البناية شرح الهداية

باب التحالف قال: وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنًا وادعى البائع أكثر منه، أو اعترف البائع بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضى له بها، لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها، وإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى، لأن البينات للإثبات ولا تعارض في الزيادة ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعًا فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرًا إلى زيادة الإثبات، وإن لم يكن لكل واحد منهما بينة، قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع؛ لأن المقصود قطع المنازعة وهذه جهة فيه لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ، فإذا علما به يتراضيان به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب التحالف]
م: (باب التحالف) ش: أي هذا باب في بيان التحالف بين الاثنين، ولما ذكر حكم يمين الواحد شرع في بيان اليمين بين الاثنين، والاثنان بعد الواحد في الوجود.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنًا وادعى البائع أكثر منه أو اعترف البائع بقدر من المبيع) ش: بأن قال: كر من الحنطة.
م: (وادعى المشتري أكثر منه) ش: بأن قال: كران م: (وأقام أحدهما البينة قضى له بها) ش: أي بالبينة، م: (لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها) ش: لأنها توجب الحكم على القاضي والدعوى لا توجبه م: (وإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى لأن البينات للإثبات ولا تعارض في الزيادة) ش: لأن البينة المثبتة للأول للأقل لا تتعرض للزيادة، فكانت بالبينة المثبتة للزيادة سألت عن المعارض.
م: (ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعًا فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرًا إلى زيادة الإثبات) ش: بأن قال البائع: بعتك هذه الجارية واحدها بمائة دينار، وقال المشتري: بعني مع هذا الوصف بخمسين دينارًا وأقام البينة.
وقيل: هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرًا، وكان يقول أولًا وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين م: (وإن لم يكن لكل واحد منهما بينة قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع لأن المقصود قطع المازعة، وهذه جهة فيه لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان به) ش: من المشتري وإلا فسخنا المبيع جميعًا للمشتري بمائة دينار، فإذا علم

(9/352)


فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر، وهذا التحالف قبل القبض على وفاق القياس؛ لأن البائع يدعي زيادة الثمن، والمشتري ينكره، والمشتري يدعي وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره، فكل واحد منهما منكر فيحلف، فأما بعد القبض فمخالف للقياس لأن المشتري لا يدعي شيئًا؛ لأن المبيع سالم له فبقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكرها فيكتفي بحلفه لكنا عرفناه بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» ، قال: ويبتدئ بيمين المشتري وهذا قول محمد وأبي يوسف -رحمهما الله- آخرا وهو رواية عن أبي حنيفة -رحمه الله- وهو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
به، أي بالفسخ يتراضيان، أي ما ادعى كل واحد منهما.
م: (فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر، وهذا التحالف قبل القبض) ش: أي قبل قبض المشتري السلعة م: (على وفاق القياس؛ لأن البائع يدعي زيادة الثمن المشتري ينكره، والمشتري يدعي وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره، فكل واحد منهما منكر) ش: لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا جهة فيه، أي قطع المنازعة لأنهما ربما تراضيا فانفسخ، واليمين على من أنكر بالحديث المشهور م: (فيحلف) ش: أي فأما تحالف البائع المشتري م: (فأما بعد القبض فمخالف للقياس، لأن المشتري لا يدعي شيئا؛ لأن المبيع سالم له فبقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكرها، فيكتفي بحلفه، لكنا عرفناه بالنص وهو) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» ش: بهذا الحديث روي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طرق، وقال المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روى هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكلها لا تثبت وقد وقع في بعضها: «إذا اختلف البيعان والمبيع قائم بعينه» .
وفي لفظ: "والسلعة قائمة" وهو لا يصح، فإنه من رواية ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي بعض طرقه انقطاع، وفيه عبد الرحمن بن قيس - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو مجهول الحال، وفي بعض الطرق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو لم يسمع من أبيه، وقيل: إنه من قول بعض الرواة، والعجب من بعض "شراح الهداية " أنه يقول: هذا الحديث صحيح مشهور.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويبتدئ) ش: أي القاضي م: (بيمين المشتري وهذا قول محمد وأبي يوسف رحمهما الله آخرًا وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح)

(9/353)


؛ لأن المشتري أشدهما إنكارًا لأنه يطالب أولًا بالثمن، ولأنه يتعجل فائدة النكول. وهو إلزام الثمن، ولو بدأ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن. وكان أبو يوسف -رحمه الله- يقول أولًا يبدأ بيمين البائع لقوله عليه الصلاة والسلام «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: احترز به عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبتدأ بيمين البائع.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وصححه، قال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي: عن زفر يبدأ بيمين البائع، كذا في " التقريب "، وقال أصحاب الشافعي في المسألة ثلاثة أقوال، إحداها: يبدأ بيمين البائع، والثاني: يبدأ بيمين المشتري، والثالث: الحكم بالخيار، ومنهم من قال: يبدأ بيمين البائع بكل حال، كذا في " شرح الأقطع ".
وقال القدوري في " شرح كتاب الاستحلاف ": وهو أن المشتري إن كان ابتدأ بالخصومة وادعى على البائع ابتداء الخصومة وادعى على المشتري ابتدأ بيمين المشتري، م: (لأن المشتري أشدهما إنكارًا لأنه يطالب أولًا بالثمن) ش: فيكون بادئًا بالإنكار، والبادئ أظلم، م: (أو لأنه يتعجل فائدة النكول) ش:، واليمين شرعت لفائدة النكول حتى لا يستحلف فيما لا يستوفي في النكول.
م: (وهو) ش: أي التعجيل بفائدة النكول م: (إلزام الثمن) ش: والبائع يتأخر فائدة، لأن تسليم المبيع يؤخر إلى زمان استيفاء الثمن، وهو معنى قوله: م: (ولو بدأ) ش: أي القاضي.
م: (بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن) ش: لأنه يقال: أمسك المبيع حتى يستوفي الثمن، فكل تقديم ما تعجل فائدته بالنكول أولًا م: (وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولًا: يبدأ بيمين البائع لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع» ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن الأعمش عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد عن أبيه عن جده أن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - باع إلى أشعب بن قيس رقيقًا من رقيق الخمس بعشرين ألف درهم، فأرسل عبد الله إليه ثمنهم، فقال: إنما أخذتم بعشرة آلاف؛ فقال عبد الله: إن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا".»
ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن القطان: وفيه انقطاع بين محمد بن الأشعث وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومع الانقطاع فإن عبد الرحمن بن الأشعث مجهول.

(9/354)


خصه بالذكر وأقل فائدة التقديم وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن، بدأ القاضي بيمين أيهما شاء لاستوائهما.

وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين وقال في " الزيادات ": يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، ولقد اشتراه بألف، يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا، والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت، دل عليه حديث القسامة «بالله ما قتلتم ولا علمتم له قاتلا» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرجه الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، والمبتاع يختار» وقال: حديث مرسل، فإن عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود وجه الاستدلال: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (خصه بالذكر) ش: أي خص البائع بالمذكور حيث جعل القول قول البائع م: (وأقل فائدته التقديم) ش: أي أقل أقوال هذا التخصيص أن يقيد التقديم.
وأجاب الأقطع بأنه إنما خص البائع بالذكر لأن بينة المشتري معلومة لا يشكل، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واليمين على من أنكر» ، وقد مضى فسكت - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عما تقدم بيانه، وبين ما يشكل ولم يتقدم بيانه.
م: (وإن كان بيع عين بعين) ش: وهو المقايضة م: (أو ثمنًا بثمن) ش: وهو الصرف م: (بدأ القاضي بيمين أيهما شاء لاستوائهما) ش: أي في فائدة النكول، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كل البيوع فوجهه، وإنما ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا تفريعًا على مسألة القدوري.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ".

[صفة اليمين في التحالف]
م: (وصفة اليمين: أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، قال في " الزيادات ": يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف، يضم الإثبات إلى النفي تأكيدًا) ش: بيانه: أنه لو حلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ربما يحلف ويكون بارًا في يمينه، فلقد اشتراه بألف وتسعمائة فيبطل حق البائع في الزيادة، وكذا البائع، لو حلف بالله ما باعه بألف ربما يحلف ويكون صادقًا لجواز أنه باعه بألف درهم فيبطل حق المشتري، م: (والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت) ش: أي على النفي، والبينات وضعت على الإثبات.
م: (دل عليه) ش: أي أنه وضعت على النفي م: «حديث القسامة: "بالله ما قتلتم ولا علمتم له قاتلًا» ش: وسيأتي حديث القسامة في بابه إن شاء الله تعالى.

(9/355)


قال: فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما وهذا يدل على أنه لا ينفسخ بنفس التحالف. لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة، أو يقال: إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل وهو فاسد ولا بد من الفسخ في البيع الفاسد. قال وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر لأنه جعل بازلا فلم يبق دعواه معارضا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته، قال: وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما، لأن هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما) ش: هذا كلام القدوري وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا يدل على أنه) ش: أي أن المبيع م: (لا ينفسخ بنفس التحالف) ش: ما لم يفسخ القاضي، وبه صرح في كتاب "الاستحلاف" لأبي حازم القاضي حيث قال إذا تحالفا فسخ الحاكم البيع، ولم ينفسخ بالتحالف.
وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فإن حلف، القياس أن يلتزم البائع للمشتري بما قال، وفي الاستحسان يترادان ولا ينفسخ البيع بينهما بنفس التحالف ما لم يفسخ الحاكم بينهما، حتى إن أحدهما لو أراد أن يلتزم البيع بما قال صاحبه قبل فسخ الحاكم كان له ذلك، وقال بعضهم: بنفس التحالف ينفسخ، والأول أصح انتهى.
وقال الإمام الناصحي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تهذيب أدب القاضي ": وإن حلفا لا ينقض القاضي المبيع بينهما حتى يطلبا ذلك أو يطلب أحدهما، لأن الفسخ حق لهما؛ بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: "تحالفا وترادا".
م: (لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعًا للمنازعة) ش: بينهما، م: (أو يقال: إذا لم يثبت البدل) ش: للتعارض م: (يبقى بيعًا بلا بدل وهو فاسد ولا بد من الفسخ في البيع الفاسد) ش: والاختلاف في البدل يوجب الاختلاف في العقد لأن كل واحد منهما ادعى عقدًا غير الذي ادعاه الآخر فكان البيع مجهولًا لجهالة البدل.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأنه جعل بازلًا) ش: فيصح البدل في الأعراض م: (فلم يبق دعواه معارضًا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته) ش: لعدم المعارض.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا في الأجل) ش: أي في أصله أو قدره م: (أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن) ش:، وكذا لو اختلفا كل الثمن م: (فلا تحالف بينهما) ش: عندنا، وبه قال أحمد، وقال زفر والشافعي ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تحالفا، ولو اختلفا في أصل البيع لم يتحالفا بالإجماع، م: (لأن هذا) ش: أي الاختلاف في الأصل أو

(9/356)


اختلافا في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف، ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه قال والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه لأنهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر العوارض قال: فإن هلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرط الخيار استيفاء بعض الثمن م: (اختلافًا في غير المعقود عليه) ش: وهو البيع م: (والمعقود به) ش: وهو الثمن م: (فأشبه الاختلاف في الحط) ش: أي في الحط من الثمن م: (الإبراء) ش: أي من الثمن وفيها لا يجب التحالف فكذا.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: واختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به، م: (لأن بانعدامه) ش: أي بانعدام الأجل م: (لا يختل ما به قوام العقد) ش:، لأن الأجل وشرط الخيار أمر زائد في العقد، لأن العقد يصح بدونهما، ولهذا لو اختلفا في الثمن فشهد أحد الشاهدين بالبيع بألف درهم والآخر بالدنانير لا يقبل.
ولو اختلفا في الأجل فشهد أحد الشاهدين بالبيع بألف إلى شهر والآخر بالبيع بألف يقبل ويقضى بالبيع بألف حالة، وكذلك لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام والآخر شهد أنه باعه ولم يذكر الخيار جازت الشهادة، م: (بخلاف الاختلاف في وصف الثمن) ش: أي في جودته ورداءته م: (أو جنسه) ش: وهو كون الثمن دراهم أو دنانير، م: (حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر) ش: أي في قدر الثمن م: (في جريان التحالف) ش: أي في وجوبه، م: (لأن ذلك) ش: أي الاختلاف في الوصف والجنس م: (يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف) ش: بأنه جيد أو رديء أو وسط.
م: (ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف) ش: بل هو أصل بنفسه لكنه يثبت بواسطة الشرط، وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه) ش: أي بعد مضي الأجل فلا يسقط بسقوط الأجل.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه) ش: لأنهما إذا لم يتحالفا يكون القول قول المنكر، لأن ذلك أمر عارض والقول قول المنكر في العوارض، وهو معنى قوله: م: (لأنهما) ش: أي لأن الأجل والخيار م: (يثبتان بعارض الشرط) ش: يعني بشرط عارض على أصل العقد، م: (والقول لمنكر العوارض) ش: وهذا ظاهر الرواية.
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القول قول من يدعي الخيار، كذا في التحليف لأنه ينكر له عن ملكه أو وجوب الثمن عليه، م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن هلك

(9/357)


المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- والقول قول المشتري وقال محمد - رحمه الله-: يتحالفان وينفسخ البيع على قيمة الهالك وهو قول الشافعي -رحمه الله- وعلى هذا إذا خرج المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب لهما: أن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره وأنه يفيد دفع زيادة الثمن فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المبيع) ش: بعد قبض المشتري م: (ثم اختلفا) ش: يعني في مقدار الثمن م: (لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- والقول قول المشتري) ش: مع يمينه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان وينفسخ البيع على قيمة الهالك) ش: يعني بعد التحالف يترادان العقد بالقيمة، م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في رواية، وقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
ولمالك أربع روايات: إذا اختلفا في مقدار الثمن اثنان ما ذكرنا، والثالثة: يتحالفان قبل قبض المشتري السلعة، والرابعة: يتحالفان بعد القبض ما لم يبرهنا.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا خرج المبيع عن ملكه) ش: أي عن ملك المشتري بالمبيع أو بالهبة م: (أو صار) ش: أي المبيع م: (بحال لا يقدر) ش: أي المشتري م: (على رده بالعيب) ش: أي بحدوث المعيب فيه في يده م: (لهما) ش: أي لمحمد والشافعي - رحمهما الله- م: (أن كل واحد منهما) ش: أي من المتعاقدين م: (يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره) ش: لأن كل واحد منهما مدعي ومدعى عليه، فإن البائع يدعي عقدًا ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدًا ينكره البائع.
م: (وأنه) ش: أي وأن التحالف م: (يفيد دفع زيادة الثمن) ش: عن المشتري لو نكل البائع فلا يدفع المشتري زيادة على ما اعترف به المشتراة حينئذ، فما فائدة تحليف البائع؟ قلنا: لم يحصل فيكون مفيدًا، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب سؤال مقدار وهو أن يقال: ما فائدة التحليف عندك؟، فإن فائدته التراد وامتنع التراد بالهلاك.
فقال: بل فيه فائدة، وقع الزيادة التي يدعيها البائع على تقدير نكول المشتري، فإن قيل: هذا يحصل بتحليف المشتراة حينئذ، فما فائدة تحليف البائع؟ قلنا: لم يحصل المشتري، فإن المشتري إذا نكل يلزمه ما ادعاه البائع، والبائع إذا نكل يندفع عن المشتري ما ادعاه البائع، فإذا كان كذلك م: (فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة) ش:، بأن ادعى أحدهما الدنانير والآخر الدراهم بعد هلاك المبيع يتحالفان ويلزم المشتري رد القيمة.

(9/358)


ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-: أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه، وقد ورد الشرع به في حال قيام السلعة والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ، ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في معناه، ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجبه العقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي يوسف وأبي حنيفة - رحمهما الله-: أن التحالف بعد القبض) ش: أي بعد قبض السلعة م: (على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه) ش:، ولا يدعي على البائع شيئًا ينكره، لأن المبيع مملوك له سلم إليه باتفاقهما، م: (وقد ورد الشرع به) ش: أي بالتحالف م: (في حال قيام السلعة) ش: فلا يتعدى إلى حال هلاك السلعة، لأن حال هلاكها ليس كحال قيامها، لأن عند قيامها يندفع الضرر عن كل واحد منهما، فإنه يفسخ العقد فيعود كل واحد منهما إلى رأس ماله بعينه، وبعد الهلاك لم يحصل ذلك إذ العقد لا يحتمل الفسخ بالإقالة وبالرد بالعيب بعد الهلاك فكذا بالتحالف.
م: (والتحالف فيه) ش: أي في حال قيام السلعة م: (يفضي إلى الفسخ) ش:، وهذا جواب عما يقال: إن لم يتعد إلى غيره يلحق به بالدلالة، فأجاب بقوله والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ فيندفع به الضرر عن كل واحد منهما؟ كما ذكرنا الآن م: (ولا كذلك بعد هلاكها) ش: أي بعد هلاك السلعة م: (لارتفاع العقد) ش: بالهلاك م: (فلم يكن في معناه) ش: فبطل الإلحاق بالدلالة، م: (ولأنه لا يبالي) ش:، هذا جواب عن قولهما: إن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه وهو قول بموجب العلة، أي سلمنا ذلك لكن لا يضرنا فيما نحن فيه لأنه لا يبالي م: (بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود) ش: وهو سلامة المبيع للمشتري حيث سلم له وهلك على ملكه، وليس يدعي على البائع شيئًا ينكره ليجب عليه اليمين.
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونوقض بحال قيام السلعة وبما إذا اختلفا بيعًا وهبة فإن في كل منهما المقصود، وحاصل التحالف موجود لاختلاف السبب.
وأجيب عن الأول ثبوته بالنص على خلاف القياس وعلى الثاني بأنه على الاختلاف، والمذكور في بعض الكتب: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإنما يراعى) ش: جوابًا عن قولهما وأنه يفيد دفع زيادة الثمن تقديره المراعاة م: (من الفائدة) ش: التي تثبت م: (ما يوجبه العقد) .
ش: والفائدة التي قال أليست من موجبات العقد؟، والمراد من موجبات العقد: ما لا يكون للعقد وجود بدونه، والذي ذكراه من موجبات النكول والنكول من موجبات التحالف والتحالف ليس من موجبات العقد، فلا يترك ما هو من موجباته وهو ملك المبيع وقبضه وفيه نظر؛ لأنا قد اعتبرنا حال قيام السلعة فائدة للتحالف وليس من موجباته، وهو ملك المبيع وقبضه، وفيه نظر؛

(9/359)


وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته وهذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان عينا يتحالفان لأن المبيع في أحد الجانبين قائم فتوفر فائدة الفسخ ثم يرد مثل الهالك إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل قال وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك وفي " الجامع الصغير ": القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا شيء له من قيمة الهالك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنا قد اعتبرنا حال قيام السلعة فائدة للتحالف وليس من موجبات العقد، والجواب: أنه يثبت بالنص على خلاف القياس.
م: (وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته) ش: من تتمة الجواب العقد لأن العقد لا يحتاج لأن فائدة دفع زيادة الثمن من موجبات نكول البائع، م: (وهذا) ش: أي الاختلاف م: (إذا كان الثمن دينًا) ش: ثابتًا في الذمة كالدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات والموصوفة الثابتة في الذمة، م: (فإن كان عينًا) ش: فإن كان العقد مقايضة وهلك أحد المعوضين م: (يتحالفان لأن المبيع في أحد الجانبين قائم فتوفر فائدة الفسخ) ش: أي الرد م: (ثم يرد مثل الهالك إن كان له مثل أو قيمته) ش: أي أو يرد قيمته م: (إن لم يكن له مثل) ش: كالحيوان فيما إذا تبايعا حيوانًا بحيوان.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن هلك أحد العبدين) ش: يعني باع الرجل عبدين صفقة واحدة وقبضهما المشتري فهلك أحدهما م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: فقال البائع بعتهما منك بألفي درهم وقال المشتري: اشتريتهما منك بألف درهم م: (لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك) ش: والهلاك على نوعين: هلاك العبد والطعام إذا أكله والثوب إذا احترق وذلك مما يوجب الفوات، وهلاك حكمي وهو أن يخرج من ملكه كله أو بعضه، وخروج البعض من ملكه كخروج الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-.
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خروج الكل من ملكه لا يسقط التحالف كذلك خروج البعض، فإذا تحالفا أن خروج الكل من ملكه فعلى المشتري رد القيمة، ومثله إن كان مثلنا وإن خرج البعض فإن كان المبيع مما في تبعيضه ضرر، ويكون التبعيض عيبًا فالبيع بالخيار بعد التحالف إن شاء أخذ الباقي وقيمة الهلاك، وإن شاء رد الثاني وأخذ قيمته، وإن لم يكن في تبعيضه ضرر، وليس التبعيض بعيب فللبائع أن يأخذ الباقي وقيل الغائب، وإن عاد إلى ملكه ثم اختلفا ينظر إن كان العود فيتخالفان ويستردان العين، وإن عاد بحكم ملك جديد لا يتحالفان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، وقال: يتحالفان ويترادان القيمة دون العين.
م: (وفي " الجامع الصغير ": القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع) ش: إلا أن يرضى البائع م: (أن يأخذ العبد الحي، ولا شيء له من قيمة الهالك) ش: أي من

(9/360)


وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان في الحي ويفسخ العقد في الحي، والقول قول المشتري في قيمة الهالك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحالفان عليهما ويرد الحي وقيمة الهالك لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده فهلاك البعض أولى، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن امتناع التحالف للهلاك فيتقدر بقدره. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التحالف على خلاف القياس في حال قيام السلعة، وهي اسم لجميع أجزائها فلا تبقى السلعة بفوات بعضها ولأنه لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن فلا بد من القسمة على القيمة وهي تعرف بالحزر والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثمن الميت.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان في الحي، ويفسح العقد في الحي والقول قول المشتري في قيمة الهالك، وقال - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحالفان عليهما ويرد الحي وقيمة الهالك لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فهلاك البعض أولى) ش: والجواب أن هلاك البعض محمول إلى معرفة القيمة بالحرز وذلك يحل في القسمة عليه فلا يجوز.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن امتناع التحالف للهلاك) ش: أي لأجل هلاك أحد العبدين م: (فيتقدر بقدره) ش: أي فيقدر الامتناع بقدر الهلاك، لأن الحكم لا يزيد على العلة، والجواب عنه هو الجواب المذكور.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التحالف) ش: بعد القبض يثبت م: (على خلاف القياس في حال قيام السلعة) ش:، لما عرف أن البائع غير منكر وإنما يثبت بالسنة وورد عند قيام السلعة م: (وهي اسم لجميع أجزائها) ش: يعني اسم لجميع أجزاء المبيع، م: (فلا تبقى السلعة بفوات بعضها) ش: لأن بفوات بعضها يفوت الشرط فذلك الحكم الذي تعلق به غير معقول م: (ولأنه) .
ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي ولأن الشأن م: (لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن، فلا بد من القسمة على القيمة) ش: باعتبار القيمة م: (وهي) ش: أي القيمة م: (تعرف بالحزر والظن، فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز) ش: فإن قيل يشكل على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما لو أقام القصار بعض العمل ثم اختلفا في الأجرة ففي حصة ما أقام العمل القول لرب الثوب مع يمينه، وفي حصة ما بقي يتحالفان بالإجماع اعتبارًا للبعض بالكل، واستيفاء بعض المنفعة بمنزلة هلاك بعض، فينبغي أن يبقى التحالف عنده.
قلنا: عقد الإجارة في حكم عقود مختلفة يتحد العقد بحسب ما يتم من العمل فإن تعذر

(9/361)


إلا أن يرضى أن يترك حصة الهالك أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم، ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان. وهذا تخريج بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ويصرف الاستثناء عندهم إلى التحالف كما ذكرنا. وقالوا: إن المراد من قوله في " الجامع الصغير ": يأخذ الحي ولا شيء له معناه: لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا، وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري وإنما لا يأخذ الزيادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فسخه في البعض لا يتعذر الفسخ في الباقي، وأما عقد البيع في العبدين عقد واحد، فإذا تعذر فسخه في البعض تعذر في الباقي.
م: (إلا أن يرضى) ش: أي البائع م: (أن يترك حصة الهالك أصلًا) ش: لأن الهالك كأن لم يكن وكأن العقد يصير لم يكن إلا على القائم، م: (لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم ويخرج الهالك عن العقد) ش: فإذا كان كذلك الأمر م: (فيتحالفان) ش: كما هو الحكم في الاختلاف عند قيام السلعة، وهذا إشارة إلى قوله لأنه حينئذ.. إلخ، وفي إشارة أيضا إلى اختلاف المشايخ في الاستثناء المذكور في " الجامع الصغير " في قوله إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شيء له، فالذي ذكره قول عامة المشايخ أشار إليه بقوله: م: (وهذا تخريج بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ويصرف الاستثناء) ش: المذكور في " الجامع الصغير " م: (عندهم إلى التحالف) ش: بيانه أنهم قالوا: الاستثناء عندهم إلى التحالف: أي لا يتحالفان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي، ولا يأخذ شيئًا من ثمن الهالك أصلًا فيتحالفان، لأنه حينئذ صار المبيع كل الحي م: (كما ذكرنا) ش:، أشار به إلى قوله: لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم ويحتاج الهلاك عن العقد ويتحالفان.
م: (وقالوا) ش: أي بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (إن المراد من قوله) ش: أي من قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجامع الصغير) ش: في رواية عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن يشاء البائع م: (يأخذ الحي ولا شيء له معناه: لا يأخذ من ثمن الهالك شيئًا أصلًا) ش:. كما ذكرنا أنه حينئذ جاز المبيع كل الحي م: (وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وهم مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري وإنما لا يأخذ الزيادة) ش: مع اليمين إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي، فلا يضمنه شيئًا مما يدعي من الزيادة من الثمن في حق الميت بل يأخذ ما يقر به المشتري، وحينئذ لا يحلف المشتري لأن الاستحلاف إنما شرع في حق المشتري إذا كان ينكر ما يدعيه البائع في الزيادة، فإذا ترك البائع دعوى الزيادة فلا حاجة إلى استحلاف المشتري.

(9/362)


وعلى قول هؤلاء لا ينصرف الاستثناء إلى يمين المشتري لا إلى التحالف لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري، ثم تفسير التحالف على قول محمد ما بيناه في القائم، وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك. واختلفوا في تفسيره على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري، فإن نكل لزمه دعوى المشتري، وإن حلف يفسخان العقد في القائم ويسقط حصته ويلزم المشتري حصة الهالك ويعتبر قيمتها في الانقسام يوم القبض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى قول هؤلاء) ش: أي قول بعض المشايخ الذين ذكرهم م: (لا ينصرف الاستثناء) ش: وهو قوله: إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شيء له م: (إلى يمين المشتري) ش: معناه أن البائع يأخذ الحي صلحًا على ما يدعيه من الزيادة قبل المشتري، فيجعل صلحهما على هذا العبد كصلحهما على عبد آخر، وصار تقديره على قولهم إلا أن يأخذ البائع الحي ولا يأخذ شيئًا آخر فحينئذ لا يحلف المشتري م: (لا إلى التحالف لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري) .
ش: وقال شيخ الإسلام: هذا لا يقوى لأن الأخذ معلق بمشيئة البائع ولو كان كذلك لكان معلقًا بمشيئتهما، م: (ثم تفسير التحالف على قول محمد) ش: لما كان قول أبي حنيفة عدم وجوب التحالف استغنى عن التفسير ففسره على قولهما م: (ما بيناه في القائم) ش: أي في المبيع الباقي أراد به ما ذكره بقوله وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف إلخ.
م: (وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء) ش: يعني من الثمن م: (فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك) ش: أي ويرد قيمة الهالك والقول في قيمة المشتري، لأن البائع يدعي زيادة قيمته وهو ينكر فيكون القول له كما في قيمة المغصوب أو المقبوض بعقد فاسد، م: (واختلفوا في تفسيره) ش: أي اختلف المشايخ في تفسير التحالف، م: (على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فيتحالفان في القائم دون الهالك.
قال بعضهم: يتحالفان على القائم، لأن العقد ينفسخ في حقه لا غير، م: (والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع، فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري فإن نكل لزمه) ش: أي البائع م: (دعوى المشتري وإن حلف يفسخان العقد في القائم ويسقط حصته) ش: القائم م: (من الثمن ويلزم المشتري حصة الهالك) ش: من الثمن الذي أقر به المشتري، ولا يلزمه قيمة الهالك، م: (ويعتبر قيمتها) ش: أي قيمة الهالك وقيمة الباقي م: (في الانقسام يوم القبض) ش:، فإن اتفقا أن قيمتها يوم القبض كانت على السواء لزم

(9/363)


وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض فالقول قول البائع، وأيهما أقام البينة تقبل بينته، وإن أقاماها فبينة البائع أولى وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده، وينقسم الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشتري نصف الثمن الذي أقر به وسقط نصفه، وإن تصادقا أن قيمتها كانت على التفاوت يسقط في الثمن بقدر قيمة الهالك.

م: (وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض) ش: فقال المشتري: كانت قيمته يوم القبض خمسمائة، وقيمة القائم يوم القبض كانت ألفًا، وقال البائع على عكس هذا م: (فالقول قول البائع) ش: لأن البائع ينكر سقوط زيادة الثمن، والمشتري يدعي السقوط بعد اتفاقهما على وجوب الثمن، فكان البائع متمسكًا بالأصل، كذا في " جامع قاضي خان "، فإن قيل مسائل الزيادات تدل على اعتبار قيمتهما يوم العقد حتى قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيمة الأم تعتبر يوم القيمة، وقيمة الزيادة يوم الزيادة، وقيمة الولد يوم القبض، لأن الأم صارت مقصودة بالعقد والزيادة بالزيادة والولد بالقبض، وكل واحد من بينهما صار مقصودًا بالعقد، فوجب اعتبار قيمتهما يوم العقد لا يوم القبض.
وفي " الفوائد الظهيرية " فهذا إشكال هائل أوردته على قوم تحرير فلم يهتد أحد إلى جوابه، ثم قال: والذي يخايل لي بعد طول الجسم فما ذكر من المسائل لم يتحقق ما يوجب الفسخ، فما صار مقصودًا بالعقد، وفيما نحن فيه تحقيق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودًا لعقد وهو التحالف.
أما في الحي فظاهر، وكذا في الميت، لأنه إن تقذر الفسخ في الهالك لم يتعذر اعتبار ما هو من لوازم الفسخ في الهالك وهو اعتبار قيمته يوم القبض، لأن الهالك مضمون بالقيمة يوم القبض على تقدير الفسخ كما هو مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى قال: يضمن المشتري قيمة الهالك على تقدير التحالف، ويجب إعمال التحالف في اعتبار قيمة الهالك يوم القبض، فلهذا يعتبر قيمتها يوم القبض، م: (وأيهما أقام البينة تقبل بينته) ش: لأنه نور دعواه بالحجة.
م: (وإن أقاماها فبينة البائع أولى) ش: لأنه أكثر إثباتًا بالزيادة في قيمة الهالك ولا معتبر لدعوى المشتري زيادة في قيمة القائم لأنها ضمينته، والاختلاف المقصود وهو ما كان في قيمة الهالك.
ثم ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما هو على قياس القول: م: (وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل) ش: أي " المبسوط " وهو قوله: م: (اشترى عبدين وقبضهما) ش: ولم يرد الثمن م: (ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر، عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن

(9/364)


على قيمتهما، فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول قول البائع لأن الثمن قد وجب باتفاقهما، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك، والبائع ينكره والقول للمنكر وإن أقاما البينة، فبينة البائع أولى لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك وهذا الفقه، وهو أن في الأيمان تعتبر الحقيقة لأنها تتوجه على أحد العاقدين وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها والبائع منكر حقيقة، فلذا كان القول قوله، وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما، والبائع مدع ظاهرا فلهذا تقبل بينته أيضا وتترجح بالزيادة الظاهرة على ما مر، وهذا يبين لك معنى ما ذكرنا من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -

قال: ومن اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا ثم اختلفا في الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على قيمتهما) ش: أي قيمة العبدين م: (فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول قول البائع لأن الثمن قد وجب باتفاقهما، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره، والقول للمنكر وإن أقام البينة، فبينة البائع أولى لأنها أكثر إثباتًا ظاهرًا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك) ش: والبينات شرعته للإثبات، فما كان أكثره إثباتًا كان أولى م: (وهذا) ش: أي اعتبار يمين البائع وبينته م: (لفقه) ش: أي المعنى، وبين الفقه بقوله: وهو أن في الأيمان يعتبر الحقيقة إلخ.
كذا أقره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: "وهذا الفقه" أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أن القول قول البائع والبينة بينته، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "قوله وهذا الفقه" إلخ، يعني أن في البينات تعتبر الدعوى من حيث الظاهر، فإنه يدعي زيادة القيمة للهالك فتكون البينة بينته.
قلت: هذا هو المناسب لما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (وهو) ش: أي الفقه م: (أن في الأيمان تعتبر الحقيقة) ش: أي حقيقة الحال م: (لأنها) ش: أي لأن البينة م: (تتوجه على أحد العاقدين وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها) ش: أي على حقيقة الحال م: (والبائع منكر حقيقة) ش: لأنه ينكر سقوط الزيادة م: (فلهذا كان القول قوله، وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما) ش: أي في حق الشاهدين م: (والبائع مدع ظاهرًا فلهذا تقبل بينته أيضًا وتترجح بالزيادة الظاهرة على ما مر) ش: وهو قوله: لأنه أكثر ثباتًا ظاهرًا، م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره بيوع الأصل بيعه م: (يبين لك معنى ما ذكرنا من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: من تفسيره في التحالف وتفريعاته التي ذكرت في مسألة " الجامع الصغير ".

[اختلفا البائع والمشتري في الثمن]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى جارية) ش: بألف درهم م: (وقبضها) ش: أي قبض الجارية م: (ثم تقايلا) ش: أي المبيع حال قيام الجارية م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: بأن قال المشتري: كان الثمن ألفًا فعليك أن ترد الألف، وقال البائع: كان خمسمائة

(9/365)


فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول ونحن ما أثبتنا التحالف فيه بالنص؛ لأنه ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين، وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض والقياس يوافقه على ما مر، ولهذا نقيس الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعلي رد الخمسمائة م: (فإنهما يتحالفان) ش:، لأن الإقالة بمنزلة بيع جديد في حق الشرع وقطع المنازعة حق الشرع م: (ويعود البيع الأول) ش: حتى يكون حق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الإقالة، ولا بد من الفسخ سواء فسخاها بأنفسهما أو فسخا لأنها كالبيع لا ينفسخ إلا بالفسخ ونحن ما أثبتنا.
هذا جواب عما يقال: النص لم يتناول الإقامة فما وجه جريان التحالف فيها؟ فأجاب بقوله م: (ونحن ما أثبتنا) ش: أي في التقايل م: (التحالف فيه بالنص لأنه) ش: أي لأن النص هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا اختلف البيعان تحالفا وترادا» م: (ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين) ش: بيع في حق غيرهما، فإذا كان كذلك ما أثبتناه بالنص، م: (وإنما أثبتناه) ش: أي التحالف م: (بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض) ش: أي قبل قبض البائع المبيع بعد الإقالة، وصار التحالف معقولًا وهو معنى قوله: م: (والقياس يوافقه على ما مر) ش: أي في أول الباب م: (ولهذا) .
ش: توضيح لقوله: وإنما أثبتناه بالقياس م: (نقيس الإجارة على البيع قبل القبض) ش: يعني إذا اختلف المؤجر والمستأجر قبل استيفاء المعقود عليه في الأجرة، م: (والوارث على العاقد) ش: يعني وارث البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن يجري التحالف بينهما، وبه قالت الأئمة الثلاثة.
م: (والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري) ش: يعني إذا استهلك غير المشتري العين المبيعة في يد البائع وضمن القيمة قامت القيمة مقام العين المستهلكة، فإن اختلف العاقدان في الثمن قبل القبض يجري التحالف بينهما بالقياس على جريان التحالف عندنا تبعًا لعين المشتري، لكون النص إذ ذاك معقول المعنى.
وقال الأترازي: قوله والقيمة على العين فيهما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري، وهذا في النسخة المقابلة بنسخة المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ فيما إذا استهلك المشتري، يعني بفتح الراء وفي بعضها فيما إذا استهلك المبيع.
وقال الإمام حافظ الدين الكبير البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - على "حاشية كتابه الصحيح ": استهلك المشترى بضم التاء على بناء المفعول والمشترى على صيغة المفعول أي نقيس قيمة المشترى المستهلك الذي استهلك في يد البائع.

(9/366)


قال: ولو قبض البائع المبيع بعد الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا. قال: ومن أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ثم تقايلا ثم اختلفا في الثمن، فالقول قول المسلم إليه ولا يعود السلم، لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض؛ لأنه إسقاط فلا يعود السلم بخلاف الإقالة في البيع، ألا ترى أن رأس مال السلم لو كان عرضا فرده بالعيب وهلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم، ولو كان ذلك في بيع العين بعود البيع دل على الفرق بينهما.
قال: وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت: تزوجتني بألفين، فأيهما أقام البينة تقبل بينته لأنه نور دعواه بالحجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط ": إذا قتل المبيع قبل البعض في يد البائع فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليها م: (قال: ولو قبض البائع المبيع بعد الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- خلافًا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يرى النص معلولًا بعد القبض أيضًا) ش: لأنه معلول بوجود الإنكار من كل واحد من المتبايعين لما يدعيه الآخر، وهذا المعين لا يتفاوت بين كون المبيع مقبوضًا أو غير مقبوض.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أسلم عشرة دراهم في كر حنطة) ش: بضم الكاف وتشديد الراء، وهو مكيال لأهل العراق معروف، وقال الأزهري: الكر ستون قفيزًا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف صاع وهو ثلاث كيلجات، قال: وهو من الحساب اثنا عشر وسقًا، والوسق ستون صاعًا، م: (ثم تقايلا) ش: أي السلم م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: يعني رأس المال م: (فالقول قول المسلم إليه ولا يعود السلم) ش: مع يمينه، لأن رب السلم يدعي زيادة وهو ينكر وإلا يتحالفان، م: (لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض) ش: أي الفسخ م: (لأنه) ش: أي الإقالة على تأويل النقائل م: (إسقاط) ش: للمسلم فيه وهو دين، والدين الساقط لا يعود م: (فلا يعود السلم) .
م: (بخلاف الإقالة في البيع) ش: فإنها تحتمل الفسخ فيعود المبيع لكونه عينًا إلى المشتري بعد عوده إلى البائع، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن رأس مال السلم لو كان عرضًا فرده بالعيب) ش: يعني بحكم القاضي بذلك م: (وهلك قبل التسليم إلى رب السلم، لا يعود السلم، ولو كان ذلك في بيع العين بعود البيع دل) ش: أي ما ذكرنا م: (على الفرق بينهما) ش: أي بين السلم وبين العين.

[اختلف الزوجان في المهر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف، وقالت تزوجني بألفين فأيهما أقام البينة تقبل بينته لأنه نور دعواه بالحجة) ش: أما قبول

(9/367)


وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الزيادة، معناه: إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يفسخ النكاح، لأن أثر التحالف في انعدام التسمية وأنه لا يخل بصحة النكاح لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع، لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ ولكن يحكم مهر المثل فإن كان مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج لأن الظاهر شاهد له، وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر، قضي بما ادعته المرأة وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضي لهما بمهر المثل لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة على مهر المثل ولا انحط عنه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكر التحالف أولا ثم التحكيم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بينة المرأة فظاهر لأنها تدعي الزيادة وإنما الإشكال في قبول بينة الزوج لأنه ينكر الزوج مادة فكان عليه اليمين لا البينة، وإنما قبلت لأنه يدعي في الصورة وهي كافية لقبولها م: (وإن أقاما) ش: أي الزوجان م: (البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الزيادة معناه) ش: أي معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره " فالبينة بينة المرأة م: (إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته) ش: قيد به، لأنه إذا كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر فبينة الزوج أولى لأنها تثبت الحط وبينتها لا تثبت شيئًا، لأن ما ادعته ثابت بشهادة مهر المثل.
إليه أشار الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وإن لم تكن لهما) ش: أي للزوجين م: (بينة) ش: بعد الاختلاف في المهر عجزا عن إقامة البينة م: (تحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يفسخ النكاح لأن أثر التحالف في انعدام التسمية وأنه لا يخل بصحة النكاح لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع، لأن عدم التسمية يفسده) ش: أي لأن عدم تسمية الثمن في البيع تفسد البيع لأنه ركن فيه م: (على ما مر) ش: في "كتاب البيوع" وفي "كتاب النكاح" أيضًا م: (فيفسخ) ش: أي البيع بخلاف النكاح فإنه لا ينفسخ م: (ولكن يحكم) ش: بتشديد الكاف من التحكيم على صيغة المجهول مسندًا إلى قوله م: (مهر المثل) ش: أي يجعل من المثل حكمًا.
وبين تفصيل ذلك بقوله م: (فإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (مثل ما اعترف به الزوج أو أقل) ش: مما اعترف به الزوج م: (قضى بما قال الزوج لأن الظاهر شاهد له) ش: أي ظاهر الحال يشهد للزوج لموافقة قوله من المثل م: (وإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (مثل ما ادعته المرأة أو أكثر) ش: مما ادعته م: (قضى بما ادعته المرأة) ش: لأن الظاهر يشهد لها م: (وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضى لهما بمهر المثل، لأنهما لما تحالفا) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لم تثبت الزيادة على مهر المثل، ولا انحط عنه) ش: أي عن مهر المثل.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ذكر) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (التحالف أولًا ثم التحكيم،) ش: أي ثم ذكر التحكيم بعده، حاصله أنه ذكر

(9/368)


وهذا قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف فلهذا يقدم في الوجوه كلها، ويبدأ بيمين الزوج عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- تعجيلا لفائدة النكول كما في المشتري، وتخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلافه، وقد استقصيناه في النكاح وذكرنا خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا نعيده ولو ادعى الزوج النكاح على هذا العبد والمرأة تدعيه على هذه الجارية فهو كالمسألة المتقدمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التحالف أولًا إذا اختلفا في المهر إذا لم يكن لها، ثم ذكر بعد ذلك تحكيم مهر المثل، م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هكذا م: (قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار القسمة م: (بالتحالف فلهذا يقدم) ش: أي التحالف م: (في الوجوه كلها) ش: يعني إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو أكثر منه أو كان بينهما فهذه خمسة أوجه.
م: (ويبدأ بيمين الزوج عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (تعجيلًا لفائدة النكول) ش:، لأن أول التسليمتين عليه فأول اليمينين عليه، لأن الزوج بمنزلة المشتري والمهر كالثمن والبضع كالمبيع، وإليه ذهب الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا في هذا المقام، ولكن لم يعرض له في باب المهر م: (كما في المشتري) ش: فإنه يبدأ بيمينه أولًا. وقالوا في " شرح الجامع الصغير ": يبدأ التحالف بالقرعة لأنه لا رجحان لأحدهما عن الآخر م: (وتخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلافه، وقد استقصيناه في النكاح) ش: أي وقد استقصينا الكلام فيه في كتاب النكاح م: (وذكرنا خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حيث قال: إن القول قول الزوج عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك، إلا أن يأتي بشيء مستنكر.
م: (فلا نعيده) ش: أي فلا نعيد بيان قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هناك للاكتفاء بما ذكره هناك م: (ولو ادعى الزوج النكاح على هذا العبد والمرأة تدعيه) ش: أي تدعي النكاح م: (على هذه الجارية فهو كالمسألة المتقدمة) ش: يعني أنه بحكم مهر المثل أولًا، فمن شهد له فالقول له، وإن كان بينهما فيتحالفان؛ وقد أوضح ذلك صاحب " الإيضاح " حيث قال: وإن ادعى الزوج أن المهر هو هذا العبد، وقالت المرأة: هذه الجارية فالكلام فيه كالألف والألفين إلا فصل واحد، وهو أن مهر مثلها إذا كان مثل قيمة الجارية، أو أكثر فلها قيمة الجارية، لأن تملك الجارية لا يكون إلا بالتراضي، فإذا لم يتفقا على ذلك فقد تعذر التسليم فوجبت القيمة.
وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكفاية ": إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر لها مهر مثلها لا يتجاوز قيمة الجارية، وإن كان أقل من قيمة العبد لها مهر مثلها، إلا أن

(9/369)


إلا أن قيمة الجارية إذا كانت مثل مهر المثل يكون لها قيمتها دون عينها لأن تملكها لا يكون إلا بالتراضي ولم يوجد فوجبت القيمة
وإن اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا، معناه: اختلفا في البدل أو في المبدل لأن التحالف في البيع قبل القبض على وفاق القياس على ما مر، والإجارة قبل قبض المنفعة نظير البيع قبل قبض المبيع، وكلامنا قبل استيفاء المنفعة فإن وقع الاختلاف في الأجرة يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر لوجوب الأجرة، وإن وقع في المنفعة يبدأ بيمين المؤجر وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ترضى بأخذ العبد، لأن تمليك عين الحيوان لا يمكن إلا إذا اتفقا عليه، ولم يتفقا على ملك الجارية فيرجع إلى قيمتها، وهذا الذي ذكره هو الذي ذكره المصنف بقوله: م: (إلا أن قيمة الجارية إذا كانت مثل مهر المثل يكون لها قيمتها دون عينها؛ لأن تملكها لا يكون إلا بالتراضي ولم يوجد فوجبت القيمة) ش: أي قيمة الجارية.

[اختلف المتآجران في الإجارة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا في الإجارة) ش: أي وإن اختلف المتآجران في الإجارة م: (قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه اختلفا في البدل أو في المبدل) ش: أراد بالبدل الأجرة، والمبدل المنافع التي وقع عند الإجارة عليها م: (لأن التحالف في البيع قبل القبض) ش: أي قبل قبض المبيع م: (على وفاق القياس على ما مر) ش: أشار إلى قوله في أول الباب لأن البائع يدعي زيادة الثمن والمشتري ينكر.. إلخ.
م: (والإجارة قبل قبض المنفعة نظير البيع قبل قبض المبيع) ش: في كونهما عقد معاوضة يقبل الفسخ فألحقت الإجارة به، فإن قيل قيام المعقود عليه شرط والمنفعة معدومة قلنا الدار أقيمت مقام المنفعة في حق إيراد العقد عليها، فكأنها قائمة تقديرًا.
م: (وكلامنا قبل استيفاء المنفعة) ش: أي كلامنا الذي ذكرناه إنما هو عند الاختلاف في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه، وأما إذا اختلفا في استيفاء المعقود عليه فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، م: (فإن وقع الاختلاف في الأجرة يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر لوجوب الأجرة) ش: فإن قيل: كان الواجب أن يبدأ بيمين المؤجر لتعجيل فائدة النكول فإن تسليم المعقود عليه واجب أولًا على الأجر ثم تجب الأجرة على المستأجر بعده؟ أجيب: بأن الأجرة إن كانت مشروطة التعجيل فهو السبق إنكارًا فيبدأ به، وإن لم يشترط لا يمتنع الأجر من تسليم العين المستأجرة، لأن تسليمه لا يتوقف على تسليم الأجرة فيبقى إنكار المستأجر لزيادة الأجرة فيحلف، م: (وإن وقع) ش: أي الاختلاف م: (في المنفعة يبدأ بيمين المؤجر) ش: هذا على غير القاعدة، والأصل أن يقال: المؤجر أو الأجير م: (وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه) ش: قال شمس الأئمة البيهقي في كتاب

(9/370)


وأيهما أقام البينة قبلت، ولو أقاماها فبينة المؤجر أولى إن كان الاختلاف في الأجرة. وإن كان في المنافع فبينة المستأجر أولى وإن كان فيهما قبلت بينة كل واحد منهما فيما يدعيه من الفضل نحو أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة يقضي شهرين بعشرة. قال: وإن اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ظاهر لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما، وكذا على أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الهلاك إنما يمنع عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو جرى التحالف هاهنا وفسخ العقد، فلا قيمة لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أنه لا عقد، وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه لأنه هو المستحق عليه وإن اختلفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"الإجارات": اختلفا في الأجرة قبل القبض فقال المستأجر: بخمسة وقال المؤجر: بعشرة، أو في المدة، فقال المؤجر: شهرًا، وقال المستأجر: شهرين أو المسافة، قال: هذا إلى البصرة، وذلك إلى الكوفة، يتحالفان وتفسخ الإجارة وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، ومن أقام بينة تقبل، فإن أقاما فالبينة للمؤجر إن كان الخلاف في قدر الأجر ونوعها أو جنسها، وهذا كالشرح لقول المصنف: م: (أيهما أقام البينة قبلت، ولو أقاماها) ش: أي كل واحد أقام بينة م: (فبينة المؤجر أولى إن كان الاختلاف في الأجرة) ش: لأنه أكثر ثباتًا.
م: (وإن كان في المنافع فبينة المستأجر أولى وإن كان فيهما) ش: أي وإن كان الاختلاف في الأجرة والمنافع م: (قبلت بينة كل واحد منهما فيما يدعيه من الفضل، نحو أن يدعي هذا شهرًا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة يقضي شهرين بعشرة) ش: نظرًا إلى كثرة الإثبات م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا بعد الاستيفاء) ش: أي بعد استيفاء المعقود عليه م: (لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر، وهذا) ش: أي عدم التحالف م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ظاهر، لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما) ش: أي عند أبي يوسف وأبي حنيفة، م: (وكذا على أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني هاهنا م: (لأن الهلاك إنما يمنع) ش: أي التحالف م: (عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه) ش: لأن العين متقومة بنفسها فكانت القيمة قائمة مقام العين م: (فيتحالفان عليها) ش: أي على القيمة م: (ولو جرى التحالف هاهنا وفسخ العقد، فلا قيمة) ش: حتى يكون التحالف عليها م: (لأن المنافع لا تتقوم بنفسها) ش: لأنها عوض لا يبقى زمانين م: (بل بالعقد) ش: أي بل يتقوم بواسطة العقد م: (وتبين أنه لا عقد) ش: يعني ظهر يخلصهما أن لا عقد بينهما لانفساخه في الأصل، فلا يكون لها قيمة يرد عليها الفسخ.
م: (وإذا امتنع) ش: أي التحالف به بالإجماع م: (فالقول للمستأجر مع يمينه، لأنه هو المستحق عليه) ش: ومتى وقع الخلاف في الاستحقاق كان القول قول المستحق عليه مع يمينه م: (وإن اختلفا

(9/371)


بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر لأن العقد ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كان ابتداء العقد عليها بخلاف البيع؛ لأن العقد فيه دفعة واحدة فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل. قال: وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ فأشبه البيع، والجامع أن المولى يدعي بدلا زائدا ينكره العبد، والعبد يدعي استحقاق المعتق عليه عند أداء القدر الذي يدعيه، والمولى ينكره فيتحالفان كما إذا اختلفا في الثمن. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن البدل مقابل بفك الحجر في حق اليد والتصرف للحال وهو سالم للعبد، وإنما ينقلب مقابلا للعتق عند الأداء فقبله لا مقابلة، فبقي اختلافا في قدر البدل لا غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي، وكان القول في الماضي قول المستأجر) ش: لأنه هو المتفق عليه فيما مضى.
وهو المدعى عليه م: (لأن العقد) ش: يعني في الإجارة م: (ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كان ابتداء العقد عليها بخلاف البيع لأن العقد فيه دفعة واحدة، فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل) ش: فإذا تعذر الفسخ في بعضه بالهلاك تعذر في الكل ضرورة فظهر الفرق.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فالقول للعبد مع يمينه م: (وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ فأشبه البيع،) ش: عند الاختلاف في الثمن م: (والجامع) ش: بينهما: م: (أن المولى يدعي بدلًا زائدًا ينكره العبد والعبد المدعي استحقاق المعتق عليه عند أداء القدر الذي يدعيه والمولى ينكر فيتحالفان كما إذا اختلفا) ش: أي المتبايعان م: (في الثمن) ش: أي في ثمن البيع، م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن البدل) ش: أي بدل الكتاب م: (مقابل بفك الحجر في حق اليد والتصرف للحال وهو) ش: أي التصرف م: (سالم للعبد) ش: لاتفاقهما على ثبوت الكتابة.
م: (وإنما ينقلب) ش: أي البدل م: (مقابلًا للعتق عند الأداء) ش: يعني إذا أدى بدل الكتابة ينقلب من كونه مقابلًا في الحجر إلى كونه مقابلًا بالحجرية فهاهنا هي المقصود، كما جعل وجوب الأجرة في ابتداء عقد الإجارة مقابلًا برقبة الدار ثم يصير مقابلًا بالمنافع المطلوبة عند حدوثها فكذا هنا م: (فقبله) ش: أي قبل الأداء م: (لا مقابلة، فبقي اختلاف في قدر البدل لا غير) ش: يعني لا في المبدل.
والعبد لا يدعي شيئًا بل هو منكر لما يدعيه المولى من الزيادة والقول قول المنكر، فإذا كان

(9/372)


فلا يتحالفان.
قال وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجال كالعمامة. لأن الظاهر شاهد له، وما يصلح للنساء فهو للمرأة كالوقاية لشهادة الظاهر لها، وما يصلح لهما كالآنية فهو للرجل، لأن المرأة وما في يدها في يد الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك م: (فلا يتحالفان) ش: لان التحالف في المبيع يثبت نصًا بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه، والكتابة ليست في معنى البيع؛ لأن التحالف في المفاوضات عندنا يتحد بالحقوق اللازمة من الجانبين، وبدل الكتابة ليس بلازم على العبد لقدرته على تعجيز نفسه فيدافع عن نفسه، ولهذا لا تصح الكفالة به ولا يصح إلحاقه بالبيع، فيكون القول للعبد مع يمينه.

[اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح بينهما قائم]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجال كالعمامة) ش: وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح بينهما قائم أو طلقها وادعى كل واحد منهما أنه له، قال أصحابنا ما يصلح للرجال مثل العمامة والقلنسوة والخفين والأسلحة والكتب ونحو ذلك، فالقول فيها قول الرجل.
م: (لأن الظاهر شاهد له) ش: وفي الدعاوى: القول قول من يشهد له الظاهر، وقال الشافعي وزفر وعثمان الليثي وأصحاب الظاهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: ما يصلح له أو لها والمشكل فهو بينهما بعد التحالف، وكذا في يد ورقهما. وقال أحمد وابن أبي ليلى والثوري: ما يصلح له فهو له مع يمينه، وما يصلح لها فهو لها مع يمينها والمشكل بينهما نصفان بعد التحالف، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحوه، إلا أنه قال: المشكل للرجل، وقال ابن شبرمة: الكل للرجل إلا ما على المرأة من ثياب بدنها: وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان البيت لها فالكل لها مع يمينها، إلا ما على الرجل من ثياب بدنه وإن كان البيت له فالكل له لأن البيت وما فيه في يده م: (وما يصلح للنساء فهو للمرأة كالوقاية) ش: والملاءة، والوقاية ما تشده المرأة على [ ... ] رأسها كالعصابة سميت بذلك لأنها مع الخمار كالملحفة م: (لشهادة الظاهر لها) ش: أي للمرأة م: (وما يصلح لهما) ش: أي للزوجين م: (كالآنية فهو للرجل) ش: وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشكل ما يصلح لها كالفرن والشاة والعبد والخادم والأواني والأمتعة والذهب والفضة والعقار، وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يصلح للنساء فهو لها مع اليمين، إلا أن يكون الرجل صائغًا وله أساوير وخواتيم النساء وحلي وخلخال وأمثال ذلك، فحينئذ لا تكون هذه الأشياء لها.
وكذلك إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال كالعمامة [ ... ] والمنطقة م: (لأن المرأة وما في يدها في يد الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها، لأنه) ش: أي لأن ظاهر اليد

(9/373)


يعارضه ظاهرا أقوى منه، ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة فإن مات أحدهما واختلفت ورثته مع الآخر فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما لأن اليد للحي دون الميت، وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج مع يمينه لأن الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز وهذا أقوى فيبطل به ظاهر يد الزوج، ثم في الباقي لا معارض لظاهره فيعتبر، والطلاق والموت سواء لقيام الورثة مقام موروثهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة، وما يكون لهما فهو للرجل أو لورثته لما قلنا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (يعارضه ظاهرًا أقوى منه،) ش: وهو بدل الاستعمال فكان القول لها، كرجلين اختلفا في ثوب أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه، فإن اللابس أولى، بخلاف الإسكاف والعطار إذا اختلفا فيه، لأن الأساكفة والعطارين وهي في أيديهما فيكون بينهما نصفين عند علمائنا، ولم يترجح بالاختصاص، لأن المراد به ما هو بالاستعمال لا بالشبهة، ولم يشاهد استعمال الأساكفة والعطارين، وشاهدنا: كون هذه الآن في أيديهما على السواء فجعلناها بينهما نصفين.
م: (ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعد ما وقعت الفرقة فإن مات أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (واختلفت ورثته) ش: أي ورثة الميت م: (مع الآخر) ش: وهو الحي منهما م: (فما يصلح للرجال والنساء) ش: كالأواني والبسط ونحوها م: (فهو للباقي منهما) ش: أي من الزوجين م: (لأن اليد للحي دون الميت) ش: لأنه لا يد له.
م: (وهذا الذي) ش: وهذا المجموع الذي م: (ذكرناه) ش: من حيث الجملة لا من حيث التفصيل من أول المسألة إلى آخرها م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن المذكور من حيث التفصيل ليس قوله خاصة، فإن كون ما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة بالإجماع فلا اختصاص له بذلك، وعلى هذا قوله: م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها) ش: معناه مما يصلح لها م: (والباقي للزوج مع يمينه لأن الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز، وهذا) ش: أي ظاهر المرأة م: (أقوى) ش: لجريان العادة بذلك م: (فيبطل به ظاهر يد الزوج، ثم في الباقي لا معارض لظاهره فيعتبر) ش: فكان معتبرًا.
م: (والطلاق والموت سواء لقيام الورثة مقام موروثهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما يكون لهما) ش: أي وما كان يصلح للزجين م: (فهو للرجل أو لورثته لما قلنا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في "الدليل"، وهو أن المرأة وما في يدها للزوج والقول لصاحب اليد وهذا بالنسبة إلى الحياة، وأما بالنسبة إلى الممات

(9/374)


والطلاق والموت سواء لقيام الوارث مقام المورث وإن كان أحدهما مملوكا فالمتاع للحر في حالة الحياة لأن يد الحر أقوى، وللحي بعد الممات لأنه لا يد للميت فخلت يد الحي عن المعارض، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: العبد المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر لأن لهما يدا معتبرة في الخصومات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقوله: م: (والطلاق والموت سواء لقيام الوارث مقام المورث) ش: وفي الفوائد، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ورثة الزوج يقومون مقام الزوج لأنهم خلفاؤه فيما له فكما أن المشكل له في حياته مع يمينه، فكذا كان القول لورثته م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد الزوجين.
م: (مملوكًا فالمتاع للحر في حالة الحياة؛ لأن يد الحر أقوى وللحي بعد الممات لأنه لا يد للميت فخلت يد الحي عن المعارض، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: العبد المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر لأن لهما يدًا معتبرة في الخصومات) ش: حتى لو اختصم الحر والمكاتب في شيء في يديهما قضى به بينهما لاستوائهما في اليد، ولو كان في يد ثالث وأقام البينة استويا فيه.
فكما لا يترجح الحر بالحرية في سائر الخصومات فكذلك في متاع البينة، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: "وللحي بعد الممات" سواء كان الحي حرًا أو مملوكًا، هكذا ذكره في نسخ " شرح الجامع الصغير ".
ولكن ذكر فخر الإسلام شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شروح الجامع الصغير ": لو كان أحدهما حرًا والآخر مملوكًا فالمتاع للحر منهما، وكذا إن مات أحدهما كان المتاع للحر منهما، ثم قال: وما وقع في بعض النسخ "للحي منهما" سهو.
وفي رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والزعفراني للحر بالراء، وذكر في " المختصر السراجي السعيد ": ولو كان أحدهما مملوكًا فاختلفا بعد الفرقة في الأمتعة المشكلة فالقول قول الحر لقوة يده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: سواء.
وذكر في " جامع البزدوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمتاع للحر منهما غير مقيدة بالمشكل وجرح به في مختلف العقبة، والأقضية أن المتاع كله للحر عنده، وعندهما على التفاصيل التي عرفت فيما إذا كانا حرين.

(9/375)


فصل فيمن لا يكون خصما وإن قال المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب، أو رهنه عندي، أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي وكذا إذا قال أجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه قلنا: مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي، وهو خصم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل فيمن لا يكون خصما]
م: (فصل فيمن لا يكون خصمًا) ش: أي هذا فصل في بيان من لا يكون خصمًا عند الدعوى، ولما ذكر فيما مضى من يكون خصمًا ذكر هنا من لا يكون خصمًا، وبضدها تتبين الأشياء قيل: الفصل مشتملًا أيضًا على ذكر من يكون خصمًا، وأجيب: نعم من حيث الفرق لا من حيث القيد الأصلي م: (وإن قال) ش: و"في بعض النسخ" فإن قال م: (المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي) ش: صورته دار أو ثوب في يد إنسان ادعى رجل عليه أنها له، فقال ذو اليد: هو لفلان الغائب أودعنيه.. إلخ.
وأقام ذو اليد بينة على ما قاله فلا خصومة بين ذي اليد الذي هو المدعى عليه وبين المدعي. وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- والشافعي في الأظهر، وقال ابن شبرمة له يندفع به، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنصوص عليه، م: (وكذا) ش: أي لا خصومة م: (إذا قال) ش: ذو اليد م: (أجرنيه) ش: فلان م: (وأقام البينة لأنه) ش: أي وكذا لأن ذا اليد م: (ثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة:) ش: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الطبي أبو شبرمة الكوفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القاضي فقيه أهل الكوفة، عدداه في التابعين، روى عن أنس بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال العجلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان قاضيًا لأبي جعفر على سواد الكوفة وضياعها، وكان فاضلًا ناسكًا ثقة في الحديث، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
م: (لا تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه) ش: أي عن الغائب، وإثبات الملك للغائب بدون الخصومة متعذر، إذ ليس لأحد ولاية إدخال شيء في ملك غيره بغير رضاه، م: (ودفع الخصومة بناء عليه) ش: أي على إثبات الملك والبناء على المتعذر متعذر م: (قلنا مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب) ش: أي أحدهما ثبوت الملك للغائب.
م: (ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي) ش: أي والثاني: دفع الخصومة عن نفسه م: (وهو خصم فيه) ش: لأن مقصود ذي اليد إثبات أن يده يد حفظ لا يد خصومة، ولا إثبات الملك للغائب أو فيما هو المقصود، والمدعي خصم له فيه فتقبل بينته.

(9/376)


فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة كإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل، ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى؛ لأنه صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بحجة، كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة؛ لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه. ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال حق غيره، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيثبت) ش: يد الحفظ م: (وهو كالوكيل بنقل المرأة) ش: إلى زوجها م: (كإقامتها البينة على الطلاق) ش: فإنها تقبل بقصر يد الوكيل عنها، ولم يحكم بوقوع الطلاق ما لم يحضر الغائب م: (كما بيناه من قبل) ش: أي في باب الوكالة بالخصومة.
والقبض يعني أن بينة المرأة على الطلقات الثلاث تقبل في حق قصر يد الوكيل عن نقلها لا في حق الطلاق، م: (ولا تندفع) ش: أي الخصومة م: (بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى) ش: هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفقيه قاضي الكوفة، فيه مقال، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. ومذهبه أنه يخرج من الخصومة بمجرد الدعوى بغير بينة لأنه لا تهمة فيما يقر به على نفسه فيثبت ما أقر به بمجرد إقراره أن يده يد حفظ لا يد خصومة.
م: (لأنه صار خصمًا) ش: دليلها يعني توجهت الخصومة إليه م: (بظاهر يده) ش:، وهذا يبين ما كان للقاضي إحضاره ويكتب إليه بالجواب م: (فهو بإقراره يريد أن يحول حقًا مستحقًا على نفسه) ش: فهو متهم في إقراره م: (فلا يصدق إلا بحجة) ش: كما لا يصدق المدعي دعوى الملك إلا بحجة.
وكذا م: (كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره) ش: بالحوالة، فإنه لا يصدق إلا بحجة.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا:) ش: تندفع الخصومة كما كانت البينة م: (إن كان الرجل) ش: أي ذو اليد م: (صالحًا) ش: أي غير معروف إلا بالخير والصدق، م: (فالجواب كما قلناه) ش: أي تندفع الخصومة كما قامت البينة، م: (وإن كان معروفًا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله) ش: أي المال الذي غصبه من إنسان م: (إلى مسافر يودعه إياه ويشهد عليه الشهود) ش: حتى جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه م: (فيحتال لإبطال حق غيره) ش: بأن يقيم بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه وتندفع الخصومة عنه.
م: (فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله) ش: وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " المبسوط " ما ذهب

(9/377)


ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي، ولأنه ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه، فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجه الثاني، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تندفع لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة، وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إليه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صح استحسان ذهب إليه بعدما ابتلي بالقضاء، لأنه لما رضي بالقضاء فوقف على أحوال الناس ما لا يعرفه غيره، وما قالا قياس، لأن البينات حجج متى قامت يجب العمل بها، ولا يجوز تعطيلها بمجرد الوهم.
قلت: زماننا هذا أكثر فسادًا لغلبة التزوير وكثرة الحيل بالاحتياط فيه واجب، م: (ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ولأنه) ش: أي ولأن ذي اليد م: (ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت الخصومة لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجه الثاني) ش: أي الشهود ما أحاله إلى معين يمكن للمدعي اتباعه.
م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تندفع) ش: الخصومة، م: (لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه للعلم بيقين، حينئذ أن المودع غير المدعي، فإذا الشهادة تفيد أن يده ليست بيد خصومة وهو المقصود، م: (فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه) ش: هذا جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو اندفعت الخصومة لتضرر المدعي.
ووجهه أن المدعي أضر نفسه بالضرر اللاحق م: (حيث نسي خصمه أو أضره شهوده) ش: أي شهود المدعى عليه، وهذا الاختلاف إنما يكون إذا كانت العين قائمة في يد المدعى عليه، وإليه أشار بقوله: "هذا الشيء أو دعته فلان" فإن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج؛ وأما إذا هلكت فلا تندفع الخصومة، وإن أقام البينة لأنها إذا كانت قائمة فذو اليد ينتصب خصما للمدعي في العين بظاهر يده فإن ظاهر اليد يدل على الملك إلا أنه يحتمل أنه ليس يد ملك، وبإقامة البينة أن العين وديعة عنده يظهر أن يده ليست يد ملك فتندفع عنه الخصومة، أما إذا كانت العين هالكة فالدعوى تقع في الدين، ومحل الدين الذمة، فالمدعى عليه يثبت خصمًا للمدعي بذمته وبما أقام المدعي من البينة، على أن العين كانت في يده وديعة لا تبين أن ذمته كانت لغيره، فلا تتحول عنه الخصومة.

(9/378)


دون المدعى عليه، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وذكرنا الأقوال الخمسة وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما، وإن قال المدعي: غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة، لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد، ويصح دعوى الفعل وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان، وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال غصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (دون المدعى عليه وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى) ش: أي هذه المسألة من مسائل كتاب الدعوى من "الأصل" تسمى المخمسة لما فيها من خمسة أوجه، لأن ذا اليد قال: هذه وديعة أو عارية أو إجارة أو رهن، أو غصب أو تسمى بخمسة لأن فيها خمسة أقاويل، أشار إليه بقوله: م: (وذكرنا الأقوال الخمسة) ش: لعلمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولابن أبي ليلى ولابن شبرمة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن قال: ابتعته من الغائب فهو خصم) ش: يعني إذا ادعى على ذا اليد عينًا، فقال ذو اليد "اشتريتها من الغائب" لا تندفع الخصومة م: (لأنه لما زعم أن يده يد الملك اعترف بكونه خصمًا) ش: كما لو ادعى ذو اليد ملكًا مطلقًا م: (وإن قال المدعي: "غصبته مني" أو "سرقته مني" لا تندفع الخصومة، وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة) ش: بيانه: أن المدعي إذا ادعى فعلًا على ذي اليد، وقال: الدار داري أودعتها عندك أو استأجرتها مني أو غصبتها مني أو ارتهنتها مني، وقال المدعى عليه الذي في يده الدار: إنها لفلان الغائب أودعها أو غصبتها منه وغير ذلك، وأقام على ذلك البينة؛ فإن الخصومة لا تندفع عنه، م: (لأنه) ش: أي لأن ذا اليد م: (إنما صار خصمًا بدعوى الفعل عليه لا بيده) ش: وصيرورته خصمًا في دعوى الفعل لا يفتقر إلى اليد أصلًا فضلًا عن أن يفتقر إلى ملك ويد خصومة، ولهذا اتضح دعوى الملك المطلق باعتبار يده، حتى لا تصبح دعواه أي دعوى المدعي على غير ذي اليد.
ويصح دعوى الفعل على غير ذي اليد م: (بخلاف دعوى الملك) ش: أي دعوى المدعي لما ملك م: (المطلق، لأنه خصم فيه) ش:، أي لأن ذا اليد خصم في دعوى الملك المطلق م: (باعتبار يده حتى لا تصح دعواه) ش: أي دعوى المدعي م: (على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل) ش: أي غير ذي اليد م: (وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه لم يدع الفعل عليه) ش: أي على ذي اليد.
بل هذا دعوى الفعل على مجهول وهي باطلة فألحقت بالعدم م: (فصار كما إذا قال: غصب

(9/379)


مني على ما لم يسم فاعله. ولهما: أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة، والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءًا للحد شفقة عليه، وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال سرقت، بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه، وإن قال المدعي: ابتعته من فلان وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته، فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم البينة أن فلانًا وكله بقبضه؛ لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مني على ما لم يسم فاعله) ش: لأن فيه تجهيل الغاصب م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ولأبي يوسف - رحمهما الله-: م: (أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة) ش: لأن الفعل بدون الفاعل لا يتصور.
م: (والظاهر: أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه) ش: أي لم يعين السارق م: (درءًا) ش: أي دفعًا م: (للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال: سرقت) ش: بالخطاب المذكر م: (بخلاف الغصب، لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه) ش: فإنه غير معذور في التجهيل م: (وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه فلان ذلك أسقطت) ش: أي أشد إسقاطًا م: (الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة، إلا أن يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه، لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها) ش: ولو طلب المدعي بينة على ما ادعى من الإيداع يحلف على الثبات.
ولو قال ذو اليد: أودعني وكيله لا يصدق إلا ببينة، لأن الوكالة لا تثبت إلا بقوله، م: (والله أعلم) .

(9/380)