البناية
شرح الهداية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب الصلح
قال: الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو: أن لا يقر
المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز؛ لإطلاق قَوْله
تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الصلح]
[تعريف الصلح]
م: (كتاب الصلح) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الصلح بأنواعه، وجه المناسبة
بين الكتابين من حيث إن في الإقرار ترك المخاصمة وهو صلح بعينه. قال
الجوهري: الصلاح ضد الفساد، يقول صلح الشيء يصلح صلوحا مثل دخل يدخل دخولا.
قال الفراء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وحكى أصحابنا صلح أيضا بالضم، والصلاح
بكسر الصاد مصدر المصالحة، واسم الصلح يذكر ويؤنث وقد اصطلحا وتصالحا وهما
اصلحا أيضا مشددة الصاد، ويقال الصلح اسم للمصالحة، بخلاف المخاصمة.
وفي " اصطلاح الفقهاء ": عقد وضع لرفع المنازعة، وسببه تعلق البقاء المقدر
بتعاطيه، وشرطه كون المصالح عنه يجوز الاعتياض عنه، وله تفصيل سيأتي إن شاء
الله عز وجل، وركنه الإيجاب مطلقا والقبول فيما يتعين بالتعيين، وأما إذا
وقع الدعوى في الدراهم والدنانير وطلب الصلح على ذلك الجنس فقد تم الصلح
بقول المدعي قد فعلت ولا يحتاج فيه إلى قبول المدعى عليه، لأنه إسقاط لبعض
الحق وهو يتم بالمسقط، وحكمه تملك المدعي المصالح عليه منكرا كان الخصم أو
مقرا، وأنواعه مذكورة في الكتاب وجوازه بقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
[النساء: 128] (النساء: الآية 128) والحديث المذكور في الكتاب.
[أقسام الصلح]
[الصلح مع الإقرار]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الصلح على ثلاثة أضرب:
صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع
إنكار، وكل ذلك جائز) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -، وقال الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحوز إلا مع الإقرار.
وفي " التحفة ": الصلح مع إنكار لا يجوز عند ابن أبي ليلى، وهو قول الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجوز الصلح أيضا عند سكوت المدعى عليه عند ابن أبي
ليلى كمذهبنا، وقال الشافعي: لا يجوز م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى:
{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128)) .
فإن قيل: النكرة إذا أعيدت معرفة كان الثاني غير الأول، فإن الآية سيقت في
الصلح بين الزوجين بدليل سياق الآية {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء:
128] ... الآية
(10/3)
ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: " كل صلح جائز فيما بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ".
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا،
وهذا بهذه الصفة؛ لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب
الأمر. ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة. ولنا
ما تلونا من الآية وأول ما روينا وتأويل آخره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قال في " الأسرار ": في قوله {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كلام
مستقل بذاته، فلا يربط بسببه.
م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي ولقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، م: «كل صلح جائز فيما بين المسلمين
إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» ش: الحديث رواه الترمذي عن كثير بن عبد
الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «الصلح جائز إلى آخره» وزاد الترمذي:
«والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» ، وقال: حديث حسن
صحيح.
م: وقال الشافعي: (لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا) ش: وهو الحديث
المذكور، وهو يستدل بآخر الحديث م: (وهذا) ش: أي الصلح على الإنكار م:
(بهذه الصفة، لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب
الأمر) ش: أي يصير حراما على الدافع حلالا على الآخذ.
م: (ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة) ش: وقد
لعن الشارع الراشي والمرتشي.
م: (ولنا ما تلونا من الآية) ش: من غير فصل م: (وأول ما روينا) ش: وهو قوله
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل صلح جائز بين المسلمين» فإنه بإطلاقه يتناول
الصلح مع الإنكار والسكوت م: (وتأويل آخره) ش: أي آخر الحديث، وهو قوله:
«إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» م: (أحل حراما بعينه
(10/4)
أحل حراما بعينه كالخمر أو حرم حلالا بعينه
كالصلح على أن لا يطأ الضرة ولأن هذا صلح بعد دعوى صحيحة فيقضي بجوازه؛ لأن
المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع، والمدعى عليه يدفعه لدفع
الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال وقاية الأنفس، ودفع الرشوة
لدفع الظلم أمر جائز. قال: فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في
البياعات إن وقع عن مال بمال لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال،
في حق المتعاقدين بتراضيهما، فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب
ويثبت فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالخمر، أو حرم حلالا بعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة) ش: أي كالصلح مع
امرأته أن لا يطأ ضرتها أو أمته. وهذا النوع من الصلح باطل عندنا.
م: (ولأن هذا) ش: دليل آخر، أي ولأن هذا الصلح مع الإنكار م: (صلح بعد دعوى
صحيحة) ش: ولهذا يستحلف المدعى عليه م: (فيقضي بجوازه، لأن المدعي يأخذه
عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع) ش: لا حرج عينا.
م: (والمدعى عليه يدفعه لدفع الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال
وقاية الأنفس) ش: والناس يحتاجون إلى هذا الصلح لقطع المنازعات ودفع
الخصومة.
ولهذا قال الشيخ أبو منصور الماتريدي: لم يعمل الشيطان في إيقاع العداوة
والبغضاء بين الناس مثل من عمل في إبطال الصلح على الإنكار لما فيه من
امتداد المنازعات بين الناس، كذا في " المحيط ".
م: (ودفع الرشوة) ش: هذا جواب عن قوله وهذا رشوة، تقريره أن دفع الرشوة إلى
ظالم م: (لدفع الظلم أمر جائز) ش: لأن المال خلق لصيانة الأنفس.
وقال محمد: فهذا لا بأس به، وليس هذا سحت إلا على من أكله، فأما من أعطاه
لمنفعة في دار الإسلام أيضا، أي رشا إنسانا يخاف ظلمه وحبسه فلا بأس بذلك،
ويكره للمرتشي.
ونقل أبو الليث عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز المصالحة للأوصياء
في أموال اليتامى مخافة أخذ المتغلب، وبه يفتى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في
البياعات إن وقع) ش: أي الصلح م: (عن مال) ش: أي عن دعوى مال م: (بمال
لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال في حق المتعاقدين بتراضيهما) ش:
فإذا تحقق فيه معنى المبيع م: (فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب
ويثبت فيه) ش: إذا كان الصلح خيار الرؤية ويشترط، أي ويثبت فيه أيضا م:
(خيار الشرط والرؤية ويفسده) ش: أي ويفسد الصلح م: (جهالة البدل، لأنها هي
المفضية إلى المنازعة
(10/5)
خيار الشرط والرؤية ويفسده جهالة البدل
لأنها هي المفضية إلى المنازعة دون جهالة المصالح عنه لأنه يسقط ويشترط
القدرة على تسليم البدل. وإن وقع عن مال بمنافع يعتبر بالإجارات لوجود معنى
الإجارة وهو تمليك المنافع بمال والاعتبار في العقود لمعانيها فيشترط
التوقيت فيها ويبطل الصلح بموت أحدهما في المدة لأنه إجارة. قال:
والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة
وفي حق المدعي لمعنى المعاوضة لما بينا. ويجوز أن يختلف حكم العقد في حقهما
كما يختلف حكم الإقالة في حق المتعاقدين وغيرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون جهالة المصالح عنه لأنه يسقط) ش: أي لأن المصالح عنه يسقط كما يقول
السفراء بين المتخاصمين كل دعوى لك على فلان صالحته على هذا المقدار، وبه
قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يفسد جهالة المصالح عنه أيضا كما في البيع.
م: (ويشترط القدرة على تسليم البدل) ش: حتى لو صالح على عبد آبق لم يصح م:
(وإن وقع) ش: أي الصلح م: عن مال بمنافع يعتبر بالإجارات لوجود معنى
الإجارة وهو تمليك المنافع بمال والاعتبار في العقود لمعانيها) ش: ولهذا
كان البيع بالتعاطي صحيحا، وكانت الهبة بشرط العوض بيعا، وكانت الحوالة
بشرط مطالبة الأصيل كفالة، والكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، فإذا اعتبر
بالإجازة م: (فيشترط التوقيت فيها) ش: حتى لو وقع الصلح على سكنى بيت
بعينه، إلى مدة معلومة جاز، وإذا لم تكن المدة معلومة فلا يجوز.
م: (ويبطل الصلح بموت أحدهما) ش: أي أحد المتعاقدين في الصلح م: (في المدة)
ش: كالإجارة م: (لأنه) ش: أي لأن الصلح عن مال بمنافع م: (إجارة) ش: لصدق
معناه عليه فيرجح المدعي في دعواه بقدر ما لم يستوف من المنفعة.
[الصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه
والمدعي وسببه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه
لافتداء اليمين وقطع الخصومة، وفي حق المدعي لمعنى المعاوضة لما بينا) ش:
أشار به إلى ما ذكر قريبا بقوله لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه.....
إلى آخره.
وذلك لأن المدعي يزعم أنه محق في دعواه، والذي أخذه عوض حقه، والمدعى عليه
يزعم أن المدعي يبطل في دعواه، والذي يعطيه لدفع الخصومة والشغب والذب عن
نفسه، وليس بممتنع اختلاف الحكم في حق المتعاقدين.
أشار إليه بقوله م: (ويجوز أن يختلف حكم العقد في حقهما) ش: أي حكم عقد
الصلح في حق المدعي والمدعى عليه م: (كما يختلف حكم الإقالة في حق
المتعاقدين) ش: فإنها فسخ في حقهما بيع جديد ثالث م: (وغيرهما) ش: أي وغير
المتعاقدين فإنها بيع في حق غيرهما.
م: (وهذا) ش: أي كونه الافتداء باليمين وقطع الخصومة م: (في الإنكار ظاهر،
وكذا في
(10/6)
وهذا في الإنكار ظاهر وكذا في السكوت لأنه
يحتمل الإقرار والجحود، فلا يثبت كونه عوضا في حقه بالشك. قال: وإذا صالح
عن دار لم يجب فيها الشفعة، قال: معناه إذا كان عن إنكار أو سكوت لأنه
يأخذها على أصل حقه ويدفع المال دفعا لخصومة المدعي، وزعم المدعي لا يلزمه
بخلاف ما إذا صالح على دار حيث يجب فيها الشفعة لأن المدعي يأخذها عوضا عن
المال، فكان معاوضة في حقه فتلزمه الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه
يكذبه
قال: وإذا كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة
ذلك من العوض لأنه معاوضة مطلقة كالبيع وحكم الاستحقاق في البيع هذا وإن
وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعي بالخصومة ورد
العوض؛ لأن المدعى عليه ما بذل العوض إلا ليدفع الخصومة عن نفسه، فإذا ظهر
الاستحقاق تبين أن لا خصومة له فيبقى العوض في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السكوت، لأنه يحتمل الإقرار والجحود، فلا يثبت كونه عوضا في حقه) ش: أي في
حق المدعى عليه م: (بالشك) ش: لأنه على تقدير الإقرار يكون عوضا مع أن حمل
السكوت على الإنكار أولى، لأن فيه تفريغ الذمة وهو الأصل.
[الحكم لو صالح عن دار هل يجب فيها الشفعة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صالح عن دار لم يجب فيها الشفعة، قال) ش:
المصنف م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا كان عن إنكار أو سكوت
لأنه) ش: ألمدعى عليه م: (يأخذها) ش: أي الدار م: (على أصل حقه) ش: يستبقي
الدار على ملكه لا أنه يشتريها م: (ويدفع المال دفعا لخصومة المدعي) ش: على
زعمه.
والمدعي يؤاخذه بما في زعمه م: (وزعم المدعي لا يلزمه، بخلاف ما إذا صالح
على دار حيث يجب فيها الشفعة، لأن المدعي يأخذها عوضا عن المال فكان معاوضة
في حقه فتلزمه الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه يكذبه) ش: فصار كأنه
قال: اشتريتها من المدعى عليه وهو ينكر فتجب فيها الشفعة.
[كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح عنه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح
عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض) ش: أي بدل الصلح م: (لأنه معاوضة
مطلقة كالبيع وحكم الاستحقاق في البيع هذا) ش: أي الرجوع بالحصة من العوض
م: (وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعي
بالخصومة) ش: أي إلى المستحق، لأنه قام مقام المدعى عليه.
م: (ورد العوض) ش: أي بدل الصلح م: (لأن المدعى عليه ما بذل العوض إلا
ليدفع الخصومة) ش: أي خصومة المدعي م: (عن نفسه، فإذا ظهر الاستحقاق تبين
أن لا خصومة له فيبقى العوض في يده غير مشتمل على غرضه فيسترده) ش:
كالمكفول عنه إذا دفع المال إلى الكفيل تعرض دفعه إلى
(10/7)
يده غير مشتمل على غرضه، فيسترده وإن استحق
بعض ذلك رد حصته ورجع بالخصومة فيه؛ لأنه خلا العوض في هذا القدر عن الغرض.
ولو استحق المصالح عليه من إقرار رجع بكل المصالح عنه لأنه مبادلة وإن
استحق بعضه رجع بحصته، وإن كان الصلح عن إنكار أو سكوت رجع إلى الدعوى في
كله أو بقدر المستحق إذا استحق بعضه؛ لأن المبدل فيه هو الدعوى، وهذا بخلاف
ما إذا باع منه على الإنكار شيئا حيث يرجع بالمدعي؛ لأن الإقدام على البيع
إقرار منه بالحق له، ولا كذلك الصلح؛ لأنه قد يقع لدفع الخصومة، ولو هلك
بدل الصلح قبل التسليم فالجواب فيه كالجواب في الاستحقاق في الفصلين.
قال: وإن ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك ثم استحق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رب الدين ثم أرمى بنفسه قيل إذا الكفيل، فإنه يسترده لعدم اشتماله إلى
عوضه.
م: (وإن استحق بعض ذلك) ش: أي المصالح عند م: (رد حصته) ش: أي من بدل الصلح
م: (ورجع بالخصومة فيه) ش: أي في بعض المستحق على المستحق لقيامه مقام
المدعى عليه اعتبارا للبعض بالكل م: (لأنه خلا العوض في هذا القدر عن
الغرض) ش: أي عن غرض المدعى عليه م: (ولو استحق المصالح عليه) ش: وكان
الصلح م: (من إقرار) ش: الواو فيه للحال م: (رجع بكل المصالح عنه لأنه
مبادلة) ش: لأنه إنما ترك الدعوى ليسلم له بدل الصلح ولم يسلم فيرجع بمبدله
كما في البيع م: (وإن استحق بعضه رجع بحصته) ش: أي بحصة الاستحقاق، لأن
المبدل هو الدعوى، أي لأن المبدل فيه هو الدعوى، وقد فاتت الدعوى فيعود إلى
البدل.
م: (وإن كان الصلح عن إنكار أو سكوت رجع إلى الدعوى في كله أو بقدر المستحق
إذا استحق بعضه؛ لأن المبدل فيه هو الدعوى، وهذا) ش: أي المذكور من الحكم
إذا لم يجر لفظ البيع في الصلح. أما إذا أجرى يكون الحكم فيه ما أشار إليه
بقوله: م: (بخلاف ما إذا باع منه على الإنكار شيئا حيث يرجع بالمدعي) ش:
صالح ذو اليد المنكر مع المدعى عليه عبد فقال بعت منك هذا العبد بهذا الدار
ثم استحق العبد حيث يرجع المدعي على المدعى عليه بالدار لا بالدعوى م: (لأن
الإقدام) ش: أي إقدام المدعى عليه م: (على البيع إقرار منه بالحق له) ش: أي
للمدعي إذ الإنسان لا يشتري ملك نفسه، فكان حكمه حكم المبيع م: (ولا كذلك
الصلح، لأنه قد يقع لدفع الخصومة ولو هلك بدل الصلح قبل التسليم) ش: إلى
المدعي م: (فالجواب فيه) ش: أي في الهلاك م: (كالجواب في الاستحقاق في
الفصلين) ش: أي في فصل الإقرار والإنكار، فإن كان عن إقرار رجع بعد الهلاك
إلى المدعي، وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى.
[ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك ثم
استحق بعض الدار]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك
ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئا من العوض، لأن دعواه يجوز أن تكون فيما
بقي) ش: أي في الذي بقي بعد
(10/8)
بعض الدار لم يرد شيئا من العوض؛ لأن دعواه
يجوز أن تكون فيما بقي، بخلاف ما إذا استحق كله لأنه يعرى العوض عند ذلك عن
شيء يقابله فرجع بكله على ما قدمناه في البيوع، ولو ادعى دارا وصالح على
قطعة منها لم يصح الصلح؛ لأن ما قبضه من عين حقه وهو على دعواه في الباقي،
والوجه فيه أحد أمرين: إما أن يزيد درهما في بدل الصلح فيصير ذلك عوضا عن
حقه فيما بقي أو يلحق به ذكر البراءة عن دعوى الباقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاستحقاق.
م: (بخلاف ما إذا استحق كله) ش: يعني جميع الدار م: (لأنه يعرى العوض عند
ذلك عن شيء يقابله فرجع بكله على ما قدمناه في البيوع) ش: أي في آخر باب
الاستحقاق م: (ولو ادعى دارا وصالح على قطعة منها) ش: أي من الدار م: (لم
يصلح الصلح) ش: وبه قال: مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في
وجه م: (لأن ما قبضه من عين حقه وهو على دعواه في الباقي) ش: أي في باقي
الدار.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوجه فيه) ش: أي في وجه الصحة، أي
الحلية في صحة الصلح م: (أحد أمرين إما أن يزيد درهما في بدل الصلح فيصير
ذلك عوضا عن حقه فيما بقي، أو يلحق به) ش: هو الوجه الثاني، أي وأن يلحق به
أي بهذا الصلح م: (ذكر البراءة عن دعوى الباقي) ش: بأن يقول المدعي أبرأتك،
أو برئت من دعوى هذا الدار فيصح الإبراء لأن الإبراء عن دعوى العين جائز،
فلو قال: أبرأتك من هذه الدار ومن خصومته في هذا الدار فهذا الإبراء لا يصح
وله أن يخاصم بعد ذلك، لأن هذا إبراء عن ضمانها لا عن دعواها.
وعن هذا قالوا: لو أن عبدا في يد رجل لو قال: قاله آخر برئت منه كان مبرأ
منه ولو قال: أبرأتك منه وإن له أن يدعيه، وإنما أبرأه من ضمانه كذا في "
الذخيرة ".
(10/9)
فصل والصلح جائز عن دعوى الأموال لأنه في
معنى البيع على ما مر والمنافع لأنها تملك بعقد الإجارة، فكذا بالصلح
والأصل فيه أن الصلح يجب حمله على أقرب العقود إليه وأشبهها به احتيالا
لتصحيح تصرف العاقد ما أمكن قال: ويصح عن جناية العمد والخطأ، أما الأول
فلقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ}
[البقرة: 178] ...... (البقرة الآية 178) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي هذا فصل في بيان ما يجوز وما لا يجوز.
[فصل في الصلح عن دعوى الأموال]
م: (والصلح جائز عن دعوى الأموال) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه في معنى
البيع) ش: فما جاز بيعه جاز الصلح عنه م: (على ما مر) ش: في البيع م:
(والمنافع) ش: بالجر أي والصلح أيضا يجوز عن دعوى المنافع بأن ادعى في دار
سكنى سنة وصية من رب الدار فجحده الوارث أو أقر به وصالحه على شيء جاز، لأن
أخذ العوض عن المنافع جائز بالإجارة، فكذا بالصلح م: (لأنها) ش: أي لأن
المنافع م: (تملك بعقد الإجارة، فكذا بالصلح) ش: أي فكذا تملك بالصلح م:
(والأصل فيه) ش: أي في هذا الفصل م: (أن الصلح يجب حمله على أقرب العقود
إليه وأشبهها به) ش: أي وأشبه العقود بالصلح م: (احتيالا لتصحيح تصرف
العاقد ما أمكن) ش: أي بقدر الإمكان، فإن كان عن مال بمال اعتبر بالشبهات،
وإن كان على منافع اعتبر بالإجارات.
[الصلح عن جناية العمد والخطأ وحق الشفعة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويصح عن جناية العمد والخطأ) ش: وكذا عن كل حق
بجواز أخذ العوض عنه بلا خلاف م: (أما الأول) ش: أي الصلح عن جناية العمد
م: (فلقوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ}
[البقرة: 178] ...... (البقرة: الآية 178) ش: عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - هذه الآية نزلت في الصلح عن دم العمد.
وفي التفسير للآية معنيان: أحدهما: ما قاله ابن عباس والحسن والضحاك
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} [البقرة: 178] أي أعطي له من دم أخيه بسهولة بطريق
الصلح فاتباع، أي فلولي القتيل اتباع المصالح بعد الصلح بالمعروف، أي على
محاقا وحسن معاملة، وإذا أرى على المصالح إذ ذاك إلى ولي القتيل بإحسان في
الأداء، فهذا ظاهر الدلالة على جواز الصلح عن جناية القتل العمد.
المعنى الثاني: وهو يروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن الآية
في عفو بعض الأولياء ويدل عليه قوله: شيء فإنه يراد به البعض، وتقديره
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} [البقرة: 178] وهو القتل من أخيه في الدين وهو
المقتول شيء من القصاص ما كان للقتيل أولياء يعفى بعضهم.
فقد صار نصيب الباقين مالا وهو الآية على حصصهم من الميراث {فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فيتبع الذين لم يعفو القاتل بطلب حصصهم
بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة وأداء إليه
(10/10)
قال: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
-: إنها نزلت في الصلح، وهو بمنزلة النكاح حتى إن ما صالح مسمى فيه صلح
بدلا هاهنا؛ إذ كل واحد منهما مبادلة المال بغير المال إلا أن عند فساد
التسمية هاهنا يصار إلى الدية؛ لأنها موجب الدم. ولو صالح على خمر لا يجب
شيء؛ لأنه لا يجب بمطلق العفو. وفي النكاح يجب مهر المثل في الفصلين لأنه
الموجب الأصلي، ويجب مع السكوت عنه حكما، ويدخل في إطلاق جواب الكتاب
الجناية في النفس وما دونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بإحسان وليؤد القاتل إلى غير العافي حقه وافيا غير ناقص فليس فيه دليل على
المطلوب ظاهرا.
فلهذا قال: المصنف: م: (قال: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنها
نزلت في الصلح) ش: أي أن هذه الآية نزلت في الصلح أي عن دم العمد م: (وهو
بمنزلة النكاح) ش: أي الصلح عن جناية العمد بمنزلة النكاح.
وفي " المبسوط ": ما يصلح مهرا يصلح بدلا في الصلح لأنه مال يستحق عوضا عما
ليس بمال في العقد، وهو معنى قوله م: (حتى إن ما صالح مسمى فيه) ش: أي في
النكاح.
م: (صلح بدلا هاهنا) ش: أي في الجناية عن العمد م: (إذ كل واحد منهما) ش:
أي من النكاح والصلح عن دم العمد م: (مبادلة المال بغير المال) ش: وهو
ظاهر.
م: (إلا أن عند فساد التسمية هاهنا) ش: هذا استثناء عن قوله إلا ما صالح
مسمى فيه صلح هاهنا، أي لكن عند فساد التسمية في الصلح عن الجناية عن العمد
على ثواب أدائه غير معينين م: (يصار إلى الدية) ش: أي في مال القاتل، لأنه
وجب بعقده، فكان عليه خاصة م: (لأنها) ش: أي لأن المصير إلى الدية م: (موجب
الدم ولو صالح على خمر لا يجب شيء) ش: لأنه لما لم يسم مالا متقوما صار
ذكره والسكوت عنه شيئان، ولو سكت بعد العفو مطلقا وفيه لا يجب شيء فكذا في
ذكر الخمر م: (لأنه) ش: أي لأن المال م: (لا يجب بمطلق العفو) ش: فلا يكون
من ضرورة الصلح عن العود وجوب المال، فإنه لو عفا ولم يسم مالا صح، فصار
ذكر الخمر وعدمه سواء، فيبقى مطلق العفو، وفي مطلق العفو لا يجب شيء فكذا
في ذكر الخمر م: (وفي النكاح يجب مهر المثل في الفصلين) ش: أي في فصل فساد
التسمية للجهالة، وفي فصل ذكر ما لا يصلح مهرا كالخمر، لأن النكاح لم يشرع
بلا مال م: (لأنه) ش: أي لأن مهر المثل م: (الموجب الأصلي) ش: في النكاح.
م: (ويجب) ش: أي مهر المثل م: (مع السكوت عنه) ش: أي عن ذكر المهر م:
(حكما) ش: أي شرعا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
[النساء: 24] م: (ويدخل في إطلاق جواب الكتاب) ش: أي القدوري، وهو قوله
ويصح عن جناية العمد والخطأ م: (الجناية في النفس وما دونها) ش: لأن
الجناية أعم من أن تكون واقعة على النفس أو ما دونها.
(10/11)
وهذا بخلاف الصلح عن حق الشفعة على مال حيث
لا يصح؛ لأنه حق التملك ولا حق في المحل قبل التملك، أما القصاص فملك المحل
في حق الفعل فيصح الاعتياض عنه، وإذا لم يصح الصلح تبطل الشفعة؛ لأنه تبطل
بالإعراض والسكوت والكفالة بالنفس بمنزلة حق الشفعة، حتى لا يجب المال
بالصلح عنه غير أن في بطلان الكفالة روايتين على ما عرف في موضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال شمس الأئمة البيهقي في " الكفاية ": يجوز الصلح من القصاص في نفسه وما
دونه على أكثر من دية، وفي الخطأ لا يجوز على الزيادة، لأن الواجب في
الصورة الأولى ليس بمال، فجاز كيفما كان، وفي الثانية الواجب مال مقدر
شرعا، بخلاف القياس فلا يتجاوز عنه.
م: (وهذا) ش: أي الصلح عن جناية العمد م: (بخلاف الصلح عن حق الشفعة على
مال) ش: وهو أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشتري م: (حيث لا
يصح) ش: هذا الصلح فتبطل الشفعة ولا يجب المال، وبه قالت الثلاثة م: (لأنه)
ش: أي لأن حق الشفعة م: (حق التملك ولا حق في المحل قبل التملك) ش: وأخذ
البدل أخذ مال في مقابلة ما ليس بشيء ثابت في المحل وذلك رشوة حرام.
م: (أما القصاص فملك المحل في حق الفعل) ش: أي في حق فعل القصاص م: (فيصح
الاعتياض عنه) ش: لأنه اعتياض عما هو ثابت له في المحل فكان صحيحا م: (وإذا
لم يصح الصلح) ش: أي عن حق الشفعة م: (تبطل الشفعة، لأنه تبطل بالإعراض
والسكوت) ش: وبقوله حق الشفعة على مال احترازا عن الصلح على أخذ يعطيه
بعينه من الدار بثمن معلوم، فإن الصلح مع الشفيع فيه جائز، وعن الصلح على
بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن فإنه لا يصلح فإن حصته مجهولة، لكن لا
تبطل شفعته، لأنه لم يجد منه الإعراض عن الأخذ بالشفعة.
وفي " المبسوط ": صلح الشفيع على ثلاثة أوجه، في وجه يصح، وهو أن يصالح على
أخذ نصف الدار بنصف الثمن، وفي وجه لا يصح ولا تبطل شفعته، وأن يصالح على
أخذ بيت معين منها بحصته من الثمن لا يصح، لأن حصته مجهولة ولا تبطل شفعته،
لأنه لم يوجد منه الإعراض عن الشفعة، وفي وجه لا يصح وتبطل شفعته وهو أن
يصالح على مال، وهاهنا تبطل شفعته لوجود الإعراض منه عن الأخذ بالشفعة، ولا
يجب المال، وقد ذكرناه.
م: (والكفالة بالنفس بمنزلة حق الشفعة، حتى لا يجب المال بالصلح عنه) ش: أي
في عدم جواز الكفالة، صورته صالح المكفول والكفيل على شيء من المال على أن
يخرجه عن الكفالة لا يصلح الصلح ولا نعلم فيه خلافا م: (غير أن في بطلان
الكفالة روايتين) ش: ففي رواية أبي حفص: تبطل الكفالة، وبه يفتى، وفي رواية
أبي سليمان: لا تبطل م: (على ما عرف في موضعه) .
(10/12)
وأما الثاني وهو جناية الخطأ فلأن موجبها
المال، فيصير بمنزلة البيع إلا أنه لا تصح الزيادة على قدر الدية؛ لأنه
مقدر شرعا فلا يجوز إبطاله فترد الزيادة، بخلاف الصلح عن القصاص، حيث تجوز
الزيادة على قدر الدية؛ لأن القصاص ليس بمال، وإنما يتقوم بالعقد، وهذا إذا
صالح على أحد مقادير الدية، أما إذا صالح على غير ذلك جاز؛ لأنه مبادلة
بها، إلا أنه يشترط القبض في المجلس كي لا يكون افتراقا عن دين بدين. ولو
قضى القاضي بأحد مقاديرها فصالح على جنس آخر منها بالزيادة جاز؛ لأنه تعين
الحق بالقضاء، فكان مبادلة بها بخلاف الصلح ابتداء؛ لأن تراضيهما على بعض
المقادير بمنزلة القضاء في حق التعيين فلا يجوز الزيادة على ما تعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: قال: الأترازي أي في " المبسوط ": وقال الكاكي في كتاب الشفعة والحوالة
والكفالة.
م: (وأما الثاني وهو جناية الخطأ) ش: وهذا عطف على قوله أما الأول، وأراد
بالثاني في الصلح عن جناية الخطأ فإنه يجوز م: (فلأن موجبها المال فيصير
بمنزلة البيع) ش: فجاز أن في مقابلتها عوض عن المال م: (إلا أنه) ش: أي أن
الصلح م: (لا تصح الزيادة على قدر الدية لأنه) ش: أي لأن قدر الدية م:
(مقدر شرعا، فلا يجوز إبطاله فترد الزيادة) ش: على قدر الدية لئلا يلزم
المجاوزة عن التقدير الشرعي م: (بخلاف الصلح عن القصاص، حيث تجوز الزيادة
على قدر الدية، لأن القصاص ليس بمال، وإنما يتقوم بالعقد) ش: لأن المال لم
يجب بالعمد وإنما وجب بالعقد كالنكاح فيقوم بقدر ما وقع عليه العقد قل أو
كثر م: (وهذا) ش: أي عدم صحة الزيادة على قدر الدية م: (إذا صالح على أحد
مقادير الدية) ش: كالإبل والذهب والفضة، وهي أنواع الدية.
م: (وأما إذا صالح على غير ذلك) ش: أي على غير مقادير الدية بأن صالح على
مكيل أو موزون م: (جاز) ش: الصلح على الزيادة م: (لأنه مبادلة بها) ش: أي
بالدية، فيجوز لأن اختلاف الجنس لا يظهر الزيادة م: (إلا أنه يشترط القبض
في المجلس كي لا يكون افتراقا عن دين بدين) ش: وهو دين الدين بدين بدل
الصلح.
وهذا الذي قلنا من عدم جواز الزيادة على قدر الدين فيما إذا لم يقض القاضي
بذلك م: (ولو قضى القاضي بأحد مقاديرها) ش: مثل أن يقضي القاضي بألف دينار
م: (فصالح على جنس آخر منها بالزيادة) ش: بأن صالح على خمسة عشر ألف درهم
م: (جاز) ش: أي الصلح م: (لأنه تعين الحق بالقضاء فكان مبادلة بها) ش: أي
مبادلة الخمسة عشر ألفا بألف دينار، وعند الشافعي وأحمد لا يجوز. م: (بخلاف
الصلح ابتداء) ش: أي لا يجوز الصلح بالزيادة على نوع من مقادير الدية قبل
قضاء القاضي على نوع آخر منها م: (لأن تراضيهما على بعض المقادير بمنزلة
القضاء في حق التعيين، فلا يجوز الزيادة على ما تعين) ش: بالشرع.
(10/13)
قال: ولا يجوز من دعوى حد؛ لأنه حق الله
تعالى لا حقه، ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره، ولهذا لا يجوز الاعتياض إذا
ادعت المرأة نسب ولدها؛ لأنه حق الولد لا حقها وكذا لا يجوز الصلح عما
أشرعه إلى طريق العامة، فلا يجوز أن يصالح واحدا على الانفراد عنه؛ لأنه حق
العامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الصلح في حقوق الله كالحدود]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجوز) ش: أي الصلح م:
(من دعوى حد؛ لأنه حق الله تعالى لا حقه) ش: صورته أخذ زانيا أو سارقا أو
شارب الخمر فصالح على مال أن لا يرفعه إلى الحاكم فهو باطل، ولا نعلم فيه
خلافا م: (ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره) ش: لأن هذا حق الله تعالى لا حق
العبد. والاعتياض عن حق الغير لا يجوز فيرد ما أخذه. م: (ولهذا) ش: أي
ولعدم جواز الاعتياض عن حق الغير م: (لا يجوز الاعتياض إذا ادعت المرأة نسب
ولدها لأنه) ش: أي النسب م: (حق النسب لا حقها) ش: أي لا حق الزوجين،
صورته: ادعت المرأة على رجل أن هذا الصبي الذي في يدها ابنه وجحد الرجل،
ولم تدع المرأة النكاح وقالت قد طلقني وأقر الزوج أنه قد طلقها وبانت وصالح
من النسب على مائة فالصلح باطل، لأن النسب حق الصبي فلا يجوز للأم إسقاطه.
كذا في شرح القدوري، ونسب هذه الرواية إلى أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في " الإيضاح "، وقال: النسب حق الصبي فلا تملك الأم إسقاطه بعوض وغير عوض.
[الصلح عما أشرعه إلى طريق العامة]
م: (وكذا لا يجوز الصلح عما أشرعه إلى طريق العامة) ش: هذا أيضا إيضاح
لقوله فلا يجوز الاعتياض عن حق الغير. وتمام البيان فيه ما ذكره شيخ
الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " في باب " الصلح في العقار
". قال: ولو كان لرجل ظله أو كنيف شارع على طريق نافذ فخاصمه رجل فيه وأراد
طرحه فصالحه من ذلك على دراهم مسماة ليتركه كان باطلا وهذا على وجهين: أما
إن كان هذا على طريق نافذ أو غير نافذ والصلح على الترك أو على الطرح.
ونعني النافذ ما لا يكون لقوم خاص، وقد يكون النافذ خاصا ولكن الظاهر أنه
متى كان المشروع للعامة كان حق العامة لا يخلو إما أن يكون ذلك بحق أو بغير
حق والصلح على الطرح أو الترك.
أما إذا كان الطريق مملوكا للعامة، وعليها ظله أو كنيف لرجل فصالحه رجل على
الطرح فيعطي له شيئا أو على الترك فيأخذ منه شيئا، أي كان بغير حق كان
باطلا، لأن طرحه واجب عليه لكونه شاغلا طريق المسلمين بغير حق فواجب على
واحد من آحاد الناس أن يأمره بالطرح على سبيل الأمر بالمعروف وإن كانت
الظلة أو الكنيف بحق ويتصور ذلك بأن اختط الإمام موضعا لإنسان عين فتح
البلد وسواه لآخر فالصلح فيها على الطرح جائز لأنه يسقط حقه وهو للتعالي
بمال وفيه نفع هذه المصالح وللناس كافة فيصح، وإن صالح على الترك لا يجوز
لأنه لا
(10/14)
ويدخل في إطلاق الجواب حد القذف؛ لأن
المغلب فيه حق الشرع
قال: وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد فصالحته على مال بذلته حتى
يترك الدعوى جاز، وكان في معنى الخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستفيد بهذا الصلح شيئا، وإن كان على طريق مملوك إن كان بحق فصالح على
الطرح جاز وعلى الترك لا يجوز لما قلنا، وإن كان بغير حق إن صالح على الترك
جاز لأنه ليس فيه نزع حق، فهذا يسقط حقه بأداء ما أخذ وفيه نوع نفع للمصالح
وأهل السكة فيجوز وإن صالح على الترك جاز.
م: (فلا يجوز أن يصالح واحدا على الانفراد عنه، لأنه حق العامة) ش: وقيل
بقوله إلى طريق العامة، لأن الظلة إذا كانت على طريق غير نافذ وصالح رجل من
أهل الطريق جاز الصلح وقيد بقوله واحدا على الانفراد لأن صاحب الظلة لو
صالح الإمام على دراهم ليترك الظلة جاز إذا كان في ذلك صلاح للمسلمين
ويضعها في بيت المال لأن الاعتياض لإمام عن الشركة التامة جائز ولهذا لو
باع شيئا من بيت المال صح.
م: (ويدخل في إطلاق الجواب حد القذف) ش: أي يدخل حد القذف في إطلاق جواب
القدوري، وهو قوله: ولا يجوز من دعوى حد، لأن الحد بإطلاقه يشمل كل حد م:
(لأن المغلب فيه حق الشرع) ش: أي في حد القذف الغالب حق الشرع، وهذا لا
يورث ولا يسقط بالعفو عندنا وأخذ العوض على حق الغير لا يجوز.
وعند الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان المغلب في حق العبد ولكن
حق غير مالي فلا يجوز أخذ المعوض عنه، وعند مالك هو مشترك فلا يجوز أخذ
العوض عنه.
وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الكفاية ": صالح من حد
القذف على مال لا يصح ويسترد المال، وهو على حجته، لأن المغلب حق الله
تعالى كما لو أخذ مرتكب كبيرة على أن لا يرفعه إلى السلطان.
وقال أيضا: دفع مالا إلى شاهد لئلا يشهد فهو باطل ويسترد المال، أو يصير
الشاهد فاسقا لا تقبل شهادته، إلا إذا تاب كسائر الفسقة.
[ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد فصالحته
على مال]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد) ش:
أي المرأة تنكر م: (فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى جاز) ش: أي هذا
الصلح، يعني نفاذه في الظاهر، فأما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان على
خلاف ما قال: لا يحل له أخذه، كذا في شرح الأقطع.
ويجيء الآن أيضا م: (وكان في معنى الخلع) ش: أي في زعم الزوج إذ أن الخلع
بلفظ المرأة صحيح.
(10/15)
لأنه أمكن تصحيحه خلعا في جانبه بناء على
زعمه وفي جانبها بذلا للمال لدفع الخصومة قالوا: ولا يحل له أن يأخذ فيما
بينه وبين الله تعالى إذا كان مبطلا في دعواه.
قال: وإن ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال بذله لها جاز قال: هكذا
ذكره في بعض نسخ " المختصر "، وفي بعضها قال: لم يجز، وجه الأول: أن يجعل
زيادة في مهرها. ووجه الثاني أنه بذل لها المال لتترك الدعوى، فإن جعل ترك
الدعوى منها فرقة فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة وإن لم يجعل فالحال على
ما كان عليه قبل الدعوى فلا شيء يقابله العوض فلم يصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قال بعض أصحاب أحمد، وقال بعض أصحابه: لا يجوز م: (لأنه أمكن تصحيحه
خلعا في جانبه بناء على زعمه، وفي جانبها بذلا للمال لدفع الخصومة، قالوا)
ش: أي المشايخ المتأخرون م: (ولا يحل له أن يأخذ فيما بينه وبين الله تعالى
إذا كان) ش: أي الرجل م: (مبطلا في دعواه) .
ش: وفي " النهاية ": هذا عام في جميع أنواع الصلح، بدليل ما ذكر في كتاب
الإقرار، ولو أقر لغيره لمال والمقر له يعلم أنه كاذب لا يحل له أخذ ذلك
المال ديانة، إلا أن يسلمه بطيب نفس فيكون تمليكا بطريق الهبة ابتداء، وبه
قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
[ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال
بذله لها]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال
بذله لها جاز) ش: هذا لفظ القدوري م: (قال) ش: أي المصنف م: (هكذا ذكره في
بعض نسخ المختصر) ش: أي هكذا ذكر القدوري في بعض نسخ المختصر، يعني قال:
جاز هذا الصلح م: (وفي بعضها) ش: أي وفي بعض نسخ " مختصر القدوري ".
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (لم يجز) ش: أي لم يجز هذا الصلح وقال
الأترازي: ورأيت في نسخة ثقة من نسخ القدوري مكتوبة في تاريخ سنة خمس
وعشرين وخمسمائة: عدم الجواز.
م: (وجه الأول) ش: أي وجه جواز الصلح الذي ذكره م: (أن يجعل زيادة في
مهرها) ش: يعني يجعل كأنه زاد في مهرها ثم خلعها على أصل المهر دون
الزيادة.
م: (ووجه الثاني) ش: أي وجه عدم الجواز م: (أنه بذل لها المال) ش: أي أن
الرجل أعطى للمرأة المال م: (لتترك الدعوى فإن جعل ترك الدعوى منها فرقة
فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة) ش: إذ العوض في الفرقة من جانب الزوج إذ
لا نسلم بشيء من هذه الفرقة، وأما المرأة هي التي نسلم لها نفسها وتخلص عن
الزوج.
م: (وإن لم يجعل) ش: أي فرقة م: (فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى) ش:
يعني تكون هي على دعواها م: (فلا شيء يقابله العوض) ش: يعني فلا يكون ما
أحدثه عوضا عن شيء م: (فلم يصح) ش: لأنه رشوة محضر من غير دفع خصومة،
ويلزمها رده.
(10/16)
قال: وإن ادعى على رجل أنه عبده فصالحه على
مال أعطاه جاز، وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على مال لأنه أمكن تصحيحه
على هذا الوجه في حقه لزعمه، ولهذا يصح على حيوان في الذمة إلى أجل وفي حق
المدعى عليه يكون لدفع الخصومة لأنه يزعم أنه حر الأصل فجاز إلا أنه لا
ولاء له لإنكار العبد إلا أن يقيم البينة فتقبل ويثبت الولاء
قال: وإذا قتل العبد المأذون له رجلا عمدا لم يجز له أن يصالح عن نفسه وإن
قتل عبد له رجلا عمدا فصالح عنه جاز ووجه الفرق أن رقبته ليست من تجارته،
ولهذا لا يملك التصرف فيه بيعا فكذا استخلاصا بمال المولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإنما قلنا لم يقابله شيء، لأن النكاح ما ثبت ضمنا وهي لم تترك الدعوى، لأن
الفرقة لم توجد فكان دعواها في زعمها على حالها لبقاء النكاح فلم يفد دفع
المال فائدته فلا يجوز.
[ادعى على مجهول الحال فأنكر الرجل أنه عبده
فصالحه على مال]
م: (قال) ش: القدوري: م: (وإن ادعى على رجل) ش: مجهول الحال فأنكر الرجل م:
(أنه عبده فصالحه على مال أعطاه جاز، وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على
مال) ش: لأنه أقرب العقود إليه شبها بالعتق على مال فيجعل في متوليه م:
(لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه في حقه لزعمه، ولهذا) ش: إيضاح لقوله:
وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على مال م: (يصح على حيوان في الذمة إلى
أجل) ش: أي: ولكون هذا لا يصح إعتاقا، على مال يصح الصلح على حيوان في
الذمة، إذا لو كان مبادلة لما صح، ألا ترى أنه لا يصح السلم في الحيوان،
أما الإعتاق على حيوان فصحيح، فعلم أنه طريقة الإعتاق على مال.
م: (وفي حق المدعى عليه يكون لدفع الخصومة لأنه يزعم أنه حر الأصل فجاز إلا
أنه لا ولاء له) ش: أي المدعي م: (لإنكار العبد إلا أن يقيم البينة) ش: بعد
ذلك على أنه عبد م: (فتقبل ويثبت الولاء) ش: لأنه صالحه على مال فيكون صلحه
بمنزلة الإعتاق على مال فيثبت الولاء.
[قتل العبد المأذون له رجلا عمدا فصالحه على
مال]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
قتل العبد المأذون له رجلا عمدا لم يجز له أن يصالح عن نفسه) ش: أي لم يجز
للعبد المأذون له أن يصالح عن نفسه على مال سواء كان عليه دين أو رجع فساد
الصلح لا يجوز لولي القتيل أن يقتله بعد الصلح لأنه لما صالحه فقد عفي عنه
ببدل فصح العفو ولم يجب البدل في حق المولى فتأخر البدل إلى ما بعد العتق
م: (وإن قتل عبد له) ش: أي للعبد المأذون له م: (رجلا عمدا فصالح عنه جاز)
ش: سواء كان عليه دين أو لا م: (ووجه الفرق) ش: أي بين المسألتين م: (أن
رقبته ليست من تجارته، ولهذا لا يملك التصرف فيه) ش: أي في رقبته على تأويل
العضو أو الجزء م: (بيعا) ش: أي من حيث البيع، قيد بالبيع لأنه يملك التصرف
فيه إجارة، كذا ذكره التمرتاشي.
م: (فكذا) ش: أي فكذا لا يملك م: (استخلاصا) ش: أي استخلاص رقبته م: (بمال
المولى،
(10/17)
وصار كالأجنبي أما عبده من تجارته وتصرفه
نافذ فيه بيعا، فكذا استخلاصا، وهذا لأن المستحق كالزائل عن ملكه، وهذا
شراؤه فيملكه، قال: ومن غصب ثوبا يهوديا قيمته دون المائة فاستهلكه فصالحه
منها على مائة درهم جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يبطل
الفضل على قيمته بما لا يتغابن الناس فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصار كالأجنبي) ش: أي وصار العبد المأذون له كالأجنبي في حق نفسه، لأن نفسه
مال المولى والأجنبي إذا صالح عن مال مولاه بغير إذن لا يجوز، فكذا هذا.
م: (أما عبده) ش: المأذون له فهو م: (من تجارته) ش: وكسبه م: (وتصرفه نافذ
فيه بيعا) ش: أي من حيث البيع م: (فكذا) ش: أي فكذا تصرفه نافذ م:
(استخلاصا) ش: أي من حيث استخلاص رقبته. م: (وهذا) ش: يريد به أن تحقيق هذا
م: (لأن المستحق كالزائل عن ملكه) ش: لأن الأجنبي يصير مستحقا بالجناية،
فكأنه زال عن ملكه فصار كأنه مملوك للمولى، وهذا كان له أن [....
..] م: (وهذا شراؤه) ش: أي وهذا الصلح كان شراؤه م: (فيملكه) ش: أي فيملك
ذلك، بخلاف نفسه فإنه إذا زال عن ملك المولى لا يملك شراؤه.
فكذا لا يملك الصلح وطولب بالتفريق بينه وبين المكاتب، فإنه لو قتل عمدا
وصالح عن نفسه جاز، وأجيب بأن المكاتب حرير فإكسابه له، بخلاف المأذون له
فإنه عبد من كل وجه وكسبه لمولاه.
[غصب ثوبا يهوديا وصالح عنه بأكثر من قيمته]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب ثوبا يهوديا) ش:
قال الأكمل: يهود قوم من أهل الكتاب ينسب إليهم الثوب، يقال ثوب يهودي،
وقال الكاكي والأترازي: والذي يظهر لي أن لفظ يهود هنا اسم موضع ينسب إليه
الثوب المعلوم القيمة م: (قيمته دون المائة فاستهلكه فصالحه منها على مائة
درهم جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وضع المسألة في الأصل في
العبد، وكذا الخلاف في كل ما لا مثل له.
م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (يبطل الفضل على
قيمته بما لا يتغابن الناس فيه) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -
ثم قرر بالغصب لاستدعاء الصلح ذلك فإن الحكم في المستهلك، وكذلك وقيد
بالثوب احترازا عن غصب المثلي، فإن الصلح فيه بالدراهم والدنانير بالزيادة
يجوز بالإجماع، وقد يكون يهوديا ليعرف قيمته إذ لا بد أن يكون الثوب المدعى
به موصوفا، يعني يعرف قيمته.
وقيد بالاستهلاك لأن الثوب إذا كان قائما يجوز الصلح على أكثر من قيمته
بالإجماع،
(10/18)
لأن الواجب هي القيمة وهي مقدرة فالزيادة
عليها تكون ربا، بخلاف ما إذا صالح على عرض؛ لأن الزيادة لا تظهر عند
اختلاف الجنس، وبخلاف ما يتغابن الناس فيه لأنه يدخل تحت تقويم المقومين
فلا تظهر الزيادة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حقه في الهالك باق،
حتى لو كان عبدا وترك المولى أخذ القيمة يكون الكفن عليه أو حقه في مثله
صورة ومعنى؛ لأن ضمان العدوان بالمثل وإنما ينتقل إلى القيمة بالقضاء فقبله
إذا تراضيا على الأكثر كان اعتياضا فلا يكون ربا، بخلاف الصلح بعد القضاء؛
لأن الحق قد انتقل إلى القيمة.
قال: وإذا كان العبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على
أكثر من نصف قيمته فالفضل باطل، وهذا بالاتفاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيد بقوله على مائة درهم لأنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة حاله
وقبضه قبل الافتراق عن المجلس جاز بالإجماع.
ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يقض القاضي بالقيمة على الغاصب، أما بعد القضاء
لو صالح على أكثر منها لا يجوز بالإجماع م: (لأن الواجب هي القيمة وهي
مقدرة) ش: أي القيمة مقدرة بالنقود شرعا م: (فالزيادة عليها) ش: أي على
القيمة م: (تكون ربا) ش: كالصلح في الدية بأكثر من ألف دينار أو بأكثر من
عشرة آلاف درهم.
م: (بخلاف ما إذا صالح على عرض) ش: قيمة زائدة على قيمة المغصوب المستهلك
م: (لأن الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس) ش: فلا يكون ربا م: (وبخلاف ما
يتغابن الناس فيه، لأنه يدخل تحت تقويم المقومين، فلا تظهر الزيادة) ش:
لأنه لما دخل تحت تقويم المقومين لم يعد ذلك فضلا فلم يكن ربا. م: (ولأبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حقه) ش: أي حق المالك م: (في الهالك باق) ش:
ولم يزل ملكه عنه م: (حتى لو كان) ش: أي الهالك م: (عبدا وترك المولى أخذ
القيمة يكون الكفن عليه) ش: أي على المغصوب منه، ولو كان آبقا فعاد من
إباقه كان مملوكا له. م: (أو حقه في مثله) ش: أي: في مثل الهالك م: (صورة
ومعنى) ش: أي من حيث الصورة ومن حيث المعنى، تقرير هذا أن الحق على الرضا
بالمثل هو الأصل م: (لأن ضمان العدوان بالمثل، وإنما ينتقل إلى القيمة
بالقضاء فقبله) ش: أي فقبل القضاء م: (إذا تراضيا على الأكثر كان اعتياضا)
ش: عن حقه في العين والاستيفاء لعين حقه بأكثر منه م: (فلا يكون ربا، بخلاف
الصلح بعد القضاء) ش: يعني بخلاف الصلح على الأكثر بعد قضاء القاضي بالقيمة
م: (لأن الحق قد انتقل إلى القيمة) ش: فتكون الزيادة ربا لا محالة.
[عبد بين رجلين أعتقه أحدهما فصالحه الآخر على
أكثر من نصف قيمته]
م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير م: (وإذا كان العبد بين رجلين أعتقه
أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته فالفضل باطل وهذا
بالاتفاق) ش: بين أصحابنا
(10/19)
أما عندهما فلما بينا، وللفرق لأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القيمة في العتق منصوص عليها، وتقدير الشرع لا يكون
دون تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه، بخلاف ما تقدم؛ لأنها غير منصوص
عليها. وإن صالحه على عروض جاز لما بينا، أنه لا يظهر الفضل والله أعلم
بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثلاثة.
م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (فلما بينا)
ش: أي في المسألة المتقدمة أيهما لما بطلا الفضل بالغبن الفاحش لكونه ربا
وهنا كذلك.
م: (وللفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بين المسألتين م: (أن
القيمة في العتق منصوص عليها) ش: بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- «من أعتق شقصا من عبد مشترك بينه وبين شريكه قوم عليه نصيب شريكه» م:
(وتقدير الشرع لا يكون دون تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه بخلاف ما
تقدم) ش: وهو العبد المستهلك أو الثوب.
م: (لأنها) ش: أي لأن القيمة م: (غير منصوص عليها) ش: فلم تقم فيه دلالة
التقدير بها، ولهذا يكون مخيرا بين تضمين الغاصب وإبرائه، والشريك الساكت
مخير على إزالة ملك نصيبه بالإعتاق أو بالضمان أو بالسعاية، إليه أشار في "
المبسوط ".
م: (وإن صالحه على عروض جاز) ش: أي الصلح على الفضل م: (لما بينا) ش: عن
قريب م: (أنه لا يظهر الفضل) ش: أي عند اختلاف الجنس، فلا يتحقق الربا، م:
(والله أعلم بالصواب) .
(10/20)
|