والمكاري المفلس جاز فيما يروى عنه، إذ هو
دفع ضرر الأعلى بالأدنى، ولا يصح القياس على منع المال؛ لأن الحجر أبلغ
منه في العقوبة ولا على الصبي؛ لأنه عاجز عن النظر لنفسه وهذا قادر
عليه نظرا والشرع مرة بإعطاء آلة القدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأباطيل أعاذنا الله من شر هؤلاء الذين {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 104] (سورة الكهف: الآية 104) ، {وَمَا
لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200] (سورة البقرة: الآية
200) .
م: (والمكاري المفلس) ش: لأنه يتلف أموال الناس، فإنه إن مات حمولته في
الطريق وليس له أخرى، والمستكري لا يجد شيئا إلا بالبيع ولا بالإجارة،
فيؤدي ذلك إلى إتلاف أموال الناس ولا سيما مكارية الحج بفسادهم ظاهرة
للناس فلا يحتاج إلى البيان م: (جاز فيما يروى عنه) ش: أي جاز الحجر
فيما يروى عن أبي حنيفة م: (إذ هو دفع ضرر الأعلى بالأدنى) ش: أي لأن
الحجر على هؤلاء دفع الأعلى، أي الضرر الأعلى وهو الضرر العام بالضرر
الأدنى، وهو الضرر الذي يلحق المحجور.
م: (ولا يصح القياس على منع المال) ش: هذا جواب عن قولهما، ولهذا منع
عنه المال، أي لا يصح قياس جواز الحجر عليه على جواز منع المال منه م:
(لأن الحجر أبلغ منه في العقوبة) ش: أي لأن الحجر على السفيه أبلغ من
منع المال عنه في العقوبة، يعني منع المال إنما هو بطريق العقوبة عليه
ليكون زجرا له على التبذير، والحجر أبلغ فيه في العقوبة فلا يقاس عليه.
قيل: هذا يلزم على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يرى الحجر عليه
عقوبة، أما عندهما الحجر عليه نظرا له.
وقيل: هذا على طريق بعض مشايخنا حيث قال إنه بطريق العقوبة، وقيل في
وجه منع هذا القياس أن منع المال شرع غير معقول المعنى إذ منع الأدنى
عن التصرف وهو مالك غير معقول فلا يقاس عليه.
وقيل: إن اليد للآدمي على المال نعمة زائدة وإطلاق اللسان في التصرفات
أصل فلا يقاس إبطال أعلى النعمتين على أدناهما.
م: (ولا على الصبي) ش: جواب أيضا عن قولهما اعتبارا بالصبي أن لا يقاس
السفيه بالصبي م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي م: (عاجز عن النظر لنفسه) ش:
فلذلك احتج ضرورة إلى صيرورة الغير وليا والمولى عليه لا يلي التصرف.
م: (وهذا) ش: أي السفيه م: (قادر عليه) ش: أي على النظر لنفسه لكمال
عقله م: (نظرا والشرع مرة بإعطاء آلة القدرة) ش: من العقل، والحرية،
والبلوغ، وإن كان يعدل عن السنن
(11/91)
والجري على خلافه لسوء اختياره، ومنع المال
مفيد لأن غالب السفه في الهبات والتبرعات والصدقات وذلك يقف على اليد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالعقل بهواه م: (والجري على خلافه) ش: أي وجري السفيه على خلاف ذلك م:
(لسوء اختياره) ش: لا يعجزه، فكان قياس قادر على عاجز فلا يصح.
م: (ومنع المال مفيد) ش: هذا جواب عن قوله، ثم هؤلاء يفيد الحجر، يعني
أن منع المال بدون الحجر مفيد م: (لأن غالب السفه في الهبات والتبرعات
والصدقات) ش: دون التجارات م: (وذلك يقف على اليد) ش: أي لا يملك إلا
بالقبض، فإذا لم يكن في يده شيء يمتنع عن ذلك، وإن فعل لم يفد.
فإن قلت: قول تعالى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا
أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ
وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، يدل على
الحجر، لأنه تعالى جعل السفيه وليا عليه، فإذا كان عليه ولي كان موليا
عليه، وكونه موليا عليه دليل أنه محجور عليه.
وروي عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أنه اشترى
دارا بأربعين ألف درهم، وطلب علي من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- أن يحجر عليه، فشارك الزبير بن العوام، فلما بلغ ذلك عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير بن العوام، وإنما
علل بهذا؛ لأن الزبير كان مجتهدا في التجارة، فلو كان هذا عيبا لما
شاركه الزبير، فطلب علي، وتعليل عثمان، واحتيال عبد الله بهذه الحيلة
يدل ذلك على منعهم الحجر على الحر، ولم ينقل عن غيرهم خلافا فكان
إجماعا.
وحدث أبو عبيد في غريب الحديث بإسناده إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أنه خطب الناس فقال: ألا إن الأسينع أسينع جهينة رضي من دينه وأمانته
أن يقال سابق الحاج، أو قال سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قد دين به فمن
له عليه دين فليغد بالغداة فلتقسم ماله بينهم بالحصص، فهذا دليل أن عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجر عليه بسبب الإفلاس وباع ماله من غير
رضاه.
قلت: الجواب عن الآية أن الله تعالى جوز المداينة مع السفيه كما جوزه
مع المصلح، هذا يدل على أن السفيه لا يوجب الحجر، ويقال إن السفيه
هاهنا هو المجنون والصغير وعليه كثير من أهل التأويل وذلك بانعدام
العقل أو نقصانه، وكذا يحمل السفيه في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا
تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] فيسقط به الاحتجاج
أيضا في الحجر، والمراد نهي الأزواج عن دفعه المال إلى النساء وجعل
التصرف إليهن كما كانت العرب تفعله، ألا ترى أنه قال أموالكم وذلك
يتناول المخاطبين بهذا المعنى لا أموال السفهاء.
(11/92)
قال: وإذا حجر القاضي عليه ثم رفع إلى قاض
آخر فأبطل حجره وأطلق عنه جاز، لأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله تعالى: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]
(سورة البقرة: الآية 282) لا يدل على أن السفيه مولى عليه لا محالة؛
لأن بعض المفسرين قال المراد من الولي صاحب الحق يملي بالعدل بين يدي
من عليه الحق لئلا يزيد على ذلك شيئا ولا ينقص على صاحبه، كذا في " شرح
التأويلات ".
وأما حديث عبد الله، فإن كان رأي علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو
الحجر على المنذر فقد كان رأي الزبير، وعبد الله بن جعفر، على خلاف
ذلك، حيث اشتغلا بإبطال الحجر فإن هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين أصحاب
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يجب النزول على
قول واحد منهم، ويجب ترجيح قول البعض على البعض بالدليل.
وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فالغالب إن فعل ذلك برضاه فلا
يكون ذلك دليل الحجر، فلا ينفي للخصم حجة. قوله فأدان معرضا، يعني
استدان معرضا وهو الذي يعترض الناس ليستدين ممن أمكنه يقال دين به أي
غلب، يقال دين بالرجل دينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه.
[حكم القاضي بالحجر فرفع الحجر قاض آخر]
م: (قال: وإذا حجر القاضي عليه) ش: تفريع على مسألة الحجر، أي على
السفيه. وقال الأترازي: ذكر هذا جوابا لسؤال ذكره. وفي النسخ: طريقة
الخلاف بأن يقال: سلمنا أن تصرف المحجور قبل حجر القاضي نافذ، ولا كلام
لنا فيه، وكلامنا فيما إذا حجر القاضي فلم قلتم إن تصرفه ينفذ بعد
الحجر، لأن قضاء القاضي إذا وقع في فصل مجتهد فيه نفذ قضاؤه بالاتفاق
كما في بيع المدبر والقضاء على الغائب وقسمة الغنائم، فينبغي أن لا
يسند تصرف السفيه بعد حجر القاضي، فأجابوا عنه بجوابين.
أحدهما: ما ذكروا في مسألة القضاء على الغائب أن نفس القضاء إذا كان
مجتهدا فيه لا ينفذ، وهنا كذلك لأن نفس القضاء بالحجر على السفيه مجتهد
فيه.
والثاني: أن هذا ليس بقضاء بل هو فتوى، فكان قضاء هذا القاضي وفتوى
غيره سواء م: (ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره) ش: أي حجر القاضي الأول
م: (وأطلق عنه جاز) ش: أي عن السفيه جاز تصرفه م: (لأن الحجر منه) ش:
أي من القاضي م: (فتوى وليس بقضاء) ش: لأن القضاء لا بد له من خصومة،
لأنه شرع لفصل الخصومات، ولا بد للخصومة من الدعوى والإنكار ولم يوجد
ذلك فلا يكون قضاء بل هو فتوى لعدم المقضي له والمقضى عليه، وهو معنى
قوله.
(11/93)
ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى
عليه ولو كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الإمضاء، حتى لو
رفع تصرفه بعد الحجر إلى القاضي الحاجر أو إلى غيره فقضى ببطلان تصرفه
ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد
ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى عليه) ش: فلا يكون قضاء،
لأن القضاء يثبت ما ليس بثابت، بل هذا كان مثبتا ما كان ثابتا، فإنه
كان محجورا عليه قبل القضاء متى كان مبذر لماله وهذا هو حد الفتوى.
م: (ولو كان قضاء) ش: يعني ولئن سلمنا أن حجر القاضي كان قضاء على
احتمال بعيد، وهو أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر نظر له.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جاز أن يكون هذا جواب إشكال،
وهو أن يقال: يمكن أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر ما ثبت،
إلا نظرا له، والقضاء بالحجر يقع عليه، فيجعل مقضيا له أيضا، فإذا وجد
المقضى له والمقضى عليه باختلاف الجهة فلا يكون قضاء، فلا ينبغي للقاضي
الثاني الحكم بخلافه.
فأجاب - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنه لو كان قضاء م: (فنفس القضاء مختلف
فيه) ش: لأن عند أبي حنيفة لا يجوز القضاء بالحجر وعندهما يجوز فيكون
نفس القضاء مختلفا فيه، فيكون القاضي الثاني بسبيلين تنفيذه، وإبطاله
لكونه ثابتا من وجه دون وجه فلا بد من الإمضاء ليرتفع نقصان اختلاف
العلماء.
نظيره إذا تزوج رجل بشهادة رجل وامرأتين يجوز النكاح عندنا خلافا
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلو رفع هذا النكاح إلى القاضي الشافعي
فقضى بصحته لا يصير مجمعا عليه، لأنه قضى على خلاف رأيه، فيكون
الاختلاف في القضاء فيها فينفذ إجماعا.
وقال الخبازي: قضاء القاضي بالمختلف إنما يرفع الخلاف إذا لم يكن نفس
القضاء مختلفا، ولا بد من قضاء آخر لنفاذ هذا القضاء.
م: (فلا بد من الإمضاء) ش: بقضاء آخر م: (حتى لو رفع تصرفه) ش: أي تصرف
السفيه م: (بعد الحجر إلى القاضي الحاجر، أو إلى غيره فقضى ببطلان
تصرفه ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله) ش: أي إبطال القاضي الثاني.
قيل: روي نفذ بالتشديد معناه استمر على تنفيد الثاني، لأنه حكم بنفاذه
م: (لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد ذلك) ش: أي بعد الإمضاء.
(11/94)
ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلم إليه ماله، حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة،
فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه
ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقالا: لا يدفع إليه ماله أبدا حتى يؤنس
رشده، ولا يجوز تصرفه فيه، لأن علة المنع السفه فيبقى ما بقي العلة
وصار كالصبا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن منع المال عنه
بطريق التأديب ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا، ألا ترى أنه قد يصير
جدا في هذا السن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا بلغ الغلام غير رشيد)
ش: أي حال كونه غير رشيد م: (لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين
سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه) ش: لأنه لا يحجر عليه عنده.
م: (فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد.
وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله م: (لا يدفع إليه ماله أبدا
حتى يؤنس رشده ولا يجوز تصرفه فيه) ش: أي في ماله، وأبدا نصب على
الظرف، والجمع بينه وبين حتى تسامح ظاهر م: (لأن علة المنع السفه،
فيبقى ما بقي العلة) ش: أي يبقى المنع ما دامت العلة باقية، لأن الله
تعالى علق دفع المال بإيناس الرشد.
فوق: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] (سورة النساء:
الآية 6) ، فلا يجوز الدفع قبله إذ المعلق بالشرط معدوم قبله، والسفه
صلة، فالعبرة لقيامها وزوالها لا للزمان وبه قالت الثلاثة م: (وصار
كالصبا) ش: أي وصار حكم السفه كحكم الصبا، فالسفه ما دام موجودا فحكمه
حكم الصبي ولو صار شيخا فانيا.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن منع المال عنه بطريق التأديب)
ش: يمكن أن يوجه هذا الكلام على وجهين:
الأول: أن يقول سلمنا أن علة المنع السفه، لكن المعلول هو المنع عنه
بطريق التأديب، يعني من حيث التأديب، وهذا يقتضي أن يكون محلا للتأديب
وهو ما لم ينقطع رجاء التأديب م: (ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا) ش:
أي ولا يبقى التأديب بعد بلوغه خمسا وعشرين سنة لانقطاع رجاء التأديب
بعد هذه المرة ظاهرا في غالب الأحوال.
م: (ألا ترى أنه قد يصير جدا في هذا السن) ش: هذا توضيح لعدم التأديب
عند بلوغه لهذا السن وهو خمسة وعشرون سنة، لأنه يصير جدا عند ذلك
باعتبار أصل مدة البلوغ في الإنزال وهو اثنتا عشر سنة، وأقل مدة الحمل
وهو ستة أشهر، وأقل الطبائع من بلغ خمسا وعشرين سنة فقد بلغ رشده، ألا
ترى أنه يصير جدا صحيحا في هذا السن، لأن أدنى ما
(11/95)
فلا فائدة للمنع، فلزم الدفع، ولأن المنع
باعتبار أثر الصبا وهو في أوائل البلوغ، وينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى
المنع، ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو بلغ رشيدا ثم صار
سفيها لا يمنع المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتلم الإنسان في اثنتي عشرة سنة ثم يولد له في ستة أشهر يبلغ ذلك في
اثنتي عشرة سنة ثم يولد له ولد ابن في ستة أشهر فيصير جدا صحيحا في خمس
وعشرين سنة، ومن صار فرعه أصلا فقد تناهى في الأصلية، فإذا لم يؤنس
رشده إلى هذه المدة فالظاهر انقطاع رجاء تأديبه فلا معنى لمنع المال
عنه بعد ذلك، إلى هذا أشار محمد في الكتاب فقال أرأيت أنه لو بلغ مبلغا
صار ولده قاضيا وله نافلة كان يحجر به على أبيه ويمنع المال منه، هذا
قبيح.
فإن قلت: قد يصير الإنسان جدا في اثنتين وعشرين سنة، أي بلغ الصبي في
اثني عشرة سنة فتزوج بامرأة فولدت لستة أشهر بنتا فبلغت البنت على تسع
سنين فزوجها من رجل وولدت لستة أشهر فصار جدا في اثنين وعشرين سنة، فلم
قدره بخمس وعشرين سنة.
قلت: الجد المطلق وهو الجد الصحيح، والفاسد لا اعتبار به.
الوجه الثاني: أن يجعل معارضة فيقال ما ذكرتم وإن دل على ثبوت المدلول
لكن عندنا ينفيه وهو أن منع المال عنه بطريق التأديب ولا تأديب بعد هذا
الملك.
م: (فلا فائدة للمنع) ش: أي لمنع المال عنه م: (فلزم الدفع) ش: أي فإذا
كان كذلك لزم دفع المال إليه م: (ولأن المنع باعتبار أثر الصبا) ش: هذا
دليل آخر تقريره أن المنع بعد البلوغ إذا لم يؤنس رشده باعتبار أثر
الصبا م: (وهو) ش: أثر الصبا أي وجدانه م: (في أوائل البلوغ وينقطع
بتطاول الزمان) ش: وقد ذلك بخمس وعشرين سنة، لأن مدة البلوغ من حيث
السن ثماني عشرة سنة وما قرب من البلوغ فهو في حكم البلوغ، وقدر ذلك
المبيع بالسنين اعتبارا بمدة التمييز في الابتداء على ما أشار النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا
سبعة» .
م: (فلا يبقى المنع) ش: بعد ذلك م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن المنع،
باعتبار أثر الصبا م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو بلغ
رشيدا) ش: أي لو بلغ الصبي حال كونه رشيدا م: (ثم صار سفيها لا يمنع
المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا) ش: بل لخفة اعترته، إما لغضب، أو فرح.
فإن قلت: الدفع معلق بانيا من الرشيد، فما لم يوجد، لا يجوز الدفع
إليه، إذ المعلق بالشرط لا يوجد، قيل: وجوده وما بقي مفسدا لماله ما لم
يؤنس منه الرشد.
(11/96)
ثم لا يتأتى التفريع على قوله، وإنما
التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا ينفذ بيعه
إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه، وإن كان فيه مصلحة أجازه الحاكم؛
لأن ركن التصرف قد وجد والتوقف للنظر له وقد نصب الحاكم ناظرا له
فيتحرى المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: الشرط يوجب الوجود عند الوجود لا العدم عند العدم سلمناه لكنه سكر
يراد به أدنى ما ينطلق عليه وقد وجد ذلك إذا وصل الإنسان إلى هذه
الحالة لصيرورة فرعه أصلا، فكان متناهيا في الأصالة.
م: (ثم لا يتأتى التفريع على قوله) ش: أي التفريع الذي ذكره القدوري في
"مختصره " يقول فإذا باع لا يتعدى معه، لا يتأتى على قول أبي حنيفة م:
(وإنما التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا
ينفذ بيعه إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه) ش: أي لأجل توفير فائدة
الحجر، أراد لإظهار فائدة الحجر عليه، فيكون موقوفا.
م: (وإن كان فيه مصلحة) ش: بأن كان مثل القيمة أو كان البيع رابحا وكان
الثمن باقيا في يده م: (أجازه الحاكم) ش: أي أجاز الحاكم ذلك البيع
الموقوف، وإن كان الثمن أقل من القيمة أو كان البيع خاسرا أو لم يبق
الثمن في يده لم يجز، لأن فيه ضرر به لخروج المبيع عن يده بدون أن يكون
في يده شيء من البدل، واستدل على الجواز بالتوقف بقوله م: (لأن ركن
التصرف قد وجد) ش: وذلك يوجب الجواز.
فإن قيل: إنما يوجب الجواز إذا وجد ركن التصرف من أهله، والسفيه ليس من
أهله.
أجيب: بأنه أهل، لأن الأهلية بالعقل، والسفه، لا ينفيه كما تقدم.
م: (والتوقف للنظر له) ش: هذا جواب عما يقال فعلام التوقف؟ فأجاب
بقوله: للنظر له م: (وقد نصب الحاكم ناظرا له فيتحرى) ش: أي يقصد
باجتهاده م: (المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده) ش: أي
كما يتحرى الحاكم أو الولي في بيع الصبي وشرائه الذي يعقل البيع بأن
يعلم أنه سالب، والشراء بأنه جالب كما مر، وقد اشتغل محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في كتاب الحجر إلى آخر الكتاب بالتفريع على مذهبه وقال: هو
بمنزلة الصبي الذي لم يبلغ إذا باع أو اشترى، فإن أجازه الحاكم يجوز
وما لا فلا، لأن تصرفاته ليست بباطلة بل هي موقوفة لاحتمال وقوعها
مصلحة، فإذا رأى القاضي وقوعه مصلحة يجيزه ولا يرده، بمنزلة الصبي الذي
يعقل، إلا أنه يفارقه في خصال أربع:
الأولى: لا يجوز لوصيه ولا لأبيه أن يبيع عليه ماله ولا يشتري له إلا
بأمر الحاكم، وفي
(11/97)
ولو باع قبل حجر القاضي جاز عند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لا بد من حجر القاضي عنده؛ لأن الحجر دائر
بين الضرر والنظر والحجر لنظره، فلا بد من فعل القاضي، وعند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز لأنه يبلغ محجورا عنده إذ العلة هي السفه
بمنزلة الصبا وعلى هذا الخلاف إذا بلغ رشيدا ثم صار سفيها. وإن أعتق
عبدا نفذ عتقه عندهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذي لم يبلغ ملك ذلك وصيه أو أبوه.
والثانية: أن إذا أعتق عبدا جاز عتقه، ويسعى في قيمته، وكذا لو دبر يصح
تدبيره، ولو مات عنه يسعى في قيمته مدبرا، وإعتاق الذي لم يبلغ لا يصح
أصلا.
والثالثة: أن وصايا الغلام الذي قد بلغ مفسدا من التدبير وغيره باطل
قياسا، ولكنا نستحسن أن ما وافق الحق وما تقرب به إلى الله تعالى وما
يكون في غير وجه الفسق جائز كما يجوز وصية غيره وما يكون سفيها لا
يجوز.
وأما وصايا الغلام الذي لم يبلغ لا تجوز أصلا.
والرابعة: إذا جاءت جاريته بولد، فادعاه ثبت نسبه، وكانت الجارية أم
ولد له، فإن ماتت كانت حرة بخلاف الغلام الذي لم يبلغ، كذا ذكر في شرح
" الكافي ".
وذكر خواهر زاده في "مبسوطه " من جملة الخصال الأربع النكاح، والطلاق،
فقال: لا يجوز طلاق الصبي العاقل، ويجوز طلاق السفيه، وكذا يجوز نكاح
السفيه ولا يجوز نكاح الصبي العاقل، ولم يذكر الوصايا وادعاه ولد فعلى
هذا تكون الخصال التي يفترق فيها السفيه والصبي ستا.
[تصرفات المحجور عليه]
م: (ولو باع) ش: أي السفيه م: (قبل الحجر) ش: أي قبل حجر القاضي، وفي
بعض النسخ كذلك م: (جاز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال
الشافعي وأحمد م: (لأنه لا بد من حجر القاضي عنده؛ لأن الحجر دائر بين
الضرر) ش: وهو إهدار آدميته م: (والنظر) ش: أي في إيقاع البيع على ملكه
كما كان م: (والحجر لنظره فلا بد من فعل القاضي) ش: ليترجح أحد
الجانبين على الآخر.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: وبه قال مالك م: (لأنه
يبلغ محجورا عنده إذ العلة هي السفه بمنزلة الصبا) ش: وهو موجود قبل
القضاء فيترتب عليه الحكم م: (وعلى هذا الخلاف إذا بلغ رشيدا ثم صار
سفيها) ش: وعند أبي يوسف لا يصير محجورا حتى يقضي القاضي، وعند محمد
يصير محجورا لمجرد السفه م: (وإن أعتق عبدا) ش: يعني بعد الحجر م: (نفذ
عتقه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهو قول أبي حنيفة
(11/98)
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا
ينفذ. والأصل عندهما أن كل تصرف يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الحجر وما لا
فلا؛ لأن السفيه في معنى الهازل من حيث إن الهازل يخرج كلامه لا على
نهج كلام العقلاء، لاتباع الهوى ومكابرة العقل لا لنقصان في عقله،
فكذلك السفيه والعتق مما لا يؤثر فيه الهزل فيصح منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، ولم يحضر قولهما بالذكر احترازا عن قوله
لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحكم قبل الحجر وبعده سواء في
نفاذ تصرفات المحجور بسبب السفه؛ لأنه تأثير للحجر عنده، بل احترازا عن
قولهما في سائر التصرفات التي يؤثر فيه الحجر كالبيع والشراء والإقرار
بالمال.
وعن قول الشافعي حيث قال: م: (وعند الشافعي لا ينفذ) ش: وبه قال أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قياس قول مالك؛ لأن تصرفات المحجور عليه غير
نافذة م: (والأصل عندهما) ش: أي الأصل في هذا الباب عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله م: (أن كل تصرف يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الحجر، وما لا
فلا) ش: أي وما لا يؤثر فيه الهزل فلا يؤثر فيه الحجر.
م: (لأن السفيه في معنى الهازل) ش: لا من كل وجه م: (من حيث إن الهازل
يخرج كلامه، لا على نهج كلام العقلاء) ش: أي لا على الطريق الواضح، وهو
بفتح النون، وسكون الهاء، وأما النهج بتحريك الهاء فهو البهر، وهو
تتابع النفس، وهو من باب علم يعلم م: (لا تباع الهوى، ومكابرة العقل)
ش: أي لأجل اتباعه هوى النفس وتعاليه العقل، لأنه يقصد اللعب دون ما
وضع له الكلام م: (لا لنقصان في عقله، فكذلك السفيه) ش: يعني لا يخرج
الهازل كلامه على نهج كلام العقلاء لاتباع الهوى ومكابرة العقل.
م: (والعتق مما لا يؤثر فيه الهزل فيصح منه) ش: أي من السفيه، وفيه بحث
من أوجه:
الأول: أن السفيه لو حنث في يمينه وأعتق رقبة لم ينفذه القاضي، وكذا لو
نذر بهدي أو غيره لم ينفذه، فهذا مما لا يؤثر فيه الهزل، لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد» ، وقد
أثر فيه الحجر بالسفه.
والثاني: أن الهازل إذا أعتق عبده عتق، ولم يجب عليه سعاية، والمحجور
بالسفه إذا أعتقه، وجب عليه السعاية فالهزل لم يؤثر في وجوب السعاية،
والحجر أثر فيه.
والثالث: أن التعليل المذكور إنما يصح في حق السفيه لا في حق الهازل،
والصحيح فيه
(11/99)
والأصل عنده: أن الحجر بسبب السفه بمنزلة
الحجر بسبب الرق حتى لا ينفذ بعده شيء من تصرفاته إلا الطلاق كالمرقوق،
والإعتاق لا يصح من الرقيق فكذلك من السفيه. وإذا صح عندهما كان على
العبد أن يسعى في قيمته، لأن الحجر لمعنى النظر، وذلك في رد العتق إلا
أنه متعذر فيجب رده برد القيمة كما في الحجر على المريض، وعن محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب السعاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن يقال ولقصده اللعب به دون ما وضع الكلام له لا لنقصان في العقل.
والجواب: عن الأول أن القضاء بالحجر عن التصرفات المالية فيما يرجع إلى
الإتلاف يستلزم عدم تنفيذ الكفارات والنذور، لأن في تنفيذهما إضاعة
المقصود عن الحجر لإمكان أن يتصرف في جميع ماله باليمين والحنث
والنذور.
وعن الثاني: ما سيجيء في الكتاب.
وعن الثالث: أن قصد اللعب بالكلام وترك ما وضع له من مكابرة العقل
واتباع الهوى فلا فرق بينهما.
م: (والأصل عنده) ش: أي عند الشافعي م: (أن الحجر بسبب السفه بمنزلة
الحجر بسبب الرق) ش: في أنه لا يزيل الخطاب ولا يخرج من أن يكون أهلا
لإلزام العقوبة باللسان باكتساب سببها، كما أن الرق كذلك م: (حتى لا
ينفذ بعده) ش: أي بعد الحجر م: (شيء من تصرفاته إلا الطلاق كالمرقوق
والإعتاق لا يصح من الرقيق، فكذلك من السفيه) ش: قلنا: ليس السفه
كالرق؛ لأن حجر الرق لحق الغير في المحل الذي يلاقيه تصرفه، حتى إن
يصرف فيما لا حق للغير فيه نافذ كالإقرار بالحدود والقصاص، وهذا لا حق
لأحد في المحل الذي يلاقيه تصرفه، فيكون نافذا.
م: (وإذا صح) ش: أي عتق السفيه م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله م: (كان على العبد أن يسعى في قيمته، لأن الحجر لمعنى
النظر، وذلك) ش: أي النظر م: (في رد العتق) ش: أي إبطاله م: (إلا أنه
متعذر) ش: لعدم قبوله الفسخ م: (فيجب رده برد القيمة) ش: أي رد العتق
برد العبد إليه بالاستسعاء م: (كما في الحجر على المريض) ش: يعني لو
أعتق عبدا في مرضه تجب السعاية في كل قيمته للغرماء أو ثلثي قيمته
للورثة، إذا لم يكن عليه دين ولا مال له سواه لتعذر رد العتق، فكان رده
بوجوب السعاية لحق آخر ما أدى الورثة.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب السعاية) ش: أي أن الشأن
لا يجب السعاية على
(11/100)
لأنه لو وجبت إنما تجب حقا لمعتقه والسعاية
ما عهد وجوبها في الشرع إلا لحق غير المعتق. ولو دبر عبده جاز؛ لأنه
يوجب حق العتق فيعتبر بحقيقته، إلا أنه لا تجب السعاية ما دام المولى
حيا، لأنه باق على ملكه. وإذا مات ولم يؤنس منه الرشد سعى في قيمته
مدبرا لأنه عتق بموته وهو مدبر، فصار كما إذا أعتقه بعد التدبير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد، جعل في " المبسوط " هذه الرواية عنه آخر قول أبي يوسف، وأما
قوله الأول كقول محمد في وجوب السعاية.
م: (لأنه لو وجبت) ش: أي لأن السعاية وتذكير الضمير باعتبار السعي م:
(إنما تجب حقا لمعتقه والسعاية ما عهد وجوبها في الشرع إلا لحق غير
المعتق) ش: كما في إعتاق أحد الشريكين فإنه يسعى للساكت.
ولو ظاهر عن امرأته وصام أجزأه لأنه بمنزلة الغائب عن ماله. ولو أعتق
عبدا عن ظهاره سعى الغلام في جميع قيمته ثم لا يجزئه عن ظهاره، لأنه
يكون إعتاقا ببعض، فإن صام أحد الشهرين ثم صار مصلحا لم يجزئه إلا
العتق بمنزلة معسر السير، كذا في شرح " الكافي ".
م: (ولو دبر) ش: أي السفيه م: (عبده جاز، لأنه يوجب حق العتق) ش: أي
لأن التدبير دل عليه قوله دبر م: (فيعتبر بحقيقته) ش: أي بحقيقة العتق،
لأنه لما ملكه أنشأ حقيقة العتق، فلأن يملك إنشاء حقه كان أولى م: (إلا
أنه لا يجب السعاية ما دام المولى حيا لأنه باق على ملكه) ش: فلا يمكن
إيجاب السعاية، لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا، ألا ترى أنه لو
دبر عبده بمال، وقبل العبد صح التدبير، ولم يجب المال بخلاف ما لو
كاتبه، أو أعتقه على مال حيث يصح، لأنه لم يبق على ملكه حقيقة، أو يدا،
أشار إليه في " المبسوط ".
م: (وإذا مات ولم يؤنس منه الرشد سعى في قيمته مدبرا، لأنه عتق بموته
وهو مدبر، فصار كما إذا أعتقه بعد التدبير) ش: أي كما إذا أعتقه في
حياته بعد أن دبره تحت السعاية، فكذا هنا. ألا ترى أن مصلحا لو دبر
عبدا في صحته ثم مات وعليه دين مستغرق تجب السعاية عليه في قيمته
المدبر لغرمائه، فكذا هاهنا، قيل ينبغي أن يسعى في قيمته قنا، لأن
العتق حصل بالتدبير السابق وهو في تلك الحالة قن فوجب السعاية قنا، كما
لو أعتقه.
أجيب: بأن الأصل أن المعلق بالشرط ليس بسبب قبله إلا أنه جعل هاهنا
سببا قبله ضرورة، فلا تظهر مبينة في إيجاب السعاية عليه قنا، وإنما
يظهر في حق المنع وتعلق العتق بموته، لأن الثابت أن الضرورة تتقدر
بقدرها.
قيل: سلمنا ذلك لكن يجب أن يسعى في ثلثي قيمته، لأن التدبير وصية وفيها
يسعى العبد كذلك.
(11/101)
ولو جاءت جاريته بولد فادعاه يثبت نسبه منه
وكان الولي حرا والجارية أم ولد له لأنه محتاج إلى ذلك لإبقاء نسله،
فألحق بالمصلح في حقه وإن لم يكن معها ولد وقال هذه أم ولدي كانت
بمنزلة أم الولد لا يقدر على بيعها. وإن مات سعت في جميع قيمتها لأنه
كالإقرار بالحرية إذ ليس لها شهادة الولد بخلاف الفصل الأول؛ لأن الولد
شاهد لها، ونظيره المريض إذا ادعى ولد جاريته فهو على هذا التفصيل.
قال: وإن تزوج امرأة جاز نكاحها لأنه لا يؤثر فيه الهزل، ولأنه من
حوائجه الأصلية وإن سمى لها مهرا جاز منه مقدار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب بأنه وصية من حيث النفاذ بعد الموت لا غير، ألا ترى أن الرجوع في
الوصية صحيح دون التدبير.
م: (ولو جاءت جاريته) ش: أي جارية الذي بلغ غير رشيد م: (بولد فادعاه
يثبت نسبه منه وكان الولد حرا والجارية أم ولد له لأنه محتاج إلى ذلك
لإبقاء نسله) ش: لأن إبقاءه من الحوائج الأصلية لحياة ذكر الإنسان
ببقاء الولد بعد موته م: (فألحق بالمصلح في حقه) ش: أي في حق الاستيلاد
نظرا له، ولا يعلم فيه خلافا للثلاثة.
م: (وإن لم يكن معها) ش: أي مع الجارية م: (ولد وقال هذه أم ولدي كانت
بمنزلة أم الولد لا يقدر على بيعها) ش: لأن دعوته كانت دعوة تحرير فلا
يقدر على بيعها م: (وإن مات) ش: أي السفيه بعد هذه الدعوة م: (سمعت) ش:
أي الجارية م: (في جميع قيمتها لأنه كالإقرار بالحرية) ش: أي لأن
إقراره بأمومية الولد بدون الولد كالإقرار بالحرية م: (إذ ليس لها
شهادة الولد) ش: فصار كأنه قال أنت حرة فيمتنع بيعها وتسعى في جميع
قيمتها بعد موته.
م: (بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا كان معها ولد م: (لأن الولد شاهد
لها) ش: في إبطال حق الغير، فكذا في حكم دفع الحجر عن تصرفه م: (ونظيره
المريض) ش: أي نظير حكم هذه المسألة بالوجهين نظير ما م: (إذا ادعى
المريض ولد جاريته فهو على هذا التفصيل) ش: وهو الفرق بالذي ذكره بين
الدعوة بالولد والدعوة بدون الولد، فإن كان معها ولد لا تسعى بعد موته،
وإن لم يكن تسعى لحاجته إلى بقاء نسله فيكون مقدما على حق الغرماء.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن تزوج امرأة جاز نكاحها) ش: ولفظا "
المبسوطين " جاز نكاحه، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك وأبو الخطاب
الحنبلي لا يجوز بغير إذن الولي، لأنه عقد معاوضة كالشراء، فلا يجوز
بدون وليه م: (لأنه لا يؤثر فيه الهزل) ش: لأن النكاح لا يؤثر فيه
الهزل، لأن الهزل فيه جد.
م: (ولأنه من حوائجه الأصلية، وإن سمى لها مهرا جاز منه) شك أي من
المهر م: (مقدار
(11/102)
مهر مثلها، لأنه من ضرورات النكاح وبطل
الفضل، لأنه لا ضرورة فيه، وهو التزام بالتسمية، ولا نظر له فيه فلم
تصح الزيادة فصار كالمريض مرض الموت، ولو طلقها قبل الدخول بها وجب لها
النصف في ماله، لأن التسمية صحيحة إلى مقدار مهر المثل وكذا إذا تزوج
بأربعة نسوة أو كل يوم واحدة لما بينا. قال: وتخرج الزكاة من مال
السفيه لأنها واجبة عليه وينفق على أولاده وزوجته ومن تجب نفقته عليه
من ذوي أرحامه، لأن إحياء ولده وزوجته من حوائجه والإنفاق على ذي الرحم
واجب عليه حقا لقرابته، والسفه لا يبطل حقوق الناس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مهر مثلها لأنه) ش: أي لأن مقدار مهر المثل م: (من ضرورات النكاح وبطل
الفضل لأنه لا ضرورة فيه) ش: أي في الفضل على مقدار مهر المثل م: (وهو
التزام بالتسمية) ش: أي ما فضل وزاد على مقدار مهر المثل التزام
بالتسمية في العقد.
م: (ولا نظر له فيه) ش: أي ولا نظر للسفيه فيما فصل عليه م: (فلم تصح
الزيادة) ش: أي إذا لم يكن له فيه نظر فلم تصح تلك الزيادة على مقدار
مهر المثل م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كالمريض مرض الموت) ش: يعني من
لزوم كل واحد منهما مقدار مهر المثل وسقوط الزيادة فيما إذا تزوج
المريض بأكثر من مهر مثلها، إلا أن الزيادة في المريض يعتبر من الثلث،
وهاهنا غير معتبر أصلا.
م: (ولو طلقها قبل الدخول بها وجب لها النصف في ماله) ش: أي نصف مقدار
مهر المثل م: (لأن التسمية صحيحة إلى مقدار مهر المثل) ش: وإنما الباطل
تسمية ما زاد على مقدار مهر المثل م: (وكذا إذا تزوج بأربع نسوة) ش:
هذا عطف على قوله: وإذا تزوج امرأة جاز نكاحها، أي إذا تزوج بأربع نسوة
في عقد واحد، كذلك يعتبر مهر المثل وتبطل الزيادة.
م: (أو كل يوم واحدة) ش: أي أو تزوج كل يوم واحدة ثم طلقها، وفعل ذلك
مرارا فإنه يصح تسميته في مقدار مهر المثل، وتبطل الزيادة، بهذا يحتج
أبو حنيفة على أن لا فائدة في الحجر عليه، لأنه لا يفسد عليه باب إتلاف
المال عليه، فإن يتلف ماله بهذا الطريق إذا عجز عن إتلافه بطريق البيع
والهبة م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن من ضرورات النكاح.. إلى
آخره.
[الزكاة في مال السفيه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويخرج الزكاة من مال السفيه لأنها) ش: أي:
لأن إخراج الزكاة م: (واجبة عليه) ش: لأنه كامل العقل مخاطب بحقوق الله
تعالى، فلا تبطل السفه م: (وينفق على أولاده وزوجته، وعلى من تجب عليه
نفقته من ذوي أرحامه؛ لأن إحياء ولده وزوجته من حوائجه، والإنفاق على
ذي الرحم واجب عليه حقا لقرابته، والسفه لا يبطل حقوق الناس) ش: الأصل
فيه، أن كل ما وجب عليه بإيجاب الله كالزكاة، وحجة الإسلام، أو كان حقا
للناس
(11/103)
إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة إليه
ليصرفها إلى مصرفها؛ لأنه لا بد من نيته لكونها عبادة، لكن يبعث أمينا
معه كيلا يصرفه في غير وجهه، وفي النفقة يدفع إلى أمينه ليصرفه لأنه
ليس بعبادة فلا يحتاج إلى نيته، وهذا بخلاف ما إذا حلف أو نذر أو ظاهر
حيث لا يلزمه المال بل يكفر يمينه وظهاره بالصوم لأنه مما يجب بفعله،
فلو فتحنا هذا الباب يبذر أمواله بهذا الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فهو والمصلح فيه سواء، لأنه مخاطب إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة وحجة
الإسلام، أو كان حقا للناس فهو والمصلح فيه سواء، لأنه مخاطب.
م: (إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة إليه ليصرفها إلى مصرفها، لأنه لا
بد من نيته لكونها عبادة) ش: العبادة لا تتأدى إلا بالنية م: (لكن يبعث
أمينا معه كيلا يصرفه في غير وجهه) ش: لأنه لا يهتدي إلى طرق الرشاد
لسفهه م: (وفي النفقة يدفع إلى أمينه ليصرفه) ش: وفي بعض النسخ يدفعها
إلى أمينها، أي أمين المرأة وعلى الأول إلى أمين القاضي ليصرفه، أي
ليصرف المال المخروج للنفقة إلى مستحقه م: (لأنه) ش: أي لأن صرف النفقة
م: (ليس بعبادة فلا يحتاج إلى نيته) .
ش: وفي " المبسوط " فرق بين نفقة الوالدين من نفقة غيرهما فقال ينبغي
للقاضي أن لا يأخذ بقول السفيه في دفع المال إلى ذوي الأرحام النفقة
حتى يقيم القريب بينة على القرابة والعسرة، لأن إقراره بذلك بمنزلة
الإقرار بالذي على نفسه فلا يلزم شيئا إلا في الولد، فإن الزوجين إذا
تصادقا على النصب قبل قولهما، لأن كل واحد منهما في تصديق الآخر يقر
على نفسه بالنسب، والسفه لا يؤثر في منع الإقرار بالنسب لكونه من
حوائجه، لكن لا بد من إثبات عسرة المقولة، وكذا يصح إقراره بالزوجة
ويجب مهر مثلها والنفقة.
م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا مما أوجبه الله وما كان من حقوق الناس قيل:
إن هذا الذي ذكره القدوري من إخراج الزكاة من مال السفيه والإنفاق منه
على أولاده وزوجته.
م: (بخلاف ما إذا حلف) ش: بالله م: (أو نذر) ش: نذرا من هدي أو صدقة م:
(أو ظاهر) ش: من امرأته م: (حيث لا يلزمه المال) ش: فلا ينفذ للقاضي
شيئا من ذلك ولم يدعه يكفر إيمانه بالمال م: (بل يكفر يمينه وظهاره
بالصوم) ش: بصوم لكل حنث ثلاثة أيام متتابعات، وعلى كل ظهار شهرين
متتابعين وإن كان مالكا للمال حال التكفير.
م: (لأنه مما يجب بفعله) ش: أي لأن كل وحد منهما يجب بفعله إذا السبب
التزامه م: (فلو فتحنا هذا الباب) ش: أي لزوم المال في هذه الأشياء م:
(يبذر أمواله بهذا الطريق) ش: حيث يحلف كل يوم مرارا ويحنث، أو ينذر
نذورا أو يظاهر مرارا، وفيه تضييع فائدة الحجر.
(11/104)
ولا كذلك ما يجب ابتداء بغير فعله.
قال: فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها لأنها واجبة عليه بإيجاب الله
تعالى من غير صنعه ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى ثقة من
الحاج ينفقها عليه في طريق الحج كيلا يتلفها في غير هذا الوجه ولو أراد
عمرة واحدة لم يمنع منها استحسانا لاختلاف العلماء في وجوبها، بخلاف ما
زاد على مرة واحدة من الحج ولا يمنع من القرآن لأنه لا يمنع من إفراد
السفر لكل واحد منهما، فلا يمنع من الجمع بينهما ولا يمنع من أن يسوق
بدنة تحرزا عن موضع الخلاف إذ عند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لا يجزئه غيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: التكفير بالصوم مرتب على عدم استطاعة الرقبة فإنه يصح مع
القدرة عليها.
أجيب: بأن الاستطاعة منتفية لأن دلائل الحجر لا توجب السعاية على من
يعتقه السفيه كما تقدم مع السعاية لا يقع العتق من الظهار.
م: (ولا كذلك ما يجب ابتداء بغير فعله) ش: كالزكاة، وحجة الإسلام،
ونحوهما، لأنه مخاطب، وبسبب الفساد لا يتحقق النظر في إسقاط شيء من
حقوق الشرع عنه.
[أراد السفيه أن يحج حجة الإسلام]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها) ش: أي
من الحجة وليس فيه خلاف م: (لأنه) ش: وفي بعض النسخ لأنها، أي لأن حجة
الإسلام، وعلى الأول، أي لأن الحج م: (واجب عليه بإيجاب الله تعالى من
غير صنعه، ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى الثقة من الحاج
ينفقها عليه في طريق الحج كيلا يتلفها في غير هذا الوجه. ولو أراد عمرة
واحدة لم يمنع منها استحسانا) ش:
وفي " القياس " يمنع، لأن التمر عندنا تطوع فصار كما لو أراد الخروج
للحج تطوعا بعد حجة الإسلام، وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله: م:
(لاختلاف العلماء في وجوبها) ش: فإنها عند الشافعي فرض والأخبار
متعارضة فيها، والظاهر قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سورة البقرة: الآية 196) ،
فلهذا أخذ بالاحتياط في أمر الدين وهو من جملة النظر، فإن جنى جناية
فإن كانت مما يجزئ فيه الصوم فعليه الصوم ليس إلا، وإن لم يكن ولزمه
الدم يؤدي إذا أصلح.
م: (بخلاف ما زاد على مرة واحدة من الحج) ش: يعني يمنع من ذلك م: (ولا
يمنع من القرآن، لأنه لا يمنع من إفراد السفر لكل واحد منهما) ش: أي من
الحج والعمرة م: (فلا يمنع من الجمع بينهما، ولا يمنع من أن يسوق بدنة
تحرزا عن موضع الخلاف) ش: فالخلاف في غير البدنة لا في السوق م: (إذ
عند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجزئه غيرها) ش: أي
غير البدنة، وعندنا يلزم القارن هدي وتجزئه الشاة، ولكن البدنة فيه
أفضل أخذا بالاحتياط في أمر الدين، ويكون فعله أقرب إلى فعل النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يمنع عن سوق البدنة.
(11/105)
وهي جزور أو بقرة.
قال: فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب وأبواب الخير جاز ذلك في ثلثه، لأن
نظره فيه إذ هي حالة انقطاعه عن أمواله والوصية تخلف ثناء أو ثوابا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: إذا عند ابن عمر لا يجزئه غيرها لم يثبت بهذا النص، وإنما الذي
روي أنه لا يرى البدنة، إلا من الإبل والبقر على ما روى الطبراني في
مسند الشاميين، ثنا أبو زرعة، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أخبرني
شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول: لا أعلم الهدي إلا من الإبل، والبقر، وكان
عبد الله ابن عمر لا ينحر في الحج، إلا الإبل، والبقر، فإن لم يجد لم
يذبح لذلك شيئا، وروى مالك في " الموطأ " في الحج، أخبرنا مالك، عن
نافع، عن ابن عمر، كان يقول: ما استيسر من الهدي بدنة، أو بقرة.
م: (وهي) ش: أي البدنة م: (جزور) ش: بفتح الجيم وهي من الإبل يقع على
الذكر والأنثى والجمع جزور، وقيل: الجزور الناقة التي تنحر والجمع
جزائر، ولا يقال للجمل جزور إذا أفرد، والجزور أنثى لا غير، لأنه أكثر
ما ينحرون النوق م: (أو بقرة) ش: وهي تقع على الذكر والأنثى، وإنما
دخلته إليها على أنه واحد من الجنس والجمع بقرات، والباقر والبقير
والبقور، وأما البقر فهو اسم جنس.
[مرض السفيه وأوصى بوصايا في القرب]
م: (فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة،
وهي ما يتقرب به إلى الله بواسطة كبناء المساجد والسقاية والرباط ونحو
ذلك، وقيد بالمرض باعتبار أن الوصية غالبا ما تكون في المرض، فإن
السفيه الصحيح إذا وصى توصية فحكمها كحكم المريض م: (وأبواب الخير) ش:
عطف على القرب من قبيل عطف العام على الخاص، لأن أبواب الخير أعم من
القرب لأن القربة تكون بواسطة كما ذكرنا، وأبواب الخير أعم منها، وهذا
كالكفالة مع الضمان، فإن الكفالة خاص والضمان عام، فافهم.
م: (جاز ذلك في ثلثه) ش: استحسانا، والقياس بينهما كما لو تبرع في
حياته ولكن استحسنوا فيما إذا وفق الحق ما يتقرب به إلى الله أن يكون
من الثلث م: (لأن نظره فيه إذ هي حالة انقطاعه عن أمواله والوصية تخلف
ثناء) ش: حسنا بعد موته إذا كان للغنى م: (أو ثوابا) ش: أي أو تخلف
ثوابا إذا كان للفقير.
فإن قلت: في الغنى أيضا ثواب، لأنه إيصال خير وإحسان إلى أخيه المؤمن
ولا سيما إذا قصد به أن يتوسع في النفقة على عياله، وفي الفقير أيضا
ثناء حسن فكان ينبغي أن يقول ثناء وثوابا بدون أو.
قلت: هذا باعتبار الغالب بحسب الظاهر حيث يكون الثناء غالبا من الغنى
وحصول
(11/106)
وقد ذكرنا من التفريعات أكثر من هذا في "
كفاية المنتهي ".
قال: ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله عندنا، والفسق الأصلي
والطارئ سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحجر عليه زجرا له
وعقوبة عليه كما في السفيه، ولهذا لم يجعل أهلا للولاية والشهادة عنده.
ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (سورة النساء: الآية 6) وقد
أونس منه نوع رشد، فتتناوله النكرة المطلقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثواب فيه ضمني كحصول الثناء في الفقير.
م: (وقد ذكرنا من التفريعات أكثر من هذا في " كفاية المنتهي ") ش: منها
ما ذكره عنه أن الذي بلغ سفيها والصبي الذي لم يبلغ وهو يعقل ما يصنعه
عندنا سواء إلا في أربعة مواضع.
أحدهما: أنه يجوز للأب ولوصي الأب أن يتصرف على الصغير ليشتري له مالا
ويبيع، ولا يجوز تصرف الأب ولا وصي الأب على البالغ السفيه إلا بأمر
الحاكم.
والثاني: أنه يجوز نكاحه ولا يجوز نكاح الصبي العاقل.
والثالث: أنه يجوز طلاقه وعتاقه، ولا يجوز طلاق الصبي العاقل، ولا
إعتاقه.
والرابع: أن الذي لم يبلغ إذا دبر عبدا لا يصح تدبيره، وهذا السفيه إذا
دبر عبده صح تدبيره، انتهى.
وهكذا ذكره في " المبسوط " و" المغني ".
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله
عندنا والفسق الأصلي والطارئ سواء) ش: يقال طرأ علينا فلان من بعيد
فجاءه، والطارئ خلاف الأصلي، والصواب طارئ بالهمزة م: (وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحجر عليه زجرا له وعقوبة عليه كما في السفيه،
ولهذا) ش: أي ولوجوب الحجر عليه زجرا وعقوبة م: (لم يجعل أهلا للولاية
والشهادة عنده) ش: أي عند الشافعي
م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (سورة النساء:
الآية 6) ش: أي تهديا إلى الطريق المستقيم (الآية) بالنصب، أي اقرأ
الآية. ويجوز الرفع، أي الآية بتمامها فيكون مرفوعا بالابتداء والخبر
محذوف، ثم أشار إلى وجه الاستدلال بالآية بقوله.
م: (وقد أونس نوع رشد) ش: لأنه مصلح في ماله وإن لم يكن مصلحا في دينه
م: (فيتناوله النكرة المطلقة) ش: أي يتناول نوع الرشد النكرة المطلقة،
وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6]
فإنه ذكر الرشد نكرة والنكرة في موضع الإثبات تخص ولا تعم، فيراد به
رشدا واحدا وقدر ذلك وهو الصلاح في المال، وهو المراد فلا يكون الرشد
في الدين مرادا لأنه حينئذ يكون
(11/107)
ولأن الفاسق من أهل الولاية عندنا لإسلامه،
فيكون واليا للتصرف وقد قررناه فيما تقدم ويحجر القاضي عندهما أيضا وهو
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسبب الغفلة، وهو أن يغبن في
التجارات ولا يصبر عنها لسلامة قلبه لما في الحجر من النظر له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معلقا برشدين فلا يجوز ذلك لعدم الدليل على العموم. وعن ابن عباس
المراد بالرشد الصلاح في المال. وعن مجاهد في الفعل. وفي " شرح الطحاوي
": المراد بالرشد الصلاح في المال، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل
العلم. م: (ولأن الفاسق من أهل الولاية عندنا لإسلامه فيكون واليا
للتصرف، وقد قررناه فيما تقدم) ش: أي في أول كتاب النكاح.
م: (ويحجر القاضي عندهما أيضا) ش: هذه المسألة مبتدأة، أي يحجر التلف
الأموال كالسفيه، فلا يعارضه خبر الواحد، كذا ذكره تاج الشريعة.
قيل: هذا مردود، لأن ذلك لمنع المال وليس النزاع فيه.
قلت: فيه نظر، لأن ابن إسحاق قال: فحدثت بهذا الحديث محمد بن يحيى بن
حبان، قال: كان جدي حبان بن سعد بن عمرو وكان قد أصيب في رأس أمه فكسرت
أسنانه ونقص عقله، وكان يغبن في البيع ... الحديث، فهذا يدل على أنه
كان فيه تعقل، لأنه لا يكون من نقصان العقل ففيه نوع حجر، لأنه أطلق له
البيوع كلها بالخيار، فصار كالمحجور في البيوع المطلقة، فافهم.
(11/108)
فصل في حد البلوغ قال: بلوغ الغلام
بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم ثماني
عشرة سنة، وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك
فحتى يتم لها سبع عشرة سنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في حد البلوغ]
[علامات بلوغ الغلام والجارية]
م: (فصل في حد البلوغ) ش: أي هذا فصل في بيان معرفة حد البلوغ. وإنما
ذكر أن الصغر من أسباب الحجر لا بد من بيان انتهائه، وهذا الفصل لبيان
ذلك، وحد البلوغ صيرورة الإنسان بحال لو جامع ينزل، وذلك مما يعرف في
الرجل والمرأة بقولهما نحو أن يقول أنزلت أو احتلمت أو حبلت وما يجري
مجراه، لأنه أمر يوقف عليه من جهتهما، فيقبل فيه قولهما كقول المرأة في
الحيض.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (بلوغ الغلام بالاحتلام) ش: البلوغ في
اللغة الوصول، وفي الاصطلاح انتهاء حد الصغر، والاحتلام من الحلم بالضم
وهو ما يراه النائم ثم يقال حلم واحتلم فبلوغ الغلام يكون بالاحتلام م:
(والإحبال والإنزال إذا وطئ) ش: والأصل هو الإنزال، قال الله تعالى:
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] (سورة
النور: الآية 59) .
وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل
بالإجماع، وأما الإنبات فهو نبت الشعر حول الذكر أو فرج المرأة بحيث
يستحق أخذه بموسي، وعلامة البلوغ عند أحمد حلق العانة ولا اعتبار له في
قولنا، وأما الزغب الضعيف فلا اعتبار له بالاتفاق إلا في قول عن
الشافعي.
وفي " الغاية " وقال أصحابنا أن إنبات العانة لا يدل على البلوغ خلافا
للشافعي. وقال في " شرح الطحاوي ": وروي عن أبي يوسف في غير رواية
الأصول أنه اعتبر نبات العانة، وأما نهود الثدي فلا يحكم بالبلوغ به في
ظاهر الرواية. وقال بعضهم يحكم به.
وفي " الكشاف ": في تفسير سورة النور وعن علي أنه كان يعتبر القامة
ويقدر بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله:
مازال مذ عقدت يداه إزاره ... وسمى فأدرك خمسة الأشبار
م: (فإن لم يوجد ذلك) ش: أي واحد من الأشياء المذكورة م: (فحتى يتم له
ثماني عشرة سنة) ش: بفتح العددين للتركيب وحذف التاء من ثمانية
وإثباتها في عشرة وتكسر الشين في عشرة وقد تسكن، وكذلك الغلام في سبع
عشرة.
م: (وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، وإن لم يوجد ذلك فحتى يتم
لها سبع عشرة سنة،
(11/109)
وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: إذا تم للغلام
والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه في الغلام تسع عشرة سنة. وقيل:
المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة، ويتم له ثماني عشرة سنة فلا
اختلاف، وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ حتى يستكمل
تسع عشرة سنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة، فقد
بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:
وأحمد أيضا، وعليه الفتوى.
وقال داود لا حد للبلوغ من السن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم» ، وإثبات البلوغ
بغيره يخالف الخبر، وهذا قول مالك. وقال أصحاب مالك: سبع عشرة، أو
ثماني عشرة كقوله، أبي حنيفة رحمه.
م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة م: (في الغلام تسع عشرة سنة، وقيل:
المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة ويتم له ثماني عشرة سنة) ش: أي أن
يدخل، يقال طعن في السن يطعن بالضم طعنا من باب نصر ينصر، وكذا طعنه
بالرمح من هذا الباب، وكذا طعن فيه بالقول.
وأما طعن في المفازة إذا ذهب، فمستقبله يطعن بالضم ويطعن بالفتح أيضا
قوله في التاسع عشرة، وكان القياس يقتضي أن يقال: في التاسعة عشر لأن
المعنى في السنة التاسعة عشر إلا إذا أريد بها العدد من السنين، فحينئذ
يجوز أن يقال في التاسع عشرة م: (فلا اختلاف) ش: أي إذا كان هذا رواية
عن أبي حنيفة فلا اختلاف بين الروايتين.
م: (وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض
نسخ " المبسوط " م: (حتى يستكمل تسع عشرة سنة) .
ش: قلت: له أن يستكمل، وهذا يدل على اختلاف الرواية. وقال الحاكم في "
الكافي ": لا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم أو يبلغ، أو في ما يكون من وقت
الاحتلام وذلك عند تسع عشر سنة، فإذا بلغ ذلك الوقت ولم يحتلم فهو
بمنزلة الرجل وقال أبو الفضل: ذكر هذه المسألة، في كتاب الوكالة، من
رواية أبي سليمان في موضعين.
فقال في أحدهما: بلوغ الغلام أن يكمل له تسع عشرة سنة وبلوغ الجارية أن
يكمل لها سبع عشرة سنة.
وقال في موضع آخر: أن يطعن في التاسعة عشرة، وقطعت الجارية في السابعة
عشرة، وهذا هو المشهور في قوله. ووجدت القول على هذا متفقا، في كتاب
"الوكالة" في رواية أبي
(11/110)
أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة
والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان الحبل،
فجعل كل ذلك علامة البلوغ. وأدنى المدة لذلك في حق الغلام اثنتا عشرة
سنة وفي حق الجارية تسع سنين، وأما السن فلهم العادة الفاشية، أن
البلوغ لا يتأخر فيهما عن هذه المدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حفص. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه في الغلام، والجارية
خمس عشرة سنة، فإذا تمت جاز طلاقه، وإن لم يحتلم، انتهى لفظه.
وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الآثار " في كتاب "السير"
وكان محمد بن الحسن يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف رحمهما الله وفي
الجارية إلى قول أبي حنفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في باب من أحق بالأمانة في شرح
مختصر " الكرخي " وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال في الرقة:
في الغلام خمس عشرة، وفي الجارية سبع عشرة. وقال شمس الأئمة السرخسي في
شرح " الكافي ": وعلى قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، الجارية والغلام
يتقدر بخمس عشرة سنة.
م: (أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة) ش: لأنه هو الأصل كما
ذكرنا م: (والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان
الحبل، فجعل كل ذلك علامة البلوغ وأدنى المدة لذلك) ش: أي للبلوغ م:
(في حق الغلام اثنتا عشرة سنة وفي حق الجارية تسع سنين) ش: وهذا لا
يعرف إلا سماعا أو تتبعا.
وقال تاج الشريعة: لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بلغت
على رأس تسع سنين، وروي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى بها حين
صار لها تسع سنين» ومعلوم أن البناء من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكون إلا للتوالد والتناسل، ولا يتحققان إلا
بعد البلوغ، فعلم بذلك بلوغها. انتهى.
قلت: تزوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - وعمرها ست سنين ثابتا في الصحاح وغيرها.
م: (وأما السن) ش: عطف على قوله أما العلامة م: (فلهم) ش: أي فلأبي
يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (العادة الفاشية أن
البلوغ لا يتأخر فيهما) ش: أي العادة الظاهرة الغالبة أن البلوغ لا
يتأخر في الغلام والجارية.
م: (عن هذه المدة) ش: أي خمس عشرة سنة، ولأنه روي أن «ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قال قال: "عرضت على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يقبلني،
(11/111)
، وله قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] (سورة الأنعام: الآية 152) ، وأشد الصبي
ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس وتابعه القتبي وهذا أقل ما قيل فيه
فيبنى الحكم عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يرني بلغت. وعرضت على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم الخندق
وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبلني ورآني أني بلغت» .
وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب
ما له وما عليه، وأقيمت عليه الحدود» .
قلت: حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في الصحاح، ولكن لا
يدل على مدعاهم، لأن الإجازة للقتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه
وإن إجازته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقا
للقتال ولم يكن مطيقا له قبل ذلك لا لأنه الحكم على البلوغ وعدمه.
ويدل عليه ما روي «عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "كان
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرض عليه غلمان
الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، فعرضت عليه فألحق غلاما، وردني
فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقد ألحقته
ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال فصارعه، فصارعته فصرعته، فألحقني» ،
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وفي " الاستيعاب ": لابن عبد البر، عن الواقدي «أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - استصغر عمير بن أبي وقاص، وأراد رده وبكى ثم أجازه بعد
فقتل عمير وهو ابن ست عشرة سنة» . ومعنى قوله وردني أي: ورآني أني ما
بلغت أي في القوة حد القتال. وأما حديث ابن أنس فلم يثبت فسقط الاحتجاج
به.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] (سورة الأنعام: الآية 152) ش: أي قوته،
وقيل: هو جمع شدة كالنعم جمع نعمة، وقيل: لا واحد لها م: (وأشد الصبي
ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس) ش: هذا غريب.
والذي روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] نهاية قوة الشباب واستتبابه، وهو ما بين
ثماني عشرة سنة إلى أربعين. وروى الطبراني في "معجمه الأوسط "، ثنا
محمد بن بشر، ثنا صفوان بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - في قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:
152] (الأحقاف: الآية 15) ، قال ثلاث وثلاثون سنة، وهو الذي رفع عليه
عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وروى ابن مردويه في تفسيره، عن عبد الله، عن عثمان بن خثيم، عن مجاهد،
عن
(11/112)
للتيقن به، غير أن الإناث نشوءهن وإدراكهن
أسرع فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد
منها المزاج لا محالة. قال: وإذا راهق الغلام أو الجارية الحلم، وأشكل
أمره في البلوغ فقال: قد بلغت فالقول قوله وأحكامه أحكام البالغين،
لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن عباس في قوله {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف: 15] قال
بضعا وثلاثين سنة م: (وتابعه القتبي) ش: أي تابع ابن عباس [....
.....] .
م: (وهذا أقل ما قيل فيه) ش: أي قول ابن عباس أقل ما قيل في تفسير
الأشد، قال بعض السلف: أقله اثنتان وعشرون سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة،
وقيل: عشرون، وقيل: ثلاث وثلاثون. وقيل: أربعون، وقيل: أقصاه ثنتان
وستون وثماني عشرة أقل ما قيل فيه م: (فيبنى الحكم عليه للتيقن به) ش:
أي على الأقل للتيقن بالأقل م: (غير أن الإناث) ش: كأنه جواب عما يقال:
إذا كان المتيقن هو ثماني عشرة سنة فلم نقصت سنة في الجارية فهلا كان
أمرها كأمر الغلام.
فأجاب عنه أن الإناث م: (نشوءهن) ش: أي انتشاؤهن وبلوغهن م: (وإدراكهن
أسرع) ش: من إدراك الذكور م: (فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول
الأربعة) ش: وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء م: (التي يوافق واحد
منها) ش: أي من الفصول الأربعة م: (المزاج) ش: أي الطبيعة، فيقوى
المزاج بذلك م: (لا محالة) ش: أي لا حيلة، ويجوز أن يكون في الحولي وهو
القوة والحركة، وهي بفعله منها وأكثر ما يستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة
واليقين، أو بمعنى لا بد وزائدة وهو مبني على الفتح، كذا في لا رجل ولا
بد، فافهم.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا راهق الغلام أو الجارية) ش: يقال
رهقه، أي دانى منه، وصبي مراهق أي دان للحلم، واستشكل أمره في البلوغ
ولم يعلم ذلك منه م: (الحلم) ش: بضم الحاء أي الاحتلام م: (وأشكل أمره
في البلوغ، فقال: قد بلغت فالقول قوله) ش: قيل: إنما يعتبر قوله
بالبلوغ إذا بلغ اثنتي عشرة سنة أو أكثر، ولا يقبل فيما دون ذلك، لأن
الظاهر يكذبه.
وفي فتاوى " قاضي خان " والفتاوى "الظهيرية " أدنى السن الذي يعتبر
قوله بالبلوغ اثنتي عشرة سنة، وفي حق الجارية تسع سنين.
م: (وأحكامه أحكام البالغين، لأنه) ش: أي لأن البلوغ م: (معنى لا يعرف
إلا من جهتهما
(11/113)
ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر
قبل قولهما فيه كما يقبل قول المرأة في الحيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه) ش: أي في
البلوغ، قيد بقوله: ولم يكذبهما الظاهر إشارة إلى ما ذكرنا من أن
الغلام إذا ادعى البلوغ وعمره أقل من اثنتي عشرة سنة لا يصدق، والجارية
إذا ادعته، وعمرها أقل من تسع سنين لا تصدق.
وذكر في " فتاوى قاضي خان " صبي يبيع ويشتري فقال: أنا بالغ، ثم قال:
بعد ذلك لست ببالغ، فإن كان سنه اثنتي عشرة سنة أو أكثر لا يعتبر
جحوده، وإن كان دون ذلك لا يصح إخباره بالبلوغ، ويصح جحوده، وكذا ذكر
في الفتاوى "الظهيرية ".
وفي " الفتاوى الصغرى ": إذا أقر بالبلوغ وقاسم الوصي إن كان مراهقا صح
الإقرار والقسمة ولا يقبل قوله إني لم أكن بالغا، وإن لم يكن مراهقا بل
كان مثله لا يحتلم عادة لا يصح الإقرار ولا القسمة.
وفي " الواقعات ": صبي أقر أنه بالغ وقاسم الوصي، فإن كان مراهقا جازت
قسمته ولم يقبل قوله إنه غير بالغ، فإن لم يكن مراهقا ويعلم أن مثله لا
يحتلم لم يجز قسمته ولم يقبل قوله إنه بلغ.
م: (كما يقبل قول المرأة في الحيض) ش: لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتها
فالقول قولها إلا إذا كذبها الظاهر.
(11/114)