لا يجب القصاص، ولا المال أيضًا، كما إذا أقام مدعي القصاص رجلا أو امرأتين أو الشهادة على الشهادة، حيث لا يقضى بشيء، فامتنع القصاص، قوله فلا يجب المال ونظائره بقوله: م: (كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد) ش: يجب المال وبعكسه لا يجب.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لأنها خلقت وقاية النفس، كالأموال فإذا كانت كذلك فيجب، أي فيه البذل، كما في الأموال م: (بخلاف الأنفس) ش: حيث لا يجري البذل فيها، وأوضح ذلك بقوله م: (فإنه لو قال) ش: أي فإن أحدًا لو قال لآخر: م: (اقطع يدي فقطعها لا يجب عليه الضمان، وهذا) ش: أي عدم الضمان م: (إعمال للبذل) ش: وهو بذل مقيد لكونه دافعًا للخصومة م: (إلا أنه لا يباح) ش: جواب إشكال، وهو أن يقال لو كانت الأطراف الأموال، ينبغي أن يباح القطع بالبذل، كما يباح المال بالبذل،

(9/336)


لعدم الفائدة، وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة، فصار كقطع اليد للآكلة وقلع السن للوجع وإذا امتنع القصاص في النفس، واليمين حق مستحق عليه يحبس به كما في القسامة. قال: وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة قيل لخصمه: أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام، كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه والكفالة بالنفس جائزة عندنا، وقد مر من قبل، وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا؛ لأن فيه نظرا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا لأن الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأجاب: بأنه لا يباع القطع م: (لعدم الفائدة) ش: أي كما إذا قال له الغير، احرق ثوبي، أو أتلف مالي لا يباح لعدم الفائدة.
م: (وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة) ش: أي بهذا البذل م: (فصار مقطع اليد للآكلة) ش: على وزن الفاعلة، وهي قرحة غائرة في البدن ينحر العفن، وسببها دم فاسد عفن يستحيل إلى السواد، وأول علاجها استنزاع الخط السوداوي، م: (وقلع السن للوجع) ش: عطف على قوله: "تقطع اليد للآكلة" فإن القطع هاهنا مفيد، فلو قطعه لا يجب عليه شيء بخلاف القطع السرقة، فإن القطع فيها خالص حق الله تعالى، فلا يثبت حق الشبهة.
م: (وإذا امتنع القصاص في النفس) ش: لكونه حق الله تعالى خالصًا، ولا يجري البذل في حقوقه م: (واليمين حق مستحق عليه يحبس به) ش: أي بحق اليمين، قاله الكاكي، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بالحق المستحق م: (كما في القسامة) ش: فإنهم إذا نكلوا عن اليمين يحسبون حتى يقروا أو يحلفوا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة، قيل لخصمه: أعطه كفيلًا بنفسك ثلاثة أيام كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه) ش: أي حق المدعي، وقد اختلف السلف في أخذ الكفيل.
وروى قتادة والشعبي: أنه لا يجوز، وروي عن إبراهيم النخعي: أنه يجوز م: (والكفالة بالنفس جائزة عندنا) ش: وهذا استحسان كما يجيء وبه أخذ علماؤنا، والقياس: أنه لا يجوز كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه مجرد الدعوى ليس سبب الاستحقاق م: (وقد مر من قبل) ش: أي في أول كتاب الكفالة، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز الكفالة بالنفس م: (وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا) ش: قيد به، لأن في القياس أن لا يؤخذ كفيل قبل إقامة البينة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأن فيه) ش: أي في أخذ الكفيل م: (نظرًا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه لأن الحضور مستحق) ش: أي على المدعي م: (عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه) ش: بلفظ المجهول

(9/337)


ويحال بينه وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره، والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه، والحقير من المال والخطير، ثم لا بد من قوله لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الإعداد، يقال: استعدي فلان الأمير علي في ظلمه، أن استعان به، فأعداه الأمير أن أعانه عليه ونصره.
وفي " المبسوط ": الأشخاص إلى بابه يثبت بمجرد الدعوى لما فيه من النظر له، وليس في التكفيل كثير ضرر بالمدعى عليه، لأنه إن لم يكن من فعل الاختفاء لا يتضرر به، وإن كان من قصد الاختفاء يكون ظالمًا فلا ينظر له.
م: (ويحال) ش: على صيغة المجهول بالنصب، عطفًا على قوله: حتى يعدى عليه، وهي من الحيلولة م: (بينه) ش: أي بين المدعى عليه م: (وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره) ش: وفي بعض النسخ: فتصح التكفيل م: (والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح) ش: واحترز به عما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخذ الكفيل إلى المجلس م: (ولا فرق في الظاهر) ش: أي في ظاهر الرواية م: (بين الخامل) ش: بالخاء المعجمة. من خمل الرجل خمولًا إذا كان ساقط القدر م: (والوجيه) ش: وهو الذي له وجاهته وقدره بين الناس.
وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرجل معروفًا، الظاهر من حاله أنه لا يخفى شخصه بذلك القدر من المال فإنه لا يجبر على إعطاء الكفيل، ولكنه أعطى بنفسه كفيلًا مختارًا يؤخذ منه، وإن لم يعطه لا يجبره القاضي على ذلك، م: (والخطير من المال) ش: أي ولا فرق أيضًا بين الخطير وهو الذي له كثرة، م: (والحقير) ش: أي بين الحقير الذي ليس له قدر في الاتصاف بالمالية.
وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان المال حقيرًا لا يخفي المرء نفسه بذلك القدر من المال لا يجبر ولكنه إن أعطى من غير جبر يقبل وإلا فلا، ولو ادعى أنه معسر فإن القاضي يحكم فيه الزي إلا إذا كان المرء من العلماء أو من المعادية لأنهم يتكلفون في لبساهم مع فقرهم، فأما في حق الغير بحكم الزي، وإن كان زي الفقر كان القول قوله: وإن كان عليه زي الأغنياء لا يكون القول قوله، وتحكيم الثياب والزي جائز، قال الله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] الآيتين (يوسف: الآيتين 26، 27) ، فعلم أن تحكيم العلامة جائز.
م: (ثم لا بد من قوله: لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب) ش: أي لو قال: شهودي غيب، بفتحتين على التخفيف، وهو جمع غائبة، مثل

(9/338)


لا يكفل لعدم الفائدة. قال: فإن فعل وإلا أمر بملازمته كيلا يذهب حقه، إلا أن يكون غريبا فيلازم مقدار مجلس القاضي، وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس، فالاستثناء منصرف إليهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خدم وخادم، ويجوز غيب بضم الغين وتشديد الياء، وهو أيضًا جمع غائب على القياس م: (لا يكفل لعدم الفائدة) ش: لأن الفائدة هي الخصومة عند حضور الشهود وذلك في الهالك محال، كالغائب والهالك من وجه، إذا ليس كل غائب يؤوب.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن فعل) ش: أي فإن أعطى الكفيل م: (وإلا أمر) ش: أي وإن لم يعط م: (بملازمته) ش: أي سار معه حيث سار م: (كيلا يذهب حقه) ش: أي حق المدعي.
م: (إلا أن يكون غريبًا) ش: إلا أن يكون المدعى عليه غريبًا حال كونه على الطريق، أي مسافرًا فإذا كان كذلك م: (فيلازم مقدار مجلس القاضي) ش: لأن هذا القدر لا يقطعه عن المرفقة ويحصل النظر للمدعي.
فأما في إمساكه على باب القاضي يومًا أو أكثر ليحضر المدعي بينة ضرر على المطلوب، فإذا جاء أو أن قيام القاضي عن مجلسه ولم يحضر المدعي بينته فإن القاضي يحلفه ويخلي سبيل المطلوب ليذهب حيث شاء.
فإن اختلف المطالب والمطلوب وقال المطلوب: أنا مسافر وقال المطالب: إنه لا يريد السفر ففيه أقوال.
قال بعضهم: القول قوله المدعي لأنه يتمسك بالأصل، وهو الإقامة والسفر عارض، وقال بعضهم: فالقاضي يسأله مع من يريد السفر، فإن أخبره مع فلان فالقاضي يبعث إليه من يسأله، هل أستعد للخروج معكم، فإن قالوا: نعم، يقبل ذلك منه فيمهله إلى آخر المجلس، فإن أحضر المدعي بينة في هذه المدة وإلا خلي سبيل المطلوب، وإن لم يعلم من حاله فنحن نعلم أنه يبقى ثلاثة أيام لأجل الاستعداد، فقلنا بأنه يجبره على إعطاء الكفيل ثلاثة أيام.
م: (وكذا لا يكفل إلى آخر المجلس) ش: أي إلى آخر مجلس القاضي م: (فالاستثناء) ش: أي الاستثناء المذكور بقوله- إلا أن يكون غريبًا- م: (منصرف إليهما) ش: أي إلى الملازمة والتكفيل، وهذا التقدير إنما يحتاج إليه على رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم يذكر هناك مقدار مجلس القاضي في تقدير الملازمة ومدتها، ولا الكفيل ومدته.
فإن فعل والأمر بملازمته إلا أن يكون غريبًا على الطريق، وأما هاهنا قد ذكر الملازمة مدتها ومدة التكفيل، فلا يحتاج إلى قوله "والاستثناء منصرف" لأنه ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدة كل

(9/339)


لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به بمنعه عن السفر، ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا، وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحد باستثناء واحد.
م: (لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك) ش: أي على مقدار مجلس القاضي م: (إضرارًا به) ش: أي بالغريب الذي على الطريق م: (بمنعه عن السفر) ش: أي لمنع الكفيل إياه عن السفر والذهاب إلى منزله، فيؤدي إلى إلحاق الضرر به. وإن كان المدعي يتضرر بذلك لأن ضرر المسافر حقيقة وضرر المدعي موهوم، وربما يكون صادقًا في الدعوى أو كاذبًا والموهوم لا يعارض المحقق، م: (ولا ضرر في هذا المقدار) ش: أي في مقدار مجلس القاضي م: (ظاهرًا) ش: أي حيث الظاهر، لأنه بهذا القدر لا ينقطع عن الرفقة.
م: (وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى) ش: وتفسير الملازمة أن يدور معه حيث دار، ويبعث أمينًا حتى يدور معه أينما دار، لكن لا يحبسه في موضع لأن ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا يشغله عن التصرف بل يتصرف والمدعي يدور معه ولا يمنعه من الدخول إلى أهله.
لكن المطلوب يجلس على باب داره، وفي " الفتاوى الصغرى ": المطلوب إذا أراد أن يدخل داره، فإما أن يأذن للمدعي بالدخول معه أو يحبس معه على باب الدار، لأنه لو تركه حتى يدخل الدار وحده ربما يهرب من جانب آخر فيفوت المقصود من الملازمة.

(9/340)


فصل في كيفية اليمين والاستحلاف قال: واليمين بالله عز وجل دون غيره لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر» ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقد يؤكد بذكر أوصافه وهو التغليظ، وذلك مثل قوله: قل: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر والخفاء ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه وله أن يزيد في التغليظ على هذا وله أن ينقص إلا أنه يحتاط كيلا يتكرر عليه اليمين لأن المستحق عليه يمين واحدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في كيفية اليمين والاستحلاف]
م: (فصل في كيفية اليمين والاستحلاف)
ش: أي هذا فصل في بيان كيفية اليمين، وكيفية الشيء صفته ولا ذكر نفس اليمين في أي موضع يكون وفي أي موضع لا يكون.
شرع في بيان كيفيتها لأن الصفة تتبع الموصوف م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (واليمين بالله عز وجل دون غيره) ش: أي غير الله تعالى م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من كان منكم حالفًا فيحلف بالله أو ليذر» ش: تقدم هذا الحديث في الأيمان
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقد يؤكد) ش: أي اليمين م: (بذكر أوصافه) ش: أي أوصاف الله تعالى، هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهو التغليظ، وذلك مثل قوله: قل: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر والخفاء ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه) ش:
وإنما ذكر: ولا شيء منه، لجواز أنه قد أدى البعض، ويذكر صفاته بدون حرف العطف، حتى لو قال: "والله" "والرحمن الرحيم"، ويكون أيمانًا.
م: (وله أن يزيد في التغليظ على هذا) ش: أي وللقاضي أو المحلف من جهد الزيادة في تغليظ الزيادة على هذا المذكور م: (وله أن ينقص منه) ش: أي عن المذكور، وذلك لأن أحوال الناس فيه مختلفة فمنهم من يمتنع عن التغليظ، ومنهم من يتجاسر ولا يبالي م: (إلا أنه يحتاط) ش:، والمراد من الاحتياط ما ذكرنا من أنه بذكر الأسماء والصفات بدون حرف العطف.
م: (كيلا يتكرر عليه اليمين) ش: لأنه ذكر الواو صارت أيمانًا كما ذكرنا، م: (لأن المستحق عليه يمين واحدة) ش: فلا يزاد عليها.

(9/341)


والقاضي بالخيار إن شاء غلظ، وإن شاء لم يغلظ فيقول: قل بالله أو والله، وقيل لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره، وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير قال: ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق لما روينا، وقيل: في زماننا إذا ألح الخصم ساغ للقاضي أن يحلف بذلك لقلة المبالاة باليمين بالله وكثرة الامتناع بسب الحلف بالطلاق

قال: ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن صوريا الأعور: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى إن حكم الزنا في كتابكم هذا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والقاضي بالخيار إن شاء غلظ، وإن شاء لم يغلظ فيقول: قل بالله، أو: والله، وقيل: لا يغلظ على المعروف) ش: أي الرجل المعروف م: (بالصلاح ويغلظ على غيره) ش: أي غير المعروف بالصلاح م: (وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير) ش: والمال الخطير هو المال العظيم، وفي الإقرار إذا قال لفلان علي مال عظيم يلزمه النصاب الشرعي.
م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق) ش: وفي " الفتاوى الصغرى ": التحليف بالطلاق والعتاق لم يجوزه أكثر أصحابنا، وأجازه البعض، وبه أفتى الإمام أبو علي بن الفضل بسمرقند.
ويفتي: أنه لا يجوز وإن مست الضرورة يجوز، فإذا بلغ المستفتي في الفتوى يفتي: أن الرأي إلى القاضي اتباعًا لهؤلاء السلف، وفي " خلاصة الفتاوى ": فلو حلفه القاضي بالطلاق فنكل وقضى بالمال لا ينفذ قضاؤه، وفي "الأصل": لا يحلف بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالحج م: (لما روينا) ش:، أراد به الحديث المذكور.
م: (وقيل: في زماننا إذا ألح الخصم) ش: بأن كان لحوحًا متفتًا لا يبالي باليمين بالله فحينئذ م: (ساغ للقاضي أن يحلف) ش: من التحليف م: (بذلك) ش: أي بالطلاق وبالعتاق.
م: (لقلة المبالاة باليمين بالله تعالى، وكثرة الامتناع بسبب الحلف بالطلاق) ش: وفي "الفصول" للأستروشني: لو أنكر الشاهد الشهادة لا يحلفه القاضي، وفي " المبسوط ": لأن الاستحلاف يغني عن الخصومة، ولا خصم ولا شاهد، وفي " الفصول ": ولو قال المنكر الشاهد كاذب وأراد تحليف المدعي ما يعلم أنه كاذب لا يحلفه.

[استحلاف اليهودي والنصراني]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والنصراني) ش: أي يحلف النصراني م: (بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لابن صوريا الأعور: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن حكم الزنا في كتابكم هذا") » ش: هذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود عن عبد

(9/342)


ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى، والنصراني بنبوة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ويستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار وهكذا ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله بن مرة، عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهودي محمم، فدعاهم، فقال: "هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ " فقالوا: نعم، فدعا رجلًا فقال له: " أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ " فقال: اللهم لا، فلولا أنك نشدتني بهذا لم أحدثك بحد الزنا في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإن أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا، فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والضعيف فاجتمعنا على التحميم والجلد، وتركنا الرجم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم".» قاله الشارح، وهذا الرجل هو عبد الله بن صوريا، وكان أعلم من بقي منهم بالتوراة، قد صرح باسمه في " سنن أبي داود ".
وعن سعد عن قتادة، عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: يعني لابن صوريا ... الحديث، وهذا مرسل.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي في " السنن " مسندًا إلى البراء بن عازب، ثم ذكر الحديث، وليس كذلك، بل الحديث في " صحيح مسلم " كما ذكرناه، وإذا أراد "بالسنن" سنن أبي داود فليس بصحيح، لأنه في " سنن أبي داود " معلقًا، إن أراد غيره فما روي إلا عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وصوريا بضم الصاد المهملة، وكسر الراء بالقصر، وهو اسم أعجمي، وهو ولد عبد الله كما ذكرنا، قوله أنشدك من نشد ينشد، من باب نصر، وفي " المغرب ": نشد الضالة طلبها، ومنه قولهم في الاستعطاف: نشدك وناشدتك الله وبالله، أي سألتك بالله وطلبت إليك بحقه.
م: (ولأن اليهودي يعتقد بنبوة موسى، والنصراني نبوة عيسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -) ش: أي يعتقد نبوة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (فيغلظ على كل واحد منهما) ش: أي من اليهود والنصارى م: (بذكر المنزل) ش: بفتح الزاء م: (على نبيه، ويستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار) ش: لأنه يعتقد الحرمة في النار فيمتنع من اليمين الكاذبة، فيحصل المقصود.
م: (وهكذا ذكر محمد في الأصل) ش: أي في " المبسوط "، وكأنه وقع عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المجوس من يعظمون النار تعظيم العباد، فالمقصود من اليمين، وهي المنكول، قال: يذكر في اليمين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وهو اختيار بعض مشايخنا - رحمهم

(9/343)


ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في النوادر لأنه لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصا، وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، تعالى وهو إخبار بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها وما ينبغي أن تعظم بخلاف الكتابين، لأن كتب الله معظمة والوثني لا يحلف إلا بالله لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى، قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] (لقمان: الآية 25) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله-
م: (ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": لأنه) ش: أي أن القاضي م: (لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصًا) ش: يعني لما يذكر غير اسم الله تعالى وصفاته، لا في حق المسلمين ولا في حق الكفار.
م: (وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله تعالى، وهو إخبار بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها) ش: أي تعظيم النار، م: (وما ينبغي أن تعظم) ش: أي النار م: (بخلاف الكتابين) ش: يعني التوراة والإنجيل.
م: (لأنم كتب الله تعالى معظمة) ش: لأن الكتب الأربعة كلام الله عز وجل، وتعظيمها واجب
م: (والوثني لا يحلف إلا بالله لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] (لقمان: 25)
فإن قلت: لو كانوا يعتقدون بالله تعالى لم يعبدوا الأوثان والأصنام؟، قلت: إنما يعبدونها تقربًا إلى الله تعالى على زعمهم، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] (الزمر: 3) .
فإذا ثبت أنهم يعتقدون بالله تعالى يمتنعون عن الإقدام على اليمين الكاذبة بالله عز وجل، فتحصل الفائدة المطلوبة من اليمين وهي النكول.
وفي " شرح الأقطع ": وأما الصابئة فإن كانوا يؤمنون بإدريس - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، استحلفوا بالله الذي أنزل الصحف على إدريس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كانوا يعبدون الكواكب استحلفوا بالله الذي خلق الكواكب.
م: (والوثني) ش: نسبته إلى عبادة الوثن وهو ماله خبة من خشب أو حجر، أو فضة، أو جوهر ينحت، والجمع أوثان، وكانت العرب تنصبها وتعبدها، والصبئة جنس من الكفار،

(9/344)


قال: ولا يحلفون في بيوت عبادتهم لأن القاضي لا يحضرها، بل هو ممنوع عن ذلك. قال: ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قاله الجوهري، من صبا إذا خرج من دين إلى دين آخر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يحلفون في بيوت عبادتهم؛ لأن القاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك) ش: أي عند الحضور في بيوت عبادتهم، لأن في تعظيم ذلك المكان، ففي أي مكان حلفهم جاز، وفي " الأجناس " قال في المأخوذ للحسن:
وإن سئل المدعي القاضي أن يبعث به إلى بيته، أو كنيته فيحلف هناك فلا بأس أن يحلفه إذا اتهمه، وعند أبي خطاب الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان لهم مواضع يعظمونها، ويتوقون أن يحلفوا كذبًا حلفوا فيها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان) ش: أما التغليظ بالزمان ففي يوم الجمعة بعد العصر، أما التغليظ بالمكان فبين الركن والمقام إن كان بمكة وعند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان بالمدينة، وعند الصخرة إن كان في بيت المقدس، وفي سائر الجوامع في سائر البلاد.
وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيما يستحب التغليظ بمكان وزمان، وفي قول: يجب التغليظ بهما.
وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دعوى دم، ونكاح، وطلاق ورجعه وإيلاء، ولعان وعتق، وحد ووكالة، وولاء، وجناية، وكل ما ليس بمال والمقصد منه المال حتى يجري في الولادة والرضاع، وعيوب النساء، ومال كثير، وهو النصاب من الذهب عشرون مثقالًا، ومن الفضة مائتا درهم، وفيما دون ذلك لا يغلظ في كل قليل وكثير، ومن به مرض أو زمانة لا يغلظ عليه بالمكان، وكذا الحائض، والمخدرة على وجه لا يجب عليهما حضور مجلس القاضي.
ويحلف الحائض والمخدرة على باب الجامع، وفي كتاب " التفريع " للمالكية: ويحلف الناس في المساجد، ولا يحلف عند منبر من المنابر، إلا عند منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يحلف عنده إلا على ربع دينار فصاعدًا.
ويحلف على أقل من ذلك في سائر المساجد، وإذا وجبت يمين على امرأة حلفت في المسجد ليلًا إن كانت ممن لا تخرج نهارًا.
وفي " المستوعب " للحنابلة: والتغليظ بالزمان بعد صلاة العصر، أو بين الأذان والإقامة، ولا تغليظ اليمين إلا فيما له حطم، مثل الجنايات والحدود والعتاق والطلاق ونحو ذلك وفي المال

(9/345)


لأن المقصود تعظيم المقسم به وهو حاصل بدون ذلك وفي إيجاب ذلك خرج على القاضي حيث يكلف حضورها وهو مدفوع،
قال: ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه ولا يستحلف بالله ما بعت لأنه قد يباع العين ثم يقال فيه ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك رده، ولا يحلف بالله ما غصبت، لأنه قد يغصب ثم يفسخ بالهبة والبيع وفي النكاح بالله ما بينكما قائم في الحال، لأنه قد يطرأ عليه الخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذي تجب فيه الزكاة وقيل فيما تقطع فيه يد السارق، م: (لأن المقصود) ش: يعني من اليمين م: (تعظيم المقسم به) ش: أي تعظيم المقسم به.
م: (وهو حاصل بدون ذلك وفي إيجاب ذلك) ش: أي بدون تعيين الزمان والمكان م: (حرج على القاضي حيث يكلف حضورها) ش: أي حضور بقعة معينة من المكان، أو ساعة معينة من الزمان م: (وهو) ش: أي الخروج م: (مدفوع) ش: شرعًا.
فإن قلت: استدل الخصم بما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف عند منبري هذا بيمين هذا بيمين كاذبة تبوأ مقعدًا من النار» وربما روي أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى قومًا يحلفون بين المقام والبيت، فقال: علي دم؟، فقالوا: لا، قال: أفعظيم من المال؟، قالوا: لا، قال: خشية أن يتهاون الناس بهذا البيت.
الجواب: أن هذا الحديث ليس حديثًا صحيحًا، وهذا ينافي إطلاق قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ، والتخصيص بالزمان والمكان زيادة عليه بأخبار غريبة لا يعلم صحتها فلا يجوز.

[كيفية تحليف من ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده) ش: أي أنكره م: (استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه لا يستحلف بالله ما بعت لأنه قد يباع العين ثم يقال فيه) ش:
لأنه إذا حلف على البيع يضطر إلى اليمين الكاذبة، أو إلى تسليم العبد إلى مالكه بالإقالة وكل ذلك ضرر، هذا هو اليمين على الحاصل على ما يأتي - إن شاء الله تعالى - أي وفي دعوى الغصب إذا أنكر.
م: (ويستحلف وفي الغصب بالله ما يستحق عليك رده ولا يحلف بالله ما غصبت لأنه قد يغصب ثم يفسخ بالهبة والبيع وفي النكاح) ش: على امرأته أنه تزوجها فأنكرت هي أو بالعكس م: (بالله) ش: أي يحلف بالله م: (ما بينكما نكاح قائم في الحال لأنه قد يطرأ عليه) ش: أي على النكاح م: (الخلع) ش: بأن خلعها بعد النكاح.

(9/346)


وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت، ولا يستحلف بالله ما طلقها، لأن النكاح قد يجدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل في هذه الوجوه؛ لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلف في جميع ذلك على السبب إلا إذا عرض للمدعى عليه بما ذكرنا فحينئذ يحلف على الحاصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي دعوى الطلاق) ش: أي يحلفه في دعوى الطلاق بأن ادعت على رجل أنه طلقها ثلاثًا وهو ينكر م: (بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت)
ش: وفي بعض النسخ كما ذكرت: م: (ولا يستحلف بالله ما طلقها لأن النكاح قد يحدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل) ش:، أي على ثبوت الحكم في الحال م: (في هذه الوجوه) ش: أي الوجوه المذكورة، وهي دعوى ابتياع العبد والغصب والنكاح والطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن المدعي يتوجه اليمين في هذه الصور م: (لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا) ش:
أي الحلف على الحاصل في الوجوه المذكورة م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-: أما على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلف في جميع ذلك على السبب) ش:، لأن اليمين يستوفي حق المدعي فوجب أن تكون مطابقة لدعواه والمدعي يدعي السبب، والضابط في الحلف على الحاصل وعلى السبب أن السبب إما هو كان ما يرتفع برافع أولًا، فإن كان الثاني والمتحلف على السبب بالإجماع، وإن كان الأول بأن تضرر المدعي بالتحليف على الحاصل فكذلك وإن لم يتضرر ويحلف على الحاصل عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- على السبب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (إلا إذا عرض للمدعى عليه) ش: أي المدعى عليه م: (بما ذكرنا) ش: يعني من قوله "بل يبتاع العين"، ثم يقال فيه وفي الغصب: قد يصح بالهبة وفي النكاح، وقد يطوى عليه الخلع، وفي الطلاق قد يتجددا بعد الإبانة.
ومراده من التعريض هذه الأشياء بأن يقول المدعى عليه: أيها القاضي الإنسان قد يبيع شيئًا ثم يقال فيه: وكذلك بقية الصور، م: (فحينئذ يحلف) ش: أي يحلف القاضي م: (على الحاصل) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خلاف التصريح، والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس فيه ذكر كقولك، ما أقبح البخل، تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك فلان طويل النجاد، كثير رماد القدر، يعني طويل القامة ومضياف.
ثم قال: ويريد به هاهنا المدعى عليه عند عرض اليمين عليه على السبب يعرض بشيء يعرفه القاضي، فيحلفه على الحاصل كما إذا ادعى رجل أنه اشترى من هذا هذه الصيغة التي

(9/347)


وقيل: ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب يحلف عليه، وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل، فالحاصل هو الأصل عندهما إذا كان سببا يرتفع برافع إلا إذا كان فيه ترك النظر في جانب المدعي، فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع، وذلك مثل أن تدعي مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا يراها، أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها؛ لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده، فيفوت النظر في حق المدعي، وإن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حدها كذا وأنكر المدعى عليه وأراد استحلافه يحلف على الحاصل بالله ما بينكما بيع قائم الساعة.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحلف على السبب بالله ما بعت هذه الصيغة بهذا الثمن الذي يدعى، إلا أن يعرض المدعى عليه للقاضي فيقول: بيع الرجل بالشيء، ثم يرجع إليه بإقالة أو بوجه من الوجوه، ولا يمكنني أن أقر بالبيع ثم ادعى الفتح فحينئذ يحلف على الحاصل.
م: (وقيل:) ش: قائله شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب يحلف عليه) ش: أي على السبب م: (وإن أنكر الحكم) ش:، بأن قال: ليس له علي هذا المال، فإن قال: ما غصبت ولا استقرضت الذي يدعى ولا شيئًا فيه م: (يحلف على الحاصل) ش: وقال في "الذخيرة": هو الأحسن، وعليه عمل أكثر القضاة.
وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفوض إلى رأي القاضي، ويقول الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه: وفي وجه كقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فالحاصل) ش: أي التحليف على الحاصل
م: (هو الأصل عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-، وهو أن يقول بالله ما له حق الرد بهذا العيب الذي يدعيه م: (إذا كان سببًا يرتفع برافع) ش: كالبيع، يقال فيه: والغصب يفسخ بالهبة والنكاح يفسخ بالخلع والطلاق يتجدد فيه بعد الإبانة.
م: (إلا إذا كان فيه) ش: أي في التحليف على الحاصل م: (ترك النظر في جانب المدعي، فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع) ش:، وأوضح ذلك بقوله: م: (وذلك) ش: أي ترك النظر م: (مثل أن تدعي مبتوتة) ش: أي امرأة مبانة تدعي على زوجها م: (نفقة) ش: أي نفقة العدة م: (والزوج ممن لا يراها) ش: أي من لا يرى نفقة المثبوتة بأن كان شافعي المذهب فإنه لا يحلف على الحاصل لأن الزوج يكون صادقًا في اعتقاده، لأنه لا نفقة لها، فلا يمنع عن اليمين، ويكون فيه ترك النظر بل يحلف على السبب لئلا يكون ترك النظر، م: (أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها) ش: إن كان شافعيًا م: (لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده، فيفوت النظر في حق المدعي وإن كان

(9/348)


سببا لا يرتفع برافع، فالتحليف على السبب بالإجماع كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه، بخلاف الأمة والعبد الكافر، لأنه يكرر الرق عليها بالردة واللحاق وعليه نقض العهد واللحاق، ولا يكرر على العبد المسلم.

قال: ومن ورث عبدا وادعاه آخر يستحلف على علمه. لأنه لا علم له بما صنع المورث، فلا يحلف على البتات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سببًا لا يرتفع برافع، فالتحليف على السبب بالإجماع) ش: كذلك يحلف على السبب بأن قيل في التحليف على السبب: ضرر بالمنكر أيضًا بجواز أنه اشترى ولا شفعة بأن سلم أو سكت عن المطلب؟، قلنا: القاضي لا يجد بدًا من إلحاق الضرر بأحدهما، فكان مراعاة جانب المدعي أولى لأن السبب الموجب للحق هو الشراء وإذا ثبت له الحق، وسقوطه إنما يكون بأسباب عارضة.
وإن كان ثم أوضح ذلك بقوله: م: (كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه) ش:، فإنه يحلف بقوله: والله ما أعتقت، لأن السبب لا ينكر هنا.
م: (بخلاف الأمة) ش: إذا ادعت على مولاها أنه أعتقها فإنه لا يحلف بالله ما أعتقها، لأنه لا يجوز أن يعتقها ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب، ثم سبيت ولكن يحلف بالله ما أعتقها في الرق القائم في الحال في ملكه هذا م: (والعبد الكافر) ش: أي وبخلاف العبد الكافر فإنه لا يحلف بالله ما أعتقه، لأنه تكرر العتق يحلف فيه بأن نقض العهد ولحق بدار الحرب ثم سبي، ويحلف بالله ما أعتقه في الرق القائم في الحال في ملكه.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن أنه م: (يكرر الرق عليها) ش: أي على الأمة م: (بالردة واللحاق) ش: بدار الحرب كما قلنا م: (وعليه ينقض العهد واللحاق) ش: أي يتكرر الرق على العبد ينقص عن كونه ذهب ولحق بدار الحرب، م: (ولا يكرر) ش: أي الرق م: (على العبد المسلم) ش: لأنه بعد الحرية لا يستحق رقبة.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ورث عبدًا وادعاه آخر يستحلف على علمه) ش: هذا نوع آخر من كيفية اليمين على العلم أو الثبات، وصورة المسألة في الجامع لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في الرجل يرث العبد، فيجيء رجل فيزعم أنه له، ولا بينة له على أي شيء يستحلف، قال: على علمه م: (لأنه لا علم له بما صنع المورث فلا يحلف على البتات)
ش: وقال شريح وابن أبي ليلى: يحلف على الثبات، وبقولنا قال إبراهيم النخعي والحسن والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والحلف بالعلم أن يحلف بالله ما يعلم أن هذا الشيء الذي في يدك لهذا المدعي، والحلف بالثبات أي بالقطع على عدم الاستحقاق.

(9/349)


وإن وهب له أو اشتراه يحلف على البتات لوجود المطلق لليمين، إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعا وكذا الهبة. قال: ومن ادعى على الآخر مالا فافتدى يمينه أو صالحه منها على عشرة دراهم فهو جائز وهو مأثور عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأصل في ذلك أن من ادعى عليه فعل من جهة أو ادعى عليه حتى في شيء استفاده بفعله فإن اليمين إذا وجهت في ذلك كانت على البتات، وكل من ادعى عليه فعل غيره أو حق في شيء ملكه بغير فعله فاليمين في ذلك على العلم، وكلاهما مشروع.
وقال الحلواني: هذا أصل مستقيم أي التحليف على فعل الغير في المسائل؛ إلا في الرديء بالعيب، فإن المشتري ادعى أن العبد سارق أو آبق، وأثبت إباقته وسرقته في يد نفسه، أو ادعى أنه سرق أو أبق في يد البائع وأراد تحليف البائع يحلف على البتات مع أنهما فعل الغير، لما أن البائع ضمن بتسليم المبيع تسليمًا عن العيب، فالتحليف يرجع إلى ما ضمن بنفسه فيكون على البتات.
وقيل: التحليف على فعل الغير، إنما يكون على العلم إذا قال الحالف: لا علم لي بذلك، أما لو قال: لي علم بذلك يحلف على البتات، ألا ترى أن المودع إذا قال قبض صاحب الوديعة مني فإنه يحلف المودع على البتات، وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلم إلى المشتري ثم أقر البائع أن الموكل قبض الثمن، وجحد الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه، ويحلف على البتات وهذا تحليف على فعل الغير.
ولكن الوكيل يدعي أن له علمًا بذلك بأن قال: قبض الوكيل الثمن، فكان علم بذلك فيحلف على البتات، كذا في " الفصول ".
وأجيب عليه: بأن هذا تحليف على فعل نفسه، وهو التسليم والرد من حيث المعنى.
م: (وإن وهب له أو اشتراه يحلف على البتات) ش: وهذا من قيمة مسألة " الجامع " أي وإن وهب لرجل عبدًا وقبضه أو اشترى به وجاء يزعم أنه له فإنه يستحلف البينة م: (لوجود المطلق لليمين إذ الشراء سببا لثبوت الملك وضعًا وكذلك الهبة) .
ش: فإن قيل: الإرث كذلك؟، أجيب بأن معنى قوله: "سبب لثبوت الملك" سبب اختياري فباشره بنفسه فيعلم ما صنع.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى على الآخر مالًا فافتدى يمينه أو صالحه منه) ش: أي من يمينه م: (على عشرة دراهم فهو جائز وهو) ش: أي افتدى اليمين م: (مأثور عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روى أصحابنا في " شرح الجامع الصغير " عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه دفع المال ولم يحلف.

(9/350)


وليس له أن يستحلفه على تلك اليمين أبدا، لأنه أسقط حقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قال البيهقي في كتاب" المعرفة" في كتاب"أدب القاضي": قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بلغني أن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ردت عليه اليمين فافتداها بمال ثم قال: أخاف أن يوافق قدري فيقال: هذا يمينه.
وفي كتاب "المخرج" لأبي الوليد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال: أن رجلًا استقرض من عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال له: إنما هي أربعة آلاف فخاصمه إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال: تحلف أنها سبعة آلاف، عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: [ ... ] فأبى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يحلف، فقال له عمر: خذ ما أعطاك.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اختلفت روايات الكتب أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان مدعى عليه من ذلك المال، ادعيا في " الفوائد الظهيري " كان مدعى عليه فافتدى يمينه فقال، أخاف أن يوافق قدر يميني فيقال: هذا بسبب يمينه.
وفي " المبسوط ": ذكر أنه كان مدعيًا، فادعى مالًا للمقداد، قلت: الأول هو الصحيح م: (وليس له) ش: أي للمدعي م: (أن يستحلفه) ش: أي المدعى عليه م: (على تلك اليمين أبدًا لأنه أسقط حقه) ش: أي بالصلح والافتداء.

(9/351)