البناية شرح الهداية

 (باب دعوى النسب) قال: وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فهو ابن للبائع وأمه أم ولد له، وفي القياس وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - دعوته باطلة؛ لأن البيع اعتراف منه بأنه عبد فكان في دعواه متناقضا ولا نسب بدون الدعوى. وجه الاستحسان أن اتصال العلوق بملكه شهادة ظاهرة على كونه منه؛ لأن الظاهر عدم الزنا، ومبنى النسب على الخفاء، فيعفى فيه التناقض، وإذا صحت الدعوى استندت إلى وقت العلوق فتبين أنه باع أم ولده فيفسخ البيع، لأن بيع أم الولد لا يجوز ويرد الثمن، لأنه قبضه بغير حق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب دعوى النسب]
[باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع]
م: (باب دعوى النسب)
ش: أي هذا الباب في بيان حكم دعوى النسب، ولما ذكر دعوى المال شرع في دعوى النسب وقدم دعوى المال لكثرة وقوعها، فكان أهم. وفي " الصحاح ": الدعوة بالكسر في النسب، وبالفتح في الطعام، وقيل على العكس.
قلت: وبالضم في الجهاد.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فهو ابن البائع وأمه أم ولد له) ش: وتفسخ البيع ويرد الثمن.
م: (وفي القياس وهو قول وزفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - لأن دعوته باطلة؛ لأن البيع اعتراف منه) ش: أي من البائع م: (بأنه عبد) ش: أي بأن الولد عبد، لأن إقدامه على البيع يدل على ذلك م: (فكان في دعواه مناقضاًَ) ش: ودعوى التناقض مردود م: (ولا نسب بدون الدعوى) ش: أي ولا يثبت النسب بدون الدعوى.
م: (وجه الاستحسان: أن اتصال العلوق بملكه) ش: أي بملك المدعي وهو البائع م: (شهادة ظاهرة على كونه منه) ش: وذلك بمنزلة البينة العادلة حكماً في حق ثبوت النسب وحرية الولد في الأصل وصيرورة الجارية أم ولد له م: (لأن الظاهر عدم الزنا، ومبنى النسب على الخفاء) ش: جواب عن المناقض، لأن الإنسان قد لا يعلم ابتداء بكون العلوق منه ولم يتبين له أنه منه م: (فيعفى فيه التناقض) ش: لأجل الخفاء.
م: (وإذا صحت الدعوى) ش: أي دعوى البائع م: (استندت إلى وقت العلوق) ش: منه م: (فتبين أنه باع أم ولده، فيفسخ البيع، لأن بيع أم الولد لا يجوز ويرد الثمن لأنه) ش: أي لأن البائع م: (قبضه بغير حق) ش: فيجب عليه رده.

(9/413)


وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده فدعوة البائع أولى، لأنها أسبق لاستنادها إلى وقت العلوق، وهذه دعوى استيلاد. وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت البيع لم تصح دعوى البائع، لأنه لم يوجد اتصال العلوق بملكه تيقنا وهو الشاهد والحجة، إلا إذا صدقه المشتري فيثبت النسب ويحمل على الاستيلاد بالنكاح ولا يبطل البيع، لأنا تيقنا أن العلوق لم يكن في ملكه فلا يثبت حقيقة العتق ولا حقه، وهذه دعوى تحرير وغير المالك ليس من أهله. وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت البيع ولأقل من سنتين لم تقبل دعوى البائع فيه، وإلا أن يصدقه المشتري، لأنه احتمل أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة، فلا بد من تصديقه. وإذا صدقه يثبت النسب ويبطل البيع والولد حر والأم أم ولد له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده) ش: دعوى البائع م: (فدعوى البائع أولى، لأنها أسبق لاستنادها إلى وقت العلوق) ش: إنما عينه بقوله " مع دعوى " لأنه لو ادعاه المشتري أولا يثبت النسب منه ولا يثبت نسب البائع بعد ذلك لاستغناء الولد عن النسب م: (وهذه دعوى استيلاد) ش: هذا جواب دخل تقديره كيف تصح الدعوى والملك معدوم، فأجاب بقوله " وهذه " أي دعوى البائع استيلاد ودعوى المشتري دعوى تحرير، إذ الأصل العلوق لم يكن في ملكه، ودعوى الاستيلاد أولى لاستنادها إلى وقت العلوق. ودعوى الاستيلاد لا تفتقر إلى حقيقة الملك، ودعوى التحرير تفتقر إليها.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله " دعوى استيلاد " في الحقيقة، هذا جواب عن قول إبراهيم النخعي حيث قال فيها: يثبت النسب من المشتري، لأن حقيقة الملك فيها وفي ولدها، وللبائع حق، والحق لا يعارض الحقيقة، قلنا: هذه دعوى استيلاد.... إلخ.
م: (وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت البيع لم تصح دعوة البائع، لأنه لم يوجد اتصال العلوق بملكه يقيناً وهو) ش: أي اتصال العلوق بملكه م: (الشاهد والحجة) ش: في ثبوت النسب م: (إلا إذا صدقه المشتري، فيثبت النسب ويحمل على الاستيلاد بالنكاح) ش: حملاً لأمره على الصلاح م: (ولا يبطل البيع، لأنا تيقنا أن العلوق لم يكن في ملكه فلا يثبت حقيقة العتق) ش: في حق الولد م: (ولا حقه) ش: ولا حق المعتق في الجارية م: (وهذه دعوى تحرير) ش: يعني إذا لم تصر الجارية أم ولد تبقى الدعوى في الولد دعوى تحرير م: (وغير المالك ليس من أهله) ش: والبائع ليس بمالك فلا بد من تصديق المشتري.
م: (وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت البيع ولأقل من سنتين لم تقبل دعوى البائع فيه، إلا أن يصدقه المشتري، لأنه احتمل) ش: أي لأن الشأن أنه احتمل م: (أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة فلا بد من تصديقه، وإذا صدقه يثبت النسب ويبطل البيع والولد حر والأم أم ولد له

(9/414)


كما في المسألة الأولى لتصادقهما واحتمال العلوق في الملك. قال: فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم لأنها تابعة للولد، ولم يثبت نسبة بعد الموت لعدم حاجته إلى ذلك، فلا يتبعه استيلاد الأم. وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد وأخذه البائع، لأن الولد هو الأصل في النسب فلا يضره فوات التبع وإنما كان الولد أصلا لأنها تضاف إليه، يقال أم الولد وتستفيد الحرية من جهته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعتقها ولدها» والثابت لها حق الحرية وله حقيقتها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كما في المسألة الأولى لتصادقهما واحتمال العلوق في الملك) ش: وإن ادعاه المشتري وحده صحت دعوته، لأن دعوته دعوى استيلاد، حتى يكون الولد حر الأصل، ولا يكون له ولاء على الولد، لأن العلوق في ملكه يمكن، وإن ادعياه معاً أو متعاقباً فالمشتري أولى، لأن البائع في هذه الحالة كالأجنبي، هذا الذي ذكرناه كله إذا علم مدة الولادة بعد البيع، فإذا لم يعلم أنها جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر فصاعداً ما بينهما وبين سنتين أو لأكثر من سنتين، فالمسألة على أربعة أوجه أيضاً.
فإن ادعاه البائع فإنها لا تصح دعوته، إلا أن يصدقه المشتري لعدم تيقن العلوق في ملكه؛ وإن ادعاه المشتري صح؛ لأن أكثر ما في الباب أن علوق الولد في ملك البائع بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر، ولكن هذا لا يمنع دعوى المشتري، ولو سبق أحدهما صاحبه في الدعوى إن سبق المشتري صحت دعوته، وإن سبق البائع ثم ادعى المشتري لا تصح دعوى واحدة منهما لوقوع الشك في إثبات النسب من كل واحد منهما. وإن ادعيا معاً فإنه لا تصح دعوى واحد منهما، وإن ادعيا معا فإنه لا تصح دعوى واحد منهما، ويكون الولد عبد المشتري.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم؛ لأنها تابعة للولد ولم يثبت نسبه بعد الموت لعدم حاجته إلى ذلك فلا يتبعه استيلاد الأم) ش: لأنه فرع النسب.
م: (وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد وأخذه البائع؛ لأن الولد هو الأصل في النسب) ش: والاستيلاد فرع النسب كما ذكرنا.
م: (فلا يضره) ش: أي فلا يضر نسب الولد م: (فوات التبع) ش: وهو الأم أو أمومية الولد م: (وإنما كان الولد أصلاً لأنها) ش: أي لأن الأم م: (تضاف إليه، يقال " أم الولد " وتستفيد) ش: أي الأم م: (الحرية من جهته) ش: أي من جهة الولد م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أعتقها ولدها» ش: هذا تقدم في باب الاستيلاد، رواه ابن ماجه.
م: (والثابت لها) ش: أي للأم م: (حق الحرية، وله) ش: أي وللولد م: (حقيقتها) ش: أي

(9/415)


والأدنى يتبع الأعلى ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم، لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها. وفي " الجامع الصغير ":
وإذا حبلت الجارية في ملك رجل فباعها فولدت في يد المشتري فادعى البائع الولد وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه يرد عليه بحصته من الثمن. ولو كان المشتري إنما أعتق الولد فدعواه باطلة.. ووجه الفرق أن الأصل في هذا الباب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حقيقة الحرية، وهو ظاهر
م: (والأدنى يتبع الأعلى ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم؛ لأنه تبين انه باع أم ولده وماليتها) ش: أي ومالية أم الولد م: (غير متقومة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في العقد والغصب) ش:، حتى إذا اشترى أم الغير وماتت في يده لا يضمن المشتري قيمتها، وكذلك لو غصبها فماتت عنده م: (فلا يضمنها المشتري) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وعندهما متقومة فيضمنها) ش: أي المشتري في العقد، والغاصب في الغصب.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما ذكر المصنف رواية " الجامع الصغير " إعلاماً بأن حكم الإعتاق فيما نحن فيه حكم الموت،.

م: (وإذا حبلت الجارية في ملك رجل فباعها فولدت في يد المشتري) ش: لأقل من ستة أشهر من بيعها م: (فادعى البائع الولد، وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه) ش: أي ابن البائع م: (ويرد عليه بحصته من الثمن) ش: يعني يقيم الثمن على قيمة الولد وقيمة أمه، فما أصاب الأم يلزم المشتري، وما أصاب الولد سقط عنه، ولا تصير الجارية أم ولد للبائع، لأنه يثبت فيها للمشتري ما لا يحتمل الإبطال وهو الولد وكذا الحكم فيها إذا دبرها أو استولدها، ذكره التمرتاشي. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": ذكره شمس الأئمة السرخسي أن هذا قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما على قول أبي حنيفة: يرد الولد بجميع الثمن، لأنه لا مالية لأم الولد.
قال الأترازي: فيه نظر، لأن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نقل في " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - صريحاً: أنه يرد الولد بحصته من الثمن، وكذا ذكر في " الأصل " يرد إليه بحصته من الثمن. م: (ولو كان المشتري إنما أعتق الولد فدعواه باطلة) ش: يعني إذا كان المشتري أعتق الولد فدعوته باطلة إذا لم يصدقه المشتري م: (ووجه الفرق) ش: أي بينهما: إذا أعتق المشتري الأم ولم يعتق الولد حيث تكون دعوى البائع صحيحة في حق الولد خاصة وبينهما إذا أعتق المشتري الولد دون الأم حيث تبطل دعوى البائع أصلاً م: (أن الأصل في هذا الباب) ش: أي في

(9/416)


الولد، والأم تابعة له على ما مر. وفي الفصل الأول قام المانع من الدعوى والاستيلاد وهو العتق في التبع وهو الأم، فلا يمتنع ثبوته في الأصل وهو الولد وليس من ضروراته كما في ولد المحرور، فإنه حر وأمه أمة لمولاها، وكما في المستولدة بالنكاح. وفي الفصل الثاني قام المانع بالأصل وهو الولد فيمتنع ثبوته فيه وفي التبع وإنما كان الإعتاق مانعا، لأنه لا يحتمل النقض كحق استلحاق النسب، وحق الاستيلاد فاستويا من هذا الوجه، ثم الثابت من المشتري حقيقة الإعتاق، والثابت في الأم حق الحرية وفي الولد للبائع حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باب ثبوت النسب م: (الولد، والأم تابعة له على ما مر) ش: من قوله " لأن الولد هو الأصل " في النسب.
م: (وفي الفصل الأول) ش: أي فيما إذا أعتق المشتري أم الولد: م: (قام المانع من الدعوى والاستيلاد وهو العتق في التبع وهو الأم، فلا يمتنع ثبوته في الأصل وهو الولد) ش:.
فإن قيل: إذا لم تمتنع الدعوى في الولد يثبت العتق فيه والنسب لكون العلوق في ملكه يتيقن، لأن الكلام فيما إذا حبلت الجارية في ملك البائع، ومن حكم ثبوت النسب للولد صيرورة أمه أم ولد للبائع، فكان ينبغي أن يبطل البيع، وإلحاق المشتري.
أجاب المصنف بقوله: م: (وليس من ضروراته) ش: حرية الأم، أي ثبوت الاستيلاد في حق الأم من ضرورات ثبوت المعتق والنسب للولد لانفكاكه عنه م: (كما في ولد المحرور) ش: وهو ما إذا اشترى الرجل أمة من رجل يزعم أنها ملكه فاستولدها فاستحقت م: (فإنه) ش: أي فإن الولد م: (حر) ش: عتيق بالقيمة، وهو ثابت النسب من أبيه، م: (وأمه أمة لمولاها) ش: وليست أم ولد لأبيه، م: (وكما في المستولدة بالنكاح) ش: بأن تزوج امرأة على أنها حرة فولدت فإذا هي أمة فإنه يثبت نسب ولدها، ولا تثبت أمومية أم الولد منها.
م: (وفي الفصل الثاني) ش: وهو ما إذا أعتق المشتري الولد ثم ادعاه البائع أنه ولد م: (قام المانع بالأصل وهو الولد فيمتنع ثبوته) ش: أي ثبوت ما ذكرنا من الاستيلاد والدعوى م: (فيه) ش: أي في الأصل م: (وفي التبع) ش: وهو الأم م: (وإنما كان الإعتاق مانعاً) ش: أي إنما كان إعتاق المشتري الولد مانعاً لدعوى البائع م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (لا يحتمل النقض كحق استلحاق النسب) أي من البائع في حق الولد م: (وحق الاستيلاد) ش: أي وكحق استيلاد البائع في حق الأم م: (فاستويا) ش: أي استوى إعتاق المشتري وحق استحقاق البائع م: (من هذا الوجه) ش: أي من حيث أنهما لا يحتملان النقض.
م: (ثم الثابت من المشتري) ش: هذا بيان ترجيح الإعتاق على الاستحقاق يعني الثابت من المشتري م: (حقيقة الإعتاق) ش: أي في الولد م: (والثابت في الأم حق الحرية، وفي الولد للبائع حق

(9/417)


الدعوة، والحق لا يعارض الحقيقة والتدبير بمنزلة الإعتاق، لأنه لا يحتمل النقض، وقد ثبت به بعض آثار الحرية. وقوله في الفصل الأول يرد عليه بحصته من الثمن قولهما وعنده يرد بكل الثمن وهو الصحيح كما ذكرنا في فصل الموت.
قال: ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول فهو ابنه ويبطل البيع، لأن البيع يحتمل النقض وماله من حق الدعوى لا يحتمله فينقض البيع لأجله، وكذا إذا كاتب الولد أو رهنه أو أجره أو كاتب الأم أو رهنها أو زوجها، ثم كاتب الدعوى، لأن هذه العوارض تحتمل النقض فينقض ذلك كله وتصح الدعوى، بخلاف الإعتاق والتدبير على ما مر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدعوى، والحق لا يعارض الحقيقة) ش: لأن الحقيقة أقوى من الحق، فكذلك لم يقل بصحة دعوى البائع فيما إذا أعتق المشتري الولد م: (والتدبير بمنزلة كالإعتاق) ش: أي في الحكم م: (لأنه لا يحتمل النقض وقد ثبت به) ش: أي بالتدبير م: (بعض آثار الحرية) ش: وهو عدم جواز النقل من ملك إلى ملك.
م: (وقوله:) ش: أي قوله من نقل في " الجامع الصغير ": م: (في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا أعتق المشتري الأم م: (يرد عليه بحصته من الثمن قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وعنده) ش: أي وعند محمد م: (يرد بكل من الثمن هو الصحيح) ش: احترز به كما ذكره شمس الأئمة وقاضي خان والمحبوبي بأن البائع يرد ما يخص الولد من الثمن لا كل الثمن، وقد ذهب المصنف إلى صحة هذا ولكن هذا خلاف ما نص عليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة في " الجامع الصغير " وغيره صريحاً أنه يرد الولد بحصته من الثمن، وقد ذكرنا.
وفي " المبسوط ": يرد في الموت كل الثمن عند أبي حنيفة. وفي الإعتاق حصة الولد وفرق بين الموت والعتق م: (كما ذكرنا في فصل الموت) ش: أي موت الأم في المشتري ودعوى البائع.

[باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع عبداً ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول فهو ابنه، ويبطل البيع لأن البيع يحتمل النقض) ش: إنما خص البيع للاحتراز عن الإعتاق والتدبير، فإنهما لا يحتملان النقض م: (وما له من حق الدعوى لا يحتمله) ش: أي النقض م: (فينقض البيع لأجله) ش: أي لأجل ماله في حق الدعوة م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا كاتب الولد أو رهنه أو أجره أو كاتب الأم أو رهنها أو زوجها ثم كاتب الدعوة) ش: أي وجدت الدعوى للبائع بعد وجود كتابة المشتري أو رهنه أو كتابته أو كتابة الأم أو رهنها أو تزويجها تصح هذه الدعوى، وتنقض هذه الأشياء م: (لأن هذه العوارض) ش: وهي الأشياء المذكورة م: (تحتمل النقض فينتقض ذلك كله، وتصح الدعوى) ش: أي من البائع.
م: (بخلاف الإعتاق والتدبير على ما مر) ش: أشار به إلى قوله " لأنه لا يحتمل النقض "

(9/418)


وبخلاف ما إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من البائع لأن النسب الثابت من المشتري لا يحتمل النقض، فصار كإعتاقه.
قال: ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه لأنهما من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، وهذا لأن التوأمين ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر، فلا يتصور علوق الثاني حادثا، لأنه لا حبل لأقل من ستة أشهر. وفي " الجامع الصغير ": إذا كان في يده غلامان توأمان ولدا عنده فباع أحدهما وأعتقه المشتري، ثم ادعى البائع الذي في يده فهما ابناه، وبطل عتق المشتري لأنه لما ثبت نسب الولد الذي عنده لمصادفة العلوق والدعوى ملكه، إذ المسألة مفروضة فيه ثبت به حرية الأصل، فيثبت نسب الآخر وحرية الأصل فيه ضرورة لأنهما توأمان، فتبين أن عتق المشتري وشراءه لاقى حرية الأصل، فبطل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبخلاف ما إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من البائع، لأن النسب الثابت من المشتري لا يحتمل النقض، فصار كإعتاقه) ش: أي إعتاق المشتري، وذكر هذه المسائل من " المبسوط " تفريعاً على مسألة " الجامع الصغير ".

[ادعى نسب أحد التوأمين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن ادعى نسب أحد التوأمين) ش: التوأم اسم للولد إذا كان معه آخر في بطن واحد، ويقال هما توأمان كما يقال: هما زوجان قولهما هما توأم زوج خطأ؛ كذا في " المغرب ". وقال شمس الأئمة: يجوز أن يقال: غلامان توأم وتوأمان، قال: ذكر التوأم مكان التوأمين صحيح في اللغة م: (ثبت نسبهما منه) ش: أي نسب التوأمين من المدعي م: (لأنهما) ش: خلقاً م: (من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، وهذا) ش: أشار به إلى قوله فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت الآخر "، م: (لأن التوأمين ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر) ش: إنما قيد بذلك لأنه إذا كان بينهما ستة أشهر فصاعداً بتوأمين، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر م: (فلا يتصور علوق الثاني حادثاً، لأنه لا حبل في أقل من ستة أشهر) .
م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما أعاد لفظ " الجامع " لما فيه من زيادة وهي قوله " ولداً عنده " م: (إذا كان في يده غلامان توأمان ولدا عنده فباع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الذي في يده) ش: أنه ابنه م: (فهما ابناه وبطل عتق المشتري لأنه لما ثبت نسب الولد الذي عنده لمصادفة العلوق ولدعوى ملكه، إذا المسألة مفروضة فيه) ش: أي لأن المسألة مقدرة فيما إذا كان أصل العلوق في ملكه، وذلك فيما إذا جاء بهما لأقل من ستة أشهر من يوم باع، وقوله م: (ثبت به حرية الأصل) .
ش: جواب: لما إذا كان كذلك، م: (فيثبت نسب الآخر وحرية الأصل) ش: أي وتثبت حرية الأصل م: (فيه) ش: أي في الآخر م: (ضرورة) ش: بالنصب، أي من حيث الضرورة، وعلله بقوله: م: (لأنهما توأمان فتبين أن عتق المشتري وشراءه لاقى حرية الأصل فبطل) ش: أي عتق

(9/419)


بخلاف ما إذا كان الولد واحدا؛ لأن هناك يبطل العتق فيه مقصودا لحق دعوى البائع، وهنا ثبت تبعا لحريته في حرية الأصل فافترقا. وإن لم يكن أصل العلوق في ملكه ثبت نسب الولد الذي عنده، ولا ينقض البيع فيما باع، لأن هذه دعوى تحرير لانعدام شاهد الاتصال، فيقتصر على محل ولايته.
قال: وإن كان الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب، ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبدا، وإن جحد العبد أن يكون ابنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشتري؛ وقال الكاكي: والضمير المستكن في " بطل " راجع إلى كل واحد من العتق والشراء.
م: (بخلاف ما إذا كان الولد واحدا، لأن هناك يبطل العتق فيه مقصوداً) ش: أي بالقصد م: (لحق دعوى البائع) ش: أي لأجل حق دعوى البائع م: (وهنا) ش: أي في مسألة التوأمين م: (ثبت تبعاً) ش: أي يثبت بطلان عتق المشتري بطريق التبعية م: (لحريته فيه حرية الأصل) ش: أي لحرية المشتري بفتح الراء الذي كانت الحرية في حرة الأصل، ومن ضرورته ثبوت حرية الأصل فيه ثبوت حرية الأصل الآخر ضمناً وتبعاً، لأنهما توأمان، وعلى هذا قوله " حرية الأصل " مجرور بدل من قوله " لحريته ".
وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص بسبيل المدح بتأويل أعنى؛ وقال الأكمل: ولحريته حرية الأصل بدل من قوله " لحريته " م: (فافترقا) ش: أي حكم ما إذا كان الولد واحداً وحكم التوأمين.
م: (وإن لم يكن) ش: وفي بعض النسخ: فإن لم يكن م: (أصل العلوق في ملكه) ش: أي في ملك المدعي م: (ثبت نسب الولد الذي عنده) .
ش: وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي "، للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا ولدت أمة الرجل ولدين في بطن واحد ولم يكن أصل الحبل عنده، فباع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعاهما البائع فهما ابناه م: (ولا ينقض البيع فيما باع، لأن هذه دعوى تحرير) ش: لأنه لم يكن أصل علوقها في ملك البائع. وقال المصنف: م: (لانعدام شاهد الاتصال) ش: أي اتصال العلوق بملكه يقيناً م: (فيقتصر) ش: هذا العتق م: (على محل ولايته) ش: وصار كالبائع أعتقها فتعتق على من في ملكه فحسب.

[الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب ثم قال هو ابني]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب، ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبداً، وإن جحد العبد أن يكون ابنه) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها.
قال الكاكي: قوله " عبداً " يعني سواء صدقه العبد الغائب أو كذبه أو لم يعرف منه تكذيب ولا تصديق، لأن إقراره بثبوت نسبه من الغير ينفي ثبوت النسب منه، إذا إقراره حجة في حقه

(9/420)


وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى. وعلى هذا الخلاف إذا قال: هو ابن فلان ولد على فراشه ثم ادعاه لنفسه. لهما: أن الإقرار يرتد برد العبد، فصار كأن لم يكن الإقرار والإقرار بالنسب يرتد بالرد. وإن كان لا يحتمل النقض، ألا ترى أنه يعمل فيه الإكراه والهزل، فصار كما إذا أقر المشتري على البائع بإعتاق المشتري فكذبه البائع ثم قال: أنا أعتقته يتحول الولاء إليه. بخلاف ما إذا صدقه لأنه يدعي بعد ذلك نسبا ثابتا من الغير، وبخلاف ما إذا لم يصدقه ولم يكذبه لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقه، فيصير كولد الملاعنة فإنه لا يثبت نسبه من غير الملاعن؛ لأن له أن يكذب نفسه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته والإقرار بمثله لا يرتد بالرد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر م: (عند أبي حنيفة) .
م: (وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى) ش: يعني إذا ادعى لنفسه بعد جحود العقد. وفي " جامع المحبوبي " فلو حضر العبدان صدق المولى أو كذبه أو لم يكذبه، ففي الوجه الأول والثالث: تصح دعوى المولى بعد ذلك إجماعاً. وفي الوجه الثاني لم تصح دعوته خلافاً لهما، لكن يعتق عليه وإن لم يثبت نسبه من المولى، م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (وإذا قال: هو ابن فلان ولد على فراشه ثم ادعاه لنفسه) ش: حيث لا يكون ابنه عنده، خلافا لهم.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الإقرار يرتد برد العبد، فصار كأن لم يكن الإقرار، والإقرار بالنسب يرتد بالرد، وإن كان لا يحتمل النقض) ش: أي وإن كان النسب لا يحتمل أن ينقض، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن الإقرار بالنسب م: (يعمل فيه الإكراه) ش: حتى لو أكره بالإقرار بنبوة عبد فأقر لا يجوز م: (والهزل) ش: أي ويعمل فيه الهزل بأن أقر به هازلاً فإنه لا يثبت م: (فصار) ش: هذا نظير م: (كما إذا أقر المشتري على البائع بإعتاق المشتري فكذبه البائع، ثم قال) ش: أي المشتري: م: (أنا أعتقته يتحول الولاء إليه) ش: أي إلى المشتري.
م: (بخلاف ما إذا صدقه) ش: مولى، أي البائع م: (لأنه يدعي بعد ذلك نسباً ثابتا من الغير) ش: وهو لا يصح م: (وبخلاف ما إذا لم يصدقه ولم يكذبه، لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقه) ش: فلا تصح دعوى المولى بعد ذلك، م: (فيصير كولد الملاعنة فإنه لا يثبت نسبه من غير الملاعن، لأن له) ش: أي للملاعن م: (أن يكذب نفسه) ش: فتصح دعوته.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته) ش: وهذا بالاتفاق، وما كان كذلك لا يرتد، م: (والإقرار بمثله) ش: أي بمثل ما لا يحتمل النقض م: (لا يرتد بالرد) ش:

(9/421)


فبقي فتمتنع دعوته كمن شهد على رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة ثم ادعاه لنفسه، وهذا لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقها، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه، وكذا تعلق به حق الولد فلا يرتد برد المقر له. ومسألة الولاء على هذا الخلاف، ولو سلم فالولاء قد يبطل باعتراض الأقوى كجر الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب، وقد اعترض على الولاء الموقوف ما هو أقوى، وهو دعوى المشتري فيبطل به، بخلاف النسب على ما مر، وهذا يصلح مخرجا على أصله فيمن يبيع الولد ويخاف عليه الدعوة بعد ذلك فيقطع دعواه بإقراره بالنسب لغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعد ثبوته بالتكذيب م: (فبقي) ش: أي فبقي الإقرار في حق المقر وإن لم يثبت في حق المقر له، كما إذا أقر بعتق عبد الغير وكذبه الملك، ثم اشتراه يعتق عليه م: (فتمتنع دعوته) ش: أي دعوة المقر م: (كمن شهد على رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة) ش: من قرابة أو فسق م: (ثم ادعاه لنفسه) ش: أي ثم ادعاه الشاهد لنفسه لم تصح دعوته، م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله " لا يحتمل النقض " م: (لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقها، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه) ش: فصار كالذي لم يصدقه ولم يكذبه، ولا يلزم على هذا إذا أقر بمال فرد المقر له ثم ادعاه، لأن الأملاك تنفسخ بالرد فيبطل الإقرار ولم يبق إلا حق المقر، فجاز أن يدعي.
م: (وكذا تعلق به حق الولد يرتد برد المقر له) ش: لأن المقر لا يقدر على إبطاله، لأن ليس حقه على الخلوص م: (ومسألة الولاء) ش: هذا جواب عن استشهادهما بها، تقريره: أن مسألة الولاء ليس بحجة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنها م: (على هذا الخلاف) ش: فلا ينتهض شاهد، م: (ولو سلم) ش: يعني ولئن سلمنا أنها على الاتفاق فنقول بين الولاء وبين النسب فرق، أشار إليه بقوله م: (فالولاء قد يبطل باعتراض الأقوى) ش: أي باعتراض ما هو الأقوى م: (كجر الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب) ش: صورته معتقة تزوجت بعبد وولدت منه أولاداً، فإذا أعتق العبد جر الولاء إلا الأولاد إلى نفسه، هكذا روي عن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وقد اعترض) ش: هنا م: (على الولاء الموقوف) ش: هو الولاء من جانب البائع وسماه موقوفاً لأنه على فرضية التصديق بعد التكذيب م: (ما هو أقوى، وهو دعوى المشتري) ش: ودعواه أقوى لقيام ملكه في الحال، فكان دعوى الولاء إلى نفسه بسبب الاعتقاد مصادفا محله لوجود شرطه، وهو قيام الملك م: (فيبطل) ش: أي الولاء م: (بخلاف النسب) ش: حيث لا يجوز نقضه بعد ثبوته فلم يبطل، فلم تصح دعوى المولى بعد إقراره أنه ابن عبدي م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: " إن النسب مما لا يحتمل النقض " م: (وهذا) ش: أي قوله " هذا ابن عبدي فلان الغائب " م: (يصلح مخرجاً) ش: أي حيلة م: (على أصله) ش: أي على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيمن يبيع الولد ويخاف عليه الدعوة بعد ذلك، فيقطع دعواه بإقراره النسب لغيره) ش: توضيحه

(9/422)


قال: وإذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: هو عبدي فهو ابن النصراني وهو حر، لأن الإسلام مرجح فيستدعي تعارضا، ولا تعارض لأن نظر الصبي في هذا أوفر، لأنه ينال شرف الحرية حالا وشرف الإسلام مآلا إذ دلائل الوحدانية ظاهرة، وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعا، وحرمانه عن الحرية لأنه ليس في وسعه اكتسابها. ولو كانت دعوتهما دعوة البنوة فالمسلم أولى ترجيحا للإسلام وهو أوفر النظرين.
قال: وإذا ادعت امرأة صبيا أنه ابنها لم يجز دعواها حتى تشهد امرأة على الولادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجل في يد وصي ولد على ملكه ويبيعه ولا ما من المشتري أن يدعيه فينقض البيع مخيلة إلا من انتقاض البيع أن يقر البائع أنه ابن عبدي الغائب، فإن بعد هذا الإقرار لا تصح دعوته عبداً فيأمن المشتري من انتقاض البيع. وفي " الفوائد الظهيرية ": الحيلة في هذه المسألة على قول الكل أن يقر البائع أن هذا ابن عبدي الميت حتى لا يأتي فيه تكذيب، فيكون مخرجا على قول الكل.

[الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني هو ابني وقال المسلم هو عبدي]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: هو عبدي فهو ابن النصراني وهو حر، لأن الإسلام مرجح) ش: بكسر الجيم م: (فيستدعي تعارضاً) ش: لأن الترجيح يستدعي التعارض م: (ولا تعارض) ش: ها هنا م: (لأن نظر الصبي في هذا) ش: أي في كونه ابن النصراني، وكونه حراً م: (أوفر) ش: أي أكثر منفعة م: (لأنه ينال شرف الحرية حالاً وشرف الإسلام مآلا إذ دلائل الوحدانية ظاهرة) ش: فيمكنه اكتساب الإسلام بنفسه م: (وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعاً) ش: إما لأبيه أو لمولاه م: (وحرمانه عن الحرية؛ لأنه ليس في وسعه اكتسابها) ش: أي اكتساب الحرية. ولقائل أن يقول: هذا مخالف الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، ودلائل التوحيد، وإن كانت ظاهرة، لكن الإلف بالدين مانع قوي ألا ترى إلى كفر آبائه مع ظهور دلائل التوحيد.
وأجيب: بأن قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] (الأحزاب: الآية 5) ، يوجب دعوة الأولاد لآبائهم بدعوى النسب، لأن دعوته لا تحتمل النقض فتعارضت الآيتان. وفي الأحاديث الدلالة على الرحمة بالصبيان [.....] ، وكانت أقوى من التابع، وكفور الآباء جحود، والأصل عدمه م: (ولو كانت دعوتهما) ش: أي دعوة المسلم والنصراني م: (دعوة البنوة فالمسلم أولى ترجيحاً للإسلام وهو أوفر النظرين:) ش: نظر الإسلام ونظر البنوة؛ وقال زفر: يستويان؛ وقال الشافعي: بحكم العائف.

[ادعت امرأة صبيا أنه ابنها]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعت امرأة صبياً أنه ابنها لم تجز دعواها، حتى تشهد امرأة على الولادة) ش: هذا لفظ " الجامع ".

(9/423)


ومعنى المسألة: أن تكون المرأة ذات زوج لأنها تدعي تحميل النسب على الغير فلا تصدق إلا بحجة، بخلاف الرجل لأنه يحمل نفسه النسب ثم شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة إلى تعيين الولد. أما النسب يثبت بالفراش القائم، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل شهادة القابلة على الولادة. ولو كانت معتدة فلا بد من حجة تامة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد مر في الطلاق. وإن لم تكن منكوحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومعنى المسألة: أن تكون المرأة ذات زوج لأنها تدعي تحميل النسب على الغير، فلا تصدق إلا بحجة) ش: وهي شهادة القابلة، لأن الولادة مما لا يحضرها الرجال، فإذا شهدت قابلة يثبت النسب، وإذا لم يكن لها زوج فالقول لها من غير بينة كما في الرجل.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: لم يكن ثمة منازع، وأما إذا كان المنازع ينكر بأن ادعت النسب من رجل والرجل حاضر ينكر ذلك، فإنه لا يثبت ذلك بشهادة القابلة عندهم جميعاً، وإنما يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عندهم جميعاً.
وإذا كانت المنازعة لها بامرأة أخرى ففي رواية أبي سليمان يقضى بالنسب بينهما إذا أقامت كل واحدة منهما امرأة واحدة، وفي رواية أبي حفص لا يقضى بالنسب من واحدة منهما ما لم تقم كل واحدة منهما رجلين أو رجل وامرأتين.
م: (بخلاف الرجل لأنه يحمل نفسه النسب) ش: فلا يحتاج فيه إلى حجة م: (ثم شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة إلى تعيين الولد. أما النسب يثبت بالفراش القائم، وقد صح: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل شهادة القابلة على الولادة» .
ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن عبد الملك الواسطي عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجاز شهادة القابلة» . ثم قال الدارقطني: محمد بن عبد الملك لم يسمع من الأعمش، بينهما رجل مجهول، وهو أبو عبد الرحمن المدايني.
وقال في " التنقيح ": هذا حديث لا أصل له، وتقدم الكلام فيه في كتاب الشهادات. م: (ولو كانت معتدة) ش: أي ولو كانت المرأة التي تدعي نسب ابن على زوجها معتدة من طلاق أو وفاة م: (فلا بد من حجة تامة) ش: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادة.
وقال أبو يوسف ومحمد في الجميع بشهادة امرأة واحدة، م: (وقد مر في الطلاق) ش: أي في كتاب الطلاق في باب ثبوت النسب، م: (وإن لم تكن) ش: أي المرأة م: (منكوحة) ش: أي غير

(9/424)


ولا معتدة. قالوا: يثبت النسب منها بقولها، لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها. وإن كان لها زوج وزعمت أنه ابنها منه وصدقها الزوج فهو ابنهما. وإن لم تشهد امرأة لأنه التزم نسبته فأغنى ذلك عن الحجة.
وإن كان الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره فهو ابنهما، لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما، ثم كل واحد منهما يريد إبطال حق صاحبه، فلا يصدق عليه، وهو نظير ثوب في يد رجلين يقول كل واحد منهما هو بيني وبين رجل آخر غير صاحبه يكون الثوب بينهما، إلا أن هناك يدخل المقر له في نصيب المقر؛ لأن المحل يحتمل الشركة، وهاهنا لا يدخل لأن النسب لا يحتملها.

قال: ومن اشترى جارية فولدت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذات زوج م: (ولا معتدة) ش: أي وإن لم تكن معتدة أيضاًَ؛ م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى - م: (يثبت النسب منها بقولها، لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها) ش: دون نفس غيرها.
م: (وإن كان لها زوج وزعمت أنه ابنها منه) ش: أي أن الولد من زوجها م: (وصدقها الزوج) ش: أي صدقها في دعواها م: (فهو ابنهما، وإن لم تشهد امرأة لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (التزم نسبته فأغنى ذلك عن الحجة) ش: إذ ليس فيه تجهيل النسب على الغير.

[الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت أنه ابنها من غيره]
م: (وإن كان الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره فهو ابنهما) ش: هذا إذا كان الصبي لا يعبر عن نفسه، فإن كان يعبر عن نفسه فالقول له أيهما صدق ثبت نسبته منه بتصديقه؛ وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يعتبر تصديقه.
وقال التمرتاشي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - التناقض لا يمنع صحة دعوى النسب، حتى لو قال رجل هو ابني منك في نكاح، وقالت ابنك مني من زنا لم يثبت النسب بينهما لعدم اتفاقهما في النكاح. فلو قالت بعد ذلك: ابنك مني في نكاح يثبت لما قلنا.
وفي " الإيضاح ": دعوى النسب لا تبطل بالتناقض، لأن التناقض يكون بين المتساويين، ولا مساواة بينهما، فإن دعوى النسب أقوى من النفي، م: (لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما، ثم كل واحد منهما يريد إبطال حق صاحبه فلا يصدق عليه، وهو نظير ثوب في يد رجلين يقول كل واحد منهما هو بيني وبين رجل آخر غير صاحبه يكون الثوب بينهما) ش: فكذا هذا، م: (إلا أن هناك) ش: أي في مسألة الثوب الذي في يد رجلين، م: (يدخل المقر له في نصيب المقر، لأن المحل يحتمل الشركة، وههنا) ش: أي في مسألة دعوى النسب م: (لا يدخل لأن النسب لا يحتملها) ش: أي الشركة.

[اشترى جارية فولدت ولدا عنده فاستحقها رجل]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية فولدت

(9/425)


ولدا عنده فاستحقها رجل غرم الأب قيمة الولد يوم يخاصم، لأنه ولد المغرور، فإن المغرور من يطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح، فتلد منه ثم تستحق، وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأن النظر من الجانبين واجب، فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه رقيقا في حق مدعيه نظرا لهما، ثم الولد حاصل في يده من غير صنعه، فلا يضمنه إلا بالمنع كما في ولد المغصوبة، فلهذا تعتبر قيمة الولد يوم الخصومة، لأنه يوم المنع.
ولو مات الولد لا شيء على الأب لانعدام المنع، وكذا لو ترك مالا، لأن الإرث ليس ببدل عنه والمال لأبيه لأنه حر الأصل في حقه فيرثه. ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولداً عنده فاستحقها رجل غرم الأب قيمة الولد يوم يخاصم، لأنه ولد المغرور) ش: وفسر المغرور بقوله: م: (فإن المغرور من يطأ امرأة معتمداً على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم تستحق، وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: كذا قال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي " في كتاب النكاح. قال: لا خلاف بين الصدر الأول وفقهاء الأمصار: أن ولد المغرور حر الأصل، ولا خلاف أيضاً بين السلف: أنه مضمون على الأب، إلا أن السلف اختلفوا في كيفية ضمانه.
وقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تبدلا الغلام بالغلام والجارية بالجارية، يعني إن كان الولد غلاماً فعلى الأب غلام مثله، وإن كان جارية فعليه جارية. وقال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قيمتها، وإليه ذهب أصحابنا.
م: (ولأن النظر من الجانبين) ش: جانب المغرور وجانب المستحق م: (واجب فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه رقيقاً في حق مدعيه نظراً لهما) ش: أي للمغرور والمستحق م: (ثم الولد حاصل في يده) ش: هذا بيان لسبب الضمان وهو المنع، أي الولد في يده م: (من غير صنعه) ش: يعني من غير تعد منه م: (فلا يضمنه إلا بالمنع كما في ولد المغصوبة) ش: أي الجارية المغصوبة فإن ولدها أمانة لا يضمن إلا بالمنع م: (فلهذا) ش: أي فلأجل كون الضمان بالمنع م: (تعتبر قيمة الولد يوم الخصومة؛ لأنه يوم المنع) ش: في " شرح الطحاوي ": تعتبر قيمته يوم القضاء بالقيمة.

م: (ولو مات الولد) ش: أي قبل الخصومة م: (لا شيء على الأب لانعدام المنع، وكذا) ش: لا شيء عليه م: (لو ترك مالاً) ش: أي لو مات ولد المغرور وترك مالاً ميراثاً لأبيه م: (لأن الإرث ليس ببدل عنه) ش: أي عن الولد حتى يكون منعه كمنع الولد، إنما قال ذلك مع احتراز عن الدية فإنها بدله عنه وكان هذا الدفع شبهة وهي أن يقال: لما توجد دية تقوم الدية مقام الولد في المنع فينبغي أن يجعل منع تركته كمنع ديته.
فقال في جوابه: الإرث ليس ببدل عنه م: (والمال لأبيه، لأنه حر الأصل في حقه فيرثه. ولو

(9/426)


قتله الأب يغرم قيمته لوجود المنع، وكذا لو قتله غيره فأخذ ديته لأن سلامة بدله له كسلامته ومنع بدله كمنعه فيغرم قيمته. كما إذا كان حياً ويرجع بقيمة الولد على بائعه لأنه ضمن له سلامته كما يرجع بثمنها، بخلاف العقد لأنه لزمه لاستيفاء منافعها، فلا يرجع به على البائع والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتله الأب يغرم قيمته لوجود المنع) .
م: (وكذا لو قتله غيره) ش: أي غير الأب م: (فأخذ) ش: أي الأب م: (ديته، لأن سلامة بدله له كسلامته) ش: أي كسلامة نفسه م: (ومنع بدله كمنعه فيغرم قيمته، كما إذا كان حياً ويرجع) ش: أي المشتري المغرور بما ضمن م: (بقيمة الولد على بائعه؛ لأنه) ش: أي لأن البائع م: (ضمن له) ش: أي للمشتري م: (سلامته) ش: أي سلامة العبد بجميع أجزائه م: (كما يرجع بثمنها) ش: أي بثمن الأم، لأن المغرور بثمنهما م: (بخلاف العقر) ش: يعني أن المغرور لا يرجع على بائعه بعقد وجب عليه، لأن ضمان المنفعة وهي ليست من أجزاء المبيع حقيقة.
وعند الشافعي: يرجع بالعقد عليه، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه لزمه) ش: لأن العقد لزم المغرور م: (لاستيفاء منافعها، فلا يرجع به على البائع والله أعلم بالصواب) ش: أي لأنه عوض عما استوفاه من منافع البضع فلا يستوجب الرجوع على غيره، لأنه لو رجع به سلم المستوفى له مجاناً، والوطء في ملك الغير لا يجوز أن يسلم مجاناً.
وفي " المبسوط " ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بشيء من قيمة الولد عندنا، وعند الشافعي: يرجع به. ولو باعها المشتري من آخر واستولدها المشتري الثاني يرجع على البائع الثاني بالثمن وبقيمة الولد، ويرجع المشتري الأول على البائع الأول بالثمن، ولا يرجع بقيمة الولد التي رجع عليه المشتري بها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يرجع عليه بقيمة الولد أيضاً، والله أعلم بالصواب.

(9/427)