البناية شرح الهداية

باب ما يصح رجوعه وما لا يصح قال: وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها. وقال الشافعي: لا رجوع فيها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرجع الواهب في الهبة إلا الوالد فيما يهب لولده» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب ما يصح رجوعه في الهبة وما لا يصح]
م: (باب ما يصح رجوعه وما لا يصح) ش: لما كانت الهبة غير لازمة حتى صح الرجوع فيها احتاج إلى بيان مواضع الرجوع بعقد باب علمها.
م: (قال: وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها) ش: أي في الهبة، والمراد الموهوب لأن الرجوع إنما يكون في حق الأعيان دون الأقوال. ولصحة الرجوع قيود.
الأول: أن يكون لأجنبي وهو هاهنا من لم يكن ذا رحم محرم منه، فخرج منه من كان ذا رحم وليس بمحرم كبني الأعمام والأخوال ومن كان محرما ليس بذي رحم كالأخ الرضاعي.
الثاني: أن يكون قد سلمها إليه لأنه قبل التسليم يجوز مطلقا.
الثالث: أن لا يقترن بشيء من موانع الرجوع، ولعله لم ينبه على القيدين الأخيرين اعتمادا على أنه يفهم ذلك في أثناء كلامه.
م: (وقال الشافعي: لا رجوع فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: «لا يرجع الواهب في الهبة إلا الوالد فيما يهب لولده» ش: وبقوله قال مالك وأحمد في ظاهر مذهبه، وفي هبة الوالد لولده عن أحمد في رواية لا يرجع. وعن مالك: إذا رغب راغب في مواصلة الولد بسبب المال الموهوب بأن زوج لأجله أو جهز لابنته لا رجوع فيه. وكذا إذ انتفع الولد به، وفي غير ذلك له الرجوع. وللشافعي في غير الأب من الأصول قولان: أحدهما: لا رجوع لأن الخبر ورد في الأب، وأصحهما أنهم كالأب. وعن مالك لا رجوع لهم سوى الأم. وقال أحمد: لا رجوع لها أيضا فأما غير الأصول من الأقارب كالأخ والعم وسائر الأقارب كالأجنبي.
وقال ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع ": وكل من وهب هبة فليس فيها رجعة إلا

(10/185)


ولأن الرجوع يضاد التمليك والعقد لا يقتضي ما يضاده، بخلاف هبة الوالد لولده على أصله؛ لأنه لم يتم التمليك لكونه جزءا له. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للوالدين خاصة، فإن لهما الرجعة فيما وهباه لولدهما ما لم يتداين أو يتزوج، فإن تداين أو تزوج لم يكن للوالدين في الهبة رجعة، فإن تغيرت الهبة عند الوالد فليس للوالد فيها رجعة، وإن باعها الولد وأخذ ثمنها لم يكن للوالد إلى الثمن فيها سبيل، انتهى.
وفي " وجيز الشافعية ": ولا رجوع فيها إلا للوالد فيما يهب لولده، وفي معناه الولد والجد وكل أصل. وقيل إنه يختص بالأب، وإن تصدق الأب عليه لفقره ففي الرجوع خلاف، وتلف الموهوب أو زال ملك المتهب فات الرجوع ولا يثبت طلب القيمة، وقال المزني: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته وله أن يرجع في هديته، وإن لم يثبت عليها إلا الأب.
وأما الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع فأتم عاد في قيئه» ، قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني في سننه.
م: (ولأن الرجوع يضاد التمليك، والعقد لا يقتضي ما يضاده) ش: فوجب أن يلزم كالبيع م: (بخلاف هبة الوالد لولده على أصله) ش: أي على أصل الشافعي، فإن من أصله أن للأب حق الملك في مال ابنه؛ لأنه جزؤه فالتمليك منه كالتمليك من نفسه من وجه. وقوله: بخلاف إلى آخره جواب عما يقال فهذه العلة موجودة في هبة الوالد للولد، وتقريره إياك نسلم ذلك م: (لأنه لم يتم التمليك لكونه جزءا له) ش: لأن الولد كسبه أو بعضه فلم يتم التمليك كما في الزكاة.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة السلام: «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها» ش: قال

(10/186)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأترازي: فيه نظر؛ لأنه من كلام علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد مر ذكره، وأشار به إلى ما ذكره قبل هذا. وحديث الطحاوي عن سليمان عن عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن جابر الجعفي قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها.
وحديث الكرخي في " مختصره " قال: حدثنا الحضري قال حدثنا يحيى قال: حدثنا شريك عن جابر عن القاسم عن ابن أبزى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ".
قلت: كيف يقول الأترازي فيه نظر، فكأنه لم يطلع على كتب القوم. وهذا الحديث قد رواه أبو هريرة وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
أما حديث أبي هريرة: فأخرجه ابن ماجه في " الأحكام " عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها» . وأخرجه الدارقطني في " سننه " وابن أبي شيبة في " مصنفه ". وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: فله طريقان: أحدهما: عند الطبراني في " معجمه "، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثني أبي قال: وجدت في كتاب أبي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ثم يأكل قيئه» . الطريق الثاني: عند الدارقطني في " سننه " عن إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وهب هبة فارتجع فيها فهو أحق بها ما لم يثب منها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه» .
وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فرواه الحاكم في " المستدرك " حدثنا أحمد بن حازم بن أبي عزرة حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا، ورواه الدارقطني في " سننه ".

(10/187)


أي ما لم يعوض، ولأن المقصود بالعقد هو التعويض للعادة، فثبت له ولاية الفسخ عند فواته؛ إذ العقد يقبله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: قد قال البيهقي غلط فيه عبيد الله بن موسى، والصحيح رواية عبد الله بن وهب عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من قوله، وإسناد حديث أبي هريرة أليق، إلا أن فيه إبراهيم بن إسماعيل وهو ضعيف عند أهل الحديث، فلا يبعد منه الغلط، والصحيح رواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر فرجح الحديث إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله وقال ابن القطان في طريق الطبراني: هو لم يصل إلى العزرمي إلا على لسان كذاب وهو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، فلعل الخيانة منه.
قلت: حديث ابن عمر صحيح مرفوعا، ورواته ثقات، كذا قال عبد الحق في " الأحكام "، وصححه ابن حزم، وكذا قال الحاكم كما ذكرنا، وقد توبع راويه كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل الصفار عن علي بن سهل عن عبيد الله، فلا حمل على شيخ الحاكم، ولا نسلم للبيهقي أنه وهم، بل يحمل على أن لعبيد الله فيه إسنادين ولا يقال يجوز أن يكون المراد به قبل التسليم فلا يكون حجة؛ لأن ذلك لا يصح؛ لأن قوله أحق يدل على أن لغيره حقا فيها، ولا حق لغيره قبل التسليم. ولأنه لو كان كذلك لخلا قوله ما لم يثب منها عن الفائدة، إذ هو أحق قبله وإن شرط العوض.
م: (أي ما لم يعوض) ش: هذا ليس من الحديث، بل هو تفسير لقوله ما لم يثب وهو على صيغة المجهول من الإثابة وهو التعويض، وأصله من الثوب وهو الرجوع. يقال ثاب الرجل يثوب ثوبا وثوبانا.
م: (ولأن المقصود بالعقد هو التعويض للعادة فثبت له ولاية الفسخ عند فواته) ش: أي فوات المقصود م: (إذ العقد يقبله) ش: أي الفسخ، قيل فيه نظر؛ لأن المقاصد بالهبات مختلفة، فقد يكون المقصود مكافأة الموهوب عن إحسانه، وقد يكون الحامل على الهبة مجرد المحبة، وقد يكون المقصود نسج المودة أو النفع بالبدن أو بالجاه، وتسمى رشوة أو العوض المالي وليس القصد منحصرا في التعويض بالمال، حتى يقال إنه إذا لم يثب من الهبة بالمال، والتعويض غير مشروط أنه يجوز الرجوع فيه، ويمكن أن يجاب عنه بأن المقصود غالبا هو العوض المالي، أشار إليه بقوله: العادة يعني عادة الناس غالبا من هباتهم التعويض بالمال. ولهذا يقال - الأبادي فروض - وقد تأبدت بالشرع، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تهادوا تحابوا» والمعروف كالمشروط، والتفاعل يقتضي وجود الفعل من الجانبين.

(10/188)


والمراد بما روي نفي استبداد الرجوع وإثباته للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة، وذلك يسمى رجوعا، وقوله في الكتاب: فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا وهب لعبد ذي الرحم المحرم، فإن له أن يرجع على قول أبي حنيفة ومع أنه ليس من أهل التعويض. وكذا في هبة الفقير.
قلت: هو من أهل أن يعوض بمنافعه التي توجد منه ومن أهل أن يعوض بكسبه عند إذن المولى. وأما الهبة للفقير فعبارة عن الصدقة، وقال صاحب " العناية ": لأن العادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من فوقه ليصونه بجاهه، وإلى من دونه ليخدمه وإلى من يساويه ليعوضه.
قلت: فعلى هذا ليس له الرجوع إلا في الثالث ومع هذا له الرجوع في الكل ما لم يعوض.
م: (والمراد بما روي) ش: أراد به الحديث الذي احتج به الشافعي وهو على صيغة المجهول ويجوز صيغة المعلوم بأن يكون الشافعي أعله، وأشار بهذا الكلام إلى الجواب عن هذا الحديث.
تقريره أن المراد به م: (نفي استبداد الرجوع) ش: أي عدم استقلال الواهب بالرجوع من غير قضاء ولا رضاء إلا الوالد إذا احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته بلا قضاء ولا رضى، وهو معنى قوله م: (وإثباته) ش: أي إثبات الرجوع م: (للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة) ش: أي يتملك الرجوع عند حاجته من غير مانع لما ذكرنا م: (وذلك يسمى رجوعا) ش: أراد أن رجوع الوالد عند الحاجة إنما يسمى رجوعا باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعا في الحكم.
قيل: فيه نظر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أطلق استثناء الوالد ولم يقيد جواز رجوعه فيما وهب لولدها لحاجة فيجب إجراؤه على إطلاقه، وليحصل الفرق بين أخذ من مال ولد ورجوعه فيما وهبه إياه.
وتأويل آخر أن المراد لا يحل الرجوع ديانة ومروءة، وهذا جاء في أكثر الروايات بلفظ لا يحل، فكان بمنزلة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره جنبه طاو» أي لا يليق ذلك ديانة ومروءة. وإن كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب، وهكذا يقول لا يليق الرجوع ديانة ومروءة، فيكون مكروها.
م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في كتابه م: (فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة) ش: أي في الرجوع م: (فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» زاد أبو داود قال قتادة: ولا تعلم القيء إلا حراما.

(10/189)


وهذا لاستقباحه ثم للرجوع موانع، ذكر بعضها فقال: إلا أن يعوضه عنها لحصول المقصود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما في بعض نسخ الهداية: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» وهو كذلك في غالب كتب أصحابنا. وهكذا أخرجه البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» .
م: (وهذا) ش: أي تشبيه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لاستقباحه) ش: واستقذاره لا في حرمة الرجوع كما زعم الشافعي، ألا ترى أنه قال في رواية أخرى: «كالكلب يعود في قيئه» ، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول إنه يستقبح.
قيل: قد استدل المصنف على كراهة الرجوع بهذا الحديث الصحيح، ثم يشترطون في جوازه الرضى أو القضاء، وإذا كان الرجوع بالرضى فلا كلام فيه، ولا إشكال، وأما إذا كان بالقضاء فكيف يسوغ للقاضي الإعانة على مثل هذه المعصية، وكيف يكون إعانة على المعصية التي هي معصية أخرى نتيجة للجواز.
وإذا كان الرجوع قبل القضاء غير جائز فبعده كذلك؛ لأن قضاء القاضي لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، وإنما قضاء القاضي إعانة لصاحب الحق على وصوله إلى حقه، فإذا كان الرجوع في الهبة لا يحل لا يصير بالقضاء حلالًا، والقاضي غير مشرع.
وقد اعترف المصنف بعد ذلك بأن في الأصل الرجوع في الهبة واه، فكيف يسوغ للقاضي الإقدام على أمر واه ضعيف مكروه، ولا يقال إن اشتراط القضاء ليرتفع الخلاف؛ لأن القضاء في مسائل الخلاف إنما يشترطه المخالف في ثبوت الحكم.
م: (ثم للرجوع موانع ذكر بعضها) ش: أي ذكر القدوري بعض الموانع، قيل الموانع سبعة جمعها القائل في قوله: موانع الرجوع في فصل الهبة بسبعة حروف، دمع خزقه، فالدال الزيادة، والميم موت الواهب، والعين العوض، والخاء الخروج عن ملك الموهوب، والزاي الزوجية، والقاف القرابة، والهاء هلاك الموهوب. وذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في " مبسوطه " أن الموانع تسعة، وذلك لأن الموت على قسمين، موت الواهب وموت الموهوب له، والتاسع التغير من جنس إلى جنس.
م: (فقال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يعوضه عنها) ش: أي إلا أن يعوض الموهوب له الواهب عن الهبة م: (لحصول المقصود) ش: لأن مقصوده كان التعويض وقد حصل، قال أصحابنا: إن العوض الذي يسقط به الرجوع ما شرط في العقد، فأما إذا عوضه بعد العقد لا يسقط الرجوع؛ لأنه غير مستحق على الموهوب له، وإنما تبرع به ليسقط عن نفسه الرجوع فيكون هبة مبتدأة وليس كذلك إذا شرطت في العقد؛ لأنه يوجب أن يصير حكم العقد حكم

(10/190)


أو تزيد زيادة متصلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البيع وتتعلق به الشفعة ويرد بالعيب، فدل ذلك أنه قد صار عوضا عنها.
وذكر في " التحفة ": فأما العوض المتأخر عن العقد فهو لإسقاط الرجوع، ولا يصير في معنى المعاوضة لا ابتداء ولا انتهاء م: (أو تزيد) ش: أي العين الموهوبة م: (زيادة متصلة) ش: كالغرس والبناء والسمن، وبه قال أحمد في رواية، وفي أخرى: لا يمنع الرجوع في هبة الوالد لولده.
وقال الشافعي: لا تمنع هذه من الرجوع في موضع الرجوع. وفي " الروضة ": إن كانت الزيادة متصلة كالولد والكسب رجع في الأصل وبقيت الزيادة للمتهب، ولو كان الموهوب ثوبًا فضيعه الابن رجع في الثوب، والابن شريك في الصبغ، ولو قصره أو كان حنطة فطحنها، أو غزلًا فنسجه، فإن لم تزد قيمته رجع ولا شيء للابن وإن زادت. فإن قلنا: القصارة عين فالابن شريك، وإن قلنا أثر فلا شيء له، ولو كان أرضًا فبنى فيها أو غرس رجع الأب في الأرض، وليس له قطع البناء والغراس مجانًا، لكنه يحرس إلا لبقاء بأجرة، أو التمليك بالقيمة أو القلع، وغرامة النقض كالعارية. انتهى.
ومذهب مالك في هذا الفصل أنه يمنع الرجوع كمذهبنا. وقال في " الجواهر " ولو زادت أي العين الموهوبة في عينها أو نقصت منع ذلك في الرجوع فيها. وقال مطرف وابن الماجشون لا يمنع ذلك من اعتبارها، وفيه أيضًا وبغير الهبة في قيمتها تتغير الأسواق لا يمنع من الرجوع فيها. انتهى. وإنما قيد بقوله متصلة؛ لأن المنفصلة لا تمنع الرجوع بلا خلاف، فإن الجارية الموهوبة إذا ولدت كان للواهب الرجوع.
وفي " الذخيرة ": لو ولدت الجارية بعد الهبة يرجع فيها دون الولد. قال أبو يوسف: إنما يرجع فيها إذا استغنى الولد عنها، والمراد بالزيادة في نفس الموهوب له شيء يوجب زيادة في قيمته ما لو زاد في نفسه ولم يوجب ذلك زيادة في قيمته، كما لو طال الغلاء لا يمنع أيضًا تلك الزيادة يوجب نقصا فيه فلا يمنع الرجوع والزيادة من حيث السعر لا يمنع أيضًا، وكذا الحكم في جميع الحيوانات والثمار وغير ذلك ذكره في " المحيط ".
فإن قيل: ما الفرق بين الرد بالعيب والرجوع في الهبة والمتصلة بالعكس؟.
أجيب: بأن الرد في المنفصلة، إما أن يرد على الأصل والزيادة جميعا أو على الأصل ووجد لا سبيل إلى الأول؛ لأن الزيادة أما أن تكون مقصودة بالرد أو بالتبعية والأول أصح؛ لأن العقد لم يرد عليها، والفسخ يرد على مورد العقد وكذلك الثاني؛ لأن الولد بعد الانفصال لا يتبع الأم لا محالة، ولا إلى الثاني لأنه يبقى الزيادة في يد المشتري مجانًا وهو ربا.

(10/191)


لأنه لا وجه إلى الرجوع فيها دون الزيادة لعدم الإمكان، ولا مع الزيادة لعدم دخولها تحت العقد.
قال: أو يموت أحد المتعاقدين لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بخلاف الرجوع في الهبة، فإن الزيادة لو بقيت في يد الموهوب له مجانًا لم تفض إلى الربا، وأما في المتصلة فلأن الرد بالعيب إنما هو ممن حصلت على ملكه فيه إسقاط حقه برضاه، فلا تكون الزيادة مانعة عنه، بخلاف الرجوع في الهبة، فإن الرجوع ليس برضى ذلك وباختياره فكانت مانعة.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا وجه إلى الرجوع فيها) ش: أي في العين الموهوبة م: (دون الزيادة لعدم الإمكان) ش: الفصل م: (ولا مع الزيادة) ش: أي لا وجه للرجوع أيضًا مع الزيادة م: (لعدم دخولها تحت العقد) ش: أي لعدم دخول الزيادة في العقد، وليست بموهوبة فلم يصح الرجوع فيها، والفصل غير ممكن ليرجع في الأصل دون الزيادة، فامتنع الرجوع أصلًا.
فإن قلت: حق الرجوع ثابت في حق الأصل فيسري إلى أوصافه.
قلت: ثبوت الحكم في التبع ثبوته في الأصل؛ لأنه عرض قائم بالواهب وليس بوصف للمحل، ولا يقال الملك لا يوصف للزوم من أوصافه. وفي " الذخيرة ": الزيادة من حيث الشعر لا تمنع؛ لأنها ليست بزيادة في العين بل هي زيادة رغبات الناس، والعين بحالها، ولو علمه القرآن أو الحرفة أو أسلم أو قضى دينه فهذا لا يمنع عند أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - لأنها ليست بزيادة في العين كالشعر. وعند أبي يوسف ومحمد وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يمنع لأنها زيادة معنوية. ولو اختلفا في الزيادة فالقول للواهب؛ لأنه ينكر لزوم العقد. وعند زفر القول للموهوب له؛ لأنه ينكر حق الواهب في الرجوع.

[موت أحد المتعاقدين من موانع الرجوع في الهبة]
م: (قال: أو يموت أحد المتعاقدين لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته) ش: لأن الثابت للوارث وإن كان له حكم البقاء فيما يرجع إلى المحل حتى يرد بالعيب ويرد عليه، ولكن في حق المالك هو ملك جديد لأنه صار له بعد أن لم يكن.
وهنا يجب الاستبراء أو يحل له لو كان صدقة، فصار كأنه انتقل إليه في حال حياته، فيمنع الرجوع وبهذا أخرج الجواب عما يقال لم يجعل موت المورث في حق خيار العيب بمنزلة انتقال الملك إلى الورثة وجعل هاهنا بمنزلة انتقاله إليهم.
وتحقيق الجواب: أن التوريث إنما يجري في الأعيان لا في الأوصاف، وفي خيار العيب يستحق المورث سليمًا والذي اشتراه معيبًا وهو الذي انتقل إلى وارثه، فيكون له الخيار في

(10/192)


وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه قال: أو يخرج الهبة عن ملك الموهوب له؛ لأنه حصل بتسليطه فلا ينقضه، ولأنه يتجدد الملك بتجدد سببه.
قال: فإن وهب لآخر أرضا بيضاء فأنبت في ناحية منها نخلا أو بنى بيتا أو دكانا أو أريا وكان ذلك زيادة فيها فليس له أن يرجع في شيء منها؛ لأن هذه زيادة متصلة. وقوله: " وكان ذلك زيادة فيها ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العين. وأما هاهنا فليس له ذلك لأنه يؤدي إلى توريث الخيار وهو وصف محض فلا يصح.
م: (وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه) ش: أي ما أوجب الملك للموهوب له، فلا يكون له حق الرجوع بالنص؛ لأنه أوجب الرجوع للواهب وهو ليس بواهب.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (أو يخرج الهبة) ش: أي العين الموهوبة وفي بعض النسخ أو يخرج الموهوب م: (عن ملك الموهوب له؛ لأنه حصل بتسليطه) ش: أي لأن خروج ملك الواهب عن ملك الموهوب له حصل بتسليط الواهب م: (فلا ينقضه) ش: لأن سعي الإنسان في نقص ما تم من جهته مردود، م: (ولأنه يتجدد الملك بتجدد سببه) ش: وهو التمليك، وتبدل الملك كتبدل العين لم يكن له الرجوع، فكذا في تبديل السبب.

[وهب لآخر أرضًا بيضاء فنبت فيها وأراد الرجوع]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن وهب لآخر أرضًا بيضاء) ش: أراد به أرضًا خالية مكشوفة عن الشواغل م: (فأنبت) ش: أي الموهوب له م: (في ناحية منها نخلًا أو بنى بيتًا أو دكانًا) ش: وهي مصطبة مرتفعة وعرف الناس الدكان هو الذي يسكنه السوقي وهو معروف م: (أو أريًا) ش: بفتح الهمزة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وهو العلف عند العامة وهو مراد الفقهاء، والأري في اللغة مجلس الدابة، وقد يسمى الآخر " رايًا " وهو حبل يشد الدابة في مجلسها، وهو في التقدير فاعل والجمع " الأراري " يخفف ويشدد بقول منه أرأيت للدابة تارية وتاري.
وبالمكان إذا قام به م: (وكان ذلك) ش: الواو للحال، والتقدير والحال أنه قد كان ذلك، والإشارة إلى المذكور من قوله: أنبت في ناحية منها نخلًا إلى آخره.
وفي " الذخيرة ": وإن كان ذلك لا يعد زيادة كلأري أو يعد نقصانا كالتنور في الكشانية لا يمنع الرجوع، قيد به لأن ما لا يكون كذلك أو كان ولكن لعظم المكان بعد زيادة في قطعة منها لا يمنع الرجوع في غيرها.
م: (زيادة فيها) ش: أي في الأرض، وقد أعاد بعض الشراح الضمير إلى الدار وليس كذلك؛ لأن المذكور هو الأرض، وإنما حمله على ما ذكره في " الجامع الصغير " لصدر الإسلام فإنه ذكر فيه.

(10/193)


إشارة إلى أن الدكان قد يكون صغيرا حقيرا لا يعد زيادة أصلا، وقد تكون الأرض عظيمة يعد ذلك زيادة في قطعة منها فلا يمتنع الرجوع في غيرها، قال: فإن باع نصفها غير مقسوم رجع في الباقي؛ لأن الامتناع بقدر المانع، وإن لم يبع شيئا منها له أن يرجع في نصفها لأن له أن يرجع في كلها، فكذا في نصفها بالطريقة الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله: وكان ذلك فيما يريد بهذا إن بنى دكانًا بعد ذلك زيادة في الدار، وهذا لأن الزيادة في جانب الدار توجب زيادة في كل الدار، فإنه يزداد قيمة بها كل الدار، كما إذا كان في أجدر عينها بياض فتزال البياض فالزيادة في عينها تكون زيادة في كل الجارية وإن كان في موضع خاص كذلك م: (فليس له أن يرجع في شيء منها؛ لأن هذه زيادة متصلة) ش: فالاتصال يمنع الرجوع.
م: (وقوله: " وكان ذلك زيادة فيها " إشارة) ش: بهذا إلى بيان فائدة التقييد في الجامع الصغير بقوله وكان ذلك زيادة فيها م: (إلى أن الدكان قد يكون صغيرا حقيرا لا يعد زيادة أصلًا، وقد تكون الأرض عظيمة بعد ذلك زيادة في قطعة منها فلا يمتنع الرجوع في غيرها) ش: أي في غير القطعة التي فيها الزيادة.
وقال شيخ الإسلام علي الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي ": وهو إذا كانت الأرض صغيرة يزيدها الغرس، فأما إذا كانت كبيرة وغرس في جانب منها ينقطع حق الرجوع في المكان الذي غرس فيه الأشجار فيكون وضع مسألة الكتاب في الأرض الصغيرة.
قال: وإن كانت الهبة دارًا فانهدم البناء كان له أن يرجع في الباقي؛ لأن هذا نقصان في الهبة، والنقصان لا يمنع الرجوع.
وكذلك إذا استهلك بعض الهبة ببيع أو غيره ينقطع حقه في المسجد أو وضع فيه سواري أو بابًا أو حصى ليس له الرجوع؛ لأنه يترك عادة.
ولو وضع فيه حبًا أو علق قنديلا له الرجوع. والنقل والنقب في اللؤلؤة إن كان يزيد في الثمن يسقط الرجوع.
ولو وهبه عبدًا صغيرا شاخ ونقصه قيمته سقط الرجوع؛ لأنه زاد في يده ولو ازدادت قيمته بالنقل إلى بلد آخر سقط بخلاف ما إذا غلا السعر.
1 -
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن باع نصفها غير مقسوم) ش: أي إن باع الموهوب له نصف الأرض الموهوبة حال كونه غير مقسوم م: (رجع في الباقي؛ لأن الامتناع بقدر المانع، وإن لم يبع شيئًا منها له أن يرجع في نصفها؛ لأن له أن يرجع في كلها، فكذا في نصفها بالطريقة الأولى) ش: هذا كله ظاهر غني عن زيادة البيان.

(10/194)


وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا يرجع فيها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[وهب لذي رحم محرم منه وأراد الرجوع]
م: (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا يرجع فيها) ش: وبه قالت الثلاثة، وفي هبة أحد الزوجين لآخر لا رجوع فيها أيضًا، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية، وفي أخرى يرجع في هبة المرأة لزوجها دون العكس. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في " مستدركه " في البيوع والدارقطني والبيهقي في " سننهما " عن عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها» .
فإن قلت: هذا الحديث ضعفه البيهقي، وقال ابن الجوزي في التحقيق: وعبد الله بن جعفر هذا ضعيف.
قلت: قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ولكن الشيخ تقي الدين تعقبه في الإلمام، وقال: بل هو على شرط الترمذي.
وخطأ صاحب " التنقيح " ابن الجوزي في تضعيفه عبد الله بن جعفر وقال: بل هو ثقة من رجال الصحيحين، ورواة هذا الحديث كلهم ثقات.
فإن قلت: قال البيهقي: حديث الحسن عن سمرة هذا ليس بالقوي.
قلت: قد ذكر هو في كتاب " البيوع " في سننه حديث الحسن عن سمرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع الشاة» وصحح إسناده، وقال: قد احتج البخاري بالحسن عن سمرة.
فالعجب كل العجب من البيهقي إذا كان الحديث له يصححه بالإسناد الذي يضعفه عند كونه عليه، والعجب أيضًا من بعض من يتصدى في إلقاء الأنظار في هذا الكتاب أنه قال: هذا الحديث ضعفه البيهقي وسكت على هذا، ومضى ظانًا أنه نظر.
والعجب أيضًا من الأترازي مع دعواه العريضة في الحديث حيث قال في شرحه مثل هذا في قول عمر، وكذلك قال الكاكي، ثم روى حديث آخر ضعيفًا وسكت عن الصحيح وانتصر بالضعيف.

(10/195)


ولأن المقصود صلة الرحم وقد حصل. وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة. وإنما ينظر إلى هذا المقصود وقت العقد حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع فيها،
ولو أبانها بعدما وهب فلا رجوع.
قال: وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضا عن هبتك أو بدلا عنها أو في مقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع لحصول المقصود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن المقصود صلة الرحم وقد حصل) ش: لأن كل عقد أفاد المقصود يلزم، فإن وهب لقن أخيه أو لأخيه القن يرجع خلافًا لهما في الأولى م: (وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة) ش: يعني أن ما يهبها من الزوجين للآخر نظير القرابة بدليل التوارث من الجانبين من غير حجب وعدم قبول الشهادة م: (وإنما ينظر إلى هذا المقصود وقت العقد حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع فيها) ش: لوقوع الهبة لأجنبية، وكان مقصوده الغرض ولم يحصل.

[أبان زوجته بعدما وهب لها وأراد الرجوع في الهبة]
م: (ولو أبانها بعدما وهب فلا رجوع) ش: لأنها وقت الهبة زوجته، وفي جامع قاضي خان: وهبت لزوجها ضيعة على أن لا يطلقها وقتًا معلومًا فطلقها قبله فالهبة باطلة، وإن لم يوقت ثم طلقها بعده فالهبة صحيحة؛ لأنه وفى بالشرط.
وقال الإمام الأسبيجابي في شرح " الكافي ": رجل وهب لامرأة هبة ثم تزوجها فله أن يرجع فيها؛ لأنه لم يقع مجازاة ولا صلة، وإن وهب لها هبة ثم أبانها لم يكن له أن يرجع فيها لأنه حصل المقصود بهذه الهبة وهو تحقيق الصلة حال وقوعها فبطل حق الرجوع.

[قال له خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلًا عنها فقبضه الواهب]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلًا عنها أو في مقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع لحصول المقصود) ش: الشرط فيه أن يعلم أنه عوض هبة، فإذا لم يعلم أنه عوض هبة فإذا لم يعلم فله الرجوع في هبته والموهوب له في عوضه.
وفي " جامع قاضي خان " و " الفتاوى ": وصورة التعويض أنه يذكر لفظًا يعلم الواهب أنه عوض هبة بأن يقول الموهوب له خذ هذا عوضًا أو جزاء هبتك أو ثواب هبتك أو بدل هبتك، أما إذا لم يعلم كان لكل منهما الرجوع.
وفي " المبسوط ": سواء كان العوض شيئًا قليلًا أو كثيرًا من جنس الهبة أو ممن غير جنسها؛ لأنها ليست معاوضة محضة، فلا يتحقق فيها الربا، ولا بد أن يكون العوض من مال هو غير الموهوب حتى لو عوض شيئًا من الموهوب بأن كانت الهبة ألف درهم واحد من تلك الدراهم لا يجوز، وكذلك لو كانت الهبة دارًا والعوض بيت منها لا يجوز، وعند زفر يجوز ويشترط

(10/196)


وهذه العبارات تؤدي إلى معنى واحد،
وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعا فقبض الواهب العوض بطل الرجوع؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي كبدل الخلع والصلح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرائط الهبة في العوض في القبض والإقرار لأنه تبرع م: (وهذه العبارات تؤدي إلى معنى واحد) ش: لأن هذه الألفاظ كلها تدل على المكافأة، فحصل مقصود الواهب وانقطع الرجوع.

م: (وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعًا) ش: أي حال كونه متبرعًا، هذا ليس بقيد فإن الحكم في غير المتبرع كذلك، حتى لو عوضه الأجنبي بأمر الموهوب له عوضه بشرط أن يرجع على الموهوب له بطل الرجوع، وإنما ذكره ليعلم بطلان الرجوع في غير المتبرع بالطريق الأولى، ولكن لو عوضه بأمر الموهوب له لا يرجع بالعوض عليه إلا أن يضمنه الموهوب له صريحًا، بخلاف قضاء الدين، فإنه لو قضى دينًا آخر بأمره يرجع عليه سواء ضمنه صريحًا أو لا.
والفرق أن الأداء في قضاء الدين مستحق عليه، فكان في الأمر بلا أداء إسقاط المطالبة لمال مستحق، فيملك ما في ذمته فيرجع عليه، أما العوض في الهبة غير مستحق على الموهوب له فإنما أمره بأن يتبرع عنه بمال نفسه، والتبرع بمال نفسه على غيره لا يثبت حق الرجوع من غير ضمان.
وقال الكرخي في " مختصره ": لو عوض رجل أجنبي عن الموهوب له الواهب عن هبته وقبض العوض لم يكن للواهب أن يرجع في هبته، سواء عوض بأمر الموهوب له أو بغير أمره، ولا للمعوض أيضًا أن يرجع في العوض على الواهب ولا على الموهوب له.
وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكفاية ": ولا يرجع على الموهوب إلا إذا قال عوض عني على أني ضامن م: (فقبض الواهب العوض بطل الرجوع؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي) ش: أي لإسقاط حق الرجوع لا لتمليك العين م: (كبدل الخلع والصلح) ش: أي من الأجنبي فإن المرأة تستفيد ببدل الخلع سقوط ملك الزوج عنها.
فجاز أن يكون البدل على الأجنبي وكذلك الصلح عن إنكار؛ لأنه لما يسلم للمصالح سوى سقوط حق الخصوم يجوز أن يجب بدل الصلح على الأجنبي حق ابتداء بدون أن يجب عليه، وكذلك الصلح عن دم العمد؛ لأنه إسقاط، أو كان الصلح عن دين سواء كان بإقرار أو إنكار.
وفي " المبسوط " قال: كصلح الأجنبي مع صاحب الدين من دينه على مال نفسه يجوز ويسقط به الدين عن المديون، وهذا مثله.

(10/197)


وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه. وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة إلا أن يرد ما بقي ثم يرجع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بالنصف اعتبارا بالعوض الآخر، ولنا أنه يصلح عوضا للكل من الابتداء وبالاستحقاق ظهر أنه لا عوض إلا هو، إلا أنه يتخير؛ لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له فله أن يرده. قال: وإن وهب دارا فعوضه عن نصفها رجع الواهب في النصف الذي لم يعوض؛ لأن المانع خص النصف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الحكم لو استحق نصف الهبة]
م: (وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه. وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة إلا أن يرد ما بقي) ش: أي من العوض م: (ثم يرجع وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بالنصف اعتبارًا بالعوض الآخر) ش: وهو الهبة، وهو قاس أحد العوضين على الآخر؛ لأن كل واحد منهما مقابل بالآخر، كما في بيع العوض بالعوض، فإنه إذا استحق بعض أحدهما يكون للمستحق عليه أن يرجع على صاحبه بما يقابله.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الباقي م: (يصلح عوضا للكل من الابتداء) ش: وما يصلح أن يكون عوضا عن الكل من الابتداء، يصلح أن يكون عوضا عنه في البقاء؛ لأن البقاء أسهل من الابتداء م: (وبالاستحقاق ظهر أنه لا عوض إلا هو) ش: أي الباقي.
وعورض بأن الغرض أنه عوض وأجزاء العوض ينقسم على أجزاء المعوض، فإذا كان الكل في الابتداء أعواضا عن الكل كان النصف في مقابلة النصف فكان عوضا عن النصف ابتداء.
وأجيب: بأن ذلك في المبادلات تحقيقا لها، وما نحن فيه ليس كذلك فليس له ذلك الرجوع في شيء من الهبة مع السلامة جزء من العوض لما ذكرنا من الدليل، بخلاف ما إذا كان العوض مشروطا لأنها تتم مبادلة فيودع البدل على المبدل.
والجواب عن قياس زفر أن المعوض يملك الواهب العوض في مقابلة الموهوب قطعا فاعتبر المقابلة والانقسام. وأما الواهب فيملك الهبة ابتداء من غير أن يقابله بشيء ثم أخذ العوض علة لسقوط حق الرجوع، والعلة لا تنقسم على أجزاء الحكم.
م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الواهب م: (يتخير) ش: بين أن يرد ما بقي من العوض ويرجع في الهبة وبين أن يمسكه ولا يرجع بشيء م: (لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له فله أن يرده) ش: أي يرد ما بقي من العوض.
م: (قال: وإن وهب دارا فعوضه عن نصفها رجع الواهب في النصف الذي لم يعوض لأن المانع خص النصف) ش: وغاية ما في الباب أنه لزم من ذلك الشيوع لكنه طارئ فلا يضر كما لو رجع

(10/198)


قال: ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم؛ لأنه مختلف بين العلماء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في النصف بلا عوض.
فإن قيل: قد تقدم أن العوض لإسقاط الحق فوجب أن يعمل الكل لئلا يلزم تجزؤ الإسقاط كما في الطلاق.
أجيب: بأنه ليس بإسقاط من كل وجه لما تقدم أن فيه معنى المقابلة، فيجوز التجزي باعتباره، بخلاف الطلاق.

[لا يصح الرجوع في الهبة إلا بالبتراضي]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يصح الرجوع) ش: أي في الهبة م: (إلا بتراضيهما) ش: أي بتراضي الواهب والموهوب له م: (أو بحكم الحاكم) ش: أراد أن الواهب يرفع أمره إلى الحاكم ليحكم على الموهوب له بالرد إليه، حتى لو استردها بغير قضاء ولا رضاء كان غاصبا، ولو هلك في يده يضمن قيمته للموهوب له.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجوز الرجوع في موضع له الرجوع بدون القضاء أو الرضى.
وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في شرح مختصره " الكافي ": ليس للواهب أن يرجع في هبته عند غير قاض؛ لأن العقد انعقد بتراضيهما، فلا ينفرد بالفسخ لعدم ولايته، وإذا فسخ لا ينفسخ إلا بتراضيهما على الفسخ، فيلزمهما بتراضيهما. انتهى.
واختلف المشايخ في معنى قولهم: لا يصح الرجوع إلا بقضاء أو تراض، فمنهم من قال: لأن الرجوع في الهبة مختلف فيه، كما ذكره المصنف، ومنهم من قال: إنما لم يكن للواهب أن يرجع بغير قضاء أو تراض؛ لأن الموهوب له ملك الهبة بالقبض رقبة وتصرفا، فلا يثبت إلا بهما، كما في الرد بالعيب بعد القبض، بخلاف من له خيار الرؤية، حيث ينفرد بالفسخ بعد القبض؛ لأن ما ثبت لفوات مقصود من مقاصد العقد.
ومنهم من قال: بأن الواهب في الرجوع مستوف بدل حقه بعد وقوع الملك للموهوب له رقبة وتصرفا لا يكون إلا بقضاء أو رضاء كما في الرد بالعيب، وكصاحب الدين إذا أراد أن يأخذ دينه من جنس آخر من مال المديون لا يملك إلا بقضاء أو رضاء، بخلاف خيار الرؤية وخيار الشرط، فإن من له الخيار ينفرد بالفسخ من غير قضاء ولا رضى لأنه بالفسخ مستوف عين حقه؛ لأنه لم يثبت هذا الخيار لفوات مقصود من مقاصد العقد، كذا في " المبسوط ".
م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع في الهبة م: (مختلف بين العلماء) ش: قال بعض الشراح منهم تاج الشريعة: لأن له الرجوع عندنا خلافا للشافعي فكان ضعيفا، فلم يعمل بنفسه في

(10/199)


وفي أصله وهاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إيجاب حكمه وهو الفسخ ما لم ينضم إليه قرينة ليتقوى بها.
وقال صاحب " العناية ": فيه نظر، والمخلص حمله على اختلاف الصحابة إن ثبت.
قلت: نظيره وارد؛ لأن مذهب أبي حنيفة بالرجوع قد تقرر قبل الشافعي وأمثاله، وكيف يكون اختلاف من لم يوجد وقت اجتهاد المجتهد سببا لكونه ضعيفا، ولكن قوله إن ثبت منه وكيف يقول ذلك بالشك وهو مذهب جماعة من الصاحبة كعمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وغيرهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وأخرج ابن أبي شيبه في مصنفه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: هو أحق بها ما لم يعوض منها الهبة، يعني الهبة، وصححه ابن حزم، وقال: لا مخالف لهم من الصحابة.
وأخرج البيهقي من حديث حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر - رضى الله عنه -: من وهب هبة فهو أحق بها، ثم كلام ابن حزم يخدش كلام صاحب " العناية " أيضا؛ لأنه ادعى أنه لا مخالف من الصحابة فمن ذهب منهم إلى الرجوع فحينئذ يتعين على كلامه مختلف بين العلماء من التابعين.
م: (وفي أصله) ش: أي وفي أصل الرجوع م: (وهاء) ش: أي ضعف؛ لأنه ثبت بخلاف القياس لكونه تصرفا في ملك الغير، وهذا يبطل بالزيادة المتصلة وبغيرها من الموانع.
قال السغناقي وتبعه الأترازي والكاكي ناقلين عن " المغرب ": إن وهاء بالمد خطأ وإنما هي الوهي مصدر وهى الجمل وهى وهيا إذا ضعف. وقال صاحب " العناية ": وهو خطأ؛ لأن من المقصور السماعي ليس بخطأ وتخطئة ما ليس بخطأ خطأ.
قلت: قال الجوهري: وهى السقاء وهى وهيا إذا تخرق وانشق. وفي السقاء وهي بالتسكين ووهية على التصغير، وهو خرق قليل وهى الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط انتهى.
فهذا كما ترى من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع نحو رمى يرمي، ومصدر هذا الباب يأتي على وزن فعل بفتح الفاء وسكون العين نحو رمى يرمي رميا، ووعى يعي وعيا.
فصاحب " المغرب " يصيب من وجه في قوله وإنما هي الوهي يعني بتسكين العين، ومخطئ من وجه في قوله وهاء بالمد خطأ؛ لأن هذا أيضا مصدر على وزن فعال كما تقول في قلى يقلي قلاء فقلاء على وزن فعال، ووهاء كذلك، وقد قال الجوهري القلي البعض، فإن فتحت القاف مددت نقول قلاه يقليه قلى وقلاء.

(10/200)


وفي حصول المقصود وعدمه خفاء، فلا بد من الفصل بالرضاء أو بالقضاء حتى لو كانت الهبة عبدا فأعتقه قبل القضاء نقد، ولو منعه فهلك لا يضمن لقيام ملكه فيه، وكذا إذا هلك في يده بعد القضاء؛ لأن أول القبض غير مضمون وهذا دوام عليه إلا أن يمنعه بعد طلبه؛ لأنه تعد، وإذا رجع بالقضاء أو بالتراضي يكون فسخا من الأصل، حتى لا يشترط قبض الواهب
ويصح في الشائع؛ لأن العقد وقع جائزا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقول صاحب " العناية ": لأن مد المقصور السماعي ليس بخطأ، خطأ؛ لأن جواز مد المقصور السماعي مبني على وجود المقصور حتى يمد، والمصدر بناء على وزن فعل بالتسكين، فمن أين يأتي المد. نعم هذا الذي ذكره إنما يكون إذا كان المصدر على وزن فعل بتحريك العين على أن قصر الممدود أو مد المقصور من ضرورات الأشعار فافهم. فحينئذ ينبغي أن يقدر أو في أصله وهي بالتسكين أو وهاء بالمد وقد وقع في نسخ الهداية كلاهما وكلاهما صحيح بما ذكرنا، والخطأ وهي بتحريك العين والقصر، وهكذا هو التحقيق وافتراء الخطأ والتخبط من التقليد.
م: (وفي حصول المقصود وعدمه خفاء) ش: لأن مقصوده منها إن كان الثواب فقد حصل وكذا إن كان غرضه إظهار الجود والسماحة، وإن كان القرض لم يحصل فعل الوجهين الأولين ليس له الرجوع لحصول المقصود، وعلى الوجه الأخير له الرجوع، فلما تردد أمره احتاج إلى القضاء ليترجح جانب الرجوع على عدمه م: (فلا بد من الفضل بالرضاء أو بالقضاء حتى لو كانت الهبة عبدا فأعتقه) ش: أي الموهوب له م: (قبل القضاء نقد) ش: أي انتقد م: (ولو منعه) ش: أي الموهوب له من الواهب م: (فهلك لا يضمن لقيام ملكه فيه) ش: أي ملك الموهوب له في الموهوب.
م: (وكذا إذا هلك في يده بعد القضاء) ش: أي وكذا لا يضمن الموهوب به إذا هلك الموهوب في يده بعد قضاء القاضي بالرجوع قبل الطلب م: (لأن أول القبض غير مضمون وهذا دوام عليه) ش: أي المتحقق بعد القضاء أو على القبض الذي لم ينعقد سببه للضمان عليه م: (إلا أن يمنعه بعد طلبه لأنه تعد) ش: إلا أن يمنع الموهوب عن الواهب بعد طلبه عند القضاء بالرجوع؛ لأن منعه حينئذ تعد م: (وإذا رجع بالقضاء أو بالتراضي يكون فسخا من الأصل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال زفر: الرجوع بغير القضاء بمنزلة الهبة المبتدأ لعود الملك إليه بتراضيهما فيعتبر عقدا جديدا في حق ثالث فأشبه الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء م: (حتى لا يشترط قبض الواهب) ش: يعني بعد الرجوع، فلو كان كالهبة المبتدأة مثل ما قال زفر شرط القبض.

[الرجوع في الشائع من الهبة]
م: (ويصح في الشائع) ش: يعني يصح الرجوع في الشائع إن رجع عن نصفه، ولو كان كالهبة المبتدأة لما صح الرجوع في النصف الشيوع م: (لأن العقد وقع جائزا) ش: هذا دليل على المطلوب، تقريره أن هذا العقد وقع جائزا غير لازم.

(10/201)


موجبا حتى الفسخ من الأصل، فكان بالفسخ مستوفيا حقا ثابتا له، فيظهر على الإطلاق بخلاف الرد بالعيب بعد القبض؛ لأن الحق هناك في وصف السلامة لا في الفسخ فافترقا.
قال: وإذا تلفت العين الموهوبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (موجبا حتى الفسخ من الأصل) ش: لثبوت حق الرجوع م: (فكان بالفسخ مستوفيا حقا ثابتا له، فيظهر على الإطلاق) ش: يعني سواء كان بالتراضي أو بالقضاء؛ لأنهما يفعلان بالتراضي ما يفعل القاضي وهو الفسخ، فيظهر على الإطلاق.
وفسر تاج الشريعة قوله: على الإطلاق، بقوله: أي في الشائع وغيره وفي المقبوض وغير المقبوض، والذي ذكرنا هو أقرب، وهو الذي ذكره بقية الشراح، يظهر ذلك بالتأمل، ولا يلزم على هذا الرد في المرض، فإنه لو رد في مرضه بغير قضاء يعتبر من الثلث ولو كان الرد بالتراضي فسخا من الأصل لاعتبر ذلك من جميع ماله كما في الرد بالقضاء؛ لأن فيه روايتين.
وذكر ابن سماعة فيه القياس والاستحسان، في القياس يعتبر من جميع ماله.
وفي الاستحسان من الثلث؛ لأنه تمليك مبتدأ، ولكن الرد في مرضه باختياره تم بالقصد إلى إبطال حق الورثة عما يعلق حقهم فللرد قصد يعتبر من الثلث، لا لأنه تمليك مبتدأ، كذا في " المبسوط ".
م: (بخلاف الرد) ش: هذا جواب عن قياس زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وتقريره أن الرد م: (بالعيب بعد القبض) ش: إنما يكون في صورة القضاء خاصة م: (لأن الحق هناك في وصف السلامة) ش: حتى لو زال العيب قبل رد المبيع بطل الرد السلامة حقه له م: (لا في الفسخ) ش: لأن العيب لا يمنع تمام العقد، فإذا كان ثابتا لم يقتض الفسخ، فإذا تراضيا على ما لم يقتضه العقد من رفعه كان ذلك كابتداء عقد بينهما، وأما القاضي فإنما يقضي أولا بما يقتضيه العقد من وصف السلامة، فإن عجز البائع قضى بالفسخ فلم يكن ما ثبت بالتراضي عين ما ثبت بالقضاء.
م: (فافترقا) ش: أي الرجوع التراضي والرد بالعيب بعد القبض بالتراضي، وإنما قيد بقوله بعد القبض لأن الرد بالعيب قبل القبض فسخ من الأصل سواء كان بالقضاء أو بالرضاء. وفائدة هذا أنه لو وهب لإنسان فوهب الموهوب له لآخر ثم رجع الثاني في هبته كان للأول أن يرجع، سواء رجع الثاني بقضاء أو بغيره خلافا لزفر في غيره، وإذا رد المبيع بعيب على البائع قبل القبض فللبائع أن يرده على بائعه كذلك، وبعد القبض إن كان بقضاء فكذلك، وإن كان بغيره فليس له ذلك.

[الحكم لو تلفت الهبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا تلفت العين الموهوبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له

(10/202)


لم يرجع على الواهب بشيء؛ لأنه عقد تبرع فلا يستحق فيه السلامة وهو غير عامل له، والغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع لا في ضمن غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يرجع على الواهب بشيء؛ لأنه عقد تبرع فلا يستحق فيه السلامة) ش: لأنه لم يلزمها لا صريحا وهو ظاهر، ولا دلالة؛ لأنه ما سلم له شيء بخلاف المعاوضة؛ لأنه سلم له البدل فيكون ملتزما سلامة البدل م: (وهو غير عامل له) ش: أي الموهوب له غير عامل للواهب، واحترز به عن المودع.
فإنه يرجع على المودع بما ضمن؛ لأنه عامل للمودع في ذلك القبض بحفظهما لأجله. وعن المضارب إذا اشترى شيئا بمال المضاربة ثم استحق رأس المال فضمنه المستحق فإن المضارب يرجع على رب المال؛ لأنه عامل له.

[الغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع]
م: (والغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال إنه غره بإيجاب الملك له في المحل، واختياره بأنه ملك والغرور يوجب الضمان كالبائع إذا غر المشتري. وتقرير الجواب أن الغرور لا يكون سببا للرجوع في غير المعاوضة كالبيع ونحوه م: (لا في ضمن غيره) ش: أي لا يكون الغرور سببا للرجوع وغير المعاوضة كمن أخبر إنسانا بأمن الطريق فسلك فيه فأخذه اللصوص لم يرجع على المخبر بشيء.
فعلم أن حق الرجوع إنما يثبت باعتبار عقد المعاوضة، حتى لو ضمن الواهب سلامة الموهوب للموهوب له نصا يرجع على الواهب، ذكره في " الذخيرة ". وهذا لو وهب الغاصب ما غصب أو باع أو تصدق أو أجر أو رهن أو أودع أو أعار فهلك ضمنوا ولا يرجع الموهوب على الغاصب والمتصدق عليه على الغاصب، ويرجع المستأجر والمرتهن، ويرجع المشتري بالثمن ولا يرجع السارق من الغاصب ولا غاصب الغاصب، كذا في " فصول الإستروبشتي ".
فإن قلت: لم قال والغرور في ضمن عقد المعاوضة ولم يقل في عقد المعاوضة، فهل في زيادة لفظه ضمن فائدة؟
قلت: نعم فإن في ولد المغرور يرجع بالقيمة على البائع وإن لم توجد المعاوضة في الولد، ولكنه غرور في ضمن عقد المعاوضة فكان أن عقد المعاوضة بسبب الضمان فكذلك ما كان في ضمنه؛ لأن المتضمن يكتسي كسوة التضمين.
فإن قلت: المودع يرجع على المودع بما ضمن، مع أن عقد المعاوضة لم يوجد.
قلت: هذا ليس على الغرور، بل بناء على أنه عامل له كما تقدم آنفا. وقال الكاكي: وقوله والغرور، إلى آخره جواب عما قال الشافعي أنه يرجع على الواهب؛ لأنه غره بالهبة كالبائع إذا غر المشتري.

(10/203)


قال: وإذا وهب بشرط العوض اعتبر التقابض في المجلس في العوضين وتبطل بالشيوع؛ لأنه هبة ابتداء، فإن تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع يرد بالعيب وخيار الرؤية وتستحق فيه الشفعة؛ لأنه بيع انتهاء. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - هو بيع ابتداء وانتهاء لأن فيه معنى البيع وهو التمليك بعوض، والعبرة في العقود للمعاني، ولهذا كان بيع العبد من نفسه إعتاقا. ولنا أنه اشتمل على جهتين فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا ليس بظاهر على أن أكثر كتب الشافعية ناطقة، بخلاف ما ذكره. وقال الأترازي: في قول المصنف نظر؛ لأن المودع بما ضمنه لكونه يرجع مع أن عقد المعاوضة لم يوجد.
قلت: لقائل أن يقول رجوع المودع بما ضمنه لكونه عاملا للمودع لا للغرور كما ذكرناه.

[الهبة بشرط العوض]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وهب بشرط العوض) ش: مثل أن يقول وهبتك هذا العبد على أن تهب لي هذا العبد. قال المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا ما ذكره بكلمة على. مثل ما ذكرناه أما لو ذكره بحرف الباء بأن قال وهبتك بهذا الثوب أو بألف درهم وقبله الآخر يكون بيعا ابتداء أو انتهاء بالإجماع م: (اعتبر التقابض في المجلس في العوضين) ش: حتى لو لم يوجد لا يثبت الملك لواحد منهما م: (وتبطل بالشيوع؛ لأنه هبة ابتداء. فإن تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع، يرد بالعيب وخيار الرؤية وتستحق فيه الشفعة لأنه بيع انتهاء) ش: وإن كان هبة ابتداء.
م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: هو بيع ابتداء وانتهاء؛ لأن فيه معنى البيع وهو التمليك بعوض، والعبرة في العقود للمعاني) ش: وبه قال مالك وأحمد، ألا ترى أن الكفالة له بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة الأصل كفالة. ولو وهب ابنته لرجل كان نكاحا.
ولو وهب عبد لنفسه كان إعتاقا، ولو وهب الدين لمن عليه كان إبراء فاللفظ واحد والعقود مختلفة لاختلاف المعنى والمقصود.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الهبة المذكورة بيعا مطلقا م: (كان بيع العبد) ش: أي بيع المولى للعبد بالمصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل م: (من نفسه إعتاقا) ش: بأن قال لعبده بعتك نفسك منك بألف درهم مثلا يكون إعتاقا للعبد.
م: (ولنا أنه اشتمل على جهتين) ش: أي جهة الهبة لفظا وجهة البيع معنى م: (فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين) ش: لأن كل ما يشتمل على جهتين وأمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما؛ لأن إعمال الشبهين لو وجد أولى من إهمال أحدهما كالإقالة لما اشتملت على معنى البيع والفسخ جمع بينهما.

(10/204)


وقد أمكن؛ لأن الهبة من حكمها تأخر الملك إلى القبض وقد يتراخى عن البيع الفاسد والبيع من حكمه اللزوم، وقد تنقلب الهبة لازمة بالتعويض فجمعنا بينهما، بخلاف بيع نفس العبد من نفسه؛ لأنه لا يمكن اعتبار البيع فيه، إذ هو لا يصلح مالكا لنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أما اشتماله على الجهتين فظاهر، وأما إمكان الجمع بينهما فلما ذكره بقوله م: (وقد أمكن) ش: أي الجمع بينهما م: (لأن الهبة من حكمها تأخر الملك إلى القبض) ش: وقد يوجد ذلك في البيع، أشار إليه بقوله م: (وقد يتراخى) ش: أي الملك م: (عن البيع الفاسد والبيع) ش: أي والحال أن البيع م: (من حكمه اللزوم) ش: وبهذا ظهرت المناسبة بين البيع والهبة م: (وقد تنقلب الهبة لازمة بالتعويض) ش: يعني إذا قبض العوض م: (فجمعنا بينهما) ش: أي إذا كانت المناسبة بينهما متحققة جمعنا بينهما.
فإن قيل: المنافاة هنا ثابتة لأن قضية البيع اللزوم وترتب الملك عليه بلا فصل وحكم الهبة على عكسه، وتنافي الملازمين مستلزم لنا في الملزومين فتحقق المنافاة بين البيع والهبة ضرورة.
أجيب: بأن البيع قد يكون غير لازم كالبيع بالخيار وقد لا يترتب الملك عليه كما في البيع الفاسد لتوقفه على القبض فلم يكن اللزوم، والترتب من لوازمه ضرورة والهبة قد تقع لازمة كهبة القريب وبالعوض، وقد يترتب الملك عليها بلا فصل كما لو كانت الهبة في يد الموهوب له فلم يكن عدم اللزوم وعدم الترتيب من لوازمه ضرورة على أن المستحيل الجمع بين المتنافيين في حالة واحدة، فأما إذا جعلناها هبة ابتداء وبيعا انتهاء فلا.
م: (بخلاف بيع نفس العبد من نفسه) ش: هذا جواب عما قاله زفر والشافعي من قولهما، ولهذا كان بيع العبد من نفسه إعتاقا وتقريره أن بيع العبد من نفسه إنما جعل إعتاقا م: (لأنه لا يمكن اعتبار البيع فيه إذ هو لا يصلح مالكا لنفسه) ش: لأنه لا يملك غيره مالا فكيف يملك نفسه مالا.

(10/205)


فصل قال: ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء؛ لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد، والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا على ما بيناه في البيوع فانقلب شرطا فاسدا، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، وهذا هو الحكم في النكاح والخلع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل من وهب جارية إلا حملها]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، لما كانت مسائل هذا الفصل متعلقة بالهبة بنوع من التعلق ذكرها في فصل على حدة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء؛ لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد، والهبة لا تعمل في الحمل) ش: بأن وهب حمل الجارية دونها، فإنه لا يجوز م: (لكونه وصفا) ش: أي لكون الحمل وصفا لها كأطرافها من اليد والرجل فلا يكون من جنسها فلا يصح استثناؤه؛ لأن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه، وأيضا العقد لا يرد على الأوصاف مقصودا حتى لو وهب الحمل لا يصح، فكذا إذا استثنى.
م: (على ما بيناه في البيوع) ش: أي في الفصل المتصل بأول كتاب البيع م: (فانقلب شرطا فاسدا) ش: يعني إذا لم يكن الاستثناء عاملا انقلب شرطا فاسدا؛ لأن اسم الجارية يتناول الحمل تبعا لكونه جزءا منها، فلما استثنى كل كان الاستثناء مخالفا لمقتضى العقد، وهو معنى الشرط الفاسد م: (والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: لأن الملك في الهبة معلق بفعل حسي وهو القبض، والفعل الحسي لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما الشرط الفاسد يؤثر في العقود الشرعية؛ لأن الحسيات إذا وجدت لا مرد لها، فلا يمكن أن يجعل عدما.
فإن قيل: ما الفرق بين الحمل وبين الصوف على الظهر واللبن في الضرع، فإنه إذا وهب الصوف على ظهر الغنم وأمره بجزه أو اللبن في الضرع وحلبه وقبض الموهوب له، فإنه جائز استحسانا دون الحمل.
الجواب: أن ما في البطن ليس بمال أصلا، ولا يعلم وجوده حقيقة، بخلاف الصوف واللبن. ومن أصحابنا من قال: إن أمره في الحمل بقبضه بعد الولادة فقبض ينبغي أن يجوز استحسانا، والأصح أنه لا يجوز خلافا لأحمد وأبي ثور، فإن عندهما يصح الاستثناء وتصح الهبة في الإماء دون الولد.
م: (وهذا هو الحكم) ش: أي صحة العقد وبطلان الاستثناء هو الحكم م: (في النكاح) ش: بأن قال تزوجتك على هذه الجارية إلا حملها يبطل الاستثناء حتى تصير الجارية مع الحمل مهرا م: (والخلع) ش: بأن جعلت الجارية الحامل بدل الخلع، واستثنت الحمل تكون الجارية والحمل بدل

(10/206)


والصلح عن دم العمد لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة. بخلاف البيع والإجارة والرهن لأنها تبطل بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخلع م: (والصلح عن دم العمد) ش: بأن قال صالحتك، وعلى هذا الجارية إلا حملها م: (لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: أي لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة كالهبة.
م: (بخلاف البيع والإجارة والرهن لأنها تبطل بها) ش: أي بالشروط الفاسدة بأن اشترى جارية أو أجرها أو رهنها إلا حملها فإنه لا يصح لما قلنا.
فإن قلت: ينبغي أن لا يفسد الرهن بالشرط فالهبة لتوقف عقد الرهن على القبض، وهو فعل حسي.
قلت: القبض في باب الرهن حكم للرهن؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، وحكم العقد يضاف إلى العقد، والشرط الفاسد يؤثر في العقد، أما في الهبة الحكم هو الملك والملك يثبت بالقبض، فكان القبض حكم ركن العلة، والفساد لا يؤثر في الركن فلغى الشرط، كذا في الإيضاح، قال السغناقي: كأنه أراد بالركن غير العقد كما في أركان العبادات، انتهى.
فهذا كما قد علمت ذكر المصنف القسمين في الاستثناء، أحدهما ما يجوز فيه أصل العقد ويبطل الاستثناء، والآخر ما يبطلان فيه جميعا، وبقي قسم ثالث لم يذكره، وهو ما يصح فيهما جميعا كالوصية؛ لأن إفراد الحمل بالوصية جائز، فكذا استثناؤه. ذكر في " شرح الطحاوي ": أن هذه ثلاث مراتب، الأولى: العقد والاستثناء فاسدان نحو البيع والإجازة والكتابة والرهن.
الثانية: العقد جائز والاستثناء فاسد نحو الهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح في دم العمد، ويدخل في العقد الأم والولد جميعا، وكذلك العتق إذا أعتق الجارية واستثنى ما في بطنها صح العتق ولم يصح الاستثناء.
الثالثة: العقد والاستثناء صحيحان نحو الوصية إذا أوصى الرجل بجارية واستثنى ما في بطنها فإنه يصح، وليس هذا كما إذا أوصى بجارية واستثنى خدمتها وغلتها للورثة فالوصية صحيحة والاستثناء باطل؛ لأن الخدمة والغلة لا تجري فيها الميراث دون الأصل، ألا ترى أنه لو أوصى بخدمتها وغلتها لإنسان ثم مات الموصى له بعدما صحت الوصية فإنهما يعودان إلى ورثة الموصي فلا تكون الخدمة موروثة عن الموصى له ولو وقع العقود على ما في البطن، أما عقد البيع فلا يجوز، وكذلك الكتابة عليه لا يجوز وإن قبلت الأم عنه، وكذلك الهبة والصدقة لا يجوز وإن سلم الأم إلى الموهوب له، ولو تزوج عليها فالقسمة باطلة ويجب مهر المثل.
ولو صالح عن القصاص على ما في البطن فإن الصلح صحيح ويبطل القصاص والتسمية

(10/207)


ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها جاز؛ لأنه لم يبق الجنين على ملكه فأشبه الاستثناء. ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم يجز؛ لأن الحمل بقي على ملكه فلم يكن شبيه الاستثناء، ولا يمكن تنفيذ الهبة فيه لمكان التدبير فبقي هبة المشاع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باطلة، ويكون للمولى على القاتل الدية، وإنما جاز عتق ما في البطن؛ لأن العتق ينافي وما في البطن موقوف، فكذا الوصية بما في البطن يصح إذا علم وجوده وقت الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث تجري فيه فكذا الوصية.
ولو خالع امرأته على ما في بطن جاريتها فالخلع واقع وللزوج الولد إذا كان موجودا في البطن وقت الخلع، وإن لم يكن موجودا كما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا فلا سبيل للزوج على ما في البطن ولكنه ينظر إن قالت اخلعني على ما في بطن جاريتي ولم يقل من ولد فلا شيء له عليها، ولو قالت من الولد فإنه يرجع عليها بما ساق إليها من المهر؛ لأنها غرت الزوج حين قالت من ولد وليس في بطنها ولد، وإذا لم تقل من ولد لم تغرر.
وهذا إذا قالت: اخلعني على ما في يدي أو على ما في صندوقي هذا من شيء أو لم تذكر شيئا، فإن كان فيه شيء فللزوج، وإن لم يكن فيه شيء فلا يرجع الزوج عليها بشيء؛ لأنها لم تغره حيث لم تسم له مالا. فأما إذا قالت: اخلعني على ما في صندوقي هذا من متاع، فإن كان فيه شيء من متاع فهو له، وإن لم يكن يرجع عليها بما ساق لها من المهر.

م: (ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها) ش: أي الجارية م: (جاز لأنه لم يبق الجنين على ملكه) ش: أي على ملك الواهب لخروجه عنه بالإعتاق، فلم تكن هبة مشاع فتكون جائزة م: (فأشبه الاستثناء) ش: أي في تحرير الهبة. تقريره أن إعتاق الحمل قبل هبة الجارية مشابه لما إذا وهب الجارية واستثنى حملها.
ووجه المشابهة أن في صورة إعتاق الحمل قبل الهبة لا يبقى الحمل على ملك الواهب، فكذا في استثناء الحمل؛ لأن الحمل لا يبقى أيضا على ملك الواهب بعد الاستثناء لعدم صحة استثناء الحمل.

م: (ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم يجز؛ لأن الحمل بقي على ملكه فلم يكن شبيه الاستثناء) ش: في التجويز؛ لأن الجواز في الاستثناء كان بإبطاله وجعل الحمل موهوبا م: (ولا يمكن تنفيذ الهبة فيه لمكان التدبير فبقي هبة المشاع) ش: وهي لا تجوز فيما يقسم، وروي أن هبة الأم تجوز بعد تدبير ولدها ذكره في " المبسوط "، ويمكن أن يكون قول المصنف فلم يكن شبيه الاستثناء جوابا لرد هذه الرواية.
فإن قيل: هب أنها هبة مشاع لكنها فيما لا يحتمل القسمة وهي جائزة. والجواب أن

(10/208)


أو هبة شيء هو مشغول بملك المالك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عرضية الانفصال في ثاني الحال ثابتة لا محالة فأنزل منفصلا في الحال، مع أن الجنين لم يخرج من ملك الواهب، فكان في حكم المشاع يحتمل القسمة.
وكان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما استشعر هذا السؤال أردفه بقوله م: (أو هبة شيء) ش: بنصف الهبة؛ لأن التقدير أو نفي هبة شيء فيكون حالا عن الضمير الذي في بقي م: (هو مشغول بملك المالك) ش: كما إذا وهب الجوالق وفيه طعام الواهب وذلك لا يصح كهبة المشاع.
وفي " نوادر هشام " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وهب لابنه الصغير أرضا فيها زرع الأب أو وهب منه دارا والأب فيها ساكن لم تجز الهبة فيهما.
وفي " الهارونيات المجرد " قال أبو حنيفة في رجل تصدق على ابن صغير بدار له وفيها متاع الرجل أو كان الأب فيها ساكنا أو فيها متاع له وليس ساكن فيها أو قوم سكان بغير أجر جازت فكان قابضا لابنه.
ولو كان فيها مكان بأجر كانت الصدقة باطلة.
فإن قيل: قد جعل في " الإيضاح " مسألة هبة الجارية بعد التدبير شبيه الاستثناء، وهبتها بعد الإعتاق غير شبيه الاستثناء على عكس ما ذكره المصنف، فما التوفيق بينهما؟
قلت: مراد صاحب " الإيضاح " بالاستثناء الحقيقي وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء ولكن لم تصح الهبة بذلك الاستثناء لمكان الشيوع وهذا متحقق في مسألة التدبير، لبقاء الملك في المدبر وفي مسألة الإعتاق لم تكن في معنى الاستثناء الذي يورث الشيوع فصح، والمصنف أراد بالاستثناء استثناء الحمل، ومسألة الإعتاق تشابهه في جواز الهبة والتدبير لم يشابهه كما تقدم.
فائدة: صاحب " الإيضاح " هو الإمام ركن الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الكرماني. قال السمعاني: في معجم شيوخه إمام أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخراسان قدم مرو وتفقه على القاضي محمد بن الحسن الأرده وكان من القضاة ظهرت تصانيفه بخراسان والعراق.
ومن تصانيفه " الجامع الكبير " و " التجريد في القيمة " في مجلد واحد، وشرحه في ثلاث مجلدات وسماه " الإيضاح ". قال السمعاني: سمعت منه وقد كانت ولادته بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة ومات بمرو عشية الجمعة لعشرة بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(10/209)


فإن وهبها له على أن يردها عليه أو على أن يعتقها أو أن يتخذها أم ولد، أو وهب له دارا أو تصدق عليه بدار على أن يرد عليه شيئا منها، أو يعوضه شيئا منها فالهبة جائزة والشرط باطل؛ لأن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد، فكانت فاسدة والهبة لا تبطل بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن وهبها له على أن يردها عليه) ش: أي فإن وهب جارية له، أي لفلان على أن يردها عليه م: (أو على أن يعتقها أو أن يتخذها أم ولد أو وهب له دارا أو تصدق عليه بدار على أن يرد عليه) ش: أي على الواهب م: (شيئا منها) ش: أي من الدار م: (أو يعوضه شيئا منها) .
ش: وهذا متصل بقوله: وتصدق عليه بدار لأنه لو وصل بقوله: أو وهب دارا كان هبة بشرط العوض، والهبة بشرط العوض صحيح، والشرط صحيح حتى يكون هبة ابتداء بيعا انتهاء. وإنما لا يصح اشتراطا العوض في الصدقة لأخ الهبة، اللهم إلا أن أراد بقوله أو يعوضه شيئا منها هو أن يرد بعض الدار الموهوب له على الواهب بطريق العوض قبل الدار فيصح صرف قوله: أو بعضه حينئذ إلى قوله: أو وهب دارا، إلا أنه يلزم التكرار لا فائدة. قاله الكاكي.
قلت: لا يلزم؛ لأن الرد عليه لا يستلزم كونه عوضا فإن كونه عوضا إنما هو بألفاظ تقدم ذكرها. وفي الجامع الصغير عن يعقوب عن أبي حنيفة: في الرجل يهب للرجل هبة أو يتصدق عليه بصدقة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها أو يعوضه ثلثها أو ربعها، قال: الهبة جائزة ولا يرد عليه ولا يعوضه منها شيئا.
وقال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": فإن كانت الهبة ألف درهم والعوض درهم منها لم يكن ذلك عوضا؛ لأن الشيء لا يصلح أن يكون عوضا عن نفسه، وكان للواهب أن يرجع في الهبة لانعدام العوض، وكذلك إذا كانت الهبة دارا والعوض بيت منها وإن وهب له حنطة وطحن بعضها فعوضه دقيقا عن تلك الحنطة كان عوضا لأنه بالطحن صار شيئا آخر فالقطع حق الواهب عنه فصلح عوضا.
وكذلك لو وهب له ثيابا فصبغ منها ثوبا بعصفر أو قميصا ثم عوضه إياه؛ لأن الزيادة القائمة بالثوب صلحت عوضا وقد انقطع حق المالك عنه. وكذلك لو وهب له سويقا فلت بعضه ثم عوضه بعضه.
م: (فالهبة جائزة) ش: هذا جواب أن في قوله فإن وهبها إلى آخره م: (والشرط باطل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - في رواية عن أبي ثور - وأحمد في صحة الهبة بالشرط الفاسد وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع م: (لأن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد) ش: لأن مقتضى ثبوت الملك مطلقا بلا توقيت، فإذا شرط عليه الرد والإعتاق أو غير ذلك يعتد بها م: (فكانت فاسدة والهبة لا تبطل بها) ش: أي بالشروط الفاسدة.

(10/210)


ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر
بخلاف البيع؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وشرط، ولأن الشرط الفاسد في معنى الربا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: للواهب حق فيكون اشتراطه الرد عليه عبارة عن ذلك الحق الثابت.
قلت: قوله على أن يرد إخبار عن لزوم الرد ولزومه غير ذلك الحق إذ ليس من حق الرد لزوم الرد. م: (ألا ترى) ش: إشارة إلى بيان أصل ذلك وهو م: (أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر» ش: يعني في رجوعها إليه بعد موت المعمر له، وجعلها ميراثا لورثة المعمر له، والحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سلمة عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «العمرى لمن وهبت له» ، وأخرجه مسلم أيضا عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فإنه من أعمر عمرى فإنها للذي أعمرها حيا وميتا» ، وأخرجه أبو داود والنسائي عن عروة عن جابر قال: «من أمر عمرى فهي له ولعقبه» .
وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمرى جائزة» .
فإن قلت: يشكل على هذا ما أخرجه مسلم عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول هي لك ولعقبك. فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. قال معمر: وكان الزهري يقول به.
قلت: هذا مقيد بالعقب وغيره من الأحاديث مطلقة، ونحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعا ولا نقيد المطلق.

م: (بخلاف البيع) ش: فإنه يبطل بالشروط الفاسدة م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن بيع وشرط» ش: هذا الحديث أخرجه الحارث في مسند أبي حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» وقد طعنوا في هذا الحديث وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب البيوع م: (ولأن الشرط الفاسد في معنى الربا) ش: لأنه لما قوبل المبيع بالثمن خلاف الشرط عن العوض، وفيه منفعة لأحدهما أو للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق. وليس الربا إلا بمال يملك بالعقد من غير عوض، والشرط الذي قلنا له حكم المال لأنه يجوز أخذ

(10/211)


وهو يعمل في المعاوضات دون التبرعات.
قال: ومن كان له على آخر ألف درهم فقال: إذا جاء غد فهي لك أو أنت بريء منها. أو قال: إذا أديت إلي النصف فلك النصف أو أنت بريء من النصف الباقي فهو باطل؛ لأن الإبراء تمليك من وجه. إسقاط من وجه، وهبة الدين ممن عليه إبراء، وهذا لأن الدين مال من وجه، ومن هذا الوجه كان تمليكا ووصف من وجه، ومن هذا الوجه كان إسقاطا، ولهذا قلنا إنه يرتد بالرد ولا يتوقف على القبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المعوض عليه م: (وهو يعمل في المعاوضات دون التبرعات) ش: والهبة ليست من المعاوضات فلا يبطل الشرط.

[له على آخر ألف درهم فقال إذا جاء غد فهي لك]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان له على آخر ألف درهم فقال إذا جاء غد فهي لك، أو أنت بريء منها، أو قال: إذا أديت إلي النصف فلك النصف أو أنت بريء من النصف الباقي فهو باطل) ش: فإذا كان باطلا يكون الألف عليه على حاله م: (لأن الإبراء تمليك من وجه) ش: لأنه يرتد بالرد م: (إسقاط من وجه) ش: لأنه لا يتوقف على القبول.
م: (وهبة الدين ممن عليه إبراء) ش: وبه قال الشافعي، وهل يقبض الإبراء إلى القبول عنده فيه وجهان، في وجه يفتقر قبل هذا الكلام يستقيم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال يتم هبة الدين بلا قبول كالإبراء فسوى بينهما أما عندنا الهبة لا تتم بدون القبول والإبراء يتم من غير قبول، هكذا ذكره في المبسوط ولكن ذكر في " المغني ": أن هبة الدين لا تتوقف على القبول في حق المديون.
أما هبة الدين للكفيل تمليك فيتوقف على القبول، وفيه أن هبة دين الصرف والسلم فيه، وإبراؤه يتوقف على القبول، وفي سائر الديون لا يتوقف الإبراء باتفاق الروايات.
وفي الهبة روايتان، قيل في الفرق بينهما أن إبراء بدل الصرف والسلم فيه يوجب انفساخ العقد؛ لأنه يوجب فوات القبض المستحق بالعقد فلم ينفرد أحد العاقدين به فيتوقف قبول الآخر بخلاف الإبراء عن سائر الديون لأنه ليس فيه معنى فسخ عقد ثابت وأن فيه معنى التمليك من وجه، ومعنى الإسقاط من وجه فلا يتوقف على القبول، كذا في " الذخيرة ".
م: (وهذا) ش: توضيح لكون الإبراء تمليكا من وجه وإسقاطا من وجه م: (لأن الدين مال من وجه) ش: حتى تجب فيه الزكاة، ويصح البيع بالدين وفي بعض النسخ لأنه مال، أي لأن الدين م: (ومن هذا الوجه كان تمليكا) ش: أي الإبراء م: (ووصف من وجه)
ش: يعني أنه ليس بمال حتى لا يحنث لو حلف أن لا مال له وله ديون على الناس م: (ومن هذا الوجه كان إسقاطا ولهذا) ش: أي ولأجل هذين المعنيين م: (قلنا إنه يرتد بالرد) ش: هذا آية التمليك م: (ولا يتوقف على القبول) ش: هذا آية الإسقاط، وإطلاق قوله يرتد بالرد يفيد أن عمل

(10/212)


والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق فلا يتعداها.
قال: والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه، ومعناه أن يجعل داره له مدة عمره، وإذا مات ترد عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرد في المجلس وغيره سواء، وهذه الرواية عن السلف إلا ما روي عن الأعمش والإسكاف من وجوب الرد في مجلس الإبراء والهبة.
م: (والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق) ش: لأن التعليق بالشرط يمين فما لا يجوز أن يحلف به لا يحتمل التعليق بالشرط كالعفو عن القصاص والإقرار بالمال والحجر على المأذون وعزل الوكيل. وأما الإبراء وإن كان إسقاطا من وجه ولكن ليس من جنس ما يحلف بها فلا يصح تعليقه بالشرط بخلاف ما لو قال أنت بريء من النصف على أن تؤدي إلي النصف الآن؛ لأن ذلك ليس بتعليق بل هو تقييد. ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر على أن تؤدي إلي ألف درهم فقيل فإنه لا يعتق قبل الأداء، كذا ذكره قاضي خان والمحبوبي م: (فلا يتعداها) ش: أي فلا يتعدى الإسقاطات المحضة إلى ما فيه تمليك.

[حكم العمرى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العمرى ... وأبطل شرط العمر وقد بيناه عن قريب، وبقولنا قال الشافعي وأحمد وهو قول جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وروي عن شريح ومجاهد وطاووس والثوري وقال مالك والليث والشافعي في القديم: العمرى تمليك المنافع لا تمليك العين، ويكون للمعمر السكنى، فإذا مات عادت إلى المعمر، وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، وفي " الجواهر ": أما العمرى فصورتها أن يقول أعمرتك داري أو ضيعتي فإنه قد وهب له الانتفاع بذلك مدة حياته حكما، فإذا مات رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر.
فإن قال: أعمرتك وعقبك فإنه قد وهب له ولعقبه الانتفاع ما بقي منهم إنسان، فإذا لم يبق منهم أحد رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر؛ لأنه وهب له المنفعة ولم يملك الرقبة، وكذلك إذا قال أسكنتك هذا الدار عمرك أو وهبتك سكناها عمرك، أو قال هي لك سكنى أو لك ولعقبك سكنى، فإذا مات المعمر أو انقرض عقبه بعد وفاة المعمر الواهب رجعت الرقبة إلى وارث المعمر يوم مات، انتهى.
م: (ومعناه) ش: أي معنى العمرى أراد تفسيره م: (أن يجعل داره له مدة عمره) ش: أي مدة عمره م: (وإذا مات) ش: أي المعمر بفتح الميم الثانية م: (ترد عليه) ش: أي على المعمر بكسر الميم

(10/213)


فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائزة؛ لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثانية وقيل صورته أن يقول أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت، فإذا مت فهي رد علي أو نحو هذا سميت عمرى لتقييدها بالعمر.
فإن قلت: روي عن ابن الأعرابي: لم يختلف العرف في العمرى والرقبى والمنحة والعرية والعارية والسكنى إنها على ملك أربابها ومنافعها من جعلت له، ونقل إجماع أهل المدينة على ذلك.
قلت: دعوى إجماع أهل المدينة غير صحيحة لاختلاف كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقوله: إنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشارع إلى عدم تمليك الرقبة كما في الصلاة والزكاة.
م: (فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وهي أن يقول: أرقبتك هذه الدار وهي لك حياتك على أنك إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك، فكأنه يقول: هي لآخرنا موتا سميت رقبى. لأن كل واحد يرقب موت صاحبه، وقال الحسن بن زياد في " المجرد ": وإن قال قد أرقبتك داري هذه، كانت عارية، وإن قال: هي لك رقبى كانت هبة إذا دفعها إليه.
وقال الكرخي في " مختصره ": وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " إملائه " قال أبو حنيفة إذا قال الرجل لرجل: هذه الدار لك رقبى، ودفعها إليه وقال: هذه الدار لك حبيس، ودفعها إليه فهي عارية في يده إذا شاء أن يأخذهما. قال محمد: وهذا قولنا أيضا، ثم قال: وقال أبو يوسف وأنا أرى أنه إذا قال هي لك حبيس فهي له إذا قبض.
وقوله: حبيس باطل وكذلك إذا قال هي لك رقبى. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ": إذا قال داري لك رقبى أو داري لك هذا حبيس، قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لا تكون هبة، وروى الحسن عن أبي حنيفة ومحمد أنه يكون عارية، وقال أبو يوسف: يكون هبة.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جائزة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد) ش: فكأنه قال رقبة داري لك فصار م:

(10/214)


كالعمرى، ولهما أنه عليه الصلاة والسلام أجاز العمرى ورد الرقبى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" كالعمرى " ش: في الجواز.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أجاز العمرى ورد الرقبى» ش: وقال ابن قدامة في " المغني ": وحديثهم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أجاز العمرى ورد الرقبى» لا نعرفه. وقال الأترازي: هذا لا يوجب الطعن فإن الثقات مثل ذلك وأبو حنيفة تمسكوا به.
قلت: هذا الكلام لا يرضى به الخصم ولا يقنع به. وكيف ولم يبين فيه من هم رواته وما حالهم وعن أي صحابي أخرجه ومن خرجه من أهل هذا الشأن. وفي " المبسوط " حديثه مروي عن أبي الزبير عن جابر وحديثهما مروي عن الشعبي عن شريح، والحديثان صحيحان فلا بد من التوفيق بينهما.
فنقول: الرقبى قد تكون بمعنى الإرقاب، وقد تكون بمعنى الترقب فحيث قال أجاز الرقبى كان بمعنى الإرقاب بأن يقول رقبة داري لك، وحيث قال رد الرقبى كان من الترقب وهو أن يقول أراقب موتك وتراقب موتي، فإن مت فهي لك، وإن مت فهي لي فيكون هذا تعليق التمليك بالخطر وهو موت المالك قبله وذلك باطل. ثم لما احتمل المعنيان والملك لذي اليد فيها ثابت بيقين، فلا يزيد له بالشك.
والجواب عن قوله داري لك تمليك وذلك إنما يصح إذا لم يفسر هذه الإضافة بشيء أما إذا فسره بقوله رقبى أو حبيس تبين به أنه ليس بتمليك كما في قوله داري لك سكنى تكون عارية. وقوله إنه من الإرقاب بمعنى الرقبة داري لك الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد، وإيداع الشيء في اللغة ليس بمستحسن. والصواب أنه بمعنى المراقبة والترقب. وأما قوله الحديثان صحيحان، فإن كان كذلك فالتأويل ظاهر وهو أن يراد بالرد والإبطال شرط الجاهلية وبالإجارة أن يكون ذلك تمليكًا مطلقًا، ويدل عليه ما روى جابر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فمن أعمر شيئًا فهي له» . ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى ثم أجاز على اختلاف العرضين ويبقى الاشتقاق على أصل واحد كما هو القياس مع سلامة المعنى، انتهى.
قلت: قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقوى وهو مذهب أحمد والثوري وذلك لأن حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها» ،

(10/215)


ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك، واللفظ من المراقبة كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل. وإذا لم تصح تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي.
وأخرج النسائي أيضًا عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعًا: «من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها جائزة، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة» .
وقال ابن المنذر: وروينا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الرقبى والعمرى سواء.
وقوله الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد فيه نظر؛ لأنه لا يلزم في صحة الاشتقاق النص عليه من جهة أحد، بل كل موضع يوجد فيه حد الاشتقاق وشرائطه يصح أن يقال هذا مشتق من ذلك، وهاهنا كذلك على ما لا يخفى.
م: (ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك واللفظ من المراقبة) ش: يعني مشتق منها م: (كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل) ش: أراد بالخطر موت المملك قبله م: (وإذا لم تصح) ش: أي الرقبى م: (تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به) ش: وذلك لأنه أطلق له الانتفاع.
وحاصل اختلافهم راجع إلى تفسير الرقبى مع اتفاقهم أنها من المراقبة، فحمل أبو يوسف هذا اللفظ على أنه تمليك للحال، والرجوع إلى الواهب منتظر فيكون كالعمرى.
وقال: المراقبة في نفس التمليك؛ لأن معناه لآخرنا موتًا، فكان هذا تعليقًا للتملك بالخطر، وذا باطل.
وفي " الأسرار ": حمل أبو يوسف حديث بطلان الرقبى على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرقبة التي بمعنى المراقبة يعني راقب موتي إن مت قبلك فهي لك، فعلى هذا الوجه لا يصح بالاتفاق، وعلى الوجه الأول كالعمرى فيصح بالاتفاق.

(10/216)


فصل في الصدقة قال: والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض؛ لأنه تبرع كالهبة فلا تجوز في مشاع يحتمل القسمة لما بينا في الهبة ولا رجوع في الصدقة لأن المقصود هو الثواب، وقد حصل. وكذلك إذا تصدق على غني استحسانا؛ لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب وقد حصل. وكذا إذا وهب لفقير لأن المقصود هو الثواب وقد حصل.
قال: ومن نذر أن يتصدق بماله يتصدق بجنس ما يجب فيه الزكاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الصدقة]
م: (فصل في الصدقة) ش: لما شاركت الصدقة الهبة في الشروط وخالفتها في الحكم ذكرها في كتاب الهبة وفصل لها فصلًا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض) ش: قال الأترازي: لما روى أصحابنا في نسخ " المبسوط " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة، وهذا الحديث حجة على الشافعي في تجويزه الصدقة بلا قبض.
قلت: للشافعي إما أن يقول هذا ليس بثابت، ولئن ثبت فقول الصحابي ليس بحجة عندي م: (لأنه) ش: أي لأن الصدقة والتذكير باعتبار التصدق م: (تبرع كالهبة فلا تجوز في مشاع يحتمل القسمة لما بينا في الهبة) ش: أراد به قوله: لأن تجويزه التزام أشياء لم تلزمه وهو القسمة م: (ولا رجوع في الصدقة لأن المقصود هو الثواب وقد حصل) ش: أي المقصود، فصارت كهبة عوض عنها.
فإن قلت: حصول الثواب في الآخرة فضل من الله ليس بواجب، فمن أين يقطع بحصوله.
قلت: يمكن أن يكون المراد حصول الوعد بالثواب.
م: (وكذلك إذا تصدق على غني) ش: يعني يرجع م: (استحسانًا؛ لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب وقد حصل) ش: فإن من له نصاب وله عيال كثيرة فالناس يتصدقون عليه على فعل الثواب، وهذا يتأدى الزكاة بالتصدق عليه حالة الاشتباه، ولا رجوع فيه بالاتفاق، فكذا عند العلم بحاله لا يثبت له حق الرجوع بالشك. وفي القياس ينبغي أن يرجع؛ لأن الصدقة في حق الغني هبة. وبه قال بعض أصحابنا لأنه إنما يقصد به العوض منه دون الثواب، فصارت الهبة فيه كالصدقة، والهبة في حق الفقير سواء، م: (وكذا إذا وهب لفقير) ش: يعني لا يرجع م: (لأن المقصود هو) ش: من الهبة الفقير م: (الثواب وقد حصل) ش: المقصود.

[نذر التصدق بماله]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن نذر أن يتصدق بماله يتصدق بجنس ما يجب فيه الزكاة)

(10/217)


ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع. ويروى أنه والأول سواء وقد ذكرنا الفرق، ووجه الروايتين في مسائل القضاء، ويقال له أمسك ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالا فإذا اكتسب يتصدق بمثل ما أنفق، وقد ذكرناه من قبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: اعتبارًا لإيجابه بإيجاب الله فيتصدق بالنقدين وعروض التجارة والسوائم والغلة والثمرة العشرية، ولا يتصدق بغير ذلك من الأموال لأنها ليست بأموال الزكاة. وقال زفر: يجب إخراج الجميع لعموم اللفظ، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشعبي: لا يلزمه شيء. وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية: يجب إخراج الثلث كالوصية. وفي " الروضة ": لو قال مالي صدقة أو في سبيل الله ففيه أوجه: أحدها: وهو الأصح عند الغزالي وقطع القاضي حسين به أنه لغو لأنه لم يأت بصيغة الإلزام. والثاني: أنه كما لو قال علي أن أتصدق بمالي فيلزمه التصدق. والثالث: يصير ماله بهذا اللفظ صدقة. وذكر في " التتمة ": إن كان المفهوم من اللفظ في عرفهم معنى النذر أو نواه فهو لو قال: علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله وإلا فلغو. وأما إذا قال إن كلمت فلانًا أو فعلت كذا فمالي صدقة فالذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي أنه بمنزلة قوله فعلي أن أتصدق بمالي أو بجميع مالي أن طريق الوفاء أن يتصدق بجميع ماله. وإذا قال في سبيل الله يتصدق بجميع ماله على الفقراء، انتهى.
وذكر في غيره أنه إن علقه بشرط المنع كان يمينًا فإذا حنث فعليه كفارة والله أعلم.

[نذر التصدق بملكه]
م: (ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع) ش: أي بجميع ما يملكه؛ لأن الملك أعم من المال؛ لأنه قد يملك غير المال مثل القصاص والنكاح والخمر، فوجب العمل لعمومه، ولكن يحبس قدر ما ينفق على نفسه وعامليه إلى حين كسبه مالًا آخر فيخرج مثله ولا يقدر بشيء لأن الناس يتفاوتون في ذلك باختلاف أحوالهم في النفقات م: (ويروى أنه) ش: أي الملك م: (والأول) ش: أي المال م: (سواء) ش: لأن الملك عبارة عن الربط والشد والمال ما يصل إليه القلب فيكون في معنى الربط والشد فيتناسبان، وهذه الرواية رواية الحاكم الشهيد م: (وقد ذكرنا الفرق) ش: أي بين المال والملك م: (ووجه الروايتين في مسائل القضاء) ش: أي من هذا الكتاب في مسألة مالي صدقة على المساكين.
م: (ويقال له) ش: أي الناذر يتصدق بملكه م: (أمسك ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالًا فإذا اكتسب يتصدق بمثل ما أنفق، وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في كتاب القضاء في باب القضاء بالمواريث. وفي " الغاية ": ثم إنه يمسك قوته في قوله جميع ما أملك صدقة لأنه لا بد له منه، ولكن لم يبين محمد في " المبسوط " و " الجامع الصغير " مقدار ما يمسك من القوت، فقال مشايخنا إن كان دهقانًا يمسك قوت سنة؛ لأن القوت لدهقان يتجدد كل سنة، وإن كان تاجرا يمسك قوت شهر؛ لأن التجارة للتاجر لا تنفق كل حين، وإنما ينفق في بعض الأحايين،

(10/218)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقدرنا بالشهر وإن كان محترمًا يمسك قوت يومه لأنه يتجدد له قوت كل يوم، ثم إذا وجد شيئًا يتصدق بمقدار ما أمسك للقوت؛ لأنه استهلك قدر القوت في المال الذي لزمه التصدق به، فصار ضامنًا لمثله.

[حكم التصدق عن الميت] 1
فروع: وفي " الفتاوى الكبرى ": إذا تصدق عن الميت أو دعا له يصل ثواب ذلك إلى الميت، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: لا يلحق الميت ما يفعله عنه من صدقة يتصدق بها له، أو دعاء يدعا له، أو قراءة قرآن إذا قال لله علي أن أتصدق بهذا الدرهم ولم يتصدق حتى هلك في يده فلا شيء عليه كذا في " الذخيرة ".
رجل أخرج الخبز إلى المسكين فلم يجده فهو بالخيار إن شاء أدى إلى مسكين آخر، وإن شاء لم يؤد لأنه لم يخرج عن ملكه، كذا في التجنيس. رجل تصدق على ابنه الصغير بدار والأب ساكنها قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال أبو يوسف: يجوز وعليه الفتوى، كذا في " النوازل ". ولو قال: داري في المساكين صدقة فعليه أن يتصدق بها، وإن تصدق بقيمتها أجزأه، كذا في " الاختيار ".

(10/219)