البناية
شرح الهداية باب إقرار المريض قال: وإذا أقر الرجل في
مرض موته بديون وعليه ديون في صحته وديون لزمته في مرضه بأسباب معلومة فدين
الصحة والديون المعروفة الأسباب مقدم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
دين المرض ودين الصحة يستويان لاستواء سببهما، وهو الإقرار الصادر عن عقل
ودين، ومحل الوجوب الذمة القابلة للحقوق فصار كإنشاء التصرف مبايعة
ومناكحة. ولنا: أن الإقرار لا يعتبر دليلا إذا كان فيه إبطال حق الغير، وفي
إقرار المريض ذلك لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء ولهذا منع من
التبرع والمحاباة إلا بقدر الثلث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب إقرار المريض]
[حكم إقرار المريض]
م: (باب إقرار المريض)
ش: أي هذا باب في بيان حكم إقرار المريض، وإنما أفرده بباب على حدة
لاختصاصه بأحكام ليست للصحيح، وأخره لأن المرض بعد الصحة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أقر الرجل في مرض موته بديون وعليه ديون
في صحته وديون لزمته في مرضه بأسباب معلومة) ش: مثل بدل مال ملكه أو
استهلكه أو مهر مثل امرأة تزوجها وعلم معاينة، وأقر أيضاً بديون غيره
معلومة الأسباب م: (فدين الصحة والديون المعروفة الأسباب مقدم) ش: على ما
أقر به في مرضه.
وقال القاضي الحنبلي: قياس من مذهب أحمد أن دين الصحة أولى إذا ضاق مال
عنها وهو قولنا، وبه قال النخعي والثوري.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - دين المرض ودين الصحة يستويان
لاستواء سببهما، وهو الإقرار الصادر عن عقل ودين ومحل الوجوب الذمة القابلة
للحقوق) ش: وهي في الحالين م: (فصار كإنشاء التصرف مبايعة ومناكحة) أي صار
إقراره في المرض كتصرفه بالبيع والنكاح فيستوي الحالان، وبه قال مالك: -
رَحِمَهُ اللَّهُ - والمزني والتهمي -من أصحاب أحمد - وأبو ثور وأبو عبيدة.
وذكر أبو عبيدة أنه مذهب أهل المدينة.
م: (ولنا: أن الإقرار لا يعتبر دليلاً إذا كان فيه) ش: أي في الإقرار م:
(إبطال حق الغير) ش: كما رهن أو أجر ثم أقر أنه بغيره لا ينفذ إقراره في حق
المرتهن والمستأجر لتعلق حقهما به م: (وفي إقرار المريض ذلك) ش: أي إبطال
حق الغير م: (لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء) ش: أي من حيث
الاستيفاء م: (ولهذا منع) ش: أي المريض م: (من التبرع والمحاباة إلا بقدر
الثلث) ش: إذا أحاطت الديون بماله، وبالزيادة على الثلث إذا لم يكن عليه
دين.
وفي هذا التوضيح جواب عما ادعى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الاستواء
بين حالة الصحة
(9/468)
بخلاف النكاح لأنه من الحوائج الأصلية وهو
بمهر المثل. وبخلاف المبايعة بمثل القيمة لأن حق الغرماء تعلق بالمالية لا
بالصورة. وفي حال الصحة لم يتعلق حقهم بالمال لقدرته على الاكتساب فيتحقق
التثمير، وهذه حالة العجز، وحالتا المرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحالة المرض، فإنه لو كانتا متساويتين لما منع من التبرع والمحاباة في حالة
المرض كما في حالة الصحة.
فإن قيل: الإقرار بالوارث في المرض صحيح وقد يضمن إبطال حق بقية الورثة؟.
أجيب: بأن استحقاق الوارث المال والمورث جميعاً، فالاستحقاق يضاف إلى
أحدهما وجوباً وهو الموت، بخلاف الدين فإنه يجب بالإقرار لا بالموت.
م: (بخلاف النكاح) ش: جواب عما استشهد به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من
إنشاء النكاح؛ وتقريره: أن يقال: لا يلزمنا إنشاء النكاح، م: (لأنه من
الحوائج الأصلية) ش: والمرء غير ممنوع منها، لأن بقاء النفس بالتناسل ولا
طريق إليه إلا بالنكاح م: (وهو) ش: أي النكاح م: (بمهر المثل) ش: هو من
الحوائج الأصلية، وهذه جملة حالية، تقريره: أن النكاح من الحوائج الأصلية
حال كونه بمهر المثل والزيادة عليه باطلة، والنكاح جائز.
فإن قيل: لو تزوج شيخ فان رأسه جاز، وليس بمحتاج إليها فلم يكن من الحوائج
الأصلية؟.
أجيب: بأن النكاح في أصل الوضع من مصالح الميت، والعبرة لأصل الوضع لا
للحال، فإن الحال مما لا يوقف عليها.
م: (وبخلاف المبايعة بمثل القيمة) ش: يعني المبايعة بمثل القيمة لا تبطل حق
الغرماء، م: (لأن حق الغرماء تعلق بالمالية لا بالصورة) .
ش: والمالية باقية م: (وفي حال الصحة لم يتعلق حقهم بالمال) ش: هذا جواب
عما يقال: لو تعلق حق الغرماء بمال المديون بطل إقراره بالدين بالصحة، لأن
الإقرار المتضمن لإبطال حق الغير غير معتبر؛ أجاب بقوله: وفي حال الصحة لم
يتعلق الدين بالمال م: (لقدرته على الاكتساب فيتحقق التثمير) ش: أي تثمير
المال وهو تثمير، ومنه قولهم ثمرة ماله، أي كثرة فإذا تحقق التثمير لم يحتج
إلى تعليق حق الغرماء بماله، م: (وهذه) ش: أي حالة المرض م: (حالة العجز)
ش: أي على الاكتساب فتعلق حقهم به حذراً عن الهوى، وكذا في المرض جواب عما
يقال: سعى إذا أقر في حالة المرض سائبا لا يصح لتعلق حق المقر الأول بماله،
كما لا يصح إقراره في المرض في حق غرماء الصحة لتعلق حقهم بماله.
فأجاب عنه بقوله: م: (وحالتا المرض) ش: أي حالة أول المرض وحالة آخر المرض
بعد أن
(9/469)
حالة واحدة لأنه حالة الحجر بخلاف حالتي
الصحة والمرض، لأن المولى حالة إطلاق وهذه حالة عجز فافترقا، وإنما تقدم
الديون المعروفة الأسباب لأنه لا تهمة في ثبوتها إذ المعاين لا مرد له،
وذلك مثل بدل مال ملكه لو استهلكه وعلم وجوبه بغير إقراره أو تزوج امرأة
بمهر مثلها، وهذا الدين مثل دين الصحة لا يقدم أحدهما على الآخر لما بينا
ولو أقر بعين في يده لآخر لم يصح في حق غرماء الصحة لتعلق حقهم به،
ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض؛ لأن في إيثار بعض
إبطال حق الباقين، وغرماء الصحة والمرض في ذلك سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتصل بهما الموت م: (حالة واحدة) ش: في حق الحجر، فكانا بمنزلة إقرار واحد
لما أن حالة الصحة حالة واحدة فيعتبر الإقراران جميعاً، م: (لأنه) ش: أي
لأن المرض م: (حالة الحجر) ش: عن التصرف فيما لا يجوز.
م: (بخلاف حالتي الصحة والمرض؛ لأن الأولى) ش: أي حالة الصحة م: (حالة
إطلاق) ش: للتصرف م: (وهذه) ش: أي حالة المرض م: (حالة عجز فافترقا) ش:،
ولو قال: حالة العجز لكان أولى لكونه أشد مناسبة بالإطلاق، أي المذكورين من
الحكمين دين الصحة ودين المرض، وبقي الكلام في تقديم الديون المعروفة
الأسباب فقال: م: (وإنما تقدم الديون المعروفة الأسباب لأنه لا تهمة في
ثبوتها إذ المعاين لا مرد له) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «المعاين لا يرد» م: (وذلك) ش: إشارة إلى مثال الديون
المعروفة الأسباب.
فقال: م: (مثل بدل مال ملكه) ش: كالثمن في البيع والقرض م: (لو استهلكه) ش:
أي مثل بدل مال استهلكه م: (علم وجوبه) ش: أي وجوب بدل المال المذكور م:
(بغير إقراره) ش: إما بالبينة أو بعلم القاضي، م: (أو تزوج امرأة بمهر
مثلها) ش: فإنه أيضاً من المعروفة الأسباب، م: (وهذا الدين) ش: يعني الدين
وقع في مرضه على الوجه المذكور م: (مثل دين الصحة لا يقدم أحدهما على الآخر
لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: إذ المعائن لا مرد له كذا قاله الأترازي،
وقال: لما بينا إشارة إلى قوله: إنه من الحوائج الأصلية.
[أقر المريض بعين في يده لآخر]
م: (ولو أقر بعين في يده لآخر) ش: يعني إذا أقر بعين سواء كانت أمانة أو
مضمونة م: (لم يصح) ش: أي إقراره م: (في حق غرماء الصحة، لتعلق حقهم به) ش:
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية
يصح لما في الدين، وكذا يجوز عندهم أن تقضي دين بعض الغرماء به ما دون
البعض بناء على أصلهم أن بسبب المرض لا يلحقه الحجر، فكان في رقبته من
الدين، وقضاءه بالمرض والصحة سواء.
م: (ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض، لأن في إيثار
البعض إبطال حق الباقين، وغرماء الصحة والمرض في ذلك سواء) ش: إذا كانت
معروفة الأسباب سواء لأن حق الكل
(9/470)
إلا إذا قضى ما استقرض في مرضه أو نقد ثمن
ما اشترى في مرضه وقد علم بالبينة.
وقال وإذا قضيت يعني الديون المقدمة وفضل شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة
المرض، لأن الإقرار في ذاته صحيح، وإنما رد في حق غرماء الصحة، فإذا لم يبق
حقهم ظهرت صحته.
قال: فإذا لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره، لأنه لم يتضمن إبطال حق
الغير وكان المقر له أولى من الورثة لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته ولأن قضاء الدين من
الحوائج الأصلية وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ، ولهذا تقدم حاجته
في التكفين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتعلق بالمال م: (إلا إذا قضى ما استقرض) ش: استثناء من قوله ولا يجوز
للمريض، ومعناه: إذا قضى ما استقرض م: (في مرضه) ش: أي حال كونه في مرضه م:
(أو نقد ثمن ما اشترى في مرضه وقد علم) ش: أي والحال أنه قد علم وجوبه م:
(بالبينة) ش: أو بالمعاينة جاز ذلك وسلم المقبوض للقابض لا يشاركه غيره،
لأنه لو لم يبطل حق الغرماء وإنما حوله من محل إلى محل يعد له.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قضيت) ش: على صيغة
المجهول م: (يعني الديون المقدمة) ش: وهي ديون الصحة والديون اللازمة
بأسباب معلومة م: (وفضل شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض؛ لأن الإقرار
في ذاته صحيح، وإنما رد في حق غرماء الصحة) ش: لئلا تضيع حقوقهم م: (فإذا
لم يبق حقهم) ش: أي حق غرماء الصحة م: (ظهرت صحته) ش: أي صحة إقراره في
مرضه، لأنه حينئذ كأنه لم يبق دين الصحة.
[أقر الرجل في مرضه بدين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإذا لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره) ش:
لعدم المانع م: (لأنه لم يتضمن) ش: أي لأن إقراره هذا لم يتضمن م: (إبطال
حق الغير، وكان المقر له أولى من الورثة لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته) ش: هذا غريب لم يتصل
ثبوته، وأيضاً نسبته إلى عمر غير صحيح، وإنما هو عن ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لأنه روى في " مبسوط خواهر زاده " وغيره عن ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وكذلك روى في " الأصل " جده محمد بن الحسن فيه عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ
- عن محمد بن عبيد الله العرزمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن نافع عن ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير
وارث فإنه جائز، وإن أحاط ذلك بماله وزاد على ذلك الأترازي: وأما الكمال
وشيخه الكاكي فقد مشيا على ما هو المذكور في " الهداية " ولم ينبه أحد
منهما على ما قلنا، م: (ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية وحق الورثة
يتعلق بالتركة بشرط الفراغ) ش: الحاجة م: (ولهذا تقدم حاجته في التكفين) ش:
والتجهيز على الإرث.
(9/471)
قال: ولو أقر المريض لوارثه لا يصح إلا أن
يصدق فيه بقية الورثة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه
يصح؛ لأنه إظهار حق ثابت لترجح جانب الصدق فيه، وصار كالإقرار لأجنبي
وبوارث آخر وبوديعة مستهلكة للوارث. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لا وصية لوارث ولا إقرار له بالدين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أقرالمريض لوارثه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو أقر المريض لوارثه)
ش: بدين أو غيره م: (لا يصح، إلا أن يصدق فيه) ش: أي في إقراره ببينة
الورثة م: (بقية الورثة) ش: وبه قال أحمد، وهو قول شريح وإبراهيم النخعي
ويحيى الأنصاري والقاسم بن سالم وأبو هاشم والشافعي في قول.
م: (وقال الشافعي في أحد قوليه يصح) ش: وهو الأصح، وبه قال أبو ثور -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء والحسن البصري - رحمهما الله -.
وقال مالك: يصح إذا لم يتهم، ويبطل إزاءهم كمن لم يثبت وابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، وابن عمر فأقر لا بينة لم يقبل؛ ولو أقر لابن عمه قبل،
واختاره الروياني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفساد الزمان.
وقال مالك: لو أقر لأجنبي لا يصح في رواية إذا كان متهماً بأن الأجنبي
صديقاً له ملاطفاً، والمقر يورث كلالة، م: (لأنه) ش: أي لأن الإقرار م:
(إظهار حق ثابت) ش: يعني إخبار عن حق لازم عليه م: (لترجح جانب الصدق فيه)
ش: أي في هذا الإقرار، لأن حال المريض أدل على الصدق لأنه حال تدارك
الحقوق، فكان كحال الصحة، بل أدل فلا أثبت الحجر عن الإقرار به م: (وصار)
ش: أي حكم هذا م: (كالإقرار لأجنبي وبوارث آخر) ش: نحو أن يقر المجهول
النسب أنه يصح وأن يضمن وصول شيء من التركة إليه م: (وبوديعة مستهلكة
للوارث) ش: أي وكالإقرار باستهلاك وديعة معروفة للوارث فإنه صحيح.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا وصية لوارث ولا إقرار له
بالدين» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " عن نوح بن دراج عن أبان
بن تغلب عن جعفر بن محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عن أبيه قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا وصية ... إلى آخره. وهو
مرسل. ونوح بن دراج ضعيف، نقل عن أبي داود أنه قال: أبان يضع الحديث.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا حديث الدارقطني وساقه إلى آخره
ولم يقف على حاله
(9/472)
ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه، ولهذا
يمنع من التبرع على الوارث أصلا، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين،
ولأن حالة المرض حالة الاستغناء، والقرابة سبب التعلق إلا أن هذا التعلق لم
يظهر في حق الأجنبي لحاجته إلى المعاملة في الصحة؛ لأنه لو انحجر عن
الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه، وقلما تقع المعاملة مع الوارث
ولم يظهر في حق الإقرار بوارث آخر لحاجته أيضا، ثم هذا التعليق حق بقية
الورثة، فإذا صدقوه فقد أبطلوه فيصح إقراره. قال: فإن أقر لأجنبي جاز وإن
أحاط بماله لما بينا. والقياس: أن لا يجوز إلا في الثلث، لأن الشرع قصر
تصرفه عليه إلا أنا نقول لما صح إقراره في الثلث كان له التصرف في ثلث
الباقي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
... الحديث، ثم قال: وهو نص في الباب، لكن شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قال: هذه الزيادة غير مشهورة، يعني قوله: والإقرار له بدين، والمشهور قول
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقد مر عن قريب، م: (ولأنه تعلق حق
الورثة بماله في مرضه، ولهذا) ش: أي ولأجل تعلق حق الورثة بماله في مرضه م:
(يمنع من التبرع على الوارث أصلا) ش: مثل الوصية والهبة م: (ففي تخصيص
البعض به) ش: أي التبرع م: (إبطال حق الباقين، ولأن حالة المرض حالة
الاستغناء) ش: أي عن المال لظهور آثار الموت فيه، م: (والقرابة سبب التعلق)
ش: أي سبب تعلق حقهم بماله.
م: (إلا أن هذا التعلق لم يظهر في حق الأجنبي لحاجته إلى المعاملة في
الصحة) ش: أي في حالة الصحة م: (لأنه لو انحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع
الناس عن المعاملة معه) ش: أي مع المريض، م: (وقلما تقع المعاملة مع
الوارث) ش: هذا جواب عما يقال: الحاجة موجودة في حق الوارث أيضاً لأن الناس
كما يعاملون مع الأجنبي يعاملون مع الوارث، فأجاب عنه بقوله وقل ما يقع
المعاملة مع الوارث.
اعلم أن قل فعل دخلت عليه كلمة ما ومعناه إخبار عن وقوع هذا الفعل بقلة،
ووجه ذلك كان البيع للاسترباح، والاسترباح مع الوارث لأنه يستحي من
المماكسة معه فلا يحصل الربح م: (ولم يظهر) ش: أي هذا التعليق.
م: (في حق الإقرار بوارث آخر لحاجته أيضاً) ش: أي بقاء نسله والإقرار
بالنسب بفعل، لأنه من الحوائج الأصلية، ولأن فيه حمل النسب على نفسه وصح،
وإذ ثبت النسب ثبت الميراث ضرورة. م: (ثم هذا التعليق حق بقية الورثة، فإذا
صدقوه فقد أبطلوه فيصح إقراره) ش: وهذا ظاهر م: (فإن أقر الأجنبي جاز وإن
أحاط) ش: أي إقراره م: (بماله لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنه لو
أنحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه م: (والقياس: أن لا
يجوز إلا في الثل؛ لأن الشرع قصر تصرفه عليه إلا أنا نقول: لما صح إقراره
في الثلث كان له التصرف في ثلث الباقي
(9/473)
لأنه الثلث بعد الدين ثم، وثم حتى يأتي على
الكل.
قال: ومن أقر لأجنبي ثم قال: هو ابني ثبت نسبه منه وبطل إقراره له، فإن أقر
لأجنبية ثم تزوجها لم يبطل إقراره لها. وجه الفرق أن دعوى النسب تسند إلى
وقت العلوق، فتبين أنه أقر لابنه فلا يصح، ولا كذلك الزوجية، لأنها تقتصر
على زمان التزوج فبقي إقراره لأجنبية. قال ومن طلق زوجته في مرضه ثلاثا ثم
أقر لها بدين ومات فلها الأقل من الدين ومن ميراثها منه لأنهما متهمان فيه
لقيام العدة، وباب الإقرار مسدود للورثة، فلعله أقدم على هذا الطلاق ليصح
إقراره لها زيادة على ميراثها ولا تهمة في أقل الأمرين فيثبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه الثلث بعد الدين) ش: محل التصرف فينفذ الإقرار في الثلث الثاني م: (ثم
وثم حتى يأتي على الكل) ش: هكذا ذكر في " الإيضاح " أيضاً.
[أقر لأجنبي ثم قال هو ابني]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر لأجنبي ثم قال:
هو ابني ثبت نسبه منه وبطل إقراره له، فإن أقر لأجنبية ثم تزوجها) ش: وبه
قال أحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول لا يصح إقراره للوارث، وبه
قال أحمد في الأصح والشافعي في القديم ومالك، واختاره الروياني وأبو إسحاق
من أصحابه.
وقال في الجديد وهو الأظهر في مذهبه وأحمد في رواية، م: (لم يبطل إقراره
لها وجه الفرق) ش: أي بين المسألتين م: (أن دعوى النسب تستند إلى وقت
العلوق، فتبين أنه أقر لابنه فلا يصح) ش: معناه أن النسب إذا ثبت يثبت
مستنداً إلى وقت العلوق، فيتبين بثبوت النسب أن إقرار المريض وقع لوارثه
وذلك باطل م: (ولا كذلك الزوجية، لأنها) ش: أي لأن الزوجية م: (تقتصر على
زمان التزوج) ش: قضاه إذا ثبتت الزوجية تثبت مقتصرة على زمان العقد، م:
(فبقي إقراره لأجنبية) ش: فلا يبطل وفي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل
الإقرار لها بالدين، بخلاف الزوجية م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (ومن طلق امرأته) ش: وفي نسخة: زوجته م: (في مرضه ثلاثاً ثم
أقر لها بدين ومات فلها الأقل من الدين ومن ميراثها) ش: أي من الزوج م:
(منه لأنهما متهمان فيه لقيام العدة وباب الإقرار مسدود للوارث، فلعله أقدم
على هذا الطلاق ليصح) ش: لأن هذا إذا كانت مؤقتة قبل انقضاء العدة، فإن مات
مثلاً جاز م: (إقراره لها زيادة على ميراثها ولا تهمة في أقل الأمرين
فيثبت) ش: أي أقل الأمرين. وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولو أقر
لامرأته بدين من مهرها صدق فيما بينه وبين مهر مثلها ويحاص غرماء الصحة.
ولو أقرت في مرضها بقبض المهر من زوجها لم تصدق. وفي " الفتاوى الصغرى ":
المريضة إذا أقرت باستيفاء مهر فإن ماتت وهي منكوحة أو معتدة لا يصح
إقرارها وإن ماتت غير منكوحة ولا معتدة بأن طلقها قبل الدخول يصح، والله
أعلم.
(9/474)
فصل قال: ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله
وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه منه وإن كان مريضا، لأن
النسب مما يلزمه خاصة فيصح إقراره به، وشرط أن يولد مثله لمثله كيلا يكون
مكذبا في الظاهر، وشرط أن لا يكون له نسب معروف؛ لأنه يمنع ثبوته من غيره،
وإنما شرط تصديقه لأنه في يد نفسه، إذ المسألة ووضعها في غلام يعبر عن
نفسه، بخلاف الصغير على ما مر من قبل ولا يمتنع بالمرض لأن النسب من
الحوائج الأصلية ويشارك الورثة في الميراث لأنه لما ثبت نسبه منه صار
كالوارث المعروف فيشارك ورثته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف
أنه ابنه]
فصل أي هذا فصل في بيان الإقرار بالنسب ولعلته بالنسبة إلى الإقرار بالمال
أخر ذكره.
م: (قال: ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه) ش: أي
مثل هذا الغلام فولد لمثل هذا الرجل لئلا يكون مكذباً في الظاهر، م: (وصدقه
الغلام ثبت نسبه منه) ش: أي فيما إذا كان الغلام يعبر عن نفسه، أما إذا كان
لا يعبر عن نفسه يثبت نسبه منه بدون تصديقه. وهذان شرطان شرطهما القدوري
لأن المسألة من مسائله في " مختصره "، وسيذكره المصنف، م: (وإن كان مريضاً)
ش: واصل بما قبله أي وإن كان المقر مريضاً م: (لأن النسب مما يلزمه خاصة)
ش: لأنه حمل النسب على نفسه لا على غيره م: (فيصح إقراره به) ش: لأن النسب
عما يحتاط فيه، م: (وشرط) ش: أي القدوري: م: (أن يولد مثله لمثله كيلا يكون
مكذباً في الظاهر) ش: وعند الشافعي وأحمد: لا يشترط تصديقه وتكذيبه إذا لم
يكن مكلفاً كالصغير والمجنون عبر عن نفسه أولاً.
وفي " الكبير ": يشترط تصديقه. وقال مالك: لا يشترط تصديقه إذا لم يكذبه
الحس أو الشرع سواء كان كبيراً أو صغيراً، وإن كذبه الحس بأن يكون لا يولد
مثله لئلا يثبت نسبه بلا خلاف.
وقال مالك أيضاً: لو كذبه العرف بأن يتيقن الناس بأنه ليس بولده كما إذا
كان الغلام سندياً والرجل فارسياً لا يثبت نسبه، ولا يكون الغلام حراً ذكره
في " الجواهر ". م: (وشرط) ش: أي القدوري أيضاً: م: (أن لا يكون نسب معروف
لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط) ش: أي القدوري م: (تصديقه) ش: أي
تصديق الغلام م: (لأنه في يد نفسه إذ المسألة ووضعها في غلام يعبر عن نفسه،
بخلاف الصغير على ما مر من قبل) ش: أي في باب دعوى النسب من كتاب الدعوى في
قوله: وإن كان الدعوى الصبي في يديهما م: (ولا يمتنع بالمرض) ش: أي لا
يمتنع الإقرار بالنسب بسبب المرض م: (لأن النسب من الحوائج الأصلية ويشارك
الورثة في الميراث، لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك
ورثته) .
(9/475)
قال: ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد
والزوجة والمولى، لأنه أقر بما يلزمه وليس فيه تحميل النسب على الغير ويقبل
إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى لما بينا ولا يقبل بالولد لأن فيه
تحميل النسب على الغير، وهو الزوج لأن النسب منه إلا أن يصدقها الزوج لأن
الحق له أو تشهد بولادته قابلة، لأن قول القابلة في هذا مقبول وقد مر في
الطلاق. وقد ذكرنا في إقرار المرأة تفصيلا في كتاب الدعوى ولا بد من تصديق
هؤلاء، ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر لأن النسب يبقى بعد الموت،
وكذا يصح تصديق الزوجة لأن حكم النكاح باق، وكذا يصح تصديق الزوج بعد
موتها؛ لأن الإرث من أحكامه وهذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة
والمولى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة
والمولى، لأنه أقر بما يلزمه وليس فيه تحميل النسب على الغير) ش: كل ذلك
يجوز بالشرائط المذكورة، ويشترط أن يصدقه الأب والأم إذا كانا عاقلين، وفي
هذا إجماع لا خلاف فيه، وإنما أطلق المولى ليشتمل الأعلى والأسفل جميعا م:
(ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى لما بينا) ش: وهو: أن موجب
الإقرار يثبت لهما بينهما بتصادقهما، وليس فيه حمل الغيب على الغير، ويشترط
أن تكون المرأة خالية عن الزوج وعدته، ولا يكون تحت المقر له بالزوجية
أختاً وأربع سواها، م: (ولا يقبل بالولد) ش: أي ولا يقبل إقرار المرأة
بالولد م: (لأن فيه تحميل النسب على الغير، وهو الزوج؛ لأن النسب منه) ش:
أي من الزوج م: (إلا أن يصدقها الزوج، لأن الحق له أو تشهد بولادته قابلة،
لأن قول القابلة في هذا مقبول، وقد مر في الطلاق) ش: أي في باب ثبوت النسب
عند قوله فإن حجة الولادة بشهادة امرأة واحدة تشهد بولادة حتى لو نفاه
الزوج الملاعن م: (وقد ذكرنا في إقرار المرأة تفصيلا في كتاب الدعوى) ش:
فهو عند قوله: وإذا ادعت امرأة صبياً أنه ابنها، لم تجز دعواها حتى تشهد
امرأة على الولادة.
م: (ولا بد من تصديق هؤلاء) ش: بلا خلاف لأنه في أيدي أنفسهم، فيتوقف نفاذ
الإقرار على تصديقهم، م: (ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر، لأن النسب
يبقى بعد الموت) ش: ذكر هذا تفريعاً على مسألة القدوري، معناه: أن المقر
بالنسب إذا كان يعبر عن نفسه فلا بد من تصديقه لأنه في يد نفسه، فإذا صدق
في حال حياة المقر صح، فكذا إذا صدق بعد موته لبقاء النسب بعد الممات.
م: (وكذا يصح تصديق الزوجة) ش: أي زوجها في إقراره بالنكاح بعد موته م:
(لأن حكم النكاح باق) ش: أي بعد الموت وهو العدة، وهذا بالاتفاق م: (وكذا
يصح تصديق الزوج بعد موتها) ش: أي وكذا يصح تصديق زوج المرأة بعد موتها إذا
أقرت بالنكاح، وهذا عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يجب عليه
مهرها وله الميراث منها م: (لأن الإرث من أحكامه) ش: أي من أحكام النكاح
وهو مما يبقى بعد النكاح كالعدة م: (وهذا) ش: أي تصديق الزوج بعد
(9/476)
وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا
يصح لأن النكاح انقطع بالموت، ولهذا لا يحل له غسلها عندنا، ولا يصح
التصديق على اعتبار الإرث لأنه معدوم حالة الإقرار، وإنما يثبت بعد الموت
والتصديق يستند إلى أول الإقرار.
قال: ومن أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ والعم لا يقبل إقراره
في النسب، لأن فيه حمل النسب على الغير، فإن كان له وارث معروف قريب أو
بعيد فهو أولى بالميراث من المقر له، لأنه لما لم يثبت نسبه منه لا يزاحم
الوارث المعروف، وإن لم يكن له وارث استحق المقر له ميراثه، لأن له ولاية
التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث ألا ترى أن له أن يوصي بجميعه عند عدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موتها م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح؛ لأن النكاح انقطع
بالموت، ولهذا لا يحل له غسلها عندنا) ش: حتى لا يجوز له أن يتزوج أختها
وأربعاً سواها م: (ولا يصح التصديق على اعتبار الإرث) ش: هذا جواب عما يقال
على وجه الإيراد على قول أبي حنيفة وهو أن يقال: سلمنا أن تصديق الزوج في
إقرار الزوجة بعد موتها لا يصح نظراً إلى انقطاع حكم التزوج بدليل أن الزوج
لا يحل له أن يغسل زوجته بعد موتها باتفاق أصحابنا خلافاً للشافعي، ولكن لا
يجوز تصديق الزوج إياها بعد موتها على اعتبار الإرث، لأن التصديق إذا ثبت
يستند إلى أول الإقرار، وفي تلك الحالة لا يوجد الإرث لأنه لا يتحقق إلا
بعد الموت، وهو معنى قوله: م: (لأنه) ش: أي لأن الإرث م: (معدوم حالة
الإقرار، وإنما يثبت) ش: أي الإرث م: (بعد الموت والتصديق يستند إلى أول
الإقرار) ش: وفي هذه الحالة لم يوجد الإرث كما ذكرنا.
[أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ
والعم]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر بنسب من غير
الوالدين والولد نحو الأخ والعم لا يقبل إقراره في النسب) ش: وإن صدق المقر
له بالنسب لا بد له من البينة، كذا في " التحفة " م: (لأن فيه) ش: أي لأن
في هذا الإقرار م: (حمل النسب على الغير) ش: لأن في إقراره بالأخ يكون حمل
النسب على الأب، وفي إقراره بالعم يكون حمل النسب على الجد م: (فإن كان له)
ش: أي لهذا المقر بالأخ أو بالعم م: (وارث معروف قريب) ش: كصاحب الفرض أو
العصبة م: (أو بعيد) ش: كذي رحم م: (فهو بالميراث) ش: أي بميراث هذا المقر
إذا مات كان أولى م: (من المقر له) ش: بالأخ أو بالعم.
م: (لأنه لما لم يثبت نسبه) ش: أي نسب المقر له م: (منه لا يزاحم الوارث
المعروف، وإن لم يكن له وارث استحق المقر له) ش: وهو الأخ أو العم م:
(ميراثه؛ لأن له ولاية التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث) ش: فيتصرف بما
شاء ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن له أن يوصي بجميعه) ش: أي بجميع
ماله، فإذا كان كذلك عند عدم الوارث فيستحق المقر له المذكور م: (عند عدم
(9/477)
الوارث فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه
منه لما فيه من حمل النسب على الغير، وليست هذه وصية حقيقية حتى إن من أقر
بأخ ثم أوصى لآخر بجميع ماله كان للموصى له ثلث جميع المال خاصة ولو كان
الأول وصية لاشتركا نصفين لكنه بمنزلته حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر
له ثم أنكر المقر وراثته ثم أوصى بماله كله لإنسان كان المال للموصى له،
ولو لم يوص لأحد كان لبيت المال؛ لأن رجوعه صحيح، لأن النسب لم يثبت فبطل
الإقرار.
قال: ومن مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت نسب أخيه لما بينا ويشاركه في الميراث،
لأن إقراره تضمن شيئين حمل النسب على الغير، ولا ولاية له عليه والاشتراك
في المال وله فيه ولاية فيثبت كالمشتري إذا أقر على البائع بالعتق لم يقبل
إقراره عليه حتى لا يرجع عليه بالثمن ولكنه يقبل في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوارث فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه منه لما فيه من حمل النسب على
الغير، وليست هذه وصية حقيقية) ش: بيان هذا أن المقر له المذكور إذا لم يكن
وارثاً كان له أن يتصرف في ماله بما شاء حتى يجوز له أن يوصي بجميع ماله،
فإذا أقر بما لا يثبت نسبه صار كأنه أقر من حبه تصرف ماله فكأنه أوصى له
به، وليس هذا بوصية في الحقيقة أوضح ذلك بقوله: م: (حتى إن من أقر بأخ ثم
أوصى لآخر بجميع ماله كان للموصى له ثلث جميع المال خاصة. ولو كان الأول)
ش: أي الإقرار بالأخ م: (وصية لاشتركا) ش: أي الأخ والموصى له بجميع ماله
م: (نصفين لكنه) ش: استدراك من قوله: وليست هذه وصية حقيقة، أي لكن الإقرار
بنسب الأخ أو العم م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الوصية بدليل صحة الرجوع، ولو
لم يكن بمنزلة الوصية لما صح الرجوع ثم أوضح ذلك أيضاً بقوله:
م: (حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم أنكر المقر وراثته، ثم أوصى
بماله كله لإنسان كان المال للموصى له) ش: بالجميع م: (ولو لم يوص لأحد كان
لبيت المال؛ لأن رجوعه صحيح لأن النسب لم يثبت فبطل الإقرار) ش: وينبغي أن
يعرف أن الرجوع عن الإقرار بالنسب إنما يصح إذا كان الرجوع قبل ثبوت كما
نحن فيه، فإذا ثبت النسب لا يصح الرجوع بعد ذلك لأن النسب لا يحتمل النقض
بعد ثبوته.
[مات أبوه فأقر بأخ]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (من مات أبوه فأقر بأخ لم
يثبت أخيه لما بينا) ش: وهو أن فيه حمل النسب على الغير م: (ويشاركه في
الميراث) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأكثر أهل العلم، وقال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يشارك في الإرث لعدم ثبوت النسب، وحكي
ذلك عن ابن سيرين، م: (لأن إقراره تضمن شيئين حمل النسب على الغير ولا
ولاية له عليه، والاشتراك في المال وله فيه ولاية فيثبت كالمشتري إذا أقر
على البائع بالعتق) ش: يقبل إقراره بالعتق ولا يقبل إقراره، أي في عدم
الرجوع بالثمن، لكن لا يعتبر في حق الرجوع بالثمن على البائع وهو معنى قول:
م: (لم يقبل إقراره عليه، حتى لا يرجع عليه بالثمن، ولكنه يقبل في
(9/478)
حق العتق
قال من مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها
خمسين لا شيء للمقر وللآخر خمسون، لأن هذا إقرار بالدين على الميت؛ لأن
الاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون، فإذا كذبه أخوه استغرق الدين نصيبه كما هو
المذهب عندنا. غاية الأمر أنهما تصادقا على كون المقبوض مشتركا بينهما، لكن
المقر لو رجع على القابض بشيء لرجع القابض على الغريم ورجع الغريم على
المقر فيؤدي إلى الدور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حق العتق) ش: حتى يعتق عليه.
[مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر
أحدهما أن أباه قبض منها خمسين]
م: (وقال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها خمسين
لا شيء للمقر وللآخر خمسون؛ لأن هذا إقرار بالدين على الميت؛ لأن الاستيفاء
إنما يكون بقبض مضمون) ش: لأن الديون تقضى بأمثالها م: (فإذا كذبه أخوه
استغرق الدين نصيبه كما هو المذهب عندنا) .
ش: قال الأترازي: احترز عن قول ابن أبي ليلى، فإن عند هلاك الدين تسبب
الإقرار ليستتبع في النصين.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله كما هو المذهب عندنا، وبه قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه نصف الدين، وهو قياس مذهب مالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال النخعي والحسن والحكم وإسحاق وأبو عبيدة وأبو
ثور.
م: (غاية الأمر) ش: هذا جواب عما يقال: إن زعم المقر يعارضه زعم المنكر،
فإن في زعمه أن المقبوض عن التركة كما في زعم المقر والمنكر يدعي زيادة على
المقبوض فتصادقا على كون المقبوض مشتركاً بينهما، فما المرجع لزعم المقر
على زعم المنكر حتى انصرف المقر له، أي نصيب المقر خاصة ولم يكن المقبوض
مشتركاً بينهما؟
فأجاب بقوله: غاية الأمر: م: (أنهما) ش: أي المقر والمكذب م: (تصادقا على
كون المقبوض مشتركاً بينهما، لكن المقر لو رجع على القابض بشيء لرجع القابض
على الغريم) ش: لزعمه أن أباه لم يقبض شيئاً، وله تمام الخمسين بسبب سابق
قبل القرض، وقد انتقض في هذا المقدار، م: (ورجع الغريم على المقر) ش:
لإقراره بدين على الميت مقدم على الميراث م: (فيؤدي إلى الدور) .
انتهى الجزء التاسع يليه الجزء العاشر:
أوله كتاب " الصلح "
(9/479)
|