البناية شرح الهداية

كتاب المأذون الإذن: هو الإعلام لغة. وفي الشرع: فك الحجر وإسقاط الحق عندنا والعبد بعد ذلك يتصرف لنفسه بأهليته لأنه بعد الرق بقي أهلا للتصرف بلسانه الناطق وعقله المميز وانحجاره عن التصرف لحق المولى؛ لأنه ما عهد تصرفه إلا موجبا لتعلق الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المأذون]
[تعريف العبد المأذون]
م: (كتاب المأذون) ش: إيراده عقيب الحجر ظاهر التناسب إذ الإذن بعد الحجر.
م: (الإذن هو الإعلام لغة) ش: يعني من حيث اللغة. قال الجوهري: أذن له في الشيء إذنا وأذن بمعنى علم، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] ، وأذنه له أذنا بفتحتين استمع، انتهى.
قال تاج الشريعة: وفيما نحن فيه إعلام؛ لأن المولى يعلم عبده بفك حجره ويعلم الناس بذلك أيضا. وفي " المغرب " الإذن من الإذن هو الاستماع يقال استأذنه فلم يأذن له وهو مأذون له وهي مأذون لها وترك الصلة ليس من كلام العرب كما في المحجور عليه.
م: (وفي الشرع فك الحجر وإسقاط الحق عندنا) ش: أي فك الحجر الثابت بالرق حكما ورفع المانع من التصرف حكما، والمولى إذا إذن لعبده في التجارة فقد أسقط عن نفسه الذي كان للعبد؛ لأنه محجور عن التصرف في مال المولى قبل إذنه فيصير عندنا بمنزلة المكاتب. وعند الشافعي وأحمد وهو إنابة وتوكيل.
وقال الأترازي: وإنما قيد بقوله عندنا احترازا عن قول زفر والشافعي، فإن الإذن عندهما توكيل وإنابة في التصرف. وفائدة الخلاف أن الإذن بالتجارة لا يتخصص حتى لو أذن له في نوع يكون مأذونا في أنواع التجارة عندنا خلافا لهما أو لزفر أيضا كما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (والعبد بعد ذلك) ش: أي بعد إسقاط الحق م: (يتصرف لنفسه بأهليته) ش: فيكون تصرفه لنفسه لا لمولاه بالتوكيل والإنابة م: (لأنه بعد الرق بقي أهلا للتصرف بلسانه الناطق وعقله المميز) ش: أي لأن العبد بعد الرق صار أهلا للتصرفات إذ ركن التصرف كلام معتبر شرعا لصدوره عن مميز ومحل التصرف ذمه صالحة لالتزام الحقوق، وهما لا يفوتان بالرق، إذا صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشرية وبالرق لا يخرج عن كونه بشرا غير أن امتناعه م: (وانحجاره عن التصرف لحق المولى؛ لأنه ما عهد) ش: أي بما عرف م: (تصرفه إلا موجبا لتعلق الدين

(11/131)


برقبته أو كسبه وذلك مال المولى فلا بد من إذنه كيلا يبطل حقه من غيره رضاه ولهذا لا يرجع بما لحقه من العهدة على المولى ولهذا لا يقبل التوقيت حتى لو أذن لعبده يوما كان مأذونا أبدا حتى يحجر عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
برقبته أو كسبه وذلك) ش: أي ما ذكر من رقبته أو كسبه م: (مال المولى فلا بد من إذنه كيلا يبطل حقه من غيره رضاه) ش: فإذا أذن فقد رضي بإسقاط حقه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون صحة تصرفه بأهلية نفسه م: (لا يرجع) ش: أي البعد م: (بما لحقه من العهدة على المولى) ش: لأنه يتصرف في ذمته بإيجاب الثمن فيها حتى لو امتنع عن الأداء حال الطلب حبس وذمته خالص حقه لا محالة، ولهذا لو أقر بالقصاص على نفسه صح، وإن كذبه المولى فكان الشراء حقا له، وهذا المعنى يقتضي نفاذ تصرفاته قبل الإذن أيضا، لكن شرطنا إذنه دفعا للضرر عنه بغير رضاه.
فإن قيل: المأذون عدم أهليته لحكم التصرف وهو الملك، فينبغي ألا يكون أهلا لنفس التصرفات، ولأن التصرفات الشرعية إنما تراد لحكمها وهو ليس بأهل لذلك. أجيب بأن حكم التصرف ملك اليد والرقيق أصيل في ذلك كما أشرنا إليه.
فإن قيل: لو كان العبد بتصرفه بأهليته والإذن فك الحجر لما كان للمولى ولاية الحجر بعده امتناع عن الإسقاط فيما يستقل؛ لأن الساقط لا يعود.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإذن إسقاطا عندنا م: (لا يقبل التوقيت حتى لو أذن لعبده يوما كان مأذونا أبدا حتى يحجر عليه) ش: لأن تصرفه بحكم مالكيته الأصلية، وإنها عامة لا تختص بنوع ومكان ووقت.
فإن قيل: قوله فك الحجر وإسقاط الحق مذكور في حيز التعريف فكيف جاز الاستدلال عليه؟. أجيب عنه بجوابين: أحدهما أنه ليس باستدلال، وإنما هو تصحيح النقل بدل يدل على أنه عندنا معروف بذلك. والثاني أنه حكمه الشرعي وهو تعريفه، وكان الاستدلال عليه من حيث كونه حكما لا من حيث كونه تعريفا، لا يقال: لا يصح الاستدلال على عدم التخصيص والتوفيق بإذن الإذن عبارة عن فك الحجر والإطلاق وتمليك اليد، فإن القضاء إطلاق وإثبات للولاية مع أنه قابل للتخصيص.
وكذا الإعارة والإجارة تمليك للمنفعة وإثبات اليد على العين مع أنه قابل للتخصيص؛ لأنا نقول القاضي لا يعمل لنفسه بل هو نائب عن المسلمين، ولهذا يرجع بها لحقه من العهدة في مال المسلمين، بخلاف العبد فإنه لا يرجع على المولى بما لحقه من العهدة.

(11/132)


لأن الإسقاطات لا تتوقت، ثم الإذن كما يثبت بالصريح يثبت بالدلالة كما إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت يصير مأذونا عندنا، خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما المستأجر والمستعير فإنه يتصرف في محل هو ملك الغير بإيجاب صاحب الملك له وإيجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص فافهم م: (لأن الإسقاطات لا تتوقت) ش: كالطلاق والعتاق وتأجيل الدين وتأخير المطالبة، إذ الساقط يتلاشى م: (ثم الإذن كما يثبت بالصريح يثبت بالدلالة كما إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت يصير مأذونا عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله) ش: ومالك وأحمد هذا من باب بيان الضرورة وقد عرف في الأصول.
قالوا السكوت محتمل الرضاء وفرط الغيظ وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه بكونه محجورا، والمحتمل يكون حجة.
قلنا: جعل سكوته حجة؛ لأنه موضع بيان إذ الناس يعاملون العبد حيث علمهم بسكوت المولى ومعاملتهم قد تفضي إلى لحوق ديون عليه وإذا لم يكن مأذونا تتأخر المطالبة إلى ما بعد العتق وقد يعتق وقد لا يعتق. وفي ذلك إضرار للمسلمين بإيتاء حقهم ولا ضرار في الإسلام، وليس للمولى فيه ضرر يتحقق؛ لأن الدين قد يلحقه وقد لا يلحقه، فكان موضع بيان أنه راض به، والسكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان.
فإن قيل: عين ذلك التصرف الذي رآه من البيع غير صحيح، فكيف يصح غيره، وكذا إذا رأى أجنبيا يبيع من ماله وسكت لم يكن إذنا فما الفرق؟. أجيب بأن الضرورة في التصرف الذي رآه مستحق بإزالة ملكه عما يبيعه في الحال فلا يثبت بسكوته، وليس في ثبوت الإذن في غير ذلك لما قلنا إن الدين قد يلحقه.
ولا يلزم من كون السكوت إذنا بالنظر إلى ضرر متوهم كونه إذنا بالنظر إلى متحقق وهو الجواب عن بيع الأجنبي ماله وفي الرهن لم يكن سكوته إذنا؛ لأن جعله إذنا يبطل ملك المرتهن عن اليد، وقد لا يصل إلى يده من محل آخر، فكان في ذلك ضرر محقق، لا يقال الراهن أيضا يتطور ببطلان ملكه عن الثمن فترجح ضرر المرتهن تحكم؛ لأن بطلان ملكه عن الثمن موقوف؛ لأن بيع المرهون موقوف على ظاهر الرواية وبطلان ملك المرتهن عن البديات فكان أقوى.
وأما الرقيق عبدا كان أو أمة إذا زوج نفسه فإنما لم يصر السكوت فيه إذنا قال بعض الشارحين ناقلا عن " مبسوط شيخ الإسلام "؛ لأن السكوت إنما يصير إذنا وإجازة دفعا للضرر على أحد في نكاح العبد والأمة؛ لأن النكاح يكون موقوفا؛ لأن نكاح المملوك المولى لما فيه من إصلاح ملكه ومنافع بضع المملوكة كذلك، وليس لأحد إبطال ملكه بغير رضاه فكان موقوفا وأمكن فسخه فلا يتضرر به أحد.

(11/133)


ولا فرق بين أن يبيع عينا مملوكا للمولى أو لأجنبي بإذنه أو بغير إذنه بيعا صحيحا أو فاسدا؛ لأن كل من رآه يظنه مأذونا له فيها فيعاقده فيتضرر به لو لم يكن مأذونا له ولم يكن راضيا به لمنعه
دفعا للضرر عنهم.
قال: وإذا أذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما جاز تصرفه في سائر التجارات، ومعنى هذه المسألة أن يقول له: أذنت لك في التجارة ولا يقيده، ووجهه أن التجارة اسم عام يتناول الجنس فيبيع ويشتري ما بدا له من أنواع الأعيان؛ لأنه أصل التجارة ولو باع أو اشترى بالغبن اليسير فهو جائز لتعذر الاحتراز عنه، وكذا بالفاحش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. هما يقولان: إن البيع الفاحش منه بمنزلة التبرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قيل فيه نظر؛ لأنه لا كلام في أن نكاح الرقيق موقوف على إذن المولى وإجازته، وإنما هو في أن سكوته إجازة أولا، ولعل الصواب أن يقال في ذلك ضررا محققا بالمولى فلا يكون السكوت إذنا.
م: (ولا فرق أن يبيع عينا مملوكا للمولى أو لأجنبي) ش: أي أو مملوكا للأجنبي م: (بإذنه أو بغير إذنه بيعا صحيحا أو فاسدا؛ لأن كل من رآه يظنه مأذونا له فيها) ش: أي في التجارة م: (فيعاقده فيتضرر به لو لم يكن مأذونا له، ولو لم يكن راضيا به لمنعه دفعا للضرر عنهم) ش: أي كل ما رآه من الناس.

[إذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما أو في نوع معين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما) ش: يعني لم يقيد بنوع من التجارة م: (جاز تصرفه في سائر التجارات) ش: أي جميعها، يقال سائرهم أي جميعهم م: (ومعنى هذه المسألة) ش: أي معنى مسألة الإذن العام، يعني تصوره م: أن يقول له أذنت لك في التجارة ولا يقيده) ش: بنصب الدال عطفا على قوله أي فلا يقيد الإذن بنوع من أنواع التجارة، وهذا بلا خلاف، وإنما الخلاف في الإذن بنوع فكان فائدة ذكر معنى المسألة لبيان نفي الخلاف. م: (ووجهه أن التجارة) ش: أي وجه جواز تصرفه في سائر التجارات م: (اسم عام) ش: لأنه اسم جنس محلى باللام فكان عاما م: (يتناول الجنس) ش: أي جنس التجارة للعموم م: (فيبيع ويشتري) ش: أي إذا كان يبيع ويشتري م: (ما بدا له) ش: أي ما ظهر له م: (من أنواع الأعيان؛ لأنه) ش: أي لأن بيع الأعيان م: (أصل التجارة) ش: والمنافع لكونها قائمة بالأعيان فألحقت بها.
م: (ولو باع أو اشترى بالغبن اليسير فهو جائز لتعذر الاحتراز عنه) ش: أي الغبن اليسير، وعند الشافعي وأحمد لا يجوز إلا ثمن المثل كما في الوكيل م: (وكذا بالفاحش عند أبي حنيفة) ش: أي وكذا يجوز بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة سواء كان عليه دين أو لا م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله وبقولهما قال زفر والشافعي وأحمد.
م: (هما يقولان إن البيع الفاحش منه بمنزلة التبرع) ش: وهو خلاف المقصود إذا المقصود

(11/134)


حتى اعتبر من المريض من ثلث ماله، فلا ينتظمه الإذن كالهبة. وله: أنه تجارة والعبد متصرف بأهلية نفسه فصار كالحر، وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون. ولو حابى في مرض موته يعتبر من جميع ماله إذا لم يكن عليه دين، وإن كان فمن جميع ما بقي، لأن الاقتصار في الحر على الثلث لحق الورثة ولا وارث للعبد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاسترباح دون الإتلاف فلا ينتظم الإذن م: (حتى اعتبر) ش: البيع بالغبن الفاحش م: (من المريض من ثلث ماله) ش: لأنه بمنزلة التبرع، فصار كالهبة م: (فلا ينتظمه الإذن كالهبة) ش: أي إذا كان كذلك فلا ينتظم البيع بالغبن الفاحش الإذن. م: (وله) ش: أي: ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن البيع بالغبن الفاحش م: (تجارة) ش: لا تبرع؛ لأنه وقع في ضمن عقد التجارة، والواقع في ضمن الشيء له حكم ذلك الشيء م: (والبعد متصرف بأهلية نفسه) ش: لما مر تقريره م: (فصار كالحر) ش: بالإذن فالحر يملك البيع بالغبن الفاحش، فكذا العبد المأذون. وقال تاج الشريعة: أي كالحر المريض المديون المستغرق جميع تركته بالدين.
فإن قلت: يشكل بالمريض حيث لا يتصرف فيما وراء الثلث وإن كان يتصرف بأهليته قلت: إنما لا يملك لتعلق حق الغير وهو الغريم أو الوارث بذلك المال، حتى لو رضي ينفذ ولا كذلك المولى لسقوط حقه.
م: (وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون) ش: أي على الخلاف المذكور الصبي المأذون له من جهة أبيه أو وصيه في التجارة إذا باع بالغبن الفاحش، وكذا المكاتب والمعتوه المأذون. ثم أبو حنيفة فرق بين البيع والشراء في تصرف الوكيل بالغبن وسوى بينهما في تصرف المأذون؛ لأن الوكيل يرجع على الآمر لما يلحقه من العهدة. فكان الوكيل بالشراء منهما في أنه اشتراه لنفسه فلما ظهر الغبن أراد أن يلزمه الأمر وهذا لا يوجد في تصرف المأذون؛ لأنه يرجع بما لحقه من العهدة على أحد فاستوى البيع والشراء في حقه، كذا في " المبسوط ". م: (ولو حابى) ش: أي العبد المأذون وهو من المحاباة ومن الحباء وهو العطاء وصورته أن يوصي بأن يباع عبده من فلان وقيمته ألف مثلا بخمسمائة م: (في مرض موته يعتبر من جميع ماله إذا لم يكن عليه دين) ش: لأنه يكون محاباة من المولى؛ لأن المال للمولى، والشرط أن يكون المولى صحيحا حتى إذا كانت المحاباة منه في مرض الولي لمحاباته باليسير، والفاحش معتبر من الثلث عند أبي حنيفة، كما لو حابى المولى بنفسه في مرضه. وعندهما محاباته باليسير كذلك، وبالفاحش باطل وإن كان يخرج من ثلث مال المولى؛ لأنه لا يملك هذه المحاباة بالإذن في التجارة كما لو باشره في صحة المولى م: (وإن كان) ش: عليه دين م: (فمن جميع ما بقي) ش: يعني يؤدي دينه أولا فما بقي بعد قضاء الدين يكون كله محاباة م: (لأن الاقتصار في الحر على الثلث لحق الورثة ولا وارث للعبد) ش: لا يقال المولى وارث؛ لأنه رضي بسقوط حقه بالإذن، فصار كالوارث إذا سقط حقه في الثلثين بالإجازة،

(11/135)


وإذا كان الدين محيطا بما في يده يقال للمشتري: أد جميع المحاباة وإلا فاردد البيع كما في الحر، وله أن يسلم ويقبل السلم؛ لأنه تجارة وله أن يوكل بالبيع والشراء؛ لأنه قد لا يتفرغ بنفسه قال ويرهن ويرتهن؛ لأنهما من توابع التجارة فإنهما إيفاء واستيفاء ويملك أن يتقبل الأرض ويستأجر الأجراء والبيوت؛ لأن كل ذلك من صنيع التجارة ويأخذ الأرض مزارعة؛ لأن فيه تحصيل الربح ويشتري طعاما ويزرعه في أرضه؛ لأنه يقصد به الربح، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزارع يتاجر ربه» . وله أن يشارك شركة عنان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإنه يتصرف المريض للكل فكذا هذا.
م: (وإذا كان الدين محيطا بما في يده) ش: بطلت المحاباة م: (يقال للمشتري: أد جميع المحاباة وإلا فاردد البيع كما في الحر) ش: إذا حابى في مرض موته م: (وله أن يسلم ويقبل السلم) ش: أي وللمأذون أن يجعل نفسه رب السلم والمسلم إليه م: (لأنه تجارة) ش: أي لأن الإسلام تجارة، وكذا قبول السلم م: (وله أن يوكل بالبيع والشراء؛ لأنه قد لا يتفرغ بنفسه) ش: فجاز الاستعانة بغيره؛ لأن ذلك من صنيع التجارة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرهن ويرتهن؛ لأنهما من توابع التجارة فإنهما إيفاء) ش: في الرهن م: (واستيفاء) ش: في الارتهان وهما من التجارة م: (ويملك أن يتقبل الأرض) ش: أي يأخذها لقبالة، أي يستأجرها أو يتقبل الأرض الموت من الإمام للإحياء. وفي " المغرب ": قبالة الأرض أن يتقبلها إنسان فيقبلها الإمام أي يعطيها أيام مزارعة أو مساقاة م: (ويستأجر الأجراء) ش: وهو جمع أجير م: (والبيوت) ش: أي يستأجر البيوت م: (لأن كل ذلك من صنيع التجارة) ش: أي كل ما ذكر من الأشياء التي تقدمت. م: (ويأخذ الأرض مزارعة؛ لأن فيه تحصيل الربح) ش: لأنه إن كان البذر من قبله فهو مستأجر الأرض ببعض الخارج، وذلك أنفع من الاستئجار بالدراهم؛ لأنه إذا لم يحصل خارج لا يلزمه، بخلاف الاستئجار بالدراهم وإن كان البذر من قبل صاحب الأرض فهو أجر نفسه من رب الأرض لعمل المزارعة ببعض الخارج. ولو أجر نفسه بالدراهم صار كما سيجيء فكذا هذا.
م: (ويشتري طعاما ويزرعه في أرضه؛ لأنه يقصد به الربح) ش: وإن كان استهلاكا حقيقة م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزارع يتاجر ربه» ش: هذا الحديث ليس له أصل، وهو غريب جدا.
م: (وله أن يشارك شركة عنان) ش: قيد به؛ لأنه ليس له شركة المفاوضة؛ لأن مبناه على

(11/136)


ويدفع المال مضاربة ويأخذها؛ لأنه من عادة التجار، وله أن يؤاجر نفسه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول: لا يملك العقد على نفسه فكذا على منافعه؛ لأنها تابعة لها. ولنا: أن نفسه رأس ماله فيملك التصرف فيها إلا إذا كان يتضمن إبطال الإذن كالبيع؛ لأنه ينحجر به والرهن لأنه يحبس به فلا يحصل به مقصود المولى. أما الإجارة فلا ينحجر به ويحصل به المقصود وهو الربح فيملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوكالة، والكفالة، والوكالة داخلة تحت الإذن دون الكفالة ثم يصح منه شركة العنان مطلقا عن ذكر الشراء بالنقد والنسيئة حتى لو اشترك المأذونان شركة عنان على أن يشتريا بالنقد والنسيئة لم يجز من ذلك النسيئة وجاز النقد؛ لأن في النسيئة معنى الكفالة عن صاحبه والمأذون لا يملك الكفالة.
ولو أذن لهما الموليان في الشركة على الشراء بالنقد والنسيئة ولا دين عليهما فاشتركا صار كما لو أذنا لهما بالكفالة. ولو اشتركا معاوضة بالإذن تصير عنانا، كذا في " المبسوط " و " الذخيرة " م: (ويدفع المال مضاربة ويأخذها) ش: أي يأخذ المضاربة أيضا م: (لأنه من عادة التجار) ش: لأن كل واحد من دفع المال مضاربة وأحدها من عادة التجار.
م: (وله أن يؤاجر نفسه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وللمأذون له أن يؤجر نفسه. وبقول الشافعي قال أحمد: وعن الجمي من أصحابه يجوز كقولنا. وكذا لو وكل إنسانا لا يجوز عند الشافعي.
وكذا لو أجر عبيد التجارة دابة لا يجوز عند الشافعي، وفي الأصح يجوز م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول: لا يملك العقد على نفسه) ش: بالبيع والرهن، يعني لا يملك نفسه ولا هاهنا بدين عليه م: (فكذا على منافعه) ش: أي فكذا لا يملك على منافع نفسه م: (لأنها تابعة لها) ش: أي لأن منافع نفسه تابعة لنفسه.
م: (ولنا: أن نفسه رأس ماله) ش: لأن المولى أذن له بالاكتساب ولم يدفع إليه مالا وهو رأس المال المأذون له يملك التصرف فيه ضرورة، وهو معنى قوله م: (فيملك التصرف فيها) ش: أي في رأس المال م: (إلا إذا كان) ش: أي التصرف م: (يتضمن إبطال الإذن كالبيع) ش: أي بيع نفسه م: (لأنه ينحجر به) ش: لأنه يخرج به عن ملك المولى لو صح م: (والرهن) ش: أي وكان الرهن أي رهن نفسه على دين م: (لأنه يحبس به) ش: أي؛ لأن المرهون له يحبس عند المرتهن م: (فلا يحصل به مقصود المولى) ش: وهو الربح م: (أما الإجارة) ش: أي إجارة نفسه م: (فلا ينحجر به ويحصل به المقصود وهو الربح فيملك) ش: إذا كان كذلك فيملك الإجارة. وما ذكره الشافعي ينتقض بالحر، فإنه لا يتملك بيع نفسه ويملك إجارته.

(11/137)


فإن أذن له في نوع منها دون غيره فهو مأذون في جميعها، وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يكون مأذونا إلا في ذلك النوع، وعلى هذا الخلاف إذا نهاه عن التصرف في نوع آخر لهما: أن الإذن توكيل وإنابة من المولى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهته ويثبت الحكم وهو الملك له دون العبد ولهذا يملك حجره فيتخصص بما خصه به كالمضارب ولنا أنه إسقاط الحق وفك الحجر على ما بيناه، وعند ذلك يظهر مالكية العبد فلا يتخصص بنوع دون نوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن أذن له في نوع منها دون غيره) ش: أي فإن أذن المولى لعبده في نوع من التجارات دون نوع م: (فهو مأذون في جميعها) ش: أي في جميع التجارات. قال في " الإيضاح ": سواء نهى عن غير ذلك النوع أو سكت، صورته أن يقول لعبده تصرف في الخز وسكت، أو قال تصرف في الخز ولا تتصرف في البز فإنه يملك التصرف في الخز والبز جميعا.
م: (وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يكون مأذونا إلا في ذلك النوع، وعلى هذا الخلاف إذا نهاه عن التصرف في نوع آخر) ش: فعندنا يملك التصرف في الكل، وعندهما لا يملك إلا فيما عينه م: (لهما أن الإذن توكيل وإنابة من المولى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهته ويثبت الحكم وهو) ش: أي الحكم م: (الملك له) ش: أي للمولى يعني أن المقصود من التصرف حكمه وحكمه الملك وهو للمولى لا للعبد؛ لأنه بالرق خرج عن أن يكون أهلا للملك م: (دون العبد) ش: أي لا للعبد م: (ولهذا) ش: أي ولكون الملك للمولى دونه م: (يملك حجره) ش: أي يملك المولى حجره م: (فيتخصص بما خصه به) ش: أي إذا كان كذلك يتخصص الإذن بما خص به المولى كما لو أذنه بالتزويج من امرأة بعينها لم يكن له أن يتزوج غيرها م: (كالمضارب) ش: إذا قال له رب المال اعمل مضاربة في البز مثلا ليس له أن يعمل في غيره.
م: (ولنا أنه) ش: أي إذن المولى م: (إسقاط الحق وفك الحجر على ما بيناه) ش: أي في أول كتاب المأذون م: (وعند ذلك) ش: أي عند الإذن وفك الحجر م: (يظهر مالكية العبد) ش: فيصير كالمكاتب م: (فلا يتخصص بنوع دون نوع) ش: لكون التخصيص إذ ذاك تصرفا في ملك الغير فلا يجوز.
فإن قلت: ينتقض بالإذن. وفي النكاح فإنه فك الحجر وإسقاط الحق، فإذا أذن للعبد أن يتزوج فلانة فليس له أن يتزوج بغيرها.
قلت: الإذن فيه تصرف في ملك نفسه لا في ملك الغير؛ لأن النكاح تصرف مملوك للمولى؛ لأنه لا يجوز لولي الرق إخراج العبد من أهلية الولاية على نفسه، فكانت الولاية للمولى، وهذا أجاز أن يخيره عليه فكان العبد كالوكيل والنائب عن مولاه، فيتخصص بما خصه

(11/138)


بخلاف الوكيل؛ لأنه يتصرف في مال غيره، فيثبت له الولاية من جهته وحكم التصرف وهو الملك واقع للعبد، حتى كان له أن يصرفه إلى قضاء الدين والنفقة وما استغنى عنه يخلفه المالك فيه. قال: وإن أذن له في شيء بعينه فليس بمأذون؛ لأنه استخدام، ومعناه أن يأمره بشراء ثوب للكسوة أو طعام رزقا لأهله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
به.
فإن قلت: الضرر اللاحق بالمولى يمنع الإذن وقد يتضرر المولى بغير ما خصه من التصرف لجواز أن يكون العبد عالما بالتجارة في الخز دون البز.
قلت: هذا ضرر غير محقق، ولئن كان سلمنا فله أن يدفع وهو التوكيل به على أن جواز التصرف بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة يدفع ذلك.
فإن قلت: العبد يتصرف في كسبه وهو مملوك للمولى فيصح التخصيص، ألا ترى أنه لو استعار من آخر ثوبا ليرهنه في دينه فإن للمعير أن يرهن بالدراهم لا يملك رهنه بالدنانير.
قلت: أما الشراء فلا يستقيم؛ لأنه يتصرف في ذمته، وأما في البيع فنقول الكسب حصل بتصرفه فيكون له إلا فيما تعذر إبقاؤه له.
فإن قلت: إنه أزال الحجر في حق تصرف خاص؛ لأنه نص عليه دون غيره.
قلت: بلى، ولكن يوجب الرضى بتعطيل منافعه مطلقا ولا فرق بين أن تتعطل منافعه بهذا التصرف أو بتصرف آخر.
م: (بخلاف الوكيل) ش: هذا يجوز أن يكون جوابا عن قوله كالمضارب؛ لأن المضارب وكيل الوكيل يستفيد الولاية من جهته م: (لأنه يتصرف في مال غيره فيثبت له الولاية من جهته) ش: أي من جهة الغير م: (وحكم التصرف) ش: جواب لقوله ويثبت الحكم للمولى وهو ممانعة بالسند، أي لا نسلم أن حكم التصرف م: (وهو الملك واقع) ش: للمولى بل هو واقع م: (للعبد حتى كان له أن يصرفه إلى قضاء الدين والنفقة) ش: بغير إذن المولى م: (وما استغنى عنه) ش: المأذون له م: (يخلفه المالك فيه) ش: أي في الذي استغنى عنه.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن أذن له في شيء بعينه فليس بمأذون؛ لأنه استخدام ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري وإن أذن له في شيء بعينه م: (أن يأمره بشراء ثوب للكسوة أو طعام رزقا لأهله) ش: أي لأجل أن يكون رزقا أو قوتا لعياله، وإنما فسر هكذا احترازا عما إذا علم أن مقصوده الإذن في ذلك، فحينئذ يكون مأذونا من التجارة، كما إذا قال: اشتر لي ثوبا وبعه، فإن قوله بعد يدل على الإذن في التجارة.

(11/139)


، وهذا لأنه لو صار مأذونا ينسد عليه باب الاستخدام بخلاف ما إذا قال: أد إلي الغلة كل شهر كذا أو قال: أد إلي ألفا وأنت حر لأنه طلب منه المال ولا يحصله إلا بالكسب أو قال له اقعد صباغا أو قصارا لأنه أذن بشراء ما لا بد منه لهما وهو نوع فيصير مأذونا في الأنواع.
قال: وإقرار المأذون بالديون والمغصوب جائز وكذا بالودائع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: توضيح لما ذكره م: (لأنه لو صار مأذونا) ش: أي؛ لأن العبد لو صار مأذونا بإذنه في شيء بعينه م: (ينسد عليه) ش: أي على المولى م: (باب الاستخدام) ش: أي استخدام العبد في حوائجه لا قضاء به إلى من أمر عبده بشراء بفلسين كان مأذونا يصح إقراره بديون يستغرق رقبته ويؤخذ بها في الحال، فحينئذ لا يستجري أحد على استخدام عبد فيما أسند إليه حاجته؛ لأن غالب استعمال العبيد في شراء الأشياء الحقيرة.
فإن قلت: ما الحد الفاصل بين الاستخدام والإذن بالتجارة.
قلت: الإذن بالتصرف المكرر صريحا مثل أن يقول اشتر لي ثوبا وبعه، أو قال بع هذا الثوب واشتر بثمنه، أو دلالة، كما إذا قال أد إلي الغلة كل شهر، أو أد إلي ألفا وأنت حر.
أشار إليه المصنف بقوله م: (بخلاف ما إذا قال) ش: أي المولى لعبده م: (أد إلي الغلة كل شهر كذا) ش: خمسة دراهم مثلا م: (أو قال: أد إلي ألفا وأنت حر؛ لأنه طلب منه المال ولا يحصله) ش: أي العبد لا يقدر على تحصيل المال م: (إلا بالكسب) ش: فهو دلالة التكرار م: (أو قال له: اقعد صباغا أو قصارا؛ لأنه إذن بشراء ما لا بد منه وهو نوع) ش: من الأنواع يتكرر بتكرار العمل المذكور م: (فيصير مأذونا في الأنواع) ش: كلها أما إذا أذن بتصرف غير مكرر كطعام أهله وكسوتهم لا يكون إذنا.
فإن قلت: ينتقض بما إذا غصب العبد متاعا وأمر هؤلاء ببيعه فإن تخصيص بيع المغصوب إذن في التجارة وليس الأمر بعقد مكرر.
قلت: إنه أمر بالعقد المكرر دلالة، وذلك؛ لأن تخصيصه بيع المغصوب باطل لعدم ولايته عليه والإذن قد صدر منه صريحا. فإذا بطل التقييد ظهر الإطلاق، وكلام المصنف يشير إلى أن الفاصل هو التصرف النوعي لا الشخصي والإذن بالأول إذن دون الثاني فتأمل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإقرار المأذون بالديون والمغصوب جائز) ش: سواء صدقه المولى أولا؛ لأن الغصب يوجب الملك عند أداء الضمان، وعند الثلاثة يجوز إقراره بديون المعاملة فقط وإقراره بالغصب والإتلاف يصح إن صدقه المولى م: (وكذا بالودائع) ش: أي وكذا

(11/140)


لأن الإقرار من توابع التجارة إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته. ولا فرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن إذا كان الإقرار في صحته، فإذا كان في مرضه يقدم دين الصحة كما في الحر، بخلاف الإقرار بما يجب من المال لا بسبب التجارة؛ لأنه كالمحجور في حقه
قال: وليس له أن يتزوج؛ لأنه ليس بتجارة. قال: ولا يزوج مماليكه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزوج الأمة؛ لأنه تحصيل المال بمنافعها فأشبه إجارتها. ولهما أن الإذن يتضمن التجارة، وهذا ليس بتجارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز إقراره بالودائع والأمانات م: (لأن الإقرار من توابع التجارة إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته) ش: فلا يحصل المقصود م: (ولا فرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن إذا كان الإقرار في صحته) ش: أي لا فرق في الإقرار في الحالتين م: (فإذا كان) ش: أي الإقرار م: (في مرضه يقدم دين الصحة كما في الحر) ش: والجامع تعلق حق الغرماء.
م: (بخلاف الإقرار بما يجب من المال لا بسبب التجارة) ش: كالكفالة والاستهلاك والأرش والإقرار بالمهر. وإن كان بغير إذن المولى فإنه لا يصدق فيه م: (لأنه كالمحجور في حقه) ش: أي في حق ما يجب من المال لا بسبب التجارة.
وفي " المبسوط " عبد مأذون غصب جارية بكرا أو قبضهما رجل في يده كان لمولاها أن يأخذ العبد بعقرها؛ لأن الغائب بالاقتصاص جزء من ماليتها وهي مضمونة على العبد بجميع أجزائها والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا أو محجورا.
ولو أقر العبد أنه وطئ جارية بنكاح بغير إذن مولاها فاقتصها فلم يصدق؛ لأنه ليس من التجارة، فإن وجوب العقد هاهنا باعتبار النكاح، والنكاح ليس تجارة.
وفي " الإيضاح ": لو أقر بجناية على عبد أو حر أو مهر وجب عليه بنكاح جائز أو فاسد ولو بشبهة فإن إقراره باطل لا يؤاخذ به حتى يعتق. أما لو أقر به يوجب القود حيث يصح وللمقر له استيفاؤه، وبه قال الشافعي ومالك. وقال أحمد ومحمد وزفر والمزني وداود: لا يصح، وقد مر في الإقرار.

[زواج العبد المأذون له في التجارة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وليس له أن يتزوج) ش: لأنه ليس له أن يزوج م: (لأنه ليس بتجارة قال: ولا يزوج مماليكه) ش: هذا عند أبي حنيفة والثلاثة م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزوج الأمة؛ لأنه تحصيل المال بمنافعها فأشبه إجارتها) ش: أي إجارة الأمة، والجامع تحصيل المال بالمنافع م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الإذن يتضمن التجارة، وهذا ليس بتجارة) ش: معناه سلمنا أن الإذن لتحصيل المال، لكن لا مطلقا بل على وجه يكون من صنيع التجارة وإنكاح الأمة ليس من ذلك.

(11/141)


ولهذا لا يملك تزويج العبد وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون والمضارب والشريك شركة عنان والأب والوصي. قال ولا يكاتب لأنه ليس بتجارة إذ هي مبادلة المال والبدل فيه مقابل بفك الحجر فلم يكن تجارة؛ إلا أن يجيزه المولى ولا دين عليه لأن المولى قد ملكه ويصير العبد نائبا عنه ويرجع الحقوق إلى المولى لأن الوكيل في الكتابة سفير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: أي ولكون تزويج الأمة ليس بتجارة م: (لا يملك تزويج العبد) ش: لقرابة عن تحصيل المال بالكلية، بل فيه تعذيب العبد وشغل رقبته بالمهر بلا منفعة م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (الصبي المأذون والمضارب والشريك شركة عنان والأب والوصي) ش: يعني أن هؤلاء لا يملكون تزويج العبد بالاتفاق ويملكون تزويج الأمة عند أبي يوسف، وعندهما لا يملكون تزويجها أيضا.
قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه الرواية نظر؛ لأنه ذكر قبل هذا في كتاب المكاتب، وكذا ذكره في " المبسوط " و " التتمة " ومختصر " الكافي "، وما ذكر في المكاتب أصح؛ لأنه موافق لعامة الروايات. قيل يحتمل أن يكون في هذه المسألة روايتان.
وقال الإمام حسام الدين الأخسكتي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو يحمل ما أطلق في المكاتب على ما ذكره هاهنا.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يكاتب؛ لأنه) ش: أي ولأن عقد الكتابة م: (ليس بتجارة إذ هي) ش: أي التجارة م: (مبادلة المال بالمال والبدل فيه) ش: أي في عقد الكتابة م: (مقابل بفك الحجر) ش: وهو ليس بمال وإن كان البدل مالا م: (فلم يكن تجارة إلا أن يجيزه المولى ولا دين عليه) ش: أي إلا أن يجيز المولى عقد الكتابة والحال أنه لا دين على العبد؛ لأن المولى بإجازة عقد الكتابة يخرجه من أن يكون كسبا للمأذون وقيام الدين عليه يمنع من ذلك قل الدين أو كثر لتعلق حق الغرماء به.
ولهذا لو أخذه من يد المأذون وعليه دين قل أو كثر يمنع منه م: (لأن) ش: على مذهب أبي حنيفة م: (المولى قد ملكه) ش: أي قد ملك كسب العبد المأذون؛ لأنه خالص ملكه يملك فيه مباشرة الكتابة فيملك الإجازة م: (ويصير العبد نائبا عنه) ش: أي عن المأذون في عقد الكتابة عند الإجازة
م: (ويرجع الحقوق إلى المولى) ش: وهي مطالبة بدل الكتابة وولاية الفسخ عند العجز وثبوت الولاء بعد العتق، إذ حقوق العبد في باب الكتابة لا تتعلق بالوكيل م: (لأن الوكيل في الكتابة سفير) ش: لكونها إسقاطا فكان قبض البدل إلى من نفذ العتق من جهة، ولقائل أن يقول الوكيل سواء كان سفيرا أو لا إذا عقد العقد لا يحتاج إلى إجازة، وهاهنا ليس كذلك، ويمكن أن يجاب

(11/142)


قال ولا يعتق على مال؛ لأنه لا يملك الكتابة فالإعتاق أولى ولا يقرض؛ لأنه تبرع محض كالهبة ولا يهب بعوض ولا بغير عوض وكذا لا يتصدق لأن كل ذلك تبرع بصريحه ابتداء وانتهاء أو ابتداء فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة. قال إلا أن يهدي اليسير من الطعام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه بإثبات الوكالة بطريق الانقلاب.

[هل للعبد المأذون أن يعتق على مال]
م: (قال: ولا يعتق على مال؛ لأنه لا يملك الكتابة فالإعتاق أولى) ش: لأنه إعتاق في الحال وهذا إذا لم يكن يجز المولى، أما إذا أجازه ولا دين على المأذون جاز؛ لأنه يملك إنشاء العتق عليه، فيملك الإجازة. وقبض المال إلى المولى دون المأذون.
وأما إذا كان على المأذون دين فأجاز العتق جاز وضمن قيمته للغرماء عندها، كما لو أنشأ العتق ولا سبيل للغرماء على العوض، بخلاف الكتابة؛ لأن ما يؤديه كسب الحر وحق الغرماء غير متعلق بكسب الحر، فأما بدل الكتابة فيؤديه في حال الرق فيتعلق به حق الغرماء م: (ولا يقرض؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الإقراض م: (تبرع محض كالهبة) ش: إذا لو لم يكن كذلك لكان صرفا بالنسيئة فيكون حراما، ولهذا لا يملكه الأب والوصي في مال اليتيم م: (ولا يهب بعوض ولا بغير عوض) ش: أما الأول فلأنه تبرع ابتداء، وأما الثاني فلأنه تبرع ابتداء وانتهاء.
م: (وكذا لا يتصدق) ش: لأن الصدقة تبرع محض م: (لأن كل ذلك) ش: أي كل المذكور من الإقراض والهبة والصدقة م: (تبرع بصريحه ابتداء وانتهاء) ش: أي في كل حالة الابتداء وحالة الانتهاء، وهذا يرجع إلى الإقراض والهبة بغير العوض والصدقة.
م: (أو ابتداء) ش: أي أو تبرع بصريحه في حالة الابتداء، وهذا يرجع إلى الهبة بعوض م: (فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فلا يدخل ما ذكر من الأمور تحت الإذن في التجارة؛ لأنها ليست بتجارة.
م: (قال إلا أن يهدي اليسير من الطعام) ش: هذا استثناء من قوله لا يهب، وقيد الطعام، يشير إلى أن إهداء غير المأكولات لا يجوز أصلا، وبه قال أحمد.
وقال الشافعي ومالك رحمهما الله: لا يملك ذلك أيضا بغير إذن المولى؛ لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كهبة دراهمه وكذا الضيافة اليسيرة عندهما، ولنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجيب دعوة المملوك.

(11/143)


أو يضيف من يطعمه لأنه من ضرورات التجارة استجلابا لقلوب المجاهزين بخلاف المحجور عليه؛ لأنه لا إذن له أصلا، فكيف يثبت ما هو من ضروراته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أو يضيف من يطعمه) ش: المراد الضيافة اليسيرة، ولهذا قالوا إن الإهداء اليسير راجع إلى الضيافة، وفي " الذخيرة " له أن يتخذ الضيافة اليسيرة دون العظيمة؛ لأن اليسيرة من وضع التجار دون العظيمة.
وقال محمد بن سلمة: في الحد الفاصل بينهما ينظر إلى مقدار مال تجارته فإن كان عشرة آلاف أو اتخذ ضيافة بمقدار عشرة كان يسيرا. ولو كان مال تجارته عشرة مثلا واتخذ ضيافة بمقدار دانق فذاك لا يكون كثيرا عرفا.
وفي " المغني ": الأب والوصي لا يملكان في مال الصغير ما يملك المأذون من اتخاذ الضيافة اليسيرة والهدية ويملك التصدق بالفلس والرغيف والفضة بما دون الدرهم؛ لأن ذلك من صنيع التجارة.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في شرح كتاب " المأذون الكبير " من الأصل، قالوا أما قيم الدار وهي الزوجة أو الأمة فإنها تطعم وتتصدق بالطعوم على الرسم والعادة من غير سرف وإن لم يأذن لها الزوج والمولى بذلك.
وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل هل يتصدق العبد؟ قال: بالرغيف ونحوه. وفي " الفتاوى الصغرى " العبد المأذون يملك التبرعات اليسيرة حتى يملك التصدق بما دون الدرهم ولا يملك التصدق بالدراهم ويملك اتخاذ الضيافة والإهداء، وهذا ليس بمقدر بدرهم بل بما يعده الناس سرفا ويملك الذي لا يعدونه سرفا في المأكولات، حتى لا يملك إلا هذا في غير المأكولات.
م: (لأنه) ش: أي لأن كلا من الإهداء اليسير والضيافة اليسيرة م: (من ضرورات التجارة) ش: أي من ضرورات الإذن في التجارة؛ لأن التاجر يحتاج إليه م: (استجلابا لقلوب المجاهزين) ش: أي لأجل استجلاب قلوب المجاهزين، وهو جمع مجاهز بالجيم والزاي المعجمة، والمجاهز عند العامة الغني من التجار، فكأنه أريد المجهز وهو الذي يبعث التجار بالجهاز وهو فاخر المتاع أو يسافر به م: (بخلاف المحجور عليه؛ لأنه لا إذن له أصلا، فكيف يثبت ما هو من ضروراته) ش: أي

(11/144)


وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المحجور عليه إذا أعطاه المولى قوت يومه فدعا بعض رفقائه على ذلك الطعام فلا بأس به، بخلاف ما إذا أعطاه قوت شهر؛ لأنهم لو أكلوه قبل الشهر يتضرر به المولى. قالوا: ولا بأس للمرأة أن تتصدق من منزل زوجها بالشيء اليسير كالرغيف ونحوه؛ لأن ذلك غير ممنوع عنه في العادة.
قال: وله أن يحط من الثمن بالعيب مثل ما يحط التجار؛ لأنه من صنيعهم، وربما يكون الحط أنظر له من قبول المعيب ابتداء، بخلاف ما إذا حط من غير عيب؛ لأنه تبرع محض بعد تمام العقد فليس من صنيع التجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من ضرورات الإذن.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المحجور عليه إذا أعطاه المولى قوت يومه فدعا بعض رفقائه على ذلك الطعام فلا بأس به، بخلاف ما إذا أعطاه قوت شهر؛ لأنهم لو أكلوه قبل الشهر يتضرر به المولى) ش: لأنه يحتاج إلى دفع قوت آخر، فإن لم يدفع يضيع العبد وكل ذلك ضرر له.
م: (قالوا) ش: أي المتأخرون من المشايخ م: (ولا بأس للمرأة أن تتصدق من منزل زوجها بالشيء اليسير كالرغيف ونحوه) ش: أي ويجوز الرغيف كالفلس وما دون الدرهم كالخميرة والبصل والملح، وكذا الأمة في بيت مولاها تطعم وتتصدق على الرسيم والعادة بدون الإذن صريحا للعرف والعادة.
فإن قلت: روى أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته عام حجة الوداع «ولا تخرج المرأة من بيت زوجها، قالوا: ولا الطعام، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الطعام أفضل أموالكم ".» قلت: هذا محمول على الطعام المدخر كالحنطة ودقيقها، فأما غير المدخر فإنها تتصدق به على رسم العادة، وفيه الإذن دلالة.
م: (لأن ذلك) ش: أي التصدق بالشيء اليسير م: (غير ممنوع عنه في العادة) ش: لأن العادة جرت بذلك من غير إنكار من الزوج والولي.

[ما يجوز للعبد المأذون له في التجارة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (وله) ش: أي وللمأذون م: (أن يحط من الثمن بالعيب) ش: يعني إذا ظهر عيب في المتاع الذي باعه ثم وقع الاتفاق على أن يحط من الثمن شيئا فإنه يجوز له ولكن م: (مثل ما يحط التجار؛ لأنه) ش: أي لأن الحط بسبب الغبن م: (من صنيعهم) ش: أي من صنيع التجار. وعند الثلاثة لا يجوز الحط أصلا م: (وربما يكون الحط أنظر له) ش: أي للمأذون أي أكثر نظرا له م: (من قبول المعيب ابتداء، بخلاف ما إذا حط من غير عيب؛ لأنه تبرع محض بعد تمام العقد فليس) ش: أي الحط من غير عيب م: (من صنيع التجار) ش: فلا يجوز.

(11/145)


ولا كذلك المحاباة في الابتداء لأنه قد يحتاج إليها على ما بيناه. وله أن يؤجل في دين قد وجب له لأنه من عادة التجار. قال: وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء إلا أن يفديه المولى. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يباع ويباع كسبه في دينه بالإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا كذلك المحاباة في الابتداء) ش: يمكن أن يكون هذا جوابا عن سؤال مقدر تقديره أن يقال كيف جوزتم محاباة المأذون مع أن فيها حطا من الثمن. فأجاب بقوله ولا كذلك بيع المحاباة في ابتداء الأمر م: (لأنه) ش: أي لأن المأذون م: (قد يحتاج إليها) ش: أي إلى المحاباة م: (على ما بيناه) ش: يعني عند قوله: ولو حابى في مرض موته من جميع المال إلى قوله ولا وارث للعبد.
م: (وله) ش: أي وللمأذون م: (أن يؤجل في دين قد وجب له؛ لأنه من عادة التجار) ش: لأن التاجر قد يكون له على غير الجلي دين، ولو لم يمهله ماله لا يتمكن من الكسب، وإن أمهله أياما يتمكن من الكسب فيكون ذلك طريقا لخروج دينه عادة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء) ش: أي يبيعه القاضي بغير رضى المولى بالاتفاق عند أصحابنا أما عندنا فظاهر؛ لأن الحجر على المديون يجوز عندهما. وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز الحجر على المديون وجوز هاهنا العذر له؛ لأنه ليس في هذا حجر على المولى؛ لأن المولى محجور عن بيعه قبل ذلك، فإنه لو باع العبد المأذون المديون بغير رضاء الغرماء لا يقدر عليه. فكان هذا بمنزلة التركة المستغرقة بالدين، فإنه يبيع القاضي التركة على الورثة بغير رضاهم كقضاء الدين فكان هذا ولا يكون ذلك حجرا عليهم.
كذا في " الذخيرة " قيل: معنى قوله: يباع الغرماء ما يجبر القاضي المولى على البيع حتى يستقيم على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه نظر؛ لأن رواية الذخيرة تدل على أن القاضي يبيعه بدون رضى المولى فلا حاجة إلى هذا المعنى، فافهم م: (إلا أن يفديه المولى) ش: فلا يباع حينئذ لحصول المقصود.
م: (وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يباع) ش: في الدين ويتعلق الدين الفاضل من كسبه بذمته يؤخذ بعد العتق، كما لو استقرض بغير إذن سيده وبه قال أحمد يتعلق بذمة المولى؛ لأنه لزمه بمفاوضة السيد فيجب عليه كالنفقة في النكاح م: (ويباع كسبه في دينه بالإجماع) ش: كما في الحر المديون، وقال في " الطريقة البرهانية ": وأجمعوا على أن الرقبة تباع في الدين الاستهلاك. وقال الإمام علاء الدين العالم في طرفي الطريقة: قال علماؤنا رد قيمة العبد المأذون يباع بدين التجارة. وقال الشافعي: لا يباع ثم قال وعلى هذا الخلاف أرش يد العبد وما اكتسبه العبد من الصيد والحطب والحشيش عندنا يصرف إلى الدين وعنده لا يصرف.
وقال الكرخي في " مختصره ": قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ما يلحق المأذون من

(11/146)


لهما: أن غرض المولى من الإذن تحصيل مال لم يكن لا تفويت مال قد كان له، وذلك في تعليق الدين بكسبه، حتى إذا فضل شيء منه على الدين يحصل له لا بالرقبة، بخلاف دين الاستهلاك؛ لأنه نوع جناية، واستهلاك الرقبة بالجناية لا يتعلق بالإذن. ولنا: أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق المولى، فيتعلق برقبته استيفاء كدين الاستهلاك، والجامع دفع الضرر عن الناس، وهذا؛ لأن سببه التجارة وهي داخلة تحت الإذن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دين من شراء أو بيع أو استئجار استأجره أو غصب أو وديعة أو مضاربة أو بضاعة أو عارية بجحوده شيئا من ذلك أو دابة عقرها أو ثوب أحرقه أو مهر اشتراها وطئها فاستحقت فذلك كله لازم له يباع فيه، إلا أن يعديه مولاه فإن بيع ذلك اقتسم غرماؤه ثمنه بالحصص على قدر ديونهم بإقرار كان لذلك من العبد أو بينته فأثبته فأثبت ذلك عليه.
م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي رحمهما الله م: (أن غرض المولى من الإذن تحصيل مال لم يكن لا تفويت مال قد كان له) ش: أي ليس غرضه تفويت مال؛ لأنه إنما أذن به ليكسب مالا من الخارج وليس غرضه أن يباع عند الأجل الدين م: (وذلك) ش: أي غرض المولى حاصل م: (في تعليق الدين بكسبه حتى إذا فضل شيء منه) ش: أي من كسبه م: (على الدين يحصل له) ش: أي للمولى م: (لا بالرقبة) ش: معطوف على قوله بكسبه يعني غرضه تعلق الدين بكسبه لا برقبته لما ذكرنا أن فيه تفويت مال قد كان.
م: (بخلاف دين الاستهلاك) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إذا استهلك شيئا تعلق دينه برقبته يباع فيه، فهذا كذلك.
فأجاب بقوله بخلاف دين الاستهلاك م: (لأنه) ش: أي الاستهلاك م: (نوع جناية واستهلاك الرقبة بالجناية لا يتعلق بالإذن) ش: إذ وجوبه بالجناية، ولهذا لو كان محجورا عليه بيع بذلك، وليس الكلام في ذلك، وإنما الكلام فيما يتعلق بالإذن.
م: (ولنا: أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (استيفاء) ش: أي لأجل الاستيفاء م: (كدين الاستهلاك والجامع) ش: يعني بين الاستهلاك وبين الدين الذي ركبه الناس في تصرفاته م: (دفع الضرر عن الناس) ش: فكما أنه يباع في دين الاستهلاك دفعا للضرر.
فكذا يباع في الديون التي ركبه دفعا للضرر م: (وهذا) ش: أي دفع الضرر م: (لأن سببه) ش: أي لأن سبب هذا الدين م: (التجارة) ش: لأن المقروض م: (وهي) ش: أي التجارة م: (داخلة تحت الإذن) ش: بلا خلاف، فإذا كان داخلا تحته كان ملتزما، فلو لم يتعلق برقبته استيفاء لكان إضرارا؛ لأن الكسب قد لا يوجد، والمعتق كذلك فيؤدي حقوق الناس.

(11/147)


وتعلق الدين برقبته استيفاء حامل على المعاملة فمن هذا الوجه صلح غرضا للمولى، وينعدم الضرر في حقه بدخول المبيع في ملكه، وتعلقه بالكسب لا ينافي تعلقه بالرقبة فيتعلق بهما غير أنه يبدأ بالكسب في الاستيفاء إيفاء لحق الغرماء وإبقاء لمقصود المولى، وعند انعدامه يستوفى من الرقبة،
وقوله في الكتاب ديونه المراد منه دين وجب بالتجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويتعلق الدين برقبته) ش: جواب عن قولهما: إن غرض المولى من الإذن تحصيل مال ... إلى آخره، وبيانه: أن تعلق الدين برقبته م: (استيفاء حامل على المعاملة) ش: يعني حامل للغير على أن يعامل معه؛ لأن العاملين إذا عملوا ذلك يعاملون معه، فتكثر المعاملة ويكثر الربح، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإن خوف التوى يمنعهم عن ذلك.
م: (فمن هذا الوجه صلح غرضا للمولى) ش: أراد بهذا الوجه هو الذي ذكره من قوله وتعلق الدين برقبته استيفاء حامل على المعاملة. فإن قيل لا يصلح أن يكون غرضا؛ لأنه يتضرر به، والضرر لا يكون غرضا.
أجاب بقوله م: (وينعدم الضرر في حقه) ش: أي في حق المولى م: (بدخول المبيع في ملكه) ش: أي في ملك المولى، وفيه إشكال وهو أن المبيع إن كان باقيا وفيه وفاء بالديون لا يتحقق بيع العبد وإن لم يكن باقيا أو كان وليس فيه وفاء بالديون لم يكن دخوله في ملكه دافعا للضرر.
وأجيب: عنه بأن المراد مبيع قبضه المولى حين لا دين على العبد ثم ركبته ديون، فإنه لا يجب على المولى رده، إن كان باقيا، ولا ضمانه إن لم يكن، بل يباع العبد بالدين، إن اختار المولى، ويكون المبيع جائزا لما فات من العبد.
وذكر في " المغني ": ولو أخذ المولى شيئا من كسبه بلا دين عليه، ثم لحقه دين لا يجب على المولى رد ما أخذ إن كان قائما وضمانه إن كان مستهلكا.
م: (وتعلقه بالكسب) ش: جواب عما يقال أجمعنا أنه تعلق بالكسب فكيف يتعلق بعد ذلك بالرقبة، تقريره أن تعلق الدين بالكسب م: (لا ينافي تعلقه بالرقبة) ش: لأنه لا منافاة بينهما م: (فيتعلق بهما) ش: أي بالكسب والدين م: (غير أنه يبدأ بالكسب في الاستيفاء إيفاء لحق الغرماء وإبقاء لمقصود المولى) ش: نظراء للجانبين م: (وعند انعدامه) ش: أي وعند انعدام الكسب م: (يستوفى من الرقبة) ش: دفعا للضرر عن الناس.

م: (وقوله) ش: أي قول صاحب القدوري م: (في الكتاب) ش: أي " مختصر القدوري " م: (ديونه المراد منه دين وجب بالتجارة) ش: بأن تزوج امرأة، ثم وطئها، ثم استحقت حيث وجب المهر عليه، ولا يظهر ذلك في حق المولى؛ لأن وجوبه بالنكاح، وهو ليس من التجارة.

(11/148)


أو بما هو في معناها كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار وضمان المغصوب والودائع والأمانات إذا جحدها وما يجب من العقر بوطء المشتراة بعد الاستحقاق لاستناده إلى الشراء فيلحق به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما التزويج بإذن المولى يظهر في حقه تباعا فيه، كذا في " المبسوط ".
م: (أو بما هو في معناها) ش: أي أو دين وجب بسبب ما لسبب معه التجارة م: (كالبيع والشراء) ش: نظير دين التجارة م: (والإجارة والاستئجار وضمان المغصوب والودائع والأمانات إذا جحدها) ش: نظير ما في هو معنى التجارة، وصورة الدين بالإجارة أن يؤاجر شيئا ويقبض الأجرة ولم يسلم المستأجر حتى انقضت المدة وجب عليه رد الأجرة.
فإن قلت: ما معنى ذكر الأمانات بعد الودائع؟
قلت: لأن الأمانة أعم من الوديعة كما في المضاربة والعارية والشركة والبضاعة، وهذه الأشياء عند الجحود بها تنقلب غصبا، فكان التزام هذه الأشياء ضمان غصب؛ لأن الأمين يصير غاصبا للأمانة بالجحود.
م: (وما يجب من العقر) ش: عطف على قوله كالبيع والشراء والإجارة.. إلى آخره، أي ورد الذي يجب على المأذون المديون من العقر م: (بوطء المشتراة بعد الاستحقاق) ش: أي وكالذي يجب على المأذون من العقر، ويجوز أن يكون وما يجب مبتدأة، ويكون قوله فيلحق به خبره ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط أي فيلحق بالمذكور في كونه دينا وجب بما هو في معنى التجارة.
فعلى الوجه الأول: يكون محل " وما يجب " الجر؛ لأنه عطف على المحجور وتكون الفاء في قوله فيلحق به جواب شرط محذوف، أي إذا كان كذلك فيلحق به بأن اشترى جارية فاستحقت ثم وطئها فإنه يجب على العقر م: (لاستناده) ش: أي لاستناد وجوب العقر م: (إلى الشراء فيلحق به) ش: إذ لولا الشراء لوجب الحد فيضاف وجوب العقر إلى الشراء فيكون حكمه كحكمه.
بخلاف ما إذا تزوج امرأة فوطئها ثم استحقت، لأن وجوب المهر بالنكاح وهو ليس بتجارة، وكذلك يؤاخذ بضمان عقد الدابة واحتراق الثوب في الحال وتباع رقبته فيه.
وقيل: هذا محمول على ما إذا أخذ الدابة أو الثوب أولا حتى يصير غاصبا بالأخذ، ثم عقر الدابة وحرق الثوب. وأما إذا عقرها أو حرقه قبل القبض فينبغي على قول أبي يوسف أن لا يؤاخذ به في الحال، وتباع رقبته فيه، كذا في " الذخيرة ".

(11/149)


قال: ويقسم ثمنه بينهم بالحصص لتعلق حقهم بالرقبة فصار كتعلقها بالتركة. فإن فضل شيء من ديونه طولب به بعد الحرية لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به. ولا يباع ثانيا كيلا يمتنع البيع، أو دفعا للضرر عن المشتري ويتعلق دينه بكسبه سواء حصل قبل لحوق الدين أو بعده ويتعلق بما يقبل من الهبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويقسم ثمنه بينهم) ش: يعني إذا باع القاضي العبد يقسم ثمنه بين الغرماء م: (بالحصص لتعلق حقهم) ش: أي حق الغرماء م: (بالرقبة) ش: أي برقبة العبد م: (فصار كتعلقها) ش: الضمير يرجع إلى الحق، فإنما أنثه باعتبار الحقوق؛ لأن لكل غريم حقا فصار تقديره كتعلق حقوق الغرماء م: (بالتركة) ش: أي بتركة الميت، فإن لم يكن بالثمن وفاء يضرب كل غريم في الثمن بقدر حقه كالتركة إذا ضاقت عن إيفاء حقوق الغرماء.
م: (فإن فضل شيء من ديونه) ش: يعني إن بقي شيء من ديون العبد م: (طولب به بعد الحرية لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به) ش: أي بالفاضل من الدين لا سبيل لهم عليه؛ لأنه صار ملكا للمشتري والدين ما وجب بإذنه فلا يظهر في حقه م: (ولا يباع ثانيا) ش: أي لا يباع العبد ثاني مرة إذا لم يف ثمن المأذون بالديون.
م: (كيلا يمتنع البيع) ش: الأول إذ لو علم المشتري أنه يباع عليه لا يشتريه فيمتنع البيع الأول فيتضرر الغرماء م: (أو دفعا للضرر عن المشتري) ش: لأنه لم يأذن له في التجارة فلم يكن وصيا ببيعه بسبب الدين فإنه يباع عليه مع ذلك وإن تضرر به، ولا يلزم مع لو اشتراه البائع الإذن فإنه لا يباع عليه ثانيا وإن كان راضيا بالبيع.
لأن الملك قد تبدل وتبدل الملك كتبدل الذات بخلاف دين نفقة المرأة، فإنه يباع فيها مرة بعد أخرى؛ لأنها تجب شيئا فشيئا، بخلاف المهر فإنه إذا بيع في مهر ولم يف الثمن لا يباع ثانيا، ولا بيع في جميع المهر ويطالب بالباقي بعد العتق، كذا ذكره الإمام التمرتاشي.
م: (ويتعلق دينه) ش: أي دين المأذون بسبب التجارة م: (بكسبه سواء حصل) ش: أي الكسب م: (قبل لحوق الدين أو بعده) ش: وهذا إشارة إلى بيان الكسب الذي يبدأ به والذي لا يبدأ، فالكسب الذي لم ينزعه المولى عن يده يتعلق به الدين سواء كان حصل قبل لحوق الدين أو بعده م: (ويتعلق) ش: أي دين المأذون م: (بما يقبل من الهبة) ش: أو الصدقة قبل لحوق الدين وبعده، وبه قال الشافعي في الأصح.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلا به وبه قال الشافعي في قول والهبة للمولى لا حق للغرماء فيها؛ لأنها ليست من التجارة وجوب الدين عليه بسبب التجارة فكانت كسائر أملاك المولى. ألا ترى أنها لو ولدت ثم لحقها دين لا يتعلق بالولد.

(11/150)


لأن المولى إنما يخلفه في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد ولم يفرغ ولا يتعلق بما انتزعه المولى من يده قبل الدين لوجود شرط الخلوص له وله أن يأخذ غلة مثله بعد الدين لأنه لو لم يمكن منه يحجر عليه فلا يحصل الكسب، والزيادة على غلة المثل يردها على الغرماء لعدم الضرورة فيها وتقدم حقهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن المولى إنما يخلفه) ش: أي إنما يخلف عبد المأذون م: (في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد ولم يفرغ) ش: فكان ككسب غير منتزع، وكالوارث فإنه لا يملك شيئا من التركة إلا بشرط الفراغ من دينه. بخلاف الولد؛ لأنه ليس من كسبها كما أن نفسها ليست من كسبها فكذا الولد؛ لأنه حر متولد من عينها فالحق يتعلق بكسبها، حتى لو لحق الدين ثم ولدت يتعلق؛ لأن نفسها تباع في الدين، فكذا ولدها م: (ولا يتعلق) ش: أي الدين م: (بما انتزعه المولى من يده قبل الدين لوجود شرط الخلوص له) ش: أي للمولى وهو خلوص ذمة العبد عن الدين حال أخذ المولى ذلك، فإنه إذا لم يكن على العبد دين فما أخذه المولى منه يكون خالص ملكه، ويلحق بسائر أموال المولى لا حق لغيره فيه.
فإن قلت: يشكل بما إذا كان على العبد دين خمسمائة وله ألف واحدة مع المولى ثم لحقه دين خمسمائة أخرى فإنه يسترد الألف من المولى وإن كان أخذ الخمسمائة قبل لحوق الدين.
قلت: كل واحد من الخمسمائة صالح لأداء الدين فيكون أخذ المولى الألف بغير حق فيؤخذ منه، وعند الأخذ هنا لا دين عليه.
م: (وله) ش: أي للمولى م: (أن يأخذ غلة مثله) ش: أي غلة مثل العبد، يعني يأخذ من مثله من الضريبة التي ضربها عليه في كل شهر، والغلة ما يحصل من زرع أرض أو كراها أو أجرة غلام أو نحو ذلك، يقال أغلت الضيعة فهي مغلة م: (بعد الدين) ش: أي بعد لزوم الدين عليه كما كان يأخذها قبل ذلك استحسانا.
وفي القياس لا يجوز؛ لأن الدين مقدم على حق المولى في الكسب. وجه الاستحسان أن في ذلك نفع الغرماء، وأن حقهم يتعلق بما كسبه ولا يحصل الكسب لإبقاء الإذن في التجارة.
م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (لو لم يمكن منه) ش: أي من أخذ الغلة م: (يحجر عليه) ش: أي على العبد م: (فلا يحصل الكسب) ش: فيتضرر الغرماء م: (والزيادة على غلة المثل) ش: أي مثل العبد الغني إذا أخذ منه مالا يكون غلة مثله م: (يردها على الغرماء لعدم الضرورة فيها) ش: أي الزيادة؛ لأنه لا يعد ذلك من باب تحصيل الغلة م: (وتقدم حقهم) ش: أي ولتقدم حق الغرماء في تلك الزيادة.

(11/151)


قال: فإن حجر عليه لم ينحجر حتى يظهر حجره فيما بين أهل سوقه؛ لأنه لو انحجر لتضرر الناس به لتأخير حقهم إلى ما بعد العتق لما لم يتعلق برقبته وكسبه وقد بايعوه على رجاء ذلك، ويشترط علم أكثر أهل سوقه حتى لو حجر عليه في السوق، وليس فيه إلا رجل أو رجلان لم ينحجر. ولو بايعوه جاز، وإن بايعه الذي علم بحجره ولو حجر عليه في بيته بمحضر من أكثر أهل سوقه ينحجر، والمعتبر شيوع الحجر واشتهاره فيقام ذلك مقام الظهور عند الكل كما في تبليغ الرسالة من الرسل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن حجر عليه) ش: أي على عبد المأذون م: (لم ينحجر) ش: أي لا يصير محجورا م: (حتى يظهر حجره فيما بين أهل سوقه؛ لأنه لو انحجر) ش: يعني بمجرد الحجر م: (لتضرر الناس به لتأخير حقهم إلى ما بعد العتق لما لم يتعلق برقبته وكسبه) ش: لأن العبد إن اكتسب شيئا أخذه المولى، وإن لحقه دين أقام البينة أنه كان قد حجر عليه فيؤخر حقوقهم إلى ما بعد العتق وهو موهوم م: (وقد بايعوه على رجاء ذلك) ش: أي على رجاء تعلق حقهم برقبته أو كسبه فيكون على الإذن إلى أن يعلم حجره.
م: (ويشترط علم أكثر أهل سوقه) ش: لأن في تبليغ عزل الجميع حرجا عظيما ليس في وسع المولى، والتكليف بحسب الوسع. وقال الشافعي: يصلح الحجر بغير علم العبد وأهل السوق كما في عزل الوكيل؛ لأن الإذن عنه نيابة كالوكالة
وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وفي " الذخيرة " اشتراط علم أكثر أهل السوق بحجره في الحجر القصدي، أما لو ثبت الحجر ضمنا لا يشترط علمهم ولا علم واحد منهم حتى لو باع المولى العبد المأذون ينحجر ضمنا لصحة البيع لزوال ملكه كالعزل الحكمي في الوكيل.
م: (حتى لو حجر عليه في السوق وليس فيه) ش: أي والحال أنه ليس في السوق م: (إلا رجل أو رجلان لم ينحجر ولو بايعوه جاز) ش: لأنه غير محجور عليه م: (وإن بايعه الذي علم بحجره) ش: أن هذه للوصل؛ لأن صحة الحجر التشهير ولم يوجد، وإذ المشروط لا يثبت بدون شرطه؛ لأن الحجر ضد الإذن، فكما أن الإذن لا يقبل التخصيص فكذا الحجر، بخلاف خطاب الشرع إذا علم بحجر واحد حيث لا يقدر في تركه؛ لأن حكمه يثبت في حق من علم به ويقبل التخصيص.
م: (ولو حجر عليه في بيته بمحضر من أكثر أهل سوقه ينحجر، والمعتبر شيوع الحجر واشتهاره فيقام ذلك) ش: أو الشيوع والاشتهار م: (مقام الظهور) ش: أي في ظهور الحجر م: (عند الكل) ش: دفعا للحرج م: (كما في تبليغ الرسالة من الرسل) ش: فإن الشيوع والاشتهار فيها، فيقام مقام

(11/152)


ويبقى العبد مأذونا إلى أن يعلم بالحجر كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل، وهذا؛ لأنه يتضرر به حيث يلزمه قضاء الدين من خالص ماله بعد العتق وما رضي به، وإنما يشترط الشيوع في الحجر إذا كان الإذن شائعا. أما إذا لم يعلم به إلا العبد ثم حجر عليه بعلم منه ينحجر؛ لأنه لا ضرر فيه.
قال: ولو مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتدا صار المأذون محجورا عليه؛ لأن الإذن غير لازم، وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء، هذا هو الأصل، فلا بد من قيام أهلية الإذن في حالة البقاء وهي تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق؛ لأنه موت حكما حتى يقسم ماله بين ورثته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظهور عند جميع الناس، فلذلك لزم الكل الإيمان بهم، والامتثال بأوامرهم.
م: (ويبقى العبد مأذونا، إلى أن يعلم بالحجر، كالوكيل) ش: إذا عزل يبقى على وكالته م: (إذا لم يعلم بالعزل) ش: لأن في انعزاله قبل العلم ضررا فاحشا.
م: (وهذا) ش: أي بقاؤه على الإذن إلى العلم بالعزل م: (لأنه يتضرر به) ش: أي لأن العبد يتضرر، بالعزل المذكور م: (حيث يلزمه قضاء الدين من خالص ماله بعد العتق وما رضي به) ش: أي العبد ما رضي بلزوم الدين عليه.
م: (وإنما يشترط الشيوع في الحجر إذا كان الإذن شائعا) ش: لئلا يتضرر لما قلنا م: (أما إذا لم يعلم به) ش: أي بالإذن م: (إلا العبد ثم حجر عليه بعلم منه) ش: أي ثم حجر المولى عليه حجرا متلبسا بعلم من العبد م: (ينحجر؛ لأنه لا ضرر فيه) ش:.

[موت مولى العبد المأذون أو جنونه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو مات المولى أو جن) ش: المراد الجنون المطلق، حتى إذا لم يكن مطلقا بأن يجن ويفيق لا ينحجر، واختلفوا في المطبق، فقال محمد مأذون الشهر غير مطبق، وشهرا فصاعدا مطبق، ثم رجع وقال المأذون السنة غير مطبق، وما فوقها مطبق.
وعن أبي يوسف أكثر السنة فصاعدا مطبق، وما دونه لا م: (أو لحق بدار الحرب مرتدا صار المأذون محجورا عليه؛ لأن الإذن غير لازم) ش: ولهذا يملك المولى إبطاله م: (وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء) ش: وفي الابتداء اشتراط أهلية المولى للإذن، فكذا في البقاء، ثم بهذه الأشياء تنعدم الأهلية فكان محجورا م: (هذا هو الأصل) ش:.
أشار به إلى قوله وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء م: (فلا بد من قيام أهلية الإذن في حالة البقاء وهي) ش: أي أهلية الإذن م: (تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق؛ لأنه موت حكما حتى يقسم ماله بين ورثته) ش: فلا يقسم المال بين الورثة إلا بموت المورث إما حقيقة أو حكما.

(11/153)


قال: وإذا أبق العبد صار محجورا عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبقى مأذونا لأن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن فكذا لا ينافي البقاء وصار كالغصب ولنا أن الإباق حجر دلالة لأنه إنما يرضى بكونه مأذونا على وجه يتمكن من تقضية دينه بكسبه بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها وبخلاف الغصب؛ لأن الانتزاع من يد الغاصب متيسر
قال: وإذا ولدت المأذون لها من مولاها فذلك حجر عليها خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر البقاء بالابتداء ولنا: أن الظاهر أنه يحصنها بعد الولادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الحكم لو أبق العبد المأذون له في التجارة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أبق العبد صار محجورا عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبقى مأذونا) ش: فلا ينحجر.
وقال مالك وأحمد وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا ذكره في " المبسوط " م: (لأن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن) ش: حتى لو أذن الآبق يجوز؛ لأن الإذن باعتبار ملكه، ولا يختل ذلك بالإباق م: (فكذا لا ينافي البقاء) ش: يعني يبقى إذنه بعد إباقه م: (وصار كالغصب) ش: يعني إن المولى لو أذن للعبد المغصوب يصح، ولو غصب العبد المأذون لا يبطل الإذن، كذلك هاهنا.
م: (ولنا أن الإباق حجر دلالة) ش: لأن الإذن مقيد دلالة بشرط قدرة المولى على قضاء ديونه من كسبه، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (إنما يرضى بكونه مأذونا على وجه يتمكن من تقضية دينه) ش: أي دين العبد م: (بكسبه) ش: لو لحقه الدين، ولما أبق لا يتمكن من ذلك لجواز إتلاف العبد الاكتساب عند وجود التصريح.
م: (بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها) ش: أي الحجر يكون هنا دلالة، ولا اعتبار للدلالة عند التصريح بخلافها م: (وبخلاف الغصب؛ لأن الانتزاع من يد الغاصب متيسر) ش: باستدعاء القاضي أو السلطان عليه، حتى لو لم يمكن الانتزاع من يده بأن جحد الغاصب ولا بينة لا يصح ابتداء الإذن ولا بقاؤه، ذكره في " الذخيرة ". وإن عاد من الإباق هل يعود الإذن، لم يذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصحيح أنه لا يعود.

[الاستيلاد وأثره على الإذن والحجر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ولدت المأذون لها من مولاها فذلك حجر عليها) ش: أي الاستيلاد حجر على الأمة، قال المحبوبي: تأويل المسألة إذا استولدها من غير تصريح الإذن حتى لو قال بعد الاستيلاد لا أزيد الحجر عليها لا تنحجر م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر البقاء بالابتداء) ش: يعني زفر يعتبر البقاء بالابتداء، أو يعني إذا أذن لأم الولد ابتداء يجوز، فكذا إذا صارت الأمة أم ولد وهو القياس، وهو قول الثلاثة أيضا. م: (ولنا: أن الظاهر أنه يحصنها) ش: أي أن المولى يحصن الأمة م: (بعد الولادة) ش: فلا يريد خروجها واختلاطها

(11/154)


فيكون دلالة الحجر عادة بخلاف الابتداء؛ لأن الصريح قاض على الدلالة، ويضمن المولى قيمتها إن ركبتها ديون لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء، إذ به يمتنع البيع، وبه يقضى حقهم. قال: وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها فدبرها المولى فهي مأذون لها على حالها لانعدام دلالة الحجر، إذ العادة ما جرت بتحصين المدبرة، ولا منافاة بين حكميهما أيضا، والمولى ضامن لقيمتها لما قررناه في أم الولد. قال: فإذا حجر على المأذون فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومعناه أن يقر بما في يده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالناس م: (فيكون دلالة الحجر عادة) ش: أي فيكون تحصنه إياها دلالة الحجر عليها من حيث العادة ودلالة العادة معتبر عند عدم الصريح، بخلاف ما ترى أن تقدم المائدة بين يدي إنسان يجعل إذنا في التناول عرفا وعادة. قال: فأما إذا قال بعد التقديم لا تأكل لم يكن ذلك إذنا كذا في " المبسوط " م: (بخلاف الابتداء؛ لأن الصريح قاض على الدلالة) ش: يعني بخلاف ما إذا أذن لأم الولد ابتداء حيث يجوز؛ لأنه صريح فلا اعتبار للدلالة عندنا.
م: (ويضمن المولى قيمتها إن ركبتها ديون لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء، إذ به) ش: أي بالاستيلاد م: (يمتنع البيع، وبه) ش: أي وبالبيع م: (يقضي حقهم) ش: أي حق الغرماء.
م: (قال) ش: أي القدوري: ومحمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا استدانت المأذون لها أكثر من قيمتها) ش: قيد بكونها أكثر لتظهر الفائدة في أن المولى يضمن قيمتها دون الزيادة عليها م: (فدبرها المولى فهي مأذون لها على حالها لانعدام دلالة الحجر، إذ العادة ما جرت بتحصين المدبرة ولا منافاة بين حكميهما أيضا) ش: أي حكم الإذن والتدبير؛ لأن بالتدبير يثبت حق العتق وإن كان حق العتق لا يؤثر في مكان الحجر عليه م: (والمولى ضامن لقيمتها لما قررناه في أم الولد) ش: أشار به إلى قوله لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإذا حجر في المأذون فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إقراره لغير مولاه بما في يده؛ لأنه لو أقر باستهلاك رقبته لا يجوز بالإجماع، حتى إذا لم يف ما في يده لا تباع رقبته بالإجماع ولا فيما انتزعه المولى من يده قبل الحجر. وكذا لو كان دينه وقت الإذن مستغرقا لما في يده فأقر بعد حجره بدين آخر لا يصدق بالإجماع. وكذا لو كان الحجر عليه بسبب بيع المولى ثم أقر في يد المشتري بدين عليه لا يصدق بالإجماع. وكذا لو كان في يد كسبه عبد بالاحتطاب والاصطياد ونحوهما مما هو ليس بتجارة لا يصدق بالإجماع.
م: (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري فإقراره جائز م: (أن يقر بما في يده أنه أمانة لغيره أو غصب منه، أو يقر بدين عليه فيقضي مما في يده) ش: إنما فسر، بهذا التفسير؛ لأن مطلق الإقرار بما

(11/155)


أنه أمانة لغيره أو غصب منه، أو يقر بدين عليه فيقضي مما في يده. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجوز إقراره، لهما: أن المصحح لإقراره إن كان هو الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها؛ لأن يد المحجور غير معتبرة. وصار كما إذا أخذ المولى كسبه من يده قبل إقراره أو ثبت حجره بالبيع من غيره، ولهذا لا يصح إقراره في حق الرقبة بعد الحجر. وله: أن المصحح هو اليد، ولهذا لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه المولى من يده، واليد باقية حقيقة، وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته وإقراره دليل تحققها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في يده أن يقيم منه المغصوب، والديون لا الأمانات، فلهذا قدم ذكر الأمانة فتبين المراد منه فافهم. قوله فيقضي مما في يده أي يقضي للمقر له من الذي في يده.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجوز إقراره) ش: وبه قالت الثلاثة ويؤخذ به بعد العتق وما في يده لمولاه م: (لهما: أن المصح لإقراره إن كان هو الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها) ش: أي اليد م: (لأن يد المحجور غير معتبرة) ش: شرعا.
فإن قيل: لا نسلم أن يده غير معتبرة فإنه لو استودع وديعة ثم غاب ليس لمولاه أخذها والمسألة في " المبسوط ". ولو كانت غير معتبرة كانت الوديعة كثوب ألقته الريح في حجر رجل وكان حضور العبد وغيبته سواء، أجيب بأن تأويلها إذا لم يعلم المودع أن الوديعة كسب العبد، أما إذا علم ذلك فللمولى أخذه، وكذا إذا علم أنه مال المولى ولم يعلم بأنه كسب العبد.
م: (وصار كما إذا أخذ المولى كسبه من يده قبل إقراره) ش: أي حكم إقراره بما في يده لغير المولى، كما إذا أخذ المولى ... إلى أخره حيث لا يسمع إقراره فيه بالاتفاق م: (أو ثبت حجره بالبيع من غيره) ش: أي أو صار كما إذا ثبت حجر العبد يبيعه مولاه من غيره فإنه لا يصح إقراره أيضا م: (ولهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لا يصح إقراره في حق الرقبة بعد الحجر) ش: يعني إذا أقر بعد الحجر بمال لا يصح هذا الإقرار في حق الرقبة حتى لا يباع به بالاتفاق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن المصحح) ش: لإقراره م: (هو اليد، ولهذا لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه المولى من يده) ش: لزوال المصحح م: (واليد) ش: أي يد العبد م: (باقية حقيقة) ش: وهو ظاهر؛ لأن الكلام في الإقرار بما في يده م: (وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته) ش: أي شرط بطلان اليد بالحجر من حيث الحكم فراغ اليد عن حاجته م: (وإقراره دليل تحققها) ش: أي تحقق الحاجة.
ولقائل أن يقول دليل تحقق الحاجة مطلقا أو عند صحته، والأول ممنوع، والثاني مسلم، ولكن صحة هذا الإقرار في حيز النزاع فلا يصح أخذه في الدليل. والجواب أن مطلقه دليل تحققها حملا لحال المقر على الصلاح.

(11/156)


بخلاف ما إذا انتزعه المولى من يده قبل الإقرار لأن يد المولى ثابتة حقيقة وحكما فلا تبطل بإقراره وكذا ملكه ثابت في رقبته فلا يبطل بإقراره من غير رضاه وهذا بخلاف ما إذا باعه لأن العبد قد تبدل بتبدل الملك على ما عرف فلا يبقى ما ثبت بحكم الملك ولهذا لم يكن خصما فيما باشره قبل البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: لو كان إقراره دليل تحقيقها يصح بما انتزعه المولى من يده قبل الإقرار.
أجيب: بأن يد المولى ثابتة حقيقة وحكما. أما حقيقة فلأن الكلام فيما انتزعه من يده، وأما حكما فلأن النزع كان قبل ثبوت الدين فلا تبطل يده بإقراره؛ لأنه إقرار بما ليس في يده أصلا وهو باطل.
م: (بخلاف ما إذا انتزعه المولى من يده قبل الإقرار) ش: هذا وما بعده إشارة إلى جواب عما استشهد أبو يوسف ومحمد رحمهما الله به من المسائل الاتفاقية م: (لأن يد المولى ثابتة حقيقة) ش: وهو ظاهر، لأنه في يده وهو ملكه م: (وحكما) ش: وهو أنه قبضه قبل ظهور الدين م: (فلا تبطل) ش: أي يد المولى م: (بإقراره) ش: أي بإقرار العبد.
م: (وكذا ملكه ثابت في رقبته فلا يبطل بإقراره من غير رضاه) ش: أي من غير رضى المولى إذ لا يد للعبد في رقبته بعد الحجر م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من الحكم م: (بخلاف ما إذا باعه) ش: أي باع المأذون وفي يده كسب فأقر فإنه لا يصح م: (لأن العبد قد تبدل بتبدل الملك) ش: أي لأنه صار كعبد آخر لتجدد الملك فصار بمنزلة شخص آخر بحكم تبدل الملك م: (على ما عرف) ش: إشارة إلى «حديث بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو لها صدقة ولنا هدية» فإن الحكم فيه تبدل بتبدل الملك على ما عرف في موضعه م: (فلا يبقى) ش: أي إذا كان الأمر كذلك لا يبقى للعبد المأذون بعد بيعه م: (ما ثبت بحكم الملك) ش: أي ما ثبت له من حكم الإذن الذي كان ثابتا عليه للمولى بحكم أنه ملك المولى فلا جرم لم يصح إقراره بما في يده بعد البيع لعدم إبقاء الإذن.
م: (ولهذا) ش: توضيح لتبدل العبد بتبدل الملك م: (لم يكن) ش: العبد م: (خصما فيما باشره قبل البيع) ش: أي لم يكن خصما في حقوق عقد باشره عند الأول قبل بيعه من التسلم والتسليم والرد بالعيب.
وإن كان خصما فيها بعد الحجر قبل البيع، وعلى هذا إذا حجر المأذون وفي يده ألف فأقر بعدما أذن له ثابتا بألف لا يلزمه في الإذن الأول قضاء من ذلك الألف عنده، وعندهما هذا الألف للمولى ويصح هذا الإقرار فيؤمر المولى بقضاء دين أو يباع. وفي " الأسرار " وعلى هذا الخلاف إذا حجر الصبي المأذون وفي يده كسب فيقر به يصح عنده خلافا لهما.

(11/157)


قال: وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يملك ما في يده ويعتق وعليه قيمته لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته، ولهذا يملك إعتاقها ووطء الجارية المأذون لها، وهذا آية كماله بخلاف الوارث لأنه يثبت الملك له نظرا للمورث والنظر في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[ديون العبد المأذون له في التجارة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده) ش: بأن كان قيمته ألفا فاشترى عبدا يساوي ألفا وعليه ألفا درهم، قيد بقوله تحيط بماله ورقبته.
لأنه إذا لم يحط بشيء من ذلك يملك المولى ما في يده وينفذ عتقه بالإجماع على ما يجيء في الكتاب وإذا أحاط بماله دون رقبته لم يذكره في الكتاب. ونقل بعض الشارحين عن بيوع " الجامع الصغير " أن العتق فيه جائز.
م: (ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يملك ما في يده ويعتق) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يملك المولى ما في يده وينفذ عتقه، وبه قالت الثلاثة، م: (وعليه قيمته) ش: أي على المولى قيمة العبد للغرماء لتعلق حقهم به م: (لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو) ش: أي سبب الملك في الكسب م: (ملك الرقبة) ش: لأن ملك الأصل علة ملك الفرع م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجود سبب الملك م: (يملك) ش: المولى م: (إعتاقها) ش: أي الرقبة.
وفي بعض النسخ إعتاقه، أي العبد المأذون م: (ووطء الجارية المأذون لها) ش: بالغصب، أي ويملك وطء الجارية التي أذن لها.
ألا ترى أن المولى إذا وطئ جارية عبده المأذون فجاءت بولد فادعاه يثبت نسبه، وإن كان عليه دين يحيط بالإجماع ولا يغرم عقرهما، ولو لم يملك ينبغي أن يغرم عقرها م: (وهذا) ش: أي نفوذ إعتاقه وحل وطئه م: (آية كماله) ش: أي علامة كمال الملك؛ لأن الوطء لا يكون إلا في الملك الكامل، وكذلك العتق.
م: (بخلاف الوارث) ش: جواب عما يقال سلمنا ذلك، ولكن المانع متحقق وهو إحاطة الدين فإنها تمنع عن ذلك كما في التركة إذا استغرقتها الديون فإنها تمنع إعتاق الوارث.
فأجاب بقوله بخلاف الوارث إذا أعتق عبدا من التركة وهي مشغولة كلها بالدين حيث لا ينفذ م: (لأنه يثبت الملك له نظرا للمورث) ش: بإيصال ماله إلى أقرب الناس إليه، ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب، ولا نظر للمورث في ذلك عند إحاطة الدين بتركته، بل الرعاية م: (والنظر في

(11/158)


ضده عند إحاطة الدين بتركته. أما ملك المولى فما ثبت نظرا للعبد. وله: أن ملك المولى إنما يثبت خلافة عن العبد عند فراغه عن حاجته كملك الوارث على ما قررناه والمحيط به الدين مشغول بها فلا يخلفه فيه. وإذا عرف ثبوت الملك وعدمه فالعتق فريعته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضده) ش: أي في ضد ثبوت الملك للوارث وهو عدم ثبوت الملك له م: (عند إحاطة الدين بتركته) ش: وذلك لأن قضاء الدين فرض عليه وهو حائل بينه وبين ربه، والميراث بأصله.
وإذا كان سبب الملك النظر وقد فات الملك ولا عتق في غير الملك م: (أما ملك المولى ما ثبت نظرا للعبد) ش: حتى يراعى ذلك بعدم العتق، حتى يقضى دينه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن ملك المولى إنما يثبت خلافة عن العبد عند فراغه عن حاجة العبد) ش: لأنه متصرف لنفسه وقضيته أن يقع الكسب له وقوعه للمولى على سبيل الخلاف عنه، فكان من شرطه فراغه عن حاجته، ولهذا لو امتنع عن الإنفاق على عهده أمر بالاكتساب والإنفاق على نفسه ورد ما فضل عن حاجته إلى سيده.
م: (كملك الوارث على ما قررناه) ش: يعني في مسألة تعلق الدين بكسبه في قوله ويتعلق الدين بكسبه م: (والمحيط به الدين مشغول بها) ش: يعني المال الذي أحاط به الدين مشغول بالحاجة.
م: (فلا يحلفه فيه) ش: أي فلا يحلف المولى العبد في المحيط به الدين، يعني كما أن الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في الرقبة، فكذلك الدين المحيط بالكسب، والرقبة يمنع ملك المولى؛ لأن الخلافة في الموضعين لانعدام أهلية الملك في المال، فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق؛ لأن المالكية عبارة عن القدرة والموت والرق ينافيان ذلك، بل منافاة الموت أظهر والميت جعل كالمالك حكما لقيام حاجته إلى قضاء ديونه فكذلك الرقيق.
م: (وإذا عرف ثبوت الملك) ش: عندهما م: (وعدمه) ش: أي عدم ثبوت الملك عنده، عرف العتق وعدمه لكونه من فرعه، أشار إليه بقوله م: (فالعتق فريعته) ش: أي فريعة الملك، فمن قال بثبوت الملك نفذ العتق، ومن لم يقل به أبطله، وكذا لو قال: هذا ابني يثبت نسبه إن كان مجهول النسب عندهما، ويعتق، وعنده لا يثبت ولا يعتق.
وكذا لو قتل عبد المأذون يغرم قيمته في ثلاث فإنه عنده؛ لأنه لم يملكه فصار كقتل عبد لأجنبي فكان ضمان جناية وعندها يغرم قيمته للحال؛ لأنه لو قتل بعد، أو تعلق به حق الغرماء فيضمن حقهم للحال، والفريعة بضم الفاء تصغير فرعة، أشار بهذا البنية إلى القلة بينهما على أن ثبوت الملك له فروع كثيرة وإن العتق فلا يسر منه فافهم.

(11/159)


وإذا نفذ عندهما يضمن قيمته للغرماء لتعلق حقهم به، قال: وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه في قولهم جميعا، أما عندهما فظاهر، وكذا عنده؛ لأنه لا يجري عن قليله فلو جعل مانعاً لانسد باب الانتفاع. بكسبه فيختل ما هو المقصود من الإذن، ولهذا لا يمنع ملك الوارث والمستغرق يمنعه.
قال: وإن باع من المولى شيئا بمثل قيمته جاز، لأنه كالأجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين يحيط بكسبه. وإن باعه بنقصان لم يجز مطلقاً لأنه متهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا نفذ) ش: أي العتق م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (يضمن قيمته للغرماء) ش: أي يضمن المولى قيمة العبد للغرماء م: (لتعلق حقهم به) ش: أي بالعبد.
م: (قال: وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه) ش: أي عتق المولى عبد عبده والمأذون م: (في قولهم جميعا، أما عندهما فظاهر) ش: لأن المولى عندهما يملك يده على ما مر م: (وكذا عنده) ش: أي وكذا يعتق عند أبي حنيفة م: (لأنه لا يعرى عن قليله) ش: أي عن قليل الدين م: (فلو جعل) ش: أي قليل الدين.
م: (مانعا) ش: هو ملك المولى ما في يد المأذون م: (لانسد باب الانتفاع بكسبه فيختل ما هو المقصود من الإذن) ش: وهو الانتفاع بكسبه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يمنع) ش: أي قليل الدين م: (ملك الوارث) ش: إذا كان على الميت قليل من الدين م: (والمستغرق يمنعه) ش: أي الدين المستغرق للتركة يمنع ملك الوارث.
لأن حقهم بعد وفاء الدين وهو حق الميت فيقدم، وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية. وقال في قوله وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لا يمنع استغراق التركة بالدين ملك الوارث، وبه قال مالك. وذكر في " المحيط " أن هذا قول أبي حنيفة الأول على ما سيجيء إن شاء الله تعالى.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن باع) ش: أي العبد المأذون الذي لزمته الديون م: (من المولى شيئا بمثل قيمته جاز؛ لأنه كالأجنبي عن كسبه) ش: أي لأن المولى كالأجنبي عن كسب العبد المأذون المديون م: (إذا كان عليه دين يحيط بكسبه) ش: وهذا لو أتلف المولى ماله وأعتقه يضمن، وعليه قيمته، وهذا القيد يقيد أنه إذا لم يكن عليه دين لا يجوز بيعه من المولى شيئا ولا يبيع المولى منه شيئا حتى لا يثبت فيه الشفعة.
م: (وإن باعه بنقصان لم يجز) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان النقصان يسيرا أو فاحشا وعندهما يجوز ويجبر المولى على ما يجيء م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (متهم

(11/160)


في حقه بخلاف ما إذا حابى الأجنبي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تهمة فيه وبخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في حقه) ش: أي في حق المولى بميله إليه عادة م: (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حيث يجوز مطلقا م: (لأنه لا تهمة فيه) ش: أي فيما إذا حابى الأجنبي، فإن قلت: قد تكون التهمة فيه موجودة.
قلت: هو موهوم؛ لأن مجرد الاحتمال لا يعتبر، وإنما المعتبر هو الاحتمال الناشئ عن الدليل.
م: (وبخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده) ش: يروى بالواو وبدونها.
قال السغناقي: هذا متعلق بأول المسألة وهو قوله: وإذا باع من المولى شيئا بمثل قيمته جاز هذا على تقدير الواو في قوله وبخلاف وليس بصحيح؛ لأنه معطوف بلا معطوف عليه، بل المناسب لذلك عدم الواو.
وقال: ويجوز أن يكون بدون الواو فيتعلق بحكم قوله المتصل به وهو قوله بخلاف ما إذا جاز الأجنبي، أي أنه يجوز في كل حال، أعني إذا كانت المحاباة يسيرة، أو فاحشة، أو كان البيع بمثل القيمة، وبيع المريض من وارثه، لا يجوز عند أبي حنيفة في كل حالة من هذه الأحوال، وهذا أوجه، ولكن النسخة بالواو وباباه قبل ذلك أوجه من حيث اللفظ بالقرب دون المعنى.
لأن المفهوم من قوله: بخلاف ما إذا حابى الأجنبي جواز المحاباة معه مطلقا، ولا يرجع المريض من وارثه بمثل القيمة إشكالا عليه، حتى يحتاج إلى جواب. والظاهر عدم الواو يجعله متعلقا بأول المسألة. وفي الكلام تعقيد، وتقدير كلامه هكذا: وإن باع من المولى شيئا بثمل القيمة جاز؛ لأنه كالأجنبي عن كسبه، إذا كان عليه دين بخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده ... إلى آخره، ثم يذكر بعد ذلك قوله: وإن باع المريض بنقصان لم يجز
إلى آخره.
قلت: الأوجه ما ذكره " تاج الشريعة " أن قوله وبخلاف ما إذا باع المريض نقص على أصل المسألة، وهو أن بيع المأذون من المولى بمثل القيمة جائز.
ولو باع المريض من الوارث بمثل القيمة لا يجوز.
قلت: ينبغي أن يأتي بالمسألة بلا واو؛ لأنه أول مسألة تورد نقضا على مسألة الكتاب،

(11/161)


لأن حق بقية الورثة تعلق بعينه، حتى كان لأحدهم الاستخلاص من الغرماء بأداء قيمته، أما حق الغرماء فيتعلق بالمالية لا غير فافترقا، وقالا: إن باعه بنقصان يجوز البيع، ويخير المولى إن شاء أزال المحاباة، وإن شاء نقض البيع. وعلى المذهبين اليسير من المحاباة والفاحش سواء. ووجه ذلك أن الامتناع لدفع الضرر من الغرماء، وبهذا يندفع الضرر عنهم، وهذا بخلاف البيع من الأجنبي بالمحاباة اليسيرة، حيث يجوز ولا يؤمر بإزالة المحاباة والمولى يؤمر به؛ لأن البيع باليسير منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون قوله، بخلاف ما إذا حابى الأجنبي؛ لأنه لبيان الفرق بين ما إذا باعه من المولى بنقصان لم يجز، ومع الأجنبي جاز، وإنما أدخل الواو فيه، لئلا يتوهم أنه نقص على بيع المريض من الأجنبي بالمحاباة فأدخل الواو فدفع هذا الوهم.
م: (لأن حق بقية الورثة تعلق بعينه) ش: أي بعين مال الميت م: (حتى كان لأحدهم الاستخلاص من الغرماء بأداء قيمته) ش: إلى الغرماء م: (أما حق الغرماء فيتعلق بالمالية لا غير فافترقا) ش: أي المولى والمريض في جواز البيع من المولى بمثل القيمة دون الوارث.
م: (وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد: م: (إن باعه بنقصان يجوز البيع، ويخير المولى إن شاء أزال المحاباة) ش: بإيصال الثمن إلى تمام القيمة م: (وإن شاء نقض البيع) ش: وتخصيصهما الحكم اختيار من المصنف لقول بعض المشايخ.
قيل: والصحيح أنه قول الكل؛ لأن المولى بسبيل من تخليص كسبه لنفسه بالقيمة بدون البيع، فلأن يكون له ذلك بالبيع أولى، فصار العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي.
م: (وعلى المذهبين) ش: أي مذهب أبي حنيفة ومذهب صاحبيه وهذا اعتراض بين الحكم والدليل لبيان تساوي المحاباة باليسير والكثير، فإن على مذهب أبي حنيفة م: (اليسير من المحاباة والفاحش سواء) ش: حتى إذا باع من مولاه بنقصان يسير أو كثير لا يجوز، فلا تخيير، وعلى مذهبهما يجوز، ولكن خير المولى بين تتميم القيمة أو نقص البيع.
م: (ووجه ذلك) ش: أو وجه الجواز مع التخيير م: (أن الامتناع) ش: عن البيع بالنقصان م: (لدفع الضرر من الغرماء، وبهذا) ش: أي بالتخيير م: (يندفع الضرر عنهم) ش: أي عن الغرماء م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من الجواز والتخيير م: (بخلاف البيع من الأجنبي بالمحاباة اليسيرة، حيث يجوز ولا يؤمر بإزالة المحاباة والمولى يؤمر به؛ لأن البيع باليسير منها) ش: أي من المحاباة، هكذا هو في كتاب " تاج الشريعة ".

(11/162)


متردد بين التبرع والبيع لدخوله تحت تقويم المقومين فاعتبرناه تبرعا في البيع مع المولى للتهمة غير تبرع في حق الأجنبي لانعدامها وبخلاف ما إذا باع من الأجنبي بالكثير من المحاباة حيث لا يجوز أصلا عندهما، ومن المولى يجوز ويؤمر بإزالة المحاباة؛ لأن المحاباة لا تجوز من العبد المأذون على أصلهما إلا بإذن المولى ولا إذن بالمحاباة في البيع مع الأجنبي وهو إذن بمباشرته بنفسه، غير أن إزالة المحاباة لحق الغرماء وهذان الفرقان على أصلهما قال: وإن باعه المولى شيئا بمثل القيمة أو أقل جاز البيع لأن المولى أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين على ما بيناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي بقية الشروح منهما، أي من المولى والأجنبي م: (متردد بين التبرع والبيع) ش: أما التبرع فلخلو البيع عن الثمن في قدر المحاباة وأما البيع م: (لدخوله تحت تقويم المقومين فاعتبرناه) ش: أي اعتبرنا حكم هذا العقد م: (تبرعا في البيع مع المولى للتهمة غير تبرع) ش: أي حال كونه م: (في حق الأجنبي لانعدامها) ش: أي لانعدام التهمة.
م: (وبخلاف ما إذا باع من الأجنبي بالكثير من المحاباة حيث لا يجوز عندهما أصلا، ومن المولى يجوز ويؤمر بإزالة المحاباة؛ لأن المحاباة لا تجوز من العبد المأذون على أصلهما إلا بإذن المولى ولا إذن بالمحاباة في البيع مع الأجنبي وهو إذن) ش: أي المولى إذن، وهو فاعل من الإذن م: (بمباشرته بنفسه، غير أن إزالة المحاباة لحق الغرماء) ش: وذلك لأجل الضرر.
م: (وهذان الفرقان على أصلهما) ش: أي الفرق بين المولى والأجنبي في حق المحاباة اليسيرة حيث يؤمر الأول بإزالتها دون الأجنبي، والفرق بينهما في الكثير حيث لا يجوز عندهما مع الأجنبي أصلا، ويجوز مع المولى. ويؤمر بإزالته في بعض النسخ، وهذا الفرقان بلفظ الإفراد على وزن فعلان بضم كغفران مصدر بمعنى الفرق فتكون النون مرفوعة.
وعلى الوجه الأول النون مكسورة؛ لأنها نون التثنية فتكسر على ما عرف، قال في " النهاية ": والأول أصح لوجود هذين العرفين على قولهما، وكونه مثبتا في النسخ المصححة، وإنما قال على أصلهما؛ لأن أبا حنيفة لم يجوزها، والبيع من المولى إلا بالغبن اليسير ولا بالفاحش لا يحتاج إلى هذا من الفريقين، وإنما يحتاج في فرق واحد بين البيع من الأجنبي بالغش الفاحش حيث جاز عنده، وبين البيع من المولى حيث لا يجوز والفرق ما ذكر في الكتاب.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن باعه المولى) ش: أي إن باع المولى من عبد المأذون المديون المستغرق م: (شيئا بمثل القيمة أو أقل جاز البيع) ش: بالإجماع م: (لأن المولى أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين على ما بيناه) ش: في هذا الكتاب.

(11/163)


ولا تهمة في هذا البيع، ولأنه مفيد فإنه يدخل في كسب العبد ما لم يكن فيه ويتمكن المولى من أخذ الثمن بعد أن لم يكن له هذا التمكن وصحة التصرف تتبع الفائدة فإن سلم إليه قبل قبض الثمن بطل الثمن؛ لأن حق المولى في العين من حيث الجنس فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين ولا يستوجبه المولى على عبده بخلاف ما إذا كان الثمن عرضا؛ لأنه يتعين وجاز أن يبقى حقه متعلقا بالعين قال: وإن أمسكه في يده حتى يستوفي الثمن جاز؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، ولهذا كان أخص به من سائر الغرماء وجاز أن يكون للمولى حق في الدين إذا كان يتعلق بالعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا تهمة في هذا البيع، ولأنه مفيد فإنه يدخل في كسب العبد ما لم يكن فيه) ش: أي في كسبه م: (ويتمكن المولى من أخذ الثمن بعد أن لم يكن له هذا التمكن وصحة التصرف تتبع الفائدة) ش: أراد جواز البيع يعتمد الفائدة، وقد وجدت فإنه يخرج من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا عنه قبل ذلك لحق الغرماء، ويدخل في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق.
وهذا الذي ذكره جميعه يمشي على قول الكل غير قوله؛ لأن المولى أجنبي عن كسبه، فإنه عندهما غير أجنبي على ما عرف.
م: (فإن سلم) ش: المبيع م: (إليه) ش: أي إلى العبد م: (قبل قبض الثمن بطل الثمن؛ لأن حق المولى) ش: ثابت م: (في العين من حيث الجنس) ش: لعدم تعلق حقه بمالية العين بعد البيع، والثابت في العين من حيث الجنس سقط بالتسلم فحق المولى سقط به م: (فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين) ش: لكونه في مقابلة العين م: (ولا يستوجبه المولى على عبده) ش: أي لا يستحق المولى دينا على عبده، حتى لو أتلف شيئا من ماله لم يضمن.
وفي " المبسوط " هذا ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف، هذا إذا استهلك العبد المقبوض، فإنه كان قائما في يده للمولى أن يسترده حتى يستوفي الثمن من العبد.
م: (بخلاف ما إذا كان الثمن عرضا؛ لأنه يتعين) ش: أي حينئذ المولى أحق بذلك الثمن من الغرماء؛ لأنه بالعقد ملك العرض بعينه م: (وجاز أن يبقى حقه متعلقا بالعين) ش: وهو في يد عبده وهو أحق من الغرماء، كما لو غصب العبد شيئا من ماله أو أودع ماله عند عبده.
م: (قال: وإن أمسكه في يده) ش: أي إن حبس المولى البيع م: (حتى يستوفي الثمن جاز؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان أخص به من سائر الغرماء) ش: إذا كان المبيع قائما في يده، وفائدة كونه أخص أنه إذا مات المشتري قبل أداء الثمن يكون البائع أولى بالمبيع من غيره، كالرهن في يد المرتهن إذا مات الراهن يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء م: (وجاز أن يكون للمولى حق في الدين إذا كان يتعلق بالعين) ش: هذا جواب عما يقال

(11/164)


ولو باعه بأكثر من قيمته يؤمر بإزالة المحاباة أو ينقض البيع كما بينا في جانب العبد؛ لأن الزيادة تعلق بها حق الغرماء.
قال وإذا أعتق المولى العبد المأذون وعليه ديون فعتقه جائز؛ لأن ملكه فيه باق والمولى ضامن بقيمته للغرماء؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه وما بقي من الديون يطالب به بعد العتق؛ لأن الدين في ذمته وما لزم المولى إلا بقدر ما أتلف ضمانا فبقي الباقي عليه كما كان، فإن كان أقل من قيمته ضمن الدين لا غير، لأن حقهم بقدره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنتم قلتم: إن المولى لا يستوجب على عبده دينا فقد استوجب دينا في ذمة العبد حتى حبس المبيع لأجله. وتقرير الجواب أن يقال: يجوز أن يكون للمولى حق في الدين إذا تعلق بالعين كالمكاتب، فإن المولى استوجب عليه بدل الكتابة، وهو دين لما تعلق برقبته، وهذا؛ لأن البيع قبل التسليم يزيل العين عند ملك البائع ولا يزيل يده ما لم يستوف الثمن، فإذا كانت اليد باقية تعلق حقه بالعين من حيث هي وبالدين من حيث تعلقه بالعين.
م: (ولو باعه) ش: أي ولو باع المولى من عبد المأذون شيئا م: (بأكثر من قيمته يؤمر بإزالة المحاباة) ش: سواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة م: (أو ينقض البيع كما بينا في جانب العبد؛ لأن الزيادة تعلق بها حق الغرماء) ش: أشار بقوله كما بينا إلى قوله ويخير المولى بإزالة المحاباة إلى آخره، فالمصنف أطلق لفظ المحاباة بينهما من غير ذكر خلاف هذا وقع على اختيار صاحب " المبسوط " من الأصح.
وأما على رواية مبسوط شيخ الإسلام هذا البيع لا يجوز أصلا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يرد التخيير عنده، وعندهم يجوز البيع مع التخيير. وفي " الكافي ": ولا يحتمل أن يكون المبيع فاسدا عند أبي حنيفة على قول بعض المشايخ كما في الفصل الأول.

[عتق العبد المأذون الذي عليه دين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أعتق المولى العبد المأذون وعليه ديون فعتقه جائز) ش: أي والحال أن عليه ديون لزمته بسبب التجارة أو الغصب أو جحود الوديعة أو إتلاف المال فعتقه، أي إعتاقه جائز، ولا نعلم فيه خلافا م: (لأن ملكه فيه باق والمولى ضامن بقيمته للغرماء؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه) ش: أي من جهة بيع العبد ومن جهة استيفاء الديون من ثمن العبد، فإذا كان كذلك فإنه يضمن قيمته بالغة ما بلغت إذا كان الدين مثلها أو أكثر منها علم بالدين، أو لم يعلم به م: (وما بقي من الديون يطالب به بعد العتق؛ لأن الدين في ذمته وما لزم المولى إلا بقدر ما أتلف ضمانا فبقي الباقي عليه كما كان) ش: انتصاب ضمانا على التمييز، أي من حيث الضمان م: (فإن كان) ش: أي الدين م: (أقل من قيمته ضمن الدين لا غير؛ لأن حقهم بقدره) ش: أي لأن حق الغرماء بقدر الدين.

(11/165)


بخلاف ما إذا أعتق المدبر وأم الولد المأذون لهما، وقد ركبتهما ديون لأن حق الغرماء لم يتعلق برقبتهما استيفاء بالبيع فلم يكن المولى متلفا حقهم فلا يضمن شيئا قال فإن باعه المولى وعليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته، وإن شاءوا ضمنوا المشتري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا أعتق المدبر وأم الولد المأذون لهما، وقد ركبتهما ديون) ش: حيث لا ضمان عليه م: (لأن حق الغرماء لم يتعلق برقبتهما استيفاء بالبيع) ش: أي من حيث استيفاء الدين بواسطة البيع؛ لأنهما لا يقبلان النقل من ملك إلى ملك م: (فلم يكن المولى متلفا حقهم فلا يضمن شيئا قال) ش: أي في الجامع الصغير ": م: (فإن باعه المولى) ش: أي فإن باع المولى العبد المأذون له بثمن لا يفي بديون الغرماء بدون إذنهم م: (وعليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه) ش: أي والحال أن المأذون عليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه.
قيد بقوله: وغيبه؛ لأن الغرماء إذ قدروا على العبد كان لهم أن يبطلوا البيع إلا أن يقضي المولى ديونهم، فإذا لم يقدروا على العبد م: (فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته، وإن شاءوا ضمنوا المشتري) ش: هذا الخيار إن كان الثمن أقل من القيمة.
أما إذا كان كثيرا أو مساويا فلا خيار لهم وهذا الضمان أيضا إذا كان البيع بغير إذن القاضي وبغير إذن الغرماء والدين حال، والثمن لا يفي بديونهم، حتى لو باعه بإذنهم أو بإذن القاضي أو الدين مؤجل أو بقي الثمن بديونهم لا ضمان على المولى في هذه الوجوه.
فإن قلت: حق الغرماء لحق المرتهن، وذلك يمنع الراهن من البيع سواء كان الدين حالا أو مؤجلا.
قلت: ليس كذلك إذ للمرتهن في الرهن ملك اليد وذلك قائم مقام التأصل في الدين، وبه يعجز الراهن عن التسليم وليس للغرماء حق ملك اليد في المأذون ولا في كسبه، وإنما لهم عن المطالبة بقضاء الدين وذلك متأخر إلى حلول الأجل.
فإن قلت: لم يجب على المولى الضمان بالبيع؛ لأن حقهم في ذلك، والمولى دفع المؤنة عنهم فصار كالوصي إذا باع التركة بغير إذن الغرماء فليس لهم أن يضمنوه.
قلت: حق الغرماء في بيع التركة لا غير.
أما هاهنا ليس لهم أن يبيعوه لجواز أن لا يصل إليهم حقهم بتقدير البيع.

(11/166)


لأن العبد تعلق به حقهم حتى كان لهم أن يبيعوه إلا أن يقضي المولى دينهم والبائع متلف حقهم بالبيع والتسليم والمشتري بالقبض والتغييب فيخيرون في التضمين وإن شاءوا أجازوا البيع وأخذوا الثمن؛ لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق كما في المرهون فإن ضمنوا البائع قيمته ثم رد على المولى بعيب فللمولى أن يرجع بالقيمة ويكون حق الغرماء في العبد؛ لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم وصار كالغاصب إذا باع وسلم وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد على المالك ويسترد القيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن العبد تعلق به حقهم حتى كان لهم أن يبيعوه إلا أن يقضي المولى دينهم) ش: فحينئذ ليس لهم أن يبيعوه لوصولهم إلى حقهم م: (والبائع) ش: وهو المولى م: (متلف حقهم بالبيع والتسليم) ش: أي متلف حق الغرماء ببيع العبد الذي تعلق به حقهم والتسليم إلى المشتري م: (والمشتري بالقبض والتغييب) ش: أي والمشتري متلف أيضا بقبض العبد وتغييبه إياه م: (فيخيرون في التضمين) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تخير الغرماء في تضمين البائع أو المشتري.
م: (وإن شاءوا أجازوا البيع) ش: هذا يدل على أن هذا البيع كان موقوفا.
وقال قاضي خان: وهذا البيع قبل إجازة الغرماء فاسد وليس بموقوف فعله على المأذون م: (وأخذوا الثمن؛ لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق) ش: ولو كان البيع بإذنهم لم يكن هناك ضمان، فكذا إذا أجازوا.
فإن قلت: يشكل بما إذا كفل رجل عن غيره بغير إذنه. ثم إن أجازوا المكفول له لا يرجع الكفيل عليه.
قلت: لأنها لا تحتاج إلى الإذن فلا يؤثر الإذن فيها ولا كذلك هاهنا، فإن البيع يتوقف لزومه على إجازة الغرماء، فإذا وجدت أثر في اللزوم.
م: (كما في المرهون) ش: يعني الراهن إذا باع الرهن بلا إذن المرتهن، ثم أجاز المرتهن البيع يجوز فكذا هاهنا؛ لأن الإذن في الانتهاء كالإذن في الابتداء م: (فإن ضمنوا البائع قيمته) ش: أي إن ضمن الغرماء المولى البائع قيمة العبد الذي باعه م: (ثم رد على المولى بعيب فللمولى أن يرجع بالقيمة) ش: على الغرماء م: (ويكون حق الغرماء في العبد؛ لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم) ش: قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني إذا قبله بقضاء القاضي، لأن القاضي لما رده فقد فسخ العقد فيما بينهما فعاد إلى الحال الأول.
م: (وصار كالغاصب) ش: أي صار المولى هنا كالغاصب م: (إذا باع) ش: العين المغصوبة م: (وسلم وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد على المالك ويسترد القيمة) ش:

(11/167)


كذا هذا. قال: ولو كان المولى باعه من رجل وأعلمه بالدين فللغرماء أن يردوا البيع لتعلق حقهم وهو الاستسعاء والاستيفاء من رقبته، وفي كل واحد منهما فائدة، فالأول تام مؤخر، والثاني ناقص معجل، وبالبيع يفوت هذه الخيرة، فلهذا لهم أن يردوه، قالوا: تأويله إذا لم يصل إليهم الثمن، فإن وصل ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردوه لوصول حقهم إليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي كان للغاصب أن يرد العين التي باعها وردت عليه بالعيب على المالك ويأخذ منه القيمة التي دفعها إليه بسبب الضمان.
م: (كذا هذا) ش: أي كالغاصب البائع أو حكم البائع كحكم الغاصب.
م: (قال: ولو كان المولى باعه من رجل وأعلمه بالدين) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في عبد لرجل عليه دين باعه من رجل وأعلمه بالدين وقبض الرجل ثم جاء الغرماء قال لهم: أن يردوا البيع، وإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد.
وقال أبو يوسف: المشتري خصم ويقضى لهم بدينهم. انتهى.
قوله: وأعلمه أي المشتري بأن قال: هذا عبد مديون، وفائدة الإعلام سقوط خيار المشتري في الرد بعيب الدين، حتى يقع البيع لازما فيما بينهما، وإن لم يكن لازما في حق الغرماء، إذا لم يكن في ثمنه وفاء دينهم م: (فللغرماء أن يردوا البيع لتعلق حقهم وهو حق الاستسعاء والاستيفاء من رقبته) ش: أي من رقبة العبد بالاستسعاء، وينبغي أن تقدر كلمة به بعد قوله من رقبته، أي بالاستسعاء كما ذكرنا.
م: (وفي كل واحد منهما) ش: أي من الاستسعاء والاستيفاء م: (فائدة، فالأول) ش: أي الاستسعاء م: (تام مؤخر) ش: يعني آجل م: (والثاني) ش: أي البيع م: (ناقص معجل، وبالبيع يفوت هذه الخيرة) ش: أي الخيار م: (فلهذا لهم أن يردوه) ش: أي فلأجل ما ذكرنا للغرماء أن يردوا البيع.
م: (وقالوا) ش: أي المشايخ م: (تأويله) ش: أي تأويل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.: لهم أن يردوا البيع م: (إذا لم يصل إليهم الثمن) ش: بأن لا يفي الثمن بديونهم؛ لأنه كان لهم حق الاستسعاء إلى أن تصل إليهم ديونهم، ولهذا البيع لا يمكنهم الاستسعاء، فكان لهم أن ينقضوا البيع.
م: (فإن وصل) ش: أي الثمن إليهم م: (ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردوه) ش: أي البيع م: (لوصول حقهم إليهم) ش: قيل: في عبارته تسامح؛ لأن وصول الثمن إليهم مع

(11/168)


قال: فإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري، معناه إذا أنكر الدين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشتري خصم، ويقضى لهم بدينهم، وعلى هذا الخلاف إذا اشترى دارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عدم المحاباة في البيع لا يستلزم نفي الرد لجواز أن يصل إليهم الثمن ولا محاباة في البيع، لكن لا يفي الثمن بديونهم فيبقى لهم، ولأن الرد للاستسعاء في الديون، وأجيب بأنهم قد رضوا بإسقاط حقهم حيث قبضوا الثمن فلم يبق لهم ولاية الرد وفيه نظر؛ لأنه يذهب بفائدة قوله ولا محاباة في البيع، فإنهم إذا قبضوا الثمن ورضوا به سقط حقهم وكان فيه محاباة.
ولعل الصواب أن يقال: قوله: ولا محاباة في البيع، معناه أن الثمن بقي بديونهم بدليل قَوْله تَعَالَى.
والثاني: ناقص معجل، فإنه إنما يكون ناقصا إذا لم يف بالديون.
فإن قيل: إذا باع المولى عبد الجاني بعد العلم بالجناية كان مختارا للرد، فما بال هذا لا يكون مختارا لقضاء الديون من ماله.
أجيب: بأن موجب الجناية الدفع على المولى، فإذا تعذر عليه بالبيع طولب به لبقاء الواجب عليه.
وأما الدين فهو واجب في ذمة العبد بحيث لا يسقط عنه بالبيع، ولا إعتاق حتى يؤاخذ به بعد العتق. فلما كان كذلك كان البيع من المولى بمنزلة أن يقول أنا أقضي دينه، وذلك عدة منه بالتبرع فلا يلزمه.
وفيه نظر؛ لأن قوله أنا أقضي دينه يحتمل الكفالة فلم يتعين عدة. الجواب: أن العدة أدنى الاحتمالين فيثبت به إلا أن يقوم الدليل على خلافه.
م: (قال: فإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري) ش: أي البائع والمولى م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري م: (إذا أنكر) ش: أي المشتري م: (الدين) ش: قيد به؛ لأنه لو أقر المشتري بدينهم وصدقهم فلهم نقضه بلا خلاف إذا لم يف الثمن بديونهم. ذكره المحبوبي.
وكذا لو كان المشتري غائبا والبائع حاضرا فلا خصومة بينهم وبين البائع في رقبة العبد بلا خلاف، ذكره في " المبسوط " م: (وهذا) ش: أي عدم كون الخصومة بينهم وبين المشتري وهذا م: (عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشتري خصم ويقضى لهم بدينهم) ش: أي يقضى للغرماء بدينهم م: (وعلى هذا الخلاف إذا اشترى دارا) ش:

(11/169)


ووهبها وسلمها وغاب، ثم حضر الشفيع، فالموهوب له ليس بخصم عندهما خلافا له وعنهما مثل قوله في مسألة الشفعة لأبي يوسف أنه يدعي الملك لنفسه فيكون خصما لكل من ينازعه ولهما أن الدعوى تتضمن فسخ العقد وقد قام بهما فيكون الفسخ قضاء على الغائب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لها شفيع.
م: (ووهبها) ش: لرجل م: (وسلمها وغاب، ثم حضر الشفيع، فالموهوب له ليس بخصم عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف م: (وعنهما) ش: أي، عن أبي حنيفة، ومحمد م: (مثل قوله) ش: أي مثل قول أبي يوسف م: (في مسألة الشفعة) ش؛ بأن يكون الموهوب له خصما. وهذا رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي المشتري م: (يدعي الملك لنفسه) ش: لأنه ممسك للعين، فكل من أمسك الشيء لنفسه يكون مالكا م: (فيكون خصما لكل من ينازعه) ش: ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا شراء فاسدا فجاء رجل فادعى أن العبد له فالمشتري خصم، لأنه في يده وهو مالك، فكذا هذا.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الدعوى تتضمن فسخ العقد وقد قام بهما) ش: أي البائع والمشتري م: (فيكون الفسخ قضاء على الغائب) ش: فلا يجوز؛ لأن الحاضر ليس بخصم عنه.
فإن قلت: يشكل بما إذا ادعى رجل الملك على ذي اليد وهو يقول اشتريت من فلان الغائب، فإن ذا اليد يكون خصما، وإن كان القضاء على المشتري قضاء على الغائب.
قلت: فيما أوردت له يصير فسخا؛ لأنه لما أقام المدعي البينة على الملك ظهر أن البيع الذي جرى بين الغائب وبين ذي اليد لم يكن بيعا لكونه ملك المدعي، ولا كذلك هاهنا؛ لأن البيع من المولى بالقضاء بالرد قضاء على الغائب وعلى المولى بالفسخ أو كقضاء على الغائب لا يجوز.
وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " في كتاب الشفعة: رجل اشترى دارا فوهبها لآخر وغاب المشتري بعدما قبضها الموهوب له، فالموهوب له خصم للشفيع في قول أبي يوسف ويقضى له بها وبالثمن وتبطل الهبة ويستوثق من الثمن، وكذلك لو باعها المشتري أخذ الشفيع إن شاء بالبيع الأول وإن شاء بالبيع الآخر.
وقال محمد: ليس بين الشفيع وبين الموهوب له والمتصدق عليه خصومة حتى يحضر

(11/170)


قال: ومن قدم مصرا، وقال: أنا عبد لفلان، فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة؛ لأنه إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه، وإن لم يخبر فتصرفه جائز، إذ الظاهر أن المحجور يجري على موجب حجره والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات؛ كيلا يضيق الأمر على الناس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشترى، وكذلك بالبيع إن أراد الشفيع الأخذ بالبيع الأول، وإن أرادها البيع الثاني فالمشتري الآخر خصم، وهذا تسليم للشفعة من الشفيع في البيع الأول.
قال الشيخ أبو المعين ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " قول أبي حنيفة واختلف المشايخ فيه. قال مشايخ بلخ قوله: مع أبي يوسف فيجعل قول أبي يوسف ما أمكن وهاهنا الإمكان ثابت؛ لأنه لم ينص محمد على خلاف ذلك، قال مشايخ العراق: لا، بل قوله مع محمد؛ لأن ابن سماعة ذكر في نوادره هذه المسألة. وذكر قول أبي حنيفة مع محمد رحمهما الله.

[قدم مصرا فباع واشترى وقال إنه عبد لفلان]
م: (قال: ومن قدم مصرا) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير "، وإنما ومن قدم ولم يقل وإذا قدم، عبد مصرا؛ لأنه لا يعلم كونه عبدا إلا بقوله وإنما ذكر مصرا؛ لأنه لم يرد به مصرا معينا، وإنما أراد مصرا من الأمصار م: (فقال: أنا عبد لفلان فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة) ش: وهذا استحسان، والقياس أن لا يقبل قوله؛ لأنه أخبر عن شيئين:
أحدهما: أخبر أنه مملوك، وهذا إقرار منه على نفسه.
والثاني: أنه أخبر أنه مأذون في التجارة، وهذا إقرار على المولى، وإقراره عليه ليس بحجة.
وجه الاستحسان هو قوله: م: (لأنه إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه) ش: أشار بهذا إلى أن المسألة على وجهين، أحدهما: أنه يخبر أن مولاه أذن له فيصدق استحسانا عدلا كان أو غير عدل، والقياس أن لا يصدق، وبه قالت الثلاثة. والوجه الآخر هو قوله: م: (وإن لم يخبر) ش: أي لم يقل إن مولاه أذن له، بل باع واشترى م: (فتصرفه جائز، إذ الظاهر أن المحجور يجري على موجب حجره، والعمل بالظاهر هو الأصل) ش: أي فتصرفه دليل على أنه مأذون فيه، والقياس أن لا يثبت وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه إذا الظاهر أن المحجور على موجب حجره والعمل بالظاهر هو الأصل.
م: (في المعاملات كيلا يضيق الأمر على الناس) ش: توضيحه: أن الناس بحاجة إلى قبول قوله؛ لأن الإنسان يبعث الأحرار والعبد في التجارة، فلو لم يقبل قول الواحد في المعاملات، لاحتاج إلى أن يبعث شاهدين ليشهدا عند كل تصرف، أنه مأذون له في التجارة، وفي ذلك من الضيق ما لا يخفى. والقياس أن يشترط عدالة المخبر؛ لأن خبر العدل حجة.

(11/171)


إلا أنه لا يباع حتى يحضر مولاه؛ لأنه لا يقبل قوله في الرقبة؛ لأنها خالص حق المولى، بخلاف الكسب؛ لأنه حق العبد على ما بيناه، فإن حضر وقال: هو مأذون بيع في الدين؛ لأنه ظهر الدين في حق المولى وإن قال: هو محجور فالقول قوله؛ لأنه متمسك بالأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الاستحسان ": لا يشترط للضرورة والبلوى.
م: (إلا أنه لا يباع) ش: استثناء من قوله: ألزمه كل شيء، ومعناه لأنه إذا لم يكن في كسبه، وقالا: يباع في الدين م: (حتى يحضر مولاه؛ لأنه لا يقبل قوله في الرقبة؛ لأنه خالص حق المولى) ش: لأن بيعها ليس من لوازم الإذن في التجارة، ألا ترى أنه إذا أذن للمدبر وأم الولد ولحقهما الدين لا يباعان فيه، فكانت الرقبة خالص حق المولى، وحينئذ جاز أن يكون مأذونا ولا يباع.
م: (بخلاف الكسب) ش: حيث يقضي الدين عنه؛ لأن قضاء الدين من كسبه من لوازم الإذن في التجارة م: (لأنه) ش: أي الكسب م: (حق العبد على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله في وسط كتاب المأذون، ويتعلق دينه بكسبه إلى أن قال: إن المولى إنما يخلفه في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد م: (فإن حضر) ش: أي المولى م: (وقال: هو مأذون بيع في الدين) ش: يعني إذا لم يقض المولى دينه م: (لأنه ظهر الدين في حق المولى) ش: أي بقوله إنه مأذون وحكم المأذون أنه يباع في الدين.
م: (وإن قال: هو محجور فالقول قوله) ش: أي قول المولى مع يمينه م: (لأنه متمسك بالأصل) ش: وهو عدم الإذن، وإذا أقامت الغرماء البينة أنه أذن له فحينئذ يباع؛ لأن دعوى العبد الإذن عليه كدعوى العتق والكتابة، فلا يقبل قوله عند جحود المولى إلا بالبينة.
وفي " مبسوط " شيخ الإسلام خواهر زاده: إذا أقامت الغرماء البينة أنه مأذون له والعبد محجور عليه والمولى غائب لا يقبل بينتهم حتى لا تباع رقبة العبد بالدين؛ لأنها قامت على غائب، وليس عنه خصم حاضر، وإن أقر العبد بالدين فباع القاضي أكسابه، وقضى دين الغرماء ثم جاء المولى، وأنكر الإذن فإن القاضي يكلف الغرماء البينة على الإذن، فإن أقاموها وإلا ردوا على المولى جميع ما قبضوا من ثمن أكساب العبد، ولا ينقض البيوع، التي جرت من القاضي في كسبه؛ لأن للقاضي ولاية في بيع مال الغائب، ويؤخر حقوق الغرماء، إلى أن يعتق العبد.

(11/172)


فصل وإذا أذن ولي الصبي للصبي في التجارة فهو في البيع والشراء كالعبد المأذون إذا كان يعقل البيع والشراء حتى ينفذ تصرفه وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينفذ لأن حجره لصباه فيبقى ببقائه ولأنه مولى عليه حتى يملك الولي التصرف عليه ويملك حجره فلا يكون واليا للمنافاة وصار كالطلاق والعتاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في أحكام إذن الصغير]
م: (فصل) ش: لما فرغ عن بيان أحكام العبد في الإذن، شرع في أحكام إذن الصغير، وقدم الأول لكثرة وقوعه.
م: (وإذا أذن ولي الصبي للصبي) ش: وهو أبوه أو جده أو وصيهما أو نحوهم م: (في التجارة فهو في البيع والشراء كالعبد المأذون) ش: في نفوذ تصرفه وعدم التقيد بنوع دون نوع وصيرورته مأذونا بالسكوت وصحة إقراره بما في يده وغير ذلك مما ذكر في العبد.
م: (إذا كان يعقل البيع والشراء) ش: أي يعرف أن البيع سالب للملك والشراء جالب له، ويعرف الغبن اليسير والفاحش، وليس المراد منه أن يعرف نفس العبارة، فإنه ما من صبي لقن البيع والشراء إلا ويتلفهما، كذا قال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ".
وبعضهم قال: معناه أن يعرف البيع، ويقف على قيم الأشياء على وجه لو سئل عن قيمة شيء يقرب في تقويمه، ولا يجازف، فإن كان هكذا، فالظاهر أنه لا يغبن فيكون كالبالغ، فيصح إذنه في التجارة، وإلا فلا، كذا قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " م: (حتى ينفذ تصرفه) ش: برفع الذال.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينفذ) ش: أي تصرفه بإذنه، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية وبعض أصحاب الشافعي في وجه كقولنا م: (لأن حجره لصباه) ش: أي لأن حجر الصبي لأجل صبا نفسه م: (فيبقى ببقائه) ش: أي فيبقى الحجر ببقاء الصبا، وبقاء العلة تستلزم المعلول لا محالة، بخلاف حجر الرقيق فإنه ليس للرق نفسه، بل لحق المولى وهو بإذنه لكونه راضيا بتصرفه حينئذ.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصبي م: (مولى عليه حتى يملك الولي التصرف عليه) ش: يعني في ماله بعد الإذن م: (ويملك حجره) ش: أي الحجر عليه م: (فلا يكون) ش: أي الصبي م: (واليا للمنافاة) ش: أي بين كونه واليا، وبين كونه موليا عليه؛ لأن كونه موليا عليه سمة العجز، وكونه واليا سمة القدرة م: (وصار) ش: أي صار تصرف الصبي م: (كالطلاق والعتاق) ش: حيث لا

(11/173)


بخلاف الصوم والصلاة؛ لأنه لا يقام بالولي، وكذلك الوصية على أصله فتحققت الضرورة إلى تنفيذه منه. أما البيع والشراء فيتولاه الولي فلا ضرورة هاهنا، ولنا: أن التصرف المشروع صدر من أهله في محله عن ولاية شرعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصحان منه، وإن أذن له الولي.
م: (بخلاف الصوم) ش: النفل م: (والصلاة) ش: النافلة م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الصوم والصلاة م: (لا يقام بالولي) ش: فيصحان منه م: (وكذا الوصية) ش: أي وكذا تصح الوصية منه لصحة الصوم والصلاة م: (على أصله) ش: أراد به على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فإن من أصله أن كل تصرف يتحقق من المولى لا يصح بمباشرة الصبي؛ لأن تصرفه بسبب الضرورة ولا ضرورة فيما يتصرف فيه الولي، وكل تصرف لا يتحقق بمباشرة الولي يصح تصرفه فيه بنفسه.
فلهذا تعتبر وصية بأعمال البر، وإحسان الأبوين، ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله برأي الولي، ولهذا يصحح الشافعي إسلامه بنفسه لتحقق إسلامه بإسلام أحد أبويه، كذا في " المبسوط ".
م: (فتحققت الضرورة) ش: أي إذا كان كذلك فتحققت الضرورة م: (إلى تنفيذه منه) ش: أي إلى تنفيذ التصرف الذي لا يتحقق بمباشرة المولى منه، أي من الصبي م: (أما البيع والشراء فيتولاه المولى فلا ضرورة هاهنا) ش: ولا يصح تصرفه فيه.
م: (ولنا أن التصرف المشروع) ش: بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (سورة البقرة: الآية 275) ، مطلقا من غير فصل بين البائع، والصبي م: (صدر من أهله) ش: لكونه عاقلا مميزا يعلم أن البيع سالب، وأن الشراء جالب، ويعلم الغبن اليسير من الفاحش م: (في محله) ش: لكون المبيع مالا متقوما م: (عن ولاية شرعية) ش: لكونه ضررا عن إذن وليه والى له هذا التصرف، فكذا من أذن له، ألا ترى أن الطلاق والعتاق لما لم يملكه الولي لا يملك الإذن به، فصدورهما من الصبي لا يكون عن ولاية شرعية وإن أذن الولي بذلك.
فإن قلت: لا نسلم أنه أهل، وهذا؛ لأن مجرد العقل والتمييز لا يكفي، بل بالبلوغ شرط يصير أهلا، إذ الشخص إنما يصير أهلا للتصرف بكمال الحال، وحال الإنسان لا يكمل قبل البلوغ، وهذا لا يتوجه عليه خطابات الشرع؛ لأن العقل والتمييز اللذين يعرف بهما الأشياء أمر باطن، ولذلك يتفاوت في نفسه فأقيم البلوغ مقامه فلا يعتبر وجود العقل في الصبي.
قلت: العقل وحده يكفي لثبوت الأهلية؛ لأنه به تحصيل معرفة الأشياء، إلا أن الصبي مظنة المرحمة، وبالخطاب يتضرر، وصحة العبارة نفع محض إذ الآدمي شرف على غيره بها.

(11/174)


فوجب تنفيذه على ما عرف تقريره في الخلافيات. والصبا سبب الحجر لعدم الهداية لا لذاته وقد ثبتت نظرا إلى إذن الولي وبقاء ولايته لنظر الصبي لاستيفاء المصلحة بطريقين واحتمال تبدل الحال بخلاف الطلاق والعتاق لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والخلاف في الصحة؛ لأن المذهب عندنا أن الصبي إذا باع ماله انعقد ويتوقف على الإجازة كالراهن يبيع المرهون ينعقد ويتوقف على إجازة المرتهن.
م: (فوجب تنفيذه) ش: أي إذا كان كذلك فوجب تنفيذ التصرف الذي لا يتحقق بمباشرة الولي بتصرف الصبي كما قال م: (على ما عرف تقريره في الخلافيات) ش: أي تقرير الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا المسألة.
[....
....
.] .
م: (والصبا سبب الحجر) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن حجره لصباه.
وتقريره: أنا لا نسلم أن حجر الصبي لذاته بل بالغير، أشار إليه بقوله م: (لعدم الهداية) ش: أي إلى التصرفات، فصار كالعبد في كون حجره لغيره م: (لا لذاته) ش: لكونه أهلا، فإذا انضم إلى رأي الولي صار هو والبائع سواء فيترجح جانب النفع على جانب الضرر، بل هذا أقرب؛ لأنه تصرف حضره رأيان، فكان أقرب إلى النظر الذي حضره واحد فلا يبقى الضرر فيرتفع الحجر.
م: (وقد ثبتت) ش: أي الهداية إلى التصرفات م: (نظرا إلى إذن الولي) ش: لأنه لو لم يعلم أنه هاد في أمور التجارة لما أذن له م: (وبقاء ولايته) ش: يرفع بقاء على الابتداء، وخبره قوله م: (لنظر الصبي) ش: أي بقاء ولاية الولي بعد الإذن نظرا للصبي، وهذا جواب ما يقال لو ثبتت له الهداية بالإذن لم يبق الولي وليا.
وتقريره: أن بقاء ولايته بعد ذلك للنظر له، فإن الصبا من أسباب المرحمة بالحديث وفي الاعتبار كلامه في التصرف نفع محض م: (لاستيفاء المصلحة بطريقين) ش: أي بمباشرة وليه له، ومباشرة نفسه، فكان مرحمة في حقه فوجب اعتباره م: (واحتمال تبدل الحال) ش: بالجر عطفا على قوله لاستيفاء المصلحة، أي ولاحتمال تبدل حال الصبي، من الهداية إلى غيرها، فأبقينا ولاية الولي لتدارك ذلك.
م: (بخلاف الطلاق والعتاق) ش: جواب عن قوله صار كالطلاق والعتاق م: (لأنه) ش: أي

(11/175)


صار محض فلا يؤهل له. والنافع المحض كقبول الهبة والصدقة يؤهل له قبل الإذن، والبيع والشراء دائر بين النفع والضرر، فيجعل أهلا له بعد الإذن لا قبله، لكن قبل الإذن يكون موقوفا منه على إجازة الولي لاحتمال وقوعه نظرا وصحة التصرف في نفسه، وذكر الولي في الكتاب ينتظم الأب والجد عند عدمه والوصي والقاضي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن كل واحد من الطلاق والعتاق م: (صار محض، فلا يؤهل له) ش: أي فلم يجعل الصبا أهل للضار المحض، أي للتصرف فيه م: (والنافع المحض) ش: بالرفع مبتدأ م: (كقبول الهبة والصدقة) ش: مثال للنافع المحض م: (يؤهل له) ش: خبر المبتدأ، أي يجعل الصبي أهلا له، أي للنافع المحض سواء كان م: (قبل الإذن) ش: أو بعده، فلا يتوقف على الإذن م: (والبيع والشراء) ش: البيع مبتدأ أيضا، والشراء عطف عليه.
وقوله: م: (دائر بين النفع والضرر) ش: خبره.
فإن قلت: المبتدأ شيئان والمشتري واحد والتطابق شرط.
قلت: تقديره، وكل واحد من البيع والشراء دائر، أي متردد بين البيع على اعتبار الربح، والضرر على اعتبار الخسران.
م: (فيجعل أهلا له بعد الإذن لا قبله) ش: أي إذا كان كذلك يجعل الصبي أهلا لهذا النوع من التصرفات م: (لكن قبل الإذن يكون موقوفا منه) ش: هذا جواب عما يقال أنتم ما عملتم بجهة كونه ضارا، فكان ينبغي أن لا يجوز.
وتقريره أنه إن وقفنا قبل الإذن م: (على إجازة الولي لاحتمال، وقوعه نظرا) ش: فإن أحد المحتملين م: (وصحة التصرف في نفسه) ش: بجر صحة، أي ولصحة التصرف في نفسه؛ لأنه مشروع صدر من أهله في محله.
فإن قيل: إذا باع شيئا بأضعاف قيمته كان نافعا محضا كقبول الهبة، فيجب نفوذه بلا توقف.
أجيب: بأن المعتبر في ذلك هو الوضع كالجزئيات الواقعة اتفاقا.
م: (وذكر الولي في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري "، أراد به ما ذكره بقوله وإذا أذن ولي الصبي م: (ينتظم الأب والجد عند عدمه) ش: أي عند عدم الأب، وليس المراد به الترتيب؛ لأن وصي الأب مقدم على الجد. م: (والوصي) ش: بالنصب، أي وينتظم الولي، أي وصي الأب ووصي الجد م: (والقاضي

(11/176)


والوالي بخلاف صاحب الشرط؛ لأنه ليس إليه تقليد القضاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والوالي) ش: بالنصب أيضا، أي وينتظم الوالي.
وفي " المبسوط ": وليه أبوه، ثم وصيه، ثم جده أبو الأب، ثم وصيه، ثم القاضي، أو وصي القاضي، فأما الإمام، أو وصيهما فلا ولاية لهما عليه، فلا يصح الإذن منهما، ولا يقال وصي الأم باع العروض التي ورث الضيعة من أمه يجوز، لأن ذلك من باب الحفظ على الأم الميتة وعلى الصغير، لا لأنه تجارة. حتى لو اشترى شيئا آخر لليتيم لا يجوز، كذا في " الذخيرة ".
وعند الثلاثة: وصي الصبي والمجنون، والأب، ثم الجد، وإن عدما فالسلطان.
وفي شرح " الطحاوي "، وفي الصغير أبوه، ووصي أبيه، ثم جده، ثم وصي جده، ثم وصي جده وصية، ثم القاضي، ومن نصيبه القاضي سواء كان الصغير في عيال هؤلاء أو لم يكن.
م: (بخلاف صاحب الشرط) ش: يريد به أمير البلدة كأمير بخارى، فكان الوالي أكبر منه؛ لأن له ولاية تقليد القضاء دون صاحب الشرط.
وقوله: الشرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء وهو جمع شرطة بضم الشين وسكون الراء والشرطة خيار الجند، وأول كتيبة تحضر الحرب. وفي " العباب ": الشرطي والشرطة واحد الشرط.
قال الأصمعي: سموا بذلك؛ لأنهم جعلوا؛ لأنفسهم علامة يعرفون بها. وقال أبو عبيدة: سموا شرطا؛ لأنهم أعدوا الشرطة أول طائفة من الجيش تحضر الوقعة.
قلت: أصل ذلك من الشرط بفتحتين، وهو العلامة ومنه أشراط الساعة، أي علاماتها.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس إليه) ش: أي إلى صاحب الشرط م: (تقليد القضاة) ش: والوالي إليه تقليد القضاة، فكان أكبر منه، فلذلك، ينتظمه حكم، الولاية؛ لأنه يلي التصرفات على البابين، بخلاف صاحب الشرط، فإنه فوض إليه أمر خاص.
قلت: فعلى هذا لا تكون الولاية في مصر إلا للسلطان؛ لأن له التصرف العام، بخلاف غيره من الحكام؛ لأن كلا منهم يفوض إليه في أمر خاص، إلا القضاة، فإنه يفوض إليهم سائر الأحكام الشرعية، فكذلك لا تكون الولاية في البلاد الشامية إلا للقضاة خاصة، اللهم إلا قلد إلى أحد من نوابها الكبار تقليد القضاة.

(11/177)


والشرط أن يعقل كون البيع سالبا للملك جالبا للربح والتشبيه بالعبد المأذون يقيدان ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه لأن الإذن فك الحجر، والمأذون يتصرف بأهلية نفسه عبدا كان أو صبيا، فلا يتقيد تصرفه بنوع دون نوع ويصير مأذونا بالسكوت كما في العبد ويصح إقراره بما في يده من كسبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشرط أن يعقل) ش: الصبي م: (كون البيع سالبا للملك جالبا للربح) ش: وقد مر بيان هذا الشرط م: (والتشبيه بالعبد المأذون) ش: أراد تشبيه الصبي بالعبد المأذون في قوله: وهو في البيع والشراء كالبعد المأذون م: (يقيدان ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه) ش: أي في حق الصبي لا يقال يرد عليه أن التعميم ليس بمستقيم.
فإن المولى محجور عن التصرف في مال العبد المأذون المديون بدين محيط بماله دون الولي؛ لأنا نقول إن ذلك من الحجار المولى وعدم لحجار المولى ليس من التعميم في تصرف العبد والصبي.
وبأن دين الصبي لكونه حرا يتعلق بذمته لا بمال، فجاز أن يتصرف فيه الولي، ودين العبد يتعلق بكسبه والمولى أجنبي منه إذا كان الدين مستغرقا، ويصح إقراره بعد الإذن بما هو كسبه عينا كان أو دينا لوليه ولغيره، ولانفكاك الحجر عنه، فكان كالبالغين، وأورد بأن الولاية المتعدية نوع الولاية القائمة، والولي لا يملك الإقرار على مال الصبي، فكيف أفادته ذلك بإذنه.
والجواب: أنه إفادة من حيث كونه من توابع التجارة والولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها.
م: (لأن الإذن فك الحجر، والمأذون يتصرف بأهلية نفسه عبدا كان أو صبيا، فلا يتقيد تصرفه بنوع دون نوع) ش: أراد أن المأذون له في التصرف إنما يتصرف بأهلية نفسه فيستوي فيه العبد والصبي، فإذا استويا في ذلك فلا يتقيد تصرفهما في نوع دون نوع لما مر فيما مضى.
م: (ويصير) ش: أي الصبي م: (مأذونا بالسكوت) ش: بأن يراه وليه يبيع أو يشتري فيسكت، فإنه أذن له، لكن هذا في الأب والجد، والوصي لا في القاضي ألا ترى إلى ما ذكر في " الفتاوى الصغرى " أن القاضي إذا رأى الصغير أو المعتوه أو عبد الصغير يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا في التجارة م: (كما في العبد) ش: إذا رآه مولاه يبيع فسكت فإنه يكون مأذونا.
م: (ويصح إقراره بما في يده من كسبه) ش: أي يصح إقرار الصبي بعد الإذن بما هو كسبه

(11/178)


وكذا بموروثه في ظاهر الرواية، كما يصح إقرار العبد ولا يملك تزويج عبده ولا كتابته، كما في العبد والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عينا كان أو دينا لوليه ولغير وليه لانفكاك الحجر عنه فكان كالبالغين، وأراد بأن الولاية المتعدية فرع الولاية القائمة، والولي لا يملك الإقرار على مال الصبي فكيف إفادة ذلك بإذنه.
والجواب: أنه إفادة من حيث كونه من توابع التجارة والولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها م: (وكذا بموروثه) ش: أي كذا يصح إقراره بموروثه بأن أقر بشيء من تركة أبيه لإنسان م: (ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز إقراره بذلك؛ لأن صحة إقراره في كسبه لحاجته في التجارة إلى ذلك لئلا يمتنع الناس عن معاملته في التجارة وهي معدومة في الموروث.
وجه الظاهر أن الحجر لما انفك عنه بالإذن التحق بالبالغين ولهذا نفذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد الإذن تصرفه بالغبن الفاحش كالبالغين، فكان الموروث والمكتسب في صحة الإقرار سواء لكونه مالية م: (كما يصح إقرار العبد) ش: بعد الإذن لانفكاك الحجر عنه.
م: (ولا يملك تزويج عبده) ش: أي ولا يملك تزويج عبده، قيد بالعبد؛ لأن عدم جواز تزويجه بالإجماع أما في عدم تزويج أمته خلاف بين أبي حنيفة ومحمد، وبين أبي يوسف فعنده يملك تزويج أمته، لأن فيه تحصيل المال، وعندهما لا يملكه؛ لأن النكاح ليس من عقود التجارة فلا يملك كالعبد المأذون م: (ولا كتابته كما في العبد) ش: أي ولا يملك كتابة عبد أيضا كما في العبد المأذون.
فإن قيل: الأب والوصي يملكان الكتابة في عبد الصبي فينبغي أن يملكها الصبي بعد الإذن.
قلت: الإذن يتناول ما كان من صيغ التجارة، والكتابة ليست منه.
م: (والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي) ش: يعني الجواب فيه كالجواب في الصبي المميز والأنعام فيه خلاف.
وفي " الذخيرة ": المعتوه الذي يعقل البيع والشراء كالصبي إذا بلغ معتوها، أما إذا بلغ عاقلا ثم عتقه فأذن له الولي في التجارة هل يصح إذنه؟، فقال أبو بكر البلخي لا يصح إذنه قياسا، وهو قول أبي يوسف، ويصح استحسانا هو قول محمد، وهذا بخلاف ما لو أعقته الأب أو جن فإنه لا يثبت للابن الكبير ولاية التصرف في ماله إنما يثبت له ولاية التزويج لا غير.

(11/179)


يصير مأذونا بإذن الأب والجد والوصي دون غيرهم على ما بيناه وحكمه حكم الصبي والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة بمنزلة الصبي الذي يعقل؛ لأنه ناقص العقل وإن كان لا يعقل فهو مجنون، فيكون بمنزلة الصبي الذي لا يعقل.
ولو أذن المعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة ابنه كان باطلا مولى عليه فلا يلي على غيره م: (يصير مأذون بإذن الأب والوصي والجد دون غيرهم) ش: من الأقارب كالابن المعتوه م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله وذكر المولى في الكتاب ينتظم الأب والجد إلى أخذه م: (وحكمه حكم الصبي، والله أعلم) ش: أي حكم المعتوه كحكم الصبي إذا بلغ معتوها كما ذكرنا.
فوائد: موت الأب أو وصيه حجر على الصبي، كذا في شرح " الكافي "، ولو كان القاضي أذن للصبي أو المعتوه في التجارة ثم عزل القاضي أو مات فهما على إذنهما.
وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": وإذا كان للصبي أو المعتوه أب أو وصي أو جد لأب فرأى القاضي أن يأذن للصبي أو المعتوه في التجارة فأذن له وأبي أبوه فإذنه جائز، وإن كان ولاية للقاضي على الصغير مؤخر من ولاية الأب والوصي لأب الأب لا يصير عاضلا له فتنقل الولاية إلى القاضي كالولي في " باب النكاح " إذا عضل انتقلت الولاية إلى القاضي فإن حجر عليه أحد من هؤلاء بعد ذلك فحجره باطل، وإن حجر عليه هذا القاضي بعدما عزل لا يعمل لعدم ولاية القضاء، وإن حجر القاضي أو الذي قام مقامه عمل حجره، والله أعلم بالصواب.

(11/180)