البناية شرح الهداية

باب التبرع بالصلح والتوكيل به قال: ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عنه إلا أن يضمنه والمال لازم للموكل، وتأويل هذه المسألة إذا كان الصلح عن دم العمد أو كان الصلح على بعض ما يدعيه من الدين لأنه إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا ضمان عليه كالوكيل بالنكاح، إلا أن يضمنه لأنه حينئذ مؤاخذ بعقد الضمان لا بعقد الصلح. أما إذا كان الصلح عن مال بمال فهو بمنزلة البيع فترجع الحقوق إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل.
قال: وإن صالح عنه رجل بغير أمره فهو على أربعة أوجه، إن صالح بمال وضمنه تم الصلح؛ لأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة وفي حقها لأجنبي والمدعى عليه سواء وصلح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب التبرع بالصلح والتوكيل به]
م: (باب التبرع بالصلح والتوكيل به) ش: أي هذا باب في بيان حكم التبرع بالصلح وحكم التوكيل به، ولما بين صلح المرء بنفسه شرع في بيان صلح الغير عنه إذ الأول هو الأصل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عنه) ش: هكذا في رواية الشيخ أبي نصير: ما صالح عليه. والضمير صالح راجع إلى ما، والمراد منه بدل الصلح، وعلى رواية صاحب " الهداية " ما صالح عنه، والضمير راجع إلى " من ". م: (إلا أن يضمنه) ش: أي إلا أن يضمن الوكيل المال م: (والمال لازم للموكل) ش: أي على الموكل كما في قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي فعليها.
م: (وتأويل هذه المسألة) ش: هذا قول المصنف يقول تأويل المسألة التي ذكرها القدوري م: (إذا كان الصلح عن دم العمد أو كان الصلح عن بعض ما يدعيه من الدين، لأنه إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا ضمان عليه، كالوكيل بالنكاح) ش: فإنه معبر وسفير فيه فلا يلزمه شيء م: (إلا أن يضمنه) ش: أي إلا أن يضمن الوكيل المصالح به فيلزمه. م: (لأنه حينئذ مؤاخذ بعقد الضمان لا بعقد الصلح، أما إذا كان الصلح عن مال بمال فهو بمنزلة البيع فترجع الحقوق. إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل.) .

[صلح الفضولي]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن صالح عنه رجل بغير أمره فهو على أربعة أوجه، إن صالح بمال وضمنه تم الصلح) ش: هذا الذي ذكره القدوري أحد الوجوه الأربعة.
وذكر المصنف وجها بقوله م: (لأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة) ش: لأنه صح تعليق الإسقاط م: (وفي حقها) ش: أي وفي حق البراءة م: (لأجنبي والمدعى عليه سواء) ش: لأن الساقط يتلاشى، ومثله لا يختص بأحد، فإذا كان كذلك م: (وصلح) ش: أي الأجنبي أن يكون

(10/21)


أصيلا فيه إذا ضمنه كالفضولي بالخلع إذا ضمن البدل ويكون متبرعا على المدعى عليه كما لو تبرع بقضاء الدين. بخلاف ما إذا كان بأمره ولا يكون لهذا المصالح شيء من المدعي. وإنما ذلك للذي في يده لأن تصحيحه بطريق الإسقاط ولا فرق في هذا بين ما إذا كان مقرا أو منكرا،
وكذلك إذا قال: صالحتك على ألفي هذه أو على عبدي هذا، صح الصلح لزمه تسليمه؛ لأنه لما أضافه إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه فصح الصلح، وكذلك لو قال: علي ألف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أصيلا فيه) ش: أي في هذا الضمان م: (إذا ضمنه) ش: إضافة إلى نفسه م: (كالفضولي بالخلع) ش: من جانب المرأة م: (إذا ضمن البدل) ش: أي المال م: (ويكون متبرعا على المدعى عليه) ش: لا يرجع عليه بشيء م: (كما لو تبرع بقضاء الدين بخلاف ما إذا كان بأمره) ش: أي لا يكون متبرعا ويرجع عليه بما ضمن، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يرجع إن أدى بأمره م: (ولا يكون لهذا المصالح شيء من المدعي) ش: أي لا يصير الدين المدعى به ملكا للمصالح، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وإن كان المدعى عليه مقرا.
م: (وإنما ذلك) ش: أي الدين م: (للذي في يده) ش: وفي بعض النسخ للذي في ذمته أي في يده م: (لأن تصحيحه) ش: أي تصحيح الصلح م: (بطرق الإسقاط) ش: لا بطريق المبادلة، والساقط يتلاشى ويضمحل.
م: (ولا فرق في هذا) ش: أي في أن المصالح لا يملك الدين المدعى به م: (بين ما إذا كان) ش: أي الخصم م: (مقرا أو منكرا) ش: أما إذا كان منكرا فظاهر، لأنه في زعم المدعى عليه أنه لا شيء عليه فيكون متبرعا في إسقاط الخصومة منه وزعم المدعي لم ينفذ إليه.
وأما إذا كان مقرا بالدين وبالصلح ينبغي أن يصير مشتريا ما في ذمته بما أدى، إلا أن شراء الدين من غير المذكور لا يصح لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه الدين، وذا لا يجوز وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأصح.
بخلاف ما لو كان المدعى به عينا والمدعى عليه مقرا، فإنه يصير مشتريا لنفسه إذا كان بغير أمره، لأن شراء الشيء من مالكه صحيح وإن كان في يد غيره.

م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يصلح الصلح، وهذا هو الوجه الثاني من الوجوه الأربعة م: (إذا قال صالحتك على ألفي هذه أو على عبدي، هذا صح الصلح، ولزمه تسليمه) ش: أي لزم الفضولي تسليم الألف م: (لأنه لما أضافه) ش: أي لما أضاف المال المعقود عليه م: (إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه) ش: ولما لزمه التسليم بالإضافة م: (فصح الصلح) ش: لأنه تم عقده.
م: (وكذلك لو قال: علي ألف) ش: هذا هو الوجه الثالث، أي وكذا يصح الصلح لو قال:

(10/22)


وسلمها؛ لأن التسليم إليه يوجب سلامة العوض له فيتم العقد لحصول مقصوده.
ولو قال: صالحتك على ألف فالعقد موقوف، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه بطل؛ لأن الأصل في العقد إنما هو المدعى عليه لأن دفع الخصومة حاصل له، إلا أن الفضولي يصير أصيلا بواسطة إضافة الضمان إلى نفسه فإذا لم يضفه بقي عاقدا من جهة المطلوب فيتوقف على إجازته،
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ووجه آخر وهو أن يقول: صالحتك على هذه الألف أو على هذا العبد ولم ينسبه إلى نفسه؛ لأنه لما عينه للتسليم صار شارطا سلامته له فيتم بقوله. ولو استحق العبد ووجد به عيبا فرده فلا سبيل له على المصالح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علي ألف مطلقة م: (وسلمها) ش: أي الألف م: (لأن التسليم إليه) ش: أي إلى المدعي م: (يوجب سلامة العوض له) ش: أي للمدعي، فإذا كان كذلك م: (فيتم العقد) ش: أي عقد الصلح م: (لحصول مقصوده) ش: وهو سلامة البدل وللمدعي، فإذا حصل المقصود تم العقد لا محالة.

م: (ولو قال: صالحتك على ألف فالعقد موقوف، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه بطل) ش: هذا لفظ القدوري وهو الوجه الرابع من الوجوه الأربعة وقال المصنف: م: (لأن الأصل في العقد إنما هو المدعى عليه لأن دفع الخصومة حاصل له) ش: لأن المدعى عليه هو المحتاج إلى إسقاط الخصومة عن نفسه.
م: (إلا أن الفضولي يصير أصيلا بواسطة إضافة الضمان إلى نفسه) ش: بدليل أنه يجبر على الأداء كما يجبر الأصيل.
لأن الزعيم غارم والوفاء بالشرط لازم خصوصا إذا كان الشرط في عقد لازم م: (فإذا لم يضفه) ش: لم يكن عليه شيء.
ولكنه م: (بقي عاقدا من جهة المطلوب، فيتوقف على إجازته) ش: أي على إجازة المدعى عليه. فإن قبل لزمه المال، وإن رده بطل الصلح.

م: (قال) ش: أي المصنف: وفي نسخة الأترازي قال العبد الضعيف: وفي نسخة شيخنا العلاء. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (ووجه آخر) ش: أي غير الوجوه الأربعة التي ذكرها م: (وهو أن يقول: صالحتك على هذه الألف أو على هذا العبد ولم ينسبه إلى نفسه، لأنه لما عينه للتسليم صار شارطا سلامته له فيتم بقوله) ش: أي سلامة المصالح عليه للمدعي فيتم، أي الصلح بقول المصالح، ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري.
م: (ولو استحق العبد) ش: أي العبد الذي صالحه عليه م: (ووجد به عيبا فرده فلا سبيل له على المصالح)

(10/23)


لأنه التزم الإيفاء من محل بعينه ولم يلتزم شيئا سواه، فإن سلم المحل له تم الصلح، وإن لم يسلم له لم يرجع عليه بشيء. بخلاف ما إذا صالح على دراهم مسماة وضمنها ودفعها ثم استحقت ووجدها زيوفا حيث يرجع عليه؛ لأنه جعل نفسه أصيلا في حق الضمان، ولهذا يجبر على التسليم، فإذا لم يسلم له ما سلمه يرجع عليه ببدله، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وكذا لو وجد حرا أو مكاتبا أو مدبرا م: (لأنه) ش: أي لأن المصالح م: (التزام الإيفاء من محل بعينه ولم يلتزم شيئا سواه) ش: أي سوى ما عين م: (فإن سلم المحل له تم الصلح وإن لم يسلم له لم يرجع عليه بشيء) ش: أي على المصالح، ولكن يرجع إلى دعواه.
م: (بخلاف ما إذا صالح على دراهم مسماة وضمنها ودفعها ثم استحقت) ش: أي الدراهم م: (ووجدها زيوفا حيث يرجع عليه) ش: أي على الذي صالحه م: (لأنه) ش: أي لأن المصالح م: (جعل نفسه أصيلا في حق الضمان) ش: فصار دينا في ذمته حيث ضمنه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يجبر) ش: أي المصالح م: (على التسليم) ش: أي تسليم الدراهم إذا ضمنه، بخلاف ما إذا لم يضمن حيث لا يجبر م: (فإذا لم يسلم له ما سلمه يرجع عليه يبدله) ش: أي ببدل ما لم يسلم إليه، م: (والله أعلم بالصواب) .

(10/24)