البناية شرح الهداية

باب الاستثناء وما في معناه قال: ومن استثنى متصلا بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي؛ لأن الاستثناء مع الجملة عبارة عن الباقي، ولكن لا بد من الاتصال وسواء استثنى الأقل أو الأكثر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الاستثناء وما في معناه]
[معنى الاستثناء]
م: (باب الاستثناء وما في معناه)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستثناء وما في معناه، والاستثناء: استفعال من الثني وهو الصرف، وهو متصل، وهو الإخراج والتكلم بالباقي ومنفصل، وهو ما لا يصح إخراجه، قوله: " وما في معناه "، أي وما في معنى الاستثناء في كونه مغيراً وهو الشرط.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن استثنى متصلاً بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي) ش: لا بد من الاتصال، وهو مذهب الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفيه خلاف بعض العلماء.
ونقل عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جواز التأخير، واستدل بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والله لأغزون قريشاً، ثم قال: بعد سنة إن شاء الله» . وأجيب: بأن هذا لم يكن على وجه الاستثناء، بل هو امتثال لما أمر به في قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] . وعن عبد الملك المالكي: لا يصح الاستثناء، وعنه أنه لا يصح استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الألوف، بل يصح استثناء الآحاد والعشرات من المئين والألوف، واستثناء الأقل والأكثر يجوز.
وقال الفراء: لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله.
وفي " الكافي ": وعن أبي يوسف ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مثله وفي " الحلية ": وبه قال ابن درستويه النحوي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن ما ذكره من قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يكن مشهوراً عند أصحابه، واستثناء الكل من الكل لا يجوز بلا خلاف.
وذكر المصنف في زياداته هذا إذا استثنى معين بذلك اللفظ بأن قال: نسائي طوالق إلا نسائي، أما لو قال: نسائي طوالق إلا عمرة وزينب وفاطمة، حتى أتى على الكل صح، وكذا لو قال: نسائي طوالق إلا هؤلاء، صح الاستثناء ولم تطلق واحدة منهن.
م: (لأن الاستثناء مع الجملة) ش: أي الصدر م: (عبارة عن الباقي) ش: لأن معنى قوله: " علي عشرة إلا درهماً " معنى قوله: " علي تسعة " م: (ولكن لا بد من الاتصال) ش: أي اتصال الاستثناء بقوله وإلا لا يصح وقد مر بيانه الآن م: (وسواء استثنى الأقل أو الأكثر) ش: أي أقل من الباقي وأكثر منه كما في قوله: لفلان علي ألف درهم إلا أربعمائة، ولفلان علي ألف إلا ستمائة والدليل على ذلك قوله عز وجل {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] (المزمل: الآية 2 - 4) ، لأن طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة إلا وراء المستثنى، ولا فرق

(9/450)


فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء؛ لأنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، ولا حاصل بعده فيكون رجوعا وقد مر الوجه في الطلاق.
ولو قال: له علي مائة درهم إلا دينارا أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - ولو قال له: علي مائة درهم إلا ثوبا لم يصح الاستثناء. وقال محمد -رحمه الله -: لا يصح فيهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح فيهما. لمحمد: أن الاستثناء ما لولاه لدخل تحت اللفظ، وهذا لا يتصور في خلاف الجنس، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما اتحدا جنسا من حيث المالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في ذلك بين الاستثناء في الأقل أو الأكثر.
م: (فإن استثنى الجميع لزمه) ش: أي لزم المقر م: (الإقرار) ش: أي كل ما أقر به م: (وبطل الاستثناء، لأنه) ش: أي الاستثناء م: (تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: أي المستثنى م: (ولا حاصل بعده) ش: أي بعد استثناء الكل عن المقدر م: (فيكون رجوعاً) ش: والرجوع عن الإقرار لا يصح م: (وقد مر الوجه في الطلاق) ش: أي قد مر وجه ذلك في كتاب الطلاق في فصل الاستثناء.

[قال له علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة]
م: (ولو قال: له علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز، وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. ولو قال: له علي مائة درهم إلا ثوباً لم يصح الاستثناء) ش: أما صحة الوجه الأول فلأنه استثناء القدر من المقدر، وهو صحيح استحساناً، ويطرح قدر قيمة المستثنى بما أقر به، وأما عدم جواز الوجه الثاني فلا بد من استثناء غير المقدر فلا يصح الاستثناء.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح فيهما) ش: وهو القياس، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح فيهما) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لمحمد: أن الاستثناء ما لولاه لدخل تحت اللفظ) ش: يعني إن الاستثناء تصرف في اللفظ وهو إخراج بعض ما تناوله صدر الكلام على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلاً تحت الصدر م: (وهذا لا يتصور في خلاف الجنس) ش: وفي بعض النسخ: وهذا لا يتحقق في خلاف الجنس.
م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما) ش: أي أن المستثنى والمستثنى منه م: (اتحدا جنساً) ش: أي من حيث الجنس م: (من حيث المالية) ش: حاصله أن اشتراط اتحاد الجنس وهو موجود من حيث المالية فانتفى المانع بعد تحقيق المقتضى وهو التصرف اللفظي. وقال الأكمل وكلام المصنف كما ترى يشير إلى أن المجانسة بين المستثنى والمستثنى منه شرط عند الشافعي أيضاً، وهو الحق. وقرر الشارحون كلامه على أنها ليست بشرط، بناه على أن الاستثناء يعارض الصور وليس من شرطه المجانسة وليس بصحيح، لأنه يقول بالإخراج بعد الدخول بطريق المعارضة، ونحن نقول

(9/451)


ولهما أن المجانسة في الأول ثابتة من حيث الثمنية، وهذا في الدينار ظاهر، والمكيل والموزون أوصافها أثمان، أما الثوب فليس بثمن أصلا، ولهذا لا يجب بمطلق عقد المعاوضة وما يكون ثمنا صلح مقدرا للدراهم، فصار بقدره مستثنى من الدراهم، وما لا يكون ثمنا لا يصلح مقدرا، فبقي المستثنى من الدراهم مجهولا فلا يصح.
، قال: ومن أقر بحق، وقال: إن شاء الله متصلا بإقراره لا يلزمه الإقرار لأن الاستثناء بمشيئة الله، إما إبطال أو تعليق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بأن الاستثناء لبيان أن الصدر لم يتناول المستثنى، فهو إخراج إلى إثبات المجانسة لأجل الدخول هنا.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن المجانسة في الأول) ش: أي في الوجه الأول وهو قوله " علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة " م: (ثابتة من حيث الثمنية) ش: لأنها تثبت في الذمة ثمناً م: (وهذا في الدينار ظاهر، والمكيل والموزون أوصافهما أثمان) ش: فإنهما إذا وصفت تثبت في الذمة حالاً ومؤجلاً، وجاز الاستقراض بها. ولو عين يتعلق بأعيانهما، ولو وصف ولم يعينا صار حكمهما حكم الدينار، وهذا يستوي الجيد والرديء فيهما، فكان في حكم الثبوت في الذمة كجنس واحد معنى.
م: (أما الثوب فليس بثمن أصلاً، ولهذا لا يجب بمطلق عقد المعاوضة) ش: احترز به عن السلم فإنه يجب في السلم م: (وما يكون ثمناً صلح مقدراً) ش: بكسر الدال على صيغة الفاعل م: (للدراهم فصار بقدره مستثنى من الدراهم) ش: فيكون تقديره: له علي ألف إلا قدر قيمة المستثنى م: (وما لا يكون ثمناً لا يصلح مقدراً) ش: لعدم المجانسة م: (فبقي المستثنى من الدراهم مجهولاً) ش: فجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه م: (فلا يصح) ش: أي الاستثناء فتعتبر على البيان.
وفي " الذخيرة ": وإذا صح الاستثناء يطرح قدر قيمة المستثنى على المقر، وإن كانت قيمة المستثنى تفترض ما أقر به لا يلزمه شيء، ثم ما ذكر أن جهالة المستثنى تلزم جهالة المقر به مخالفاً لما ذكر في " الذخيرة " محالاً إلى " المنتقى ".
قال أبو حنيفة: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: لفلان علي مائة درهم إلا قليلاً فعليه أحد وخمسون درهماً، وكذا في نظائرها نحو قوله " الأشياء "، لأن الشيء استثناء الأقل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: علي عشرة إلا بعضاً؛ فعليه أكثر من النصف.

[أقر بحق وقال إن شاء الله متصلاً بإقراره]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر بحق وقال: إن شاء الله متصلاً بإقراره لا يلزمه الإقرار لأن الاستثناء بمشيئة الله تعالى، أما إبطال) ش: عند محمد م: (أو تعليق) ش: عند أبي يوسف، قاله الأترازي، ثم قال: بيانه فيما قال في كتاب الطلاق عن " الفتاوى الصغرى " والقسمة إذا قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى فهو يمين عند أبي يوسف حتى لو قال لامرأته: إن

(9/452)


فإن كان الأول فقد أبطل، وإن كان الثاني فكذلك، إما لأن الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط، أو لأنه شرط لا يوقف عليه كما ذكرنا في الطلاق، بخلاف ما إذا قال: لفلان علي مائة درهم إذا مت أو إذا جاء رأس أو إذا أفطر الناس؛ لأنه في معنى بيان المدة فيكون تأجيلا لا تعليقا حتى لو كذبه المقر له في الأجل يكون المال حالا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق إن شاء الله تعالى يحنث، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون يميناً حتى لا يحنث به عنده.
فإن قلت: قال الأكمل: وغيره الاستثناء بمشيئة الله تعالى إبطال، كما هو مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو تعليق كما هو مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا مخالف لما قاله الأترازي.
قلت: لا مخالفة، لأن الكاكي لما قال: قال محمد: إبطال، وقال أبو يوسف: تعليق، قال: وقيل: الاختلاف على العكس ثم قال الأكمل: وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع الطلاق لأنه إبطال. وعند محمد لا يقع لأنه تعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق وبقي الطلاق من غير شرط فيقع، وكيفما كان لم يلزمه الإقرار.
م: (فإن كان الأول) ش: وهو الإبطال م: (فقد أبطل، وإن كان الثاني) ش: وهو التعليق م: (فكذلك) ش: أي بطل م: (إما لأن الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط) ش: لأن الإقرار إخبار بما سبق والتعليق إنما يكون بالنسبة إلى المستقبل وبينهما منافاة م: (أو لأنه) ش: أو لأن التعليق م: (شرط لا يوقف عليه) ش: والتعليق بمثله يكون إعداماً من الأصل، فيصير بمنزلة الإبطال م: (كما ذكرنا في الطلاق) ش: أي فصل الاستثناء م: (بخلاف ما إذا قال: لفلان علي مائة درهم إذا مت أو إذا جاء رأس الشهر أو إذا أفطر الناس؛ لأنه في معنى بيان المدة) ش: وذلك من حيث العرف، لأن الناس يعتبرون بذكر هذه الأشياء محل الأجل فحسب، لأن الدين المؤجل يصير حالاً بالموت ومجيء رأس الشهر، ومع هذا من آجال الناس فتركت الحقيقة للعرف م: (فيكون تأجيلا لا تعليقاً) ش: فيلزمه الإقرار م: (حتى لو كذبه المقر له في الأجل يكون المال حالاً) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب المال مؤجلاً.
وفي " شرح الكافي ": لو قال: لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان فقال فلان شئت فهذا الإقرار باطل، لأنه علق واللزوم حكم الشرط لا حكم التعليق، وكذلك لكل إقرار علق بمطر أو شرط نحو قوله " إن دخلت الدار " و " إن مطرت السماء " أو " إن هبت الريح "، أو " إن قضى الله "، أو " إن أراده "، أو " إن رضيه "، أو " إن أحب "، أو " إن أصبت مالاً "، أو إن كان

(9/453)


قال: ومن أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه فللمقر له الدار والبناء، لأن البناء داخل في هذا الإقرار معنى لا لفظا، والاستثناء تصرف في المفلوظ والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء في الدار، لأنه يدخل فيه تبعا لا لفظا، بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها أو إلا بيتا منها لأنه داخل فيه لفظا.
ولو قال: بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال، لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء، فكأنه قال: بياض هذه الأرض دون البناء لفلان، بخلاف ما إذا قال: مكان العرصة أرضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك " أو " إن كان ذلك حقاً "، لأنه تعليق الإقرار بالشرط؛ فلا يكون إقراراً للحال، ولا يمكن جعله إقراراً للحال، ولا يمكن جعله إقراراً عند وجود الشرط لأنه ليس بموجود في تلك الحالة، بخلاف تعليق الطلاق والعتاق.

[قال هذه الدار لفلان واستثنى بناءها لنفسه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بدار) ش: بأن قال: هذه الدار لفلان م: (واستثنى بناءها لنفسه فللمقر له الدار والبناء، لأن البناء داخل في هذا الإقرار معنى لا لفظا) ش: يعني اسم الدار لا يتناول البناء مقصوداً، لأن البناء، وصف فيه، والوصف يدخل تبعاً لا قصداً م: (والاستثناء تصرف في الملفوظ) ش: يجعل الملفوظ عبارة عما وراء المستثنى فيما لا يتناوله اسم الدار ولا يتحقق فيه عمل الاستثناء.
فإن قلت: يشكل بما إذا قال: لفلان علي ألف درهم إلا قفيز حنطة، فإن الحنطة دخلت في الدار معنى لا لفظاً حتى صح استثناؤه.
قلت: الدراهم تتناول الحنطة من حيث المعنى، فتناولها من حيث اللفظ من جهة المعنى فيصح الاستثناء، ولا كذلك الدار فإنها ليست باسم العرصة والبناء حتى يكون ذكر الدار ذكراً للبناء بطريق التناول، بل الدار اسم العرصة، والبناء صفة والوصف يدخل تبعاً لا قصداً فلا يصح استثناء الوصف فافترقا.
م: (والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء في الدار) ش: يعني كما لا يصح استثناء البناء، لا يصح استثناء الفص والحلقة م: (لأنه يدخل فيه) ش: أي يدخل تحت الصدر م: (تبعاً لا لفظاً، بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها) ش: بأن قال: هذه الدار لفلان إلا ثلثها م: (أو إلا بيتاً منها) ش: أي أو قال: هذه الدار لفلان إلا بيتاً منها م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الثلث والبيت م: (داخل فيه لفظاً) ش: ومقصوداً، حتى لو استحق البيت في بيع الدار سقط حصته من الثمن.

[قال بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان]
م: (ولو قال: بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال) ش: يعني يكون البناء للمقر والعرصة لفلان، م: (لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء، فكأنه قال: بياض هذه الأرض لفلان دون البناء) ش: والبناء لا يتبعها م: (بخلاف ما إذا قال: مكان العرصة أرضاً) ش: يعني قال: بناء

(9/454)


حيث يكون البناء للمقر له لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء كالإقرار بالدار.
ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه، فإن ذكر عبدا بعينه قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف وإلا فلا شيء لك، قال: هذا على وجوه: أحدها: هذا، وهو أن يصدقه ويسلم العبد، وجوابه ما ذكرنا، لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة. والثاني: أن يقول المقر له: العبد عبدك ما بعتكه، وإنما بعتك عبدا غير هذا، وفيه المال اللازم على المقر لإقراره به عند سلامة العبد له، وقد سلم فلا يبالي باختلاف السبب بعد حصول المقصود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذه الدار لي والأرض لفلان م: (حيث يكون البناء للمقر له) ش: مع الأرض خلافاً للأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، م: (لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء كالإقرار بالدار) ش: حيث تكون الأرض والبناء للمقر وإن استثنى البناء، لأن البناء داخل في الإقرار، كما أن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء، لأن الإقرار بالأصل إقرار بالتبع.

[قال له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه]
م: (ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه، فإن ذكر عبداً بعينه قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف، وإلا فلا شيء لك) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا) ش: أي المذكور م: (على وجوه: أحدها: هذا) ش: أي الذي ذكره القدوري.
م: (وهو أن يصدقه) ش: أي يصدق المقر له المقر.
م: (ويسلم العبد، وجوابه) ش: أي جواب هذا الوجه م: (ما ذكرنا) ش: وهو أن يقال للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف وإلا فلا شيء لك، م: (لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة) ش: فلو علمنا أنه اشترى منه هذا العبد في يده كان عليه ألف درهم، كذا ها هنا.
م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني.
م: (أن يقول المقر له: العبد عبدك ما بعتكه وإنما بعتك عبداً غير هذا وفيه المال اللازم على المقر لإقراره به عند سلامة العبد له وقد سلم فلا يبالي باختلاف السبب بعد حصول المقصود) ش: كما لو قال: لك علي ألف عصبة صك.
وقال: لا بل استقرضت مني، ولا تفاوت في هذا بين أن يكون العبد في يد المقر أو المقر له. وقال الكاكي: لأن الأسباب مطلوبة بأحكامها لا بأعيانها، ولا يعتبر التكاذب

(9/455)


والثالث: أن يقول العبد عبدي ما بعتك، وحكمه أن لا يلزم المقر شيء؛ لأنه ما أقر بالمال إلا عوضا عن العبد، فلا يلزمه دونه.
ولو قال مع ذلك: إنما بعتك غيره يتحالفان؛ لأن المقر يدعي تسليم من عينه، والآخر ينكر، والمقر له يدعي عليه الألف ببيع غيره، والآخر ينكر، فإذا تحالفا بطل المال. وهذا إذا ذكر عبدا بعينه. وإن قال: من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف ولا يصدق في قوله: ما قبضت عند أبي حنيفة وصل أم فصل، لأنه رجوع، فإنه أقر بوجوب المال رجوعا إلى كلمة " علي " وإنكاره القبض في غير المعين ينافي الوجوب أصلا؛ لأن الجهالة مقارنة كانت أو طارئة بأن اشترى عبدا ثم نسياه عند الاختلاط بأمثاله توجب هلاك المبيع، فيمتنع بوجوب نقد الثمن، وإذا كان كذلك كان رجوعا فلا يصح وإن كان موصولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في السبب بعد اتفاقها على وجوب أصل المال.
م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث: م: (أن يقول: العبد عبد ما بعتك، وحكمه: أن لا يلزم المقر شيء، لأنه ما أقر بالمال إلا عوضاً عن العبد فلا يلزمه دونه) ش: فإذا لم يسلم له العبد لا يسلم للمقر له بدله، وفي هذا أيضاً لا تفاوت بين كون العبد في يد المقر له، لأنه إذا كان في يد المقر يأخذ العبد.

[قال المقر له مع إنكار العبد المقر به ما بعتكه إنما بعتك غيره]
م: (ولو قال مع ذلك) ش: أي ولو قال المقر له مع إنكار العبد المقر به: ما بعتكه م: (إنما بعتك غيره يتحالفان) ش: لأن كل واحد مدع ومنكر، أشار إليه بقوله: م: (لأن المقر يدعي تسليم من عينه، والآخر ينكر، والمقر له يدعي عليه الألف ببيع غيره، والآخر ينكر فإذا تحالفا بطل المال) ش: يعني بطل المال من المقر والعبد سالم لمن هو في يده، م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (إذا ذكر عبداً بعينه وإن قال من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف ولا يصدق في قوله: ما قبضت، عند أبي حنيفة وصل أم فصل، لأنه رجوع، فإنه أقر بوجوب المال رجوعاً إلى كلمة علي وإنكاره القبض في غير المعين ينافي الوجوب أصلاً) ش: لأن ما لا يكون بعينه فهو في حكم المستهلك إذ لا طريق للتوصل إليه، لأن ما من عبد يحضره إلا والمشتري يقول المبيع غير هذا، وتسليم الثمن لا يجب إلا بعد إحضار المعقود عليه، فعرفنا إنه في حكم المستهلك وثمن المستهلك غير واجب، إلا أن يكون مقبوضاً فيكون الإقرار بوجوب ثمنه إقراراً بقبضه. وإذا أقر بالقبض يكون قوله لم أقبضه رجوعاً بعد الإقرار.
م: (لأن الجهالة مقارنة كانت أو طارئة، بأن اشترى عبداً ثم نسياه عند الاختلاط بأمثاله توجب هلاك المبيع، فيمتنع وجوب نقد الثمن، وإذا كان كذلك كان رجوعاً فلا يصح وإن كان موصولاً) ش: بيانه: أن أول كلامه إقراراً يوجب الثمن، وآخر يوجب سقوطه وذلك رجوعاً فلا يصح وإن كان موصولاً.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن وصل صدق ولم يلزمه شيء) ش: كما في

(9/456)


وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله -: إن وصل صدق ولم يلزمه شيء، وإن فصل لم يصدقه إذا أنكر المقر له أن يكون ذلك من ثمن عبد، وإن أقر أنه باعه متاعا فالقول قول المقر. ووجه ذلك أنه أقر بوجوب المال عليه وبين سببا وهو البيع، فإن وافقه الطالب في السبب وبه لا يتأكد الوجوب إلا بالقبض والمقر ينكره فيكون القول قوله وإن كذبه في السبب كان هذا من المقر بيانا مغيرا؛ لأن صدر كلامه للوجوب مطلقا وآخره يحتمل انتفاءه على اعتبار عدم القبض والمغير يصح موصولا لا مفصولا. ولو قال: ابتعت منه عينا إلا أني لم أقبضه فالقول قوله بالإجماع؛ لأنه ليس من ضرورة البيع القبض، بخلاف الإقرار بوجوب الثمن.
قال: وكذا لو قال: من ثمن خمر أو خنزير، ومعنى المسألة إذا قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لزمه الألف ولم يقبل تفسيره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المتن وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (وإن فصل لم يصدقه إذا أنكر المقر، له أن يكون ذلك من ثمن عبد. وإن أقر أنه) ش: أي أن المقر له م: (باعه متاعاً فالقول قول المقر. ووجه ذلك) ش: أي وجه كون القول للمقر م: (أنه أقر بوجوب المال عليه وبين سبباً) ش: يعني أن قوله: لفلان علي ألف درهم إقرار بوجوب المال عليه، وقوله من ثمن متاع اشتريته بيان لسبب الوجوب م: (وهو البيع، فإن وافقه الطالب) ش: وهو المقر له م: (في السبب) ش: قال الأكمل: [وفيه]- رَحِمَهُ اللَّهُ - ونظر، لأن قوله: " فإن وافقه الطالب في السبب " شرط، فلا بد من جوابه، وقوله م: (وبه لا يتأكد الوجوب إلا بالقبض) ش: لا يصلح لذلك، أي كالبيع لا يتأكد وجوب الثمن على المشتري، أي وجوب الثمن عليه قبل قبض المبيع متزلزل لأنه عسى يهلك المبيع فيسقط الثمن، والمدعي الذي هو المقر له يدعي قبض الثمن، م: (والمقر ينكره، فيكون القول قوله) ش: أي للمنكر.
م: (وإن كذبه في السبب كان هذا من المقر بياناً مغيراً؛ لأن صدر كلامه للوجوب مطلقاً) ش: لأن مقتضى أول الكلام أن يكون مطالباً بالمال في الحال رجوعاً على كلمة " علي " م: (وآخره) ش: أي وآخر الكلام م: (يحتمل انتفاءه) ش: أي انتفاء الوجوب، م: (على اعتبار عدم القبض والمغير يصح موصولاً لا مفصولاً) ش: كالاستثناء.
م: (ولو قال: ابتعت منه عيناً) ش: أي مبيعاً م: (إلا أني لم أقبضه فالقول قوله بالإجماع) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأنه ليس من ضرورة البيع القبض) ش: فإن الشراء بشرط الخيار لا يوجب الثمن عليه في الحال م: (بخلاف الإقرار بوجوب الثمن) ش: فإن من ضرورته القبض.

[قال لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا لو قال: من ثمن خمر أو خنزير) ش: وقال المصنف: م: (ومعنى المسألة) ش: أي المسألة التي ذكرها القدوري م: (إذا قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لزمه الألف ولم يقبل تفسيره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم

(9/457)


فصل، لأنه رجوع، لأن ثمن الخمر والخنزير لا يكون واجبا، وأول كلامه للوجوب. وقالا: إذا وصل لا يلزمه شيء، لأنه بين بآخر كلامه أنه ما أراد به الإيجاب وصار كما إذا قال في آخره: إن شاء الله. قلنا ذاك تعليق، وهذا إبطال.
ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن متاع، أو قال: أقرضني ألف درهم ثم قال: هي زيوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فصل، لأنه رجوع، لأن ثمن الخمر والخنزير لا يكون واجباً، وأول كلامه للوجوب) ش: وهو قوله: " علي " فيكون رجوعاً عن الإقرار فلا يصدق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر القدوري في " مختصره " الخلاف، وإنما ذكره الأسبيجابي.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إذا وصل لا يلزمه شيء) ش: وبه قال مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وإسحاق، واختاره المزني م: (لأنه) ش: أي لأن المقر م: (بين بآخر كلامه أنه ما أراد به الإيجاب) ش: وقال الأسبيجابي: مما مرا على أصلهما، لأن هذا بيان مغير، ولكن هذا فيما إذا كذبه الطالب، أما إذا صدق في ذلك لا يلزمه شيء في قولهم جميعاً، لأن الثابت يتصادقهما كالثابت معاينة، وكذا الحكم فيها إذا قال: من ثمن خمر أو ميتة أو دم.
وفي " الأجناس ": رواية هشام لو قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير وهما مسلمان. وقال الطالب: بل هو من ثمن المال لازم للمطوب في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع يمين الطالب، وقال: القول قول المطلوب مع يمينه ولا شيء عليه، ألا ترى أنه لو قال علي درهم ثمن ميتة أو رطل خمر كان باطلاً، ثم قال في " الأجناس ": من ذكر " في نوادر أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية ابن سماع: لو قال: لفلان علي ألف درهم حرام أو باطل لزمه في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي " الذخيرة ": لو قال: له علي ألف درهم حرام أو ربا لزمه الألف، لأن الحرام عنده لعله يكون حلالاً عند غيره، ولعل الربا عنده ليس بربا عند غيره. ولو قال: له علي ألف زوراً وباطل إن صدقه فلان فلا شيء عليه، وإن كذبه فعليه الألف.
م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال في آخره: إن شاء الله تعالى) ش: يعني إن وصل يصدق، وإن فصل لا يصدق فلذا م: (قلنا) ش: هذا جواب عن قياسها على مسألة الاستثناء بالمشيئة، تقريره أن يقال: م: (ذاك تعليق) ش: بالشرط، والتعليق بالشرط من باب التغيير، فيصح موصولاً م: (وهذا) ش: أي الذي نحن فيه م: (إبطال) ش: والإبطال رجوع فلا يصح.

[قال أقرضني ألف درهم ثم قال هي زيوف]
م: (ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن متاع، أو قال: أقرضني ألف درهم ثم قال: هي زيوف)

(9/458)


أو نبهرجة، وقال المقر: له جياد لزمه الجياد في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن قال: موصولا يصدق، وإن قال: مفصولا لا يصدق، وعلى هذا الخلاف إذا قال: هي ستوقة أو رصاص وعلى هذا إذا قال: إلا أنها زيوف، وعلى هذا إذا قال: لفلان علي ألف درهم زيوف من ثمن متاع. لهما: أنه بيان مغير فيصح بشرط الوصل كالشرط والاستثناء، وهذا لأن اسم الدراهم يحتمل الزيوف بحقيقته والستوقة بمجازه، إلا أن مطلقه ينصرف إلى الجياد فكان بيانا مغيرا من هذا الوجه، وصار كما إذا قال: إلا أنها وزن خمسة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذا رجوع؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة عن العيب والزيافة عيب، ودعوى العيب رجوع عن بعض موجبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: جمع زيف، وهو الذي يقبله التجار ويرده بيت المال م: (أو بنهرجة) ش: هو دون الزيوف، لأن التجارة ترده، م: (وقال المقر له: جياد لزمه الجياد في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وصل أم فصل م: (وقالا) ش: أي قال: أبو يوسف ومحمد م: (إن قال: موصولاً يصدق وإن قال: مفصولاً لم يصدق) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى هذا الخلاف إذا قال: هي ستوقة) ش: وهي أردأ من النبهرجة م: (أو رصاص) ش: أي أو قال: هي رصاص؛ فلا يصدق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم فصل، وعندهما: يصدق إن وصل.
وفي " جامع قاضي خان ": عن أبي يوسف فيه روايتان في رواية مع أبي حنيفة، وفي رواية مع محمد م: (وعلى هذا) ش: الخلاف م: (إذا قال: إلا أنها زيوف، وعلى هذا إذا قال: لفلان علي ألف درهم زيوف من ثمن متاع) ش: تجري الزيوف وتجري الصفة على المعدود دون العدد، كقوله تعالى: {سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46] (يوسف: الآية 46) .
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أنه بيان مغير فيصح بشرط الوصل كالشرط) ش: والتعليق م: (والاستثناء، وهذا) ش: توضيح لما قبله، م: (لأن اسم الدراهم يحتمل الزيوف بحقيقته) ش: لأنها من جنس الدراهم حتى يحصل بها الاستيفاء في الصرف والسلم، ولا يصير استبدالاً م: (والستوقة بمجازه) ش: لأن الستوقة تسمى دراهم مجازاً والنقل من الحقيقة إلى المجاز بيان تغير، فيصح موصولاً ومفصولاً م: (إلا أن مطلقه) ش: أي مطلق اسم الدراهم م: (ينصرف إلى الجياد) ش: لأن أكثر النقود تكون جياداً، إلا أن بياعات الناس تكون بالجياد عادة م: (فكان بياناً مغيراً من هذا الوجه) ش: أي من الوجه المذكور، فلذلك شرط له الوصل م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: إلا أنها وزن خمسة) ش: أو ستة، ونقد بلدهم وزن سبعة صدق إن كان موصولاً ولم يصدق إن كان مفصولاً.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن هذا رجوع؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة عن العيب، والزيافة عيب، ودعوى العيب رجوع عن بعض موجبه) ش: أي موجب العقد؛ لأن إبطال

(9/459)


وصار كما إذا قال: بعتكه معيبا. وقال المشتري: بعتنيه سليما، فالقول للمشتري لما بينا، والستوقة ليست من الأثمان، والبيع يرد على الثمن، فكان رجوعا. وقوله: إلا أنها وزن خمسة يصح الاستثناء؛ لأنه مقدار بخلاف الجودة، لأن استثناء الوصف لا يجوز كاستثناء البناء في الدار، بخلاف ما إذا قال: علي كر حنطة من ثمن عبد إلا أنها رديئة، لأن الرداءة نوع لا عيب، فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها. وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول في القرض: أنه يصدق في الزيوف إذا وصل؛ لأن القرض يوجب رد مثل المقبوض، وقد يكون زيفا كما في الغصب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعض ما هو مستحق بالعقد فلا يصدق، وإن وصل م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: بعتكه معيباً، وقال المشتري: بعتنيه سليماً، فالقول للمشتري لما بينا) ش: أشار به إلى قوله " مطلق العقد يقتضي السلامة عن العيب ".
م: (والستوقة ليست من الثمان) ش: أي ليست من جنس الأثمان، م: (والبيع يرد على الثمن فكان) ش: أي فكان دعواه على تأويل الادعاء، يعني دعواه الستوقة م: (رجوعا) ش: عن الإقرار فلا يصح، م: (وقوله إلا أنها وزن خمسة) ش: هذا جواب عما استشهد به، تقريره: أنه ليس مما نحن فيه، لأن قوله هذا م: (يصح الاستثناء، لأنه مقدار بخلاف الجودة، لأن استثناء الوصف لا يجوز كاستثناء البناء في الدار) ش: لأنه لا يجوز.
توضيحه: أن الجودة صفة فلا يصح استثناء الوصف، لأن الصفة مما لم يتناوله وله اسم الدراهم حتى يستثنى، وإنما يثبت صفة الجودة في مطلق العقد بالعرف والعادة.
م: (بخلاف ما إذا قال: علي كر حنطة من ثمن عبد إلا أنها رديئة لأن الرداءة نوع لا عيب) ش: لأن العيب ما يخلو عند الفطرة السليمة والحنطة قد تكون رديئة م: (فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها) ش: أي عن الرداءة، ولهذا لا يصح شراء الحنطة ما لم يبين أنها جيدة أو وسط أو رديئة فليس في بيانه تغيير موجب أو لكلامه، فيصح وصل أم فصل، إذ مقتضى العقد لا يقتضي نوعاً دون نوع، فلا يستحق نوع بمطلق العقد، بخلاف الزيادة فإنها عيب، ومطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها.
م: (وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول في القرض) ش: المراد بالأصول الجامعان و " الزيادات " و " المبسوط " وغيرها ظاهر الرواية. وعن الأمالي والنوادر والورقيات فإنها روايات، والكيسانيات بغير ظاهر الرواية م: (أنه يصدق في الزيوف إذا وصل) ش: إذا قال لفلان علي ألف درهم قرض، أما إذا قطع كلامه ثم قال: بعد زمان هي زيوف، لا يصدقه باتفاق الروايات، م: (لأن القرض يوجب رد مثل المقبوض وقد يكون) ش: المقبوض م: (زيفاً) ش: والقرض يقضي بالمثل، م: (كما في الغصب) ش: يكون المغصوب زيفاً، لأن الواجب فيه مثل المقبوض، والجامع

(9/460)


ووجه الظاهر أن التعامل بالجياد فانصرف مطلقه إليها.
ولو قال: لفلان علي ألف درهم زيوف ولم يذكر البيع والقرض، قيل: يصدق بالإجماع؛ لأن اسم الدراهم يتناولها، وقيل: لا يصدق لأن مطلق الإقرار ينصرف إلى العقود لتعينها مشروعة لا إلى الاستهلاك المحرم. ولو قال: اغتصبت منه ألفا أو قال: أودعني ثم قال: هي زيوف أو نبهرجة صدق، وصل أم فصل؛ لأن الإنسان يغصب ما يجد ويودع ما يملك فلا مقتضى له في الجياد ولا تعامل، فيكون بيان النوع فيصح وإن فصل، ولهذا لو جاء زاد المغصوب والوديعة بالمعيب كان القول قوله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصدق فيه مفصولا اعتبارا بالقرض، إذ القبض فيهما هو الموجب للضمان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بينهما أن كلا منهما يوجب الضمان بالقبض، م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية: م: (أن التعامل) ش: يكون بين الناس م: (بالجياد فانصرف مطلقه) ش: أي مطلق القرض م: (إليها) ش: أي إلى الجياد، فيجب عليه ذلك ثم دعواه الزيافة لا تقبل، لأنه رجوع عما أقر به.

[قال لفلان علي ألف درهم زيوف ولم يذكر البيع والقرض]
م: (ولو قال: لفلان علي ألف درهم زيوف، ولم يذكر البيع والقرض، قيل: يصدق بالإجماع لأن اسم الدراهم يتناولها) ش: أي الزيوف م: (وقيل: لا يصدق) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم فصل م: (لأن مطلق الإقرار بالدين ينصرف إلى العقود لتعينها مشروعة لا إلى الاستهلاك المحرم) ش: وهو الغصب المحرم فصار كما لو بين سبب التجارة، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل إقراره إذا قال المقر: له جياد. م: (ولو قال اغتصبت منه ألفاً أو قال: أودعني ثم قال: هي زيوف أو نبهرجة صدق وصل أم فصل، لأن الإنسان يغصب ما يجد ويودع ما يملك فلا مقتضى له في الجياد) ش: لأن المقتضى في عقود المعاوضة م: (ولا تعامل) ش: أي في غصب الجياد ولا في إيداع الجياد بخلاف الاستقراض، فإن المتعامل فيه بالجياد، كذا قاله تاج الشريعة.
وقال شيخ العلاء: وهذا إشارة إلى الجواب عن فصل القرض، فإن في القرض إن لم يوجد المقتضى، فقد وجد التعامل والناس يتعاملون بالجياد فينصرف إلى الجياد ولم يوجد التعامل هنا فلا ينصرف إلى الجياد، م: (فيكون) ش: أي قول المقر م: (بيان النوع فيصح وإن فصل) ش: وقال الشافعي وأحمد: إذا فصل لم يصدق، وهو رواية عن أبي يوسف في الغصب م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن لا مقتضى له في الجياد م: (لو جاء زاد المغصوب والوديعة بالمعيب كان القول قوله) ش: فإن الاختلاف متى وقع وصفه المقبوض فالقول للقابض ضميناً أو أميناً.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصدق فيه) ش: أي في الغصب م: (مفصولاً اعتباراً بالقرض إذ القبض فيهما) ش: أي في الغصب والقرض م: (هو الموجب للضمان) ش: وجوابه يعلم مما تقدم.

(9/461)


ولو قال: هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل صدق، وإن فصل لم يصدق؛ لأن الستوقة ليست من جنس الدراهم، لكن الاسم يتناولها مجازا، فكان بيانا مغيرا فلا بد من الوصل وإن قال: في هذا كله ألفا ثم قال: إلا أنه ينقص كذا لم يصدق، وإن وصل صدق، لأن هذا استثناء المقدار والاستثناء يصح موصولا، بخلاف الزيافة؛ لأنها وصف واستثناء الأوصاف لا يصح، واللفظ يتناول المقدار دون الوصف وهو تصرف لفظي كما بينا. ولو كان الفصل ضرورة انقطاع الكلام بانقطاع نفسه فهو واصل لعدم إمكان الاحتراز عنه.
ومن أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب فالقول قوله، لأن الغصب لا يختص بالسليم. ومن قال لآخر: أخذت منك ألف درهم وديعة فهلكت فقال: لا بل أخذتها غصبا فهو ضامن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[قال هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل]
م: (ولو قال: هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل صدق، وإن فصل لم يصدق؛ لأن الستوقة ليست من جنس الدراهم، لكن الاسم) ش: أي اسم الدراهم م: (يتناولها) ش: أي الستوقة م: (مجازاً) ش: لمشابهة الستوقة والدراهم من حيث الصورة م: (فكان بياناً مغيراً فلا بد من الوصل) ش: أي فكان مغيراً لما اقتضاه أول كلامه، لأن أول كلامه يتناول الدراهم صورة وحقيقة وآخر كلامه يبين أن مراده الدراهم صورة لا حقيقة، وبين التفسير يصح موصولاً لا مفصولاً.
م: (وإن قال: في هذا كله ألفاً) ش: يعني المذكور من البيع والقرض والغصب، صورته إذا أقر وقال: لفلان علي ألف درهم، أو قال: أودعني ألف درهم، أو قال: غصبت ألف درهم أو أقرضني ألف درهم، أو قاضى ألف درهم، م: (ثم قال: إلا أنه ينقص كذا لم يصدق؛ وإن وصل صدق لأن استثناء المقدار) ش: أي استثناء لبعض ما أقر به من المقدار م: (والاستثناء يصح موصولاً، بخلاف الزيافة، لأنها وصف واستثناء الأوصاف لا يصح، واللفظ يتناول المقدار دون الوصف وهو) ش: فيصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى م: (تصرف لفظي) ش: يعني تصرف في الملفوظ لا فيما في غيره، م: (كما بينا) ش: أنه لا يصح إلا موصولاً.
م: (ولو كان الفصل ضرورة انقطاع الكلام، بانقطاع نفسه فهو واصل) ش: يعني يصح الاستثناء إذا كان الفصل للضرورة المذكورة م: (لعدم إمكان الاحتراز عنه) ش: لأن الإنسان يحتاج أن يتكلم بكلام كثير مع الاستثناء، ولا يقدر أن يتكلم بكلام كثير بنفس واحد، فجعل ذلك عفواً وعليه الفتوى، وبه قالت الأئمة الثلاثة.

[أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب]
م: (قال) ش: أي القدروي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب فالقول قوله؛ لأن الغصب لا يختص بالسليم) ش: وسواء وصل أم فصل م: (ومن قال لآخر: أخذت منك ألف درهم وديعة فهلكت فقال) ش: أي لقوله: م: (لا بل أخذتها غصباً فهو ضامن) ش: أي المقر ضامن، والقول قوله مع يمينه.

(9/462)


فإن قال: أعطيتنيها وديعة فقال: لا بل غصبتنيها لم يضمن. والفرق أن في الفصل الأول أقر بسبب الضمان، وهو الأخذ ثم ادعى ما يبرئه وهو الإذن والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين. وفي الثاني أضاف الفعل إلى غيره وذاك يدعي عليه سبب الضمان وهو الغصب، فكان القول لمنكره مع اليمين، والقبض في هذا كالأخذ، والدفع كالإعطاء.
فإن قال قائل: الإعطاء والدفع إليه لا يكون إلا بقبضه. فنقول: قد يكون بالتخلية والوضع بين يديه. ولو اقتضى ذلك، فالمقتضى ثابت ضرورة، فلا يظهر في انعقاده سبب الضمان، وهذا بخلاف ما إذا قال: أخذتها منك وديعة، وقال الآخر: بل قرضا حيث يكون القول للمقر، وإن أقر بالأخذ؛ لأنهما توافقا هناك على أن الأخذ كان بالإذن، إلا أن المقر له يدعي سبب الضمان وهو القرض والآخر ينكره فافترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قال: أعطيتنيها وديعة فقال) ش: أي المقر له م: (لا بل غصبتنيها لم يضمن، والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن في الفصل الأول) ش: هو قوله: أخذت منك ألف درهم وديعة م: (أقر بسبب الضمان وهو الأخذ) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» .
وهذا يتناول رد العين حال بقائها ورد المثل حال زوالها لكون المثل قائماً مقام الأصل، م: (ثم ادعى ما يبرئه وهو الإذن) ش: من الإبراء وهو الإذن بالأخذ م: (والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين) ش: إلا أن ينكل المقر له عن اليمين م: (وفي الثاني) ش: وفي نظر الثاني م: (أضاف الفعل إلى غيره) ش: وهو المقر له م: (وذاك) ش: أي ذلك الغير وهو المقر له م: (يدعي عليه سبب الضمان وهو الغصب، فكان القول لمنكره مع اليمين، والقبض في هذا كالأخذ) ش: يعني لو قال المقر: قبضت منك ألف درهم وديعة، فقال المقر له: غصبتها كان ضامناً، كان إذا قال: أخذتها وديعة م: (والدفع كالإعطاء) ش: يعني لا يضمن المقر إذا قال: دفعت إلي ألف درهم وديعة فقال المقر له: غصبتها، كما لو قال: أعطيتني.

[قال أخذتها منك وديعة وقال الآخر بل قرضا]
م: (فإن قال قائل: الإعطاء والدفع إليه لا يكون إلا بقبضه فنقول: قد يكون) ش: أي القبض م: (بالتخلية والوضع بين يديه) ش: وهو الجواب بطريق المنع، ثم قال بطريق التسليم: م: (ولو اقتضى ذلك) ش: أي وإن سلمنا أنه اقتضى ذلك كل واحد من التخلية، والموضع بين يديه قبض ثابت ضرورة، يعني بطريق الضرورة، فلا يشهر في انعقاد سبب الضمان، م: (فالمقتضى ثابت ضرورة فلا يظهر في انعقاده) ش: فلا يقتضي ثبوته بالضرورة يكون م: (سبب الضمان، وهذا) ش: أي وهذا الذي قلنا من ضمان المقر بالأخذ وديعة إذا قال المقر له: أخذتها غصباً.
م: (بخلاف ما إذا قال: أخذتها منك وديعة؛ وقال الآخر: بل قرضاً حيث يكون القول للمقر، وإن أقر بالأخذ؛ لأنهما توافقا هناك) ش: أي في القرض م: (على أن الأخذ كان بالإذن) ش: وهو السبب مسقط للضمان م: (إلا أن المقر له يدعي سبب الضمان وهو القرض والآخر ينكره فافترقا) ش: أي

(9/463)


فإن قال: هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه، فقال فلان: هي لي فإنه يأخذها؛ لأنه أقر باليد له وادعى استحقاقها عليه وهو ينكر والقول للمنكر. ولو قال: أجرت دابتي هذه فلانا فركبها وردها، أو قال آجرت ثوبي هذا فلانا فلبسه ورده، وقال فلان: كذبت وهما لي فالقول قوله، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: القول قول الذي أخذ منه الدابة والثوب وهو القياس، وعلى هذا الخلاف الإعارة والإسكان،
ولو قال خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته وقال فلان: الثوب ثوبي فهو على هذا الخلاف في الصحيح. وجه القياس ما بيناه في الوديعة. وجه الاستحسان وهو الفرق: أن اليد في الإجارة والإعارة ضرورية تثبت ضرورة استيفاء المعقود عليه، وهو المنافع فيكون عدما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حكم الوديعة والقرض.

[قال هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه فقال فلان هي لي]
م: (فإن قال: هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه، فقال فلان: هي لي، فإنه) ش: أي فإن فلانا م: (يأخذها، لأنه) ش: أي لفلان وادعى استحقاقها عليه، أي لأن المقر م: (أقر باليد له) ش: أي لفلان م: (وادعى استحقاقها عليه وهو ينكر والقول للمنكر. ولو قال: أجرت دابتي هذه فلاناً فركبها وردها، أو قال: أجرت ثوبي هذا فلاناً فلبسه ورده، وقال فلان: كذبت وهما لي فالقول قوله؛ وهذا) ش: أي كون القول قوله م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: القول قول الذي أخذ منه الدابة أو الثوب وهو القياس) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وفي " المبسوط " و " الإيضاح ": وهذا كله إذا لم تكن الدابة والثوب للمقر، أما إذا كان معروفاً فإن الدابة والثوب والدار للمقر، فقال: أعرته لفلان وقبضه فالقول قوله بالإجماع م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (الإعارة والإسكان) ش: بأن قال: أعرتك داري هذه ثم رددتها علي، وأسكنتك داري ثم رددت، وقال الآخر: داري.

[قال خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته وقال فلان الثوب ثوبي]
م: (ولو قال: خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته، وقال: فلان الثوب ثوبي فهو على هذا الخلاف في الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم فإنهم قالوا: القول قول المقر بالإجماع، ويكون ذلك دليلا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولكن مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: على الاختلاف أيضاً.
م: (وجه القياس: ما بيناه في الوديعة) ش: وهو قوله: " إن المقر أقر باليد لفلان ثم ادعى الاستحقاق عليه " فوجب عليه الرد كما في الوديعة.
م: (وجه الاستحسان وهو الفرق: أن اليد في الإجارة والإعارة) ش: بين الإجارة والوديعة: أن اليد في الإجارة والإعارة م: (ضرورة تثبت ضرورة استيفاء المعقود عليه وهو المنافع، فيكون عدماً)

(9/464)


فيما وراء الضرورة، فلا يكون إقرارا له باليد مطلقا بخلاف الوديعة؛ لأن اليد فيها مقصودة، والإيداع إثبات اليد قصدا فيكون الإقرار به اعترافا باليد للمودع. ووجه آخر أن في الإجارة والإعارة والإسكان أقر بيد ثابتة من جهته فيكون القول قوله في كيفيته، ولا كذلك في مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها: كانت وديعة وقد تكون من غير صنعه، حتى لو قال: أودعتها كان على هذا الخلاف، وليس مدار الفرق على ذكر الأخذ في طرف الوديعة وعدمه في الطرف الآخر وهو الإجارة وأختاها؛ لأنه ذكر الأخذ في وضع الطرف الآخر وهو الإجارة في كتاب الإقرار أيضا، وهذا بخلاف ما إذا قال: اقتضيت من فلان ألف درهم كانت لي عليه، أو أقرضته ألفا ثم أخذتها منه وأنكر المقر له حيث يكون القول قوله؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي اليد م: (فيما وراء الضرورة، فلا يكون إقرارا له مطلقاً) ش: أي قصداً من كل وجه م: (بخلاف الوديعة؛ لأن اليد فيها مقصودة، والإيداع إثبات اليد قصداً فيكون الإقرار به اعترافاً باليد للمودع) .
م: (ووجه آخر) ش: أي في الفرق م: (أن في الإجارة والإعارة والإسكان أقر بيد ثابتة من جهته فيكون القول قوله في كيفيته) ش: أي في كيفية ثبوت اليد بالطريق، كان كما لو قال: هذا عبدي بعته من فلان ولم يقم العبد إليه بعد، فقال المقر: لم اشتره كان القول قول المقر. وإن زعم الآخر خلاف، م: (ولا كذلك في مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها كانت وديعة، وقد تكون من غير صنعه) ش: بأن هبت الريح وألقته في داره، وكاللقطة فإنها وديعة في يد الملتقط وإن لم يدفع إليه صاحبها م: (حتى لو قال: أودعتها كان على هذا الخلاف) ش: المذكور، م: (وليس مدار الفرق على ذكر الأخذ في طرف الوديعة وعدمه في الطرف الآخر وهو الإجارة وأختاها) ش: أي الإعارة والإسكان، وإنما ذكر ضمير الراجع على الإجارة على تأويل العقد احترز بهذا عن قول الإمام علي القمي فإنه ذكر في الفرق أنه في مسألة الوديعة أخذتها منه يلزم جزاء الأخذ الرد، وهنا قال فردها علي فافترقا لافتراقهما في الوضع.
وقالوا في شروح " الجامع الصغير ": هذا الفرق ليس بشيء م: (لأنه) ش: أي لأن محمداً م: (ذكر الأخذ في وضع الطرف الآخر وهو الإجارة في كتاب الإقرار أيضاً) ش: فعلم أنه ليس يدري الفرق عليه؛ وأما علي القمي فهو علي بن موسى تلميذ محمد بن شجاع البلخي، وهو تلميذ الحسن بن زياد، وهو تلميذ أبي حنيفة، ونسبه إلى قم القاف وتشديد الميم وهي بلدة معروفة بالعراق.
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر في الإجارة وأختيها م: (بخلاف ما إذا قال: اقتضيت من فلان ألف درهم كانت لي عليه، أو أقرضته ألفاً ثم أخذتها منها وأنكر المقر له، حيث يكون القول قوله) ش:

(9/465)


لأن الديون تقضى بأمثالها، وذلك إنما يكون بقبض مضمون، فإذا أقر بالاقتضاء فقد أقر بسبب الضمان، ثم ادعى تملكه عليه بما يدعيه عليه من الدين مقاصة والآخر ينكره. أما ههنا المقبوض عين ما ادعى فيه الإجارة وما أشبهها فافترقا.
ولو أقر أن فلانا زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذه الكرم وذلك كله في يد المقر فادعاها فلان وقال المقر: لا، بل ذلك كله لي استعنت بك ففعلت أو فعلته بأجر، فالقول للمقر لأنه ما أقر له باليد، وإنما أقر بمجرد فعل منه، وقد يكون ذلك في ملك يد المقر، وصار كما إذا قال خاط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي كون المقر مع يمينه، م: (لأن الديون تقضي بأمثالها، وذلك) ش: أي قضاء الديون بأمثالها م: (إنما يكون بقبض المضمون) ش: ليصير ديناً على الدائن ثم يتقاصان، م: (فإذا أقر بالاقتضاء فقد أقر بسبب الضمان ثم ادعى تملكه عليه بما يدعيه عليه من الدين مقاصة) ش: أي ثم ادعى عليه ما يبرئه وهو المقاصة م: (والآخر ينكره) ش: فكان القول للمنكر.
م: (أما ههنا) ش: يعني في صورة الإجارة وأختيها م: (المقبوض عين ما ادعى فيه الإجارة وما أشبهها فافترقا) ش: أي الحكمان حكم الإقرار باقتضاء الدين، وحكم الإجارة يوضحه أن الدين يقضي بالمثل، فإذا أقر باقتضاء الدين كان مقدراً بأصل مثل حقه والمثل ملك المقر في الأصل، فيكون مقراً به فيرد على المقر له.
وأما في صورة الإجارة فالمقبوض غير ما ادعى فيه هذه الأشياء، فلا يكون مقراً بالملك للمقر له.

[أقر أن فلانا زرع هذه الأرض]
م: (ولو أقر أن فلاناً زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذه الكرم) ش: هذه مسائل " المبسوط " ذكرها تقريباً م: (وذلك كله) ش: أي والحال أن ذلك كله م: (في يد المقر فادعاها فلان) ش: أنها له م: (وقال المقر: لا بل ذلك كله لي استعنت بك) ش: أي على الزراعة وعلى البناء وعلى الغرس م: (ففعلت) ش: أي هذه الأشياء م: (أو فعلته بأجر فالقول للمقر) ش: أي المقر يده في الحال، م: (لأنه ما أقر له) ش: أي لفلان م: (باليد، وإنما أقر بمجرد فعل منه) ش: أي من فلان، وذا لا يدل على اليد، لأن العمل قد يكون من العين والأجير، واحترز بقوله بمجرد الفعل ما لو أقر أن فلاناً ساكن في هذا البيت، وادعى فلان البيت، فإنه يقضى به للساكن على المقر؛ لأن السكنى تثبت اليد على المسكن، فقال: إقرار باليد للغير مع الفعل وإقراره حجة عليه، وما يثبت بإقراره كالعائن في حقه، كذا في " المبسوط ".
م: (وقد يكون ذلك) ش: أي الفعل في الغير م: (في ملك يد المقر) ش: فإنه لا يؤمر بالرد عليه لأنه لم يقر بالقبض معه بعدما أقر بهذه الأشياء م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: خاط

(9/466)


لي الخياط قميصي هذا بنصف درهم، ولم يقل قبضته منه لم يكن إقراراً باليد، ويكون القول للمقر؛ لأنه أقر بفعل منه وقد يخيط ثوباً في يد المقر كذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لي الخياط قميصي هذا بنصف، درهم ولم يقل: قبضته منه لم يكن إقراراً باليد، ويكون القول للمقر؛ لأنه بفعل منه) ش: وذا لا يدل على اليد م: (وقد يخيط) ش: الخياط م: (ثوباً في يد المقر) ش: بأن خاطه في بيت المقر فلا يثبت يد الخياط عليه م: (كذا هذا) ش: أي وكذا حكم المسألة المذكورة في عدم لزوم الرد على المقر، والله أعلم.

(9/467)