البناية شرح الهداية

باب ما يدعيه الرجلان قال: وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها بينهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: تهاترتا، وفي قول: يقرع بينهما، لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين الاستحالة اجتماع الملكين في الكل في حالة واحدة، وقد تعذر التمييز فيتهاتران أو يصار إلى القرعة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرع فيه، وقال: " اللهم أنت الحكم بينهما ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب ما يدعيه الرجلان]
م: (باب ما يدعيه الرجلان) ش: أي هذا باب في بيان ما يدعيه الرجلان، ولما فرغ من بيان حكم الواحد شرع في بيان حكم الاثنين؛ لأنه بعد الواحد.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ادعى اثنان عينًا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها بينهما. وقال الشافعي، في قول: تهاترتا) ش: أي البينتان تساقطتا من التهر بكسر الهاء، وهو السقط من الكلام والخطأ، وهذا قوله القديم، وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية، م: (وفي قول يقرع بينهما) ش: ويقضي لمن خرجت قرعته، وبه قال أحمد في رواية.
وفي قول للشافعي وأحمد في رواية: يقضي لمن خرجت قرعته بيمين، وعن مالك: يقضي بأعدل البينتين، فإذا تساويا في العدالة يقسم بينهما نصفين. وقال الأوزاعي وابن الماجشون المالكي: يقضي بأكثرهم عددًا لزيادة طمأنينة القلب إلى قول الأكثر.
م: (لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين لاستحالة اجتماع المالكين في الكل) ش: يعني في كل العين م: (في حالة واحدة، وقد تعذر التمييز) ش: أي تمييز العادلة من الكاذبة، فإذا كان كذلك م: (فيتهاتران) ش: أي فيتساقطان م: (أو يصار إلى القرعة، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أقرع فيه وقال: " اللهم أنت الحكم بينهما ") » ش: هذا رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شيء فأقام كل واحد منهما البينة، فأقرع بينهما» هكذا ذكر الأترازي لفظه، ولفظ الطبراني: «فأقام كل واحد منهما بشهود عدول في عدة واحدة، فساهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما، وقال: " اللهم

(9/381)


ولنا حديث تميم بن طرفة «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناقة وأقام كل واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين» وحديث القرعة كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ، ولأن المطلق للشهادة في حق كل واحد منهما محتمل الوجود بأن يعتمد أحدهما سبب الملك، والآخر اليد، فصحت الشهادتان فيجب العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتنصيف، إذ المحل يقبله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اقض بينهما» ، ورواه أبو داود عن ابن المسيب مرسلًا، وكذا رواه عبد الرزاق مرسلًا، ورواه عبد الحق في أحكامه. وقال: وهذا مرسل ضعيف؛ لأن عبد الرزاق رواه عن نعيم بن يحيى الأسلمي، قال: هو متروك.
م: (ولنا «حديث تميم بن طرفة أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناقة وأقام كل واحد منهما البينة، فقضى بها بينهما نصفين) » ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن تميم بن طرفة أن رجلين...... إلخ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن سماك بن حرب، ورواه البيهقي في كتاب " المعرفة " عن الحاكم بسنده عن أبي عوانة أخبرنا سماك بن حرب به، وقال هذا [
] .
قلت: تميم بن طرفة الطائي المسلمي الكوفي من التابعين الثقات مات سنة خمس وتسعين، وروى عنه مسلم بن طرفة، ولا يحتج بهذا لانقطاعه، ويحتج بحديث أبي هريرة، رواه إسحاق بن راهويه وابن حبان في " صحيحه ": «أن رجلين ادعيا دابة فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما نصفين» . وروى الطبراني في " معجمه " بإسناده عن جابر بن سمرة: «أن رجلين اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعير، فأقام كل واحد منهما شاهدين أنه له، فجعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما.»
م: (وحديث القرعة كان في الابتداء) ش: أي في ابتداء الإسلام م: (ثم نسخ) ش: بما حرم القمار وكان مباحًا، م: (ولأن المطلق) ش: بكسر اللام، أي المجوز م: (للشهادة في حق كل واحد منهما محتمل الوجود بأن يعتمد أحدهما سبب الملك والآخر اليد) ش: أي اعتمد اليد، لأن الشهادة لا تعتمد وجود الملك حقيقة، لأن ذلك يثبت لا يطلع عليه العباد، فجاز أن يكون أحدهما اعتمد شبهة الملك بأن رآه يشتري فشهد على ذلك، والآخر اعتمد اليد فشهد على ذلك م: (فصحت الشهادتان، فيجب العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتنصيف، إذ المحل يقبله) ش: أي يقبل التنصيف

(9/382)


وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق.
قال: فإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة، وأقاما بينة لم يقض بواحدة من البينتين لتعذر العمل بهما؛ لأن المحل لا يقبل الاشتراك. قال: ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما؛ لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين، وهذا إذا لم تؤقت البينتان، فأما إذا وقتا فصاحب الوقت الأول أولى، وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما. وإن أقام الآخر البينة قضي بها، لأن البينة أقوى من الإقرار، ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها، لأن القضاء الأول قد صح فلا ينقض بما هو مثله بل هو دونه، إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقا، لأنه أظهر الخطأ في الأول بيقين، وكذا إذا كانت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصار هذا كالمعلل سرجه، نحو إن باع فضولي مال آخر، وباع فضولي من آخر ذلك المال وأجاز مالك البيعين ثبت الملك لكل واحد منهما في النصف، فكذا هذا.
م: (وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق) ش: إن المدعي قابل للاشتراك، فيستويان في الاستحقاق كالغريمين في الشركة.

[ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما بينة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما بينة لم يقض بواحدة من البينتين لتعذر العمل بهما؛ لأن المحل لا يقبل الاشتراك. قال:) ش: أي القدوري (ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما، لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين) ش: قال السعدي: لا يترجح أحدهما إلا بإحدى معان ثلاث: أحدهما: إقرار المرأة، والثاني: كونها في يد أحدهما، والثالث: دخول أحدهما بها إلا أن يقيم الآخر أن نكاحه أسبق، كذا في " الخلاصة ".
م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (إذا لم تؤقت البينتان) ش: أي إذا لم يذكر تاريخا، م: (فأما: إذا وقتا) ش: أي ذكر كل واحد منهما تاريخا م: (فصاحب الوقت الأول) ش: أي التاريخ السابق م: (أولى) ش: لما فيه من زيادة الإثبات، ولأنه لا معارض له في ذلك الزمان فقضى به في ذلك الزمان م: (وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما) ش: على الزوجية؛ لأنها ليست في يد أحد وهي في يد نفسها، فيعتبر إقرارها بالزوجية م: (وإن أقام الآخر البينة قضى بها؛ لأن البينة أقوى من الإقرار) ش: لأن البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة.
م: (ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها؛ لأن القضاء الأول قد صح فلا ينقض بما هو مثله بل هو دونه) ش: أي دعوى المدعي الآخر مع شهادته دون الأول لاتصال القضاء بالأول م: (إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقا) ش: على شهود، فحينئذ ينتقض الأول م: (لأنه أظهر الخطأ في الأول بيقين، وكذا إذا كانت

(9/383)


المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق. قال: ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد معناه من صاحب اليد وأقاما بينة فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك، لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصارا كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل وأجاز المالك البيعين يخير كل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق) ش: أي إلا على وجه: أن بينته تشهد أن نكاحه قبل نكاح الأول، فحينئذ ينتقض نكاح الأول لظهور الخطأ فيه بيقين، وهذا كله إذا كان التنازع حال قيام المرأة، أما إذا كان بعد وفاة المرأة فهذا على وجوه، ولا يعتبر فيه الإقرار واليد، فإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضى بالنكاح له والميراث له ويجب عليه تمام المهر؛ وإن لم يؤرخا أو أرخا على السواء فإنه يقضي بالنكاح بينهما، ويجب على كل واحد من الزوجين نصف المهر ويرثان منهما ميراث زوج واحد.
فرق بين الدعوى في حالة الحياة وبين الدعوى بعد الوفاة، والفرق أن المقصود في حالة الحياة هي المرأة وهي لا تصلح مشتركة بينهما، والمقصود بعد الوفاة ميراث ابن كامل لأن البنوة لا تتجزأ. هكذا ذكر في " الفضول ".

[ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد) ش: قال المصنف: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (من صاحب اليد) ش: إنما قال هذا احترازًا عما سيأتي بعد هذه المسألة وهي أنه لو ادعى كل واحد الشراء من غير ذي اليد فهو لا يخلو إما أن يدعي الشراء من واحد أو اثنين فالحكم على التفصيل يجيء في الكتاب م: (وأقاما بينة) ش: بينة من غير توقيت م: (كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك؛ لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب) ش: وبه قال مالك في رواية، وأحمد في رواية، والشافعي في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول آخر: يقرع؛ وبه قال أحمد في رواية.
وعن الشافعي قول: " تسقط البينتان " ويرجع إلى البائع فإن صدق أحدهما سلم إليه، وهل يحلف الآخر على القولين؟ والأصح لا يرجح بإقرار البائع.
وبه قال أكثر أصحابه بل يقسم نصفين أو يقرع، م: (فصار كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل، وأجاز المالك البيعين) ش: قضى بينهما نصفين م: (يخير كل واحد منهما) ش: أي من الاثنين الذي ادعى كل واحد أنه اشترى هذا العبد.

(9/384)


لأنه تغير عليه شرط عقده، فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن لو أراد.
وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه، بخلاف ما لو قال ذلك قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع؛ لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه تغير عليه شرط عقده، فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن لو أراد. وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه، بخلاف ما لو قال ذلك قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع؛ لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف
م: (لأنه تغير عليه شرط عقده) ش: وهو رضاه، لأنه ما رضي بالعقد إلا ليسلم له كل المبيع، فإذا لم يسلم اختل رضاه بتفريق المصنفة عليه م: (فلعل رغبته في تملك الكل) ش: أي كل العبد م: (فيرده ويأخذ كل الثمن) .
ش: فإن قيل: كذب أحد البينتين متيقن لاستحالة توارد العقدين على عين واحدة كاملا في وقت واحد، فينبغي أن تبطل البينات؟. أجيب: بأنهم لم يشهدوا بكونهما في وقت واحد، بل شهدوا بنفس العقد، فجاز أن يكون كل منهم اعتمد سببا في وقت أطلق له الشهادة به م: (لو أراد) .

م: (وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه لأنه صار مقضيا عليه في النصف، فانفسخ البيع فيه) ش: أي في النصف، لأنه صار مقضيا عليه بالنصف لما قضى القاضي بينهما بالبيع تضمن قضاؤه فسخ العقد في حق كل واحد منهما في النصف، فلا يعود إلا بتجديد العقد، م: (وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه) ش: أي لثبوت استحقاقه م: (بالبينة)
ش: وهذا جواب عما يقال: وهو يدع، فكيف يكون مقضيا عليه؟، فأجاب: بقوله " لظهور استحقاقه "، أي لثبوت استحقاقه بالبينة، وهذا لأن استحقاق كل واحد للكل ثابت نظرا إلى بينته، وإذا لم يظهر في النصف لوجود بينة صاحبه " وهو معنى قوله: م: (لولا بينة صاحبه) ش: يعني لولا بينة صاحبه أظهر استحقاقه في الكل وقد انفسخ بقضاء القاضي لا يعود إلا بإسناد جديد.
م: (بخلاف ما لو قال ذلك) ش: أي قوله " لا أختار " م: (قبل تخيير القاضي) ش: وهو القضاء عليه م: (حيث يكون له أن يأخذ الجميع لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه) ش: أي أثبت شراءه في الكل بالبينة ولم يفسخ القاضي بيعه في شيء، وإنما كان القضاء له بالنصف لمزاحمة صاحبه له، فإذا زالت المزاحمة قضى له بالكل.
وفي نسخة شيخي العلامة العلاء بعد قوله " ولم يفسخ سببه " م: (والعود إلى النصف

(9/385)


للمزاحمة ولم توجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه بعد القضاء. ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما، لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد، فاندفع الآخر به. ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب الوقت لثبوت الملك في ذلك الوقت، واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضى له بالشك، وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى، ومعناه أنه في يده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمزاحمة ولم توجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه بعد القضاء) ش: انتهى بيانه فيما ذكرنا الآن بقولنا: لأن القضاء له بالنصف إلى آخر قوله: ونظيره إلى نظير ما إذا قال أحد المدعيين: لا أختار الأخذ قبل تخيير القاضي، حيث يكون للآخر أخذ الجميع تسليم أحد الشفيعين، يعني إذا سلم أحدهما قبل القضاء يقضي للآخر بجيمع الدار إن سلم بعد القضاء لا يكون للآخر إلا نصف الدار وهو معنى قوله: نظائر الأول تسليمه بعد القضاء.
م: (ولو ذكرنا كل واحد منهما تاريخا) ش: أي من الاثنين اللذين ادعى كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد وأقام كل منهما بينة بالتاريخ م: (فهو للأول منهما) ش: أي للأسبق منهما بالتاريخ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، واختاره المزني ويحكم من نص الشافعي في قول البويطي: أنه لا ترجيح فيه بالسبق م: (لأنه) ش: أي لأن الذي قامت بينته بالسبق م: (أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به) ش: أي اندفع الآخر من الاثنين المذكورين به، أي بإثبات الشراء في زمن لا تعارضه البينة الأخرى، وهو استحقها في ذلك الوقت، فتبين أن الآخر اشتراه من غير المالك، فكان باطلا بخلاف ما إذا كانت البينتان مطلقتين ومؤرختين بتاريخ واحد، فإنه لا يعلم شراء أحدهما من غير المالك، فتعارضتا.
م: (ولو وقتت إحداهما) ش: أي ولو ذكر أحد البينتين التاريخ م: ولم تؤقت الأخرى) ش: أي البينة الأخرى م: (فهو لصاحب الوقت) ش: وبه قال مالك والشافعي في قول، وفي قول أحدهما سواء، وبه قال أحمد م: (لثبوت الملك) ش: أي ملك صاحب الوقت م: (في ذلك الوقت، واحتمل الآخر) ش: أي الوقت الآخر م: (أن يكون قبله) ش: أي قبل الوقت الأول م: (أو بعده) ش: أو يكون بعد الوقت الأول، فإذا كان كذلك م: (فلا يقضى له بالشك) ش: لأن الحكم لا يثبت بالشك.
م: (وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى) ش: هذا كلام القدوري، وقال المصنف: م: (ومعناه) ش: أي معنى كلام القدوري ومع أحدهما قبض م: (أنه في يده) ش: أي القبض ثابت في يد معاينة، وإنما احتاج إلى التفسير بهذا لأن قوله " ومع أحدهما قبض " يجوز أن يحمل على أن يكون معناه أثبت قبضه بالبينة فيما مضى من الزمان، وهو في الحال في يد البائع.

(9/386)


لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنهما استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة بالشك، وكذا لو ذكر الآخر وقتا لما بيناه إلا أن يشهدوا أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد؛ لأن الصريح يفوق الدلالة.
قال: وإن ادعى أحدهما شراء الآخر هبة وقبضا معناه من واحد وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى، لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت الملك بنفسه، والملك في الهبة يتوقف على القبض وكذا الشراء والصدقة مع القبض لما بينا، والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضى بينهما لاستوائهما في وجه التبرع ولا ترجيح باللزوم؛ لأنه يرجع إلى المال؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويجوز أن يكون الحكم هناك على خلاف هذا، حيث ذكر في " الذخيرة " ثبوت يد أحدهما بالمعاينة، م: (لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنهما) ش: أي ولأن الاثنين م: (استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة بالشك، وكذا إذا ذكر الآخر وقتا) ش: أي إذا ذكر بينة الآخر وقتا لم ينتفع به ولا يعلم فيه خلاف، لأن القبض إذا وجد ولم ينتقض بالشك ووقت الآخر يحتمل، فلا ينتقض اليد الثابتة بيقين م: (لما بيناه) ش: أشار به إلى قوله لأن تمكنه من قبضة...... إلخ.
م: (إلا أن يشهدوا) ش: أي الشهود الخارج م: (أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد لأن الصريح يفوق الدلالة) ش: فإذا كان كذلك فينتقض به إليه.

[ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة ولا تاريخ معهما]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا) ش: أي ادعى هبة وقبضا، وهذا كلام القدوري. وقال المصنف: م: (معناه من واحد) ش: أي كلام القدوري من رجل واحد، لأنه إذا ادعى كل واحد منهما تلقى الملك من رجل آخر يكون بينهما نصفين، فلا يكون الشراء أولى وسيجيء ذلك، م: (وأقاما بينة) ش: إن أقام كل واحد بينة بما ادعاه م: (ولا تاريخ معهما) ش:، أو والحال أن واحدا منهما ليس معه تاريخ م: (فالشراء أولى، لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين) ش: أي من جانب البائع وجانب المشتري بخلاف الهبة فإنها ليست بمعاوضة.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشراء م: (يثبت الملك بنفسه، والملك في الهبة يتوقف على القبض) ش: لأنها لا تتم إلا بالقبض، م: (وكذا الشراء والصدقة مع القبض) ش: يعني إذا ادعى أحدهما الشراء والآخر ادعى الصدقة مع القبض م: (لما بينا) ش: أشار بها إلى قوله: " لأن الشراء أقوى من الهبة " م: (والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضى بينهما لاستوائهما في وجه التبرع) ش: والافتقار إلى القبض، م: (ولا ترجيح باللزوم) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم التساوي، فإن الصدقة لازمة لا تقبل الرجوع دون الهبة.
وتقرير الجواب: أنه لا ترجيح باللزوم؛ م: (لأنه يرجع إلى المال) ش: أي مما يظهر أثره في

(9/387)


والترجيح بمعنى قائم في الحال. وهذا فيما لا يحتمل القسمة صحيح، وكذا فيما يحتملها عند البعض؛ لأن الشيوع طارئ. وعند البعض: لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع.
قال: وإذا ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في القوة، فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت الملك بنفسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثاني الحال، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل م: (والترجيح بمعنى قائم في الحال) ش: يعني الأصل أن الترجيح إنما يكون بمعنى قائم في الحال لا في المال.
وقال شيخ الإسلام علاء الدين الإسبيجاني: إن الشراء أقوى من الهبة، لأنه يقبل الملك بنفسه والهبة لا تقبل الملك بدون القبض، وكذا الشراء أولى من الصدقة والرهن والنكاح عليها في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا في الشراء والنكاح فإنها تكون بينهما نصفين، والرهن أولى من الهبة، والصدقة والنكاح أولى من الهبة، والصدقة والهبة سواء.
م: (وهذا) ش: أي الحكم بالتنصيف بينهما م: (فيما لا يحتمل القسمة صحيح) ش: كالحمام والرحى، م: (وكذا فيما يحتملها) ش: أي فيما يحتمل القسمة كالدار والبستان صحيح م: (عند البعض) ش: لأن كل واحد يثبت استحقاقه في الكل، إلا أنه لأجل المزاحمة سلم له البعض م: (لأن الشيوع طارئ) ش: فلا تبطل الهبة م: (وعند البعض: لايصح، لأنه تنفيذ الهبة في الشائع) ش: وصار كإقامة البينتين على الارتهان.
قيل: هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما عند أبي يوسف ومحمد: فينبغي أن يقضى لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار لرجلين، م: (وهذا أصح) ش: أي قول البعض أصح، يعنى لا يصح في قولهم جميعا، لأنا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار، فإنما يقضى بالعقد الذي شهد به شهوده، وعند اختلاف العقد لا تجوز الهبة لرجلين عندهم جميعا، وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي وتمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه) ش: صورته: ادعى أحد الاثنين أنه اشترى هذا العبد من فلان ذي اليد، وادعت امرأة أنه، أي هذا المدعى عليه، تزوجها عليه أي على العبد، وأقام كل منهما البينة م: (فهما سواء) ش: يعني المدعي والمرأة سواء، يعني يقضى بالعبد بينهما نصفين م: (لاستوائهما في القوة) ش: أي في قوة الدعوة بالبينة، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (فإن كل واحد منهما) ش: أي من الشراء والتزوج م: (معاوضة يثبت الملك بنفسه) ش: فتحقق المساواة بينهما في الاستحقاق، هذا إذا لم

(9/388)


وهذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء أولى، ولهما على الزوج القيمة لأنه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء إذ التزوج على عين مملوك للغير صحيح وتجب قيمته عند تعذر تسليمه.
وإن ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة فالرهن أولى، وهذا استحسان. وفي القياس الهبة أولى؛ لأنها تثبت الملك، والرهن لا يثبته. وجه الاستحسان أن المقبوض بحكم الرهن مضمون، وبحكم الهبة غير مضمون، وعقد الضمان أقوى، بخلاف الهبة بشرط العوض لأنه بيع انتهاء والبيع أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يؤرخا، أو أرخا وتاريخهما سواء، وإذا أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فالسابق أولى. فإن قيل: الشراء مبادلة مال بمال موجب للضمان في الموضعين، والنكاح مبادلة مال بما ليس بمال غير موجب الضمان في المنكوحة، فكان الشراء أقوى؟.
قلنا: بل النكاح أقوى من الشراء من وجه، لأن الملك في الصداق يثبت بنفس العقد متأكدا حتى لا يبطل بالهلاك قبل التسليم، بخلاف الملك في المشتري ويجوز التصرف في الصداق قبل القبض، بخلاف المشتري فإن لم يرجح جانب النكاح بهذا فلا أقل من المساواة.
ثم للمرأة نصف القيمة على الزوج، ويرجع المشتري عليه بنصف الثمن إن كان نقد إياه.
م: (وهذا) ش: أي قوله: " فهما سواء، أو يقضى بينهما " م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء أولى، ولهما) ش: أي للمرأة م: (على الزوج القيمة) ش: أي قيمة العبد م: (لأنه أمكن العمل بالبينتين) ش: لأن تصحيح البينات واجب ما أمكن حسنا للظن بالشهود، وذلك م: (بتقديم الشراء) ش: فتحا بسبق الشراء صح، وصحة التسمية في النكاح، لأن التزوج على عبد الغير صحيح، وهو معنى قوله: م: (إذ التزوج على عين مملوك للغير صحيح وتجب قيمته عند تعذر تسليمه) ش: ومتى قلنا بسبق النكاح بطل البيع، فإذا كان كذلك قلنا بسبق الشراء، لأنه يقضي إلى تصحيح البينتين جميعا، فكان الشراء أولى، ووجب للمرأة على الزوج قيمة ذلك، لأن من تزوج امرأة على عبد الغير صح، ووجبت القيمة فكذلك هذا.

[ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة]
م: (وإذا ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة فالرهن أولى، وهذا استحسان. وفي القياس الهبة أولى؛ لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته) ش: لأن الرهن يثبت اليد، والملك أقوى من اليد، فكانت الهبة أولى.
م: (وجه الاستحسان: أن المقبوض بحكم الرهن مضمون) ش: ولهذا قلنا: إن الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين، م: (وبحكم الهبة) ش: أي المقبوض بحكم الهبة م: (غير مضمون، وعقد الضمان أقوى) ش: لأنه أكثر إثباتا م: (بخلاف الهبة بشرط العوض لأنه بيع انتهاء، والبيع أولى

(9/389)


من الرهن؛ لأنه عقد ضمان يثبت الملك صورة ومعنى، والرهن لا يثبت إلا عند الهلاك معنى لا صورة، فكذا الهبة بشرط العوض، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ فصاحب التاريخ والأقدم أولى لأنه أثبت أنه أولى المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته، ولم يتلق الآخر منه
قال: ولو ادعيا الشراء من واحد معناه من غير صاحب اليد وأقاما البينة على تاريخين فالأول أولى لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الرهن لأنه) ش: أي لأن البيع م: (عقد ضمان يثبت الملك صورة) ش: أي من حيث الصورة في الحال م: (ومعنى) ش: أي من حيث المعنى في المال م: (والرهن لا يثبته) ش: أي الملك م: (إلا عند الهلاك معنى) ش: أي من حيث المعنى، يعني إذا هلك حتى لو مات العبد المرهون يجب الكفن على الراهن دون المرتهن، لأنه لم يثبت ملكه، وقوله: م: (لا صورة) ش: أي لا من حيث الصورة في الحال م: (فكذا الهبة بشرط العوض) ش: أي وكذا أقوى من الرهن لما ذكرنا الآن.
م: (وإن أقام الخارجان البينة على الملك) ش: صورته إذا ادعى اثنان على آخر في عين وأقام كل منهما بينة على الملك يعني بأنه ملكه مطلقاً م: والتاريخ) ش: بأن شهد بينة كل منهما بالتاريخ م: (فصاحب التاريخ الأقدم أولى) ش: فإن كان تاريخ أحدهما شهر مثلا، وتاريخ الآخر بأكثر منه فيهما كان السابق في التاريخ أولى م: (لأنه أثبت أنه أولى المالكين، فلا يتلقى الملك إلا من جهته) ش: أي إلا من جهة أنه أول المالكين، م: (ولم يتلق الآخر منه) ش: فلا شيء له.

[ادعى كل منهما أنه اشترى هذه العين من واحد]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو ادعيا الشراء من واحد) ش: أي ادعى كل منهما أنه اشترى هذه العين من واحد، كذا قال القدوري. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري من واحد م: (من غير صاحب اليد) .
ش قال الأترازي: فيه نظر، لأن معنى دعوى الشراء من واحد معنى تلقي الشراء من واحد لا من اثنين، وذلك الواحد هو الثالث ثم بعد ذلك لا يخلو إما أن تكون العين التي وقع فيها الدعوى في يد ذلك الثالث، أو في يد أحدهما، أو في أيديهما، ولا معنى لقوله: " معناه من غير صاحب اليد "، انتهى.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: في تقييده بهذا القيد، معناه من غير صاحب اليد ليست زيادة فائدة، فإن في الحكم المرتب عليه وفي سائر الأحكام لا يتفاوت أن يكون دعواها الشراء من صاحب اليد أو غيره بعد أن يكون البائع وجد أو لا يعلم فيه خلافا، ذكره في " الذخيرة " م: (وأقاما البينة على تاريخين) ش: أي أو أقام المدعيان المذكوران بينة على تاريخين مختلفين، م: (فالأول) ش: أي صاحب التاريخ الأول م: (أولى لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه) ش: أي في ذلك الوقت.

(9/390)


وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من آخر، وذكرا تاريخا فهما سواء، لأنهما يثبتان الملك لبائعيهما، فيصير كأنهما حضرا ثم يخير كل منهما كما ذكرنا من قبل.
ولو وقتت إحدى البينتين وقتا ولم توقت الأخرى قضى بينهما نصفين، لأن توقيت إحداهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما بالبينة تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره. ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر الهبة والقبض من غيره، والثالث الميراث من أبيه، والرابع الصدقة والقبض من آخر فقضى بينهم أرباعا، لأنهم يتلقون الملك من باعتهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق.
قال: فإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ولصاحب اليد بينة على ملك أقدم تاريخا كان أولى، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء) ش: أي على كل واحد اشترى م: (من آخر) ش: أي أقام أحدهما على الشراء من زيد مثلا، وآخر على الشراء من عمرو م: (وذكرا تاريخا) ش: واحدا م: (فهما سواء، لأنهما يثبتان الملك لبائعيهما فيصير كأنهما حضرا) ش: وادعيا وتاريخا واحدا م: (ثم يخير كل واحد منهما كما ذكرنا من قبل) ش: أن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك.

م: (ولو وقتت إحدى البينتين وقتا ولم توقت الأخرى قضى بينهما نصفين؛ لأن توقيت إحداهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا، لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما بالبينة تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره، ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر) ش: أي وادعى الآخر م: (الهبة والقبض من غيره، والثالث) ش: وادعى الثالث م: (الميراث من أبية، والرابع) ش: أي وادعى الرابع م: (الصدقة والقبض من آخر) ش: وأقاموا البينة م: (فقضى بينهم أرباعا؛ لأنهم يتلقون الملك من باعتهم) .
ش: وفي بعض النسخ: م: (من باعتهم) ش: كلاهما بطريق التغليب، لأن البائع واحد من المالكين الأربع، فكان المراد من مملكتهم. وفي بعض النسخ: من متلقيهم استدلالا بلفظ يتلقون، وكذا في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق) ش: لأنهم استووا في دعوى الملك، وقد اثبتوه بالحجة، فيوزع بينهم.

[أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد بينة على ملك أقدم تاريخا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد بينة) ش: أي أقام البينة م: (على ملك أقدم تاريخا كان أولى) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(9/391)


وعنه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه، لأن البينتين قامتا على مطلق الملك، ولم يتعرضا لجهة الملك، فكان التقدم والتأخر سواء. ولهما: أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع، فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته، وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة. وعلى هذا الاختلاف لو كانت الدار في أيديهما والمعنى ما بيناه.
ولو أقام الخارج وذو اليد البينة على ملك مطلق، ووقتت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعنه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه) ش: أي رجع محمد إلى القول بأن بينة ذي اليد في الصور كلها لا تقبل إلا في النتاج، وعند الأئمة الثلاثة: بينة ذي اليد أولى في كل الوجوه لترجحها باليد، وفي " المبسوط "، ذكر ابن سماعة في " نوادره ": أن محمداً رجع عن هذا القول بعد انصرافه من الرقة.
وقال: لا أقبل من ذي اليد بينة على تاريخ، ولا عبرة للتاريخ إلا في النتاج وما في معناه، لأن التاريخ ليس بسبب الأولية الملك، بخلاف النتاج م: (لأن البينتين قامتا على مطلق الملك، ولم يتعرضا لجهة الملك) ش: يعني بالشراء ونحوه، وهو معنى قوله: م: (فكان التقدم والتأخر سواء) ش: يعني في التاريخ، لأن التاريخ لا يدل على صفة الملك أولا وآخراً أو صار وجوده وعدمه سواء لا يملك على صفة الملك أولا وأخيراً، فصار وجوده وعدمه سواء.
وقال الكاكي: قوله " لم يتعرضا لجهة الملك " احترازا عما لو قامتا على تاريخ في الشراء أو أحدهما أسبق فالأسبق أولى، سواء كان البائع واحدا أو اثنين عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - م: (أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع) ش: أي دفع بينة الخارج على معنى أنها لا تصح إلا بعد إثبات تلقي الملك من قبله.
م: (فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته) ش: أي من جهة ذلك الشخص م: (وبينة ذي اليد على الدفع) ش: أي دفع الخصومة م: (مقبولة) ش: فإن من ادعى على ذي اليد عينا وأنكر ذو اليد ذلك وأقام البينة أنه اشتراه منه تندفع الخصومة.
م: (وعلى هذا الاختلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وأبي يوسف وبين محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لو كانت الدار في أيديهما) ش: فتوقتا، فصاحب الوقت الأقدم أولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا عبرة بالوقت م: (والمعنى ما بيناه) ش: أراد به ما ذكره من الدليل في الطرفين.

م: (ولو أقام الخارج وذو اليد البينة على ملك مطلق) ش: يعنى من غير ذكر سبب م: (ووقتت

(9/392)


أحدهما دون الأخرى، فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رحمهما الله - الخارج أولى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة صاحب الوقت أول؛ لأنه أقدم فصار كما في دعوى الشراء إذا أرخت: إحداهما كان صاحب التاريخ أولى. ولهما: أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى الدفع، ولا دفع ههنا حيث وقع الشك في التلقي من جهته، وعلى هذا إذا كانت الدار في أيديهما. ولو كانت في يد ثالث والمسألة بحالها فهما سواء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف: الذي وقت أولى. وقال محمد: الذي أطلق أولى؛ لأنه ادعى أولية الملك بدليل استحقاق الزوائد ورجوع الباعة بعضهم على البعض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما) ش: أي أحد البينتين م: (دون الأخرى، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - الخارج أولى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو رواية عن أبي حنيفة صاحب الوقت أول؛ لأنه أقدم) ش: لأن بينته قد دلت على تقدم الملك، فكانت أولى م: (فصار كما في دعوى الشراء إذا أرخت إحداهما) ش: يعني إذا ادعيا من واحد وأرخ أحدهما يقضي للمؤرخ، وهو معنى قوله: م: (كان صاحب التاريخ أولى) .
ش: م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى الدفع، ولا دفع ههنا) ش: لأنه إنما يكون إذا تعين التلقي من جهة، وها هنا لم يتعين م: (حيث وقع الشك في التلقي من جهته) ش: أي من جهة ذي اليد، لأن بذكر تاريخ أحدهما لم يحصل اليقين بأن الآخر تلقاه من جهة الإمكان أن الأخرى إذا وقتت كانت أقدم تاريخاً، م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا كانت الدار في أيديهما) ش: وأرخت إحداهما على ملك مؤرخ، والأخرى على مطلق الملك فقط سقط التاريخ عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - خلافاً لأبي يوسف فإنه يقول الذي وقت أولى.
م: (ولو كانت) ش: أي الدار م: (في يد ثالث، والمسألة بحالها) ش: أي أرخت إحداهما فقط م: (فهما سواء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الخارجان سواء عنده، وبه قال الشافعي في الأصح، ومالك وأحمد.
م: (وقال أبي يوسف: الذي وقت أولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذي أطلق أولى لأنه) ش: أي لأن الإطلاق م: (ادعى أولية الملك) ش: فيدل على ملك الأصل، م: (بدليل استحقاق الزوائد) ش: المتصلة كالسمن، والمنفصلة كالأكساب والأولاد، يعني إذا ادعى رجل ملكاً مطلقاً كانت الزوائد كلها له، م: (ورجوع الباعة بعضهم على بعض) ش: أي وبدليل رجوع البائعين بعضهم على بعض عند استحقاق الملك.

(9/393)


ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يوجب الملك في ذلك الوقت بيقين، والإطلاق يحتمل غير الأولية، والترجيح بالتيقن كما لو ادعيا الشراء. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التاريخ يضامه احتمال عدم التقدم، فسقط اعتباره، فصار كما إذا أقاما البينة على ملك مطلق، بخلاف الشراء لأنه أمر حادث، فيضاف إلى أقرب الأوقات، فيترجح جانب صاحب التاريخ.
قال: وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى، لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد، فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد، فيقضى له وهذا هو الصحيح، خلافا لما يقوله عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تتهاتر البينتان ويترك في يده لا على طريق القضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يوجب الملك في ذلك الوقت بيقين، والإطلاق) ش: يعني من غير التاريخ م: (يحتمل غير الأولية، والترجيح بالتيقن) ش: يعني العمل باليقين راجح على المحتمل م: (كما لو ادعيا الشراء) ش: أولاً أحدهما دون الآخر، كان صاحب التاريخ أولى.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يضامه) ش: يعني يزاحمه م: (احتمال عدم التقدم فسقط اعتباره) ش: أي اعتبار التاريخ م: (فصار كما إذا أقاما البينة على ملك مطلق) ش: ولم يؤرخا كان بينهما م: (بخلاف الشراء) ش: جواب عن قول أبي يوسف م: (لأنه أمر حادث) ش: أي لأن الشراء أمر حادث باتفاقهما عليه. وإذا كان كذلك م: (فيضاف إلى أقرب الأوقات) ش: لأنه لا بد للحدوث من التاريخ م: (فيترجح جانب صاحب التاريخ) ش: فيرجح المؤرخ.

[أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج]
م: (قال) ش: القدوري م: (وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى) ش: سواء أقامها قبل القضاء للخارج أو بعد القضاء له وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وقال الشافعي في وجه: بين الخارج أولى بعد القضاء له، لأن ملك اليد يقضي بزوالها، فلا ينقضي القضاء. وقال في الأصح: بينة ذي اليد أولى بعد القضاء للخارج وقبله.
وقال ابن أبي ليلى: بينة الخارج أولى، م: (لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد) ش: أي النتاج م: (فاستويا، وترجحت بينة ذي اليد باليد، فيقضى له، وهذا) ش: أي ما ذكر من القضاء لذي اليد م: (هو الصحيح، خلافا لما يقوله عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تتهاتر البينتان ويترك في يده) ش: أي في يد ذي اليد م: (لا على طريق القضاء) ش: بل لعدم القضاء بالخاص.
حاصل الكلام: أن عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول عندي في النتاج تتهاتر البينتان لتيقن القاضي بكذب إحداهما، إذ لا يتصور نتاج دابة من دابتين، فصار كأنهما لم يقيما بينة ولو لم يقيما بينة يقضى لصاحب اليد قضاء ترك، حتى يحلف ذو اليد له للخارج، كذا ها هنا، وهذا

(9/394)


ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه. ولو أقام أحدهما البينة على الملك والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان، لأن بينته قامت على أولية الملك، فلا يثبت الملك للآخر إلا بالتلقي من جهته، وكذلك إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا.
ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد، لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية، وكذا المقضي عليه بالملك المطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليس بصحيح، فإن محمداً ذكر في خارجين أقاما بينة على النتاج أنه يقضى بينهما نصفين، ولو كان الطريق ما قاله لكان يترك في يد ذي اليد، فعلم أن القضاء لذي اليد قضاء استحقاق، حتى لا يحلف ذي اليد، كذا في " الذخيرة " و " المبسوط ".

م: (ولو تلقى كل واحد منهما) ش: أي من صاحب اليد والخارج م: (الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده) ش: أي عند الرجل، كذا قاله الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الأكمل: - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند من تلقى منه. وفي " الذخيرة " صورة المسألة عبد في يد رجل ادعاه آخر أنه عبده اشتراه من فلان وأنه ولد له في ملك فلان الذي باعه وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينة أنه عبده واشتراه من فلان يريد رجل آخر، وأنه قد ولد في ملك فلان الذي باعه قضى لذي اليد، لأن كل واحد خصم في إثبات نتاج بائعه كما هو خصم في إثبات ملك بائعه.
ولو حضر البائعان وأقام البينة، على النتاج كان ذو اليد أولى، فهذا مثله. وهذا معنى قوله م: (فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه) ش: فيقضى به لذي اليد.
م: (ولو أقام أحدهما البينة على الملك) ش: المطلق م: (والآخر) ش: وأقام آخر البينة م: (على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان) ش: يعني سواء كان صاحب اليد أو الخارج م: (لأن بينته) ش: أي بينة صاحب النتاج م: (قامت على أولية الملك، فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي من جهته) ش: أي من جهة صاحب النتاج، م: (وكذا إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا) ش: أي يد على أولية الملك.

م: (ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد) ش: على النتاج م: (لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية) ش: لأن المقضى به الملك بالبينة في حق شخص لا يقضى ثبوته في حق آخر، م: (وكذا المقضي عليه بالملك المطلق) ش: يعني ادعى الخارج وذو اليد الملك المطلق وبرهنا، فقضى على ذي اليد بالملك عندنا خلافا للشافعي ومالك.

(9/395)


إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء به؛ لأن بمنزلة النص، والأول بمنزلة الاجتهاد.
قال: وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كغزل القطن وكذلك كل سبب في الملك لا يتكرر لأنه في معنى النتاج كحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمعزى وجز الصوف. وإن كان يتكرر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق وهو مثل الخز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم إن ذا اليد المقضى عليه بالملك المطلق م: (إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء به) ش: الأول، م: (لأنه بمنزلة النص والأول بمنزلة الاجتهاد) ش: أي نص يدل بخلاف الاجتهاد، فينتقض الاجتهاد به، فكذا هنا فسره الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الأكمل: لأنه بمنزلة النص لدلالته على الأولية قطعاً، فكان القضاء واقعاً على خلافه كالقضاء الواقع على خلاف النص.

[أقاما الخارج وصاحب اليد البينة على نسج ثوب فيما لا يتكرر نسجه كغزل القطن]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كغزل القطن) ش: هذا عطف على قوله: وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج، فصاحب النتاج أولى، يعني كذا الحكم إذا أقاما البينة على نسج ثوب فيما لا يتكرر نسجه كغزل القطن كان ذو اليد أولاً، لأنه ما لا يتكرر في معنى النتاج وهو لا تكرر.
وفي " المحيط ": النتاج عبارة عن أولية الملك، وكل سبب يشعر بأولية الملك فهو كالنتاج، وكل ما يتكرر وفيه سبب الملك، ويضع مرتين لم يكن في معنى النتاج وإن كان مشكلاً، بل يتكرر أم لا، في رواية أبي حفص: يلتحق بما يتكرر. وفي رواية أبي سليمان: لا يلحق بما يتكرر، فالبناء وغرس الشجر والقطن النائب وزرع الحنطة، والجواب: يتكرر، تشوية اللحم وكتابة المصحف واحتياط الدار وضرب اللبن والخياطة والقطع والحشو والصباغة يتكرر أيضاً، لأن هذه الأشياء تفعل مرتين، واتخاذ الجبن والطحن وجز الصوف وغزل القطن لا يتكرر، والثج في الثوب المتخذ من غزل القطن والإبريسم لا يتكرر، وفي الثوب المنسوج من الصوف والشعر يتكرر.
م: (وكذلك كل سبب في الملك لا يتكرر) ش: يعني يقضى به لذي اليد م: (لأنه في معنى النتاج كحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمعزى) ش: بكسر الميم والعين، فإذا شدت الزاي قصرت، وإذا خففت مدت، وقد يقال: معزا بفتح الميم مخففا ممدودا، وهي كالصوف تحت شعر الغنم، والميم فيه زائدة م: (وجز الصوف) ش: بأن أقام رجل البينة أن صوفه جزه من غنمه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك كان ذو اليد أولى.
م: (وإن كان يتكرر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق، وهو مثل الخز) ش: وهو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي وهو اسم دابة، ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزاً، قيل: وهو نسيج،

(9/396)


والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب، فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به، فإن أشكل عليهم قضى به للخارج؛ لأن القضاء ببينته هو الأصل، والعدول عنه بخبر النتاج، فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل،
قال: وإن أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه كان صاحب اليد أولى، لأن الأول إن كان يدعي أولية الملك فهذا تلقى منه وفي هذا لا تنافي، فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه.
قال: وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد، قال: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -، وعلى قول محمد يقضى بالبينتين ويكون للخارج؛ لأن العمل بهما ممكن، فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع الدار، لأن القبض دلالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا بلي يغزل أخرى ثم ينسج م: (والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب، فإن أشكل) ش: بأن لم يدر هل يكرر أم لا م: (يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به) ش: والواحد منهم يكفي، والاثنان أحوط؛ قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) ، م: (فإن أشكل عليهم) ش: أي على أهل الخبرة م: (قضى به للخارج، لأن القضاء ببينته) ش: أي بينة الخارج م: (هو الأصل) ش: عندنا م: (والعدول عنه) ش: أي عن الأصل م: (بخبر النتاج) ش: وهو ما روي: " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى في تعارض بينتي الخارج لذي اليد "، وهذا رواه محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن رجل عن جابر: «أن رجلاً ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته ينحرها عنه، وأقام الذي هي في يده البينة أنها ناقته فقضى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي هي في يده» م: (فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل) ش: وهو بينة الخارج.

[أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه) ش: أي من الخارج م: (كان صاحب اليد أولى؛ لأن الأول) ش: أي الخارج م: (وإن كان يدعي أولية الملك فهذا) ش: أي ذو اليد م: (تلقى منه وفي هذا لا تنافي) ش: بين الأمرين، فيقضى ببينة ذي اليد م: (فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه) ش: فيقضى ببينته.

[أقام الخارج وصاحب اليد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت) ش: أي تساقطت م: (البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد، قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة - رحمهما الله - وأبي يوسف وعلى قول محمد يقضى بالبينتين، ويكون للخارج؛ لأن العمل بهما) ش: أي بالبينتين، م: (ممكن) ش: وذلك بأن يجعل كأن ذا اليد قد اشتراها من الآخر وقبض ثم باع ولم يقبض، وهو معنى قوله م: (فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع) ش: أي من الخارج م: (الدار) ش: إليه م: (لأن القبض دلالة

(9/397)


السبق على ما مر، ولا يعكس الأمر؛ لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده ولهما: أن الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع، فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر بالإجماع، كذا هاهنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السبق على ما مر) ش: من قوله، لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، م: (ولا يعكس الأمر) ش: أي لا يجعل كأن الخارج اشتراه من ذي اليد أولا ثم باعه من ذي اليد، لأن في ذلك يلزم بيع المبيع قبل القبض، فلا يجعل كذلك.
م: (لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإيضاح هذه المسألة فيما قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": إذا ادعى كل واحد منهما تلقي الملك من جهة صاحبه كدار في يد رجل جاء رجل وادعى أنه اشتراها من الخارج اليد بألف درهم ونقده الثمن، وادعى ذو اليد أنه اشتراها من الخارج بخمسمائة درهم ونقده الثمن، وأقاما جميعاً البينة على ما ادعيا، فهذا لا يخلو من أربعة أوجه إن لم يؤرخا، أو أرخا وتاريخهما على السواء، أو أرخ أحدهما أسبق دون الآخر. فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد قضاء ترك لا قضاء استحقاق، سواء شهد الشهود بالشراء والقبض جميعا أو شهدوا بالشراء ولم يشهدوا بالقبض. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل البينتان جميعا ويقضى بعقدين إلا إنهم إن شهدوا بالشراء ولم يشهدوا بالقبض، فإن شراء ذي اليد يقدم على شراء الخارج، فيجعل كأن ذا اليد اشترى أولا من الخارج قبض ثم باع من الخارج ولم يسلم إليه، فيؤمر بالتسليم إلى الخارج وإن شهدوا بالقبض والشراء جميعا فإنه يقدم شراء الخارج على شراء ذي اليد كأن الخارج اشترى أولا من ذى اليد وقبض ثم باع من ذي اليد بعد ذلك وسلم إليه فيقضى لذي اليد شراء من الخارج.
م: (ولهما) ش: لأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (أن الإقدام على الشراء إقرار منه) ش: أي من المشتري م: (بالملك للبائع، فصار كأنهما) ش: أي كأن الشهادتين م: (قامتا على الإقرارين) ش: يعني صار هذا بمنزلة ما لو قام كل واحد منهما البينة على إقرار صاحبه بالملك؛ فلو كان كذلك تهاتر الإقراران جميعا، لأن الثابت من الإقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة. ولو عاينا إقرار كل واحد منهما بالملك لصاحبه فأبطلنا الإقرارين جميعا، وهذا مثله، يعني أن شهود كل واحد منهما لم يشهد بالتاريخ، وكل واحد منهما لم يشهد بالتاريخ، وكل إقرارين ظهرا ولا يعرف سبق أحدهما جعلاً لأنهما وقعا معاً، فبطلا للمنافاة بينهما م: (وفيه التهاتر بالإجماع) .
ش: قال تاج الشريعة: قبل ذكر الإجماع وقع سهو، لأن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بينة ذي اليد أولى، وكذا في " الجامع "، وفي " المنظومة " حيث قال: وذو اليد المالك منهما أثبتا قبضين، والخارج منهما سكتا م: (كذا ههنا) ش: أي فكذا ما نحن فيه من تهاتر البينتين.

(9/398)


ولأن السبب يراد لحكمة وهو الملك، وهاهنا لا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق، فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده، ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا الوجود قبض مضمون من كل جانب وإن لم يشهدوا على نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجوب عنده. ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترا بالإجماع؛ لأن الجمع غير ممكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجواز كل واحد من البيعين بخلاف الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن السبب يراد لحكمة وهو الملك) ش: هذا جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني أن السبب إذا كان مقيدا للحكم يعتبر، وإلا فلا، وهاهنا السبب وهو شراء كل منهما من صاحبه لا يفيد الحكم وهو الملك، لأن القضاء بالملك لأحدهما لا يمكن إلا على وجه يستحق عليه صاحبه م: (وههنا لا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق) ش: أي بملك استحقه الخارج عليه، فإذا كان كذلك م: (فبقي القضاء له) ش: أي لذي اليد م: (بمجرد السبب) ش: دون الحكم م: (وإنه) ش: أي وإن القضاء بمجرد السبب دون الحكم م: (لا يفيده) ش: فلا يجوز.
م: (ثم لو شهدت البينتان) ش: المذكورتان م: (على نقد الثمن) ش: في شراء كل منهما الآخر بألف مثلا م: (فالألف قصاص عندهما) ش:، أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (إذا استويا) ش: أي الثمنان في الجنس والصفة م: (بالوجود قبض مضمون من كل جانب، وإن لم يشهدوا على نقد الثمن فالقصاص) ش: أي المقاصة م: (مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجوب عنده) ش:، أي لوجوب الثمن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن البينتين لما ثبتا عنده كان كل واحد منهما موجبا للثمن عند مشتريه فيتقاص الوجوب بالوجوب.
م: (ولو شهد الفريقان) ش: أي فريقا شهود الخارج وذي اليد م: (بالبيع والقبض تهاترتا) ش: أي تساقطتا م: (بالإجماع) ش: لكن على اختلاف التخريج، فعندهما باعتبار أن دعواهما هذا البيع إقرار من كل منهما بالملك لصاحبه؛ وفي مثل هذا يتهاتر الشهود، فكذلك هاهنا.
أما عند محمد: هو قوله: م: (لأن الجمع) ش: أي إمكان العمل بهما م: (غير ممكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجواز كل واحد من البيعين) ش: باعتبار أنهم لما أثبتوا البيع والقبض لكل واحد منهما كان بيعهما جائزاً، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فتساقطتا للتعارض فتبقى العين على يد صاحب اليد كما كانت، فصار كأنهم لم يشهدوا م: (بخلاف الأول) ش: وهو ما إذا لم يشهدوا بالقبض حتى يقضى بالبينتان، وتكون للخارج عنده، لأن الجمع بين البينتين ممكن، لأنا لو جعلنا بيع الخارج لاحقا يلزم البيع قبل القبض، وهو لا يجوز فيجعل بيعه سابقاً. وفي " الكافي ": وهذا يخالف ما ذكر في " المبسوط " و " الجامع الكبير " وغيرهما، فإنه ذكر فيهما: لو

(9/399)


وإن وقتت البينتان في العقار ولم تثبتا قبضا ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما، فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد وهو جائز في العقار عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه قبل القبض، فبقي على ملكه، وإن أثبتا قبضا يقضى لصاحب اليد؛ لأن البيعين جائزان على القولين، وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين، فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم ثم وصل إليه بسبب آخر.
قال: وإن أقام أحد المدعيين شاهدين، والآخر أربعة فهما سواء، لأن شهادة كل شاهدين علة تامة، كما في حالة الانفراد والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوة فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شهدوا بالعقد القبض يقضى بالبينتين عنده لذي اليد، إذ العمل بالبينتين ممكن بأن يجعل كأن ذا اليد باعها وسلمها، ثم الخارج باعها وسلمها، بخلاف ما إذا لم يذكروا القبض حيث يقضى بها للخارج، لأنهما ما أثبتا القبض بالشهادة، وقد ثبت القبض عياناً وهي دلالة السبق، فجعلنا ذا اليد مشترياً من الخارج أولا، وقد قبضها ثم باعها من الخارج، فيؤمر بتسليمها إليه.
م: (وإن وقتت البينتان في العقار) ش: فيه العقار لتظهر ثمرة الخلاف كما ذكر م: (ولم تثبتا قبضاً، ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد، وهو) ش: أي البيع قبل القبض م: (جائز في العقار عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه) ش: أي بيع العقار م: (قبل القبض، فبقي على ملكه، وإن أثبتا قبضا يقضى لصاحب اليد، لأن البيعين جائزان على القولين) ش: أي قولهما وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين) ش: أي في الوجه الذي شهدوا بالقبض في الوجه الذي لم يشهدوا به م: (فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض) ش: كأنه اشتراه م: (ثم باع ولم يسلم) ش: أي المشتري م: (أو سلم ثم وصل إليه) ش: أي إلى ذي اليد م: (بسبب آخر) ش: من عارية أو إجارة.

[أقام أحد المدعين شاهدين والآخر أربعة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام أحد المدعين شاهدين والآخر أربعة) ش: أي وأقام المدعي للآخر أربعة من الشهود م: (فهما سواء) ش: يعني لا يترجح أحد المدعيين على الآخرين بزيادة العدد في بينته وبه قال الشافعي في الجديد ومالك في المشهور عنه وأحمد، وقال الشافعي، في القديم ومالك في رواية: ترجح بزيادة العدد، لأن القلب إلى قولهم أميل وعند مالك: يرجح زيادة العدالة، فيقضى بأعدل البينتين م: (لأن شهادة كل شاهدين علة تامة كما في حالة الانفراد والترجيح لا يقع بكثرة العلل، بل بقوة فيها) ش: أي بل الترجيح بقوة فيها أي في الشهادة والترجيح عبارة عن تقوية أحد الطرفين على الطرف الآخر ليعمل به، والتقوية

(9/400)


على ما عرف.
قال: وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها، ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بطريق المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف، فسلم له بلا منازع واستوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف بينهما. وقالا: هي بينهما أثلاثا، فاعتبرا طريق العول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالوصف يكون، وهو معنى الصدق في الشهادة. وذلك في أن يتعارض شهادة المستور مع شهادة العدل بأن أقام أحد المدعيين مستورين والآخر عدلين فإنه يترجح الذي شهد له العدلان بظهور ما يؤكد معنى الصدق في شهادة شهوده، وكذلك في النسب والنكاح لو ترجح حجة الخصمين باتصال القضاء، لأن ذلك مما يؤكد ركن الحجة، فإن لقضاء القاضي يتم معنى الحجة في الشهادة، ويتبين جانب الصدق.
وعلى هذا قلنا في العلتين: إذا تعارضتا لا يترجح أحدهما بانضمام علة أخرى إليها وإنما يترجح بقوة الآخر فيها إذ به يتأكد ما هو الركن في صحة العلة، وكذلك الخبران إذا تعارضا لا يترجح أحدهما على الآخر بخبر آخر، بل بما فيه يتأكد معنى الحجة، وهو الاتصال برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويترجح بعفة الراوي وحسن ضبطه وإتقانه، لأنه يتقوى به، يعني الاتصال برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه الذي وصل إلينا بالنقل م: (على ما عرف) ش: أي في أصول الفقه.

[دارا في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كانت دارا في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها، ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بطريق المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له) ش: أي النصف م: (بلا منازع واستوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف بينهما) ش: توضيح ذلك: أنا نحتاج إلى حساب له نصف، ولنصف نصف صحيح، وأقل ذلك أربعة أسهم، فأصل الدار على أربعة أسهم يقول لا منازعة لمدعي النصف فيما زاد على النصف وهو سهمان، ويدعيه صاحب الجيمع فيكون له نصف الدار، فيبقى النصف وذلك سهمان استوت منازعتهما فيه، فيصير بينهما نصفان لكل واحد منهما سهم، فقد جعل المدعي الجميع مرة سهمان بلا منازعة، وسهم مع المنازعة، وذلك ثلاثة أرباع الدار، فكان له ثلاثة أسهم، ولمدعي النصف سهم.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله: - م: (هي) ش: أي الدار م: (بينهما) ش: أي بين المدعيين م: (أثلاثا، فاعتبرا طريق العول) ش: والعول في اللغة: الارتفاع، ومنه عال الميراث؛ وذلك إذا اجتمع في مخرج فروض كثيرة بحيث لا يكفي آخره المجموع لذلك

(9/401)


والمضاربة، فصاحب الجميع يضرب كل حقه سهمين، وصاحب النصف يضرب بسهم فتقسم أثلاثا، ولهذه المسألة نظائر وأضداد لا يحتملها هذا المختصر، وقد ذكرناها في الزيادات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيحتاج إلى العول. م: (والمضاربة فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف يضرب بسهم واحد، فتقسم أثلاثا) ش: إيضاح ذلك: أن يدعي الجميع يضرب بالكل والآخر بالنصف، فاجعل الدار على سهمين لحاجتك إلى النصف يضرب مدعي الجميع بالكل، وذلك سهمان، ومدعي النصف بالنصف وذلك سهم، فتصير الدار بينهما على ثلاثة أسهم ثلثا الدار لمدعي الجميع والثلث لمدعي النصف.
وفي الميراث: يقسم على طريق العول بالإجماع كما في امرأة ماتت وتركت زوجا وأخت لأب، وأماً وأختاً الأن للزوج النصف والأخت لأب وأم النصف وللأخت من الأب السدس تكملة للثلثين، فتعول الفرضية إلى سبعة، وكانت في الأصل من ستة، وكذلك هنا على قولهما.
م: (ولهذه المسألة نظائر) ش: أي أشباه م: (وأضداد) ش: يعني الخلاف فيه على عكس هذا عندهما يقسم على طريق المنازعة، وعنده على طريق العول م: (لا يحتملها) ش: أي النظائر الأضداد م: (هذا " المختصر ") ش: أراد به " الهداية " م: (وقد ذكرناها) ش: أي الأشباه والأضداد م: (في الزيادات) ش: أي في الكتاب الذي جمعه وسماه " الزيادات ".
اعلم: أن جنس القسمة على أربعة أنواع:
أحدها: ما يقسم على طريق العول إجماعا، وهي ثمان مسائل:
الأولى: التركة إذا لم تعرف بالديون، فإن أصحابها يقسمونها فيما بينهم بطريق العول.
[.....]
الثالثة: إذا أوصى بثلث ماله لرجل وبربعه لرجل وبسدسه لرجل ولم تجز الورثة على حالة الوصايا إلى الثلث يقسم الثلث بينهم على العول.
الرابعة: الوصية بالمحاباة لهما بثلاثة آلاف درهم، فإنه يقسم المحاباة بين الموصى لهما أثلاثاً بطريق العول.
الخامسة: الوصية بالعتق، وصورتها: أوصى أن يعتق من هذا العبد نصفه، وأوصى بأن يعتق من عبد آخر ثلثه وذلك لا يخرج من ثلث المال، فيقسم الثلث بينهما بطريق العول فيسقط من كل واحد حصته من السعاية.
السادسة: الوصية بالألف مرسلة، أي مطلقة، والآخر بالغبن، كذلك يكون الثلث بينهما

(9/402)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بطريق العول.
السابعة: عبد فقأ عين رجل حر وقتل آخر خطأ، يقسم الجاني بينهما على سبيل العول ثلثاه لولي القتيل، وثلثه للآخر.
الثامنة: مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت قيمته إلى ولي الجنايتين تكون القسمة بينهما بطريق العول.
النوع الثاني: ما يقسم بطريق المنازعة إجماعا، وهي مسألة واحدة: فضولي باع عبد الغير من رجل، وفضولي آخر باع نصفه من آخر فأجاز المولى البيعين، فاختار المشتريان الأخذ يكون لمشتري الكل ثلاثة أرباعه، ولمشتري النصف الربع بطريق المنازعة.
النوع الثالث: ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة، وعندهما بطريق العول وهي ثلاثة: مسألة الكتاب.
والثانية: إذا أوصى لرجل بجميع ماله وأجازه الورثة.
والثالثة: إذا أوصى لرجل بعبد بعينه ولآخر بنصف ذلك العبد وليس له مال غيره.
النوع الرابع: بطريق العول عند أبي حنيفة، وعندهما بطريق المنازعة وهي خمس مسائل:
أحدها: عبد مأذون له في التجارة بين رجلين أدانه أحدهما مائة وأدانه أجنبي مائة، فدين المولى يسقط نصفه لاستحالة وجوب الدين على عبده، ويثبت نصفه الذي في نصيب شريكه، فإذا بيع بالدين يقسمان الثمن على الخلاف الذي ذكرناه.
والثانية: إذا أدانه أجنبيان، أحدهما: مائة والآخر: مائتان يقسمان عنه على هذا.
والثالثة: عبد قتل رجلاً خطأ، وآخر عمداً، وللمقتول عمداً وليان فعفى أحدهما فدفع بها كان على الخلاف المذكور.
والرابعة: لو كان الجاني مدبرا على هذا الوجه فدفعت قيمته، كانت بينهما كذلك.
والخامسة: أم ولد قتلت مولاها وأجنبياً عمداً ولكل واحد منهما وليان، فعفى ولي كل واحد منهما على التعاقب فإنه يسعى في ثلاثة أرباع قيمتها، فتقسم بين الساكنين فيعطوا الرابع لشريك العافي، فآجرا والنصف الآخر بينه وبين شريك العافي أولا أثلاثاً، ثلثاه لشريك العافي أولا، والثلث لشريك العافي آخرا عنده، وعندهما أربعا.
أما الأضداد فهي ثلاث مسائل:

(9/403)


قال: ولو كانت في أيديهما سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء، ونصفها لا على وجه القضاء، لأنه خارج في النصف، فيقضى ببينته والنصف الذي في يديه صاحبه لا يدعيه؛ لأن مدعاه النصف وهو في يده سالم له، ولو لم ينصرف إليه دعواه كان ظالما بإمساكه ولا قضاء بدون الدعوى، فيترك في يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدها: مدبر قتل رجلاً خطأ وآخر عمداً وله وليان، فعفى أحدهما فدفع المولى قيمته، كانت القيمة عنده بين ولي الخطأ، والذي لم يعف أثلاثا على طريق العول، وعندهما أرباعا على طريق المنازعة.
والثانية: ما إذا كان القاتل عبداً ووقع المولى بالجنايتين.
والثالثة: عبد بين رجلين أذنا له في التجارة، وقد مرت هذه الثلاث مسائل في النوع الرابع بطريق العول.

[ادعى أحدهما نصفها والآخر كلها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو كانت في أيديهما) ش: ادعى أحدهما نصفها، والآخر كلها م: (سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء، ونصفها لا على وجه القضاء) ش: وبه قال أحمد؛ وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مالك: تبقى الدار في أيديهما كما كانت، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب الجميع وهو مدعي الجميع م: (خارج في النصف) ش: الذي في يد صاحبه وبرهنا م: (فيقضى ببينته) ش: أي ببينة صاحب الجميع، م: (والنصف الذي بين يديه) ش: أي في يدي صاحب الجميع م: (صاحب لا يدعيه؛ لأن مدعاه النصف) ش: فإذا كان كذلك سلم النصف الذي في يد صاحب الجميع، فسلم ذلك النصف له بلا قضاء وهو معنى قوله م: (وهو في يده سالم له) ش: أي والنصف الذي في يد صاحب الجميع.
م: (ولو لم ينصرف إليه) ش: أي إلى النصف، قال تاج الشريعة: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال لا نسلم أن دعواه في النصف الذي في يده حتى يسلم له، بل حقه ثابت في الكل. فأجاب عنه: بأنه لو لم ينصرف إليه م: (دعواه) ش: أي إلى النصف الذي في يده م: (كان ظالماً بإمساكه) ش: والأصل: أن لا يحمل فعل المسلم على الظلم والفساد إذا أمكن حمله على الصحة والسداد.
م: (ولا قضاء بدون الدعوى) ش: لأن دعوى صاحب النصف ينصرف إلى النصف الذي في يده ولم توجد الدعوى من صاحب النصف في النصف الذي في يد صاحب الجميع، وإذا كان كذلك لا قضاء بدون الدعوى، م: (فيترك في يده) ش: أي يترك النصف الذي في يد صاحب الجميع لا على وجه القضاء.

(9/404)


قال: وإذا تنازعا في دابة وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده وذكرا تاريخا وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو أولى، لأن الحال تشهد له فيترجح. وإن أشكل ذلك كانت بينهما، لأنه سقط التوقيت، فصار كأنهما لم يذكرا تاريخا. وإن خالف سن الدابة الوقتين بطلت البينتان، كذا ذكره الحاكم الشهيد، لأنه ظهر كذب الفريقين، فتترك في يد من كانت في يده.
قال: وإذا كان العبد في يد رجل أقام رجلان عليه البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما لاستوائهما في الاستحقاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[تنازعا في دابة والدابة في يد ثالث وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: وإذا تنازعا في دابة) ش: والدابة في يد ثالث م: وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده) ش: قال الجوهري: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله نتج نتاجا وقد نتجها أهلها نتجا م: (وذكرا تاريخا وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو أولى) ش: أي لأن علامة صدق شهوده قد ظهرت بشهادة الحال، وهو معنى قوله: م: (لأن الحال يشهد له) ش: فإذا كان كذلك م: (فيترجح) ش: أي صاحب اليد.
م: (وإن أشكل ذلك كانت بينهما) ش: أي وإن أشكل سن الدابة بينهما م: (لأنه سقط التوقيت) ش: لأنه لا دلالة فيه فكأنهما أقاما البينة على النتاج م: (فصار كأنهما لم يذكرا تاريخا. وإن خالف سن الدابة الوقتين) ش: أي في دعوى الخارجين م: (بطلت البينتان، كذا ذكره الحاكم الشهيد لأنه ظهر كذب الفريقين، فتترك في يد من كانت في يده) ش: وقال في " شرح الأقطع ": فإن خالف سن الدابة الوقتين قضى لصاحب اليد، ثم قال: قال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصحيح أن تبطل البينتان.
وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في شرح الكافي " للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كانت على غير الوقتين أو كانت مشكلة قضيت بينهما نصفين، لأنه لم يثبت الوقت فصار كأنهما لم يوقتا.
وفي رواية أبي الليث الخوارزمي: إذا كانت الدابة على غير الوقتين فالبينتين باطلة لأنه ظهر كذبهما. في " المبسوط " من مشايخنا من قال: تبطل البينتان، والأصح ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أن الدابة بينهما في الفصلين، يعني إذا كان سن الدابة مشكلة، وفيما إذا كان غير الوقتين في دعوى الخارجين، وبه قالت الأئمة الثلاثة.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان عبد في يد رجل فأقام رجلان عليه البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما لاستوائهما في الاستحقاق) ش: في سبب الاستحقاق، وذلك لأن المودع لما جحد الوديعة صار كالغاصب، فصار دعوى الوديعة والغصب سواء، والتهاوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق.

(9/405)


(فصل في التنازع بالأيدي) قال: وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى، لأن تصرفه أظهر، فإنه يختص بالملك، وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج، والآخر رديفه فالراكب أولى، بخلاف ما إذا كانا راكبين حيث تكون بينهما لاستوائهما في التصرف، وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما وللآخر كوز معلق فصاحب الحمل أولى، لأنه هو المتصرف، قال: وكذا إذا تنازعا في قميص، أحدهما لابسه، والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى، لأنه أظهرهما تصرفا. ولو تنازعا في بساط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في التنازع بالأيدي]
م: (فصل في التنازع بالأيدي) ش: أي هذا الفصل في بيان حكم التنازع بالأيدي. ولما فرغ من بيان وقوع الملك بالبينة شرع في بيان وقوعه بظاهر اليد.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى) ش: ولا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة، وفي " الذخيرة " لو تعلق أحدهما بلجامها والآخر بذنبها فالمتعلق باللجام أولى، لأنه لا يتعلق باللجام غالبا إلا المالك، أما الذنب فقد يتعلق به غيره م: (لأن تصرفه) ش: أي تصرف الراكب م: (أظهر فإنه يختص بالملك وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه فالراكب أولى) ش: من الرديف، وكذا إذا تنازعا في الدار وأحدهما ساكنها والآخر آخذ بحلقة الباب أن الساكن أولى.
وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو كانا جميعا راكبين أحدهما في السرج والآخر خارج السرج قضي بالدابة بينهما بالإجماع؛ وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يقضى بالدابة للراكب في السرج.
ونقل الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس " عن " نوادر العلي ": رجلان على دابة أحدهما راكب في السرج والآخر رديف فادعى الدابة، ففي الراكب السرج، فإن كان في السرج فهي بينهما نصفان، فعلم بما ذكر في " شرح الطحاوي " و " الأجناس ": أن الدابة في ظاهر الرواية بينهما نصفان، وما ذكره المصنف بقوله: وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه، فالراكب أولى من الرديف، فذلك على رواية " النوادر ".
م: (بخلاف ما إذا كانا راكبين) ش: أي في السرج، م: (حيث تكون) ش: أي الدابة م: (بينهما لاستوائهما في التصرف، وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما وللآخر كوز معلق، فصاحب الحمل أولى؛ لأنه هو المتصرف. قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكذا إذا تنازعا في قميص أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى؛ لأنه أظهرهما تصرفاً. ولو تنازعا في بساط

(9/406)


أحدهما جالس عليه، والآخر متعلق به فهو بينهما، معناه لا على طريق القضاء؛ لأن القعود ليس بيد عليه فاستويا.
قال: وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر، فهو بينهما نصفان، لأن الزيادة من جنس الحجة، فلا يوجب زيادة في الاستحقاق. قال: وإذا كان الصبي في يد رجل وهو يعبر عن نفسه فقال: أنا حر فالقول قوله، لأنه في يد نفسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما جالس عليه، والآخر متعلق به فهو بينهما) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي ما قاله القدوري: م: (على طريق القضاء) ش: يترك في يدهما م: (لأن القعود ليس بيد عليه فاستويا) ش: أي لأن اليد على البساط لا تثبت إلا بالنقل والتحويل أو يكون في يده حكما بأن كان في بيته ولم يوجد شيء من ذلك، ولهذا لا يصير غاصباً بمجرد القعود عليه، بخلاف الراكب على الدابة، فإنه يصير غاصباً بمجرد الركوب عليه بغير الإذن.

[كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر، فهو بينهما نصفان؛ لأن الزيادة من جنس الحجة) ش: لأن كل واحد يمسك باليد، إلا أن أحدهما أكثر استمساكا م: (فلا يوجب زيادة في الاستحقاق) ش:، كما لو تنازعا في دابة ولواحد عليها مائة من والآخر خمسون منا كانت بينهما نصفين، وكما لو أقام أحدهما اثنين من الشهود والآخر أربعة.
فإن قيل: يشكل على هذا الذي ذكره بعده وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة والآخر ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة، حيث جعل الزيادة من جنس الحجة موجبة للترجيح، إذ الشاهد من الطرفين وضع الجذع.
وأجيب: بأن وضع الخشبة حجة لثبوت الاستعمال فلا يترجح بزيادة الخشبات، لأن الحجة لا تترجح بزيادة من جنسها وفيه تأمل.

[ادعيا عبدا وهو في أيديهما] 1
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الصبي في يد رجل وهو يعبر عن نفسه) ش: والحال أنه يعبر عن نفسه، أي يتكلم ويعقل ما يقوله م: (فقال: أنا حر فالقول قوله لأنه في يد نفسه) ش: وفي " الذخيرة ": [إذا] ادعيا عبداً وهو في أيديهما، فإن كان العبد لا يعبر عن نفسه، فالقاضي لا يقضي لأحدهما بالملك ما لم يقم البينة، ولكن يجعله في يديهما لأنه إذا لم يعبر عن نفسه فهو والبهيمة سواء.
وعرف القاضي يدهما ولا يعرف الملك لهما فيحكم باليد دون الملك، وعند الثلاثة: يحكم بالملك أيضاً، لأن اليد عليه دليل الملك، وإن كان العبد يعبر عن نفسه وقال " أنا حر " فالقول له، ولا يقضى لهما بشيء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية؛ وفي وجه قال: هذا كالذي لا يعبر عن نفسه، وبه قال أحمد في رواية، ولو قال: أنا عبد أحدهما لم يصدق، وهو عبدهما.

(9/407)


ولو قال: أنا عبد فلان فهو عبد للذي في يده لأنه أقر بأنه لا يد له حيث أقر بالرق، وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي هو في يده، لأنه لا يد له على نفسه لما كان لا يعبر عنها، وهو بمنزلة متاع، بخلاف ما إذا كان يعبر، فلو كبر وادعى الحرية لا يكون القول قوله؛ لأنه ظهر الرق عليه في حال صغره.
قال: وإذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه وللآخر عليه هرادي فهو لصاحب الجذوع والاتصال، والهرادي ليست بشيء، لأن صاحب الجذوع صاحب استعمال، والآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[قال أنا عبد لفلان]
م: (ولو قال أنا عبد لفلان فهو عبد للذي في يده، لأنه أقر بأنه لا يد له حيث أقر بالرق وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي هو في يده؛ لأنه لا يد له على نفسه لما كان لا يعبر عنها، وهو بمنزلة المتاع) ش: لا يدل له على نفسه، واعترض باللقيط إذا ادعى في لقيط لا يعبر عن نفسه، فإنه لا يكون عبدا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، أجيب بأن يد الملتقط ثابت من وجه دون وجه، فلم تصح الدعوى منه بالشك، بخلاف غيره لأن يده عليه ثابتة، فتصح الدعوى منه.
فإن قيل: وجب أن لا يصدق في دعوى الرق، لأن الحرية هي الأصل، والرق عارض فلا تقبل إلا بالحجة، أجيب بأنه اعترض على الأصل ما يدل على خلافه، فيبطل الأصل وفيه نوع تأمل؛ م: (بخلاف ما إذا كان يعبر) ش: أي عن نفسه، فإنه إذا قال: " أنا حر " فالقول قوله كما مر، م: (فلو كبر وادعى الحرية لا يكون القول قوله، لأنه ظهر الرق عليه في حال صغره) ش: فلا تزول يد من هو يده إلا بدليل.

[كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه وللآخر عليه هرادي وتنازعا فيه]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (وإذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه) ش: أو الحائط متصل ببنائه م: (وللآخر عليه) ش: أي على الحائط م: (هرادي) ش: وهو جمع هردية، قصبات تضم ملتوية بطاقات من الكرم فترسل عليها قضبان الكرم كذا في " ديوان الأدب "، ولكن صحح فيه الهاء والحاء جميعاً. وفي " الصحاح ": الحردي من القصب فهو نبطي معرب، ولا يقال: الهردي. وفي " مختصر الكرخي ": الحردي بالحاء، وفي " الجمهرة ": لأن الحردي مد في باب الحاء والدال والراء، أما الذي تسميه البصريون الحردي من القصب فهو ينظر معرب، وقال " صاحب الديوان " أيضاً: الحردي واحد حرادي القصبة، فعلى هذا يجوز أن يقال بالهاء والحاء جميعاً.
وقال الأترازي: والرواية في الأصل و " الكافي " للحاكم الشهيد. وفي " الجامع الصغير " و " شرح الكافي " وقعت بالهاء لا غير. وفي " دستور اللغة ": هرادي السقف خشب بابه بالفارسية وفي المغرب يقال له بالفارسي: وردوك م: (فهو) ش: أي الحائط م: (لصاحب الجذوع والاتصال، والهرادي ليست بشيء؛ لأن صاحب الجذوع صاحب استعمال، والآخر) ش: أي صاحب الهرادي

(9/408)


صاحب تعلق فصار كدابة تنازعا فيها، ولأحدهما عليها حمل، وللآخر كوز معلق بها. والمراد بالاتصال مداخلة لبن جداره فيه ولبن هذا في جداره، وقد يسمى اتصال تربيع. وهذا شاهد ظاهر لصاحبه لأن بعض بنائه على بعض بناء هذا الحائط، وقوله الهرادي ليست بشيء يدل على أنه لا اعتبار للهرادي أصلا. وكذا البواري؛ لأن الحائط لا يبنى لهما أصلا، حتى لو تنازعا في حائط ولأحدهما عليه هرادي وليس للآخر عليه شيء فهو بينهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (صاحب تعلق) ش: أي بالحائط، لأن الحائط يبنى لوضع الجذوع عليه دون وضع الهرادي ويظن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هذا بقوله: م: (فصار كدابة تنازعا فيها ولأحدهما عليها حمل، وللآخر كوز معلق بها) ش: حيث تكون الدابة لصاحب الحمل، وللآخر نوع تعلق بها، ولكن لا يؤمر برفع الهرادي والبواري؛ لأن القضاء وقع له بالحائط بناء على الظاهر، والظاهر يصلح حجة للدفع دون إبطال الاتصال الثابت للغير ظاهراً.
م: (والمراد بالاتصال) ش: أي المراد بالاتصال المذكور في قوله " أو متصل ببنائه " م: (مداخلة لبن جداره فيه) ش: أي في المتنازع فيه، م: (ولبن هذا في جداره، وقد يسمى اتصال تربيع) ش: وتفسير التربيع إذا كان الحائط من مدر أو آجر أن يكون اتصاف لبن الحائط المتنازع فيه داخلة في تصاف لبن غير المتنازع فيه، وبالعكس؛ وإن كانت من خشب فالتربيع أن يكون بناحية أحدهما مركبة في الأخرى، وأما إذا نقل ما دخل لا يكون تربيعاً. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان الكرخي يقول: صفة هذا الاتصال أن يكون الحائط المتنازع فيه من الجانبين متصلا بحائطين لأحدهما، والحائطان متصلان بحائط له مقابلة بالاتصال بحائط المتنازع وهذا ظاهر. قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويروي هذا ظاهر الرواية.
م: (وهذا شاهد ظاهر لصاحبه لأن بعض بنائه على بعض بناء هذا الحائط) ش: فهو أولى، به قال الشافعي وأحمد في رواية م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في الجامع: م: (الهرادي ليست بشيء يدل على أنه لا اعتبار للهرادي أصلاً، وكذا البواري) ش: جمع بارية، وهي التي تعمل من القصب، وهي الحصرة، وقال الأصمعي: البور بالفارسية وبالعربية باري وبوري وبارية م: (لأن الحائط لا يبنى لهما أصلاً، حتى لو تنازعا في حائط ولأحدهما هرادي، وليس للآخر عليه شيء فهو) ش: أي الحائط م: (بينهما) ش: لاستوائهما، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة؛ لأن وضع الهرادي والبواري لا يثبت لصاحبها على الحائط يد لأن الحائط للتسقيف، وذلك بوضع الجذوع عليه، لا بوضع الهرادي والبواري، وإنما توضع الهرادي والبواري للاستظلال، والحائط لا يبنى للاستظلال، فيصار كما لو كان لأحدهما على ثوب مبسوط ولا شيء للآخر. وهناك يقضى بينهما، فكذا هذا.

(9/409)


ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع ثلاثة، فهو بينهما لاستوائهما، ولا معتبر بالأكثر منها بعد الثلاثة، وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة، وللآخر موضع جذعه في رواية. وفي رواية لكل واحد منهما ما تحت خشبه، ثم قيل: ما بين الخشب إلى الخشب بينهما. وقيل: على قدر خشبهما. والقياس أن يكون بينهما نصفين؛ لأن لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة. ووجه الثاني: أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته. ووجه الأول: أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى، فكان الظاهر شاهدا لصاحب الكثير إلا أنه يبقى له حق الوضع، لأن الظاهر ليس بحجة في استحقاق يده. ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع ثلاثة فهو بينهما لاستوائهما، ولا معتبر بالأكثر منها) ش: أي من الجذوع م: (بعد الثلاثة) ش: يعني لو كان لكل منهما جذوع ثلاثة فهو بينهما لاستوائهما، ولا اعتبار للجذوع الأكثر من الثلاثة.
م: (وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو) ش: أي الحائط م: (لصاحب الثلاثة، وللآخر موضع جذعه في رواية) ش: صاحب " الإملاء " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي رواية) ش: كتاب الدعوى م: (لكل واحد منهما ما تحت خشبه) ش: وذكر محمد في كتاب الإقرار أن الحائط لصاحب الخشب الكثير، ولصاحب الخشبة الواحدة ما تحت خشبه يعني حق الوضع م: (ثم قيل: ما بين الخشب إلى الخشب بينهما) ش: يعني بينهما نصفان، لأن لا يد لأحدهما فيه فلم يكن أحدهما بأولى من الآخر كرجلين تنازعا في دار وفي يد أحدهما بيت منهما، وفي يد الآخر بيتان أن الباقي بينهما نصفان، كذلك ما بين الخشب، م: (وقيل: على قدر خشبهما) ش: أي على قدر الخشب كل منهما حتى يكون لصاحب الجذعين خمسان، ولصاحب الجذوع الثلاثة أخماس.
م: (والقياس: أن يكون بينهما نصفين، لأنه لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة) ش: وهو رواية عن أبي حنيفة وقياس قول الشافعي وأحمد، م: (ووجه الثاني) ش: وهو رواية كتاب الدعوى م: (أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته) ش: لأن ذلك الموضع به مشغول بجذعه م: (ووجه الأول) ش: هو رواية كتاب الإقرار وهو الاستحسان: م: (أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى، فكان الظاهر شاهداً لصاحب الكثير، إلا أنه يبقى له) ش: أي لصاحب الجذع الواحد م: (حق الوضع) ش: أي حق وضع خشبه، م: (لأن الظاهر ليس حجة في استحقاق يده) ش: فلا يستحق دفع الخشبة الموضوعة، إذ من الجائز أن يكون أصل الحائط لرجل ويثبت للآخر حق الوضع عليه، فإن القسمة لو وقعت على هذا الوجه كان جائزاً.
م: (ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال) ش: وفي نسخة: لو كان لأحدهما اتصال

(9/410)


فالأول أولى، ويروى أن الثاني أولى. وجه الأول: أن لصاحب الجذوع التصرف ولصاحب الاتصال اليد والتصرف أقوى. ووجه الثاني: أن الحائطين بالاتصال يصيران كبناء واحد. ومن ضرورة القضاء له ببعضه القضاء بكله، ثم يبقى للآخر حق وضع جذوعه لما قلنا. وهذه رواية الطحاوي وصححها الجرجاني.
قال: وإذا كانت دار منها في يد رجل عشرة أبيات، وفي يد آخر بيت فالساحة بينهما نصفان لاستوائهما في استعمالها وهو المرور فيها.
قال: وإذا ادعى رجلان أرضا يعني يدعي كل واحد منهما أنها في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما، لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها وما غاب عن علم القاضي فالبينة تثبته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وللآخر جذوع وهو الصحيح من النسخ ليوافق الدليل المدعى. وفي " شرح الأقطع ": إذا اختلفا في الحائط ولأحدهما اتصال به من أحد الجوانب ولآخر عليه جذوع، والاتصال هو مداخلة اللبن بعضه في بعض، م: (فالأول أولى) ش: أي صاحب الاتصال، وبه قال شيخ الإسلام الطحاوي؛ م: (ويروى أن الثاني أولى) ش: وهو صاحب الجذوع، وبه قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وجه الأول: أن لصاحب الجذوع التصرف ولصاحب الاتصال اليد والتصرف أقوى ووجه الثاني) ش: وهو القول بأولوية الاتصال: م: (أن الحائطين بالاتصال يصيران كبناء واحد ومن ضرورة القضاء له ببعضة القضاء بكله، ثم يبقى للآخر حق وضع جذوعه لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأن الظاهر ليس بحجة في الاستحقاق، حتى لو ثبت ذلك بالبينة أمر برفعها لكونها حجة مطلقة م: (وهذه رواية الطحاوي) ش: أي كون صاحب الاتصال أولى من صاحب الجذوع م: (وصححها الجرجاني) ش: أي صحح رواية الطحاوي أبو عبد الله الجرجاني.

[دار منها في يد رجل عشرة أبيات وفي يد آخر بيت وتنازعا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كانت دار منها في يد رجل عشرة أبيات، وفي يد آخر بيت فالساحة) ش: بالمهملتين العرصة في الدار وبين يديها م: (بينهما نصفان، لاستوائهما في استعمالها) ش: أي في استعمال الساحة، م: (وهو) ش: أي الاستعمال م: (المرور فيها) ش: ووضع الأمتعة فيها وصب الوضوء وكسر الحطب.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعى رجلان أرضاً يعني يدعي كل واحد منهما في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها) ش: أي لأن اليد حق مقصود، فلا يجوز للقاضي أن يحكم به ما لم يعلم، لأن الأرض غير مشاهدة لتعذر إحضارها، فإذا كان كذلك فلا بد من البينة، م: (وما غاب) ش: أي والذي غاب م: (عن علم القاضي فالبينة تثبته) ش: لتعذر المشاهدة. وقوله: وما مبتدأ وغاب صلته. وقوله: فالبينة تثبت خبره، وهي جملة اسمية وقعت خبراً

(9/411)


وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده لقيام الحجة؛ لأن اليد حق مقصود. وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما لما بينا، فلا تستحق لأحدهما من غير حجة. وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بنى أو حفر فهي يده لوجود التصرف والاستعمال فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ودخلت الفاء عليها لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
م: (وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده لقيام الحجة؛ لأن اليد حق مقصود) ش: فلا يستحق أحدهما بغير حجة م: (وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما لما بينا) ش: أشار إلى قوله لقيام الحجة، فإن طلبا القسمة بعد ذلك لم تقسم بينهما ما لم يقيما البينة على الملك. قال بعض مشايخنا: هذا قول أبي حنيفة، وقالا: يقسم بينهما م: (فلا تستحق لأحدهما من غير حجة، وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بنى أو حفر في يده لوجود التصرف والاستعمال فيها) ش: لأن من ضرورة الاستعمال إثبات اليد كالركوب على الدابة واللبس في الثياب، ذكره البزدوي، والله أعلم.

(9/412)