البناية شرح الهداية

كتاب المضاربة المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض، سمي به؛ لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وهي مشروعة للحاجة إليها فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المضاربة]
[تعريف المضاربة ومشروعيتها]
م: (كتاب المضاربة)
ش: وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على الاسترباح. أما المضاربة فإن مبناها على هذا، وأما الصلح فإن المصالح سعي المدعى عليه مستربح، سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار أو عن سكوت.
م: (المضاربة) ش: على وزن مفاعلة م: (مشتقة من الضرب في الأرض) ش: وهو السير فيها، قال الله عز وجل: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) .
أعني بالضرب السفر للتجارة سمي هذا العقد لأن المضارب يسير في الأرض غالبًا طلبا للربح.
وتسمية أهل المدينة هذا العقد معاوضة وقراضا مشتقا من القرض وهو القطع، وصاحب المال يقطع قدرًا من المال عن تصرفه ويجعل التصرف فيه للعامل بهذا العقد، واختار هذا أصحاب الأئمة الثلاثة، وقالوا: كتاب القراض واختار أصحابنا لفظ المضاربة لموافقة الكتاب.
وفي الاصطلاح: هي إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا م: (سمي به) ش: ذكر الضمير في الموضعين باعتبار العقد أي سمي عند المضاربة بهذا اللفظ م: (لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله) ش: وفيه مناقشة، لأن المضارب لا يستحق الربح بسعيه وعمله حتى لو سعى وعمل ولم يظهر ربح لا يستحق شيئًا، والكلام الموجه أن يقال لأن المضارب يسير في الأرض طلبًا للربح كما ذكرنا.
م: (وهي مشروعة للحاجة إليها) ش: أشار بهذا إلى مشروعية بيان هذا النوع من التصرف وذلك بالكتاب: وهو قَوْله تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ، أعني بالضرب السفر للتجارة، وبالسنة على ما يأتي.
ولأجل احتياج الناس إلى هذا التصرف وبين هذا بالفاء التفسيرية لقوله م: (فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه) ش: أي في المال و " الغبي " بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة على وزن فعيل من الغباوة وهي: قلة الفطنة.

(10/42)


وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه فمست الحاجة إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني، وبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه) ش: أي عن المال والصفر بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء الخالي، يقال بيت صفر من المتاع، ورجل صفر اليدين م: (فمست الحاجة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك مست الحاجة م: (إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني) ش: لأن الله تعالى خلق الخلق أطواراً مختلفة الطبائع مباين التصرفات والحرف، مشتملين على الفقير والغني، محتاجين إلى إعانة بعضهم بعضاً، فلا جرم شرع هذا التصرف ونحوه ليقوم بها معاشهم وتحصل بها أغراضهم.
م: «وبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يباشرونه فقررهم عليه» ش: الواو في والناس للحال والضمير المنصوب في يباشرونه والمجرور عليه يرجعون إلى عقد المضاربة لا إلى المضاربة لفظها.
وقد ذكر السغناقي ناقلاً عن " المبسوط ": ثم جواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع:
فالسنة ما «روي أن العباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان إذا دفع مالاً مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحراً وأن لا ينزل وادياً ولا يشتري ذات كبد رطب فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستحسنه» .
وتبعه على ذلك الكاكي وصاحب " العناية " وغيرهما، ولم أر واحداً منهم بين أصل الحديث، وحاله ومن خرجه. فأقول: هذا الحديث أخرجه البيهقي عن يونس بن أرقم حدثنا أبو الجارود وعن حبيب بن يسار عن ابن عباس، قال: «كان العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن فوقع شرطه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجازه» وأبو الجارود: زياد بن المنذر كذبه ابن معين.
م: (وتعاملت به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي بعقد المضاربة كما ذكرنا، روى مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن الربح بينهما، وروى البيهقي من حديث ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سأله عن الرجل يعطي المال رجلا قراضاً فيشترط له كما

(10/43)


ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أعطى نحو يوم أخذ، قال: لا بأس بذلك.
وأخرج الدارقطني عن ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير وغيره أن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة فضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي.
وأخرج البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى مال يتيم مضاربة وكان يعمل به بالعراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح، وأخرج أيضاً عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى زيد بن خليدة مالاً مقارضة.
وأخرج هذا أيضاً الحسن بن زياد في كتاب " المجرد " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه أعطى زيد بن خليدة البكري مالا مضاربة فأسلم زيد بن خليدة المضاربة إلى رجل من بني شيبان يقال له عتريس بن عرقوب في قلائص إبل فحلت فأدى بعضها فذكر ذلك لعبد الله فقال: خذ منه رأس مالك فلا تسلم في شيء من الحيوان م: (ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده) ش: وليس فيه خلاف.
وفي " شرح الطحاوي ": أن يصير المال مضموناً عند المضارب أن يقرض من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه، ثم يأخذه منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفع إليه يستعين به في العمل حتى لو هلك به هلك كالقرض وإذا ربح ولم يهلك يكون الربح بينهما على الشركة.
وحيلة أخرى أن يقرض جميع المال من المضارب إلا درهما واحدا ويسلمه إليه ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان، على أن يكون رأس مال المقرض درهماً، ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض، على أن يعملا جميعا وشرطا على أن الربح بينهما، ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال فإن هلك المال في يده فالقرض عليه، ولو ربح فالربح بينهما على الشرط.
م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل) ش: احترز عن المقبوض على سوم الشراء والقرض، فإنه مضمون م: (والوثيقة) ش: أي ولا على وجه الوثيقة

(10/44)


وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه. وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله، فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره،
قال: المضاربة عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر ولا مضاربة بدونها، ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحترز به عن الرهن فإنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين م: (وهو وكيل فيه) ش: أي المضارب وكيل في المدفوع إليه، وقال الأترازي: وكيل في العمل والأول أقرب وأصوب. م: (لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه) ش: ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة على رب المال كالوكيل.
م: (وإذا ربح فهو شريك فيه) ش: أي في الربح وليس المراد أنه شريك في رأس المال مع الربح، لأنه لم يشركه في رأس المال وإنما شركه في الربح م: (لتملكه جزءا من المال بعمله) ش: أي لتملك المضارب جزءا من المال وهو الربح الشائع فيه وذلك بسبب عمله وسعيه.
م: (فإذا فسدت) ش: المضاربة م: (ظهرت الإجارة) ش: لأنه يعمل لرب المال في ماله فيصير ما شرط من الأجر كالأجرة على عمله م: (حتى استوجب العامل أجر مثله) ش: لأنه يكون في الإجارات م: (وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره) ش: فيصير المال مضمونًا عليه وبه قالت الثلاثة وأكثر أهل العلم.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا ضمان على من شركه في الربح، وبه قال الحسن والزهري - رحمهما الله -.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (المضاربة، عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين) ش: هذا تفسير للمضاربة على الاصطلاح، ولكن لما كان فيه نوع حقار لأنه قال عقد على الشركة ولم يبين أن الشركة فيما إذا فسر المصنف بقوله م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله عقد على م: (الشركة في الربح) ش: لا في رأس مال مع الربح، لأن رأس المال لرب المال.
م: (وهو) ش: أي الربح م: (يستحق بالمال من أحد الجانبين، والعمل من الجانب الآخر) ش: وهو المضارب وقوله: يستحق على صيغة المجهول م: (ولا مضاربة بدونها) ش: أي بدون الشركة وأشار به إلى أن العقد ينتفي بانتفائها.
م: (ألا ترى) ش: إيضاح لقوله: عقد على الشركة وقوله: لا مضاربة بدونها م: (أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضًا) ش: وقال مالك: يكون مضاربة صحيحة في الوجهين. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إذا قال: خذه

(10/45)


قال: ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة وقد تقدم بيانه من قبل. ولو دفع إليه عرضا وقال: بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز؛ لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مضاربة والربح لي أو لك يفسد عقد المضاربة ولا ينصرف إلى شيء.

[شروط رأس مال المضاربة]

[أن يكون رأس مال المضاربة دراهم أو دنانير أو فلوس]
م: (قال: ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة) ش: أي قال القدوري: وهو أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير عندهما أو فلوسًا رائجة عند محمد وبما سواها لا يجوز، وبه قالت الأئمة الثلاثة، ونص في " الذخيرة " أنه إجماع. وقال السغناقي: العروض لا تصلح لرأس المال عندنا خلافًا للإمام مالك.
وكذا الكيلي والوزني خلافا لابن أبي ليلى، وقد نظر فيه الكاكي بقوله: وما كتب في بعض كتب أصحابنا أن عند الإمام مالك تصح المضاربة بالعروض لم نجده في كتبهم، بل ذكر فيها لا يصح بالعروض.
قلت: قد ذكر في " جواهر المالكية " ما هو أبلغ منها وهو أنه لا يجوز بالنقرة التي ليست مضروبة إذا كان التعامل بالمسكوك ولا يجوز بالفلوس عند ابن القاسم، وأجازه أشهب، ولا بالدراهم المغشوشة م: (وقد تقدم بيانه من قبل) ش: أراد به باب الشركة.
م: (ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز) ش: وجه ذكره تفريعا على مسألة القدوري ويعني بهذا، وجه الحيلة في جواز المضاربة بالعرض وأخرى ذكرها الخصاف في الحيل، وقال:
قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يدفع إلى رجل مضاربة وليس عنده إلا متاع كيف يصنع، قال: يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيه ويدفعه إلى المضارب مضاربة ثم يشتري المضارب هذا المتاع من الرجل الذي ابتاعه من صاحبه، وفي مسألة الكتاب خلافا للثلاثة فعندهم لا يجوز لجهالته.
م: (لأنه) ش: عند المضاربة م: (يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة) ش: يعني أنه مشتمل على التوكيل، والإجارة بالراء المهملة أو بالزاي، وكل منهما يقبل الإضافة إلى زمان المستقبل فيجب أن يكون عقد المضاربة كذلك لئلا يخالف الكل الجزء، وصورة إضافة التوكيل إلى المستعمل بأن يقول وكلتك بأن تبيع عبدي هذا غدًا فإنه يصير وكيلا غدًا وبعده، ولا يصير وكيلا قبل الغد، وصورة إضافة الإجارة أن يقول آجرتك داري غدًا فإن الإجارة تنعقد عند مجيء الغد لا قبله.

(10/46)


وكذا إذا قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا، بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا يصح المضاربة لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للآمر فتصير مضاربة بالعرض.
قال: ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة من الربح؛ لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما، ولا بد منها كما في عقد الشركة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الحكم لو قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة]
م: (وكذا إذا قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يقبل الإضافة م: (بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا يصح المضاربة) ش: بالاتفاق بين أصحابنا مع اختلاف التخريج، أشار إليه بقوله م: (لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح هذا التوكيل) ش: وهو أنه لو وكله بشراء بما في ذمته لا يصح عنده م: (على ما مر في البيوع) ش: أراد به بيوع الوكالة لا كتاب البيوع.
وفي بعض النسخ وقد مر في البيوع وذلك لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن وهو حرام، والذي ذكره في كتاب الوكالة في البيع والشراء من كتاب الوكالة هو قوله ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بهذا العبد.... إلى آخره.
م: (وعندهما يصح) ش: أي هذا التوكيل ومع هذا لا تصح المضاربة، أشار إليه بقوله م: (لكن يقع الملك في المشتري) ش: بفتح الراء يقع م: (للآمر فتصير مضاربة بالعرض) ش: فتصير فاسدة، واستشكل على المسألة الأولى بما إذا قال اقبض جميع الألف التي لي على فلان ثم اعمل بها مضاربة فقبض المأمور نصف ما على المديون وعمل به مضاربة فإنه لا يجوز.
وأجيب: بأنه ثم للتعقيب مع التراخي وقد أخر الأمر بالعمل مضاربة عن قبض جميع المال، فما لم يقبض جميع الألف لا يصح، وأيضًا يكون مخالفا بالعمل بالبعض قبل قبض الكل فلا يصح، كما إذا قال لزوجته اقبضي جميع المال الذي على فلان وأنت طالق، فقبضت البعض لم تطلق ولو قال اقبضي جميع المال الذي على فلان أنت طالق طلقت للحال للقبض إذا لم يرو الزوج واو الحال.

[أن يكون الربح مشاعا في المضاربة]
م: (قال: ومن شرطها) ش: أي قال القدوري: ومن شرط المضاربة م: (أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة من الربح) ش: وفي بعض النسخ لا يشترط لأحدهما دراهم مسماة م: (لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما) ش: أي بين رب المال والمضارب، لأنه ربما لا يكون الربح إلا ذلك القدر م: (ولا بد منها) ش: أي من الشركة، فإذا انتفت الشركة المشروطة لجوازها انتفت المضاربة، لأن المنافي لشرط جواز الشيء مناف له وإذا ثبت أحد المنافيين انتفى الآخر م: (كما في عقد الشركة) ش: حيث لا يكون عقد من عقود الشركة إلا

(10/47)


قال: فإن شرط زيادة عشرة فله أجر مثله؛ لفساده فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح، وهذا لأنه ابتغى عن منافعه عوضا ولم ينل لفساده والربح لرب المال لأنه نماء ملكه، وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة، ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما بينا في الشركة. ويجب الأجر وإن لم يربح في رواية الأصل؛ لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع أو العمل وقد وجد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب اعتبارا بالمضاربة الصحيحة مع أنها فوقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالاشتراك.

م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (فإن شرط زيادة عشرة) ش: هذا تفسير لما قبله، أي إن شرط في العقد زيادة عشرة دراهم مثلا على ما شرطا م: (فله أجر مثله) ش: أي فللعامل أجر مثله م: (لفساده) ش: أي لفساد عقد المضاربة، وهذا لا خلاف فيه. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على فساد المضاربة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة م: (فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح) ش: الضمير في لعله يجوز أن يعود إلى المضاربة ويجوز أن يعود إلى المال والأول أقرب.
م: (وهذا) ش: أي وجوب أجر المثل م: (لأنه ابتغى) ش: أي لأن المضارب طلب يعني لرب المال بالعقد وابتغى به م: (عن منافعه عوضًا ولم ينل) ش: أي العوض م: (لفساده) ش: أي لفساد العقد ولا بد من عوض منافع تلفت بالعقد وليس ذلك في الربح لأنه لرب المال، أشار إليه بقوله م: (والربح لرب المال، لأنه نماء ملكه) ش: وإذا كان كذلك فله أجر المثل.
م: (وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فكان وجوده كعدمه. وقيل: الثلث أو الربع المشروط في العقد م: (خلافًا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب بالغًا ما بلغ وبه قالت الثلاثة م: (كما بينا في الشركة) ش: أي كما بينا هذا الحكم مع الخلاف في كتاب الشركة ولم يبين في الشركة شيئًا إنما قال في الشركة الفاسدة فللمعين يعني في الاحتطاب ونحوه أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد.
وعند أبي يوسف لا تجاوز به نصفا عن ذلك أي بيان في هذا م: (ويجب الأجر وإن لم يربح) ش: أي المضارب م: (في رواية الأصل) ش: أي " المبسوط "، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية م: (لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع) ش: كما في الأجير الخاص، فإن في تسليم نفسه تسليم منافعه م: (أو العمل) ش: كما في الأجير المشترك م: (وقد وجد) ش: أي المذكور من تسليم المنافع والعمل.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب اعتبارًا بالمضاربة الصحيحة مع أنها فوقها) ش:

(10/48)


والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك اعتبارا بالصحيحة، ولأنه عين مستأجرة في يده
وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده لاختلال مقصوده وغير ذلك من الشروط الفاسدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول المضاربة الفاسدة في إمضاء حكمها وفي استحقاق الربح، فإذا لم يجب في الصحيحة إذا لم يربح ففي الفاسدة أولى أن لا يجب.
قال السغناقي: فإن قلت: ما جواب وجه ظاهر الرواية عن هذا التعليل، فإنه قول بأن العقد الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح من جنسه كما في البيع الفاسد. قلت: الفاسد إنما يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع، وهاهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة الإجارة والفاسد تنعقد إجارة فتعتبر بالإجارة في استحقاق الأجر عند إيفاء العمل، انتهى.
قلت: بل اعتبار فاسد المضاربة بصحيحها أولى من جعلها إجارة لأنهما قد تراضيا أن يكون العامل جزء من الربح إن حصل ربح، وبالحرمان إن لم يحصل ولم يرض رب المال يكون في ذمته شيء في مقابلة عمل العامل، فإذا أوجبتم في ذمته شيئًا كان إيجابًا بغير دليل وهدم الأصل الضعيف أولى من إلغاء التعليل الصحيح.

[المال في المضاربة الفاسدة]
م: (والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك اعتبارًا بالصحيحة) ش: وبه قالت الثلاثة، وفي " المبسوط ": عن ابن سماعة عن محمد: أنه يضمن المال م: (ولأنه عين مستأجرة في يده) ش: أو لأن المال عين مستأجرة في يد المضارب، وفي بعض النسخ عين مستأجر أي عين استوجد المضارب ليعمل به هو لا غيره فلا يضمن كالأجير الواحد، وهذا التعليل يشير إلى المضارب بمنزلة أجير الواحد من حيث إنه لا يمكنه أن يؤاجر نفسه في ذلك الوقت لآخر، وهذا قول أبي جعفر الهندواني.
وقيل: المذكور هنا قول أبي حنيفة، وعندهما ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التحرز عنه، وهذا قول الطحاوي، وهذا بناء على أن المضارب بمنزلة الأجير المشترك وهو لا يضمن إذا تلف المال في يده من غير صفة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لهما، قال الإمام الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولا يصح أنه لا ضمان على قول الكل.

[حكم جهالة الربح في المضاربة]
م: (وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده) ش: أي يفسد عقد المضاربة كما إذا قال لك نصف الربح أو ثلثه وشرط أن يدفع المضارب داره إلى رب المال ليسكنها أو أرضه سنة ليزرعها لأنه جعل نصف الربح عوضًا عن عمله وأجرة الدار فصارت حصة العمل مجهولة فلم يصح م: (لاختلال مقصوده) ش: وهو الربح.
م: (وغير ذلك من الشروط الفاسدة) ش: أي الشروط التي لا توجب الجهالة في الربح م:

(10/49)


لا يفسدها ويبطل الشرط كاشتراط الوضيعة على المضارب.
قال: ولا بد أن يكون المال مسلما إلى المضارب، ولا يد لرب المال فيه؛ لأن المال أمانة في يده، فلا بد من التسليم إليه، وهذا بخلاف الشركة؛ لأن المال في المضاربة من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر فلا بد من أن يخلص المال للعامل ليتمكن من التصرف فيه، أما العمل في الشركة من الجانبين فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة،
وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد؛ لأنه يمنع خلوص يد المضارب، فلا يتمكن من التصرف فلا يتحقق المقصود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(لا يفسدها) ش: أي المضاربة م: (ويبطل الشرط) ش: أي بل يبطل نفس ذلك الشرط، وبه قالت الثلاثة، وعن الشافعي وأحمد يفسد العقد م: (كاشتراط الوضيعة) ش: أي الجنسين.
وقيل: الوضيعة اسم لجزء هالك من المال م: (على المضارب) ش: وفي الإيضاح والذخيرة عليهما، وفي " التحفة ": عليه أو عليهما، قيل: شرط العمل على رب المال لا يوجب جهالة في الربح ولا يبطل في نفسه، بل يبطل المضاربة كما سيجيء فلم تكن القاعدة مطردة.
أجيب: بأنه قال وغير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها، وإذا شرط العمل على رب المال فليس ذلك بمضاربة، وسلب الشيء عن المعدوم صحيح يجوز أن يقال: زيد المعدوم ليس ببصير، وقوله بعد هذا مخطوط وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، معناه عن تحققه فافهم.

[اشتراط تسليم المال للمضارب]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا بد أن يكون المال مسلمًا إلى المضارب ولا يد لرب المال فيه) ش: أي بتصرف أو عمل م: (لأن المال أمانة في يده فلا بد من التسليم إليه) ش: كالوديعة م: (وهذا بخلاف الشركة؛ لأن المال في المضاربة من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر فلا بد من أن يخلص المال للعامل ليتمكن من التصرف فيه) ش: وبقاؤه لا يمنع الخلوص. م: (أما العمل في الشركة من الجانبين، فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة) ش: لأنها انعقدت على العمل بينهما فمتى شرط انتفاء يد رب المال لم ينعقد أصلاً كذا في " الإيضاح ".

م: (وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، لأنه يمنع خلوص يد المضارب فلا يتمكن من التصرف، فلا يتحقق المقصود) ش: ولا يعلم فيه خلاف.
ولكن ذكر في " الذخيرة ": حكي عن الفقيه محمد بن إبراهيم الضرير أنه لو شرط رب المال لنفسه أن يتصرف في المال بانفراده متى بدا له وأن يتصرف المضارب في جميع المال متى بدا له جازت المضاربة.
وإنما لا يجوز شرط عمله رب المال مع المضارب إذا شرط العمل جملة، لأنه حينئذ لا

(10/50)


سواء كان المالك عاقدا أو غير عاقد كالصغير؛ لأن يد المالك ثابتة له وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب.
وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه لقيام الملك له وإن لم يكن عاقدا، واشتراط العمل على العاقد مع المضارب وهو غير مالك يفسده إن لم يكن من أهل المضاربة فيه كالمأذون،
بخلاف الأب والوصي لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما، فكذا اشتراطه عليهما بجزء من المال.
قال: وإذا صحت المضاربة مطلقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصير المال مسلمًا إلى المضارب م: (سواء كان المالك عاقدًا أو غير عاقد كالصغير) ش: إذا دفع أبوه أو وليه أو وصيه ماله مضاربة وشرط عمل الصغير فإنه لا يجوز م: (لأن يد المالك ثابتة له) ش: أي للصغير م: (وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب) ش: كما في " الكبير ".

[أحد الشريكين إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه]
م: (وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه) ش: فسدت المضاربة م: (لقيام الملك له) ش: تعليل لقوله وكذا أحد المتفاوضين يعني يفسد العقد إذا عقد أحد الشريكين وشرط عمل صاحبه لقيام الملك لصاحبه م: (وإن لم يكن عاقدًا) ش: فيمنع وإن لم يكن صاحبه عاقدًا.
فإذا كان كذلك فيمنع صحة الدفع مع قيام يد المالك م: (واشتراط العمل على العاقد، مع المضارب وهو غير مالك يفسده) ش: عقد المضاربة م: (إن لم يكن من أهل المضاربة فيه) ش: أي في المال م: (كالمأذون) ش: يدفع ماله مضاربة ويشترط عمله على المضاربة يفسد العقد، لأن يد التصرف ثابتة له في هذا المال ويده يد نفسه ينزل منزلة المالك فيما يرجع إلى التصرف فكان قيام يده مانعًا لصحة المضاربة، هذا وليس بقياس، بل هو تنظير لما إذا كان العاقد غير مالك.

[الأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا العمل بجزء مع الربح]
م: (بخلاف الأب والوصي) ش: إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا العمل بأنفسهما مع المضارب بجزء مع الربح فهو جائز م: (لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما، فكذا اشتراطه) ش: أي اشتراط العمل م: (عليهما بجزء من المال) ش: لأن كل مال يجوز أن يكون الوصي مضاربًا وحده جاز أن يكون مضاربًا فيه مع غيره.
وهذا لأن تصرف الأب أو الوصي واقع للصغير حكمًا بطريق النيابة فسار دفعه كدفع الصغير وكشرطه فتشترط التخلية من قبل الصغير؛ لأنه رب المال وقد تحققت.

[المضاربة المطلقة]

[المسافرة بمال المضاربة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صحت المضاربة مطلقة) ش: بأن لم تكن مقيدة بزمان ومكان، فإذا قال: دفعت إليك هذا المال مضاربة ولم يزد على ذلك فهذه مضاربة مطلقة، كذا في " الذخيرة ".

(10/51)


جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع لإطلاق العقد، والمقصود منه الاسترباح ولا يتحصل إلا بالتجارة فينتظم العقد صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار والتوكيل من صنيعهم، وكذا الإيداع والإبضاع والمسافرة، ألا ترى أن المودع له أن يسافر فالمضارب أولى كيف وأن اللفظ دليل عليه؛ لأنها مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس له أن يسافر. وعنه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إن دفع في بلده ليس له أن يسافر به لأنه تعريض على الهلاك من غير ضرورة وإن دفع في غير بلده له أن يسافر إلى بلده؛ لأنه هو المراد في الغالب. والظاهر ما ذكر في الكتاب. . قال: ولا يضارب إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له: اعمل برأيك لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما في القوة فلا بد من التنصيص عليه، أو التفويض المطلق إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع لإطلاق العقد والمقصود منه) ش: أي من عقد المضاربة م: (الاسترباح ولا يتحصل) ش: أي الاسترباح م: (إلا بالتجارة فينتظم العقد) ش: أي العقد المطلق م: (صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار والتوكيل من صنيعهم، وكذا الإيداع والإبضاع والمسافرة) ش: أي السفر والمفاعلة هذه ليست على بابها كما في المسارعة إلى الخير.
م: (ألا ترى أن المودع له أن يسافر، فالمضارب أولى) ش: بأن يسافر م: (كيف وأن اللفظ دليل عليه) ش: أي كيف لا يسافر والحال أن لفظ المضاربة دليل على السفر، أي على جوازه.
م: (لأنها) ش: أي لأن المضاربة م: (مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس له أن يسافر) ش: قيل هذا إذا لم يقل له اعمل برأيك.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (عن أبي حنيفة أنه - رحمه لله - إن دفع في بلده) ش: أي في بلد المضارب م: (ليس له أن يسافر به لأنه تعريض على الهلاك من غير ضرورة، وإن دفع في غير بلده له أن يسافر إلى بلده؛ لأنه هو المراد في الغالب) ش: إذ الإنسان لا يستديم الغربة مع إمكان الرجوع، فلما أعطاه عالمًا بغربته كان دليل الرضى بالمسافرة عند رجوعه إلى وطنه م: (والظاهر) ش: أي ظاهر الرواية عن أصحابنا جميعاً م: (ما ذكر في الكتاب) ش: أي القدوري في مختصره وهو جواز المسافرة بمال المضاربة وإن لم يقل له اعمل برأيك وبه قال مالك.

[قول رب المال للمضارب اعمل برأيك]
م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره: م: (ولا يضارب) ش: أي المضارب م: (إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له اعمل برأيك، لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما) ش: أي لتساوي الشيئين المتماثلين م: (في القوة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه) ش: التنصيص بالإذن وليس يعلم فيه خلاف، والتفويض المطلق بقوله اعمل برأيك.
وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز فيه أيضًا إلا بإذن، وأورد على هذا المستعير والمكاتب

(10/52)


وكان كالتوكيل، فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره فيما وكله به إلا إذا قيل له اعمل برأيك، بخلاف الإيداع والإبضاع؛ لأنه دونه فيتضمنه. وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه وإن قيل له: اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقراض منه وهو تبرع كالهبة والصدقة فلا يحصل له به الغرض وهو الربح؛ لأنه لا تجوز الزيادة عليه. أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه فيدخل تحت هذا القول.
قال: وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمستأجر فإنه يجوز للمستعير أن يعير، وللمستأجر أن يؤجر، وللمكاتب أن يكاتب، وكذا العبد المأذون له أن يؤذن عبده.
وأجيب: بأن الكلام في التصرف نيابة وهم لا يتصرفون بحكم المالية، لأن المستعير والمستأجر ملكا المنفعة، والمكاتب صار حرًا يدًا، والعبد المأذون يتصرف بحكم المالكية الأصلية، إذ الإذن بالتجارة فك الحجر، وأما المضارب فإنه يعمل بطريق النيابة؛ لأن فيها معنى الوكالة والوكيل لا يوكل غيره فكذا هذا م: (وكان كالتوكيل) ش: أي وكان أمر المضاربة كأمر التوكيل م: (فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره فيما وكله به، إلا إذا قيل له اعمل برأيك) ش: فكذا المضارب لا يملك أن يضارب إلا إذا قيل له اعمل برأيك.
م: (بخلاف الإيداع والإبضاع، لأنه دونه) ش: أي لأن حكمهما دون حكم المضاربة م: (فيتضمنه) ش: أي إذا كان كذلك فيتضمن حكم المضاربة حكم الإيداع والإبضاع م: (وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه) ش: أي المضارب لا يملك الإقراض.
م: (وإن قيل له اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقراض منه) ش: أي من صنيع التجار م: (وهو) ش: أي الإقراض م: (تبرع كالهبة والصدقة، فلا يحصل له به الغرض وهو الربح؛ لأنه لا تجوز الزيادة عليه) ش: أي على الإقراض عشرة، فإنه لو أقرض عشرة ليستوفي أحد عشر لا يجوز، فلما لم يحصل للربح به لا يكون من صنيع التجار فلا يتناوله التعميم.
م: (أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه) ش: يعني من صنيعهم وبه قال الثوري ومالك وأحمد والشافعي: ليس له الشركة والخلط، ولو فعل يضمن م: (فيدخل تحت هذا القول) ش: وهو قوله: اعمل برأيك والضمير في يدخل يرجع إلى الشركة والخلط على تأويل كل واحد منهما.

[المضاربة المقيدة]

[خص رب المال للمضارب التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها) ش: كل واحد من البلد والسلعة بعينها وبه قال أحمد - رحمه

(10/53)


لأنه توكيل، وفي التخصيص فائدة فيتخصص. وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة إلى من يخرجها من تلك البلدة لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره.
قال: فإن خرج إلى غير تلك البلدة فاشترى ضمن، وكان ذلك له وله ربحه؛ لأنه تصرف بغير أمره، وإن لم يشتر حتى رده إلى الكوفة، وهي التي عينها برئ من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله - قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - إذا شرط أن لا يشتري إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو ما معهم وجوده لا تصح المضاربة. ويحترز بقوله في بلد بعينه عن السوق بعينه، فإنه لا يتقيد بذلك بالإجماع، إلا إذا صرح التخصيص بالمنهي بأن قال: لا يعمل في غير هذا السوق، فحينئذ يتقيد م: (لأنه توكيل) ش: أي لأن المضاربة توكيل، والتذكير باعتبار عقد المضاربة أو حكمها م: (وفي التخصيص فائدة فيتخصص) ش: والفائدة من وجوه:
أحدها: صيانة ماله من خطر الطريق، والثاني: صيانة ماله عن خيانة المضارب فإنه لو عين عليه بلدًا لو قصد الخيانة لمنعه عنها. والثالث: أن الأسعار بحسب الغلاء والرخص تختلف باختلاف البلدان وكذا النقود فكان الشرط مقيدًا. والرابع: أن المضارب ما دام في المصر لا يستحق المنفعة في مال المضارب وفي السفر يستحقها فيه.
م: (وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة) ش: أي وكذا ليس للمضارب أن يدفع المال بضاعة، أراد ليس له الإبضاع م: (إلى من يخرجها) ش: أي البضاعة م: (من تلك البلدة) ش: أي البلدة التي عينها رب المال م: (لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره) ش: أي تفويض الإخراج إلى غيره.

م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (فإن خرج إلى غير تلك البلدة فاشترى ضمن) ش: لأنه تصرف فيه بخلاف أمره، فكان غاصبًا، ولم يرد من قوله فاشترى ضمن أن الضمان يترتب على الشراء، لأن الضمان يجب عليه بمجرد الإخراج، وإنما مراده استقرار الضمان على ما يجيء في الكتاب م: (وكان ذلك له) ش: أي الذي اشتراه كان له م: (وله ربحه) ش: أي كان له ربحه الذي حصل منه ولكن يتصدق به على قولهما.
وعلى قول أبي يوسف يطيب له الربح فلا يلزمه التصدق م: (لأنه تصرف بغير أمره) ش: أي لأن الإخراج بتصرف في ملك غيره بغير أمره فيصير غاصبًا فلم يبق مضاربًا. م: (وإن لم يشتر حتى رده على الكوفة وهي) ش: أي والحال أن الكوفة هي م: (التي عينها) ش: أي رب المال م: (برئ) ش: أي المضارب م: (من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك) ش: أي المخالفة م: (ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق) ش: الضمير في الموضعين

(10/54)


وكذا إذا رد بعضه واشترى ببعضه في المصر كان المردود والمشتري في المصر على المضاربة لما قلنا، ثم شرط الشراء بها هنا وهو رواية " الجامع الصغير ". وفي كتاب المضاربة ضمنه بنفس الإخراج، والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه. أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يرجع إلى المضاربة، والتذكير في الأول باعتبار العقد، وفي الثاني باعتبار المال.
فإن قيل: قوله ورجع المال صح مضاربة يدل على أنها زائلة، وإذا قال العقد لا يرجع إلا بالتجديد، أجيب: بأنه على رواية الجامع الصغير لم يزل، لأن الخلاف إنما يتحقق بالشراء والفرض خلافه وإنما قال: رجع بناء على أنه صار على شرف الزوال، وأما على رواية " المبسوط " فإنها زالت زوالاً موقوفًا حيث ضمنه بنفس الإخراج.
م: (وكذا إذا رد بعضه) ش: أي وكذا تكون المضاربة على حالها إذا رد المضارب بعض المال إلى الموضع الذي عينه م: (واشترى ببعضه في المصر) ش: أي والحال أنه قد اشترى ببعض المال في المصر الذي عينه م: (كان المردود والمشتري في المصر على المضاربة لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لبقائه في يده بالعقد السابق في الإيضاح ما اشترى ببعضه فهو له، وما رد على المضاربة.
م: (ثم شرط الشراء بها هنا) ش: أي شرط في " الجامع الصغير " في الضمان الشراء، حيث قال فإن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى ضمن، والضمير في بها يرجع إلى المضاربة يعني المراد منه مال المضاربة. ثم فسر قوله ثم شرط الشراء بها هنا بقوله: م: (وهو رواية الجامع الصغير) ش: أي المذكور في شرط الشراء هو رواية " الجامع الصغير ".
م: (وفي كتاب المضاربة) ش: يعني في " المبسوط " م: (ضمنه بنفس الإخراج) ش: أي ضمن المضارب بنفس الإخراج مال المضاربة سواء اشترى بها أو لا م: (والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه، أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج، وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب) ش: يعني لتقرر الوجوب لا لأصل وجوب الضمان.
حاصله أن الضمان يجب بنفس الإخراج ولكنه على شرف الزوال، فإذا اشترى به تقرر وتأكد، أشار له بقوله لزوال احتمال الرد. وأما إذا اشترى ببعضه فيه وببعض آخر في غيره فهو ضامن لما اشتراه في غيره وله ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك القدر والباقي على المضاربة، إذ ليس من ضرورة صيرورته ضامنًا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقي، قيل: فيه نظر لأن الصفقة متحدة وفي ذلك تفريقها. قلنا: الجزء معتبر بالكل وتفريق الصفقة موضوع إذا استلزم ضررًا ولا ضرر عند الضمان.

(10/55)


وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد؛ لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق؛ لأنه صرح بالحجر والولاية إليه. ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد) ش: أشار بهذا إلى قوله وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه م: (لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق، لأنه صرح بالحجر، والولاية إليه) ش: أي ولاية الحجر إليه، أي إلى رب المال.
فإن قيل: ينتقض هذا بما لو قال بع بالنسيئة ولا تبع بالنقد أو على العكس، حيث لو باعها بالنقد أو بالنسيئة لا يكون مخالفًا مع صريح النهي إذا كان السعر بالنقد والنسيئة لا يتفاوت.
الجواب عن هذا: مبني على أصل وهو أن القيد المقيد من كل وجه متبع وغير المقيد من كل وجه لغو، والمقيد من وجه دون وجه متبع عند النهي الصريح ولغو عند السكوت عنه.
فالأول: كالتخصيص ببلد وسلعة وقد تقدم، والثاني: كصورة النقض، فإن البيع نقدًا بثمن كان خيرًا، فكان التقييد مضرًا. والثالث كالنهي عن السوق فإنه مقيد من وجه من حيث إن البلدة ذات أماكن مختلفة حقيقة وهو ظاهر، وحكمًا فإنه إذا شرط الحفظ على المودع في محلة ليس له أن يحفظها في غيرها، وقد تختلف الأسعار أيضًا باختلاف أماكنه.
وغير مقيد من وجه وهو أن المصر مع تباين أطرافه جعل كمكان واحد كما إذا اشتراط الاثنان السلم بأن يكون في المصر ولم يبين المحلة، فاعتبرناه حالة التصريح بالنهي لولاية الحجر، ولم يعتبر عند السكوت.
م: (ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا) ش: لما قال فيما مضى وإن خص له رب المال.... إلى آخره، شرع هنا يبين معنى التخصيص ما هو وذكر ألفاظًا تدل على التخصيص، والتقدير: ومعنى التخصيص يحصل بأن يقول كذا وكذا أي بهذه الألفاظ والغرض من ذكره التمييز بين ما يدل منها على التخصيص وما لا يدل، ومجموع ذلك ثمانية، ستة منها تقييد التخصيص، واثنان منها تعتبر مشورة.
والضابط لتمييز ما يفيد التخصيص عما لا يفيده، هو أن رب المال إذا أعقب لفظ المضاربة كلامًا لا يصح الابتداء به ويصح متعلق بما تقدم، جعل متعلقًا به لئلا يلغو، وإذا أعقب ما يصلح الابتداء لم يجعل متعلقًا بما تقدم لانتفاء الضرورة، وعلى هذا إذا قال خذ هذا المال على أن تعمل كذا، يكون تخصيصًا، لأنه أعقب لفظ المضاربة ما لا يصح الابتداء، حيث لا يصح أن

(10/56)


أو في مكان كذا وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة لأنه تفسير له، أو قال فاعمل به في الكوفة لأن الفاء للوصل. أو قال خذه بالنصف بالكوفة لأن الباء للإلصاق. أما إذا قال: خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها؛ لأن الواو للعطف. فيصير بمنزلة المشورة.
ولو قال: على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يبتدئ بقوله على أن تعمل م: (أو في مكان كذا) ش: لكونه مثلاً.
والثالث: هو قوله م: (وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة) ش: يجوز في اللام الجزم على أنه جواب الأمر، يجوز الرفع على تفسير أنت تعمل به، وكلام المصنف يحتمل الوجهين م: (لأنه تفسير له) ش: أي لأن قوله تعمل به في الكوفة بأن قال خذ هذا المال م: (أو قال فاعمل به في الكوفة، لأن الفاء للوصل) ش: والتعقيب والمتصل المتعقب إليهم تفسير له، والخامس هو قوله م: (أو قال خذه بالنصف بالكوفة) ش: بأن قال خذ هذا المال بالنصف بالكوفة م: (لأن الباء للإلصاق) ش: فتقتضي الإلصاق بموجب الكلام وهو العمل بالمال ملصقًا بالكوفة، وهو أن يكون العمل فيها.
السادس: لم يذكره المصنف، وهو أن يقول خذه بالنصف لتعمل به في الكوفة، وجعل الكاكي النوع الثالث على قسمين باعتبار الجزم والرفع، ولم يذكر قوله على أن تعمل كذا وجعل صاحب العناية هذا قسمًا واحدًا، وجعل السادس ما ذكرناه.
والصواب: أن الذي ذكره المصنف ستة وهي أن تعمل كذا وفي مكان كذا، أو خذ هذا المال تعمل به في الكوفة بالرفع وتعمل به بالجزم أو فاعمل في الكوفة، وبقي لفظًا بعد مشورة، ولا بعد شرط أحدهما أن يقول دفعت إليك هذا الألف مضاربة بالنصف اعمل بها في الكوفة.
والثاني: أن يقول واعمل بها بالكوفة بالواو، أشار إليه بقوله م: (أما إذا قال: خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها؛ لأن الواو للعطف) ش: والشيء لا يعطف على نفسه بل على غيره فاعتبر كلامًا مبتدأ م: (فيصير بمنزلة المشورة) ش: كأنه قال إن فعلت كذا كان أنفع. والمشورة بفتح الميم وضم الشين وهو استخراج رأي على غالب الظن.
فإن قيل: فلم تجعل واو الحال كما في قوله أد إلى ألفًا وأنت حر.
أجيب: بعد صلاحية ذلك هاهنا، لأن العمل أن يكون بعد الأخذ لا حال الأخذ.
قلت: لم لا يجوز أن يكون حالاً منتظرة كما في قَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] ذكر تفريعًا على ما تقدم.

[قال رب المال خذه مضاربة على أن تشتري من فلان وتبيع منه]
م: (ولو قال: على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد) ش: ذكر هذا تفريعًا على ما تقدم

(10/57)


لأنه مفيد لزيادة الثقة به في المعاملة، بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها من أهل الكوفة أو دفع مالا في الصرف على أن تشتري به من الصيارفة وتبيع منهم فباع بالكوفة من غير أهلها أو من غير الصيارفة جاز؛ لأن فائدة الأول التقييد بالمكان، وفائدة الثاني التقييد بالنوع وهذا هو المراد عرفا لا فيما وراء ذلك.
قال: وكذلك إن وقت للمضاربة وقتا بعينه، يبطل العقد بمضيه؛ لأنه توكيل فيتوقت بما وقته، والتوقيت مفيد، فإنه تقييد بالزمان فصار كالتقييد بالنوع والمكان.

قال: وليس للمضارب أن يشتري من يعتق على رب المال لقرابة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني لو قال رب المال خذه مضاربة على أن تشتري إلى آخره م: (لأنه) ش: أي لأن تقييده م: (مفيد لزيادة الثقة به) ش: أي بفلان م: (في المعاملة) ش: لتفاوت الناس في المعاملات قضاء واقتضاء ومسافة في الحساب، وفي التنزه عن الشبهات، وبقولنا قال أحمد. وقال الشافعي ومالك - رحمهما الله -: لا يصح هذا التقييد فلا تصح المضاربة ولنا ما ذكرنا. م: (بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها) ش: أي المضاربة. وأراد بها مال المضاربة م: (من أهل الكوفة أو دفع مالا في الصرف على أن تشتري به من الصيارفة وتبيع منهم فباع بالكوفة من غير أهلها) ش: أي من غير أهل الكوفة م: (التقييد بالمكان) ش: وهو الكوفة م: (وفائدة الثاني) ش: وهو قوله: على أن تشتري من الصيارفة م: (التقييد بالنوع) ش: وهو بيع الصرف م: (وهذا هو المراد عرفًا) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال في هذا عدول عن ظاهر اللفظ، فإن ظاهره يقتضي شراءه من كوفي لا من غيره، سواء كان في الكوفة أو في غيرها. وتقدير الجواب: أن مقتضى اللفظ قد يترك به بدلالة العرف، والعرف في ذلك والمنع عن الخروج من الكوفة صيانة لماله، وقد حصل. ولما لم يخص المعاملة في الصرف بشخص بعينه مع تفاوت الأشخاص دل على أن المراد به فرع الصرف وقد حصل م: (لا فيما وراء ذلك) ش: يعني غير المكان في الأول والنوع في الثاني.

[الحكم لو وقت رب المال للمضاربة وقتًا بعينه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك إن وقت للمضاربة وقتًا بعينه يبطل العقد بمضيه) ش: يعني أن التوقيت بالزمان مفيد، فكان كالتقييد بالنوع والمكان م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المضاربة م: (توكيل فيتوقف بما وقته) ش: كالوكالة الموقتة، وبه قال أحمد في ظاهر روايته وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية: لا يصح توقيته، لأنه يؤدي إلى ضرر بالعامل. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن شرط المدة على أن يبيع بعدها لم يصح وإن شرط على أن لا يشتري بعدها صح. ولنا ما ذكره من قوله م: (والتوقيت مفيد، فإنه تقييد بالزمان، فصار كالتقييد بالنوع) ش: نحو الطعام م: (والمكان) ش: نحو الكوفة.

[حكم شراء المضارب من يعتق على رب المال]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للمضارب أن يشتري من يعتق على رب المال لقرابة)

(10/58)


أو غيرها؛ لأن العقد وضع لتحصيل الربح، وذلك بالتصرف مرة بعد أخرى ولا يتحقق فيه لعتقه، ولهذا لا يدخل في المضاربة شراء ما لا يملك بالقبض كشراء الخمر والشراء بالميتة، بخلاف البيع الفاسد لأنه يمكنه بيعه بعد قبضه فيتحقق المقصود.
قال: ولو فعل صار مشتريا لنفسه دون المضاربة؛ لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: مثل أبيه وابنه م: (أو غيرها) ش: أي أو غير قرابة، يعني يعتق عليه، ولكن قرابة بل لوجه آخر، نحو المحلوف بعتقه، وبه قال أكثر الفقهاء إذا كان بغير إذن رب المال وإذا كان بإذنه يصح وتنفع المضاربة م: (لأن العقد وضع لتحصيل الربح، وذلك) ش: أي تحصيل الربح م: (بالتصرف مرة بعد أخرى ولا يتحقق) ش: أي التصرف مرة بعد أخرى، م: (فيه) ش: أي في شراء من يعتق عليه.
م: (لعتقه) ش: أي لعتق من يعتق عليه بالشراء فلا يبقى التصرف بعد ذلك، وفي هذا إشارة على الفرق بين المضاربة والوكالة، فإن الوكيل بشراء عبد مطلقًا إن اشترى من يعتق على موكله لم يكن مخالفًا، وذلك لأن الربح المحتاج إلى تكرر التصرف ليس بمقصود في الوكالة، حتى لو كان مقصود الموكل وقيد بقوله اشتر لي عبدًا أبيعه فاشترى من يعتق عليه كان مخالفًا.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون هذا العقد وضع لتحصيل الربح م: (لا يدخل في المضاربة شراء ما لا يملك بالقبض كشراء الخمر والشراء بالميتة) ش: لانتفاء التصرف فيه لتحصيل الربح.
م: (بخلاف البيع الفاسد) ش: يعني يدخل في المضاربة البيع الفاسد، لأن المبيع يملك بالقبض فيدخل م: (لأنه يمكنه بيعه بعد قبضه) ش: أي لأن المضارب يمكنه بيع المبيع في البيع الفاسد بعد قبضه إياه، فلا يكون مخالفًا بالبيع الفاسد م: (فيتحقق المقصود) ش: وهو تحصيل الربح، وعند الثلاثة يصير مخالفًا بالبيع الفاسد كما في البيع الباطل.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو فعل) ش: أي ولو اشترى المضارب من يعتق على رب المال م: (صار مشترياً لنفسه دون المضاربة، لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف) ش: قيد بقوله متى وجد نفاذا احترازًا عن الصبي والعبد المحجورين فإن شراءهما يتوقف على إجارة الولي والمولى وإن كان نقد الثمن من مال المضاربة بتخيير رب المال بين أن يسترد المقبوض من البائع، ويرجع البائع على المضارب وبين أن يضمن المضارب مثل ذلك لأنه قضى بمال المضاربة دينًا عليه.
وقال مالك: إن كان العامل عالمًا موسرًا بيع منه بقدر رأس المال، وإن كان غير عالم عتق على رب المال ولا غرم على العامل، وعلى هذا لو ظهر ربح يرجع العامل على رب المال بحصته

(10/59)


قال: فإن كان في المال ربح لم يجز له أن يشتري من يعتق عليه؛ لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال أو يعتق على الاختلاف المعروف، فيمتنع التصرف، فلا يحصل المقصود. وإن اشتراهم ضمن مال المضاربة؛ لأنه يصير مشتريا العبد لنفسه فيضمن بالنقد من مال المضاربة. وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم؛ لأنه لا مانع من التصرف إذ لا شركة له فيه ليعتق عليه، فإن زادت قيمتهم بعد الشراء عتق نصيبه منهم لملكه بعض قريبه. ولم يضمن لرب المال شيئا؛ لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة؛ لأن هذا شيء يثبت من طريق الحكم، فصار كما إذا ورثه مع غيره ويسعى العبد في قيمة نصيبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان في المال ربح لم يجز له) ش: أي المضارب م: (أن يشتري من يعتق عليه) ش: أي على المضارب م: (لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال) ش: لانتفاء جواز بيعه لكونه مستسعى لا يجوز بيعه م: (أو يعتق) ش: أي العبد كله عندهما أشار إلى هذا بقوله: م: (على الاختلاف المعروف) ش: وهو أن الإعتاق يتجزأ عندنا خلافًا لهما م: (فيمتنع التصرف، فلا يحصل المقصود) ش: وهو الاسترباح.
وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وفي قول: يصح ولا يعتق؛ لأنه لا يملك الربح بمجرد الظهور على تمليكه بالقسمة، وبه قال أحمد في رواية وفي وجه: وإن لم يكن في المال ربح يصح بمثل وبالإجماع.
م: (وإن اشتراهم) ش: أي وإن اشترى المضارب من يعتق عليه م: (ضمن مال المضاربة، لأنه يصير مشترياً العبد لنفسه فيضمن بالنقد من مال المضاربة وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم لأنه لا مانع من التصرف إذ لا شركة له فيه ليعتق عليه) ش: يعني لا شركة للمضارب في المال حتى يعتق عليه من يشتريه، أي على المضارب.
م: (فإن زادت قيمتهم بعد الشراء عتق نصيبه منهم) ش: أي نصيب المضارب من الذي اشتراهم ممن يعتق عليه، وبه قال الشافعي في وجه ومالك في رواية وأحمد في رواية م: (لملكه) ش: أي لملك المضارب م: (بعض قريبه ولم يضمن لرب المال شيئًا، لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة) ش: وهو نصيبه من الربح.
م: (لأن هذا) ش: أشار ما ذكر من زيادة القيمة ومن ملك الزيادة م: (شيء يثبت من طريق الحكم) ش: يعني لا اختيار له فيه. وعند الشافعي وأحمد في وجه ومالك في رواية يضمن إن كان موسرًا م: (فصار كما إذا ورثه مع غيره) ش: كامرأة اشترت ابن زوجها فماتت وتركته زوجًا وأخًا أعتق نصيب الزوج ولا يضمن شيئًا لأخيها م: (ويسعى العبد في قيمة نصيبه) ش: أي

(10/60)


منه؛ لأنه احتسبت ماليته عنده فيسعى فيه، كما في الوراثة.
قال: فإن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة والمدعي موسر فإن شاء رب المال استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين، وإن شاء أعتق. ووجه ذلك أن الدعوة صحيحة في الظاهر حملا على فراش النكاح لكنه لم ينفذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نصيب رب المال. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله وأحمد ومالك - رحمهما الله - إن كان المضارب معسرا م: (منه) ش: أي من العبد م: (لأنه احتسبت ماليته) ش: أي مالية العبد م: (عنده) ش: أي عند العبد م: (فيسعى فيه) ش: أي فيسعى العبد في نصيب رب المال م: (كما في الوراثة) ش: كأن ورث جماعة عبدا يعتق أحدهم نصيبه فإنه يسعى في نصيب الباقين لاحتباس المالية عنده.

[كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية فوطئها]
م: (قال: فإن كان مع المضارب ألف بالنصف) ش: ذكره تفريعا، وهو من مسائل الجامع الصغير، فلذلك ذكره بالفاء، أي إن كان مع المضارب ألف درهم مناصفة م: فاشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة والمدعي موسر) ش: أي والحال أن المدعي للولد وهو المضارب موسر.
قيد بقوله لنفي الشبهة وهو أن الضمان بسبب دعوة المضارب ضمان إعتاق في حق المولى وضمان الإعتاق يختلف باليسار والإعسار، فينبغي أن يضمن المضارب لرب المال إذا كان موسرا مع ذلك لا يضمن.
وفي " مغني " الحنابلة: إن ظهر ربح في المال يصح دعوة وتصير الجارية أم ولد له ويعتق الولد بالقيمة وإن لم يظهر ربح قبل العلوق فالولد رقيق لأنه علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك، وقال مالك يضمن قيمته يوم الوطء في رواية إن ظهر ربح قبل العلوق.
وقيد بقوله ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة لأنه إذا لم تزد قيمته على ألف فدعوة المضارب باطلة لأنه لا يملك واحدا من الولد والأم لأن كلا منهما مشغول برأس المال وانتفى الحد لاحتمال تعلق حقه به على تقدير ظهور الربح ولا يثبت النسب لعدم الملك أصلا، ويضمن العقد وله أن يبيع الأم والولد لأنهما مال المضاربة.
م: (فإن شاء رب المال استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين، وإن شاء أعتق، ووجه ذلك) ش: أي الحكم المذكور م: (أن الدعوة صحيحة في الظاهر) ش: بصدورها من أهلها في محلها م: (حملا على فراش النكاح) ش: بأن زوجها منه البائع ثم باعها منه فوطئها فعلقت منه م: (لكنه) ش: أي لكن الادعاء بالولد م: (لم ينفذ) ش: أي في حق المعتق.

(10/61)


لفقد شرطه وهو الملك لعدم ظهور الربح لأن كل واحد منهما أعني الأم والولد مستحق برأس المال كمال المضاربة إذا صار أعيانا كل عين منها يساوي رأس المال لا يظهر الربح، كذا هذا. فإذا زادت قيمة الغلام الآن ظهر الربح ونفذت الدعوة السابقة، بخلاف ما إذا أعتق الولد، ثم إذا زادت القيمة لأن ذلك إنشاء العتق، فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك بحدوث الملك، أما هذا فإخبار فجاز أن ينفذ عند حدوث الملك، كما إذا أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لفقد شرطه وهو الملك) ش: أو شبهة في الولد م: (لعدم ظهور الربح، لأن كل واحد منهما أعني الأم والولد مستحق برأس المال) ش: لأنه يحتمل لأن يهلك أحدهما فيتعين الآخر لرأس المال فلا يظهر الربح م: (كمال المضاربة إذا صار كل عين منها يساوي رأس المال) ش: كما لو اشترى برأس المال عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا فإنه م: (لا يظهر الربح) ش: عندنا خلافا لزفر م: (كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه فإذا لم يظهر الربح لم يكن للمضارب في الجارية ملك، وبدون الملك لا يثبت الاستيلاد.
واعترض بوجهين: أحدهما، أن الجارية كانت متعينة لرأس المال قبل الولد فتبقى كذلك وتعين أن يكون الولد كله ربحا. والثاني: أن المضارب إذا اشترى بألف لمضاربة فرسين كل واحد منهما يساوي ألفا كان له ربعهما، حتى لو وهب ذلك لرجل وسلمه صح.
أجيب: عن الأول بأن تعينها كان لعدم المزاعم لا لأنها رأس المال، فإن رأس المال هو الدراهم وبعد الولد تحققت المزاحمة فذهب تعينها ولم يكن أحدهما أولى لذلك من الآخر فاستقلا برأس المال.
وعن الثاني: بأن المراد بقوله أعيانا أجناس مختلفة والفرسان جنس واحد فيقسمان جملة واحدة، وإذا اعتبرا جملة حصل البعض ربحا، بخلاف العبدين، فإنهما يقسمان جملة واحدة، بل كل واحد يكون بيعها على حيالة لكون الرقيق أجناسا مختلفة عند أبي حنيفة قولا واحدا، وعنده أيضا في رواية كتاب المضارب.
م: (فإذا زادت قيمة الغلام الآن) ش: أي على مقدار رأس المال م: (ظهر الربح ونفذت الدعوة السابقة) ش: لأن سببها كان موجودا وهو فراش النكاح، فيثبت النسب منه، ولكن لم ينفذ الوجود المانع وهو عدم الملك، فإذا زال المانع صار نافذا.
م: (بخلاف ما إذا أعتق) ش: أي المضارب م: (الولد ثم زادت القيمة) ش: أي قيمة الولد فلا يعتق م: (لأن ذلك إنشاء العتق) ش: فلم يصادف محله لعدم الملك فكان باطلا م: (فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك بحدوث الملك، أما هذا) ش: أي ادعاء النسب م: (فإخبار فجاز أن ينفذ عند حدوث الملك كما إذا أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه) ش: فإنه يعتق عليه.

(10/62)


فإذا صحت الدعوة وثبت النسب عتق الولد لقيام ملكه في بعضه ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمة الولد؛ لأن عتقه ثبت بالنسب والملك، والملك آخرهما فيضاف إليه ولا صنع له فيه، وهذا ضمان إعتاق فلا بد من التعدي ولم يوجد. وله أن يستسعي الغلام؛ لأنه احتبست ماليته عنده وله أن يعتق؛ لأن المستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويستسعيه في ألف ومائتين وخمسين لأن الألف مستحق برأس المال، والخمسمائة ربح، والربح بينهما، فلهذا يسعى له في هذا المقدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإذا صحت الدعوة وثبت النسب عتق الولد) ش: أي عندهما م: (لقيام ملكه في بعضه، ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمة الولد) ش: موسرا كان أو معسرا.
وقال الشافعي في وجه وأحمد في رواية ومالك: يضمن له حصته، إن كان موسرا لوجود الصنع منه دعوة النسب فيضمن إذا ملكه.
ولنا ما ذكره من قوله م: (لأن عتقه ثبت بالنسب والملك، والملك آخرهما) ش: يعني وجودا م: (فيضاف) ش: أي الحكم م: (إليه) ش: أي إلى الملك، لأن الحكم إذا ثبت بعلة ذات وصفين يضاف آخرهما وجودا.
أصله مسألة السفينة والقدح المسكر، ودليله ما روي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلا أقر بين يديه بالزنا ثلاثا، فقال: إياك والرابعة فإنها الموجبة.
م: (ولا صنع له) ش: أي المضارب م: (فيه) ش: أي في ثبوت الملك، لأنه شاركه بازدياد القيمة، ولا صنع له فيه، فلا يكون متعديا م: (وهذا ضمان إعتاق، فلا بد من التعدي ولم يوجد) ش: وإذا انتفى الضمان يبقى أحد الأمرين الآخرين من الاستسعاء والإعتاق، أشار إليه بقوله م: (وله) ش: أي لرب المال.
م: (أن يستسعي الغلام، لأنه احتبست ماليته عنده وله أن يعتق؛ لأن المستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويستسعيه في ألف ومائتين وخمسين، لأن الألف مستحق برأس المال، والخمسمائة ربح، والربح بينهما، فلهذا يسعى له) ش: أي لرب المال م: (في هذا المقدار) ش: يعني في ألف ومائتين وخمسين.
فإن قيل: لم لا يجعل الجارية رأس المال والولد كله ربحا.
قيل: لأن ما يجب على الولد بالسعاية من جنس رأس المال والجارية ليست من ذلك، فكان تعيين الألف من السعاية لرأس المال أنست للتجانس، وهذا السؤال والجواب ذكرهما في " الكافي ".

(10/63)


ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المدعي نصف قيمة الأم؛ لأن الألف المأخوذ لما استحق برأس المال لكونه مقدما في الاستيفاء ظهر أن الجارية كلها ربح فتكون بينهما وقد تقدمت دعوة صحيحة لاحتمال الفراش الثابت بالنكاح وتوقف نفاذها لفقد الملك، فإذا ظهر الملك نفذت تلك الدعوة وصارت الجارية أم ولد له ويضمن نصيب رب المال؛ لأن هذا ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعي صنعا كما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ملكها هو وغيره وراثة يضمن نصيب شريكه، كذا هذا، بخلاف ضمان الولد على ما مر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال صاحب " العناية ": وفيه نظر لأنا جعلنا الجارية رأس المائة وقد عتقت بالاستيلاد وجبت قيمتها على المضارب وهي من جنس رأس المال.
قلت: الولد زاحمها فتربح بسبب ظهور المربح من جهته.
م: (ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المدعي) ش: وهو المضارب م: (نصف قيمة الأم، لأن الألف المأخوذ) ش: أي من الولد م: (لما استحق برأس المال لكونه مقدما في الاستيفاء) ش: على الربح م: (ظهر أن الجارية كلها ربح، فتكون بينهما وقد تقدمت دعوة صحيحة) ش: من المضارب. م: (لاحتمال الفراش الثابت بالنكاح وتوقف نفاذها لفقد الملك، فإذا ظهر الملك نفذت تلك الدعوة) ش: السابقة.
م: (وصارت الجارية أم ولد له، ويضمن نصيب رب المال، لأن هذا ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعي صنعا) ش: بل يعتمد الملك وقد حصل م: (كما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ملكها هو وغيره وراثة) ش: أي من جهة الوراثة فإنه م: (يضمن نصيب شريكه) ش: كالأخ تزوج جارية أخيه فمات الزوج وترك الجارية ميراثا بين الزوج وأخ آخر فإن الزوج ملكها بغير صنعه، فيضمن نصيب شريكه م: (كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه.
م: (بخلاف ضمان الولد) ش: فإنه ضمان إعتاق، وهو إتلاف فلا بد من التعدي وهو لا يتحقق بدون صنعه م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله لأن عتقه بالنسب والملك، والملك آخرهما ولا صنع له فيه، والله أعلم.

(10/64)


باب المضارب يضارب قال: وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن له رب المال لم يضمن بالدفع ولا بتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن بالدفع عمل أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المملوك له الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة. ولهما أن الدفع إيداع حقيقة، وإنما يتقرر كونه للمضاربة بالعمل، فكان الحال مراعى قبله، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع، والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما، إلا أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[أحكام المضارب حال كونه يضارب]
[دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن]
م: (باب المضارب يضارب) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام المضارب حال كونه يضارب. وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع حالا يكتفى فيه بالضمير.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن) ش: والحال أنه لم يأذن م: (له رب المال لم يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والثلاثة يضمن بمجرد الدفع وهو رواية عن أبي يوسف، لأنه يصير مخالفا على ما يجيء الآن.
م: (ولا بتصرف المضارب الثاني) ش: أي ولا يضمن أيضا بتصرف المضارب الثاني م: (حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول) ش: أي فإذا ربح المضارب الثاني ضمن المضارب الأول م: (لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع.
م: (عمل) ش: أي الثاني م: (أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المملوك له) ش: أي للمضارب، أراد أن الذي يملكه المضارب هو م: (الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة) ش: فصار مخالفا فيضمن.
م: (ولهما أن الدفع إيداع حقيقة) ش: لأنه أمانة فلا تمليك وله ولاية الإيداع م: (وإنما يتقرر كونه للمضاربة العمل، فكان الحال مراعى) ش: أي موقوفا م: (قبله) ش: أي قبل العمل إن عمل ضمن وإلا فلا.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما) ش: أي بالإيداع والإبضاع م: (إلا أنه) ش: أي أن المضارب الثاني.

(10/65)


إذا ربح فقد ثبت له شركة في المال فيضمن كما لو خلطه بغيره، وهذا إذا كانت المضاربة صحيحة، فإن كانت فاسدة لا يضمنه الأول وإن عمل الثاني لأنه أجير فيه، وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به، ثم ذكر في الكتاب يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل: ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع. وقيل: رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(إذا ربح فقد ثبت له) ش: أي فقد أثبت المضارب الأول لرب المال م: (شركة في المال فيضمن) ش: لاشتراك الغير في ربح مال رب المال وفي ذلك إتلاف فيوجب الضمان م: (كما لو خلطه بغيره) ش: مال المضاربة بغير مالها.
م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الأول أو عليهما بالربح والعمل على ما ذكرنا م: (إذا كانت المضاربة صحيحة) ش: أطلق المضاربة ولم يبين أن المراد بها المضاربة الأولى والثانية أو كلتيهما ليتناول كلا منهما، فإن الأولى إذا كانت فاسدة أو الثانية أو كلتيهما جميعا لم يضمن الأول، لأن الثاني أجير فيه وله أجر مثله فلم يثبت الشركة الموجبة للضمان، وكذا لو كانت الأولى جائزة والثانية فاسدة فلا ضمان لما ذكرنا، وكذا إذا كانت الأولى فاسدة والثانية جائزة، وإنما يجب الضمان عليهما إذا كانت المضاربتان جائزتين.
فإن قيل: إذا كانت الأولى فاسدة لم يتصور جواز الثانية، لأن مبناها على الأولى فلا يستقيم التقسيم.
أجيب: بأن المراد جواز الثانية حينئذ ما يكون جائزا بحسب الصورة بأن يكون المشروط الثاني من الربح مقدار ما يجوز به المضاربة في الجملة بأن كان المشروط للأول نصف الربح ومائة مثلا وللثاني نصفه.
م: (فإن كانت) ش: أي المضاربة م: (فاسدة لا يضمنه الأول) ش: أي المضارب الأول م: (وإن عمل الثاني) ش: أي المضارب الثاني م: (لأنه أجير فيه وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به) ش: أي الشركة الموجبة للضمان للعمل.
م: (ثم ذكر في الكتاب) ش: أي مختصر القدوري م: (يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع) ش: فإن مودع المودع لا يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما.
م: (وقيل رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع) ش: أي بإجماع أصحابنا لحصول التعدي منهما من الأول دفع مال الغير، ومن الثاني الأخذ، م: (وهو

(10/66)


المشهور، وهذا عندهما ظاهر، وكذا عنده. ووجه الفرق له بين هذه وبين مودع المودع: أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول، فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه فجاز أن يكون ضامنا، ثم إن ضمن الأول صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا؛ لأنه ظهر أنه ملكه بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على وجه الذي رضي به، فصار كما إذا دفع مال نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول بالعقد؛ لأنه عامل له فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشهور) ش: يعني هذا القول هو المشهور من المذهب م: (وهذا عندهما ظاهر) ش: لأنهما يضمنان مودع المودع م: (وكذا عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على قول من يقول أنه يضمن عنده أيضا.
ولكن يحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة ومسألة مودع المودع، أشار إليه بقوله م: (ووجه الفرق له) ش: أي لأبي حنيفة م: (بين هذه) ش: أي المسألة التي نحن فيها م: (وبين مودع المودع أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول) ش: لا لنفسه م: (فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه) ش: يعني لمنفعة نفسه من حيث شركته في الربح م: (فجاز أن يكون ضامنا ثم إن ضمن) ش: أي رب المال. م: (الأول) ش: أي المضارب الأول م: (صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا، لأنه ظهر أنه ملكه) ش: أي لأن المضارب الأول ملك مال المضاربة م: (بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على الوجه الذي رضي به) ش: أي رب المال، فإنه لم يرض بدفع المال إلى غيره م: (فصار كما إذا دفع مال نفسه) ش: فصحت المضاربة.
م: (وإن ضمن الثاني) ش: أي وإن ضمن رب المال المضارب الثاني م: (رجع على الأول بالعقد) ش: أي بسببه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية إن لم يعلم بحال المضارب الأول، وإن علم لم يرجع عليه بشيء رواية واحدة. وفي بعض النسخ موضع بالعقد بالعهدة، أي بالضمان، لأنه التزم له سلامة المقبوض.
فإن قيل، ينبغي أن يفسد الدفع إلى الثاني لأنه في ضمن المضاربة الأولى فيفسد بفساده.
قلت: الدفع أمر حسي والاقتضاء لا يثبت في الحسي، وإنما هذا في أمر شرعي. م: (لأنه) ش: أي المضارب الثاني م: (عامل له) ش: أي للأول م: (فيه) ش: أي في ذلك العمل.
قيل: في كلامه تناقض، لأنه قال قبل هذا يعمل فيه لمنفعة نفسه، وهاهنا قال: لأنه عامل للمضارب الأول.
والجواب أن الجهة مختلفة، لأن الثاني عامل لنفسه بسبب شركته في الربح، وعامل لغيره بسبب أنه في الابتداء مودع وعمل المودع وهو الحفظ للمودع فاندفع التناقض لعدم اتحاد

(10/67)


كما في المودع، ولأنه مغرور من جهته في ضمن العقد. وتصح المضاربة والربح بينهما على ما شرطا؛ لأن إقرار الضمان على الأول فكأنه ضمنه ابتداء يطيب الربح للثاني، ولا يطيب للأعلى؛ لأن الأسفل يستحقه بعمله ولا خبث في العمل والأعلى يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان فلا يعرى عن نوع خبث.
قال: وإذا دفع إليه رب المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث وقد تصرف الثاني وربح، فإن كان رب المال قال له: على أن ما رزق الله تعالى فهو بيننا نصفان، فلرب المال النصف وللمضارب الثاني الثلث، وللمضارب الأول السدس؛ لأن الدفع إلى الثاني مضاربة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجهة م: (كما في المودع) ش: يعني كما في المودع الغاصب إذا ضمن يرجع على الغاصب بما ضمن م: (ولأنه) ش: أي الثاني م: (مغرور من جهته) ش: أي من جهة الأول فإنه قد غره. وفي بعض النسخ معذور بالذال من العذر م: (في ضمن العقد) ش: أي العقد الذي بين الأول والثاني، لأنه اعتمد والأول غر.
م: (وتصح المضاربة والربح بينهما على ما شرطا) ش: أي بين المضاربين، وقال الشافعي وأحمد: الربح لمالكه لا شيء للمضارب الأول للثاني أجر مثله على الروايتين. وقال مالك: إن اتفق الخسران فالربح بين المال والعامل الثاني ولا شيء للأول، وإن اختلفا وكان الأول أكثر فالزائد للمالك، وإن كان العقد أقل فلرب المال شرطه ويرجع الثاني على العامل الأول.
وقيل: للعامل حصة كاملة ويرجع المالك على الأول بباقي حصته م: (لأن إقرار الضمان على الأول) ش: يثبت الملك له. وقوله على الأول خبر أن م: (فكأنه) ش: أي فكأن رب المال م: (ضمنه ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (ويطيب الربح للثاني) ش: أي للمضارب الثاني.
م: (ولا يطيب) ش: أي الربح م: (للأعلى) ش: وهو المضارب الأول م: (لأن الأسفل) ش: وهو المضارب الثاني م: (يستحقه بعمله ولا خبث في العمل والأعلى يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان) ش: لأنه يستحقه برأس المال والملك في رأس المال حصل بأداء الضمان مستندا م: (فلا يعرى عن نوع خبث) ش: لأن الملك الحاصل بأداء الضمان مستند ثابت من وجه دون وجه فإذا كان كذلك فسبيله التصدق.

[دفع إليه المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا دفع إليه) ش: أي إلى المضارب م: (رب المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث وقد تصرف الثاني) ش: أي المضارب الثاني. م: (وربح فإن كان رب المال قال له) ش: أي للمضارب الأول م: (على أن ما رزق الله تعالى فهو بيننا نصفان فلرب المال النصف وللمضارب الثاني الثلث وللمضارب الأول السدس، لأن الدفع إلى الثاني مضاربة) ش: أي لأن دفع الأول إلى الثاني حال كون الدفع مضاربة.

(10/68)


قد صح لوجود الأمر به من جهة المالك ورب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى فلم يبق للأول إلا النصف فينصرف تصرفه إلى نصيبه وقد جعل من ذلك بقدر ثلث الجميع للثاني، فيكون له، فلم يبق إلا السدس ويطيب لهما ذلك؛ لأن فعل الثاني واقع للأول، كمن استؤجر على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر غيره عليه بنصف درهم، وإن كان قال له: على أن ما رزقك الله فهو بيننا نصفان فللمضارب الثاني الثلث والباقي بين المضارب الأول ورب المال نصفان؛ لأنه فوض إليه التصرف وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول، وقد رزق الثلثين فيكون بينهما بخلاف الأول؛ لأنه جعل لنفسه نصف جميع الربح فافترقا. ولو كان قال له: فما ربحت من شيء فبيني وبينك نصفين، وقد دفع إلى غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قد صح لوجود الأمر به) ش: أي بالدفع م: (من جهة المالك ورب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى، فلم يبق للأول) ش: أي للمضارب المال م: (إلا النصف) ش: بمقتضى الشرط م: (فينصرف تصرفه إلى نصيبه وقد جعل من ذلك) ش: أي نصيبه م: (بقدر ثلث الجميع للثاني فيكون له، فلم يبق إلا السدس ويطيب لهما ذلك) ش: أي يطيب للمضارب الأول السدس والثاني الثلث والأول وإن لم يعمل بنفسه فقد باشر العقدين. ألا ترى أنه لو يضع المال مع غيره أو أبضعه رب المال حتى ربح كان نصيب المضارب من الربح طيبا وإن لم يعمل بنفسه.
وعلل المصنف بقوله: م: (لأن فعل الثاني واقع للأول كمن استؤجر على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر غيره عليه) ش: أي استأجر المستأجر غيره على عمل الخياطة م: (بنصف درهم) فإن النصف الآخر يطيب للمستأجر الذي استأجر، لأن العمل وقع له، فكذا م: (وإن كان قال له) ش: ش: أي وإن كان رب المال قال للمضارب م: (على أن ما رزقك الله فهو بيننا نصفان) ش: يعني قال ذلك بكاف الخطاب، وكذا الحكم لو قال ما ربحت في هذا من شيء، أو قال على أن ما كسبت فيه من كسب أو قال على أن ما رزقت من شيء وقال على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان.
أو قال اعمل فيه برأيك م: (فللمضارب الثاني الثلث والباقي بين المضارب الأول ورب المال نصفان، لأنه فوض إليه التصرف وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول، وقد رزق الثلثين فيكون بينهما) ش: أي الثلثان بين رب المال والمضارب الأول، لأنه شرط نصف ما يحصل وما شرط نصف الجميع م: (بخلاف الأول) ش: أي الوجه الأول م: (لأنه) ش: أي لأن رب المال م: (جعل لنفسه نصف جميع الربح فافترقا) ش: أي الحكمان.
م: (ولو كان قال له: فما ربحت من شيء فبيني وبينك نصفين) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، وقوله: نصفين نصب على الحال، وكذا الواو للحال في قوله: م: (وقد دفع إلى غيره

(10/69)


بالنصف، فللثاني النصف، والباقي بين الأول ورب المال؛ لأن الأول شرط للثاني نصف الربح، وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه، وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول، ولم يربح إلا النصف فيكون بينهما. ولو كان قال له: على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه، أو قال له: فما كان من فضل فبيني وبينك نصفان وقد دفع إلى الآخر مضاربة بالنصف فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ولا شيء للمضارب الأول؛ لأنه جعل لنفسه نصف مطلق الفضل فينصرف شرط الأول النصف للثاني إلى جميع نصيبه، فيكون للثاني بالشرط، ويخرج الأول بغير شيء. كمن استأجر ليخيط ثوبا بدرهم فاستأجر غيره ليخيطه بمثله. وإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح، فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ويضمن المضارب الأول للثاني سدس الربح في ماله؛ لأنه شرط للثاني شيئا هو مستحق لرب المال فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال لكن التسمية في نفسها صحيحة لكون المسمى معلوما في عقد يملكه وقد ضمن له السلامة فيلزمه الوفاء به، ولأنه غره في ضمن العقد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالنصف فللثاني النصف والباقي بين الأول ورب المال، لأن الأول شرط للثاني نصف الربح وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه، وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول ولم يربح إلا النصف فيكون بينهما) ش: أي بين الأول ورب المال.
م: (ولو كان قال له على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه، أو قال له فما كان من فضل فبيني وبينك نصفان وقد دفع) ش: أي والحال أن الأول قد دفع المال م: (إلى آخر مضاربة بالنصف فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ولا شيء للمضارب الأول، لأنه جعل لنفسه نصف مطلق الفضل فينصرف شرط الأول النصف للثاني إلى جميع نصيبه فيكون للثاني بالشرط ويخرج الأول بغير شيء) ش: لأنه جعل ما كان للثاني م: (كمن استأجر) ش: أي: رجلا م: (ليخيط ثوبا بدرهم فاستأجر) ش: أي المستأجر بفتح الجيم م: (غيره ليخيطه بمثله) أي بدرهم، فإنه لا يبقى له شيء.

م: (وإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ويضمن المضارب الأول للثاني سدس الربح في ماله) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب الأول م: (شرط للثاني شيئا هو مستحق لرب المال فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال) ش: أي إبطال حق رب المال.
م: (لكن التسمية في نفسها صحيحة لكون المسمى معلوما في عقد يملكه وقد ضمن له) ش: أي وقد ضمن المضارب الأول للثاني م: (السلامة فيلزمه الوفاء به) ش: أي بما ضمنه.
م: (ولأنه غره) ش: أي ولأن المضارب الأول غر الثاني م: (في ضمن العقد) ش: حيث

(10/70)


وهو سبب الرجوع، فلهذا يرجع عليه، وهو نظير من استؤجر لخياطة ثوب بدرهم فدفعه إلى من يخيطه بدرهم ونصف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرط له النصف م: (وهو) ش: أي الغرور في ضمن العقد.
م: (سبب الرجوع، فلهذا يرجع عليه) ش: أي فلأجل ذلك يرجع عليه قيد الغرور في ضمن العقد؛ لأن الغرور إذا لم يكن في ضمن العقد لا يكون موجبا للضمان، كما لو قال لآخر: هذا الطريق آمن فاسلكها وهو ليس بآمن فسلكها فقطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا ضمان عليه.
م: (وهو) ش: أي الحكم المذكور في الضمان م: (نظير من استؤجر لخياطة ثوب بدرهم فدفعه) ش: أي المستأجر بفتح الجيم م: (إلى من يخيطه بدرهم ونصف) ش: فإنه يقوم النصف من عنده، لأنه غره بالتسمية، فكذا هذا.

(10/71)


فصل قال: وإذا شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح على أن يعمل معه ولنفسه ثلث الربح فهو جائز؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح]
م: (فصل)
ش: الفصل مهما فصل لا ينون ومهما وصل ينون لأن الإعراب يكون بعد التركيب والتقدير هذا فصل في حكم كذا وكذا، ولما كان فيه حكم يغاير ما سبق فصله لذلك.
م: (قال: وإذا شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، أي وشرط أيضا لعبد رب المال ثلث الربح م: (على أن يعمل معه) ش: أي مع المضارب وكلمة على تجيء للشرط كما في قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) م: (ولنفسه ثلث الربح) ش: أي وشرط لنفس المضارب ثلث الربح م: (فهو جائز) ش: أي هذا الحكم وهذا العقد جائز، وذلك لأن اشتراط العمل عليه لا يمنع التخلية التي هي شرط صحة المضاربة، لأن للعبد يدا معتبرة، ولهذا لم يكن للمولى استرداد وديعة العبد من يد المودع، وإذا جازت المضاربة، كان نصيب العبد من الربح للمولى إن لم يكن عليه دين.
وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق بذلك كسائر أكسابه، بخلاف شرط العمل على رب المال، فإنه يمنع التخلية فلا تصح المضاربة، وقوله: لعبد رب المال ليس بقيد، لأن حكم عبد المضارب كذلك، وكذا لو شرط لأجنبي وكذا كل من لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له. وفي " الذخيرة ": إذا شرط في المضاربة بعض الربح لغير المضارب ورب المال فهو على وجوه:
الأول: إذا شرط ذلك لأجنبي، وفي هذا الوجه إن شرط عمل الأجنبي فالمضاربة جائزة والشرط باطل ويجعل المشروط للأجنبي كالمسكوت عنه، فيكون لرب المال.
الثاني: إذا شرط بعض الربح لعبد المضارب أو لعبد رب المال، قال شرط على العبد مع ذلك فالشرط جائز والمضاربة جائزة، وإن لم يشترط عمل العبد مع ذلك إن لم يكن على العبد دين صح الشرط سواء كان عبد المضارب أو عبد رب المال، وإن كان على العبد دين فإن كان عبد المضارب فعلى قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يصح الشرط، ويكون المشروط كالمسكوت عليه، فيكون لرب المال، وعندهما يصح ويجب الوفاء به، وإن كان عبد رب المال فالمشروط يكون لرب المال بلا خلاف.

(10/72)


لأن للعبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له، واشتراط العمل إذن له، ولهذا لا يكون للمولى ولاية أخذ ما أودعه العبد وإن كان محجورا عليه، ولهذا يجوز بيع المولى عبده المأذون، وإذا كان كذلك لم يكن مانعا من التسليم والتخلية بين المال والمضارب، بخلاف اشتراط العمل على رب المال لأنه مانع من التسليم على ما مر. وإذا صحت المضاربة يكون الثلث للمضارب بالشرط والثلثان للمولى؛ لأن كسب العبد للمولى إذا لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين فهو للغرماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والوجه الثالث: إذا شرط بعض الربح لمن لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له نحو الابن والمرأة والمكاتب ومن أشبههم فالجواب فيه كالجواب فيما إذا شرط بعض الربح لأجنبي.
والوجه الرابع: إذا شرط بعض الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال فهو جائز، ويكون المشروط للمشروط له فقضى دينه به، وقيل قيد بعبد رب المال لأن فيه خلافا لبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وفي غيره لا خلاف. وعند أكثر أصحاب الشافعي يصح اشتراط العمل على غلام رب المال كقولنا، وهو قول مالك وظاهر قول أحمد. م: (لأن للعبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له واشتراط العمل إذن له) ش: فيتحقق خروج المال من يد رب المال مع اشتراط عمله فصح، سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه في حق المضاربة كعبد أجنبي آخر م: (ولهذا) ش: أي: ولكون يد العبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له م: (لا يكون للمولى ولاية أخذ ما أودعه العبد وإن كان محجورا عليه) ش: أراد لا يجوز له استرداد ما أودعه العبد من يد المودع م: (ولهذا) ش: أي ولعدم ولاية الأخذ للمولى من مودعه م: (يجوز بيع المولى عبده المأذون) ش: يعني إذا كان مديونا وهذا بالإجماع، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأن المولى من عبده المأذون أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين، وأما عندهما فلأن جواز البيع يعتمد الفائدة وقد وجدت على ما يجيء في المأذون إن شاء الله تعالى. م: (وإذا كان كذلك) ش: يعني إذا كان الحكم ما ذكرنا من كون يد العبد معتبرة وجواز بيع المولى منه إذا كان مأذونا له مديونا م: (لم يكن) ش: أي اشتراط ثلث الربح لعبد رب المال مع اشتراط العمل عليه م: (مانعا من التسليم والتخلية بين المال والمضارب، بخلاف اشتراط العمل على رب المال لأنه) ش: أي لأن اشتراطه على رب المال م: (مانع من التسليم) ش: والتخلية إذا كان إلغاء فقد بطل م: (على ما مر) ش: أي عند قوله وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، لأنه يمنع خلوص يد المضارب م: (وإذا صحت المضاربة) ش: المذكورة م: (يكون الثلث) ش: أي ثلث الربح م: (للمضارب بالشرط والثلثان للمولى، لأن كسب العبد للمولى إذا لم يكن عليه دين) ش: لأن العبد وما في يده لمولاه.
م: (وإن كان عليه دين) ش: أي على العبد م: (فهو للغرماء) ش: لأن المولى لا يملك إكساب

(10/73)


هذا إذا كان العاقد هو المولى، ولو عقد العبد المأذون عقد المضاربة مع أجنبي وشرط العمل على المولى لا يصح إن لم يكن عليه دين؛ لأن هذا اشتراط العمل على المالك وإن كان على العبد دين صح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى بمنزلة الأجنبي عنده على ما عرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبد المديون.
م: (هذا) ش: أي الذي ذكرناه من الحكم م: (إذا كان العاقد هو المولى. ولو عقد العبد المأذون عقد المضاربة مع أجنبي وشرط العمل على المولى لا يصح إن لم يكن عليه دين، لأن هذا) ش: الشرط م: (اشتراط العمل على المالك) ش: واشتراط العمل على المالك يفسد المضاربة على ما مر.
م: (وإن كان على العبد) ش: أي العبد المأذون له المذكور م: (دين صح) ش: أي اشتراط العمل على المولى م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى بمنزلة الأجنبي عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (على ما عرف) ش: أي في كتاب المأذون.
وعندهما: لا يصح هذا، فحينئذ الاشتراط على المولى يفسد، وبه قالت الأئمة الثلاثة.

(10/74)


فصل في العزل والقسمة قال: وإذا مات رب المال والمضارب بطلت المضاربة؛ لأنه توكيل على ما تقدم، وموت الموكل يبطل الوكالة، وكذا موت الوكيل ولا تورث الوكالة وقد مر من قبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في العزل والقسمة]
[موت رب المال والمضارب]
م: (فصل في العزل والقسمة)
ش: أي عزل المضارب وفي بيان أحكام القسمة، أي قسمة المضارب قاله السغناقي، والأولى أن يقال قسمة الربح على ما لا يخفى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا مات رب المال والمضارب) ش: أي أو مات المضارب م: (بطلت المضاربة لأنه) ش: أي لأن المضاربة، وتذكير الضمير إما باعتبار العقد وإما باعتبار المذكور.
ولو قال لأنها كان أولى م: (توكيل) ش: أراد أن مبناها على الوكالة، لأن المضاربة عقد على الشركة بمال أحد الجانبين والعمل من الآخر، فإذا كان مبناها على الوكالة تبطل بموتهما أو موت أحدهما كما في الوكالة م: (على ما تقدم) ش: في قوله في أول الباب وهو وكيل فيه، لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه.
م: (وموت الموكل يبطل الوكالة) ش: لأن الوكالة عقد جائز غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء فيشترط قيام الأمر في كل ساعة م: (وكذا) ش: أي تبطل الوكالة عند م: (موت الوكيل) ش: لقيامها به ولا نعلم فيه خلافا م: (ولا تورث الوكالة) ش: لأنها غير لازمة كما ذكرنا فلا ينتقل إلى ورثته م: (وقد مر) ش: أي حكم بطلان الوكالة بموتهما أو موت أحدهما م: (من قبل) ش: أي من قبل هذا الباب، وأراد به باب عزل الوكيل في كتاب الوكالة.
ثم اعلم أن كون المضارب كالوكيل ليس بكلي بل يفترقان في مسائل: منها: أن الوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء فإنه يرجع به على الموكل، ثم لو هلك ما أخذه ثانيا لا يرجع به مرة بعد أخرى. وأما المضارب فيرجع به على رب المال مرة بعد أخرى إلى أن يصل الثمن إلى البائع.
وجه الافتراق أن شراء الوكيل يوجب الثمن عليه على البائع، وله على الموكل بعد الشراء صار مقضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض، فإذا هلك في ضمانه فلا يرجع ثانيا، وأما المضارب إذا رجع على المال فما يقبضه يكون أمانة في يده، فإذا هلك كان هلاكه على رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى، ولكن لو نظرنا إلى كون المال أمانة في أيديهما كان حكمهما واحدا من هذا الوجه.

(10/75)


وإن ارتد رب المال عن الإسلام والعياذ بالله ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة؛ لأن اللحوق بمنزلة الموت. ألا ترى أنه يقسم ماله بين ورثته، وقبل لحوقه يتوقف تصرف مضاربه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتصرف له فصار كتصرفه بنفسه. ولو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها؛ لأن له عبارة صحيحة ولا توقف في ملك رب المال فبقيت المضاربة. قال: فإن عزل رب المال المضارب ولم يعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها: أن رب المال لو ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما فالمضاربة بخلاف الوكالة على ما يجيء عن قريب.
ومنها: أن المضارب إذا اشترى بمال المضاربة عروضا ثم عزله رب المال عن المضاربة لا يعمل عزله وإن علم به بخلاف الوكيل على ما يجيء.
م: (وإن ارتد رب المال عن الإسلام - والعياذ بالله - ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة) ش: إذا لم يعد مسلما. أما إذا عاد مسلما جاز جميع ما فعل من البيع والشراء فكان عقد المضاربة على ما كان، بخلاف الوكالة حيث لا تعود بعود الموكل مسلما لخروج محل التصرف عن ملكه، وفي المضاربة لا يبطل لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة م: (لأن اللحوق) ش: بدار الحرب م: (بمنزلة الموت) ش: حكما م: (ألا ترى) ش: توضيح لكون اللحوق كالموت (أنه) ش: أي الشأن م: (يقسم ماله بين ورثته) ش: كما في الموت الحقيقي ويعتق مدبروه وأمهات أولاده. م: (وقبل لحوقه) ش: بدار الحرب م: (يتوقف تصرف مضاربه) ش: أي مضارب رب المال الذي ارتد عن الإسلام كالبطلان بالموت أو القتل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (يتصرف له) ش: أي لرب المال م: (فصار) ش: أي تصرف المضارب م: (كتصرفه) ش: أي كتصرف رب المال م: (بنفسه) ش: فلو تصرف رب المال في هذه الصورة لكان تصرفه موقوفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لارتداده فكذا تصرف نائبه وهو المضارب. م: (ولو كان المضارب هو المرتد) ش: بنصب الدال، لأنه خبر كان وهو ضمير الفصل م: (فالمضاربة على حالها) ش: في قولهم جميعا، حتى لو اشترى أو باع وربح أو خسر ثم قتل على ردته أو مات لحق بدار الحرب فإن جميع ما فعل من ذلك جائز والربح بينهما على ما اشترطا م: (لأن له) ش: أي للمضارب م: (عبارة صحيحة) ش: لكونه عاقلا بالغا م: (ولا توقف في ملك رب المال) ش: لأنه نائب أو متصرف في منافع نفسه، ولا حق لورثته في ذلك، بخلاف رب المال لأن التوقف فيه لتعلق حق ورثته بماله أو لتوقف ملكه باعتبار توقف نفيه، والعهدة في جميع ذلك على رب المال م: (فبقيت المضاربة) ش: الفاء جواب شرط محذوف والتقدير: وإذا كان كذلك فبقيت المضاربة على حالها.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن عزل رب المال المضارب ولم يعلم) ش: أي المضارب م:

(10/76)


بعزله حتى اشترى وباع فتصرفه جائز؛ لأنه وكيل من جهته وعزل الوكيل قصدا يتوقف على علمه، وإن علم بعزله والمال عروض فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك؛ لأن حقه قد ثبت في الربح، وإنما يظهر بالقسمة وهي تبتنى على رأس المال، وإنما ينض بالبيع، قال: ثم لا يجوز أن يشتري بثمنها شيئا آخر؛ لأن العزل إنما لم يعمل ضرورة معرفة رأس المال، وقد اندفعت حيث صار نقدا فيعمل العزل، فإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير وقد نضت لم يجز له أن يتصرف فيها؛ لأنه ليس في أعمال عزله إبطال حقه في الربح، فلا ضرورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بعزله) ش: أي بعزل رب المال إياه فالمصدر مضاف إلى فاعله وذكر المفعول مطوي، ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله وطوي ذكر الفاعل م: (حتى اشترى) ش: أي المضارب م: (وباع فتصرفه جائز لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (وكيل من جهته) ش: فلا ينعزل إلا بعلمه لأنه عزل قصدي فيتوقف على العلم، لأن العزل نهي والأحكام المتعلقة بالأمر والنهي لا يؤثر فيها النهي إلا بعد علم دليله أو أمر الشرع ونواهيه، أشار إلى ذلك بقوله م: (وعزل الوكيل قصدا) ش: أي عزلا قصدا، أو مقصودا، أو يكون حالا أي قاصدا م: (يتوقف على علمه) ش: أي علم الوكيل لما ذكرنا م: (وإن علم بعزله والمال) ش: أي من البيع عند أكثر أهل العلم فله أن يبيعها نقدا ونسيئة كما قبل العزل، حتى لو نهى رب المال عن البيع نسيئة لا يعمل نهيه، وكذا لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة كما قبل العزل.
م: (لأن حقه) ش: أي حق المضارب م: (قد ثبت في الربح، وإنما يظهر) ش: أي حقه في الربح م: (بالقسمة وهي) ش: أي القسمة م: (تبتنى على رأس المال) ش: بأن يكون نقدا م: (وإنما ينض) ش: أي ينقد م: (بالبيع) ش: بأن تباع العروض، حتى يصير أحد النقدين، ونض ينض من باب ضرب يضرب من التنضيض وهو خروج الماء عن الحجر أو نحوه قليلا قليلا، والناض عند أهل الحجاز: الدراهم والدنانير ومادته نون وضاد معجمة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ثم لا يجوز أن يشتري) ش: أي المضارب المعزول م: (بثمنها) ش: أي بثمن تلك العروض التي نضت م: (شيئا آخر، لأن العزل إنما لم يعمل ضرورة) ش: أي لأجل ضرورة م: (معرفة رأس المال) ش: لأجل القسمة م: (وقد اندفعت) ش: أي الضرورة م: (حيث صار) ش: أي رأس المال م: (نقدا) ش: أي دراهم أو دنانير م: (فيعمل العزل) ش: بعمله م: (فإن عزله) ش: أي رب المال المضارب م: (ورأس المال) ش: أي والحال أن رأس المال م: (دراهم أو دنانير وقد) ش: أي والحال أنها قد م: (نضت) ش: أي نفذت بأحد النقدين م: (لم يجز له أن يتصرف فيها، لأنه ليس في أعمال عزله إبطال حقه في الربح، فلا ضرورة) ش: في تصحيح تصرفه، لأنه باعها بكون المال نضا.

(10/77)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا الذي ذكره إذا كان من جنس رأس المال، فإن لم يكن بأن كان دراهم ورأس المال دنانير أو على القلب له أن يبيعها بجنس رأس المال استحسانا لأن الربح لا يظهر إلا به، وصار كالعروض، وعلى هذا موت رب المال ولحوقه بعد الردة في بيع العروض ونحوها.

قال: وإذا افترقا وفي المال ديون وقد ربح المضارب فيه أجبره الحاكم على اقتضاء الديون؛ لأنه بمنزلة الأجير والربح كالأجر له. وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا الذي ذكره) ش: أي القدوري م: (إذا كان) ش: أي المال الذي نض م: (من جنس رأس المال) ش: بأن كان كل منهما دراهم أو دنانير م: (فإن لم يكن) ش: أي المال الذي نض من جنس رأس المال م: (بأن كان دراهم ورأس المال دنانير أو على القلب) ش: أي أو كان على العكس بأن كان دنانير ورأس المال دراهم م: (له) ش: أي للمضارب م: (أن يبيعها بجنس رأس المال) ش: قيد به، لأنه ليس له أن يشتري بما نقد العروض م: (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (لأن الربح لا يظهر إلا به) ش: أن يبيعها بجنس رأس المال، لأن الواجب عليه رد مثل رأس المال، وقال يمكن إلا أن يبيع ما في يده بجنس رأس المال م: (وصار كالعروض) ش: في حكم جواز البيع، وفي القياس لا يجوز؛ لثبوت المجانسة بينهما من حيث الثمنية، فصار كأن رأس المال قد تعين.
م: (وعلى هذا) ش: إشارة إلى قوله لا يمنعه العزل، أي على حكم المذكور م: (موت رب المال ولحوقه بعد الردة) ش: وارتفاع الموت بالابتداء، وخبره قوله: على هذا م: (في بيع العروض) ش: بأن كان المال عروضا ومات رب المال فلا ينعزل المضارب، بل يبيعها وينض رأس المال، وكذا في لحوق رب المال بدار الحرب مرتدا، لأنه موت حكما م: (ونحوها) ش: أي ونحو العروض، فإن كان رأس المال دراهم وفي يده دنانير أو على العكس.

[افتراق رب المال والمضارب وفي المال ديون]
م (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا افترقا وفي المال ديون) ش: أي إذا افترق رب المال والمضارب والحال في المال ديون، والمراد من الافتراق فسخهما عقد المضارب م: (وقد ربح المضارب فيه) ش: أي والحال أنه قد ربح المضارب في المال م: (أجبره الحاكم على اقتضاء الديون) ش: أي على طلب الديون التي على الناس م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (بمنزلة الأجير) ش: حيث جعل له شيء م: (والربح كالأجر له) ش: لأنه استحق الربح بأن أعلمه وقد سلم له بدل علمه وهو الربح فيجبر على إتمام عمله، ومن إتمامه استيفاء ما وجب من الديون على الناس ولا نعلم فيه خلافا.
م: (وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء) ش: أي طلب الديون التي على الناس، وقالت الثلاثة لزمه الاقتضاء لأنه بعقد المضاربة التزم رد رأس المال على صفته، ودليلنا هو قوله م:

(10/78)


لأنه وكيل محض والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به ويقال له وكل رب المال في الاقتضاء؛ لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد فلا بد من توكيله وتوكله كي لا يضيع حقه. وقال في " الجامع الصغير " يقال له أحل مكان قوله " وكل " منه الوكالة. وعلى هذا سائر الوكالات والبياع والسمسار يجبران على التقاضي؛ لأنهما يعملان بأجرة عادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(لأنه) أي المضارب م: (وكيل محض) ش: أي خالص م: (والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به) ش: بل الواجب رفع يده عن المال فإذا رفع يده فلا يلزمه أكثر منه لأنه وكيل محض قبل ظهور الربح م: (ويقال له) ش: أي للمضارب م: (وكل رب المال في الاقتضاء، لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد فلا بد من توكيله) ش: أي توكيل المضارب رب المال (وتوكله) ش: أي توكل رب المال م: (كي لا يضيع حقه) ش: أي حق رب المال؛ لأنه يمكن المطالبة فيما عقد المضارب إلا بالتوكيل فيوكل حفظا لحقه. وفي بعض النسخ حتى لا يضيع حقه.
م: (وقال في الجامع الصغير يقال له) ش: أي للمضارب م: (أحل) ش: أي رب المال وهو أمر من أحال يحيل من الحوالة م: (مكان قوله وكل المراد منه) ش: أي من قوله أحل م: (الوكالة) ش: لأنه ليس عليه دين حتى تكون حقيقة الحوالة، فعلى هذا إطلاق الحوالة على الوكالة يكون استعارة، والمجوز اشتمالهما على النقد، هذا لفظ القدوري م: (وعلى هذا) ش: أي على الحكم المذكور م: (سائر الوكالات) ش: أراد به كل وكيل بالبيع إذا امتنع من التقاضي له يجبر عليه، ولكن يجبر على أن يحيل رب المال بالثمن على المشتري وكذا المستبضع م: (والبياع) ش: أي الذي يبيع بالأجر وهو الدلال م: (والسمسار) ش: بكسر السين هو التوسط بين البائع والمشتري وفي " المبسوط " هو من يعمل للغير بالأجر بيعا أو شراء.
قلت: فعلى هذا الافتراق بين الدلال والسمسار، ولكن أهل اللغة فرقوا بينهما بما ذكرنا قال الأعشى:
فعشنا زماننا وما بيننا رس ... ول يراجع أخبارها
فأصبحت لا أستطيع الجوا ... ب سوى أن أراجع سمسارها
يريد السفير بينهما. وفي " العباب " وهو لفظ معرب م: (يجبران على التقاضي لأنهما) ش: أي لأن البياع والسمسار م: (يعملان بأجرة عادة) ش: فيكون كالإجارة الصحيحة. ولو دفع إلى سمسار دراهم وقال اشتر لي بها رطبا بأحد عشرة دراهم فهذا فاسد لأنه استأجر أصلا مجهولا، وكذا لو سمى له عدد الثياب أو استأجر لبيع طعام أو شراب، والحيلة في جوازه أن يستأجره يوما إلى الليل بأجر معلوم ليبيع له أو يشتري، لأن العقد يتناول منافعه وهي معلومة ببيان المدة وإن لم يشترط أجرا يكون وكيلا معينا له، فيعوضه بعد الفراغ من العمل مثل

(10/79)


قال: وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال؛ لأن الربح تابع وصرف الهلاك إلى ما هو التبع أولى كما يصرف الهلاك إلى العفو في الزكاة، فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب؛ لأنه أمين. وإن كانا يقتسمان الربح والمضاربة بحالها ثم هلك المال بعضه أو كله ترادا الربح حتى يستوفي رب المال رأس ماله؛ لأن قسمة الربح لا تصح قبل استيفاء رأس المال لأنه هو الأصل، وهذا بناء عليه وتبع له، فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة تبين أن ما استوفياه من رأس المال فيضمن المضارب ما استوفاه؛ لأنه أخذه لنفسه وما أخذه رب المال محسوب من رأس ماله. وإذا استوفى رأس المال فإن فضل شيء كان بينهما لأنه ربح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأجر، لأن جزاء الإحسان أجرة.

[ما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال]
م: (قال: وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال، لأن الربح تابع وصرف الهلاك إلى ما هو التبع أولى) ش: إنما كان الربح تابعا لأنه لا يتصور بدون رأس المال وهو متصور بدونه، فكان أصلا م: (كما يصرف الهلاك إلى العفو في الزكاة) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لأن العفو تبع وقد مر بيانه في باب الزكاة م: (فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه أمين) ش: فلا يكون ضمينا لما بينهما من المنافاة م: (وإن كان يقتسمان الربح والمضاربة بحالها) ش: يعني لم يفسخاها م: (ثم هلك المال بعضه) ش: أي بعض المال، ورفعه على أنه بدل البعض من الكل م: (أو كله) ش: بالرفع أيضا، لأنه بدل الكل من الكل، م: (ترادا) ش: أي رب المال والمضارب م: (الربح حتى يستوفي رب المال رأس ماله) وفي بعض النسخ رأس المال م: (لأن قسمة الربح لا تصح قبل استيفاء رأس المال لأنه) ش: أي لأن رأس المال م: (هو الأصل) ش: لتصور بدون الربح م: (وهذا) ش: أي الربح م: (بناء) ش: أي مبني م: (عليه) ش: أي على رأس المال الذي هو الأصل م: (وتبع له) ش: أي لرأس المال، لأنه زيادة عليه م: (فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة) ش: أي حال كونه أمانة غير مضمون م: (تبين أن ما استوفياه) ش: أي رب المال والمضارب م: (من رأس المال) ش: خبر أن م: (فيضمن المضارب ما استوفاه) ش: أي الذي أخذه م: (لأنه أخذه لنفسه) ش: ولم يكن ذلك حتى يصل رب المال إلى رأس ماله، وهذا بمنزلة قسمة الوارث التركة مع قيام الدين على الميت، فلو أن الورثة عزلوا من التركة مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك المعزول قبل أن يصل إلى الغرماء بطلت القسمة، وعليهم ضمان ما أخذوه من حق الغرماء لأن حقهم سابق على حق الورثة في التركة، فكذلك فيما نحن فيه م: (وما أخذه رب المال محسوب من رأس ماله) ش: يعني يجعل ذلك من رأس المال.
م: (وإذا استوفى رأس المال فإن فضل شيء) ش: يعني بعد الاستيفاء م: (كان) ش: أي الشيء الفاضل م: (بينهما) ش: أي بين المال والمضارب م: (لأنه ربح) ش: وقضيته أن

(10/80)


وإن نقص فلا ضمان على المضارب لما بينا. فلو اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها فهلك المال لم يترادا الربح الأول؛ لأن المضاربة الأولى قد انتهت والثانية عقد جديد فهلاك المال في الثاني لا يوجب انتقاض الأول كما لو دفع إليه مالا آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون مشتركا بينهما م: (وإن نقص) ش: يعني شيء من رأس المال م: (فلا ضمان على المضارب لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه أمين م: (فلو اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها) ش: ثانيا م: (فهلك المال لم يترادا الربح الأول، لأن المضاربة الأولى قد انتهت) ش: يعني بقسمة الربح وفسخ المضاربة م: (والثانية) ش: أي المضاربة الثانية م: (عقد جديد فهلاك المال في الثاني) ش: أي في العقد الثاني م: (لا يوجب انتقاض الأول) ش: أي الاقتسام الأول م: (كما لو دفع) ش: وفي بعض النسخ كما إذا دفع أي رب المال م: (إليه) ش: أي إلى المضاربة م: (مالا آخر) ش: غير المال الأول فإنه لا يوجب انتقاض الاقتسام الأول.

(10/81)


فصل فيما يفعله المضارب قال: ويجوز للمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة؛ لأن كل ذلك من صنيع التجار فينتظمه إطلاق العقد، إلا إذا باع إلى أجل لا يبيع التجار إليه لأن له الأمر العام المعروف بين الناس، ولهذا كان له أن يشتري دابة للركوب وليس له أن يشتري سفينة للركوب، وله أن يستكريها اعتبارا لعادة التجار، وله أن يأذن لعبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل فيما يفعله المضارب]
[ما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز]
م: (فصل فيما يفعله المضارب)
ش: إنما فصله لأنه يذكر فيه ما لم يذكره في أول المضاربة من أفعال المضارب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة) ش: أي بالحال والآجل، وبه قال أحمد في رواية.
وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية وابن أبي ليلى: لا يجوز بغير الإذن، لأنه ضد مقصود رب المال، ودليلنا قوله: م: (لأن كل ذلك) ش: أي البيع بالنقد والنسيئة م: (من صنيع التجار) ش: بضم التاء جمع تاجر، وجاء بالكسر أيضا ولكنه بتخفيف الجيم م: (فينتظمه) ش: أي إذا كان كذلك فينتظم البيع بالنقد والنسيئة دل عليه قوله: أن يبيع، كما في قَوْله تَعَالَى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية: 8) ، أي العدل الذي دل عليه اعدلوا م: (إطلاق العقد) ش: هو كونه غير مقيد بالنقد.
م: (إلا) ش: استثناء من قوله ويجوز للمضارب أن يبيع، والأولى أن يكون من قوله فينتظمه إطلاق العقد م: (إذا باع إلى أجل لا يبيع التجار إليه) ش: أي إلى ذلك الأجل بأن باع إلى عشر سنين ونحوها.
وقوله: لا يبيع التجار، جملة في محل الجر صفة لقوله: إلى أجل، فافهم م: (لأن له) ش: أي للمضارب م: (الأمر العام) ش: أي الشامل م: (المعروف) ش: أي المعتاد م: (بين الناس) ش: أراد به ما هو صنيع التجار والبيع إلى أجل طويل غير معتاد فلا ينتظمه الإذن م: (ولهذا) ش: توضيح لما ذكره م: (كان له) ش: أي للمضارب: (أن يشتري دابة للركوب) ش: بجريان العادة م: (وليس له أن يشتري سفينة للركوب) ش: لعدم جريان العادة فيه.
هذا في المضاربة الخاص بنوع كالطعام مثلا، أما إذا لم يخص المضاربة بنوع بل دفع المال ولم يسم ما يشتري به فاشترى سفينة أو دابة ليحمل عليها مال المضاربة يجوز للإطلاق م: (وله) ش: أي للمضارب م: (أن يستكريها) ش: أي يستكري السفينة م: (اعتبارا لعادة التجار) ش: فإنهم يستكرون السفينة لحمل البضائع م: (وله) ش: أي للمضارب أيضا م: (أن يأذن لعبد

(10/82)


المضاربة في التجارة في الرواية المشهورة لأنه من صنيع التجار. ولو باع بالنقد ثم أخر الثمن جاز بالإجماع، أما عندهما فلأن الوكيل يملك ذلك فالمضارب أولى، إلا أن المضارب لا يضمن لأن له أن يقايل ثم يبيع نسيئة ولا كذلك الوكيل؛ لأنه لا يملك ذلك. وأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه يملك الإقالة ثم البيع بالنساء بخلاف الوكيل لأنه لا يملك الإقالة. ولو احتال بالثمن على الأيسر أو الأعسر جاز؛ لأن الحوالة من عادة التجار، بخلاف الوصي يحتال بمال اليتيم حيث يعتبر فيه الأنظر؛ لأن تصرفه مقيد بشرط النظر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المضاربة في التجارة في الرواية المشهورة، لأنه من صنيع التجار) ش: احترز بالمشهورة، عما روى ابن رستم عن محمد: أنه لا يملك ذلك بإطلاق العقد؛ لأنه بمنزلة الدفع مضاربة، والفرق أن المضارب شريك في الربح والمأذون لا يصير شريكا فيه.

[الحكم لو باع المضارب بالنقد ثم أخر الثمن]
م: (ولو باع بالنقد) ش: أي المضارب شيئا م: (ثم أخر الثمن) ش: أي من يشتري بعيب أو بغير م: (جاز بالإجماع) ش: أراد به إجماع أصحابنا م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (فلأن الوكيل يملك ذلك) ش: أي الوكيل بالبيع يملك تأخير الثمن عند المشتري م: (فالمضارب أولى) ش: بالجواز لأن ولايته أعم، لأنه شريك في الربح أو بعوضيه أن يصير شريكا، فكان أصيلا من وجه م: (إلا أن المضارب لا يضمن) ش: هذه إشارة إلى الفرق بينهما وهو أن المضارب إذا أخر الثمن لا يضمن لرب المال م: (لأنه له) ش: أي للمضارب م: (أن يقايل) ش: أي البيع م: (ثم يبيع) ش: أي بعد الإقالة م: (نسيئة) ش: أي بالدين، لأنه لما كان يملك البيع نسيئة ابتداء فكذلك بواسطة الإقالة.
م: (ولا كذلك) ش: أي ليس كذا م: (الوكيل) ش: أي بالبيع م: (لأنه لا يملك ذلك) ش: أي الإقالة والبيع بالنسيئة بعدها. وهاهنا شيئان، الأول: أن الإشارة إلى الإقالة والبيع الدال عليهما قوله: أن يقايل ثم يبيع، والثاني: أن تذكير الإشارة باعتبار المذكور.
م: (وأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه) ش: أي فلأن المضارب م: (يملك الإقالة ثم البيع بالنساء بخلاف الوكيل، لأنه لا يملك الإقالة) ش: فكذا لا يملك تأجيله في الثمن، فلا يرد الضمان وعدم الضمان على قوله: م: (ولو احتال) ش: أي المضارب إذا قبل الحوالة م: (بالثمن على الأيسر أو الأعسر) ش: أي على رجل أيسر من المشتري أو أعسر منه م: (جاز) ش: أي الاحتيال، أي الحوالة وتذكير الفعل باعتباره م: (لأن الحوالة من عادة التجار) ش: لأنها متعارفة بينهم وهم محتاجون إليها م: (بخلاف الوصي يحتال) ش: أي حال كونه يحتال م: (بمال اليتيم حيث يعتبر فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (الأنظر) ش: في حق الصغير م: (لأن تصرفه مقيد بشرط النظر) ش: ولا نظر في قبول الحوالة على الأعسر والأب كالوصي.

(10/83)


والأصل أن ما يفعله المضارب ثلاثة أنواع: نوع يملكه بمطلق المضاربة وهو ما يكون من باب المضاربة وتوابعها وهو ما ذكرنا من قبل ومن جملته التوكيل بالبيع والشراء للحاجة إليه والارتهان والرهن؛ لأنه إيفاء واستيفاء، والإجارة والاستئجار والإيداع والإبضاع والمسافرة على ما ذكرناه من قبل، ونوع لا يملكه بمطلق العقد ويملكه إذا قيل له اعمل برأيك وهو ما يحتمل أن يلحق به فيلحق عند وجود الدلالة، وذلك مثل دفع المال مضاربة أو شركة إلى غيره وخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره؛ لأن رب المال رضي بشركته لا بشركة غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والأصل) ش: فيما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز م: (أن ما يفعله) ش: أي م: (المضارب ثلاثة أنواع، نوع) ش: أي أحدهما نوع م: (يملكه) ش: أي المضارب م: (بمطلق المضاربة) ش: يعني من غير أن يقول له رب المال: اعمل برأيك م: (وهو) ش: أي هذا النوع م: (ما يكون من باب المضاربة وتوابعها) ش: أي توابع المضاربة كالتوكيل بالبيع والشراء والرهن والارتهان ونحوها على ما يجيء الآن م: (وهو ما ذكرنا من قبل) ش: أشار به إلى قوله أن يبيع بالنقد والنسيئة والإذن لعبد المضاربة وتأخير الثمن والاحتيال به م: (ومن جملته) ش: أي جملة ما يملكه بطلق العقد م: (التوكيل بالبيع والشراء للحاجة إليه) ش: أي إلى التوكيل م: (والارتهان والرهن لأنه) ش: أي لأن أحدهما وهو الرهن م: (إيفاء) ش: لما عليه م: (واستيفاء) ش: أي والآخر وهو الارتهان واستيفاء لحقه م: (والإجارة والاستئجار والإيداع والإبضاع والمسافرة) ش: كلها مرفوع عطفا على قوله والارتهان م: (على ما ذكرناه من قبل) ش: إشارة إلى ما ذكر من أول الكتاب بقوله: وإذا صحت المضاربة مطلقة جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع.
م: (ونوع) ش: أي الثاني نوع م: (لا يملكه) ش: أي المضارب م: (بمطلق العقد) ش: أي عقد المضاربة م: (ويملكه) ش: أي يملك هذا النوع م: (إذا قيل له) ش: أي للمضارب بأن قال له رب المال م: (اعمل برأيك) ش: للتفويض العام م: (وهو) ش: أي هذا النوع م: (ما يحتمل أن يلحق به) ش: أي النوع الأول م: (فيلحق) ش: أي النوع الثاني بالأول م: (عند وجود الدلالة) ش: وهو قوله: اعمل برأيك م: (وذلك) ش: إشارة إلى ما ذكر من قوله: وهو ما يحتمل أن يلحق به فيلحق عند وجود الدلالة. م: (مثل دفع المال مضاربة) ش: أي مثل دفع المضارب مال المضاربة إلى غيره مضاربة لوجود الدلالة على أن هذا مثل النوع الأول وهو قوله اعمل برأيك م: (أو شركة إلى غيره) ش: أي أو مثل دفع مال المضاربة شركة إلى غيره م: (وخلط مال المضاربة) ش: بجر " خلط " عطفا على المال في دفع المال، أي ومثل خلط المضارب مال المضاربة م: (بماله) ش: أي بمال نفسه م: (أو بمال غيره) ش: أي أو خلط بمال غيره.
م: (لأن رب المال رضي بشركته لا بشركة غيره) ش: هذا تعليل لكون هذا النوع ملحقا

(10/84)


وهو أمر عارض لا يتوقف عليه التجارة فلا يدخل تحت مطلق العقد ولكنه جهة في التثمير فمن هذا الوجه يوافقه فيدخل فيه عند وجود الدلالة. وقوله اعمل برأيك دلالة على ذلك. ونوع لا يملكه لا بمطلق العقد ولا بقوله اعمل برأيك إلا أن ينص عليه رب المال وهو الاستدانة وهو أن يشتري بالدراهم والدنانير بعدما اشترى برأس المال السلعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالنوع الأول لا ضمان الإطلاق عند وجود الدلالة م: (وهو) ش: أي دفع المال مضاربة أو شركة إلى غيره أو خلط مالها بماله أو بمال غيره م: (أمر عارض) ش: أي أمر زائد على ما تقوم به التجارة م: (لا يتوقف عليه التجارة) ش: لعدم العرف لذلك بينهم.
م: (فلا يدخل تحت مطلق العقد) ش: أي إذا كان كذلك فلا يدخل هذا النوع تحت مطلق العقد، لأن رب المال لم يرض بذلك م: (ولكنه) ش: أي ولكن ما ذكر من الأمور م: (جهة في التثمير) ش: أي وجه وطريق في تثمير المال أي زيادته م: (فمن هذا الوجه يوافقه) ش: أي فمن جهة تثمير المال فيه يوافق ما ذكر من الأمور عقد المضاربة م: (فيدخل فيه) ش: أي فيدخل ما ذكر في عقد المضاربة م: (عند وجود الدلالة) ش: وهي قوله: اعمل برأيك إعمالا لمقتضى العموم، أشار إليه بقوله: م: (وقوله اعمل برأيك دلالة على ذلك) ش: أي وقول رب المال في عقد المضاربة للمضارب اعمل برأيك دلالة على دخول ما ذكر من الأمور في العقد.
م: (ونوع) ش: أي الثالث نوع م: (لا يملكه) ش: أي المضارب م: (لا بمطلق العقد ولا بقوله اعمل برأيك إلا أن ينص عليه رب المال) لأنه ليس من المضاربة ولا يحتمل أن يلحق بها م: (وهو الاستدانة) ش: أي النوع الثالث الذي لا يملكه أيضا إلا بالتنصيص عليه، هو الاستدانة م: (وهو أن يشتري) ش: أي الاستدانة أن يشتري وذكر الضمير لتذكير الخبر، وهو قوله أن يشتري، وأن مصدرية، والتقدير وهو الشراء م: (بالدراهم والدنانير بعدما اشترى برأس المال السلعة) ش: يعني اشترى شيئا بأحد النقدين بالدين بعد أن اشترى برأس المال المتاع.
وفي " شرح الطحاوي ": ولو اشترى سلعة بثمن دين من جنس رأس المال أو من خلافه بعد أن يكون مما يجوز عليه عقد المضاربة وليس عند مال المضاربة من جنس ذلك الثمن الذي اشترى به فيكون استدانة.
ولو اشترى سلعة في حال قيام رأس المال بثمن دين من جنس رأس المال أو من خلافه بعد أن يكون مما يجوز عليه عقد المضاربة جاز الشراء على المضاربة ولا يكون استدانة. وقال زفر: إذا اشترى بخلافه يكون استدانة.
وفي " الإيضاح ": وإن اشترى سلعة بأكثر من مال المضاربة وهو الألف مثلا كانت حصة الألف للمضاربة وما زاد فللمضارب له ربحه وعليه وضيعته والمال دين عليه، لأن الاستدانة

(10/85)


وما أشبه ذلك؛ لأنه يصير المال زائدا على ما انعقد عليه المضاربة فلا يرضى به ولا يشغل ذمته بالدين. ولو أذن له رب المال بالاستدانة صار المشترى بينهما نصفين بمنزلة شركة الوجوه، وأخذ السفاتج؛ لأنه نوع من الاستدانة، وكذا إعطاؤها لأنه إقراض والعتق بمال أو بغير المال والكتابة؛ لأنه ليس بتجارة والإقراض والهبة والصدقة لأنه تبرع محض.
قال: ولا يزوج عبدا، ولا أمة من مال المضاربة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يزوج الأمة؛ لأنه من باب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفذت عليه خاصة.
م: (وما أشبه ذلك) ش: فإن كان رأس المال ألف درهم فليس له أن يشتري بالمكيل والموزون لأنه اشترى بغير رأس المال فكان هذا استدانة فلا ينفذ على المضاربة، ولو كان في يده درهم فاشترى بدنانير نفذ على المضاربة استحسانا، لأنهما كالجنس الواحد في ضمنيته.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يصير المال) ش: أي مال المضاربة م: (زائدا على ما انعقد عليه المضاربة فلا يرضى) ش: أي رب المال م: (به) ش: أي بذلك الزائد م: (ولا يشغل ذمته بالدين) ش: أي ولا يرضى أيضا بشغل ذمة المضارب الدين.
م: (ولو أذن له رب المال بالاستدانة صار المشترى) ش: بفتح الراء م: (بينهما) ش: أي بين رب المال والمضارب م: (نصفين بمنزلة شركة الوجوه) ش: ولا يكون مضاربة إذ ليس لواحد منهما فيه رأس المال فصار شركة بينهما كشركة الوجوه، وإنما كان بينهما لأن إطلاق الشركة يقتضي التساوي م: (وأخذ السفاتج) ش: بالرفع عطف على قوله وهو الاستدانة، أي النوع الذي لا يملك المضارب بدون التنصيص عليه الاستدانة وأخذ السفاتج وهو عبارة عن قرض يستفاد به سقوط خطر الطريق، وهو جمع سفتجة قال صاحب " المغرب ": هو بضم السين وفتح التاء وهو تعريب سفته، وسفته شيء محكم، وسمي هذا القرض به لإحكام أمره م: (لأنه نوع من الاستدانة) ش: فلا يملكها المضارب إلا بالتنصيص م: (وكذا إعطاؤها) ش: أي وكذا من النوع الذي لا يملكه المضارب إعطاء السفاتج م: (لأنه إقراض) ش: فلا يملكه المضارب لأنه ليس من التجارة م: (والعتق) ش: بالرفع أيضا وكذا من النوع الذي لا يملكه إلا بالتنصيص عتق العبد من مال المضاربة سواء كان م: (بمال أو بغير مال) ش: لأنه ليس من التجارة م: (والكتابة) ش: بالرفع أيضا م: (لأنه) ش: أي لأن المذكور من العتق بنوعيه والكتابة م: (ليس بتجارة) ش: لأن هذه الأشياء تبرعات م: (والإقراض والهبة والصدقة) ش: كلها بالرفع م: (لأنه) ش: لأنه المذكور وهو الأشياء الثلاثة م: (تبرع محض) ش: فلا يملكها المضارب إلا بالتنصيص.

[تزويج المضارب العبد أو الأمة من مال المضاربة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يزوج عبدا، ولا أمة من مال المضاربة) ش: قيد به لأنه يجوز من غيره بلا خلاف م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يزوج الأمة، لأنه من باب

(10/86)


الاكتساب، ألا ترى أنه يستفيد به المهر وسقوط النفقة، ولهما أنه ليس بتجارة والعقد لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة وصار كالكتابة والإعتاق على مال؛ لأنه اكتساب ولكن لما يكن بتجارة لا يدخل تحت المضاربة، فكذا هذا قال: فإن دفع شيئا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة فاشترى رب المال وباع فهو على المضاربة وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفسد المضاربة؛ لأن رب المال متصرف في مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه فيصير مستردا، ولهذا لا تصح إذا شرط العمل عليه ابتداء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاكتساب، ألا ترى أنه) ش: أي المضارب م: (يستفيد به) ش: أي بتزويجها م: (المهر وسقوط النفقة) ش: أي عن المضارب.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن تزويج الأمة م: (ليس بتجارة والعقد) ش: أي عقد المضاربة م: (لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة، وصار) ش: أي تزويج الأمة م: (كالكتابة والإعتاق على مال لأنه) ش: أي فإن كل واحد من الكتابة والإعتاق على مال م: (اكتساب) ش: حيث يحصل فيه المال م: (ولكن لما لم يكن بتجارة لا يدخل تحت المضاربة فكذا هذا) ش: أي تزويج الأمة، وإن كان فيه مال ولكن ليس بتجارة.

م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير وليس في كثير من النسخ لفظه، قال: بل قوله فإن دفع بألف التفريعية وصورها فيه محل عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن دفع على آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فدفع المضارب بعضها إلى رب المال بضاعة فباع رب المال بها واشترى، قال: هي على حالها، قوله م: (فإن دفع) ش: أي المضارب م: (شيئًا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة) ش: أي حال كون الشيء بضاعة.
وهاهنا شيئان، الأول: أن قوله شيئًا وإن كان يوهم أن حكم دفع كل المال بضاعة بخلاف ذلك فليس كذلك، لأن الحكم فيها سواء، نص عليه في " الذخيرة " و" المبسوط ". الثاني: أنه قيد بدفع المضارب، لأن رب المال لو أخذه من منزل المضارب من غير أمره وباع واشترى إن كان رأس المال بضاعة فهو نقض للمضاربة وإن صار عوضًا لا يصير نقضًا، لأنه يمكن أن يجعل معينًا، لأنه يكون عاملاً لغيره م: (فاشترى رب المال وباع فهو) ش: أي الذي اشترى وباع م: (على المضاربة) ش: يعني لا يفسد المضاربة بذلك.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسد المضاربة، لأن رب المال متصرف في مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه) ش: لأن المرء فيما يعمل في ملكه لا يصلح وكيلاً لغيره م: (فيصير) ش: أي رب المال م: (مستردًا) ش: لما له وبه تنقض المضاربة م: (ولهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لا تصح) ش: أي عقد المضاربة م: (إذا شرط العمل عليه) ش: أي على رب المال م: (ابتداء) ش: أي في

(10/87)


ولنا: أن التخلية فيه قد تمت وصار التصرف حقا للمضارب فيصلح رب المال وكيلا عنه في التصرف والإبضاع توكيل منه فلا يكون استردادا بخلاف شرط العمل عليه في الابتداء؛ لأنه يمنع التخلية وبخلاف ما إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح لأن المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هاهنا للمضارب، فلو جوزناه يؤدي إلى قلب الموضوع، وإذا لم يصح بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابتداء المضاربة. (ولنا أن التخلية فيه) ش: أي بين المال وبين المضارب م: (قد تمت) ش: بتسلمه م: (وصار التصرف) ش: من رب المال م: (حقا للمضارب فيصلح رب المال وكيلا عنه) ش: أي عن المضارب م: (في التصرف) ش: كما لو وكل أجنبيا م: (والإبضاع) ش: أي إبضاع المضارب رب المال م: (توكيل منه) ش: أي من المضارب م: (فلا يكون) ش: أي الإبضاع م: (استردادًا) ش: أي لماله لتنقص به المضاربة.
فإن قيل: الإبضاع هو أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر وليس للمبضع هاهنا مال: فكيف يتحقق الإبضاع؟. قلنا: الإبضاع وهو الدفع على وجه الاستعانة ورب المال يصلح معينا له، لأنه أشفق الناس إليه تصرفًا فيصح الاستعانة به كما يصح من الأجنبي.
فإن قيل: الأجنبي عامل في ملك الغير فيصلح معيناً ورب المال يتصرف في ملك نفسه فلا يصلح معينًا، وهذا لو استأجر خياطًا واستعان الأجير بالمستأجر في الخياطة مما يستحق المستأجر الأجر، لأن عمله لا يتحول إلى المستأجر فينبغي أن لا يكون للمضارب من هذا الربح نصيب.
قلنا: في المضاربة معنى الإجارة والشركة جميعا، ومعنى الشركة راجح، بل المقصود وهو الشركة، ولهذا لو عمل ولم يربح لا يقضي له بشيء وفي الشركة يستحق أحد الشريكين الربح بعمل صاحبه، وإن كان كذلك صلح رب المال معينا، أما في الإجارة يستحق الأجر بالعمل والعمل لا يتحول فافهم.
م: (بخلاف شرط العمل عليه) ش: أي على رب المال، وهذا جواب عن قوله وهذا لا يصح إذا شرط العلم عليه ابتداء م: (في الابتداء، لأنه يمنع التخلية) ش: أي بين المال وبين المضارب م: (وبخلاف ما إذا دفع) ش: أي المضارب م: (المال إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (لأن المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب) ش: لأن المضاربة هي عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر م: (ولا مال هاهنا للمضارب) ش: يعني من جانب المضارب م: (فلو جوزناه) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (يؤدي إلى قلب الموضوع) ش: أي عكسه وهو تجويز المضاربة بدون المال.
م: (وإذا لم يصح) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا

(10/88)


تبطل به المضاربة الأولى. قال: وإذا عمل المضارب في المصر فليست نفقته في المال وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه ومعناه شراء وكراء في المال. ووجه الفرق أن النفقة تجب بإزاء الاحتباس كنفقة القاضي ونفقة المرأة والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي. وإذا سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة فيه. وهذا بخلاف الأجير لأنه يستحق البدل لا محالة فلا يتضرر بالإنفاق من ماله، أما المضارب فليس له إلا الربح وهو في حيز التردد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تبطل به) ش: أي يدفع المال إلى رب المال في المضاربة الثانية م: (المضاربة الأولى) ش: كالرهن في يد الراهن بالعارية لا يبطل حق المرتهن. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تنفسخ المضاربة الأولى كما لو دفعه إعانة.

[نفقة المضارب إذا عمل في المصر بدون سفر]
م: (قال) ش: في " الجامع الصغير ": م: (وإذا عمل المضارب في المصر فليست نفقته في المال) ش: الاحتباس على ما يجيء م: (وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه) ش: بفتح الراء وهو ما يركب عليه، قال الله تعالى: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} [يس: 72] (يس: الآية 72) م: (ومعناه) ش: أي معنى ركوبه أي معنى كون ركوبه في المال م: (شراء وكراء) ش: أي من حيث الشراء ومن حيث الكراء.
أراد أن المضارب في السفر له أن يركب إما بشراء دابة أو بكراء بها م: (في المال) ش: أي في مال المضاربة وهو ظرف للجميع والشرط أن يكون ذلك كله بالمعروف، وبه قال مالك وأبو ثور والحسن والنخعي والأوزاعي وإسحاق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فنفقته في مال نفسه في صورة يجوز له السفر بالإذن، وبه قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان.
م: (ووجه الفرق) ش: أي بين ما إذا عمل في المصر حيث لا نفقة له في مال المضاربة وبين ما إذا عمل في السفر حيث يجب فيه م: (أن النفقة تجب بإزاء الاحتباس كنفقة القاضي ونفقة المرأة) ش: لأن القاضي محبوس لمصالح العامة والمرأة محبوسة في منزل الزوج م: (والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي) ش: لا المضاربة.
م: (وإذا سافر صار محبوسًا بالمضاربة) ش: بالعمل للمضاربة م: (فيستحق النفقة فيه) ش: أي في مال المضاربة لأجل الاحتباس م: (وهذا) ش: أي الحكم م: (بخلاف الأجير لأنه يستحق البدل لا محالة) ش: لكونه يعمل ببدل فكان البدل واجبًا له مطلقًا م: (فلا يتضرر بالإنفاق من ماله) ش: أي من مال نفسه لأنه عامل ببدل مضمون في ذمة المستأجر، وذلك يصح له بيقين، بخلاف المضارب فإنه غير مستوجب بدلائل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل فلا بد أن يجعل له بإزاء ما يحمله من المشقة شيئًا معلومًا.
أشار إلى هذا المعنى بقوله: م: (أما المضارب فليس له إلا الربح وهو في حيز التردد) ش:

(10/89)


فلو أنفق من ماله يتضرر به، وبخلاف المضاربة الفاسدة؛ لأنه أجير، وبخلاف البضاعة لأنه متبرع.
قال: ولو بقي شيء في يده بعدما قدم مصره رده في المضاربة؛ لانتهاء الاستحقاق. ولو كان خروجه دون السفر فإن كان بحيث يغدو ثم يروح فيبيت بأهله فهو بمنزلة السوقي في المصر. وإن كان بحيث لا يبيت بأهله فنفقته في مال المضاربة؛ لأن خروجه للمضاربة. والنفقة هي ما يصرف إلى الحاجة الراتبة وهو ما ذكرنا، ومن جملة ذلك غسل ثيابه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني بين أن يكون وبين أن لا يكون م: (فلو أنفق من ماله يتضرر به) ش: أي بالإنفاق من مال نفسه، كالشريك إذا سافر بمال الشركة؛ فنفقته في ذلك المال، روي عن محمد ذلك م: (وبخلاف المضاربة الفاسدة، لأنه أجير) ش: فلا نفقة له م: (وبخلاف البضاعة، لأنه متبرع) ش: أي بالعمل فلا يجب له النفقة.

م: (قال) ش: لو لم يذكر لفظة قال لكان أصوب، لأن المسألة لم تذكر في الجامع الصغير ولا في القدوري، ولهذا لم يذكرها في البداية، وإنما ذكرت المسألة في " المبسوط " م: (ولو بقي شيء في يده) ش: أي في يد المضارب م: (بعدما قدم مصره رده في المضاربة لانتهاء الاستحقاق) ش: والحكم ينتهي بانتهاء علته وذلك كالحاج عن الغير إذا بقي معه شيء من النفقة بعد رجوعه يجب عليه رده وكالمولى إذا نقل الأمة المبتدئة للخدمة وبقي شيء معها من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها كذا في " المبسوط ".
م: (ولو كان خروجه) ش: أي خروج المضارب من بلده م: دون السفر) ش: وهو مسيرة ثلاثة أيام م: (فإن كان بحيث يغدو ثم يروح فيبيت بأهله فهو بمنزلة السوقي في المصر) ش: لأن أهل السوق يتجرون في المصر ثم يبيتون في منازلهم م: (وإن كان بحيث لا يبيت بأهله فنفقته في مال المضاربة، لأن خروجه للمضاربة) ش: فصار كالخروج للسفر م: (والنفقة) ش: أشار به إلى تفسير النفقة الواجبة للمضارب م: (هي ما يصرف إلى الحاجة الراتبة) ش: أي الثابتة اللازمة التي لا بد منها م: (وهو) ش: أي الذي يصرف إلى الحاجة الراتبة م: (ما ذكرنا) ش: أراد به ما ذكرناه فيما قبل من طعامه وشرابه وكسوته وركوبه م: (ومن جملة ذلك) ش: أي من الذي يصرف إلى الحاجة الراتبة م: (غسل ثيابه) ش: لأنه ضروري.
وكذا أجرة الحجام والحلاق، نص عليه في " الفوائد الظهيرية " والقياس يأبى ذلك، لأنه لا يحتاج إليها في عموم الأوقات، ولكن هذا من صنيع التجار حيث يتنظفون بإزالة الوسخ وقص الشارب وحلق الرأس لتزداد رغبات الناس في المعاملات، فإن الإنسان إذا كان وسخ الثياب طويل الشعر يعد من المفاليس عادة فيقل معاملوه فصارت هذه الأشياء كالنفقة الراتبة، وكذا ثمن الخرص والصابون دون الحجام والفصاد.

(10/90)


وأجرة أجير يخدمه وعلف دابة يركبها والدهن في موضع يحتاج إليه عادة كالحجاز وإنما يطلق في جميع ذلك بالمعروف حتى يضمن الفضل إن جاوزه اعتبارا للمتعارف فيما بين التجار.
قال: وأما الدواء ففي ماله في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة أنه يدخل في النفقة؛ لأنه لإصلاح بدنه ولا يتمكن من التجارة إلا به فصار كالنفقة، وجه الظاهر أن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع وإلى الدواء بعارض المرض، ولهذا كانت نفقة المرأة على الزوج ودواؤها في مالها.
قال: وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس المال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأجرة أجير يخدمه) ش: أي يخدم المضارب، لأنه ضروري م: (وعلف دابة يركبها والدهن) ش: بفتح الدال وهو مصدر من دهن يدهن بالفتح فيهما، والمراد استعمال الدهن كالزيت والسيرج ونحوهما م: (في موضع يحتاج إليه) ش: أي إلى الدهن م: (عادة كالحجاز) ش: أي كما في أرض الحجاز، لأنها حارة يحتاج أهلها إلى ترطيب أبدانهم بالدهن م: (وإنما يطلق) ش: يعني: يجوز م: (في جميع ذلك) ش: من الذي ذكره وجعله من الراتبة م: (بالمعروف) ش: أي بقدر دفع الضرورة بلا إسراف م: (حتى يضمن الفضل إن جاوزه) ش: أي المعروف م: (اعتبارًا للمتعارف) ش: أي المعتاد م: (فيما بين التجار) ش: لأن صنيعهم هو الأصل في هذا الباب.

[دواء المضارب هل يأخذه من مال المضاربة]
م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (وأما الدواء) ش: أي ثمنه م: (ففي ماله) ش: أي في مال المضارب م: (في ظاهر الرواية) ش: قال الأترازي: ليس في ذكره كثير فائدة لوجهين؛ لأنه رواية الجامع الصغير، وما ذكر كله ظاهر الرواية، ولأنه ذكر بعد هذا وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدخل في النفقة فيفهم منه إشارة أنه ظاهر الرواية لأن كلمة من تستعمله في غير ظاهر الرواية بطريق الالتزام وقيده بظاهر الرواية يدل بالتصريح، وهذا قدر جليل في الفائدة.
م: (وعن أبي حنيفة) ش: وهي رواية الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن ثمن الدواء وتذكير الضمير بهذا الاعتبار وإلا فالدواء مؤنث م: (يدخل في النفقة، لأنه لإصلاح بدنه ولا يتمكن من التجارة إلا به) ش: أي بإصلاح البدن م: (فصار كالنفقة) ش: فيجب في مال المضاربة م: (وجه الظاهر أن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع وإلى الدواء) ش: أي وإن الحاجة إلى الدواء م: (بعارض المرض) ش: فقد يمرض وقد لا يمرض فلم يكن لازمًا.
م: (ولهذا) ش: أشار به إلى بيان الفرق بين النفقة والدواء م: (كانت نفقة المرأة على الزوج) ش: لأنها معلومة الوقوع م: (ودواؤها في مالها) ش: لأنها غير معلومة الوقوع قد يقع وقد لا يقع.

م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس

(10/91)


قال: فإن باع المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع من الحملان ونحوه ولا يحتسب ما أنفق على نفسه؛ لأن العرف جار بإلحاق الأول دون الثاني، ولأن الأول يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها. قال: فإن كان معه ألف فاشترى بها ثيابا فقصرها أو حملها بمائة من عنده، وقد قيل له: اعمل برأيك فهو متطوع؛ لأنه استدانة على رب المال فلا ينتظمه هذا المقال على ما مر. فإن صبغها أحمر فهو شريك بما زاد الصبغ فيها ولا يضمن؛ لأنه عين مال قائم به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المال) ش: أي الذي أنفق المضارب من رأس المال يرفعه رب المال أولا ثم يقسم الربح إن بقي، لأن قسمة الربح إنما شرعت بعد تسليم رأس المال.

[حكم ما أنفقه المضارب على نفسه]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (فإن باع) ش: أي المضارب م: (المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع من الحملان) ش: بضم الحاء مصدر بمعنى الحمل م: (ونحوه) ش: كأجر السمسار والقصار والصباغ، لكن لا يقول اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب، بل يقول تقوم علي بكذا كما بين في المرابحة م: (ولا يحتسب ما أنفق على نفسه، لأن العرف جار) ش: بين التجار م: (بإلحاق الأول) ش: أراد به ما أنفق على المتاع من الحمل ونحوه وأراد بإلحاقه برأس المال م: (دون الثاني) ش: أراد به ما أنفق على نفسه، لأن التجار لم يتعارفوا إلحاق ما أنفقوا على أنفسهم برأس المال م: (ولأن الأول) ش: أي الإنفاق على المتاع م: (يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها) ش: كالصبغ والقصر ونحوهما، فإنه يوجب زيادة في غير المتاع، وكالجمل فإنه يوجب زيادة في القيمة، لأن القيمة تختلف باختلاف الأماكن.

م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: ألف فاشترى بها ثيابا فقصرها أو حملها بمائة من عنده) ش: أي من عند المضاربة م: (وقد قيل له اعمل برأيك) ش: أي والحال أنه قد قيل للمضارب فإن قال له رب المال اعمل برأيك م: (فهو متطوع) ش: أي المضارب متبرع في المائة م: (لأنه) ش: أي لأن هذا الصنيع م: (استدانة على رب المال فلا ينتظمه هذا المقال) ش: يعني قول رب المال له اعمل برأيك م: (على ما مر) ش: عند قوله وقوع لا يملكه إلا أن ينص عليه رب المال وهو الاستدانة.
وفي " المنتقى ": رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاكترى سفينة بمائة درهم، والمال عنده على حاله، ثم اشترى بالألف كله طعامًا وحمله في السفينة فهو متطوع في الكراء، ولو كان اشترى بتسعمائة منها طعامًا وبقيت في يده مائة فأداها في الكراء لم يكن متطوعاً وباعه مرابحة على الكراء م: (فإن صبغها) ش: أي فإن صبغ المضارب الثياب المذكورة م: (أحمر) ش: صفة مصدره محذوف أي صبغا أحمر م: (فهو) ش: أي المضارب م: (شريك) ش: أي لرب المال م: (بما زاد الصبغ فيها ولا يضمن، لأنه) ش: أي لأن الصبغ م: (عين مال قائم به) ش:

(10/92)


حتى إذا بيع كان له حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة،
بخلاف القصارة والحمل؛ لأنه ليس بعين مال قائم به، ولهذا إذا فعله الغاصب ضاع عمله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي بالمصبوغ دل عليه قوله فإن صبغها.
وكذا الضمير في به يرجع إلى المصبوغ وفي الحقيقة يرجع إلى الثياب ولكنه لما ذكره أولناه هكذا م: (حتى إذا بيع) ش: أي المصبوغ المذكور م: (كان له) ش: أي للمضارب م: (حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة) ش: حتى إذا كانت قيمة الثوب غير مصبوغ ألفًا ومصبوغ ألفًا ومائتين كان الألف للمضاربة ومائتا درهم للمضارب بدل ماله وهو الصبغ.
فإن قلت: فما حكم سائر الألوان ولم خص الحمرة؟.
قلت: لأن السواد نقصان عند أبي حنيفة، وأما سائر الألوان فكالحمرة، ذكره فخر الإسلام في " الجامع الصغير ".
وقال في " تحرير المحيط ": إن صبغها المضارب بعصفر أو زعفران أو صبغ آخر يزيد في الثوب، فإن كان رب المال قال له اعمل فيه برأيك كان صاحب الثوب بالخيار، فإن شاء ضمن المضارب قيمة ثوبه أبيض، وإن شاء أخذ الثياب وأعطاه قيمة ما زاد الصبغ فيه يوم الخصومة إلا يوم اتصل بثوبه كما في الغاصب.
وهذا إذا لم يكن في مال المضاربة، فأما إذا كان فيقدر ما كان حصة المضارب من الثياب لا يضمنه، فإن لم يفعل رب المال شيئًا من ذلك حتى باع المضارب الثياب جاز بيعه وبرئ من الضمان ولم يكن لرب المال أن يمنعه من البيع، وإذا جاز بيعه فينظر بعد ذلك إن باعها مساومة يقسم الثمن بين رب المال وبين المضارب على قيمة الثياب غير مصبوغة، وعلى قيمتها المصبوغة فتفاوت ما بينهما يكون قيمة الصبغ حتى إنه إذا كان قيمة الثياب غير مصبوغة ألفا وقيمتها مصبوغة ألف ومائتان فالألف للمضاربة والمائتان للمضارب بدل صبغه، وإن باعها مرابحة فإن هذا الثمن ينقسم على الثمن الذي اشترى المضارب الثياب به وعلى قيمة الذي صبغ المضارب به.

م: (بخلاف القصارة) ش: بفتح القاف، لأن القصارة بالكسر حرفة القصار، وبالفتح فعله مصدر من قصر الثوب إذا بيضه م: (والحمل) ش: أي حمل المتاع م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من القصارة والحمل م: (ليس بعين مال قائم به) ش: أي بالثوب حتى يكون بإزائه بعض الثمن فيكون جميع الثمن للمضاربة. وإنما قال ليس بعين مال قائم لأنه في الحمل ظاهر.
وأما في القصارة فلا تنفي الثوب ولا تزيد فيه شيئًا ويبقى أبيض على ما كان أصله.
م: (ولهذا) ش: توضيح لما قاله من الفرق م: (إذا فعله الغاصب ضاع عمله) ش: يعني لو

(10/93)


ولا يضيع إذا صبغ المغصوب، وإذا صار شريكا بالصبغ انتظمه قوله اعمل برأيك انتظامه الخلط فلا يضمنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قصر الغاصب الثوب الذي غصبه ضاع فعله، حتى لو إن ردت قيمته للمالك أن يأخذه مجانًا.
م: (ولا يضيع) ش: أي فعل الغاصب م: (إذا صبغ المغصوب) ش: حتى إذا صبغه أحمر أو أصفر لم يكن للمالك أن يأخذه مجانًا. بل يتخير رب المال إن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة ما زاد الصبغ فيه يوم الخصومة لا يوم اتصال ثبوته، وإن شاء ضمنه جميع قيمة الثوب أبيض يوم صبغه وترك الثوب عليه.
م: (وإذا صار) ش: أي المضارب م: (شريكًا) ش: أي لرب المال م: (بالصبغ انتظمه) ش: يعني شمله أي المضارب م: (قوله:) ش: أي قول رب المال م: (اعمل برأيك) ش: يعني أن قوله اعمل برأيك يكون متناولاً لصبغه أحمر م: (انتظامه الخلط) ش: أي كانتظام قوله اعمل برأيك الخلط، يعني خلط مال المضاربة بمال القسمة وبمال غيره.
وانتصاب الالتزام ينزع الحافظ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو الضمير الذي يرجع إلى قوله اعمل برأيك، وقول الخلط بالنصب مفعوله م: (فلا يضمنه) ش: أي إذا كان كذلك فلا يضمن المطلوب الثوب المصبغ، لأن الشركة والخلط بإذن رب المال وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يضمن، وإن قال: اعمل برأيك، وإذا لم يقل له اعمل برأيك يصير غاصبًا فيضمن.

(10/94)


فصل آخر قال: فإن كان معه ألف بالنصف فاشترى بها بزا فباعه بألفين ثم اشترى بالألفين عبدا فلم ينقدهما حتى ضاعا يغرم رب المال ألفا وخمسمائة والمضارب خمسمائة ويكون ربع العبد للمضارب وثلاثة أرباعه على المضاربة، قال - رضي الله عنه - هذا الذي ذكره حاصل الجواب لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد إلا أن له حق الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة على ما نبين فيكون عليه في الآخرة. ووجهه أنه لما نض المال ظهر الربح وله منه وهو خمسمائة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل إن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها بزًا فباعه بألفين]
م: (فصل آخر)
ش: لما كانت مسائل هذا الفصل متفرقة ذكرها بفصل على حدة، ولما لم يكن من نفس مسائل المضاربة التي لا بد منها للمضاربة أخر ذكرها.
م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف بالنصف فاشترى بها بزًا) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاي المعجمة. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير ": البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز م: (فباعه) ش: أي البز م: (بألفين ثم اشترى بالألفين عبدا فلم ينقدهما) ش: أي بالألفين م: (حتى ضاعا) ش: أي الألفان م: (يغرم رب المال ألفًا وخمسمائة والمضارب خمسمائة ويكون ربع العبد للمضارب وثلاثة أرباعه على المضاربة) ش: لأن المضارب لما باع البز بألفين ظهر الربح بقدر الألف فيملك المضارب نصفه وهو خمسمائة، فإذا اشترى بالألفين عبدًا صار ربع العبد له وثلاثة أرباعه لرب المال فانهلك الثمن كأنما يخص الربع على المضارب وما يخص ثلاثة أرباع على رب المال.

م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا الذي ذكره) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حاصل الجواب) ش: أي جواب المسألة م: (لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد) ش: فيجب عليه م: (إلا أن له) ش: أي للمضارب م: (حق الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة على ما نبين) ش: أشار به إلى قوله: لأنه وكيل من جهته فيه ويأتي ذلك بعد ثلاثة أسطر.
م: (فيكون عليه في الآخرة) ش: أي فيكون الثمن كله على المضارب، لأنه هو العاقد الآخر بفتح الهمزة والحاء والراء أي في الأخير يقال جاء فلان بآخرة أي بأخير.
م: (ووجهه) ش: أي وجه حاصل الجواب م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (لما نض المال) ش: أي نقد م: (ظهر الربح وله منه) ش: أي وللمضارب من الربح شيء أو نصيب، ثم فسره بقوله م: (وهو) ش: أي الذي ظهر للمضارب من الربح م: (خمسمائة) ش: لأنه ظهر الربح

(10/95)


فإذا اشترى بالألفين عبدا صار مشتريا ربعه لنفسه وثلاثة أرباعه للمضاربة على حسب انقسام الألفين، وإذا ضاعت الألفان وجب عليه الثمن لما بيناه، وله الرجوع بثلاثة أرباع الثمن على رب المال لأنه وكيل من جهة فيه ويخرج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة؛ لأنه مضمون عليه ومال المضاربة أمانة وبينهما منافاة ويبقى ثلاثة أرباع العبد على المضاربة لأنه ليس فيه ما ينافي المضاربة ويكون رأس المال ألفين وخمسمائة؛ لأنه دفعه مرة ألفا ومرة ألفا وخمسمائة
ولا يبيعه مرابحة إلا على الألفين؛ لأنه اشتراه بألفين ويظهر ذلك فيما إذا بيع العبد بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف يرفع رأس المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعد الألف يملك المضارب نصفه وهو خمسمائة م: (فإذا اشترى بالألفين عبدًا صار مشتريًا ربعه) ش: أي ربع العبد م: (لنفسه وثلاثة أرباعه للمضاربة على حسب انقسام الألفين) ش: أي على الأرباع الربع للمضارب وثلاثة أرباع لرب المال.
م: (وإذا ضاعت الألفان وجب عليه) ش: أي على المضارب م: (الثمن) ش: أي ثمن العبد م: (لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد. م: (وله) ش: وللمضارب م: (الرجوع بثلاثة أرباع الثمن على رب المال لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (وكيل من جهة) ش: أي من جهة رب المال م: (فيه) ش: أي في شراء هذا العبد.
م: (ويخرج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة لأنه) ش: أي لأن نصيبه م: (مضمون عليه) ش: لدخول الربع في ملكه وضمانه م: (ومال المضاربة أمانة) ش: أي في يد المضارب م: (وبينهما) ش: أي بين المضمون والأمانة م: (منافاة) ش: فلا تجتمعان. وإذا كان كذا يخرج نصيب المضارب وهو الربع عن المضاربة لكونه مضمونًا عليه م: (ويبقى ثلاثة أرباع العبد على المضاربة، لأنه ليس فيه) ش: أي في إبقاء ثلاثة الأرباع على المضاربة م: (ما ينافي المضاربة) ش: لأن ضمان رب المال لا ينافي المضاربة م: (ويكون رأس المال ألفين وخمسمائة لأنه) ش: أي لأن رب المال م: (دفعه مرة ألفًا ومرة ألفًا وخمسمائة) ش: فالمجموع ألفان وخمسمائة، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنهم المال ما دفعه ثانيًا وهو ألف وخمسمائة، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.

م: (ولا يبيعه) ش: أي لا يبيع المضارب العبد المذكور م: (مرابحة إلا على الألفين، لأنه اشتراه بألفين) ش: لأن عقده دفع على الألفين حتى اشتراه م: (ويظهر ذلك) ش: إشارة إلى مجموع ما ذكر قبله وهو خروج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة وبقاء ثلاثة أرباع العبد على المضاربة وظهور الربح بعد ذك على ما شرطا م: (فيما إذا بيع العبد بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف) ش: لأن ربع الثمن وهو ألف للمضارب، لأنه بدل ملكه م: (يرفع رأس المال) ش:

(10/96)


ويبقى خمسمائة ربحا بينهما.
قال: وإن كان معه ألف فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه إياه بألف فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة لأن هذا البيع مقضي بجوازه لتغاير المقاصد دفعا للحاجة، وإن كان بيع ملكه بملكه إلا أن فيه شبهة العدم، ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل الثمنين. ولو اشترى المضارب عبدا بألف وباعه من رب المال بألف ومائتين باعه مرابحة بألف ومائة لأنه اعتبر عدما في حق نصف الربح وهو نصيب رب المال وقد مر في البيوع.
قال: فإن كان معه ألف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو ألفان وخمسمائة م: (ويبقى خمسمائة ربحًا بينهما) ش: أي بين المضارب ورب المال نصفين على ما شرطا.

م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (وإن كان معه ألف) ش: أي مع المضارب م: (فاشترى رب المال عبدًا بخمسمائة وباعه إياه) ش: أي المضارب م: (بألف فإنه) ش: أي فإن المضارب م: (يبيعه) ش: أي العبد المذكور م: (مرابحة على خمسمائة، لأن هذا البيع) ش: أي بيع رب المال للمضارب م: (مقضي بجوازه) ش: أي محكوم بصحته م: (لتغاير المقاصد) ش: لأن مقصود رب المال وصوله إلى الألف مع بقاء العقد، ومقصود المضارب استفادة اليد على العبد م: (دفعًا للحاجة) ش: أي لأجل دفع الحاجة.
م: (وإن كان) ش: إن هذه واصلة بما قبله، يعني هذا البيع قضى بجوازه وإن كان م: (بيع ملكه بملكه) ش: أي بيع ملك رب المال بملكه وذلك لأن المضارب اشتراه لرب المال لأنه وكيله، وبيع الإنسان من نفسه باطل ولكن لما كان حق المضارب كحق ثالث صح البيع خلافًا لزفر.
م: (إلا) ش: استثنى من قوله مقضي بجوازه، وهو معنى بغير أي غير م: (أن فيه) ش: أي في هذا البيع م: (شبهة العدم) ش: جواز البيع، ولهذا أبطله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فتمكنت شبهة البطلان، فاعتبر أقل الثمنين في المرابحة على ما يجيء الآن م: (ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل الثمنين) ش: في المرابحة للاحتياط.
م: (ولو اشترى المضارب عبدًا بألف وباعه من رب المال بألف ومائتين باعه مرابحة بألف ومائة لأنه) ش: أي لأن البيع م: (اعتبر عدمًا في حق نصف الربح وهو نصيب رب المال) ش: تحريره أن العقدين وقعا لرب المال ولم يقع لمضارب منه إلا قدر مائة فوجب اعتبار هذه المائة وفيما وقع رب المال لم يعتبر الربح لاحتمال بطلان العقد الثاني كما قلنا في المسألة الأولى م: (وقد مر في البيوع) ش: أراد به ما ذكره في باب المرابحة بقوله وإن كان مع المضارب عشرة بالنصف فاشترى ثوبًا بعشرة وباعه من رب المال بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف.

[كان مع مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها عبدًا فقتل العبد رجلاً]
م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف

(10/97)


بالنصف فاشترى بها عبدا قيمته ألفان فقتل العبد رجلا خطأ فثلاثة أرباع الفداء على رب المال وربعه على المضارب؛ لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدر الملك وقد كان الملك بينهما أرباعا؛ لأنه لما صار المال عينا واحدا قيمته ألفان ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال برأس ماله؛ لأن قيمته ألفان. وإذا فديا خرج العبد عن المضاربة. أما نصيب المضارب فلما بيناه، وأما نصيب رب المال فلقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما، لما أنه يتضمن قسمة العبد بينهما والمضاربة تنتهي بالقسمة، بخلاف ما تقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالنصف فاشترى بها عبدًا قيمته ألفان فقتل العبد رجلاً خطأ) ش: أي قتلاً خطأ وهو نصب على الحال، أي خاطئًا، وإنما قيد بقوله قيمته ألفان، لأنه لو كان ألفًا فتدبير جنايته على رب المال بلا خلاف، لأن رقبته ملكه وإن اختار رب المال الدفع والمضارب الفداء مع ذلك فداء للثلاثة م: (فثلاثة أرباع الفداء على رب المال وربعه على المضارب، لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدر الملك، وقد كان الملك بينهما أرباعًا، لأنه لما صار المال عينًا واحدًا قيمته ألفان ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال برأس ماله؛ لأن قيمته ألفان) ش: الأصل في جناية العبد الدفع أو الفداء، فإن دفع العبد انتهت المضاربة لأنه زال عن ملكها بلا بدل.
وفي " جامع المحبوبي ": لا يدفع حتى يحضر رب المال والعامل سواء كان الأرش مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر، لأن الملك مشترك بينهما كالعبد الرهن إذا جنى خطأ لا يدفع إلا بحضرة الراهن والمرتهن، ولا يشترط حضورهما للفداء، لأن كلا منهما بملكه ولو فداه المضارب لا يرجع على رب المال، لأنه أدى دين غيره بغير أمره، وهو غير مضطر فيه فكان متبرعًا كالأجنبي.
وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: إن كانت قيمته أكثر من رأس المال يدفع بلا حضور المضارب؛ لأنه لا مالك له بعد ظهور الربح حتى يقتسما في قول، والفداء أيضًا على رب المال لا العامل لعدم ملكه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يظهر ملك العامل بمجرد ظهور الربح كقولنا، فيكون الفداء عليه على قياس هذا القول.
م: (وإذا فديا) ش: أي رب المال والمضارب م: (خرج العبد عن المضاربة، أما نصيب المضارب فلما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكره من قوله ويخرج نصيب المضارب، وهو الربع في المضاربة، لأنه مضمون عليه م: (وأما نصيب رب المال فلقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما) ش: أي على رب المال والمضارب م: (لما أنه) ش: أي لأن قضاء القاضي بالانقسام م: (يتضمن قسمة العبد بينهما) ش: لأن الخطأ بالفداء يوجب سلامة ما فدى للفادي ولا سلامة إلا بالقسمة.
م: (والمضاربة تنتهي بالقسمة، بخلاف ما تقدم) ش: أراد به ما إذا ضاع الألفان في أول الفصل حيث لا تنتهي

(10/98)


لأن جميع الثمن فيه على المضارب وإن كان له حق الرجوع فلا حاجة إلى القسمة، ولأن العبد كالزائل عن ملكهما بالجناية ودفع الفداء كابتداء الشراء فيكون العبد بينهما أرباعا لا على المضاربة يخدم المضارب يوما ورب المال ثلاثة أيام، بخلاف ما تقدم.
قال: وإن كان معه ألف فاشترى بها عبدا فلم ينقدها حتى هلكت الألف، يدفع رب المال ذلك الثمن ثم، وثم ورأس المال جميع ما يدفع إليه رب المال لأن المال أمانة في يده، ولا يصير مستوفيا والاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون وحكم الأمانة ينافيه فيرجع مرة بعد أخرى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المضاربة هناك، بل تثبت على ما كانت م: (لأن جميع الثمن فيه) ش: أي فيما تقدم م: (على المضارب وإن كان له حق الرجوع) ش: أي على رب المال بألف وخمسمائة على ما مر م: (فلا حاجة إلى القسمة) ش: لعدم أمر يقتضي ذلك.
م: (ولأن العبد كالزائل عن ملكهما بالجناية) ش: لأن الموجب الأصلي هو الدفع م: (ودفع الفداء كابتداء الشراء) ش: أراد باختيارهما الفداء، كأنهما اشترياه ابتداء يكون الفداء عليهما أرباعًا ربعه على المضارب وثلاثة أرباعه على رب المال، لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدره، وقد كان الملك بينهما أرباعًا م: (فيكون العبد) ش: بعد فدائهما م: (بينهما أرباعًا لا على المضاربة) ش: لخروج العبد عن المضاربة م: (يخدم المضارب يومًا ورب المال ثلاثة أيام) ش: لأنه عبد مشترك أرباعًا م: (بخلاف ما تقدم) ش: أراد به المسألة التي تقدمت في أول الفصل فإن العبد فيها يخدم المضارب يومًا وثلاثة أيام للمضاربة لكون العبد في المضاربة لعدم انتهائها.

م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف فاشترى بها عبدًا فلم ينقدها) ش: يعني لم يدفع الألف إلى البائع م: حتى هلكت) ش: يعني الألف م: (يدفع رب المال ذلك الثمن ثم وثم ورأس المال جميع ما يدفع إليه رب المال) ش: وهو الألفان وكذا لو هلكت الألف الثاني قبل الدفع إلى البائع يدفع رب المال ألف أخرى ثم وثم، ويكون بجميع رأس المال.
م: (لأن المال أمانة في يده) ش: أي في يد المضارب، لأن مبنى المضاربة عليها م: (ولا يصير مستوفيًا والاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون) ش: أي استيفاء الحق يكون بقبض مضمون فلو حل بقبض المضارب على الاستيفاء لصار ضمانًا وهو أمين م: (وحكم الأمانة ينافيه) ش: أي ينافي الضمان دل عليه قوله بقبض مضمون، فإذا كان كذلك فحمل قبضه ثانيًا وثالثًا إلى غير النهاية على جهة الأمانة دون الاستيفاء، وإذا هلك كان الهلاك على رب المال م: (فيرجع مرة بعد أخرى) ش: أي إذا كان قبضة أمانة يرجع على رب المال مرة بعد أخرى حيث ما وجد هلاك المال.

(10/99)


بخلاف الوكيل بالشراء إذا كان الثمن مدفوعا إليه قبل الشراء، وهلك بعد الشراء حيث لا يرجع إلا مرة؛ لأنه أمكن جعله مستوفيا؛ لأن الوكالة تجامع الضمان كالغاصب إذا توكل ببيع المغصوب ثم في الوكالة في هذه الصورة يرجع مرة وفيما إذا اشترى ثم دفع الموكل إليه المال فهلك لا يرجع؛ لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده، أما المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الوكيل بالشراء) ش: بشراء عبد بعينه م: (إذا كان الثمن مدفوعًا إليه قبل الشراء) ش: أي بأن أعطاه الموكل ألفًا وقال له اشتر لي عبدًا بعينه م: (وهلك) ش: أي الثمن وهو ألف مثلًا م: (بعد الشراء) ش: قبل أن ينقده إلى البائع م: (حيث لا يرجع) ش: أي على موكله م: (إلا مرة) ش: واحدة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (أمكن جعله) ش: أي جعل ما قبضه الوكيل م: (مستوفيًا، لأن الوكالة تجامع الضمان) ش: على ما نبين الآن، بخلاف المضاربة، فإن مبناها على الأمانة م: (كالغاصب إذا توكل ببيع المغصوب) ش: حيث جازت الوكالة، فإذا هلك العبد في يد الغاصب بعد ما صار وكيلاً ضمن، لأنه لم يخرج عن الضمان بمجرد الوكالة م: (ثم في الوكالة في هذه الصورة) ش: أشار به إلى صورة الوكيل بشراء عبد بعينه ودفع إليه الثمن وهلك قبل الدفع إلى البائع م: (يرجع مرة) ش: يعني يرجع الوكيل على موكله مرة واحدة فيما إذا هلك الثمن بعد القبض من الموكل قبل الدفع إلى البائع.
تحريره أن الوكيل إذا اشترى العبد بألف وجب للبائع على الوكيل الثمن، ووجب للوكيل على الموكل مثله.
فإن كان الموكل قد دفع إليه الثمن أولا ثم هلك الثمن قبل الشراء، أي وقبل الدفع إلى البائع يرجع الوكيل على موكله بالثمن، لأن المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده ولم يوجد بعد الشراء لما يوجب أن يكون مضمونًا، فلم يصر مستوفيًا، فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لو وقع الاستيفاء، وإن كان قد اشترى ثم دفع إليه الثمن ثم هلك قبل أن يدفعه إلى البائع لا يرجع، لأن قبضه كان على جهة الاستيفاء لا على جهة الأمانة.
فإذا استوفاه مرة؛ لم يبق الحق أصلاً أشار إلى ذلك بقوله م: (وفيما إذا اشترى) ش: أي الوكيل م: (ثم دفع الموكل إليه المال فهلك) ش: أي عند الوكيل م: (لا يرجع) ش: أي الوكيل على الموكل م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ثبت له) ش: أي للوكيل م: (حق الرجوع) ش: أي على الموكل م: (بنفس الشراء فجعل) ش: أي الوكيل م: (مستوفيا بالقبض بعده) ش: أي بقبض الثمن بعد الشراء.
م: (أما المدفوع إليه) ش: أي إلى الوكيل م: (قبل الشراء أمانة في يده وهو) ش: أي الوكيل

(10/100)


قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا، فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء على ما مر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قائم على الأمانة بعده) ش: أي بعد الشراء م: (فلم يصر مستوفيًا) ش: لكون قبضه قبض أمانة في هذه الصورة م: (فإذا هلك) ش: أي المدفوع إليه م: (يرجع عليه مرة) ش: أي يرجع الوكيل على موكله مرة واحدة م: (ثم لا يرجع) ش: بعد ذلك أصلاً عند الهلاك م: (لوقوع الاستيفاء على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره من قوله لأنه يثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيًا بالقبض بعده.
وذكر " الإمام المحبوبي " هنا فرقًا آخر وهو أن الوكيل لما اشترى فقد انعزل عن الوكالة فله أن يرجع على الموكل بعد، وأما المضارب فلا ينعزل بالشراء ويتصرف في كل مرة، قيل هذا من المواضع التي يفارق فيها المضارب الوكيل على ما ذكرنا في أوائل فصل العزل.

(10/101)


فصل في الاختلاف قال: وإذا كان مع المضارب ألفان فقال دفعت إلي ألفا وربحت ألفا. وقال رب المال لا بل دفعت إليك ألفين فالقول قول المضارب، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: القول قول رب المال وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المضارب يدعي عليه الشركة في الربح وهو ينكر، والقول قول المنكر ثم رجع إلى ما ذكره في الكتاب؛ لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض. وفي مثله القول قول القابض ضمينا كان أو أمينا لأنه أعرف بمقدار المقبوض. ولو اختلفا مع ذلك في مقدار الربح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في اختلاف رب المال والمضارب]
[كان مع المضارب ألفان فقال دفعت إلي ألفًا وربحت ألفًا وأنكر رب المال]
م: (فصل في الاختلاف)
ش: أي في بيان أحكام اختلاف رب المال والمضارب، ولما كان الاتفاق أصلاً والاختلاف عارضا أخره عن الأصل.
م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (وإذا كان مع المضارب ألفان فقال:) ش: - أي المضارب - م: (دفعت) ش: بفتح التاء، لأنه خطاب لرب المال بقوله أنت دفعت م: (إلي ألفًا وربحت ألفًا. وقال رب المال لا) ش: أي ليس الأمر كما ذكرت م: (بل دفعت إليك ألفين) ش: مضاربة م: (فالقول قول المضارب، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا القول قول رب المال وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المضارب يدعي عليه الشركة في الربح وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر، والقول قول المنكر، ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلى ما ذكره في الكتاب) ش: أراد به الجامع الصغير م: (لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض) ش: قيد به لأن الاختلاف إذا كان في الصفة فالقول لرب المال على ما يجيء م: (وفي مثله) ش: أي وفي مثل الاختلاف في مقدار المقبوض م: (القول قول القابض ضمينًا كان) ش: أي القابض كالغاصب م: (أو أمينًا) ش: أي أو كان أمينًا كالمودع.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن القول للعامل. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: إذا كان في المال ربح تحالفا، والأصح هو الأول.
م: (لأنه) ش: أي لأن القابض م: (أعرف بمقدار المقبوض) ش: لأنه فعل نفسه، فإذا كان القول قول الضمين في ذلك فالأمين بطريق الأولى، ألا ترى أنه لو أنكر أصل القبض كان القول له، فكذا إذا أنكر قبض بعضه، كذا في " الإيضاح ".
م: (ولو اختلفا) ش: أي رب المال والمضارب، ذكر هذا تفريعًا على ما تقدم م: (مع ذلك) ش: أي مع اختلافهما في المقبوض م: (في مقدار الربح) ش: المجرور يتعلق باختلاف في صورته: قال رب المال رأس المال ألفان، وشرطت لك ثلث الربح، وقال المضارب رأس المال

(10/102)


فالقول فيه لرب المال؛ لأن الربح يستحق بالشرط وهو يستفاد من جهته، وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فضل قبلت؛ لأن البينات للإثبات.
قال: ومن كان معه ألف درهم فقال: هي مضاربة لفلان بالنصف، وقد ربح ألفا، وقال فلان: هي بضاعة فالقول قول رب المال؛ لأن المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة وهو ينكر.
ولو قال المضارب: أقرضتني وقال رب المال: هي بضاعة أو وديعة أو مضاربة فالقول لرب المال والبينة بينة المضارب؛ لأن المضارب يدعي عليه التملك وهو ينكر.
ولو ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها، فالقول للمضارب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ألف وشرطت لي نصف الربح م: (فالقول فيه) ش: أي في الربح م: (لرب المال) ش: وفي القدر للمضارب. وعليه نص أحمد وقول لمالك وأبي ثور وابن المنذر.
وقال الشافعي: يتحالفان كالمتبايعين.
قلنا: اليمين على المنكر بالحديث والمضارب يستحق ما يستحق بالشرط، فكان مدعيًا للشرط، بخلاف المتبايعين، لأن كل واحد مدع ومنكر م: (لأن الربح يستحق بالشرط وهو يستفاد من جهته) ش: أي من جهة رب المال، لأنه يعلم بشرطه وهو منكر للشرط.
م: (وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فضل قبلت؛ لأن البينات للإثبات) ش: أما رب المال فإنه يدعي فضلاً في رأس ماله فتقبل بينته فيه، وأما المضارب فلأنه يدعي فضلا في الربح، فكذا تقبل بينته.

[كان معه ألف فقال هي مضاربة لفلان وقال فلان هي بضاعة]
م: (قال: ومن كان معه ألف درهم فقال هي مضاربة لفلان بالنصف وقد ربح ألفًا، وقال فلان هي بضاعة فالقول قول رب المال) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وإنما يكون القول قول رب المال م: (لأن المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطًا من جهته) ش: أي أو يدعي شرطًا من جهة رب المال م: (أو يدعي) ش: أي المضارب م: (الشركة) ش: أي في ماله م: (وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر) ش: والقول قول المنكر.

[قال المضارب أقرضتني وقال رب المال هي بضاعة]
(ولو قال المضارب أقرضتني) ش: هذا المال م: (وقال رب المال هي بضاعة أو وديعة أو مضاربة فالقول لرب المال والبينة بينة المضارب، لأن المضارب يدعي عليه التملك) ش: من جهته م: (وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر) ش: والقول قول المنكر، بخلاف ما لو ادعى رب المال القرض والمضارب يدعي المضاربة حيث تكون البينة بينة رب المال والقول للمضارب، لأنهما اتفقا أن الأخذ كان بإذنه ورب المال يدعي ضمانًا والمضارب ينكر فالقول له والبينة للمدعي ذكره في " الإيضاح ".

[ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها]
م: (ولو ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها فالقول للمضارب)

(10/103)


لأن الأصل فيه العموم والإطلاق والتخصيص يعارض الشرط بخلاف الوكالة؛ لأن الأصل فيه الخصوص.
ولو ادعى كل واحد منهما نوعا فالقول لرب المال؛ لأنهما اتفقا على التخصيص والإذن يستفاد من جهته فيكون القول له. ولو أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لحاجته إلى نفي الضمان وعدم حاجة الآخر إلى البينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: في دعوى العموم مع يمينه م: (لأن الأصل فيه) ش: أي في باب المضاربة م: (العموم والإطلاق) ش: فيكون القول لمن يتمسك بالأصل، وبه قالت الثلاثة.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول لرب المال، لأن الإذن يستفاد من جهته م: (والتخصيص يعارض الشرط) ش: أي تخصيص المضاربة بنوع يعارض الشرط من جهة رب المال وإلا فالأصل التعميم كما ذكرنا، وهذا لو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف يصح ويملك جميع أنواع التجارات، فلو لم يكن العقد للعموم لم يصح العقد إلا بالتنصيص كما في الوكالة م: (بخلاف الوكالة لأن الأصل فيه الخصوص) ش: ولا يثبت فيه العموم إلا بالتنصيص، وإنما ذكر الضمير في فيه مع أنه راجع إلى الوكالة إما باعتبار التوكيل وإما باعتبار حذف المضاف، أي لأن الأصل في باب الوكالة.

م: (ولو ادعى كل واحد منهما نوعًا) ش: بأن قال رب المال في البر وقال المضارب في الطعام م: (فالقول لرب المال، لأنهما اتفقا على التخصيص) ش: لأن كلاً منهما يدعي خصوصية نوع، ولكن اعتبار قول من يستفاد الإذن من جهته أحق، أشار إليه بقوله م: (والإذن يستفاد من جهته) ش: أي من جهة رب المال م: (فيكون القول له، ولو أقاما البينة فالبينة بينة المضارب) ش: يعني إذا أقاما البينة كانت بينة المضارب أولى م: (لحاجته) ش: أي لحاجة المضارب م: (إلى نفي الضمان) ش: عن نفسه م: (وعدم حاجة الآخر) ش: أي ولعدم حاجة الآخر وهو رب المال م: (إلى البينة) ش: لعدم الضمان من جهته. قال السغناقي: في هذا مما يتأمل في صحته، وإن كانت رواية الإيضاح تساعد، لأن رب المال يحتاج أيضًا إلى إثبات ما ادعاه، بل بينة رب المال أولى بالقبول لإثباتها أمرًا عارضا وهو الضمان وشرعية البينات لإثبات الأمر العارض غير الظاهر، كما في بينة الخارج مع بينة ذي اليد.
وجعل صاحب " الذخيرة " بينتهما في دعوى الخصوص والعموم واحدًا، وقال: لأن العمل فيهما ممكن بأن يجعل كأنه أذن له بالعموم أولا، ثم نهاه عنه، وأذنه بالخصوص، أو أذن له بالخصوص أولا، ثم أذن له بالعموم، فإن لم توقت البينتان وقتًا على الشراء أو وقت إحداهما دون الأخرى فيعمل ببينة رب المال لتعذر العمل بهما ليعمل ببينة رب المال، لأنه يثبت ما ليس بثابت فافهم.

(10/104)


ولو وقتت البينتان وقتا فصاحب الوقت الأخير أولى؛ لأن آخر الشرطين ينقض الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو وقتت البينتان وقتًا) ش: بأن قال رب المال دفعته في البر في رمضان. وقال العامل في الطعام في شوال م: (فصاحب الوقت الأخير أولى، لأن آخر الشرطين ينقض الأول) ش: أي يفسخه، فكان الرجوع إليه أولى.

[نفقة عبد المضاربة] 1
فروع: نفقة عبد المضاربة في مال المضاربة وجعله إذا أبق على رب المال ظهر ربح أو لا بلا خلاف دفع إليه العين. وقال أضف من عندك ألفًا أخرى يكون ألفان منهما شركة والألف مضاربة بالنصف جاز، خلافًا لبعض المالكية، ويجوز أن يكون الرجل عاملاً في المضاربة لرجل ثم يضاربه آخر.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إذا كان فيه ضرر على الأول دفع ألفًا على أن له نصف ربحهما جاز بلا خلاف. ولو قال على أن لي ربح نصفها جاز أيضًا عندنا وعند أبي ثور، خلافًا للأئمة الثلاثة ولو اشترى العامل بالألف أمة أو غنمًا أو بقرًا أو مكيلاً أو موزونًا يساوي ألفين زكى حظه لظهور الربح، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا يزكي لعدم ملكه الربح قبل القسمة، ولو اشترى أمتين أو غنمًا أو بقرًا أو برًا أو شعيرًا لا يزكي لاختلاف الجنس، فلا يظهر الربح ولا يكاتب المضارب قبل ظهور الربح بلا خلاف وبعد يفقد في حصته ولرب المال فسخها دفعًا للضرر عن نفسه، وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز قبل ظهور الربح، والله أعلم بالصواب.

[كتاب الوديعة]

[تعريف الوديعة] 1

(10/105)