البناية شرح الهداية

كتاب القسمة
قال: القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: باشرها في المغانم والمواريث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب القسمة]
[تعريف القسمة وشروطها]
م: (كتاب القسمة) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام القسمة فيكون ارتفاع الكتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز نصبه على اقرأ كتاب القسمة - أو خذه أو هاك.
وإيراده عقيب الشفعة لأن كلا منهما من نتائج النصيب الشائع، فإن أحد الشريكين إذا أراد الافتراق مع بقاء ملكه بطلب القسمة ومع عدمه باع ووجب عنده الشفعة وقدم الشفعة لأن بقاء ما كان على أصل وهي في اللغة اسم للاقتسام كالقدوة اسم للاقتداء أو الأسوة اسم للانتساء.
وقال الجوهري: القسم مصدر قسمت الشيء فانقسم، والقسم بالكسر الحظ والنصيب من الخير، وقاسمه المال فتقاسماه واقتسماه بينهما، والاسم القسمة مؤنثة. وقال السغناقي: نصيب الإنسان من الشيء، يقال: قسمت الشيء بين الشركاء وأعطيت كل شيء يده بقسمته وقسمه. وفي الشريعة جميع النصيب الشائع في مكان، وسببها طلب الشريك الانتفاع بنصيبه على الخصوص، ولهذا لو طلبها يجب على القاضي إجابته على ذلك، ذكره في " المبسوط ".
وركنها ما يحصل بها الإفراز والتمييز بين النصيبين كالمكيل في المكيلات والموزون في الموزونات، والزرع في المزروعات، والعدد في المعدودات.
وشرطها أن لا تفوت منفعته بالقسمة، ولهذا لا يقسم الحائط والحمام ونحوهما.

[القسمة في الأعيان المشتركة]
م: (قال: القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة) ش: أي قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي مشروعة بالكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28] (القمر: الآية 28) ، وقوله سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (الشعراء: الآية 155) . في قصة ناقة صالح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشريعة من قبلنا تلزمنا إذا لم يكن فيه نكير. وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] (النساء: الآية 8) ، وبالسنة أشار إليها بقوله م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - باشرها في المغانم والمواريث) ش: أي باشر القسمة، أما قسمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغنائم فقد ذكرناها في كتاب السير.

(11/398)


وجرى التوارث بها من غير نكير. ثم هي لا تعرى عن معنى المبادلة؛ لأن ما يجتمع لأحدهما بعضه كان له وبعضه كان لصاحبه فهو يأخذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما قسمة المواريث فمنها ما أخرجه البخاري عن هذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] . أقضي فيها بما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للابنة النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم.
ومنها ما أخرجه النسائي عن عبد الله بن شداد «عن ابنة حمزة قالت مات مولى لي فترك ابنة فقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف ولها النصف» وقد تكلمنا فيه مستوفى في الولاء.
ومنها ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، «عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله إن سعدا هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ادع لي أخاه"، فجاء فقال "ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي» .
ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
م: (وجرى التوارث بها) ش: أي القسمة م: (من غير نكير) ش: من أحد الأئمة، وأفاد بهذا أن الأمة أيضا أجمعت على جواز القسمة وفعلها: م: (ثم هي) ش: أي القسمة م: (لا تعرى عن معنى المبادلة) ش: أي لا تخلو عن معنى المبادلة م: (لأن ما يجتمع لأحدهما) ش: أي لأحد المتقاسمين م: (بعضه) ش: أي بعض ما يجتمع، وارتفاعه على أنه بدل من الضمير الذي في يجتمع م: (كان له وبعضه كان لصاحبه) ش:
وهو الثاني من المتقاسمين م: (فهو) ش: أي أحد المتقاسمين م: (يأخذه) ش: أي يأخذ

(11/399)


عوضا عما بقي من حقه في نصيب صاحبه، فكان مبادلة وإفرازا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك البعض الذي كان لصاحبه م: (عوضا عن ما بقي من حقه في نصيب صاحبه) ش: انتصاب عوضا على الحال من الضمير المنصوب في يأخذه م: (فكان مبادلة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تكون القسمة مبادلة حقيقة، وإنما ذكر الفعل باعتبار القسم والتقاسم م: (وإفرازا) ش: من حيث الحكم. أي تمييزا يقال: أفرزت الشيء إذا عزلته من غيره وميزته مثل فرزته وفارز شريكه أي فاصله.
اعلم أن القسمة قد تقع في أموال متغايرة ومتجانسة، أما المغايرة فمثل الدور والأراضي المختلفة والثياب والدواب وصنوف الأموال المتغايرة، ففي هذه المواضع تقع القسمة معاوضة فيها معنى الإفراز.
وأما المعاوضة فلأنه نقل حقه من محل إلى محل آخر بعوض وأما الإفراز فلأن المالك لم يحدث بالقسم، لأنه كان ثابتا قبلها، لكن على سبيل الاختلاط فهو بالقسمة يتميز عن ملكه وملك صاحبه يبين حقه في هذا المقسوم، فلما ظهر معنى المعاوضة هاهنا توقفت الصحة على اختيارهما حتى لو أراد أحدهما أن يقسم وامتنع الآخر لا يجبر عليه، لأن الجبر على المعاوضة لا يستقيم.
وأما المجانسة فمثل المكيل والموزون والدراهم والدنانير، فإن معنى الإفراز ظاهر هنا، لأن ما صار له بالقسمة لا يغاير ما كان له قبل ذلك، فصار كأنه عين حقها لاستوائهما في تعلق المصالح والأعراض بهما، ولهذا يأخذ أحد الشريكين نصيبه حال غيبة الآخر.
وكذا يبيع أحدهما نصيبه في غيبة الآخر. وكذا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة إذا اشتراه ثم اقتسماه.
بخلاف الأشياء المتغايرة حيث لا يأخذ أحدهما نصيبه في عين الآخر، وكذا لا يبيعه مرابحة. وفي " الفتاوى الصغرى " القسمة ثلاثة أنواع، قسمة لا يجبر الآبي كقسمة الأجناس المختلفة. وقسمة يجبر في ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات، وقسمة يجبر الآبي في غير المثليات كالثياب من نوع واحد والبقر والغنم. والخيارات ثلاثة: خيار شرط، وخيار عيب، وخيار رؤية.
ففي قسمة الأجناس المختلفة ثبت الخيارات أجمع، وقسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات فإنه يثبت خيار العيب، وهل يثبت خيار الرؤية والشرط، على رواية أبي سليمان يثبت وهو الصحيح وعليه الفتوى، وعلى رواية أبي حفص لا يثبت.

(11/400)


والإفراز هو الظاهر في المكيلات والموزونات لعدم التفاوت، حتى كان لأحدهما أن يأخذ نصيبه حال غيبة صاحبه. ولو اشترياه فاقتسماه يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بنصف الثمن. ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض للتفاوت، حتى لا يكون لأحدهما أخذ نصيبه عند غيبة الآخر. ولو اشترياه فاقتسماه لا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة، إلا أنها إذا كانت من جنس واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كيفية القسمة في المكيلات والموزونات]
م: (والإفراز هو الظاهر في المكيلات) ش: أي معنى الإفراز والتمييز هو الظاهر في المكيلات م: (والموزونات لعدم التفاوت) ش: أي في أبعاض المكيلات والموزونات، لأن ما يأخذه مثل حقه صورة ومعنى، فأمكن أن يحصل عين حقه، ولهذا جعل عين حقه في الفرض وقضاء الدين م: (حتى كان لأحدهما أن يأخذ نصيبه حال غيبة صاحبه) ش: لأنه يأخذ عين حقه فلا يتوقف على حضور الآخر.
م: (ولو اشترياه) ش: أي لو اشترى الشريكان شيئا من المكيلات أو الموزونات م: (فاقتسماه يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بنصف الثمن) ش: لأن نصيبه عين ما كان مملوكا له قبل القسمة م: (ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض للتفاوت) ش: في الأصل م: (حتى لا يكون لأحدهما أخذ نصيبه عند غيبة الآخر) ش: لأن ما يصيب كل واحد منهما نصفه مما كان مملوكا ونصف عوضا عما أخذه صاحبه من نصيبه.
فإن قلت: أليس أنهما لو اقتسما أرضا أو دارا أو بنى أحدهما في نصيبه ثم استحق ما بنى فيها ونقض بناه كأنه لا يرجع على صاحبه بقيمة البناء. ولو كانت مبادلة لصار مفروزا فيرجع.
قلت: كل واحد منهما يضطر في هذه المبايعة لإحياء حقه، وفي مثل هذا لا يظهر الغرور.
م: (ولو اشترياه فاقتسماه) ش: أي لو اشترى الإنسان شيئا من الحيوانات أو العروض ثم اقتسماه م: (لا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة) ش: لما ذكرنا أن ما يصيب كل واحد منهما نصفه فيما كان مملوكا، ونصفه عوضا عما أخذه صاحبه من نصيبه. وعند الشافعي وأحمد القسمة إفراز في الكل، وعن الشافعي يبيع في الكل. وعند مالك فيما اتخذ جنسا وصفة إفرازا في غير مبادلة.
م: (إلا أنها إذا كانت من جنس واحد) ش: هذا جواب سؤال يرد على قوله معنى المبادلة وهو الظاهر بأن يقال لو كان الرجحان للمبادلة ينبغي للقاضي أن لا يجبر الآبي عن القسمة في غير ذوات الأمثال، كما لا يجبر على بيع ماله فقال إلا أنها، أي أن الأموال إذا كانت من جنس واحد.

(11/401)


أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لأن فيه معنى الإفراز لتقارب المقاصد والمبادلة مما يجري فيه الجبر كما في قضاء الدين. وهذا لأن أحدهم بطلب القسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته، وإن كانت أجناسا مختلفة لا يجبر القاضي على قسمتها لتعذر المعادلة باعتبار فحش التفاوت في المقاصد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لأن فيه معنى الإفراز لتقارب المقاصد) ش: باتحاد الجنس، فإن المقصود من الشاة مثل اللحم ولا يتفاوت كثيرا، ومن الفرس الركوب كذلك. والطالب للقسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه، ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته م: (والمبادلة بما يجري فيه الجبر) ش: هذا أيضا جواب عن إشكال، يعني لم قلتم إنها تتضمن معنى المبادلة فكيف يجبر فأجاب بأن المبادلة مما يجري فيه الجبر مقصودا م: (كما في قضاء الدين) ش: فإن المديون يجبر على القضاء من أن الديون تقضى بأمثالها. فصار ما يؤدى بدلا عما في ذمته، وهذا جبر في المبادلة وقد جاز فلأن يجوز فيما لا قصد فيها إليه أولى.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء م: (لأن أحدهم بطلب القسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته) ش: دفعا للضرر عنه، لأنه نصب لدفع الظلم وإيصال الحق إلى المستحق م: (وإن كانت أجناسا مختلفة) ش: أي وإن كانت الأعيان المشتركة أجناسا مختلفة كالمعز والغنم والبقر والإبل م: (لا يجبر القاضي على قسمتها لتعذر المعادلة باعتبار فحش التفاوت في المقاصد) .
ش: والحاصل أن الأعيان المشتركة لا تخلو إما أن تكون من جنس واحد أو أجناس مختلفة. فالأول لا يخلو أما إن كانت مما يجري فيه الربا كالمكيل والموزون أو لا كالحيوانات والقاضي يجبر عند طلب أحدهما في هذين الوجهين بعد أن كانا من جنس واحد، لأن الآبي متعنت، هذا إذا كانت المنفعة بعد القسمة تبقى.
أما إذا لمن تبق بل تتضرر كل واحد لا يقسمه بغير التراضي كالحمام والبيت الصغير والحائط ونحو ذلك مما يحتاج إلى الشق والقطع، وبه قالت الثلاثة، وعند التراضي روايتان، في رواية لا بأس للقاضي أن يشق بإذنهما. وفي رواية لا يلي ذلك بنفسه بل يفوض إليهما. وإن كانت من أجناس مختلفة وطلب أحدهما فلا يقسمها بغير التراضي، كذا في " شرح الطحاوي ".

(11/402)


ولو تراضوا عليها جاز؛ لأن الحق لهم.
قال: وينبغي للقاضي أن ينصب قاسما يرزقه من بيت المال ليقسم بين الناس بغير أجر، لأن القسمة من جنس عمل القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة، فأشبه رزق القاضي، ولأن منفعة نصب القاسم تعم العامة فتكون كفايته في مالهم غرما بالغنم،
قال: فإن لم يفعل نصب قاسما يقسم بالأجر، معناه بأجر على المتقاسمين؛ لأن النفع لهم على الخصوص ويقدر أجر مثله كيلا يحكم بالزيادة. والأفضل أن يرزقه من بيت المال، لأنه أرفق بالناس وأبعد عن التهمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو تراضوا عليها) ش: أي على القسمة عند اختلاف الأجناس م: (جاز؛ لأن الحق لهم) ش: لأن القسمة فيها مبادلة كالتجارة والتراضي في التجارة شرط في النص.

[تنصيب القاضي قاسما]

[شروط القاسم]
م: (قال: وينبغي للقاضي أن ينصب قاسما) ش: أي قال القدوري والقاسم: فاعل من قسم الدراهم يقسم من باب ضرب يضرب م: (يرزقه من بيت المال) ش: من رزق الأمير الجند إذا أعطاهم ما يكفيهم، والرزق بالكسر ما ينتفع به، والجمع الأرزاق بالفتح المصدر من رزق يرزق ومن ضرب يضرب م: (ليقسم بين الناس بغير أجر) ش: أي يؤخذ منهم م: (لأن القسمة من جنس عمل القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة) ش:.
أي بالقسمة، وتذكير الضمير باعتبار القسم م: (فأشبه رزق القاضي) ش: أي فأشبه رزق القاسم رزق القاضي، حيث يأخذ كل منهما في مقابلة قطع المنازعة وفصل الخصومة م: (لأن منفعة نصب القاسم تعم العامة فتكون كفايته في مالهم) ش: أي في مال العامة وهو بيت مال المسلمين م: (غرما بالغنم) ش: أي لأجل الغرم بمقابلة الغنم، فانتصابه على التعليل.

م: (قال: فإن لم يفعل) ش: أي قال القدوري: أي إن لم ينصب القاضي قاسما يرزقه من بيت المال م: (نصب قاسما يقسم بالأجر، معناه بأجر على المتقاسمين) ش:.
فإن قلت: القسمة لما التحقت بالقضاء وأخذ الأجر عليه لا يجوز، فكذا عليها.
قلت: القضاء فرض بعد التحمل، بخلاف القسمة، فجاز أخذ الأجر عليها م: (لأن النفع لهم على الخصوص) ش: أي لأن النفع حاصل للمتقاسمين على الخصوصية، فكذا الأجر عليهم.
م: (ويقدر أجر مثله) ش: أي يقدر القاضي أجر مثل القاسم م: (كيلا يحكم بالزيادة) ش: أي بزيادة الأجر على قدر عمله م: (والأفضل أن يرزقه من بيت المال؛ لأنه أرفق الناس وأبعد عن التهمة) ش: أي تهمة الميل إلى أحد المتقاسمين بسبب ما يعطيه بعض الشركاء زيادة. وقال تاج الشريعة: لأنه متى يصل إليه أجر عمله على كل حال يمهل بأخذ الرشوة إلى البعض.

(11/403)


ويجب أن يكون عدلا مأمونا عالما بالقسمة، لأنه من جنس عمل القضاء، ولأنه لا بد من القدرة وهي بالعلم ومن الاعتماد على قوله وهو بالأمانة ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد، معناه لا يجبرهم على أن يستأجروه؛ لأنه لا جبر على العقود، ولأنه لو تعين لتحكم بالزيادة على أجر مثله. ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز. إلا إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي، لأنه لا ولاية لهم عليه. قال: ولا يترك القسام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فكان هذا أرفق بالناس وأبعد عن التهمة. وفي " أدب القاضي " للصدر الشهيد لا يجوز للقاضي أخذ الأجرة على القسمة لأنها واجبة عليه، والقاسم يجوز.
وفي " الذخيرة " يجوز للقاضي أخذ أجرة القسمة، لأن القسمة ليست بقضاء حقيقة، حتى لا يجب على القاضي مباشرتها، وإنما عليه جبر الآبي على القسمة إلا إن شابهها بالقضاء من حيث إنها تستفاد بولاية القاضي حتى ملك جبر الآبي دون غيره، فمن هذا الوجه لا يستحب له أخذها، وبه قال الثلاثة إذا لم يكن للقاضي من بيت المال رزق.

م: (ويجب أن يكون) ش: أي القاسم م: (عدلا مأمونا عالما بالقسمة لأنه من جنس عمل القضاء) ش: لأن القاضي يحتاج إلى تمييز الحقوق إلى قبول قوله، فيشترط فيه العدالة كالشاهد، وإنما ذكر الأمانة فإن كانت من لوازمها لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة م: (ولأنه لا بد من القدرة) ش: على القسمة م: (وهي) ش: أي القدرة عليها يكون.
م: (بالعلم ومن الاعتماد على قوله) ش: أي ولا بد من الاعتماد على قول القاسم في تمييز الحقوق كما ذكرنا م: (وهو بالأمانة) ش: أي الاعتماد على قوله يكون بالأمانة بأنه مأمون. م: (ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري هذا م: (لا يجبرهم على أن يستأجروه) ش: أي لا يجبر القاضي المتقاسمين على استئجار قاسم معين م: (لأنه لا جبر على العقود) ش: لأن الحق لهم، فإذا رضوا بمن يتولى حقهم جاز كما في سائر الحقوق. م: (ولأنه لو تعين) ش: أي ولأن القاسم الواحد لو تعين م: (لتحكم بالزيادة على أجر مثله) ش: وفيه ضرر عليهم ولا ضرر في الإسلام.
م: (ولو اصطلحوا) ش: أي الشركاء م: (فاقتسموا) ش: أي بدون رفع الأمر إلى القاضي م: (جاز) ش: لأن في القسمة معنى المعاوضة فتثبت بالتراضي كما في سائر المعاوضات م: (إلا إذا كان فيهم صغير) ش: أي في الشركاء، أو مجنون أو غائب م: (فيحتاج إلى أمر القاضي لأنه لا ولاية لهم عليه) ش: أي على الصغير.
م: (قال: ولا يترك القسام) ش: أي لا يترك القاضي القسام: وهو بضم القاف جمع قاسم

(11/404)


يشتركون كيلا تصير الأجرة غالية بتواكلهم، وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم إليه خيفة الفوت فيرخص الأجر.
قال: وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: على قدر الأنصباء، لأنه مؤنة الملك، فيتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان وحفر البئر المشتركة ونفقة المملوك المشترك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالزُّرَّاع جمع زارع، ويجوز رفع القسام بإسناده إلى الفصل المجهول، أي لا يتركون م: (يشتركون كيلا تصير الأجرة غالية بتواكلهم) ش: وهو أن يكمل بعضهم الأمر إلى بعض.
الحاصل أن القاضي لا يخلي شركتهم، بحيث لا يتجاوز الأمر القسمة عنهم إلى غيرهم، لأنهم في ذلك يكملون الأجر زيادة على أجر المثل فيتضرر به المتقاسمين، بل يقول: استدانت بالقسمة بلا مشاركة، فكذا في كل واحد م: (وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم) ش: أي من القسام م: (إليه خيفة الفوت) ش: أي في القسمة، والتذكير باعتبار القسم، وانتصاب خيفة على التعليل، أي لأجل خوف الأجر م: (فيرخص الأجر) ش: على المتقاسمين.

[أجرة القسمة]
م: (قال: وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: وقال مالك: وكذا ذكر أبو القاسم بن الجلاب البصري، صورتها دار بين ثلاثة لأحدهم النصف. وللآخر الثلث، وللثالث السدس فاستأجروا قاسما بأجر معلوم فقسمها بينهم. قال أبو حنيفة: الأجرة عليهم أثلاثا على كل واحد منهم.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: على قدر الأنصباء) ش: فيكون على صاحب النصف نصف الأجرة، وعلى صاحب الثلث ثلثها، وعلى صاحب السدس سدسها، وبه قال الشافعي وأحمد وأصبغ المالكي في " مختصر الأسرار ". قال أبو حنيفة: القسام على عدد الرؤوس دون الأنصباء إلا في المكيل والموزون، فإنها تكون على قدر الأنصباء.
وفي " الكافي " للحاكم الشهيد قال أبو حنيفة: الأجر على عدد الرؤوس، فإن كان نصيبه أقل من نصيب صاحبه وقال: لعل النصيب القليل أشد حسابا من النصيب الكثير م: (لأنه) ش: أي لأن الأجر.
م: (مؤنة الملك فيتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان) ش: في المال المشترك بأن استأجروا الكيال ليفعل المكيل، أو الوزان ليفعل الموزون فيما هو مشترك بينهم م: (وحفر البئر المشتركة ونفقة المملوك المشترك) ش: فإن المؤنة فيهما على قدر الأنصباء.
وكذلك إذا استأجروا رجلا لبناء جدار أو لبطن سطح بينهم فإن الأجر على التفاوت.

(11/405)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأجر مقابل بالتمييز، وأنه لا يتفاوت، وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل، وقد ينعكس الأمر فيتعذر اعتباره، فيتعلق الحكم بأصل التمييز، بخلاف حفر البئر؛ لأن الأجر مقابل بنقل التراب وهو يتفاوت، والكيل والوزن إن كان للقسمة قيل: هو على الخلاف، وإن لم يكن للقسمة فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن، وهو يتفاوت وهو العذر لو أطلق ولا يفصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأجر مقابل بالتمييز) ش: لأن المعقود عليه التمييز م: (وأنه) ش: أي التمييز م: (لا يتفاوت) ش: تحقيق هنا أن القسم لا يستحق الأجر بالمسامحة ومد الأطناب والمشي على الحدود، لأنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب الأجر، كما إذا قسم بنفسه. فدل على أن الأجرة في مقابلة القسمة م: (وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل) .
ش: لأن الحساب يدق بتفاوت الأنصباء، ويزداد بقلة الأنصباء أو أقل تمييز يصعب صاحب القليل أشق م: (وقد ينعكس الأمر) ش: بأن يكون حساب نصيب صاحب الكثير أشق لكسور وقعت فيه م: (فيتعذر اعتباره) ش: أي اعتبار كل واحد من قليل الملك وكثيره م: (فيتعلق الحكم بأصل التمييز) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيتعلق الحكم بأصل التمييز، ولأنه لا يتفاوت، لأن القليل والكثير فيه سواء كما كان في السفر كما كان في المشقة حقا أدير الحكم على نفس السفر.
م: (بخلاف حفر البئر لأن الأجر مقابل بنقل التراب وهو يتفاوت) ش: أي نقل التراب يتفاوت بتفاوت العمل بالقلة والكثرة م: (والكيل والوزن إن كان للقسمة، قيل هو على الخلاف) ش: هذا جواب عما يقال كأجرة الكيال والوزان، يعني إن كان الكيل أو الوزن لأهل القسمة، قيل هو على المذكور، فيكون الكيال والوزان بمنزلة القسام.
م: (وإن لم يكن للقسمة) ش: بأن اشتريا مكيلا أو موزونا وأمر إنسانا بكيله يصير المكيل معلوم القدر م: (فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن وهو يتفاوت) ش: أي عمل الكيل والوزن يتفاوت. فيكون الأجر على قدر الأنصباء، لأن الأجر استحق بأن فعل المكيل من غير اعتبار إفراز، وفعل المكيل يتقدر بقدر المكيل فيتفاوت البدل أيضا، كذا في " الأسرار ".
م: (وهو العذر لو أطلق) ش: أي التفاوت هو العذر، أي الجواب عن قياسهما على أجر الكيال والوزان لو كان الأجر يجب ثمنه مطلقا بلا تفصيل على قدر الأنصباء، فإن كيل الكبير أشق وأصعب لا محالة من القليل، وكذلك الوزن بخلاف القسام، فإن القسمة إفراز، والشريكان فيه سواء، فإن إفراز القليل فرز الكثير لا محالة وبالعكس م: (ولا يفصل) ش: تالله لقوله لو أطلق أي لو أراد أجر المسألة على الطلاق من غير أن يفصل القسمة أو ليس

(11/406)


وعنه: أنه على الطالب دون الممتنع لنفعه ومضرة الممتنع.
قال: وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته، وقال صاحباه: يقسمها باعترافهم، ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للقسمة والعذر. أي الفرق أن هناك إنما استوجب للأجر بعمله في الكيل والوزن أن يرمي أنه لو استعان في ذلك بالشركاء، لأن كل عاقل يعرف أنه كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة. فلهذا كانت الأجرة عليها بقدر الملك. بخلاف القسام.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الأجر م: (على الطالب) ش: أي على طالب القسمة م: (دون الممتنع) ش: من القسمة م: (لنفعه) ش: أي لنفع الطالب م: (ومضرة الممتنع) ش: لأنه امتنع لضرر يلحقه، فلا تلزم الأجرة من لا منفعة له. وقال الأقطع: روى الحسن عن أبي حنيفة أن الأجر على الطالب للقسمة دون الممتنع. وقال أبو يوسف عليهما. وفي " الهداية " وقال عليها، وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وفي " النوازل " سئل أبو جعفر عن أهل قرية غرمها الملك فأرادوا أن يقسموا فيما بينهم. قال يقسم على عدد الرؤوس.
وقال بعضهم: يقسم على قدر الأملاك. قال الفقيه: إن كانت الغرامة لتحصين أموالهم قسم ذلك على قدر أملاكهم وإن كانوا غرموا لتحصين الأبدان قسم على قدر رؤوسهم التي يتعرض لهم، ولا شيء على النساء والصبيان، لأنه لا يتعرض لهم لأنه مؤنة الناس.

م: (قال: وإذا حضر الشركاء عند القاضي) ش: أي قال القدوري وإذا حضر الشركاء عند القاضي م: (وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته) ش: أي موت فلان، وكمية الورثة، قيد بقوله: دارا وضيعة، لأنه لو كان في أيديهم عروض أو شيء مما ينقل القسم بإقرارهم أنه ميراث بالاتفاق قيد بالإرث لأنهم لو ادعوا شراء من غائب قسم بينهم بإقرارهم بالاتفاق في رواية الأصل على ما ذكر في الكتاب.
م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يقسمها باعترافهم) ش: أي بإقرارهم بدون بينة لئلا يكون حكمه متعديا إلى غيرهم، وبه قالت الثلاثة عن الشافعي لا يقسم إلى الجميع بلا بينة للاحتياط. م: (ويذكر) ش: أي القاضي م: (في كتاب القسمة) ش: أي في صك القسمة م: (أنه قسمها بقولهم) ش: أي بقول الشركاء م: (وإن

(11/407)


كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمة في قولهم جميعا. ولو ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمة بينهم. لهما: أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم فيقسمه بينهم كما في المنقول الموروث والعقار المشترى، وهذا لأنه لا منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد. إلا أنه يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بإقرارهم ليقتصر عليهم ولا يتعداهم. وله: أن القسمة قضاء على الميت إذ التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة، حتى لو حدثت الزيادة قبلها تنفذ وصاياه فيها ويقضي ديونه منها، بخلاف ما بعد القسمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان المال المشترك ما سوى العقار)
ش: كالعروض والحيوانات ونحوهما مما ينقل م: (وادعوا أنه ميراث قسمة في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه م: (ولو ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمة بينهم) ش: هذا لفظ القدوري. قال في " شرح الأقطع " هكذا ذكره محمد في "كتاب القسمة". وذكر في " الجامع الصغير " أنه لا يقسم حتى يقيموا البينة على الملك لأنهم اعترفوا بالملك طبائع وادعوا انتقاله إليهم فلا يقبل إلا ببينة كما لو ادعوا الميراث.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم) ش:.
أي في الظاهر م: (فيقسمه بينهم كما في المنقول الموروث والعقار المشترى وهذا) ش: أي جواز القسمة بإقرارهم بدون البينة م: (لأنه لا منكر) ش: أي لأن الشأن لا منكر هاهنا م: (ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد) ش: أي البينة، يعني فلا يكون طلب البينة بلازم م: (إلا أنه يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بإقرارهم ليقتصر عليهم ولا يتعداهم) ش: أي ولا يتعدى حكمه إلى غير الشركاء الحاضرين.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن القسمة قضاء على الميت إذا كانت التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة) ش: أي على ملك الميت م: (حتى لو حدثت الزيادة قبلها) ش: أي قبل القسمة بأن كانت الوصية جارية لفلان مثلا فولدت قبل القسمة م: (تنفذ وصاياه فيها) ش: أي في الزيادة حتى ينفذ الوصية فيهما عن الثلث كأنه أوصى بهما م: (ويقضي ديونه منها) ش: أي من الزيادة تنفذ الوصية فيهما بقدر الثلث كأنه أوصى بهما م: (بخلاف ما بعد القسمة) ش: فإن الزيادة للموصى له.
وفي " جامع قاضي خان " ومن أوصى بجارية لرجل ومات فولدت ولدا أو اكتسبت كان الولد والكسب لورثة الميت، وإن حدثت الزيادة بعد القسمة يكون للموصى له، وإن كانت الزيادة مع الجارية لا يخرج من الثلث.

(11/408)


وإذا كانت قضاء على الميت فالإقرار ليس بحجة عليه، فلا بد من البينة وهو مفيد؛ لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن المورث، ولا يمتنع ذلك بإقراره كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين، فإنه يقبل البينة عليه مع إقراره، بخلاف المنقول؛ لأن في القسمة نظرا للحاجة إلى الحفظ. أما العقار فمحصن بنفسه، ولأن المنقول مضمون على من وقع في يده ولا كذلك العقار عنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كانت قضاء على الميت) ش: أي وإذا كانت القسمة قضاء على الميت ذكر الفعل باعتبار القسم م: (فالإقرار ليس بحجة عليه) ش: يعني إقرارهم ليس بحجة على الميت، لأنه حجة قاصرة م: (فلا بد من البينة) ش: ليست به القضاء على الميت م: (وهو مفيد) ش: أي البينة مفيد على تأويل قيام البينة مفيد.
وهذا جواب عن قولهما لأنه منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد فقال: بل يفيد م: (لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن الموروث) ش: فيكون مدعى عليه لأن أحدهم يجعل مدعيا والآخر مدعى عليه م: (ولا يمتنع ذلك بإقراره) ش: أي لا يمتنع كونه خصما بسبب إقراره.
وهذا جواب عما يقال كل منهما مقر بدعوى صاحبه، والمقر لا يصح خصما للمدعى عليه فقال لا يمتنع ذلك بإقراره لجواز اجتماع الإقرار مع كونه خصما م: (كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين، فإنه تقبل البينة عليه مع إقراره) ش:.
أي على كل واحد من الوارث والوصي مثلا إذا ادعى على الميت دينا وأقر به وارثه أو وصيه يكلف إقامة البينة. وينتصب الوارث أو الوصي خصما للمدعى عليه فقال: لا يمتنع ذلك بإقراره لجواز اجتماع الإقرار مع كونه خصما له وإن كان مقرا.
م: (بخلاف المنقول) ش: جواب عن قولهما كما في المنقول المورث، وأجاب عن ذلك بوجهين، الأول: هو قوله م: (لأن في القسمة نظرا للحاجة إلى الحفظ) ش: لأن العروض يخشى عليها من التوى والتلف، وفي القسمة تحصين وحفظ لها وذا لا يوجد في العقار، أشار إليه بقوله: أما العقار محصن بنفسه فلا يخشى عليه من التوى.
والثاني: هو قوله ولا كذلك العقار عنده، أي عند أبي حنيفة لأنه مضمون على من ثبت يده، أشار إليه بقوله م: (أما العقار فمحصن بنفسه) ش: فلا يخشى عليه من التوى.
وقوله م: (ولأن المنقول مضمون على من وقع في يده) ش: بعد القسمة، يعني يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم، ففي جعل ذلك مضمونا عليهم بعد القسمة نظرا للميت، وذا لا يوجد في العقار، لأنه مضمون على من أثبت يده عند أبي حنيفة. وهذا معنى قوله م: (ولا كذلك العقار عنده) ش: أي عند أبي حنيفة.

(11/409)


وبخلاف المشتري لأن المبيع لا يبقى على ملك البائع، وإن لم يقسم فلم تكن القسمة قضاء على الغير. قال: وإن ادعوا الملك ولم يذكر كيف انتقل إليهم قسمه بينهم، لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم.
وهذه رواية كتاب القسمة. وفي " الجامع الصغير ": أرض ادعاها رجلان وأقاما البينة أنها في أيديهما وأرادا القسمة لم يقسمها حتى يقيما البينة أنها لهما لاحتمال أن يكون لغيرهما، ثم قيل: هو قول أبي حنيفة خاصة، وقيل: هو قول الكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبخلاف المشتري) ش: جواب عن قولهما والعقد المشترى، تقريره أن العقار المشترى لأن القسمة فيه باعتبار ظاهر اليد، فلا يكون استحقاقا على الغير م: (لأن المبيع لا يبقى على ملك البائع. وإن لم يقسم فلم تكن القسمة قضاء على الغير) ش: وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول لا يقسمها بلا بينة كما في الميراث.
م: (قال: وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل) ش: أي قال القدوري لم يذكروا سبب الانتقال م: (إليهم) ش: في الشراء والإرشاد غيرهما م: (قسمه بينهم؛ لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير، فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم) ش: لأن كل من في يده شيء فالظاهر أنه له فيقبل قولهم في القسمة.

م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه رواية كتاب القسمة) ش: أي قال صاحب " الهداية " هذا الذي ذكره القدوري بقوله: وإن ادعوا الملك.. إلخ كتاب القسمة من " المبسوط، وسياق " الجامع الصغير " على خلاف ذلك، أشار إليه بقوله م: (وفي " الجامع الصغير ": أرض ادعاها رجلان وأقاما البينة أنها في أيديهما وأرادا القسمة لم يقسمها حتى يقيما البينة أنها لهما) ش: أي أن الأرض لهما، أي ملكهما م: (لاحتمال أن يكون لغيرهما) ش: لأنهما لم يذكرا السبب، واحتمل أن يكون ميراثا فيكون ملكا للغير، ويحتمل أن يكون مشترى فيكون ملكا لهما فلا يقسم احتياطا.
م: (ثم قيل: هو قول أبي حنيفة خاصة) ش: أي المذكور في " الجامع الصغير " وهو قوله: لا يقسمها حتى يقيم البينة على الملك قول أبي حنيفة خاصة لا قولهما، لأن عند أبي حنيفة الميراث لا يقسم بدون البينة وهذا العقار يحتمل أن يكون موروثا كما ذكرنا. وعندهما يقسم في الميراث بدون البينة فهاهنا أولى م: (وقيل: هو قول الكل) ش: أي قيل المذكور في " الجامع الصغير " قول أبي حنيفة وصاحبيه جميعا، وإليه مال فخر الإسلام في "شرحه".
وقال تاج الشريعة: قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الوضع، فموضع كتاب القسمة فيما إذا ادعيا الملك ابتداء، وموضع " الجامع الصغير " فيما إذا ادعيا لليد ابتداء، وبيانه أنهما لما

(11/410)


وهو الأصح؛ لأن قسمة الحفظ في العقار غير محتاج إليه، وقسمة الملك تفتقر إلى قيامه ولا ملك فامتنع الجواز.
قال: وإذا حضر وارثان وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم ومعهم وارث غائب قسمها القاضي بطلب الحاضرين، وينصب وكيلا يقبض نصيب الغائب، وكذا لو كان مكان الغائب صبي يقسم وينصب وصيا يقبض نصيبه، لأن فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ادعيا الملك ابتداء واليد ثابتة ومن في يده شيء يقبل قوله إنه ملكه ما لم ينازعه غيره. إذ الأصل أن الأملاك في يد المالك، فيعتبر هذا الظاهر، وإن احتمل أن يكون ملك الغير لأنه احتمال بلا دليل.
فيقسم بينهما بناء على الظاهر، أما إذا ادعيا اليد وأعرضا عن ذكر الملك مع حاجتهما إلى بيانه لأنهما طلبا القسمة من القاضي والقسمة في العقار لا تكون إلا لمالك، فلما سكتا عنه دل على أن الملك ليس لهما فيتأكد ذلك لاحتمال السابق، فلا يقبل قولهما بعد ذلك إلا بإقامة البينة ليزول هذا الاحتمال، وهذا معنى قوله لاحتمال أن يكون لغيرهما.
م: (وهو الأصح) ش: أي المذكور أنه قول الكل هو الأصح م: (لأن قسمة الحفظ في العقار غير محتاج إليه) ش: أراد بهذا أن القسمة نوعان، قسمة بحق الملك لتكميل المنفعة، وقسمة بحق اليد لأجل الحفظ والصيانة. والثاني في العقار غير محتاج إليه فتعين قسمة الملك م: (وقسمة الملك تفتقر إلى قيامه ولا ملك) ش: أي قيام الملك لا ملك بدون البينة م: (فامتنع الجواز) ش: أي جواز القسمة.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا حضر الوارثان) ش: في إثبات إلى القاضي م: (وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم) ش: أي والحال أن الدار في أيديهم، وكان ينبغي أن يقول في أيديهما، لأن المذكور التثنية، ولكن فيها معنى الجمع، وهذا أحسن من أن يقال قوله في أيديهم ومعهم وارث وقع سهوا من الناسخ، والصحيح في أيديهما لأنهما لو كانت في أيديهم لكان البعض في يد الغائب ضرورة.
وقد ذكر بعد هذا في الكتاب، وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم، وقيل الصحيح أنه يقال في أيديهما ومعهما على وجه هكذا بخط بعض الثقات م: (ومعهم وارث غائب) ش: أي ومعهما وارث. وقد قلنا: إن في التثنية معنى الجمع م: (قسمها القاضي بطلب الحاضرين) ش: بفتح الراء تثنية حاضر م: (وينصب وكيلا ويقبض نصيب الغائب) ش: أي ينصب القاضي وكيلا لأجل قبض نصيب الغائب نظرا له.
م: (وكذا لو كان مكان الغائب صبي يقسم وينصب وصيا يقبض نصيبه، لأن فيه) ش: أي في

(11/411)


نظرا للغائب والصغير، ولا بد من إقامة البينة في هذه الصورة عنده أيضا، خلافا لهما كما ذكرناه من قبل. ولو كانوا مشتريين لم يقسم مع غيبة أحدهم. والفرق أن ملك الوارث ملك خلافه حتى يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب فيما اشتراه المورث أو باع، ويصير مغرورا بشراء المورث فانتصب أحدهما خصما عن الميت فيما في يده، والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين.
أما الملك الثابت بالشراء ملك مبتدأ ولهذا لا يرد بالعيب على بائع بائعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نصيب كل واحد من الوكيل والوصي م: (نظرا للغائب والصغير) ش: وكذا لو كان مجنونا م: (ولا بد من إقامة البينة في هذه الصورة أيضا عنده) ش: أي لا بد من إقامة البينة على الوفاة وعدد الورثة فيما إذا كان مكان الغائب صبي عند أبي حنيفة كما إذا كان معهم وارث غائب م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد.
م: (كما ذكرنا من قبل) ش: وهو قوله لم يقسمها حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته. وقال صاحباه يقسم باعترافهم م: (ولو كانوا مشتريين لم يقسم مع غيبة أحدهم) ش: هذا لفظ القدوري، يعني لم يقسم وإن أقاموا بينة.
م: (والفرق) ش: في دعوى الإرث إذا أقاموا البينة يقسم مع غيبة أحدهم، وفي دعوى الشراء لا يقسم مع غيبة أحدهم وإن أقام البينة على الوفاة وعلى الورثة م: (إن ملك الوارث ملك خلافه حتى يرد) ش: أي الوارث م: (بالعيب ويرد عليه) ش: أي على بائع المورث م: (بالعيب فيما اشتراه المورث) ش: بكسر الراء وهو الميت م: (أو باع ويصير) ش: أي الوارث م: (مغرورا بشراء المورث) ش: حتى لو اشترى جارية فمات فاستولدها الوارث فاستحقت يصير الوارث مغرورا ويكون الولد حرا بالقيمة يرجع بها الوارث على البائع كالمورث في حياته م: (فانتصب أحدهما) ش: أي أحد الحاضرين م: (خصما عن الميت فيما في يده، والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين) ش: أنه لو ادعى رجل على ميت شيئا وأقام البينة على أحد الورثة يقبل ويظهر الحكم في حق الحاضر والغائب.
والمعنى فيه ما ذكره من قوله: إن ملك الوارث بطريق الخلافة فيكون الوارث قائما مقام المورث فيكون إقامة البينة على الوارث إقامة على المورث. ولو أقيمت البينة على المورث حقيقة يظهر في حق الغائب والحاضر جميعا، فكذا إذا أقيمت البينة حكما.

م: (أما الملك الثابت بالشراء ملك مبتدأ) ش: أي ملك جديد، أراد أن الثابت أن كل واحد منهم ملك جديد بسبب باشره في نصيبه م: (ولهذا) ش: أي ولكون الثابت بالشراء مبتدأ م: (لا يرد) ش: أي المشتري م: (بالعيب على بائع بائعه) ش: لأن بائع البائع ليس بقائم مقام البائع.

(11/412)


فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب فوضح الفرق. وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم. وكذا إذا كان في يد مودعه. وكذا إذا كان في يد الصغير. لأن القسمة قضاء على الغائب والصغير باستحقاق يدهما من غير خصم حاضر عنهما، وأمين الخصم ليس بخصم عنه فيما يستحق عليه. والقضاء من غير خصم لا يجوز، ولا فرق في هذا الفصل بين إقامة البينة وعدمها هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب) ش: أي إذا كان كذلك لا يصلح الحاضر من المشترين خصما عن الغائب منهم، فإذا لم يكن خصما عنه كانت البينة في حق الغائب قائمة بلا خصم فلا يقبل م: (فوضح الفرق) ش: أي ظهر الفرق بين مسألة الإرث ومسألة الشراء م: (وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم) ش: أي من العقار، وهذا أيضا من لفظ القدوري إلا قوله أو شيء منه فإنه من لفظ صاحب " الهداية "، لأن القسمة فيها استحقاق يد الغائب ولا يجوز ذلك من غير خصم حاضر عنه.
م: (وكذا إذا كان في يد مودعه) ش: أي وكذا لا يقسم إذا كان العقار في يد مودع الغائب، لأن المودع أمين فلا يكون خصما فيما يستحق عليه.
م: (وكذا إذا كان في يد الصغير) ش: أي وكذا لا يقسم إذا كان العقار في يد الصغير أو شيء منه في يده م: (لأن القسمة قضاء على الغائب والصغير باستحقاق يدهما من غير خصم حاضر عنهما) ش: أي عن الغائب والصغير، فإذا لم يكن الخصم حاضرا لا يجوز لما ذكرنا م: (وأمين الخصم ليس بخصم) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لم يجوز أن يكون المودع خصما لكون العين في يده؟ فأجاب بأنه أمين الخصم.
م: (عنه) ش: أي عن الخصم م: (فيما يستحق عليه) ش: أي على الخصم، لأنه جعل أمينا في الحفظ لا غير، فيكون القول بالقسمة قوله م: (والقضاء من غير خصم لا يجوز) ش: وهو معنى قوله فالقضاء من غير خصم لا يجوز، لأنه لا بد من كون المدعى عليه خصما كما عرف في بابه.
م: (ولا فرق في هذا الفصل بين إقامة البينة وعدمها) ش: أي فيما إذا كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه، يعني لا يقسم القاضي وإن أقام الحاضر البينة على الوفاة وعدد الورثة م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى الكرخي في "مختصره" عن أبي يوسف فقال: وقال أبو يوسف: إن كانت الدار في يد الغائب أو في يد الصغير أو في أيديهما منه شيء لم أقسمها حتى يقيم البينة على المواريث، وكذلك الأرض.

(11/413)


كما أطلق في الكتاب. قال: وإن حضر وارث واحد لم يقسم وإن أقام البينة لأنه لا بد من حضور خصمين؛ لأن الواحد لا يصلح مخاصِما ومخاصَما، وكذا مقاسِما ومقاسَما، بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين على ما بينا
ولو كان الحاضر كبيرا وصغيرا نصب القاضي عن الصغير وصيا، وقسم إذا أقيمت البينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقول محمد أشهر، فقد قالا بالقسمة عند قيام البينة كما ترى، وإليه ذهب صاحب " التحفة " حيث قال وإن كانت الدار في يد الغائب أو في يد الصغير أو في أيديهما منه شيء فإنه لا يقسم حتى تقوم البينة على الميراث وعدد الورثة بالاتفاق، وبه قالت الثلاثة.
وفي " فتاوى قاضي خان " لم يقسم وإن أقام البينة ما لم يحضر الغائب وهو رواية م: (كما أطلق في الكتاب) ش: قال الأترازي في " مختصر القدوري ": أراد به قوله لم يقسم لأنه لم يفصل بين قوله البينة وعدمها. وقال الكاكي في " الجامع ": لقوله لم يقسم من غير ذكر إقامة البينة، والصواب مع الأول.
م: (قال: وإن حضر وارث واحد لم يقسم وإن أقام البينة) ش: أي قال القدوري م: (لأنه لا بد من حضور خصمين؛ لأن الواحد لا يصلح مخاصِما ومخاصَما) ش: بكسر الصاد، ومخاصما الثانية بفتح الصاد، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا مقاسِما) ش: أي وكذا لا يصلح مقاسما بكسر السين م: (ومقاسَما) ش: بفتح السين، وهذا عندهما لأنه لا يحتاج إلى إقامة البينة عندهما.
وإنما ذكر المقاسمة لأنه ليس من ضرورة كون الشخص خصما أن يكون مخاصما كما في الحمام المشترك، فإن الشركاء خصوم وغير مقاسمين، وعن أبي يوسف أن القاضي ينصب عن الغائب خصما ويسمع البينة عليه ويقسم الدار، كما لو ادعى أجنبي دينا على الميت ولا وارث له ولا وصي فإنه ينصب عنه وصيا.
م: (بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين) ش: حيث يقسم، لأنه أمكن أن يجعل أحدهما مدعيا والآخر خصما عن الميت وعن باقي الورثة م: (على ما بينا) ش: أراد به قوله وإذا حضر وارثان وأقاما البينة إلى آخره، وذلك لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت وعن سائر الورثة.

م: (ولو كان الحاضر كبيرا وصغيرا نصب القاضي عن الصغير وصيا وقسم إذا أقيمت البينة) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري. وفي " الذخيرة ": القاضي إنما ينصب وصيا عن الصغير إذا كان حاضرا، أما إذا كان غائبا فلا ينصب عنه وصيا، بخلاف الكبير الغائب على قول أبي يوسف. وبخلاف ما إذا وقعت الدعوى على الميت حيث ينصب وصيا عن الميت، وذلك لأن الصغير إذا كان حاضرا صحت الدعوى عليه، إلا أنه عاجز عن الجواب فيثبت عنه خصما، أما

(11/414)


وكذا إذا حضر وارث كبير موصى له بالثلث فيها وطلبا القسمة وأقاما البينة على الميراث والوصية يقسمه لاجتماع الخصمين الكبير عن الميت والموصى له عن نفسه. وكذا الوصي عن الصبي كأنه حضر بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا كان غائبا لم تصح الدعوى عليه ولم يتوجه الجواب عليه ولم تقع الضرورة على نصب الوصي فلا ينصب.
م: (وكذا إذا حضر وارث كبير وموصى له بالثلث فيها) ش: أي في الدار، وهذا أيضا ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (وطلبا القسمة وأقاما البينة على الميراث والوصية يقسمه لاجتماع الخصمين الكبير عن الميت، والموصى له عن نفسه) ش: قوله الكبير بالجر والموصى له عطف عليه، وكلاهما بدل من قوله الخصمين، ويجوز رفعهما على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أحدهما الكبير أي الوارث الكبير خصم عن الميت، والآخر الموصى له خصم له عن نفسه، ويجوز نصبهما بتقدير أعني.
م: (وكذا الوصي عن الصبي) ش: أي وكذا الوصي خصم عن الصبي فيما إذا كان الحاضر كبيرا أو وصي الصبي م: (كأنه حضر بنفسه بعد البلوغ) ش: إن كان الصبي خصما بنفسه بعد بلوغه م: (لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الوصي مقام الصبي.

(11/415)


فصل فيما يقسم وما لا يقسم قال: وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم، لأن القسمة حق لازم فيما يحتملها عند طلب أحدهم على ما بيناه من قبل. وإن كان ينتفع أحدهم ويستضر به الآخر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم، وإن طلب صاحب القليل لم يقسم، لأن الأول ينتفع به فيعتبر طلبه، والثاني متعنت في طلبه فلم يعتبر. وذكر الجصاص على قلب هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل فيما يقسم وما لا يقسم]
م: (فصل فيما يقسم وما لا يقسم) ش: لما تنوعت مسائل القسمة إلى ما يقسم وما لا يقسم أفردها بالفصل.
م: (قال: وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم) ش: أي قال القدوري في "مختصره" م: (لأن القسمة حق لازم فيما يحتملها) ش: أي فيما يحتمل القسمة، أراد باحتمال القسمة أن ينتفع كل واحد منهما بنصيبه بعد القسمة م: (عند طلب أحدهم على ما بيناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة ولا خلاف فيه للعلماء.
م: (وإن كان ينتفع أحدهم ويستضر به الآخر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم) ش: أي جبرا وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في المشهور عنه، وفي رواية عن مالك لا يجبر، واختاره ابن القاسم، وبه قال أبو ثور.
وقال ابن أبي ليلى: لا يقسم ولكن يباع ويقسم ثمنها، وكذلك إذا كان سائر الشركاء لا ينتفعون بأنصبائهم الطالب يقسمها جبرا.
م: (وإن طلب صاحب القليل لم يقسم) ش: أي إذا كان صاحب القليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة لا يقسم، وبه قال الشافعي في الأصح م: (لأن الأول) ش: أي صاحب الكثير م: (ينتفع به) ش: أي بنصيبه م: (فيعتبر طلبه) ش: لأنه طالب بحق ثابت له م: (والثاني) ش: أي صاحب القليل م: (متعنت في طلبه فلم يعتبر) ش: لأن طلب شيئا يستنصر به فلا منفعة له في القسمة فيكون متعنتا في دعواه، وهو من العنت وهو من الشدة.
وفي العباب العنت الوقوع في أمر شاق وقد عنت من باب فعل بالكسر، وعند " تهذيب الديوان " يقال عنت متعنتا إذا جاءك يطلب زلتك.
قلت: والعنت الإثم أيضا، والعنت الزنا والفجور أيضا.
م: (وذكر الجصاص) ش: وهو أبو بكر أحمد بن علي الرازي م: (على قلب هذا) ش: أي على عكس هذا، فقال يقسم إذا طلب صاحب القليل، لأنه رضي بضرر نفسه ولا يقسم إذا

(11/416)


لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره والآخر يرضى بضرر نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طلب صاحب الكثير، لأنه يوقع الإضرار بغيره، وهو معنى قوله م: (لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره والآخر) ش: وهو صاحب القليل م: (يرضى بضرر نفسه) ش: وهكذا نقل الصدر الشهيد في "شرحه لأدب القاضي " عن الجصاص، وكذلك نقل عنه في " الفتاوى الصغرى " وكذلك نقل عن صاحب " الهداية ".
وقال الأترازي: ولنا في هذا النقل عنه نظر، لأن الجصاص وهو أبو بكر الرازي ذكر في "شرحه " ما ذكره الخصاف في " أدب القاضي " بعينه ولم يذكر خلاف ذلك، كذلك ذكره الخصاف في "شرحه لمختصر الطحاوي " كما ذكره أحمد بن عمرو الخصاف ولم يذكر خلاف ذلك، وقال الخصاف في " أدب القاضي ": وإن كان الضرر إنما يدخل على أحدهما لأن نصيبه قليل والآخر نصيبه كثير فطلب صاحب النصيب الكثير القسمة وإن ذلك الآخر، فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا يقسم ذلك بينهما، إلى هنا لفظ الخصاف ولم يذكر لمحمد قولا، ولكن الطحاوي ذكر المسألة في "مختصره " تخصيص أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - فقال: إن كان الذي يصيب الطالب منهما ينتفع به لكثرته وما يطلب الآخر فما ينتفع به لقلته فسماها بينهما إلى هنا لفظ الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال أبو بكر الرازي وهو الجصاص: لأن للطالب حقا في هذه القسمة وهو الانتفاع بملكه متميزا على حق غيره ومنع غيره من الانتفاع بملكه، والذي أباه إنما يريد الانتفاع بملك غيره ويجبر على القسمة إلى هنا لفظه، ولم يذكر غير هذا. وقال في " الفتاوى الصغرى ": دار بين رجلين وطلبا القسمة جميعا وتراضيا بذلك وليس نصيب كل منهما ما ينتفع، فإن القاضي يقسم ذلك بينهما لأن الملك لهما وقد تراضيا بهذا الضر، وإن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر لم يقسم القاضي بينهما لأن الطالب متعنت مضر بالآخر، وإن كان الضرر يدخل على أحدهما بأن كان نصيبه قليلا بحيث لا يبقى منتفعا بعد القسمة، ونصيب الآخر كثير يبقى منتفعا بعد القسمة فطلب صاحب الكثير القسمة فالقاضي يقسم. وإن طلب صاحب القليل وأبى الآخر لا يقسم، هكذا ذكر الخصاف، يعني في " أدب القاضي ".
وذكر الجصاص على عكس هذا، فذكر في قسمة " الواقعات " دار بين شريكين لأحدهما كثير وللآخر قليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة طلب صاحب الكثير القسمة وأبى صاحب القليل قسمت الدار بينهما بالاتفاق وإن طلب صاحب القليل وأبى صاحب الكثير قال الكرخي في "مختصره ": لا يقسم، وإليه مال الفقيه أبو الليث وجعل هذا قول أصحابنا، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام الأسبيجابي، وذكر الحاكم الجليل في "مختصره " أن يقسم،

(11/417)


وذكر الحاكم الشهيد في "مختصره" أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي، والوجه اندرج فيما ذكرناه، والأصح المذكور في الكتاب وهو الأول.
وإن كان كل واحد منهما ينتظر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما، لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها ويجوز بتراضيهما؛ لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما. أما القاضي فيعتمد الظاهر.
قال: ويقسم العروض إذا كانت من صنف واحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإليه ذهب شيخ الإسلام خواهر زاده وعليه الفتوى.
وهذا خلاف ما ذكر في " أدب القاضي "، إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى ". وقال الكاكي: وفي بعض النسخ ذكر الخصاف مكان الجصاص، وذكر الجصاص وهو الأصح لأنه موافق لرواية قاضي خان وغيرها، وفي " الذخيرة " قول الخصاف ما هو المذكور أولا. م: (وذكر الحاكم الشهيد في "مختصره ") ش: وفي بعض النسخ الصدر الشهيد م: (أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي) ش: أي الشريكين طلب قسمة الدار والأرض يقسم القاضي سواء كان الطالب صاحب الكثير أو القليل م: (والوجه اندرج فيما ذكرناه) ش: أي وجه ما ذكره الحاكم اندرج فيما ذكرناه.
قال تاج الشريعة: أي وجه ما ذكره الحاكم مندرجا في وجه رواية الكتاب ورواية الجصاص لأن وجه رواية الكتاب أن صاحب الكثير طالب لتكميل حقه وتوفير منفعته، ووجه الجصاص أن صاحب القليل رضي بضرر نفسه لنفع الغير فيقسم بطلبه م: (والأصح المذكور في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (وهو الأول) ش: أي المذكور في الكتاب هو المذكور أولا وهو أنه لا يقسم إذا طلب صاحب القليل لأنه متعنت.

م: (وإن كان كل واحد منهما ينتظر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما) ش: هذا لفظ القدوري إلا قوله لصغره م: (لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها) ش: أي وفي الجبر على القسمة، وهذا تفويت المنفعة م: (ويجوز بتراضيهما؛ لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما. أما القاضي فيعتمد الظاهر) ش: والقاضي على الضرر جائز، وعلى الرياء لا يجوز، ولهذا لو تراضيا على قسمة الحمام والثوب جائز، وإن كان لا يشفع كل واحد منهما بنصيبه بعد القسمة، وإن كان حنطة بين رجلين ثلاثون رديئة وعشرون جيدة فأخذ أحدهما عشرة جيدة والآخر ثلاثين رديئة، وقيمة العشرة مثل قيمة الثلاثة فإنه لا يجوز؛ لأنه ربا والرضا بالربا لا يجوز.

[قسمة العروض]
م: (قال: ويقسم العروض إذا كانت من صنف واحد) ش: أي قال القدوري: يعني يقسم جبرا إذا كانت من صنف واحد ولا يعلم فيه خلافا إلا عند ابن أبي جبيرة من أصحاب الشافعي وأصحاب الظاهر وأبي ثور. وقال في " شرح الطحاوي " الكيلي والوزني والذي ليس في تبعيضه مضرة إذا طلب أحدهما قسمته فإن القاضي يقسم بينهما، وكذلك العددي المتقارب.

(11/418)


لأن عند اتحاد الجنس يتحد المقصود فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة.
ولا يقسم الجنسين بينهما بعضهما في بعض، لأنه لا اختلاط بين الجنسين، فلا تقع القسمة تمييزا، بل تقع معاوضة، وسبيل التراضي دون جبر القاضي. ويقسم كل موزون ومكيل كثير أو قليل، والمعدود المتقارب وتبر الذهب والفضة وتبر الحديد والنحاس والإبل بانفرادها، والبقر والغنم، ولا يقسم شاة وبعيرا وبرذونا وحمارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كانت أغناما أو إبلا أو بقرا أو جماعة ثياب من جنس واحد فإنه يقسمها، فأما الرقيق فلا يقسم بينهم عند أبي حنيفة لأنها كأجناس مختلفة لاختلاف منافعهم، وعندهما يقسم كالأغنام والإبل والبقر. وإن كان مع الرقيق مال أخذ قسمه كله في قولهم م: (لأن عند اتحاد الجنس يتحد المقصود فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة) ش: لإمكان التعديل بالكيل والوزن تمييزا بلا تفاوت، وكذلك الذهب والفضة والعددي المتقارب.
وأما الثياب والحيوانات فيمكن أن يجعل كل اثنين منهما بواحد أو واحد وبعض واحد.

[لا يقسم ما يتلفه القسم]
م: (ولا يقسم الجنسين بعضهما في بعض) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره "، أي لا يقسم القاضي جبرا الأجناس المختلفة قسمة الجميع بأن جمع نصيب أحدهما في الإبل والآخر في البقر، وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - م: (لأنه لا اختلاط بين الجنسين، فلا تقع القسمة تمييزا، بل تقع معاوضة وسبيل التراضي دون جبر القاضي) ش: لأن ولاية الإجبار للقاضي يثبت معنى التمييز.
م: (ويقسم القاضي كل موزون ومكيل كثير أو قليل) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري م: (والمعدود المتقارب) ش: بالنصب أيضا، أي يقسم المعدود المتقارب م: (وتبر الذهب والفضة، وتبر الحديد والنحاس) ش: بالنصب عطف على المنصوب قبله، والتبر القطعة المأخوذة من المعدن م: (والإبل بانفرادها، والبقر والغنم) ش: بالنصب أيضا، أي يقسم الإبل والبقر بانفرادها وهو بكسر الهمزة والباء الموحدة. وفي بعض النسخ. والآنك بفتح الهمزة وضم النون وفي آخره كاف وهو الأشرب، وهي مناسبة لما قبله، والنسخة الأولى مناسبة لما بعدها، فافهم. والبقر والغنم بالنصب أيضا عطفا، أي يقسمها بانفراد كل واحد منهما لقلة التفاوت.
م: (ولا يقسم شاة وبعيرا وبرذونا وحمارا) ش: أي لا يقسم القاضي جبرا في هذه الأشياء قسمة جميعا بأن يجمع نصيب أحد الورثة في الشاة خاصة ونصيب الأخرى في البعير خاصة، بل يقسم الشاة بينهما والبعير بينهما على ما يستحقان. وفي " الذخيرة " والحاصل أن القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقسم الأجناس المختلفة من كل وجه قسمة جميع إذا أتى ذلك بعض الشركاء.

(11/419)


ولا يقسم الأواني لأنها باختلاف الصنعة التحقت بالأجناس الخمسة ويقسم الثياب الهروية لاتحاد الصنف، ولا يقسم ثوبا واحدا لاشتمال القسمة على الضرر، إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع ولا ثوبين إذا اختلفت قيمتهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي الجنس المتحد يقسم عند طلب البعض، وبه قال الفقهاء. وقال أبو ثور وأصحاب الظاهر: يقسم في الأجناس المختلفة ويخرج نصيب كل ما يقرعه في شخص من أشخاص وفي نوع من أنواعه استدلالا بما روى البخاري عن علي بن الحاكم الأنصاري بإسناده إلى رافع بن خديج «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم الغنيمة فعدل عشرة من الغنم ببعير واحد» .
قلنا: حديث غريب فلا يترك لأجل عمومات النصوص في أن الجبر لا يجري في المبادلات والقسمة بالسهم في الأجناس المختلفة مبادلة حقيقية، مع أن الحديث لا يكون حجة لاحتمال أن ذلك بطريق القسمة بالتراضي بقرينة لفظ تعدل عشرة الحديث مع أن حق الغانمين في المالية لا في المعين، ولهذا للإمام بيعها وقسمة ثمنها.
م: (ولا يقسم الأواني) ش: من الذهب والفضة والنحاس بعضها في بعض م: (لأنها باختلاف الصنعة التحقت بالأجناس المختلفة) ش: كالإجانة والقمقم والطشت، والمتخذة من الصفر مثلا وكذلك الأبواب المتخذة من القطن أو الكتان إذا اختلف بالصنعة كالقباء والجبة والقميص لا يقسم بعضها في بعض جبرا.
م: (ويقسم الثياب الهروية لاتحاد الجنس) ش: احترز به لأنها أجناس مختلفة، والقسمة تكون بطريق المعاوضة عن اختلاف الصنعة لأنه ذكره في " المبسوط "، ولا يقسم ثوبا لظبا وثوبا هرويا وسادة وبساطا لأنها أجناس مختلفة، والقسمة تكون بطريق المعاوضة والجبر لا يجري في المعاوضات فلا بد من التراضي م: (ولا يقسم ثوبا واحدا لاشتمال القسمة على الضرر، إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع) .
ش: هذا أيضا تفريع على مسألة القدوري، أي الثوب الذي يخالف أوله آخره في الجودة، أو يكون ذا علم بعد قطعه يكون إتلافا، حتى لو لم يكن كذلك قسمة.
قوله: لاحتمال القسمة على الضرر إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع، لأنها إتلاف جزء منها ومنه، وفي ذلك ضرر على المتقاسمين فلا يجوز للقاضي فعله، فإن تراضيا لم يفعله القاضي أيضا لما فيه من إتلاف الملك، ولكنهما يقتسمانها - إن شاء الله تعالى - بأنفسهما، أي ولا يقسم القاضي أيضا.
م: (ولا ثوبين إذا اختلفت قيمتهما) ش: لأنه لا يمكن التعديل إلا بزيادة دراهم مع الأوكس

(11/420)


لما بينا، بخلاف ثلاثة أثواب إذا جعل ثوب بثوبين أو ثوب وربع ثوب بثوب وثلاثة أرباع ثوب؛ لأنه قسمة البعض المشترك دون البعض وذلك جائز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا يجوز إدخال الدراهم في القسمة جبرا، لأن القسمة حق في الملك المشترك والشركة بينهما في الثياب، فلو أدخل في القسمة دراهم يقسم ما ليس بمشترك، وهذا لا يصح، فإن تراضيا على ذلك جاز للقاضي بأن يقسم، لأنه إتلاف في ذلك لما لهم، كذا في " شرح الأقطع " م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله بل يقع معاوضة وسبيلها التراضي.
م: (بخلاف ثلاثة أثواب إذا جعل ثوب بثوبين) ش: يعني يصح قسمتها بأن يجعل ثوب بثوبين يعني إذا كان قيمة الثوب الواحد مثل قيمة الثوبين وأراد أحدهما القسمة وإلى الآخر يقسم القاضي بينهما ويعطي أحدهما ثوبا وللآخر ثوبين م: (أو ثوب وربع ثوب) ش: أي ويجعل ثوب وربع ثوب م: (بثوب وثلاثة أرباع ثوب) ش: فإن كانت ثلاثة أثواب قيمة أحدهم دينار وربع وقيمة الآخر دينار وثلاثة أرباع دينار فإنه يقسم ويعطي الثوب الذي قيمته دينار وربع دينار لواحد، ويعطي الثوب الذي قيمته دينار وثلاثة أرباع دينار والثوب الآخر يشترك بينهما أرباعا، ربع لمن أخذ الثوب الذي قيمته دينار وربع دينار، وهذا لا يصير قسمة م: (لأنه قسمة البعض المشترك دون البعض) ش: لأن كل واحد منهما منفرد بثوب ويبقى الشركة في ثوب، وفي " النهاية " الأصح أن يقال: وإن استوت القيمة كان نصيب كل واحد ثوبا ونصفا فيقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا، وكذا لو استقام أن يجعل نصيب أحدهما ثوبا وثلثي الآخر كما ذكرنا.
وقال الكرخي في "مختصره": وكل صنف من الثياب ليستقيم فيه القسمة، فأما الثوب الواحد فلا يستقيم فيه القسمة، وكذلك الثوبان إذا اختلفت قيمتها لا تستقيم القسمة، إلا أن يراد دفع الأوكس دراهم قسمناه على الذي نصيبه الأفضل، فإن كان أحد الثوبين يساوي عشرين والآخر يساوي ثلاثين فإنهما يقومان على هذه القيمة ثم يقرع بينهما على أيهما أصابه الأوكس وأخذ ذلك مع سدس الأفضل.
فإن كرها ذلك وأجمعا على أن يزاد دراهم أسهم بينهما على أنه أيهما أصابه الأفضل رد خمسة دراهم على صاحب الأوكس، والثوب للواحد لا يستقيم فيه إذا كره أحدهما، فإن اختار ذلك ما لم يقسم إلا أن يصطلحا على سعة فيما بينهما فأما الحاكم فلا يسعة وثلاثة أثواب يستقيم فيها القسمة على ما فسرت لك من القيم ثوب بثوبين أو ثوب وربع ثوب وثلاثة أرباع أو دراهم يردها الذي نصيبه الأفضل على صاحب الأوكس لأنه قيمة ذلك البعض دون البعض م: (وذلك جائز) ش: لأنه يتيسر عليه التمييز في بعض المشترك، ولو تيسر ذلك في الكل عند طلب

(11/421)


وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقسم الرقيق والجواهر لتفاوتهما. وقالا: يقسم الرقيق لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم ورقيق المغنم. وله: أن التفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعض الشركاء فكذلك في البعض وما فيه معاوضة يحتاج إلى التراضي.
م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقسم الرقيق والجواهر لتفاوتهما) ش: أي بانفرادهما، أما إذا كان مع الرقيق شيء آخر يقسم بالاتفاق، وهذا أيضا من مسائل القدوري.
وقال السغناقي في الباب الثاني من كتاب المضاربة في " الجامع الكبير ": إن أبا حنيفة لا يرى قسمة الرقيق وإن كان الجنس واحدا للتفاوت بين الرقيقين في الذكاء والذهن، وألحقهما بالجنسين المختلفين.
ومعناه أي لا يجمع نصيب كل شريك في رقيق واحد فكذلك عندهما على رواية " الجامع الصغير " وكتاب المضاربة الكبيرة قبل أن رأى القاضي الصلاح في القسمة، فأما على رواية كتاب الصوم ورواية كتاب العين يريان القسمة ويجعلان نصيب كل شريك في رقيق واحد، انتهى.
وقال فخر الدين قاضي خان: وفي كتاب الوصايا من " الجامع الصغير " قال أبو حنيفة: لا يقسم الرقيق، يريد به قسمة الجمع بأن يجعل نصيب أحدهما في عبد، ونصيب الآخر في عبد فيدفع عبدا إلى هذا وعبدا إلى ذلك في غير رضا الشركاء إلا أن يكون معهم شيء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ويجعل الرقيق بيعا كغيرهم، وقالا: القاضي بالخيار إن شاء قسم الكل دفعة واحدة، وإن شاء قسم كل عبد قسمة على حدة.
م: (وقالا: يقسم الرقيق) ش: أي قسمة جبر، وبه قالت الثلاثة م: (لاتحاد الجنس) ش: يعني أن الرقيق جنس واحد إذا كانوا ذكورا أو إناثا، وإنما التفاوت في القيمة وذا لا يمنع الصحة م: (كما في الإبل والغنم ورقيق المغنم) ش: أي وكما يقسم بالاتفاق في الإبل والبقر، فكما يقسم رقيق الغنيمة بلا خلاف كسائر الأموال، ولكون الرقيق كسائر الحيوان في العقود يثبت في الذمة مهرا ولا يثبت سلما.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة) ش: كالذهن والكياسة والأمانة والفروسية والكتابة، ألا ترى أن واحدا قد يظهر الفطنة والفضل وهو تلبيته في نفسه أبله، وقد يظهر البله وله ذهن وافر وعلم غزير، وهذا ظاهر حيث لا ينكر عاقل مستغن يدل عليه قول بعضهم ولم أر في الدنيا أشد تفاوتا من الناس حتى عد ألف

(11/422)


فصار كالجنس المختلف، بخلاف الحيوانات؛ لأن التفاوت فيها يقل عند اتحاد الجنس، ألا ترى أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان ومن الحيوانات جنس واحد، بخلاف المغانم؛ لأن حق الغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها، وهنا يتعلق بالعين والمالية جميعا فافترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بواحد.
وقال الآخر: الأدب فرد يعدل الألف زائدا وألفا تراهم لا يساوون واحدا، ولأن المطلوب من العبد منه يختلف اختلافا فاحشا، لأنه قد يقصد من أحدهما الزراعة ومن الآخر الخدمة ونحو ذلك، ويصلح من أحدهما كما لا يصلح من الآخر، وإذا اختلفت الأعراض م: (فصار كالجنس المختلف) ش: فتعذر التعديل بين الأمرين إلا إذا كان مع العبد مال آخر، فحينئذ يقسم قسمة الجمع من غير رضا الشركاء، فيجعل الرقيق تبعا ولا يثبت مقصودا كبيع الشرب والطريق ونحو ذلك.
فإن قلت: مثل هذا يجب أن لا يقوم المستهلك من العبد.
قلت: لما لم يكن في التقوم به قوم فالقسمة منها به، فلم يجز أن يثبت من غير تعديل.
م: (بخلاف الحيوانات؛ لأن التفاوت فيها يقل عند اتحاد الجنس) ش: جواب عن قولهما لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم، وقيد بقوله عند اتحاد الجنس احترازا عما اختلف الجنس وأن الجنسين لا يقسم بعضها في بعض على ما مر.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لبيان الفرق نهى الرقيق وسائر الحيوانات م: (أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان، ومن الحيوانات جنس واحد) ش: وليس ذلك إلا باعتبار التفاوت، حتى لو اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية لا ينعقد العقد، ولو اشترى غنما أو إبلا على أنه ذكر فإذا هو أنثى ينعقد العقد م: (بخلاف المغانم) ش: جواب عن قولهما رقيق المغنم وذلك م: (لأن حق الغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها) ش:
أي بيع الغنائم م: (وقسمة ثمنها) ش: بين الغانمين م: (وهنا) ش: أي في شركة الملك م: (يتعلق بالعين والمالية جميعا فافترقا) ش: أي فافترق حكم رقيق المغنم وحكم شركة المالك، فلا يجوز، وقياسهما من أحدهما على الآخر.
فإن قيل: لو تزوج أو خالع على عبد صح، فصار كسائر الحيوانات فليكن في القسمة كذلك.
أجيب: بأن القسمة تحتاج إلى الإفراز فلا يتحقق في القسمة بخلاف ما ذكرتم فإنه لا

(11/423)


وأما الجواهر فقد قيل: إذا اختلف الجنس لا يقسم كاللآلئ واليواقيت، وقيل: لا يقسم الكبار منها لكثرة التفاوت، ويقسم الصغار لقلة التفاوت، وقيل: يجري الجواب على إطلاقه؛ لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق، ألا ترى أنه لو تزوج على لؤلؤة أو ياقوتة أو خالع عليها لا تصح التسمية، ويصح ذلك على عبد فأولى أن لا يجبر على القسمة.
قال: ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا أن يتراضى الشركاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتاج إليه.
م: (وأما الجواهر) ش: لما ذكر أولا شيئين بقوله الرقيق والجواهر، وبين حكم الرقيق شرع في بيان الجواهر فأما التفصيلية م: (فقد قيل: إذا اختلف الجنس لا يقسم) ش: أشار به إلى أن الجواب فيه على التفصيل على قول بعضهم وإن كانت أجناسا م: (كاللآلئ واليواقيت) ش: لا يقسم بعضها في بعض فإن انفرد جنس منها أمكن التعديل فيها منه، فجازت قسمته، وإليه ذهب الشيخ أبو منصور في شرحه.
م: (وقيل: لا يقسم الكبار منها) ش: أي من اللآلئ واليواقيت م: (لكثرة التفاوت، ويقسم الصغار لقلة التفاوت) ش: وهذا ظاهر، وكذا الحكم في الزمرد والبلخش والفيروزج ونحو ذلك.
م: (وقيل: يجري الجواب على إطلاقه) ش: أي جواب القدوري، أراد بإطلاقه أنه لا يقسم الجواهر مطلقا أصلا م: (لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق) ش: والرقيق لا يقسم عند أبي حنيفة فالجواهر أولى.
م: (ألا ترى أنه لو تزوج) ش: توضيح لما قبله، يعني لو تزوج امرأة م: (على لؤلؤة أو ياقوتة أو خالع عليها لا تصح التسمية) ش: لفحش الجهالة م: (ويصح ذلك) ش: أي التزوج والخلع م: (على عبد فأولى أن لا يجبر على القسمة) ش: وبه قالت الثلاثة.

[قسمة الحمام والبئر والرحى]
م: (قال: ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا أن يتراضى الشركاء) ش: أي قال القدوري وبه قالت الثلاثة. إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط أن يكون الحمام صغيرا بحيث لا يمكن الانتفاع به بعد القسمة، فأما إذا كان كبيرا ممكن الانتفاع به بعد القسمة يقسم جبرا، وبه قال مالك. وقال علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " هذا في الحمام الصغير الذي إذا قسم لا يبقى منتفعا به انتفاع الحمام، فأما إذا بقي نصيب كل واحد منهما بعد القسمة منتفعا به انتفاع ذلك الجنس كأنه يقسم لانعدام الضرر، إلا أن يتراضوا على القسمة لأنهم رضوا بحمل الضرر.

(11/424)


وكذا الحائط بين الدارين لأنها تشتمل على الضرر في الطرفين، إذ لا يبقى كل نصيب منتفعا به انتفاعا مقصودا فلا يقسم القاضي، بخلاف التراضي لما بينا.
قال: وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد قسم كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا الحائط بين الدارين) ش: أي وكذا لا يقسم الحائط الكائن بين الدارين جبرا. وقال الشافعي: إن أراد أحدهما قسمة في نصف الطول في كمال العرض فيه وجهان، أحدهما يجبر الآبي، والأصح أنه لا يجبر، وإن أراد أحدهما قسمته عرضا في كمال الطول، والحائط عرض في الأصح يجبر، وقيل لا يجبر كذا في " الحلية " م: (لأنها تشتمل على الضرر في الطرفين، إذ لا يبقى كل نصيب منتفعا به انتفاعا مقصودا فلا يقسم القاضي) ش: أي إذا كان كذلك فلا يقسمها القاضي.
وفي " شرح الكافي" للأسبيجابي قال أبو حنيفة: إذا كان طريق بين قوم إن اقتسموا لم يكن لبعضهم طريق ولا ممر فأراد بعضهم قسمته لم يقسمه، وكذلك إذا كان في قسمته ضرر على بعض دون بعض في ضيق الطريق وأنه لا يجد طريقا لم أقسمه بينهم إلا أن يتراضوا جميعا، وإذا كان يكون لكل واحد طريق نافذ قسمته وإذا طلب ذلك أحدهم.
وإذا كان طريق بين رجلين إن اقتسما لم يكن لواحد منهما فيه ممر ولكن لكل واحد منهما بقدر أن يفتح في منزله بابا ويجعله طويلا من وجه آخر فأراد أحدهما قسمته بينهما لأنه يقدر على الانتفاع فملكه من طريق آخر، وليس الشرط بقاؤه منتفعا به في هذه الجهة، بل بقاؤه منتفعا به في الجملة وأنه حاصل. وإذا كان مسيل ماء بين رجلين أراد أحدهما قسمته وأبى الآخر وإن كان فيه موضع مسيل الماء سوى هذه أقسمه، وإن لم يكن له موضع إلا بضرر لم أقسمه.
م: (بخلاف التراضي) ش: لالتزامهم الضرر م: (لما بينا) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول الفصل بقوله وإن كان كل واحد منهما يستضر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما.

[كيفية قسمة الدور مشتركة في المصر الواحد]
م: (قال وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد) ش: أي قال القدوري إذا كانت دار مشتركة بين قوم في مصر واحد، وفائدة التقييد بمصر واحد يأتي عن قريب م: (قسم كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لا يجمع نصيب أحدهم في دار واحدة إلا بالتراضي، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وحكي عن مالك أنه قال: إن كانت متجاورة جاز قسمة الجميع كما قال، وإن كانت متفرقة لا يجوز كما قال أبو حنيفة.
م: (وقالا إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها) ش: يعني أن القاضي ينظر في

(11/425)


وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة المشتركة. لهما: أنها جنس واحد اسما وصورة ونظرا إلى أصل السكنى أجناس معنى نظرا إلى اختلاف المقاصد ووجوه السكنى، فيفوض الترجيح إلى القاضي. وله: أن الاعتبار للمعنى وهو المقصود، ويختلف ذلك باختلاف البلدان والمحال والجيران والقرب إلى المسجد والماء اختلافا فاحشا، فلا يمكن التعديل في القسمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك، وإن كانت أنصباء أحدهم إذا اجتمعت في دار كان أعدل القسمة جميع ذلك، لأن الدور في حكم جنس واحد لاتحاد المقصود بها وهو السكنى، وباعتبار الاسم واتحاد البلد والجنس الواحد يقسم كالغنم وغيره على ما يأتي الآن.
م: (وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة المشتركة) ش: أي على الخلاف المذكور والأقرحة جمع قراح، وهي أرض خالية عن الشجر والبناء وغيرهما، فعنده لا يقسم قسمة جمع، وعندهما يقسم. ولأصحاب الشافعي فيه خلاف، فقال إسحاق الشيرازي: إن كانت متجاورة جاز قسمة الجمع.
وقال غيره من أصحابه: يجعل كالقراح الواحد إذا كان شربها واحدا.
وأما إذا كان شربها وطريقها مختلفا فهو كالأقرحة لا يقسم قسمة جبر. وفي " الحلية " وهذا أشبه.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنها) ش: أي الدور م: (جنس واحد اسما وصورة ونظرا إلى أصل السكنى) ش: لاتحاد المقصود بها م: (أجناس معنى، نظرا إلى اختلاف المقاصد ووجوه السكنى) ش: من الطول والعرض والارتفاع والثبوت والمرافق والجيران والقرب إلى الماء والمسجد والبعد عنهما وغير ذلك، فعند تعارض الأدلة ينظر القاضي في ذلك ويعمل بالأصلح أشار إليه بقوله م: (فيفوض الترجيح إلى القاضي) ش: أي الرأي في ذلك له، فإن رأى أن يقسم كل دار قسم، وإن رأى الجمع فعل، كذا في " الفتاوى الظهيرية ".
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاعتبار للمعنى وهو المقصود) ش: أي المعنى هو المقصود م: (ويختلف ذلك) ش: أي المقصود م: (باختلاف البلدان) ش: لأنه قد يكون السكنى في مصر م: (والمحال) ش: مع محلة، لأنه قد يكون محلة آمن من الأخرى وأحسن هو م: (والجيران) ش: جمع جار، لأنه قد يكون الجيران في محلة صلحاء دون جيران الأخرى م: (والقرب إلى المسجد والماء) ش: بأن يكون أحدهما قريبا من المسجد أو من الماء، والأخرى بعيدة منها، وقد يكون أحدهما أفره من الأخرى وغير ذلك من المقاصد م: (اختلافا فاحشا) ش: نصب لقوله مختلف م: (فلا يمكن التعديل في القسمة) ش: أي إذا كان كذلك لا يمكن التعديل فيها، فلا

(11/426)


ولهذا لا يجوز التوكيل بشراء دار،
وكذا لو تزوج على دار لا تصح التسمية كما هو الحكم فيهما في الثوب، بخلاف الدار الواحدة إذا اختلفت بيوته؛ لأن في قسمة كل بيت على حدة ضررا فقسمت الدار قسمة واحدة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تقييد الوضع في الكتاب إشارة إلى أن الدارين إذا كانتا في مصرين لا تجتمعان في القسمة عندهما، وهو رواية هلال عنهما. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم إحداهما في الأخرى والبيوت في محلة أو محال تقسم قسمة واحدة؛ لأن التفاوت فيما بينهما يسير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقسم جبرا لأنها تصير حينئذ في حكم الأجناس، فيقسم كل دار على حدة م: (ولهذا) ش: أي ولتفاحش الاختلاف م: (لا يجوز التوكيل بشراء دار) ش: كما لا يصح بشراء ثوب للجهالة.

م: (وكذا لو تزوج على دار لا تصح التسمية كما هو الحكم فيهما) ش: أي في التوكيل والتزويج م: (في الثوب) ش: يعني كما لو وكل بشراء ثوب أو يتزوج على ثوب فإنه لا يصح كما ذكرنا م: (بخلاف الدار الواحدة إذا اختلفت بيوتها؛ لأن في قسمة كل بيت على حدة ضررا، فقسمت الدار قسمة واحدة) ش: الحاصل أن الدار لا تقسم قسمة واحدة عند أبي حنيفة إلا برضاء الشركاء، سواء كانت مجتمعة أو متفرقة. والبيوت تقسم قسمة واحدة مجتمعة كانت أو متفرقة لعلة التفاوت بين البيوت والمنازل إن كانت مجتمعة في دار واحدة تقسم كالدار الواحدة تبعا، وإن كانت في دور متفرقة أو كانت في دار واحدة ولكنها متباينة بأن كان أحد المنازل في أقصاها والأخرى في أدناها، فالجواب فيها كالدار في قولهم، لأن المنزل شبيها بالدار، والبيت [ ... ] منها.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تقييد الوضع بالكتاب) ش: أي قال المصنف تقييد وضع المسألة في " مختصر القدوري "، يعني به الذي قال وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد م: (إشارة إلى أن الدارين كانتا في مصرين لا يجتمعان في القسمة عندهما، وهي رواية هلال عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وهلال هو ابن يحيى البصري تلميذ أبي يوسف وزفر - رحمهما الله - وهو يسمى بهلال الرأي لفقهه.
م: (وعن محمد: أنه يقسم إحداهما في الأخرى) ش: أي أحد الدارين في المصرين، لأنه جعلهما جنسا واحدا باعتبار اتحاد الاسم كما لو كان في مصر واحد م: (والبيوت في محلة أو محال تقسم قسمة واحدة؛ لأن التفاوت فيما بينهما يسير) ش: لأنها لا تتفاوت في معنى السكنى ما ليست اسم لسقف واحد له دهليز، فلا يتفاوت في المنفعة عادة، ألا ترى أنه يؤجر بأجرة واحدة في كل محلة.

(11/427)


والمنازل المتلازقة كالبيوت، والمتباينة كالدور؛ لأنه بين الدار والبيت على ما مر من قبل، فأخذ شبها من كل واحد.
قال: وإن كانت دارا وضيعة أو دارا وحانوتا يقسم كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جعل الدار والحانوت جنسين، وكذا ذكر الخصاف.
وقال في إجارات الأصل: إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا تجوز، وهذا يدل على أنهما جنس واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمنازل المتلازقة كالبيوت، والمتباينة كالدور؛ لأنه) ش: أي لأن المنزل م: (بين الدار والبيت) ش: لأن المنزل أصغر من الدار وأكبر من البيت، لأن المنزل اسم لدويرة صغيرة فيها بيتان أو ثلاثة، والبيت اسم لسقف واحد له دهليز كما ذكرناه، فالحاصل أن المنزل له منزل بين المنزلتين، فحاله تشبه الدار والبيت جميعا بالطريق الذي ذكرناه م: (على ما مر من قبل) ش: أي في باب الحقوق من كتاب البيوع م: (فأخذ شبها من كل واحد) ش: أي فأخذ المنزل شبها من كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كانت دارا وضيعة أو دارا وحانوتا قسم كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس) ش: يعني لا يقسم كل قسمة واحدة، بل يقسم كل واحدة منهما على حدة، لأن الدار مع الضيعة جنسان، وكذا الدار مع الحانوت، فيكون قسمة البعض إلى البعض معاوضة فلا يجوز ذلك إلا بالتراضي، وكانت هاهنا تامة بمعنى وجدت، ولهذا لا يحتاج إلى الخبر، وقوله دار بالرفع فاعله وما بعده عطف عليه، ويجوز نصب الدار على تقدير أن يكون كانت ناقصة محذوف الاسم، تقديره فإن كانت البينة دارا.. إلخ.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جعل الدار والحانوت جنسين) ش: أي قال المصنف جعل القدوري الدار والحانوت جنسين م: (وكذا ذكر الخصاف) ش: وهو أبو بكر أحمد بن عمرو الخصاف الشيباني صاحب "كتاب أدب القاضي "، قال في " أدب القاضي " وإن كانت دارا وأرضا، أو دارا وحانوتا لم يجمع نصيب كل واحد من ذلك في حد النصفين، وقسم كل واحد من ذلك بينهم على حدة، انتهى. وإنما رضي الخصاف بالذكر لأن هذه المسألة لم تذكر في كتب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا ذكرها الطحاوي ولا الكرخي في "مختصريهما ".

م: (وقال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في إجارات الأصل إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا تجوز) ش: أي إجارة منافع الدار شهرا بسكنى حانوت شهرا لا يجوز، قال في الأصل واستئجار السكنى بالسكنى لا يجوز، واستئجار السكنى بالخدمة يجوز، وذلك لأن الجنس بانفراده يحرم [ ... ] ، واحتاج صاحب " الهداية " إلى التوفيق بين ما إذا ذكره الخصاف، وبين ما إذا ذكره في "كتاب الإجارات"، فقال م: (وهذا يدل على أنهما جنس واحد) ش: أي الحانوت

(11/428)


فيجعل في المسألة روايتان، أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والدار م: (فيجعل في المسألة روايتان) ش: يعني إما يحمل ذلك على اختلاف الرواية، أو يقال إنهما جنسان كما ذكره الخصاف.
م: (أو تبني حرمة الربا هنالك) ش: أي في إجارات الأصل م: (على شبهة المجانسة) ش: يعني إذا كانت منافع الدور ومنافع الحانوت مختلفة رواية واحدة، وتحمل حرمة الربا على شبهة المجانسة من منافع الدار والحانوت لاتحاد أصل السكنى المقصود منهما. وفي " الكافي " هكذا ذكره في " الهداية " وهو مشكل، لأنه يؤدي على اعتبار شبهة بالشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون المنازل منها.
وقال تاج الشريعة قيل عليه ينبغي أن لا يصير شبهة المجانسة في حق الحرمة، لأن في حقيقة المجانسة إذا باع الشيء بجنسه يصير شبهة الربا، ففي شبهة المجانسة يعني تصير شبهة الشبهة، وهي لا تعتبر، انتهى.
وقد قال شمس الأئمة الحلواني: إما أن يكون في المسألة روايتان، أو يكون من مشكلات هذا الكتاب. وقيل في جوابه لا بل اعتبر الشبهة، لأن السكنى جنس واحد فيكون كإجارة السكنى بالسكنى، وهي شبهة لا شبهة شبهة، وفيه ضعف كما ترى.

(11/429)


فصل في كيفية القسمة قال: وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه ليمكنه حفظه ويعدله، يعني يسويه على سهام القسمة، ويروى يعزله أي: يقطعه بالقسمة عن غيره ويذرعه ليعرف قدره، ويقوم البناء لحاجته إليه في الآخرة. ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه، حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق فتنقطع المنازعة ويتحقق معنى القسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في كيفية القسمة]
430 - م: (فصل في كيفية القسمة) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية القسمة بين الشركاء والكيفية صفة، فلا جرم أن تذكر بعد الموصوف، وهو جواز القسمة.
م: (قال: وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه) ش: أي قال القدوري: والمراد من تصوير ما يقسمه أن يكتب صورته على القرطاس ليمكن حفظ ما يقسمه ليرفع ذلك القرطاس إلى القاضي حتى يتولى الإقراع بينهم بنفسه إن كان لم يأمره بالإقراع م: (ليمكنه حفظه) ش: أي لتمكن القاسم حفظ ما يقسمه م: (ويعدله، يعني يسويه على سهام القسمة) ش: فيسري التعديل بتسوية ما يقسمه على سهام الشركاء.
م: (ويروى يعزله) ش: أشار به إلى أن في بعض نسخ " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقع ويعزله مكان قوله ويعدله، ثم فسره بقوله ويعدله م: (أي: يقطعه بالقسمة عن غيره ويذرعه ليعرف قدره، ويقوم البناء لحاجته إليه في الآخرة) ش: إنما يقوم البناء، لأن القسمة لتعديل الأنصباء، ولا يحصل التعديل إلا بتقويم البناء لأن قيمته أكثر من قيمة الساحة ويقوم البناء أولا، لأنه لا يحتاج إلى ذلك حالة القسمة، لأنه يقسم الساحة بالذراع، وفي البناء بالقيمة. وقوله في الآخرة بالفتحتان، أراد به آخر الأمر، وإنما يحتاج إليه في آخر الأمر، إذ البناء يقسم على حدة، فيقوم حتى إذا قسمت الأرض بالمساحة ووقعت إلى نصيب أحدهم يعرف قيمة الدار، فبعض الأجر مثل ذلك.
م: (ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه) ش: أي تمييز كل نصيب عن الباقي بطريق كل نصيب، وشربه بكسر الشين حتى تنقطع المنازعة على التمام، فيقول هذا لك وهذا له وهذا لآخر، وطريقه أن يجعل طريق أحدهما ومسيل ما به إلى داره إن أمكن، وإن لم يكن بأن كان ظهره إلى دار رجل يجعل الطريق ومسيل الماء في نصيب أحدهما لأن القسمة إنما شرعت لتكميل المنفعة على وجه لا يتضرر أحدهما، وتنقطع المنازعة بينهما، وانقطاعها إنما يكون بأن لا يبقى لأحدهما حق في نصيب صاحبه إن أمكن، وإن لم يمكن يجعل ذلك في دار صاحبه م: (حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق. فتنقطع المنازعة ويتحقق معنى القسمة على

(11/430)


على التمام. ثم يلقب نصيبا بالأول والذي يليه بالثاني والثالث على هذا، ثم يخرج القرعة، فمن خرج اسمه أولا فله السهم الأول، ومن خرج ثانيا فله السهم الثاني. والأصل: أن ينظر في ذلك إلى أقل الأنصباء، حتى إذا كان الأقل ثلثا جعلها أثلاثا، وإن كان سدسا جعلها أسداسا لتمكن القسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التمام ثم يلقب نصيبا بالأول والذي يليه بالثاني والثالث على هذا) ش: أي على هذا الترتيب بأن يلقب الذي يلي الثالث بالرابع والذي يلي الرابع بالخامس وهلم جرا.
م: (ثم يخرج القرعة، فمن خرج اسمه أولا) ش: وفي بعض النسخ فمن خرج سهمه م: (فله السهم الأول، ومن خرج ثانيا فله السهم الثاني) ش: ومن خرج ثالثا فله السهم الثالث، ومن خرج رابعا فله السهم الرابع وهلم جرا.
م: (والأصل: أن ينظر في ذلك إلى أقل الأنصباء، حتى إذا كان الأقل ثلثا جعلها أثلاثا) ش: أي جعل الدار أثلاثا بأن كانت الورثة ابنا وبنتا فكتب على القرعة اسمهما، ويسمى الثلث المعين من الأرض أولا وما يليه ثانيا. والثلث الآخر آخرا، ويقرع، فإن خرج اسم الابن أولا يأخذ الثلث الأول مع ما يليه، وتعين الثلث الآخر للبنت. ولو خرج سهم البنت أولا تأخذ البنت بالثلث الأول، وتعين الثلثان الآخران للابن.
م: (وإن كان سدسا جعلها أسداسا لتمكن القسمة) ش: أي وإن كان الأقل سدسا مثل أن يكون في المسألة نصف وثلث وسدس من زوج وأم وأخ لأم يخرج الأرض على ستة، فمن خرج اسمه أولا يأخذ السهم الأول فحسب إن كان صاحب سدس، ويأخذ ما يليه إن كان صاحب ثلث ويأخذ من السهمين اللذين يلياه إن كان صاحب نصف، ثم يقرع ثانيا ويفعل مع الآخرين كما فعل مع الأول.
وقال الشيخ حافظ الدين في " الكافي ": وشرح ذلك أرض بين جماعة مشتركة لأحدهم سدس وللآخر خمسة والآخر سهم، فأرادوا قسمتها على قدر سهامهم عشرة وخمسة وواحد.
وكيفية ذلك أن يجعل بنادق على عدة سهامهم ويقرع بينهم، وأول بندقة تخرج موضع على طرف من أطراف السهام، وهو أول السهام، ثم ينظر إلى البندقة لمن هي، فإن كانت لصاحب العشرة فأعطاه ذلك السهم وتسعة لسهم متصلة بذلك السهم الذي وضعت البندقة عليه ليكون سهام صاحبها على الاتصال، ثم يفرع بين البقية كذلك، فأول نيته قد خرج يوضح على طرف من الأطراف الستة الباقية، ثم ينظر إلى البندقة أين هي؟ فإن كانت لصاحب الخمسة أعطاه القاضي ذلك السهم وأربعة متصلة بذلك السهم، ويبقى السهم الواحد لصاحبه

(11/431)


وقد شرحناه مشبعا في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى.
وقوله في الكتاب: ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه بيان الأفضل، فإن لم يفعل أو لم يمكن جاز على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله، والقرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كانت البندقة لصاحب الواحد كان له الطرف الذي وضعت عليه البندقة فتكون الخمسة الباقية لصاحب الخمسة.
وتفسيره أن يكتب القاضي أسماء الشركاء في بطاقات ثم يطوي كل بطاقة بينهما يجعلها في قطعة طين، ثم يدلكها بين كفيه، حتى تصير مستديرة فتكون شبهة البندقة، كذا في " الذخيرة البرهانية " و " الفتاوى الظهيرية " ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة.
وقال الخصاف في " أدب القاضي " لا يقسم شيء من الدور والعقار حتى يصور ذلك ويعرف ما حولها ما كان ذلك مسارعا إلى الطريق أو إلى دار أو إلى بيوت ثم يميز ذلك حتى لا يكون لأحد على أحد طريق ولا سبيل، وليسوا على السهام التي يريدوا أن يقسموا عليها، فإذا قطعها على ذلك على أنه من أخرج أولا كان له موضع كذا، وكذا كل سهم يلي الآخر، فإذا علم أنه ليس يدخل عليهم ضرر في ذلك، وأنه طريقهم ومسيل مياههم ومرافقهم مستوية إلى القاضي بالصورة فوضعها القاضي بين يديه، وكتب رقاعا باسم رجل وامرأة منهم، وجعل كل رقعة منهما في طين وبندقة وقال من خرج سهمه أولا فله موضع كذا إلى موضع كذا، ثم الثاني يلي كذا إلى موضع كذا، ثم الثالث يليه حتى يقرع السهام وقد يطرح البنادق تحت شيء ثم يدخل يده فيخرج واحدة فينظر لمن هي فهو السهم الأول.
وكذا الثاني حتى يقرع ثم يكتب القاضي كتاب القسمة نسختين، نسخة تكون معهم، ونسخة تكون في ديوان القاضي، ويكتب في السجل أنه قسمها بينهم إن كانت قائمة عنده بيمين أو بإقراره إن كانوا أقروا عنده بذلك ويقسم الأثر على وجه، انتهى م: (وقد شرحناه مشبعا في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى) ش: أي قد شرحنا الأصل في ذلك مع كيفيته حال كونه مشبعا، أي مستوفى كاملا من غير ترك شيء فيما يتعلق بهذا الباب.

م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في "مختصره " م: (ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه بيان الأفضل، فإن لم يفعل) ش: أي فإن لم يفرز الطريق وبقي بينهم كما كان م: (أو لم يمكن) ش: أي إفراز الطريق م: (جاز على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله) ش: أراد عند قوله فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر أو طريق إلى آخر م: (والقرعة لتطييب القلوب وإزالة تهمة الميل) ش: أي ولإزالة تهمة الميل إلى أحد الشركاء.
وهذا جواب استحسان، والقياس يأباها، لأنه تعليق الاستحسان بخروج القرعة وذلك

(11/432)


حتى لو عين لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز لأنه في معنى القضاء، فيملك الإلزام.
قال: ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قمار، ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها في دعوى النسب ودعوى المال وتعيين المطلقة، ولكن تركناها هنا بالتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير منكر، وليس في معنى القمار، وليس في " المبسوط " استعمال القرعة حرام في القياس، لأن في الإقراع تعليق الاستحقاق بخروج القارعة، وهو حرام، لأنه في معنى القمار والاستقسام بالأزلام التي كان يعتاده أهل الجاهلية، ولكنا تركناه استحسانا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن هذا ليس في معنى القمار.
ونفي القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه، وهاهنا أصل الاستحقاق فلا يتعلق بخروجها، لأن القاسم لو قال أنا عدل فخذ أنت هذا الجانب وأنت هذا الجانب كان مستقيما، إلا أنه مما يتهم في ذلك، فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء وهي في تهمة الميل من نفسه وذلك جائز كما فعل يونس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مثل هذا مع أصحاب السفينة لما علم أنه هو المقصود، ولكن أبقى نفسه في الماء بما ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فاستعملها لذلك.
وكذلك زكريا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل القرعة في ضم مريم - عَلَيْهَا السَّلَامُ -، مع أنه كان أحق بها لمكان خالتها عنده، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا تطييبا لقلوبهن، ثم لا يجوز إلا بالبعض بعد خروج بعض السهام، كما لا يلتفت القاضي إلى آياته قبل خروج القرعة. وإن كان القاسم قسم بالتراضي فرجع بعضهم بعد خروج القرعة كان له ذلك.
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال في قول: لا يعتبر كقسمة الحاكم وبعد خروج كل السهام لا يعتبر رجوعه بالإجماع. وإذا خرج جميع السهام إلا واحدا فقد تمت القسمة لتعيين نصيب ذلك الواحد، وبعد ذلك لا يعتبر الرجوع.
م: (حتى لو عين لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز) ش: أي حتى لو عين القاسم لكل واحد من الشركاء نصيبا من غير أن يقرع بينهم لجاز، وفي بعض النسخ من غير إقراع م: (لأن القسمة في معنى القضاء فيملك الإلزام) ش: أي لأن القسمة، والتذكير باعتبار القسم في معنى قضاء القاضي، فيملك الإلزام، أي إلزام الشركاء بما فعل من القسمة، ولأن القرعة لتطييب القلوب كما ذكرنا.

[لا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم]
م: (قال: ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم) ش: أي الدراهم التي يجوز بها تفاوت الأنصباء يعني إذا كانت القسمة في عقار فأصاب أحدهم أكثر التفاوت فيعطي رب

(11/433)


لأنه لا شركة في الدراهم، والقسمة من حقوق الاشتراك، ولأنه يفوت به التعديل في القسمة؛ لأن أحدهما يصل إلى عين العقار ودراهم الآخر في ذمته، ولعلها لا تسلم له. وإذا كان أرض وبناء عن أبي يوسف: أنه يقسم كل ذلك على اعتبار القيمة، لأنه لا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالتقويم. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم الأرض بالمساحة؛ لأنه هو الأصل في الممسوحات، ثم يرد من وقع البناء في نصيبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزيادة دراهم لصاحبه لا يجوز إلا بالتراضي. صورته دار بين جماعة، فأرادوا قسمتها وفي أحد الجانبين فضل بناء فأراد أحد الشركاء أن يكون عوض البناء دراهم، وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض فإنه يجعل عوض البناء من الأرض لا من الدراهم إلا إذا تعذر، فحينئذ للقاضي ذلك. وإذا كان ذلك بالقاضي جاز ذلك، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرد فيها قائلا، لأن جاز وإن كان كثيرا بطلت القسمة م: (لأنه لا شركة في الدراهم) ش: أي لأن الشأن لا شركة في الدراهم، أراد أن الشركة لم يكن فيها دراهم م: (والقسمة من حقوق الاشتراك) ش: يعني القسمة لا تكون إلا فيما فيه اشتراك.
م: (ولأنه يفوت به التعديل) ش: أي ولأن الشأن يفوت بإدخال الدراهم م: (في القسمة) ش: التعديل أراد به في صورة يمكن التعديل بدون إدخال الدراهم، والتعديل هو المراد بالقسمة يفوت بإدخال الدراهم، وذلك م: (لأن أحدهما يصل إلى عين العقار ودراهم الآخر في ذمته) ش: أي لأن أحد المتقاسمين يصل إلى عين العقار والحال أن دراهم المتقاسم الآخر في ذمته وقت القسمة م: (ولعلها لا تسلم له) ش: أي ولعل الدراهم لا تسلم للآخر، لأنه من العلل وليس ما يصل الرجل إليه في الحال وما لا يصل معادلة، فلا يصار إليه إلا عند الضرورة.
م: (وإذا كان أرض وبناء) ش: ألفين مثلا فأرادا القسمة فروي م: (عن أبي يوسف أنه يقسم كل ذلك) ش: أي الأرض والبناء م: (على اعتبار القيمة، لأنه لا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالتقويم) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن القسمة لتعديل الأنصباء ولا يمكن التعديل بين الأرض والبناء إلا بالتقويم، فيصار إليه.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقسم الأرض بالمساحة) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القاضي يقسم الأرض بالذراع م: (لأنه هو الأصل في الممسوحات) ش: هي الأصل، وذكر الضمير باعتبار تأويل الذرع، وذلك لأن قدرها لا يعلم إلا بالذرع م: (ثم يرد من وقع البناء في نصيبه) ش: دراهم من الآخر بقدر فضل البناء، لأنه أكثر قيمة من العرصة غالبا.

(11/434)


أو من كان نصيبه أجود دراهم على الآخر حتى يساويه فتدخل الدراهم في القسمة كالأخ لا ولاية له في المال، ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة وإذا بقي فضل، ولا يمكن تحقيق التسوية، بأن كان لا تفي العرصة بقيمة البناء، فحينئذ يرد للفضل دراهم لأن الضرورة في هذا القدر فلا يترك الأصل إلا بها، وهذا يوافق رواية الأصل.
قال: فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر، أو طريق لم يشترط في القسمة. فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله م: (أو من كان نصيبه أجود) ش: أي أو يرد من كان نصيبه أجود، سواء كان الذي هو أصابه البناء أو أصاب العرصة م: (دراهم على الآخر حتى يساويه، فتدخل الدراهم في القسمة كالأخ لا ولاية له في المال) ش: أي كما قلنا في الأخ أنه ولاية له في مال أخته الصغيرة م: (ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج) ش: أي لأجل ضرورة صحة النكاح، لأن النكاح ليس بمشروع بلا مهر.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة) ش: أي وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعطي الشريك الآخر من العرصة بمقابلة فضل البناء حتى يستوي كل واحد من الشريكين في القسمة م: (وإذا بقي فضل) ش: من قيمة البناء م: (ولا يمكن تحقيق التسوية بأن كان لا تفي العرصة بقيمة البناء فحينئذ يرد للفضل دراهم) ش: أي وإذا بقي فضل من قيمة البناء، والحال أنه لم يمكن تحقيق التسوية بين البناء والعرصة بالزيادة من العرصة لكثرة فضل البناء، فحينئذ يرد من وقع في تهمة البناء دراهم على صاحبه بمقابلة ما بقي من الفضل.
وقوله: دراهم بالنصب حال من الفضل، فافهم. م: (لأن الضرورة في هذا القدر) ش: يعني لأن الضرورة دعت إلى إعطاء الدراهم في هذا القدر م: (فلا يترك الأصل) ش: الذي هو الذرع في المساحات م: (إلا بها) ش: أي لأجل الضرورة م: (وهذا يوافق رواية الأصل) ش: أي الذي روي عن محمد يوافق رواية المبسوط، لأنه قال فيه يقسم الدار مذارعة ولا يجعل لأحدهما على الآخر فضل من الدراهم وغيره.

م: (قال: فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر) ش: أي قال القدوري يعني فإن قسم القسام الدار المشتركة بين الشركاء والحال أن لأحدهم المسيل، والمسيل بفتح الميم وكسر السين موضع سيل الماء.
م: (أو طريق لم يشترط في القسمة، فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه) ش: أي عن الآخر

(11/435)


ليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة من غير ضرر. وإن لم يكن فسخت القسمة لأن القسمة مختلة لبقاء الاختلاط فتستأنف. بخلاف البيع، حيث لا يفسد في هذه الصورة؛ لأن المقصود منه تمليك العين وأنه يجامع تعذر الانتفاع في الحال أما القسمة فلتكميل المنفعة ولا يتم ذلك إلا بالطريق، ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول كذلك الجواب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ليس له) ش: أي الذي مسيله في نصيب الآخر م: (أن يستطرق) ش: أي يتخذ طريقا في نصيب الآخر م: (ويسيل) ش: من السيل، أي يجري ماء.
م: (في نصيب الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة) ش: وهو الإفراز والتمييز م: (من غير ضرر وإن لم يكن) ش: صرف الطريق والمسيل عنه م: (فسخت القسمة؛ لأن القسمة مختلة لبقاء الاختلاط) ش: وعدم الإفراز والتمييز م: (فتستأنف) ش: أي إذا كان كذلك فيستأنف القسمة.
وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي ": فهذا لا يخلو إما أن يذكر في القسمة الطريق أو لا يذكر، فإن ذكروا فالقسمة جاهزة ويمر في الطريق، وإن لم يذكروا فإنه ينظر إن كان له مفتح فيما أصابه فإنه يفتح الطريق فيها سواء ذكروا بكل حق هو له أو لم يذكروا وإن لم يكن له مفتح فيما أصابه إن ذكروا بكل حق هو له فإنه يمر في نصيب صاحبه، وإن لم يذكروا بكل حق هو له فالقسمة باطلة وكذلك في حق مسيل الماء.
م: (بخلاف البيع حيث لا يفسد في هذه الصورة) ش: يعني فيما إذا باع دارا أو أرضا فإنه لا يبطل لعدم دخول الطرق والشرب في البيع لأنهما لا يدخلان في البيع من غير ذكرهما، والمراد من الطريق الخاص في ملك إنسان م: (لأن المقصود منه) ش: أي من البيع م: (تمليك العين) ش: أي إثبات الملك في العين فحسب، والدار بدون الطريق والأرض بدون الشرب يقبل، والملك لا يستحق ذلك إلا بالتنصيص.
م: (وأنه يجامع تعذر الانتفاع في الحال) ش: أي وإن البيع يجامع تعذر الانتفاع بالمبيع في الحال، أراد أن الانتفاع به في الحال ليس بشرط في صحة البيع، كما إذا اشترى جحشا صغيرا بأن المبيع صحيح، مع أنه لا ينتفع به في الحال م: (أما القسمة لتكميل المنفعة ولا يتم ذلك) ش: أي تكميل المنفعة م: (إلا بالطريق) ش: لأن أحدا منهم لا ينتفع بنصيبه إلا بالطريق والشرب.
م: (ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول) ش: وهو إذا أمكن ضرب الميل والطريق م: (كذلك الجواب) ش: يعني ليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر إذا أمكن صرف الطريق والمسيل إن ذكر الحقوق في القسمة بأن قال القسام بذلك بحقوقك، فإن لم يمكن صرفها

(11/436)


لأن معنى القسمة الإفراز والتمييز، وتمام ذلك بأن لا يبقى لكل واحد تعلق بنصيب الآخر، وقد أمكن تحقيقه بصرف الطريق والمسيل إلى غيره من غير ضرر فيصار إليه، بخلاف البيع إذا ذكر فيه الحقوق حيث يدخل فيه ما كان له من الطريق والمسيل؛ لأنه أمكن تحقيق معنى البيع وهو التمليك مع بقاء هذا التعلق بملك غيره، وفي الوجه الثاني: يدخل فيها، لأن القسمة لتمليك المنفعة، وذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستحقها بذكر الحقوق، وحاصله أنه إن أمكن صف الطريق والمسيل فلا يخلو إما ذكر الحقوق أو لا، فإن لم يذكر لا يدخل الحقوق ولا تفسخ القسمة، وإن لم يمكن فإن ذكر الحقوق فتدخل الحقوق ولا تفسخ القسمة وإن لم يذكر الحقوق لا يدخل الحقوق ويفسخ القسمة.
صورته دار بين رجلين وفيها صفة بيت وباب البيت في الصفة ومسيل ماء البيت على سطح الصفة فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعه من الساحة ولم يذكر طريقا ولا مسيل ماء. وصاحب البيت يقدر أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ويسيل ماءه في ذلك، وإذا أراد أن يمر في الصفة على حاله فيسيل الماء على ما كان فليس له ذلك سواء شرط كل واحد أن له ما أصابه بكل حق له أو لا، بخلاف البيع، فإنه لو باع البيت وذكر في البيع الحقوق والمرافق دخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق لم يدخل، والفرق ما ذكرناه ولو لم يكن له مفتح للطريق ولا مسيل ماء، فإن كان ما ذكر في القسمة أن لكل واحد منهما ما أصابه بكل حق هو له جازت القسمة، وكان طريقه في الصفة ومسيل ماء على سطحه كما كان قبل القسمة وإن لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة، بخلاف البيع، فإنه يكون صحيحا وإن لم يذكر الحقوق والمرافق.
م: (لأن معنى القسمة الإفراز والتمييز، وتمام ذلك) ش: أي تمام الإفراز والتمييز م: (بأن لا يبقى لكل واحد تعلق بنصيب الآخر وقد أمكن تحقيقه) ش: أي تحقيق معنى القسمة م: (بصرف الطريق والمسيل إلى غيره من غير ضرر، فيصار إليه) ش: أي من غير ضرر إلى الغير، فيصار إلى صرفها إلى غيرهما من غير ضرر له.
م: (بخلاف البيع إذا ذكر فيه الحقوق حيث يدخل فيه ما كان له من الطريق والمسيل؛ لأنه أمكن تحقيق معنى البيع وهو التمليك) ش: أي إثبات الملك في العين م: (مع بقاء هذا التعليق) ش: وهو تعلق حق الطريق والمسيل م: (بملك غيره) ش: أي غير المشتري م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا لم يمكن صرف الطريق والمسيل م: (يدخل فيها) ش: أي يدخل كل واحد من الطريق والمسيل في القسمة م: (لأن القسمة لتمليك المنفعة وذلك) ش: أي تمليك المنفعة.

(11/437)


بالطريق والمسيل، فيدخل عند التنصيص باعتباره، وفيها معنى الإفراز، وذلك بانقطاع التعلق على ما ذكرنا، فباعتباره لا يدخل من غير تنصيص، بخلاف الإجارة حيث يدخل فيها بدون التنصيص؛ لأن كل المقصود الانتفاع وذلك لا يحصل إلا بإدخال الشرب والطريق، فيدخل من غير ذكر.
ولو اختلفوا في رفع الطريق بينهم في القسمة إن كان يستقيم لكل واحد طريق يفتحه في نصيبه، قسم الحاكم من غير طريق يرفع لجماعتهم لتحقق الإفراز بالكلية دونه، وإن كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بين جماعتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بالطريق والمسيل، فيدخل عند التنصيص) ش: بذكر الحقوق م: (باعتباره) ش: أي باعتبار تمليك المنفعة م: (وفيها) ش: أي في القسمة م: (معنى الإفراز، وذلك) ش: أي معنى الإفراز م: (بانقطاع التعلق من الغير على ما ذكرنا) ش: في أول الكتاب م: (فباعتباره) ش: أي فباعتبار معنى الإفراز (لا يدخل) ش: أي كل واحد من الطريق والمسيل م: (من غير تنصيص) ش: بذكر الحقوق.
والحاصل أنه باعتبار معنى تكميل الانتفاع ينبغي أن يدخل في القسمة وإن لم يذكر الحقوق، باعتبار معنى الإفراز ينبغي أن لا يدخل، أو إن ذكرت الحقوق في اعتبار المعنيين جميعا، فقلنا إذا ذكرت الحقوق دخلا في القسمة وإلا فلا.
م: (بخلاف الإجارة حيث يدخل فيها بدون التنصيص) ش: هذا يتعلق بقوله بخلاف البيع، أي حيث يدخل كل واحد من الطريق والمسيل في الإجارة بدون التنصيص بذكر الحقوق وبدون التنصيص عليهما أيضا م: (لأن كل المقصود الانتفاع) ش: أي ولأن المقصود كله من باب الإجارة الانتفاع بالمحل م: (وذلك لا يحصل إلا بإدخال الشرب والطريق، فيدخل من غير ذكر) ش: ألا ترى لو استأجر جحشا أو أرضا مسخة للزراعة لا يجوز لفوات ما هو المقصود وهو الانتفاع. بخلاف البيع، فإن المقصود منه تملك العين كما مر تقريره.

م: (ولو اختلفوا في رفع الطريق بينهم في القسمة) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو اختلف الشركاء أو الورثة، والمراد من رفع الطريق أن يترك الطريق بين جماعتهم مشتركا بينهم كما كان، ويرفع من القسمة ولا يدخل فيها. قال تاج الشريعة: يعني كان يقول بعض الشركاء كالإيداع طريقا يقسم الكل، وكان يقول بعضهم: بل يدعي. قال بعضهم: يرفع، وقال بعضهم: لا يرفع فالحكم في ذلك أن ينظره القاضي م: (إن كان يستقيم لكل واحد طريق يفتحه في نصيبه قسم الحاكم من غير طريق يرفع لجماعتهم) ش: أي من غير طريق يترك للجماعة، وقوله يرفع صفة الطريق م: (لتحقق الإفراز بالكلية دونه) ش: أي دون رفع الطريق.
م: (وإن كان لا يستقيم ذلك) ش: أي صح طريق في نصيبه م: (رفع طريقا بين جماعتهم)

(11/438)


ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق، ولو اختلفوا في مقداره جعل على عرض باب الدار وطوله لأن
الحاجة
تندفع به، والطريق على سهامهم كما كان قبل القسمة، لأن القسمة فيما وراء الطريق لا فيه.
ولو شرطوا أن يكون الطريق بينهما أثلاثا جاز وإن كان أصل الدار نصفين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني يتركه مشتركا فيما بينهم ولا يقسم قدر الطريق م: (ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق) ش: وهذا ظاهر، ولم يرفع الطريق هنا يتعطل على البعض منافعه إلا إذا تراضوا على ذلك لأنهم عطلوا منافع إهلاكهم باختيارهم، ومن ترك النظر لنفسه لا ينظر له، كذا في " شرح الكافي ".
م: (ولو اختلفوا في مقداره) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو كان اختلف الشركاء في مقدار الطريق، يعني في سعته وضيقه م: (جعل على عرض باب الدار وطوله) ش: على باب الدار الأعظم وطوله، والمراد بالطول هو الطول من حيث الأعلى، لا الطول من حيث المشي وهو ضد عرضه، لأن ذلك الطول إنما يكون إلى حيث ينتهي بهما إلى الطريق الأعظم، وفائدته قسمة ما وراء الطول من الأعلى.
حتى لو أراد بعضها أن يشرع جناحا في نصيبه إن كان فوق طول الباب له ذلك، لأن الهواء فيما يراد على طول الباب مقسوم بينهم، فصار ما ينافي خالص حقه، وإن كان فيما دون طول الباب يمنع من ذلك، لأن قدر الطول من الهواء مشترك، والبناء على قدر الهواء المشترك لا يجوز من غير رضاء الشركاء وإن كان أرضا يرفع مقدارا يمر فيه ثور، لأنه لا بد له من الزراعة فلا يجعل الطريق مقدار ما يمر ثوران معا، وإن كان يحتاج إلى ذلك لأنه لا يحتاج إلى هذا يحتاج إلى العجلة فيؤدي إلى ما يتناهى، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ - و " الذخيرة " و " المحيط ".
وقالت الثلاثة: يعتبر في قدر الطريق ما تدعو الحاجة إليه في الدخول والخروج بحسب العادة وبما ذكرنا اندفع ما قاله الأترازي: في هذا اللفظ إبهام، لأنه يسبق الوهم إلى أن طول الطريق مقدار طول باب الدار وليس كذلك، بل طول الطريق من أعلاه على أقل ما يكفيهم.
م: (لأن الحاجة تندفع به) ش: أي يجعل الطريق على عرض باب الدار وطوله م: (والطريق على سهامهم كما كان قبل القسمة؛ لأن القسمة فيما وراء الطريق لا فيه) ش: أي الطريق على سهام الشركاء كما كان قبل الانقسام، قوله لا فيه، أي لا في الطريق.

م: (ولو شرطوا أن يكون الطريق بينهما أثلاثا جاز وإن كان أصل الدار نصفين) ش: هذا أيضا ذكره تفريعا على مسألة القدوري. قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح

(11/439)


لأن القسمة على التفاضل جائزة بالتراضي.
قال: وإن كان سفل لا علو عليه، وعلو لا سفل له، وسفل له علو، قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة ولا معتبر بغير ذلك. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكافي ": وإن اشترطوا أن يكون الطريق بينهما لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فهو جائز لما ذكر أنه مبادلة بتراضيهما، فيعتبر اصطلاحهما في ذلك.
وإن اشترطا أن يكون الطريق على قدر ساحة ما في أيديهما فهو جائز، وهذا نص على أن بيع الممر جائز، لأن القسمة بيع من حيث المعنى. وقد ذكر في كتاب الصلح: إنه إذا كان الطريق لأحدهما والممر للآخر فباعا الطريق فإنه يكون الثمن بينهما نصفين، فدل على أنه دخل في العقد أصلا، فعلى هذه الرواية يجوز بيع الشرب، لأنه من جملة الحقوق كالطريق.
وقال في " الزيادات ": بيع الحقوق لا يجوز، والممر من جملة الحقوق. فعلى رواية الزيادات لا فرق بين الشرب والممر في عدم جواز البيع، وكذا حق التعلي. ثم قال في " شرح الكافي ": وإن اشترطا أن يكون الطريق لصاحب الأقل والآخر يمر فيه فهو جائز. وإن لم يشترطا شيئا من ذلك فهو بينهما على قدر ما ورثا، لأن القسمة لم تتناول الطريق، فبقي بينهما على ما كان في الأصل. م: (لأن القسمة على التفاضل جائزة بالتراضي) ش: لأن من رضي أن يترك حقه لا يعترض عليه.

م: (قال وإن كان سفل لا علو عليه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": وكان هذا تاما فلا يحتاج إلى الخبر، أي وإن وجد سفل بكسر السين. وقوله: لا علو عليه صفة، وهو بكسر العين وسكون اللام. قال الجوهري: وعلو الدار وعلوها نقيض سفلها، والعلو بضم العين واللام وتشديد الواو م: (وعلو لا سفل له، وسفل له علو، قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة ولا معتبر بغير ذلك) ش: أي بغير التقويم والقسمة بالقيمة، ولم يذكر القدوري فيه قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، لأنه اختار قول محمد وأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم مثل قول الطحاوي، وغيره اختاروا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا المذكور في القدوري عند محمد. في " الذخيرة " صورته علو مشترك بينهما بدون سفل، وسفل مشترك بينهما بدون علو، وسفل وعلو مشتركان بينهما وطلب القسمة من القاضي، فعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقسم على قيمة السفل والعلو، فإن كانت قيمتهما على السواء يجب ذراع بذراع.

(11/440)


وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: يقسم بالذراع. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو من اتخاذه بئر ماء أو سردابا أو اصطبلا أو غير ذلك، فلا يتحقق التعديل إلا بالقيمة. وهما يقولان: إن القسمة بالذراع هي الأصل؛ لأن الشركة في المذروع لا في القيمة، فيصار إليه ما أمكن، والمراعى التسوية في السكنى لا في المرافق. ثم اختلفا فيما بينهما في كيفية القسمة بالذراع، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع من سفل بذراعين من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كانت قيمة أحدهما ضعف قيمة الآخر يحسب من الذي قيمته على النصف ذراع بذراعين من الآخر حتى استويا في القيمة. وعند الثلاثة لا يجبر الآبي من القسمة، وعندنا يقسم كما ذكرنا في الكتاب.
م: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: يقسم بالذراع) ش: قال الطحاوي في "مختصره " وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول في العلو الذي لا سفل له وفي السفل الذي لا علو له يجب من القيمة ذراع من السفل بذراعين من العلو.
وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: يحسب كل ذراع من العلو بذراع من السفل. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقوم كل ذراع من العلو على أن لا سفل له، وكل ذراع من السفل على أن لا علو له، وهذا أجود انتهى.
م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو لاتخاذه بئر ماء أو سردابا) ش: قال الصنعاني في " العتاب ": السرداب بكسر السين، والعامة بفتحها، وهو معرب سرداب بفتح السين وبالمد وهو الجب الكبير.
وكذلك سودان السرداب الذي يبنى تحت الأرض م: (أو اصطبلا أو غير ذلك) ش: نحو الطبخ وبيت الحطب والتبن والطاحونة ونحوها، والعلو لا يصلح لهذه الأشياء ولا يصلح إلا للمفرقة م: (فلا يتحقق التعديل إلا بالقيمة) ش أي التعديل في القسمة.
م: (وهما يقولان) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف م: (إن القسمة بالذراع هي الأصل؛ لأن الشركة في المذروع لا في القيمة، فيصار إليه ما أمكن) ش: أي فصار إلى ما ذكر من القيمة بالذرع مهما أمكن م: (والمراعى التسوية في السكنى لا في المرافق) ش: أي المنافع لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وأراد بالمراعى الاعتبار وهو بفتح العين م: (ثم اختلفا فيما بينهما) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف
م: (في كيفية القسمة بالذراع، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع من سفل بذراعين من

(11/441)


علو وقال أبو يوسف - رحمه لله -: ذراع بذراع. قيل: أجاب كل واحد منهم على عادة أهل عصره أو أهل بلده في تفضيل السفل على العلو واستوائهما وتفضيل السفل مرة والعلو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علو. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع بذراع) ش: أي يحمل ذراع بمقابلة ذراع منهما جميعا. وقال شيخ الإسلام أبو الفضل محمد بن أحمد الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": إذا كان سفل بين رجلين وعلو من بيت آخر بينهما وأراد أن يقسمه القاضي فإنه يقسم البناء على سبيل القيمة بالاتفاق.
فأما المساحة فيقسم كل ذراع من السفل بذراعين من العلو، فيذرع ساحة العلو طولا وعرضا فيضرب الطول في العرض فيعلم مبلغه.
وكذلك مساحة السفل يذرع طولا وعرضا فيضرب طوله في عرضه فيعلم مبلغه فيدفع كل ذراع من السفل بذراع من العلو. قال: وهذا ذرع لمسألة أخرى وهو أن لصاحب السفل أن سفل بالإجماع إذا كان لا يضر بالعلو وليس لصاحب العلو أن يتعلق فوقه وإن لم يضر بصاحب العلو عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وعندهما له أن يصل ذلك فقد استوت منفعة العلو والسفل عندهما فكذلك قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كل ذراع من السفل بذراع من العلو. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - منفعة العلو نقص من منفعة السفل فكذلك كان كل ذراع من السفل بذراعين من العلو. وإذا كان بيت كامل وعلو وسفل بين رجلين في بيت آخر بينهما فأراد قسمتها بالتعديل فكل زراع من بيت كامل بثلاثة أذرع من العلو، لأن ذراعا من العلو هذا بذراع من العلو ذاك، وذراع من سفل هذا بذراعين من علو ذاك عند أبي حنيفة وأبي يوسف كل ذراع من البيت الكامل بذراعين من العلو، وإذا كان بيت كامل فكل ذراع من البيت الكامل بذراع ونصف من السفل عنده، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كل ذراع من البيت الكامل بذراعين من السفل، وأما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي الفصول ما يقسم على سبيل القيمة، وبه أخذ الطحاوي، انتهى.
م: (قيل: أجاب كل واحد منهم) ش: أي كل واحد من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (على عادة أهل عصره، أو أهل بلده في تفضيل السفل على العلو) ش: أشار به إلى قول أبي حنيفة فإنه أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في تفضيل السفل على العلو م: (واستوائهما) ش: أي استواء العلو والسفل، وأشار به إلى قول أبي يوسف فإنه أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل بغداد التسوية بين العلو والسفل.
م: (وتفضيل السفل مرة) ش: أي تفضيل السفل على العلو مرة كما مر في الكوفة م: (والعلو

(11/442)


أخرى، وقيل: هو اختلاف معنى ووجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن منفعة السفل تربو على منفعة العلو بضعفه؛ لأنها تبقى بعد فوات العلو، ومنفعة العلو لا تبقى بعد فناء السفل، وكذا السفل فيه منفعة البناء والسكنى، وفي العلو السكنى لا غير إذ لا يمكنه البناء على علوه إلا برضا صاحب السفل، فيعتبر ذراعان منه بذراع من السفل. ولأبي يوسف: أن المقصود أصل السكنى وهما يتساويان فيه، والمنفعتان متماثلتان؛ لأن لكل واحد منهما أن يفعل ما لا يضر بالآخر على أصله. ولمحمد: أن المنفعة تختلف باختلاف الحر والبرد، بالإضافة إليهما فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة، والفتوى اليوم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله لا يفتقر إلى التفسير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخرى) ش: أي وتفضيل العلو على السفل مرة أخرى كما في مكة والبصرة، وأشار بهذا إلى جواب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقيل: هو اختلاف معنى) ش: أي حجة وبرهان، قيل إن الاختلاف يعني الفقهاء.
ثم شرع يبين ذلك بقوله م: (ووجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن منفعة السفل تربو) ش: أي تزيد م: (على منفعة العلو بضعفه) ش: قال أبو عبيدة ضعف الشيء مثله. وقال الأزهري الضعف المسيل إلى ما زاد، وهو في الأصل زيادة غير محصورة م: (لأنها تبقى بعد فوات العلو) ش: أي ولأن منفعة السفل تبقى بعد فوات العلو م: (ومنفعة العلو لا تبقى بعد فناء السفل) ش: لأن بقاء منفعته ببقاء السفل، فإذا ذهب ذهبت م: (وكذا السفل فيه منفعة البناء والسكنى) ش: فلو أراد أن يحفر في سفله سردابا لم يكن لصاحب العلو منعه من ذلك م: (وفي العلو السكنى لا غير إذ لا يمكنه البناء على علوه إلا برضا صاحب السفل، فيعتبر) ش: أي إذا كان كذلك فيعتبر م: (ذراعان منه) ش: أي من العلو م: (بذراع من السفل) ش:
م: (ولأبي يوسف: أن المقصود أصل السكنى، وهما يتساويان فيه) ش: أي صاحب العلو وصاحب السفل يتساويان في أصل السكنى م: (والمنفعتان متماثلتان؛ لأن لكل واحد منهما أن يفعل ما لا يضر بالآخر على أصله) ش: أي على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ولمحمد: أن المنفعة) ش: أي منفعة العلو والسفل م: (تختلف باختلاف الحر والبرد بالإضافة إليهما) ش: أي إلى العلو والسفل، يعني أن في كل موضع يشتد البرد ويكثر الريح يختار السفل على العلو. وفي موضع تكثر العذرة في الأرض يختار العلو، وربما يختلف ذلك أيضا باختلاف الأوقات م: (فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة) ش: لأن المراد من القسمة التعديل فيصار إلى القيمة م: (والفتوى اليوم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا في " المبسوط " و" الذخيرة " و" المغني " و " المحيط "، وبه قالت الثلاثة م: (وقوله لا يفتقر إلى التفسير) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى التفسير، لأنه قال بالقيمة وهو ظاهر.

(11/443)


وتفسير قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسألة الكتاب: أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل؛ لأن العلو مثل نصف السفل فثلاثة وثلاثون وثلث من السفل ستة وستون وثلثان من العلو المجرد. ومعه ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من العلو فبلغت مائة ذراع تساوي مائة من العلو المجرد، ويجعل بمقابلة مائة ذراع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وتفسير قول أبي حنيفة في مسألة الكتاب) ش: أي القدوري م: (أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد) ش: الذي لا سفل له م: (ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل) ش: وهو يشتمل على العلو والسفل م: (لأن العلو مثل نصف السفل) ش: فكان العلو والسفل مثل مائة ذراع من السفل، وموضع هذه المسألة أنها في دار واحدة، وعنده يقسم إذا كانت دارا واحدة، وإن كانت في دارين محمولة على رضاهم بذلك.
م: (فثلاثة وثلاثون وثلث من السفل ستة وستون وثلثان من العلو المجرد) ش: وأشار بالفاء التفسيرية إلى تفسير قوله لأن العلو مثل نصف السفل، وتقريره أي ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من السفل الكامل هو ستة وستون وثلثا ذراع من العلو الكامل، بمعنى يقابل الثلاثة والثلاثين والثلث وستة وستين وثلثين.
فقوله: ستة وستون خبر لقوله ثلاثة وثلاثون، فافهم. أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل، لأن الذراع الواحد من البيت الكامل بمقابلة ثلاثة أذرع من العلو المجرد، فإذا ضربت الثلاثة في ثلاثة وثلاثين وثلث ذراع يكون مائة فيستوي الثلاثة والثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل مع مائة ذراع من العلو المجرد، ويجعل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع، لأن كل ذراع من البيت الكامل بمقابلة ذراع ونصف من السفل المجرد، فإذا ضربت الواحد والنصف في ستة وستين وثلثي ذراع يكون مائة لا محالة فيشتري الستة والستون والثلثان من البيت الكامل مع مائة ذراع من السفل المجرد فافهم.
م: (ومعه ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من العلو) ش: أي مع الستة والستين والثلثين ثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع من العلو المجرد، وتذكير الضمير باعتبار المذكور أو العدد المذكور م: (فبلغت مائة ذراع تساوي مائة من العلو المجرد) ش: أي فبلغت الستة والستون والثلثان مع الثلاثة والثلاثين والثلث مائة ذراع، فصح ما قاله أن مائة ذراع من العلو المجرد بمقابلة ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل، فكان هذا التقابل بين البيت الكامل والعلو المجرد.
ثم شرع بذكر ما يقابل البيت الكامل والسفل المجرد، فيقال م: (ويجعل بمقابلة مائة ذراع

(11/444)


من السفل المجرد من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع؛ لأن علوه مثل نصف سفله فبلغت مائة ذراع كما ذكرنا. وتفسير قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يجعل بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل المجرد ومائة ذراع من العلو المجرد؛ لأن السفل والعلو عنده سواء فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل، وخمسون منها علو.
قال: وإذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل وهو قول أبي يوسف أولا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من السفل المجرد) ش: الذي لا علو له م: (من البيت الكامل) ش: فكان هذا التقابل م: (ستة وستون وثلثا ذراع؛ لأن علوه) ش: أي علو البيت الكامل م: (مثل نصف سفله فبلغت مائة ذراع كما ذكرنا) ش: أي الأذرع التي تقدر من البيت الكامل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد يبلغ المائة، لأنه لما أخذ من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع بمقابلة مثلها من السفل المجرد ثم زيد على هذا العدد نصفه وهو ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع، لأن بهذا التعدد من البيت الكامل أعني ستة وستين وثلثي ذراع علو إذ هو مقدر بنصف هذا، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، فكان المجموع مائة، فكانت هذه المائة من الثلث الكامل بمقابلة مائة من السفل المجرد كما ذكرنا، والسفل المجرد ستة وستون وثلثا، أي لأنه ضعف العلو فيجعل بمقابلة مثله، أي السفل الذي لا علو له ستة وستون ذراعا، لأنه ضعف العلو المجرد.
م: (وتفسير قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يجعل بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل المجرد ومائة ذراع من العلو المجرد) ش: أي أو يجعل مائة ذراع من العلو المجرد الذي لا سفل له بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل م: (لأن السفل والعلو عنده سواء) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل، وخمسون منها علو) ش: وهذا ظاهر.

[إذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما]
م: (قال: وإذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما) ش: أي قال القدوري: صورته دار قسمت بين ورثة أو مشتري وأنكر بعضهم أنه استوفى نصيبه وشهد عليه القاسمان بذلك تقبل شهادتهما، ولم يذكر القدوري فيه الخلاف م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: أي قال المصنف الذي ذكره القدوري هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل، وهو قول أبي يوسف أولا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما) ش: أي

(11/445)


وقاسما القاضي وغيرهما سواء. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهما شهدا على فعل أنفسهما، فلا تقبل كمن علق عتق عبده بفعل غيره فشهد ذلك الغير على فعله. ولهما: أنهما شهدا على فعل غيرهما وهو الاستيفاء والقبض لا على فعل أنفسهما؛ لأن فعلهما التميز ولا حاجة إلى الشهادة عليه، أو لأنه لا يصلح مشهودا به لما أنه غير لازم. وإنما يلزمه بالقبض والاستيفاء وهو فعل الغير فتقبل الشهادة عليه. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قسما بأجر لا تقبل الشهادة بالإجماع، وإليه مال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنهما يدعيان إيفاء عمل استؤجرا عليه، فكانت شهادة صورة ودعوى معنى، فلا تقبل، إلا أنا نقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكر الخصاف في " أدب القاضي " قول محمد كقولهما، فقال: وإذا قسمت الدار والأرض بين الورثة وأنكر بعضهم أن يكون استوفى نصيبه وشهد عليه قاسِما القاضي اللذان توليا القسمة بينهم أنهما تقاصرا في نصيبه فإن شهادتهما جائزة عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، انتهى. وكان القدوري ذهب إلى ما ذكره الخصاف م: (وقاسما القاضي وغيرهما سواء) ش: أي سواء كان الشاهدان اللذان شهدا في المسألة المذكورة المتقاسمين اللذين يقسمهما القاضي أو غيرهما ممن اختارها المتقاسمون.
م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما شهدا على فعل أنفسهما فلا تقبل) ش: لأنهما متهمان في هذه الشهادة م: (كمن علق عتق عبده بفعل غيره فشهد ذلك الغير على فعله) ش: بأن علق عتقه بكلام رجلين فشهد أنه كلامهما.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنهما شهدا على فعل غيرهما وهو الاستيفاء والقبض لا على فعل أنفسهما؛ لأن فعلهما التميز ولا حاجة إلى الشهادة عليه أو لأنه) ش: أي لأن فعل أنفسهما الذي هو التمييز م: (لا يصلح مشهودا به لما أنه غير لازم) ش: أي لا يلزم حكما فلا يكون مقصودا، فلا تكون الشهادة عليه من حيث المعنى م: (وإنما يلزمه بالقبض والاستيفاء) ش: لأن القبض هو الملزوم م: (وهو فعل الغير فتقبل الشهادة عليه) ش: لعدم التهمة.
م: (وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قسما بأجر لا تقبل الشهادة بالإجماع) ش: لأنهما جرا لأنفسهما شيئا م: (وإليه مال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي إلى قول الطحاوي، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنهما يدعيان إيفاء عمل استؤجرا عليه فكانت شهادة صورة ودعوى معنى، فلا تقبل) ش: لأن المدعي لا تقبل شهادته م: (إلا أنا نقول) ش: استيفاء من قوله وإليه مال بعض المشايخ.

(11/446)


هما لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما مغنما لاتفاق الخصوم على إيفائهما العمل المستأجر عليه، وهو التمييز، وإنما الاختلاف في الاستيفاء فانتفت التهمة. ولو شهد قاسم واحد لا تقبل، لأن شهادة الفرد غير مقبولة على الغير. ولو أمر القاضي أمينه بدفع المال إلى آخر يقبل قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه، ولا يقبل في إلزام الآخر إذا كان منكرا، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإشاراته اختار قول صاحب القدوري والمعنى لكن نحن نقول م: (هما) ش: أي القاسمان اللذان شهدا م: (لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما مغنما) ش: أي غنيمة، يعني منفعة م: (لاتفاق الخصوم على إيفائهما العمل المستأجر عليه) ش: على أنهما قد أوفيا العمل الذي قد استأجروهما لأجله م: (وهو التمييز) ش: أي العمل المستأجر عليه هو تمييز الحقوق بينهم م: (وإنما الاختلاف في الاستيفاء) ش: أي وإنما وقع اختلاف المتقاسمين في استيفاء بعض الحقوق، وهو غير فعل التمييز فوقعت شهادتهما على فعل الغير م: (فانتفت التهمة) ش: فتقبل الشهادة.
م: (ولو شهد قاسم واحد لا تقبل) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو شهد قاسم واحد على القسمة لا تقبل م: (لأن شهادة الفرد غير مقبولة على الغير) ش: لأن قول الواحد ليس بحجة في الشرع م: (ولو أمر القاضي أمينه بدفع المال إلى آخر) ش: بأن قال له القاضي ادفع هذا المال إلى فلان فقال قد دفعته م: (يقبل قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه) ش: يعني إذا أنكر المدفوع إليه فالأمين يصدق في البراءة لنفسه م: (ولا يقبل في إلزام الآخر إذا كان منكرا) ش: لأن قول الأمين حجة واقعة غير ملزمة، والله أعلم.

(11/447)


باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها قال: وإذا ادعى أحدهم الغلط وزعم أن مما أصابه شيئا في يد صاحبه وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء لم يصدق على ذلك إلا ببينة، لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها، فلا يصدق إلا بحجة. فإن لم تقم له بينة استحلف الشركاء، فمن نكل منهم جمع بين نصيب الناكل والمدعي، فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما، لأن النكول حجة في حقه خاصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها]
م: (باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها) ش: أي هذا باب في بيان دعوى المتقاسمين الغلط في القسمة وظهور الاستحقاق فيها، وإنما أخره لكونه من العوارض، والوجه تأخيره.
م: (قال: وإذا ادعى أحدهم الغلط) ش: أي قال القدوري في "مختصره": أي إذا ادعى أحد المتقاسمين الغلط في القسمة م: (وزعم أن مما أصابه شيئا في يد صاحبه) ش: أي من الذي أصابه من العقار مثلا شيء وقع في يد صاحبه، وفي بعض النسخ شيئا بالنصب وهو الوجه، لأنه اسم أن.
ووجه الرفع على لغة البعض كما في قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] (طه: الآية 63) م: (وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء) ش: أي والحال أنه قد أشهد على نفسه، وفسره في المبسوط أي أقر بالاستيفاء.
وكذا قال تاج الشريعة: أي أقر أنه استوفى نصيبه م: (لم يصدق على ذلك إلا بينة) ش: أي لم يصدق على ما ادعاه من الغلط إلا بحجة م: (لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها فلا يصدق إلا بحجة) ش: كالمشتري إذا ادعى لنفسه خيار الشرط، فإن أقامها فقد نوى دعوى، وإن عجز عنها وهو معنى.
م: (فإن لم يقم له بينة استحلف الشركاء) ش: قيد بقوله استحلف الشركاء لأنهم لو أقروا بذلك لزمهم، فإذا أنكروا واستحلفوا عليه لرجاء النكول، وكان حق التركيب أن يقول استحلف شريكه، لأنه قال ولا. وإذا ادعى أحدهما الغلط م: (فمن نكل منهم) ش: أي من الشركاء م: (جمع بين نصيب الناكل والمدعي فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما؛ لأن النكول حجة في حقه خاصة) ش: لأن الناكل كالمقر، وإقراره حجة عليه دون غيره، ولو فسر هذا التركيب من وجهين، الأول: أن الجملة وقعت خبرا وهي عارية عن الضمير فلا يجوز، والثاني: في قوله أنصبائهما.
قلت: أما الأول فلأن اللام في قوله الناكل، أعني عن الضمير، وأما الثاني فهو من قبيل

(11/448)


فيعاملان على زعمهما. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا لتناقضه وإليه أشار من بعد. قد استوفيت حقي وأخذت بعضه فالقول قول خصمه مع يمينه. لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر. وإن قال: أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) ، م: (فيعاملان على زعمهما) ش: أي فيعامل الناكل والمدعي على حسب زعمهما بفتح الزاي وسكون العين من زعم يزعم، من باب نصر ينصر، وهو يستعمل في الأمر الذي لا يوثق به، ويجوز ضم الزاي أيضا، وأما زعم مثل علم يعلم فمعناه طمع، ومصدره زعم بفتحتين.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا) ش: يعني وإن أقام البينة، والقائل هو المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لتناقضه) ش: أي لتناقض المدعي، فإنه إذا أشهد على نفسه بالاستيفاء فبعد ذلك بقاء حقه في يد آخر يناقض، فينبغي أن لا يسمع دعواه، كذا في " المبسوط " " وفتاوى قاضي خان " واعتذر بعضهم في هذا فقال: التناقض عفو في موضع الخفاء كالعبد يدعي الحرية بعد إقراره أنه رقيق.
وقال الحاكم الشهيد في " الكافي " وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في رجل مات وترك دارا وابنين فاقتسما الدار وأخذ كل واحد نصيبه وأشهد على القسمة والقبض والوفاء ثم ادعى أحدهما ما في يد صاحبه لم يصدق على ذلك، إلا أن يقر صاحبه، فعلم بهذا أنه لا تقبل بينته بعد الإقرار بالاستيفاء كما قال صاحب " الهداية " م: (وإليه أشار من بعد) ش: إلى ما ذكرنا أشار القدوري في قوله وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء.
وقال تاج الشريعة: ويحتمل أن تكون الإشارة في المسألة الثالثة وهو إذا لم يشهد على نفسه بالاستيفاء والحكم فيها التحالف، لأنهما اختلفا في قدر المقبوض وقد وجد هذا المعنى في المسألة الأولى ولم يشرع التحالف على أن عدم التحالف في المسألة الأولى للتناقض.
م: (وإن قال: قد استوفيت حقي وأخذت بعضه فالقول قول خصمه مع يمينه) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر) ش: وقوله استوفيت بضم التاء إذا استوفى، وقوله وأخذت بفتح، أي أنت أخذت بعض حقي لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر، والقول للمنكر مع يمينه.
م: (وإن قال: أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي) ش: هذا لفظ القدوري، أي وإن قال أحد المتقاسمين للآخر م: (ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء) ش: أي والحال أن المدعي لم يشهد

(11/449)


وكذبه شريكه تحالفا وفسخت القسمة، لأن الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة، فصار نظير الاختلاف في مقدار المبيع على ما ذكرنا من أحكام التخالف فيما تقدم.
ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على نفسه بأنه استوفى نصيبه م: (وكذبه شريكه) ش: أي في قوله أصابني إلى موضع كذا م: (تحالفا وفسخت القسمة لأن الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة) ش: فيكون الاختلاف في نفس القسمة م: (فصار نظير الاختلاف في مقدار المبيع) ش: أي صار الحكم المذكور نظير اختلاف المتبايعين في قدر المبيع فوجد التخالف م: (على ما ذكرنا من أحكام التخالف فيما تقدم) ش: في "كتاب الدعوى"

[اختلفا في التقويم في القسمة]
م: (ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، وذكر الأسبيجابي في " شرح القدوري " وإن اقتسما مائة شاة فأصاب أحدهما خمسا وخمسين شاة والآخر خمسا وأربعين شاة، ثم ادعى صاحب الأوكس غلطا في التقويم لم تقبل بينته في ذلك، لأن القسمة منهم إقرار بالتساوي، فإذا ادعى التفاوت وقد أنكر ما أقر به فلا يسمع ولم يفصل بينهما إذا كانت القسمة بالقضاء أو بالتراضي وبينهما ما إذا كان الغبن يسيرا أو فاحشا كما ترى.
وكذلك أطلق الكرخي في "مختصره ". وقال في المسائل في قسم " المبسوط " اختلفا في التقويم لا يلتفت إلى قولهم، لأن القسمة إن كانت بالتراضي فالقاضي لا يقضي إلا بتقويم المقومين، فصار كما لو قضى ثم ادعى أنه ذو رد. وإن كانت بالتراضي فهو مدعي عينا والعقد لا يخلو عنه. وقال في كتاب " أدب القاضي " من " شرح الطحاوي " إذا ادعى الغلط في التقويم وكانت الغبن وأنتم قومتموه بألف فهذا لا يلتفت إليه لأنه يدعي الغبن، والغبن بالتقويم لا يبطل القسمة كالبيع.
ثم قال: وقيل: هذا إذا كانت قسمة الرضا، فأما إذا كانت القسمة بالقضاء له حق الفسخ، لأنه لم يرض بذلك.
وقال في " الفتاوى الصغرى " ادعى أحد المتقاسمين الغلط في القسمة من حيث القيمة، يعني إذا ادعى عيبا في القيمة إن كان يسيرا بحيث يدخل تحت تقويم المقومين لا يسمع دعواه ولا تقبل بينته. وإن كان بحيث لا يدخل تقويم المقومين، وإن كانت القسمة بالقضاء لا بالتراضي تسمع بينته بالاتفاق. وإن كان لا يتراضى الخصمان إلا بقضاء القاضي لم يذكر في "الكتاب".
وحكي عن الفقيه أبي جعفر أنه كان يقول: إن قيل يسمع فله وجه، بخلاف الغبن في البيع

(11/450)


لأنه دعوى الغبن ولا معتبر به في البيع، فكذا في القسمة لوجود التراضي، إلا إذا كانت القسمة بقضاء القاضي والغبن فاحش، لأن تصرفه مقيد بالعدل.
ولو اقتسما دارا وأصاب كل واحد طائفة فادعى أحدهما بيتا في يد الآخر أنه مما أصابه بالقسمة وأنكر الآخر فعليه إقامة البينة لما قلنا. وإن أقاما البينة يؤخذ ببينة المدعي لأنه خارج، وبينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد. وإن كان قبل الإشهاد على القبض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن قيل لا يسمع فله وجه أيضا كما قال في البيع، وحكي عن الفقيه أنه كان يقول يسمع كما إذا كانت بقضاء القاضي وهو الصحيح كما ذكره في " شرح المختصر ". وذكر في " أدب القاضي " من شرح القاضي الإمام الأسبيجابي أن في دعوى الغبن في القسمة إذا كان بالتراضي لا يسمع كما في البيع.
قال بعض المشايخ قالوا تسمع كما لو كانت القسمة بقضاء القاضي. وذكر الأسبيجابي في "شرحه" دقيقة لطيفة فقال وهذا كله إذا لم يقر الخصم بالاستيفاء، فأما إذا أقر بالاستيفاء فإنه لا يصح دعواه الغلط والغبن إلا إذا ادعى الغصب فحينئذ يسمع دعواه، إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى " والصدر الشهيد أخذ بالقول الأول كذا في " الذخيرة ".
وفي " فتاوى قاضي خان " جعل القول الأخير أولى، به قال الفضلي. وعند الشافعي لم تقبل دعواه في القسمة بالتراضي كما ذكر الشهيد بالقضاء تقبل.
م: (لأنه دعوى الغبن ولا معتبر به) ش: أي بدعوى الغبن، وتذكير الضمير على تأويل الأدعى م: (في البيع) ش: بأن اشترى شيئا بثمن معلوم، ثم ادعى الغبن فيه فإنه لا تسمع م: (فكذا في القسمة لوجود التراضي إلا إذا كانت القسمة بقضاء القاضي والغبن فاحش، لأن تصرفه مقيد بالعدل) ش: أي لأن تصرف القاضي مقيد بالعدل، فإذا ظهر الغبن الفاحش ظهر أن القضاء كان بغير عدل.

م: (ولو اقتسما دارا وأصاب كل واحد طائفة) ش: أي ينتقص، ونصيب هذه المسألة غير مسألة أول الباب، إلا أنها أعيدت لبناء مسائل أخرى عليها، قيل أعادها لزيادة البيان م: (فادعى أحدهما بيتا في يد الآخر أنه مما أصابه) ش: أي أن البيت من الذي أصابه، يعني من نصيب الذي أصابه م: (بالقسمة وأنكر الآخر فعليه إقامة البينة لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لم يصدق على ذلك إلا ببينة، لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها.
م: (وإن أقاما البينة) ش: أي وإن أقام كل واحد منهما البينة على ما يدعيه م: (يؤخذ ببينة المدعي لأنه خارج، وبينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد) ش: وفيه خلاف الشافعي، وقد مر في الدعوى م: (وإن كان قبل الإشهاد على القبض) ش: أي وإن كان ما ادعياه قبل الإقرار بالقبض م:

(11/451)


تحالفا وترادا.
وكذا إذا اختلفا في الحدود وأقاما البينة يقضى لكل واحد بالجزء الذي في يد صاحبه لما بينا. وإن قامت لأحدهما بينة قضى له، وإن لم تقم لواحد منهما تحالفا كما في البيع
<453>
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(تحالفا وترادا) ش: أي حلف كل منهما على دعواه، وتعاد القسمة كما في البيع يتحالفان ويفسخ البيع.

[اختلفوا عند القسمة في الحدود]
م: (وكذا إذا اختلفا في الحدود) ش: ذكره تفريعا، صورته دار بين اثنين اقتسما وأصاب أحدهما جانبا منها، وفي طرف حده بيت في يد صاحبه وأصاب الآخر جانب، وفي طرف حده بيت في يد صاحبه فادعى كل واحد منهما أن البيت الذي في يد صاحبه أنه دخل في حده.
م: (وأقاما البينة يقضى لكل واحد بالجزء الذي هو في يد صاحبه لما بينا) ش: أي الخارج أولى، لأنه أكثر إثباتا. وفي " شرح الكافي " فإن اختلفا في الحد بينهما، فقال أحدهما هذا الحد لي قد دخل في نصيب صاحبه. وقال الآخر لا بل هذا الحد قد دخل في نصيب صاحبه.
فإن قامت لهما بينة قضيت به بينهما، لأنه في أيديهما وإلا استخلف كل منهما على دعوى صاحبه وجعلت كل منهما ما في يده، لأن كل منهما مدعي ومدعى عليه، فإن أراد أحدهما رد القسمة بعدما يتحالفان، لأن الاختلاف وقع في نفس القسمة م: (وإن قامت لأحدهما بينة قضى له، وإن لم تقم لواحد منهما تحالفا كما في البيع) ش: يعني يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وبعد التحالف ويرد القسمة.

(11/452)


فصل قال: وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورجع بحصة ذلك في نصيب صاحبه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسخ القسمة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر الاختلاف في استحقاق بعض بعينه، وهكذا ذكر في " الأسرار "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان الاستحقاق في القسمة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الاستحقاق م: (قال: وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورجع بحصة ذلك في نصيب صاحبه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفسخ القسمة) ش: أي قال القدوري في "مختصره "، يعني إذا كانت دار بين اثنين إما ورثاها وإما اشترياها فاقتسماها ثم استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لا ينقض القسمة عند أبي حنيفة وعن قريب تذكر صورتها بأوضح من هذا.
وبقول أبي حنيفة قال مالك وفي بعض كتبه إن كان الشيء المستحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك دراهم أو دنانير، ولا يكون بذلك شريكا لصاحبه، وقال أشهب: رجع بنصف نصيب صاحبه سواء كان المستحق قليلا أو كثيرا، وفيه المضرة ولا مضرة فيه، ولا ينقض القسمة. وبقول أبي يوسف قال الشافعي.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر الاختلاف في استحقاق بعض بعينه، وهكذا ذكر في " الأسرار ") ش: أي كما ذكره القدوري ذكره أبو زيد في " إشارات الأسرار " وقال السغناقي صفة الحوالة هذه إلى " الأسرار " وقعت سهوا، لأن هذه المسألة مذكورة في " الأسرار " في الشائع وصفا وتعليلا من الجانبين وتكرارا بلفظ الشائع غير مرة.
قلت: عبارة " الأسرار " إذا اقتسم رجلان دارا بينهما ثم استحق من نصيب أحدهما بيت معين لم يبطل القسمة، ولكن يتخير القسمة المستحق عليه إن شاء ضرب في نصيب صاحبه بما يساوي صاحبه، وإن شاء استأنف عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف: يستأنف القسمة وقول محمد مضطرب. والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع في نصيب أحدهما لأن محمدا ذكر الخلاف في استحقاق نصف ما في يد أحدهما في كتاب " الأصل ". وكذا ذكر الحاكم في " الكافي " والطحاوي والكرخي في "مختصريهما " وصاحب الذخيرة كلهم ذكروا على سؤال واحد، والنصف اسم للشائع لا محالة.
وقال الكرخي في "مختصره " قال محمد وإذا كانت دار بين رجلين نصفين فاقتسماها،

(11/453)


والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع من نصيب أحدهما، فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه، ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف - وأبو حفص مع أبي حنيفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأخذ أحدهما الثلث من مقدمها وقسمت ستمائة وأخذ الآخر الثلثين من مؤخرها، وقيمتها ستمائة ثم اصطلحا على ذلك ميراثا كان بينهما أو شراء، ثم استحق نصف ما في يد صاحب المقدم، فإن أبا حنيفة قال في هذا يرجع صاحب المقدم على صاحب المؤخر بربع ما في يده، وقيمة ذلك مائة وخمسون درهما إن شاء، وإن شاء نقض القسمة وهو قول محمد وقال أبو يوسف يرد ما بقي في يده ويبطل القسمة ويكون ما بقي في أيديهما نصفين، انتهى
والحاصل أن المسألة على ثلاثة أوجه، ففي استحقاق بعض معين في أحد النصفين أو فيهما جميعا لا ينقض القسمة بالاتفاق. وفي استحقاق شيء شائع في النصفين تنقض القسمة بالاتفاق، وفي استحقاق بعض شائع في النصيبين أحد الطرفين لا تنقض القسمة عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف.
وهي مسألة الكتاب فدل على ما ذكرنا كله على صحة ما قاله السغناقي، وما قيل يمكن أن يحمل على اختلاف النسخ ليس بشيء. فإن الكتب التي ذكرنا شاهدة على هذا، على أن قول القدوري وإذ استحق بعض نصيب أحدهما بعينة ليس بنص في ذلك لجواز أن يكون قول القدوري بعينه متعلق بنصيب أحدهما لأنه بعض فيكون تقدير كلامه: وإذا استحق بعض شائع في نصيب أحدهما بعينه وحينئذ يكون الاختلاف في الشائع لا في المعين، فافهم.

م: (والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع من نصيب أحدهما، فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه) ش: وهي ظاهرة، وقد ذكرناها آنفا، وفي الصورة الثالثة اختلف أصحاب الشافعي.
وقال أبو يوسف: يبطل القسمة في المستحق ويكون في الباقي قولان. وقال أبو إسحاق يبطل في الكل قولا واحدا.
وقال مالك: لا تبطل القسمة واتبع كل وارث بقدر ما صار إليه إن قدر على قسمة من ذلك وهو الأصح م: (ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لم يذكر القدوري قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه مضطرب م: (وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف) ش: أي وذكر أبو سليمان قول محمد مع أبي يوسف م: (وأبو حفص مع أبي حنيفة) ش: أي ذكر أبو حفص قول محمد مع أبي حنيفة.

(11/454)


وهو الأصح. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن باستحقاق بعض شائع ظهر شريك ثالث لهما، والقسمة بدون رضاه باطلة كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين. وهذا لأن باستحقاق جزء شائع ينعدم معنى القسمة وهو الإفراز؛ لأنه يوجب الرجوع بحصته في نصيب الآخر شائعا، بخلاف المعين. ولهما: أن معنى الإفراز لا ينعدم باستحقاق جزء شائع في نصيب أحدهما. ولهذا جازت القسمة على هذا الوجه في الابتداء بأن كان النصف المقدم مشتركا بينهما وبين ثالث، والنصف المؤخر بينهما لا شركة لغيرهما فيه فاقتسما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو الأصح لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن باستحقاق بعض شائع ظهر شريك ثالث لهما) ش: أي للمتقاسمين م: (والقسمة بدون رضاه باطلة) ش: أي بدون رضاء الشريك الثالث، لأن موضع المسألة فيما إذا تراضيا على القسمة، لأنه اعتبر القسمة فيها، ولا بد من التراضي م: (كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين) ش: أي في نصيب الشريك م: (وهذا) ش: أي بطلان القسمة أيضا في ظهور الاستحقاق في بعض شائع في النصيبين م: (لأن باستحقاق جزء شائع ينعدم معنى القسمة) ش: أي في النصيبين م: (وهو الإفراز) ش: أي في معنى القسمة، وهو الإفراز والتمييز.
م: (لأنه يوجب الرجوع بحصته في نصيب الآخر شائعا) ش: توضيحه أن استحقاقه وإن كان من نصيب صاحبه المقدم خاصة فذلك يؤدي إلى الشيوع على الكل، لأن صاحب المقدم يرجع بحصة ذلك مما في يد صاحب المؤخر، فيكون ذلك بمنزلة ما لو كان المستحق جزءا شائعا في الكل.
م: (بخلاف المعين) ش: لأن في استحقاق بعض معين يقع الإفراز فيما وراءه يمكن أن يبقى له ولاية الرجوع، يعني المستحق عليه بالخيار إن شاء أبطل القسمة لأنه استحق بعض المعقود عليه، وللتنقيص في الأعيان عيب، والعيب يوجب الخيار. وإن شاء لم يبطل القسمة ورجع على صاحبه بربع ما في يده اعتبارا بالجزء بالكل.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن معنى الإفراز لا ينعدم باستحقاق جزء شائع في نصيب أحدهما) ش: لأنه لا يوجب الشيوع في نصيب الآخر م: (ولهذا جازت القسمة على هذا الوجه في الابتداء بأن كان النصف المقدم مشتركا بينهما وبين ثالث) ش: أي بأن كان النصف المقدم من الدار مشتركا بين شريكين وثالث، صورته: أن تكون دار على نصفين فالنصف المقدم منها مشتركا منها بين ثلاثة نفر، والنصف المقدم من هذا النصف لواحد منهم، والنصف الآخر بين اثنين على السوية م: (والنصف المؤخر بينهما) ش: أي بين هذين الاثنين على السوية.
م: (لا شركة لغيرهما فيه) ش: أي في النصف الآخر م: (فاقتسما) ش: أي هذان الاثنان م:

(11/455)


على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وربع المؤخر يجوز. فكذا في الانتهاء، وصار كاستحقاق شيء معين، بخلاف الشائع في النصيبين؛ لأنه لو بقيت القسمة لتضرر الثالث بتفرق نصيبه في النصيبين، أما هاهنا فلا ضرر بالمستحق فافترقا، وصورة المسألة إذا أخذ أحدهما الثلث المقدم من الدار والآخر الثلثين من المؤخر، وقيمتهما سواء ثم استحق نصف المقدم، فعندهما: إن شاء نقض القسمة دفعا لعيب التشقيص، وإن شاء رجع على صاحبه برع ما في يده من المؤخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وربع المؤخر يجوز) ش: أي على أن يأخذ أحدهما نصيبهما من النصف المقدم مع ربع النصف المؤخر، ويأخذ ما بقي من ذلك يجوز، لأن ما لا يمنع ابتداء القسمة لا يمنع بقاءها بالطريق الأولى، وهو معنى قوله م: (فكذا في الانتهاء، وصار كاستحقاق شيء معين) ش: أي في عدم انتفاء معنى الإفراز.
م: (بخلاف الشائع في النصيبين) ش: جواب عما قال أبو يوسف كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين م: (لأنه لو بقيت القسمة) ش: في هذه الصورة م: (لتضرر الثالث بتفريق نصيبه في النصيبين) ش: في موضعين فيؤدي إلى الضرر منتف شرعا م: (وأما هاهنا فلا ضرر بالمستحق فافترقا) ش: أي الحكمان في المقيس والمقيس عليه في النصيبين، لأنه يحتاج إلى قسمة في يد كل واحد منهما، فتفرق نصيبه.
فإن قلت: إذا لم يكن للمستحق ضرر ولكن المستحق عليه يتضرر بتفريق نصيبه في التعين، أعني نصيب المستحق ونصيب الشريك الآخر.
قلت: ضرر المستحق عليه ليس بمنظور هنا، لأنه ضرورة إنشاء من فعلهما حيث اقتسما بدون الشريك الثالث ولم يفصحا عنه. على أنا نقول: هذا الإشكال يرد على الكل، لأن في استحقاق الجزء المعين يلزم هذا الضرر على المستحق عليه، ومع هذا لا ينقض القسمة بالإجماع.
م: (وصورة المسألة) ش: أي المسألة المذكورة في الكتاب لا المستشهد بها م: (إذا أخذ أحدهما الثلث المقدم من الدار والآخر الثلثين من المؤخر وقيمتهما سواء، ثم استحق نصف المقدم) ش: أي النصف من الثلث المقدم الذي وقع في نصيب أحدهما م: (فعندهما: إن شاء نقض القسمة دفعا لعيب التشقيص، وإن شاء رجع على صاحبه بربع ما في يده من المؤخر) ش: فإن جميع قيمة الدار ألف ومائتا درهم، ولما استحق النصف من الثلث المقدم شيء أن المشترك بينهما تسعا، ثم فهو كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين.
والذي بقي في يد صاحب المقدم ثلاثمائة، وما في يد صاحب المؤخر يساوي ستمائة فيرجع عليه بربع ما في يده وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوي

(11/456)


لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده، فإذا استحق النصف رجع بنصف النصف وهو الربع اعتبارا للجزء بالكل.
ولو باع صاحب المقدم نصفه ثم استحق النصف الباقي شائعا رجع بربع ما في يد الآخر عندهما لما ذكرنا، وسقط خياره ببيع البعض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أربعمائة وخمسين م: (لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده، فإذا استحق النصف رجع بنصف النصف وهو الربع اعتبارا للجزء بالكل) ش: أي لأنه إنسان لو استحق كل المقدم من الدار وهو الثلث والباقي ظاهر.

م: (ولو باع صاحب المقدم نصفه) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو باع صاحب المقدم والنصف من الثلث المقدم الذي وقع في نصيب أحدهما م: (ثم استحق النصف الباقي شائعا رجع بربع ما في يد الآخر عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقد ذكر هنا قول محمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - كما في الأول.
وذكر الكرخي قوله مع أبي حنيفة كما في الأول، وذلك لأن من أصل أبي حنيفة أن القسمة لا تنقض فيحتاج إلى تحقيق معنى المعادلة، فيقول لو استحق جميع ما في يده رجل بنصف ما في يد صاحبه.
وإذا استحق النصف رجع بالربع اعتبارا للجزء بالكل، وهو معنى قوله م: (لما ذكرنا) ش: يعني من قوله لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده إلى قوله اعتبارا للجزء بالكل م: (وسقط خياره ببيع البعض) ش: أي سقط خيار المستحق عليه في فسخ القسمة، لأنه باع البعض وبقي حق الرجوع بالربع تحقيقا للمعادلة.
وقال الكرخي في "مختصره ": فإن كانت مائة شاة ما بين رجلين نصفين ميراثا أو شراء فاقتسماها وأخذ أحدهما أربعين شاة فساوى خمسمائة، وأخذ الآخر ستين تساوي خمسمائة فاستحقت شاة من الأربعين تساوي عشرة دراهم، فإنه يرجع بخمسة دراهم في الستين شاة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أيضا، فتكون الستين شاة بينهما يضرب فيها بخمسة دراهم، ويضرب فيها الآخر بخمسمائة درهم إلا خمسة دراهم، انتهى.
وهذا لا ينقض القسمة بالاتفاق، لأن الاستحقاق إذا ورد على شيء يعني لا ينقض القسمة وقد وردت على شاة بعينها فوجب الرجوع بنصف قيمة الشاة المستحقة لتحققت معنى المبادلة. وتبنى أن بينهما ألفا إلا عشرة دراهم، وقد وصل إلى صاحب الستين وخمسمائة إلى صاحب الأربعين أربعمائة وتسعين، وتبقى خمسة دراهم إلى تمام حقه فيضرب في الستين شاة بخمسة دراهم وشريكه بأربعمائة وخمسة وتسعين.

(11/457)


وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في يد صاحبه بينهما نصفان ويضمن قيمة نصف ما باع لصاحبه؛ لأن القسمة تنقلب فاسدة عنده، والمقبوض بالعقد الفاسد مملوك فنفذ البيع فيه، وهو مضمون بالقيمة فيضمن نصف نصيب صاحبه،
قال: ولو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما في يد صاحبه بينهما نصفان فيضمن قيمة نصف ما باع لصاحبه؛ لأن القسمة تنقلب فاسدة عنده) ش: أي عند أبي يوسف، لأنه تبين الاستحقاق والقسمة كانت فاسدة م: (والمقبوض بالعقد الفاسد مملوك) ش: هذا جواب لمن يقول: ينبغي أن يقبض البيع، لأنه بناء على القسمة وهي فاسدة فيفسد ما بني عليه فليسترد الشريك البائع ما باع، ويجمع النصيب الذي في يد الآخر ويقسم ثانيا، فأجاب بأن القسمة في معنى البيع من حيث إنها مبادلة فكانت في معنى البيع الفاسد والمقبوض في البيع الفاسد م: (فنفذ البيع فيه) ش: لاتصال القبض م: (وهو مضمون بالقيمة فيضمن نصف نصيب صاحبه) ش: لتعذر الوصول إلى عين حقه لمكان البيع فيضمن نصف صاحبه.

[لو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة]
م: (قال: ولو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة) ش: أي قال المصنف ذكر هذه المسألة تفريعا على مسألة القدوري وهي من مسائل الأصل، ولكن كان ينبغي أن لا يذكر في أول المسألة لفظ قال لأنه لم يذكر هذه المسألة في البداية. وقوله: دين لا تفاوت فيه بين أن يكون قليلا أو كثيرا، وبه صرح الحاكم في " الكافي " والكرخي في "مختصره"، إلا أن يكون للميت مال ما سوى ذلك بيع بالدين، وأبعدت القسمة.
وقوله: رد القسمة، أي إذا لم يرد الورثة الدين، إما لراد وإلا ترد، لأن حق الغرماء في مالية الشركة لا في عينها، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: إن قلنا إن القسمة تمييز لحقين لم تبطل القسمة، وإن لم يقبض الدين بطلت القسمة. وإن قلنا إنه بيع الشركة قبل قضاء الدين ففيه قولان، وفي قسمتها قولان، وفي " الذخيرة " لو ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث أو الربع أو ما أشبه ذلك وردت القسمة لأنه ظهر أن في الشركة شريكا آخر قد اقتسموا دونه، وكذا لو ظهر الموصى له بالألف المرسلة، أي إذا قالت الورثة بحق ينقص حق الغرماء وحق الموصى له بالألف المرسلة.
أما في الوارث الآخر والموصى له بالثلث أو الربع ليس لهم ذلك، لأن حقهما في عين الشركة فلا ينفك إلى مالك آخر إلا برضاهما، وحق الغريم والموصى له بالألف المرسلة إلى المالية لا في عين الشركة، وفي ذلك قال الوارث في التركة سواء، ولهذا قالوا: لو كان مال آخر لم يدخل في القسمة ليس للغريم والموصى له بالألف المرسلة حق بعض القسمة، بل يعطى

(11/458)


لأنه يمنع وقوع الملك للوارث، وكذا إذا كان غير محيط لتعلق حق الغرماء بالشركة إلا إذا بقي من التركة ما يفي بالدين وراء ما قسم؛ لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة في إيفاء حقهم.
ولو أبرأه الغرماء بعد القسمة أو أداه الورثة من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف أصحاب مالك في ظهور وارث آخر أو موصى له بالثلث، قال ابن القاسم: وإن كانوا عالمين بوارث آخر لا تصح القسمة، وإن لم يكونوا عالمين والشركة عين أخذ من كل ما يتويه، وقال عبد الملك وأشهب: القسمة جائزة في الوجهين وله الخيار إن شاء أجاز القسمة وأخذ ما تتويه من كل، وإن شاء رد القسمة فيجمع سهمه في محل إذا كانت التركة دارين، وإن كانت أكثر استرد القسمة. وإذا كان في التركة دين وطلبوا من القاضي القسمة والقاضي يعلم بالدين وصاحب الدين غائب، فإن كان الدين مستغرقا بالدين لا يقسم القاضي، لأنه لا ملك لهم في الشركة، فإن كان غير مستغرق فالقياس أن لا يقسمها أيضا، لأن الدين سائل لكل جزء من أجزاء التركة، حتى لو هلك جميع التركة إلا مقدار الدين كان ذلك لصاحب الدين، وهذا القياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكنه استحسن وقال: قلما يخلو تركة عن دين يسير ويستحب أن يقف عشرة آلاف بدين عشرة، فالأحسن أن ينظر للفريقين فيقف من التركة قدر الدين ويقسم الباقي مراعاة للحقين وفيه نظر للميت من حيث إن وارثه يقوم بحفظ ما نصيبه من ذلك، فليس يكون مضمونا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه مالا يأخذ كفيلا بشيء من ذلك فعلى هذا قول أبي حنيفة.
أما عندهما يأخذ كفيلا وإن لم يكن الدين معلوما للقاضي عن الدين، فإذا قالوا: لا دين فالقول لهم ويقسم القاضي تمسكهم بالأصل وهو فراغ الذمة عن الدين، ولو ظهر دين نقض القسمة لأن أوانها قضاء الدين، كذا في " المبسوط " والذخيرة ".
م: (لأنه يمنع) ش: أي لأن الدين يمنع م: (وقوع الملك للوارث) ش: وقد ذكرنا مستقصى م: (وكذا إذا كان غير محيط لتعلق حق الغرماء بالتركة) ش: شائعا فلا يجوز التصرف كالمرهون م: (إلا إذا بقي من التركة ما يفي بالدين وراء ما قسم) ش: استيفاء من قوله ردت القسمة، يعني إذا بقي في التركة بعد القسمة بشيء يوفى به الدين فلا ترد القسمة م: (لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة في إيفاء حقهم) ش: لأن المانع عن القسمة قيام حق الغريم، فإذا وصل إليه حقه زال المانع من نفوذ القسمة.

م: (ولو أبرأه الغرماء بعد القسمة) ش: أي وكذا لا يرد القسمة لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة إذا أبرأ الميت غرماءه بعد القسمة م: (أو أداه) ش: أي دين الغرماء حق م: (الورثة من

(11/459)


مالهم والدين محيط أو غير محيط جازت القسمة، لأن المانع قد زال،
ولو ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة صح دعواه؛ لأنه لا تناقض إذ الدين يتعلق بالمعنى والقسمة تصادف الصورة
ولو ادعى عينا بأي سبب كان لم يسمع للتناقض إذ الإقدام على القسمة اعتراف بكون المقسوم مشتركا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالهم والدين محيط أو غير محيط) ش: أي وسواء كان الدين بالتركة أو لم يكن م: (جازت القسمة؛ لأن المانع قد زال) ش: وهو قيام الدين.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا ظهر موصى له بالثلث؟
قلت: إنه شريكه في التركة وقد اقتسموا بدونه فلا تصح القسمة، كما إذا استحق شيء شائع في التركة، فإن القسمة باطلة كذلك هاهنا، والفقه فيه أنا نعتبر الانتهاء في المسألتين بالابتداء، وفي ابتدائهما إذا قسموا التركة وأعطوا حق الموصى له بالثلث من مالهم لم يكن لهم ذلك إلا برضاه، لأن حقه في عين التركة. فإذا أرادوا أن يعطوه من مالهم فقد قصدوا شراء نصيبه من التركة فلا يصح إلا برضاه فكذلك في الانتهاء، وقد مر تحقيقه آنفا.

[ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة]
م: (ولو ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة صح دعواه) ش: ذكر تفريعا على مسألة القدوري قيد بقوله: دينا، لأنه لو ادعى عينا من أعيان التركة بأي سبب كان بالشراء والهبة أو غيرهما فلا يقبل دعواه كما يجيء عن قريب، إذ الدين لا يتعلق بعين التركة بل بمعناها وهي المالية، ولهذا للورثة حق إيفاء الدين من مال آخر.
واستخلاص التركة لا تقسم فلم يكن الإقدام على القسمة إقرارا بعدم الدين، أشار إليه بقوله م: (لأنه لا تناقض إذا الدين يتعلق بالمعنى) ش: أي بمعنى التركة وحق المالية م: (والقسمة تصادف الصورة) ش: أي صورة التركة. وشرط التناقض اتخاذ المحل، وهاهنا قد اختلف المحل فلا يتناقض.

م: (ولو ادعى) ش: أحد المتقاسمين م: (عينا) ش: من الأعين في التركة م: (بأي سبب كان) ش: من الشراء والهبة أو نحوهما م: (لم يسمع) ش: دعواه م: (للتناقض إذ الإقدام على القسمة اعتراف) ش: أي إقرار منه م: (بكون المقسوم مشتركا) ش: ودعواه بعد ذلك دعوى بفساد القسمة، إذ القسمة فيه باطلة كانت العين له، وبين دعوى الفساد والإقرار بالصحة للتناقض فلا يسمع.
وفي " الذخيرة " أقر رجل أن فلانا مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يقل لهم أو لورثته ثم ادعى بعد ذلك أنه أوصى بالثلث أو ادعى دينا عليه أو لهم، والمسألة بحالها لا تقبل، لأنه

(11/460)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لما قال لهم أو لورثته كان إقرارا بأن لا دين عليه ولا حق لغيره، فبعد ذلك دعوى الوصية أو الدين يتناقض.
وفي " الشامل " اقتسمت الورثة وأراد فيهم امرأة الميت ثم ادعت بعد القسمة مهرا على زوجها وإقامة البينة تنقض بالقسمة، وكذلك الوارث لو ادعى دينا، لأن المهر لا يتعلق بعين التركة بل بمعناها، فلم يكن بالإقدام على القسمة مقرة بأن لا حق لها.

(11/461)


فصل في المهايأة المهايأة جائزة استحسانا للحاجة إليه، إذ قد يتعذر الاجتماع على الانتفاع، فأشبه القسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في المهايأة]
م: (فصل في المهايأة) ش: لما ذكر قسمة الأعيان شرع بقسمة الأعراض وهي لغة مشتقة من الهيئة وهي الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء، يقال: هيأها هي مهايأة، ومنه التهايؤ وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به وفي الحقيقة أن يتراضوا بهيئة واحدة، يعني الشريك منتفع بالعين على الهيئة التي ينتفع بها الشريك الآخر، وقد تبدل الهمزة ألفا. وفي عرف الفقهاء هي قسم المنافع.
ومسائل هذا الفصل إلخ من المسائل الأصل لم يذكرها محمد في " الجامع الصغير " ولا القدوري في "مختصره "، ولهذا لم يذكرها صاحب " الهداية " في البداية إنما ذكرها هنا تكثيرا للفوائد.
م: (المهايأة جائزة استحسانا) ش: وفي القياس لا يجوز لأنها مبادلة المنفعة بجنسها، وقال في " شرح الأقطع ": قال أصحابنا: إن المهايأة في المنافع المشتركة عقد جائز واجب إذا طلب أحد الشركاء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال الطحاوي في " اختلاف الفقهاء " إني طلبت في ذلك قول الشافعي فلم أجد ظاهرا. مذهبه أن الحاكم لا يجوز أن يجبر على المهايأة. وكذا يذكر أصحاب اليوم. وجه استحسان الكتاب قوله سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (الشعراء: الآية 155) وهذا هو المهايأة.
والسنة ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى غزوة بدر مع أصحابه على نواضح المدينة ليس لهم ظهر غيرها، فكان يخرج منهم الثلاثة على البعير الواحد التناوب ليس فيهم فارس غير مصعب بن عمير والمقداد بن الأسود» . وروي «عن عقبة بن عامر الجهني قال: كنا نتناوب في إبل الصدقة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -
والمعقول وهو أن الأعيان خلقت للانتفاع، فمتى كان الملك مشتركا فكان حق الانتفاع مشتركا أيضا، والمحل الواحد لا يحتمل الانتفاع على الاشتراك في زمان واحد، فيحتاج إليها تكميلا للانتفاع. ثم التهايؤ قد يكون من حيث المكان كالدار الكبيرة يسكن أحدهما ناحية منها والآخر ناحية أخرى. وقد يكون من حيث الزمان بأن ينتفع أحدهما بالعين كالدار والأرض ونحو ذلك مما يحتمل القسمة. وأما فيما لا يحتمل القسمة كالدابة الواحدة والعبد الواحد لا ينافي القسمة إلا من حيث الزمان.
م: (للحاجة إليه) ش: أي إلى فعل المهايأة م: (إذ قد يتعذر الاجتماع على الانتفاع فأشبه القسمة)

(11/462)


ولهذا يجري فيه جبر القاضي، كما يجري في القسمة، إلا أن القسمة أقوى منه في استكمال المنفعة لأنه جمع المنافع في زمان واحد، والتهايؤ جمع على التعاقب، ولهذا لو طلب أحد الشريكين القسمة والآخر المهايأة يقسم القاضي لأنه أبلغ في التكميل.
ولو وقعت فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وهذا الوجه المعقول، وقد بيناه، وكلمة إذ للتعليل، قوله: فأشبه، أي فعل المهايأة، والتهايؤ القسمة فيما تعذر الانتفاع بالعين جملة فيقسم ينتفع كل منه بنفسه، فكذلك الانتفاع بالمنفعة قد يتعذر جملة يستهمون وينتفع كل منهم بنصيبه، إذ المقصود من الأعيان الانتفاع بها.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل شبه المهايأة القسمة م: (يجري فيه) ش: أي في المهايأة تأويل جملة التهايؤ م: (جبر القاضي كما يجري في القسمة) ش: إذا طلبها بعض الشركاء وأبى غيره يجبره القاضي كما يجبر، أي في القسمة عند اتحاد الجنس. ثم اختلف العلماء في كيفية جوازها. قال بعضهم: إن كانت المهايأة في الجنس الواحد والمنفعة متفاوتة تفاوتا يسيرا كما في الثياب والأراضي يعتبر إفرازا من وجه مبادلة من وجه حتى لا ينفرد أحدهما بهذه المهايأة. ولو طلب أحدهما ولم يطلب الآخر قسمة الأصل أجبر على المهايأة.
وعند الشافعي لم يجبر، وعنه في وجه يجبر وإن [ ... ] في الجنس المختلفة كالدور والعبيد تعتبر مبادلة من كل وجه حتى لا يجوز من غير رضاهما، لما أن المهايأة قسمة المنافع فيعتبر بقسمة الأعيان، وقسمة العين اعتبرت مبادلة من كل وجه في الجنس المختلف، وفي الجنس المتحد إفراز من وجه مبادلة من كل وجه كما بينا فلا ينفرد أحدهما بالقسمة، ولكن أجبر عليه بطلب أحدهما، لأن التفاوت يسير، وكذا في قسمة المنافع. وقيل: إن المهايأة في الجنس الواحد من الأعيان المتفاوتة تفاوتا يسيرا يعتبر إفرازا من وجه عارية من وجه؛ لأن المهايأة جائزة في الجنس الواحد.
ولو كانت مبادلة من وجه لما جازت في الجنس الواحد لأنها تكون مبادلة المنفعة بجنسها وأنه يحرم النساء، والأول أصح.
م: (إلا أن القسمة أقوى منه) ش: أي من التهايؤ م: (في استكمال المنفعة لأنه) ش: أي لأن القسمة والتذكير باعتبار القسم م: (جمع المنافع في زمان واحد، والتهايؤ جمع على التعاقب) ش: يعني يقع شيء منها عقيب شيء م: (ولهذا) ش: أي لكون القسمة أقوى م: (لو طلب أحد الشريكين القسمة والآخر المهايأة يقسم القاضي لأنه أبلغ في التكميل) ش: أي ولأن القسم أبلغ في تكميل المنفعة لما ذكر أنه جمع المنافع في زمان واحد.

[ولو وقعت فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم]
م: (ولو وقعت) ش: أي المهايأة م: (فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم) ش:

(11/463)


وتبطل المهايأة لأنه أبلغ
ولا يبطل التهايؤ بموت أحدهما ولا بموتهما؛ لأنه لو انتقض لاستأنفه الحاكم ولا فائدة في النقض ثم الاستئناف. ولو تهايئا في دار واحدة على أن يسكن هذا طائفة وهذا طائفة، أو هذا علوها وهذا سفلها جاز، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة فكذا المهايأة والتهايؤ في هذا الوجه إفراز لجميع الأنصباء لا مبادلة، ولهذا لا يشترط فيه التأقيت ولكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة شرط ذلك في العقد أو لم يشرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي ثم طلب أحد الشريكين القسمة يقسم القاضي م: (وتبطل المهايأة؛ لأنه) ش: أي لأن القسم م: (أبلغ) ش: في تكميل المنفعة.
وقال: في كتاب الصلح من المسائل: ولكل واحد نقض المهايأة بلا عذر إذا لم يرد التعنت، لأنه بمنزلة العارية وورثتهما بمنزلتهما. وقال في " الكفاية " طلب أحدهما قسمة العين بعد المهايأة قسم الحاكم وفسخ المهايأة، لأن الأصل القسمة.

[هل يبطل التهايؤ بموت أحد المتقاسمين]
م: (ولا يبطل التهايؤ بموت أحدهما ولا بموتهما؛ لأنه لو انتقض لاستأنفه الحاكم) ش: بجواز طلب الورثة المهايأة م: (ولا فائدة في النقض ثم الاستئناف) ش: أي فحينئذ فلا فائدة في نقض المهايأة ثم إعادتها م: (ولو تهايئا في دار واحدة على أن يسكن هذا طائفة) ش: أي ناحية من الدار م: (وهذا طائفة) ش: أي ناحية أخرى منها م: (أو هذا علوها وهذا سفلها) ش: أي وهذا يسكن علو الدار وهذا يسكن سفلها م: (جاز، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة، فكذا المهايأة) ش: يجوز بجبر الممتنع بطلب أحدهم وبه قال الشافعي ومالك: وسواء في ذلك ذكرت المدة أو لا. وفي " المبسوط " لو انهدم العلو فلصاحبه أن يسكن مع صاحب السفل لأنه إنما رضي بسقوط حقه في السفل بشرط سلامة سكن العلو فلم يسلم فكان هو على حقه في السفل وورثته في ذلك بمنزلته.
م: (والتهايؤ في هذا الوجه) ش: وهو أن يسكن في هذا جانب من الدار ويسكن هذا في جانب آخر في زمان واحد م: (إفراز لجميع الأنصباء لا مبادلة) ش: يعني جمع القاضي بها جمع منافع أحدهما في بيت واحد بعد أن كانت سابعة في ثلثين، وكذلك في حق الآخر وبهذا إيضاح لكونها إفراز لا مبادلة م: (لهذا لا يشترط فيه التوقيت) ش: يعني لو كانت مبادلة يشترط فيها بيان المدة لأنه تعتبر حينئذ إجارة، وهذه الإجارة فاسدة لأنها تكون إجارة السكنى م: (ولكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة) ش: أي ولكل واحد من التهايئين أن يأخذ بحدوث المنافع على ملكه، احترز بهذا القيد عن قول أبي علي الشافعي فإنه قال: لو تهايئا بالسكنى ولم يشترط الإجارة لم يملك كل واحد منهما إجارة منزله وقال شمس الأئمة: ظاهر المذهب أنه يملك الإجارة م: (شرط ذلك في العقد أو لم يشرط) ش: كذا في " الذخيرة "

(11/464)


لحدوث المنافع على ملكه. ولو تهايآ في عبد واحد على أن يخدم هذا يوما وهذا يوما جاز، وكذا هذا في البيت الصغير، لأن المهايأة قد تكون في الزمان، وقد تكون من حيث المكان، والأول متعين هاهنا، ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان في محل يحتملهما يأمرهما القاضي بأن يتفقا، لأن التهايؤ في المكان أعدل وفي الزمان أكمل، فلما اختلفت الجهة لا بد من الاتفاق. فإن اختاراه من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: المنافع في العارية يحدث على ملك المستعير، ومع هذا لا يملك الإجارة. قلت: لجواز أن يسترده م: (لحدوث المنافع على ملكه) ش: المعير قبل مضي المدة فلا فائدة. م: (ولو تهايآ في عبد واحد على أن يخدم هذا يوما وهذا يوما) ش: أي ويخدم هذا يوما م: (جاز) ش: أي التهايؤ. واحترز بالعبد الواحد على التهايؤ على علة العبد الواحد فإنه لا يجوز بالاتفاق بيانه فيها ذكر شيخ الإسلام الأسبيجابي في كتاب الصلح من (الكافي) ، والتهايؤ في خدمة العبد الواحد والعبدين جائزة. وفي " الكيسانيات " في العبدين ينبغي أن لا يجوز أيضا هاهنا عند أبي حنيفة اعتبارا برقبتهما.
م: (وكذا هذا في البيت الصغير؛ لأن المهايأة قد تكون في الزمان) ش: بأن يسكن هذا يوما وهذا يوما م: (وقد تكون من حيث المكان) ش: بأن يسكن هذا طائفة وطائفة م: (والأول متعين هاهنا) ش: معنى التهايؤ في الزمان متعين في البيت الصغير ولم يذكر أن هذا إفراز أو مبادلة لأنه عطفه على صورة الإفراز وكان معلوما م: (ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان) ش: بأن يطلب أحدهما التهايؤ من حيث الزمان والآخر من حيث المكان أو من حيث الزمان فقط فهو أن يطلب أحدهما أن يسكن جميع الدار شهرا وصاحبه شهرا آخر، أو من حيث المكان فقط فهو أن يطلب أحدهما أن يسكن في مقدمها وصاحبه م: (في محل يحتملهما) ش: أي يحتمل التهايؤ من حيث الزمان والتهايؤ من حيث المكان، كالدار مثلا. قيد به إذا كان في محل لا يحتملها كالبيت الصغير مثلا فإنه لا يكون التهايؤ إلا من حيث الزمان فقط.
م: (يأمرهما القاضي بأن يتفقا؛ لأن التهايؤ في المكان أعدل) ش: لأن كل واحد ينتفع في زمان واحد من غير تقديم لأحدهما على الآخر م: (وفي الزمان أكمل) ش: لأن كل واحد ينتفع بجميع الدار في نوبته، وفي المكان ينتفع بالبعض م: (فلما اختلفت الجهة) ش: وهو الزمان والمكان م: (لا بد من الاتفاق، فإن اختاره من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة) ش: أي لتهمة الميل، وأنه قيد الاختيار من حيث الزمان، ولم يطلق؛ لأن التسوية في المكان فكان ممكنا في الحال بأن يسكن هذا بعضها، ويسكن الآخر بعضها. ولو كان المتقدم أحسن وأنفع يمكن أن يجعل في نصيب الآخر من المرافق ما يساوي المقدم، أما التسوية من حيث الزمان فلا يمكن في الحال إلا أن يمضي مدة أحدهما ثم يسكن الآخر مثل تلك المدة.

(11/465)


ولو تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبد والآخر الآخر جاز عندهما، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة عندهما من القاضي وبالتراضي فكذا المهايأة. وقيل: عند أبي حنيفة: لا يقسم القاضي، وهكذا روي عنه لأنه يجري فيه الجبر عنده، والأصح أنه يقسم القاضي عنده أيضا؛ لأن المنافع من حيث الخدمة قلما تتفاوت، بخلاف أعيان الرقيق لأنها تتفاوت تفاوتا فاحشا على ما تقدم. ولو تهايئا فيهما على أن نفقة كل عبد على من يأخذه جاز استحسانا للمسامحة في إطعام المماليك، بخلاف شرط الكسوة لأنه لا يسامح فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبدُ]
م: (ولو تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبدُ) فهذا العبد فاعل لقوله: يخدم فيكون مرفوعا، وهذا الأول مفعول فيكون محل النصب م: (والآخر) ش: بنصب الأول ورفع الثاني أي ويخدم الشريك الآخر العبد م: (الآخر جاز عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد وبه قالت الثلاثة م: (لأن القسمة على هذا الوجه جائزة عندهما جبرا من القاضي وبالتراضي، فكذا المهايأة) ش: أي فكذا يجوز المهايأة، وقد مر أنها تجوز أن قسمة الرقيق جبرا، والمهايأة من أهل القسمة.
م: (وقيل: عند أبي حنيفة لا يقسم القاضي) ش: أي قال بعض المشايخ عنه: فكذا على قياس قوله م: (وهكذا روي عنه) ش: أي كما قال بعض المشايخ روى عنه الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وقال الأترازي: يعني روي عن أبي حنيفة في " الكيسانيات " أن التهايؤ على خدمة العبدين لا يجوز وظاهر الرواية على خلاف ذلك م: (لأنه لا يجري فيه الجبر عنده) ش: لأن الشأن لا يجري في القسم الجبر عند أبي حنيفة م: (والأصح أنه يقسم القاضي عنده أيضا) ش: لأن معنى قول أبي حنيفة أن الدور لا تقسم أنه لا يفعل القاضي، فإن فعله جاز، فعلى هذا يجوز القسمة في الأصول، فكذا في المهايأة، وإلى هذا مال الكرخي م: (لأن المنافع من حيث الخدمة قلما تتفاوت) ش: لأن الاستخدام مما لا يدوم أنه مبني على المسامحة، والمساهلة، فيكون منافع العبد متقاربة.
م: (بخلاف أعيان الرقيق؛ لأنه تتفاوت تفاوتا فاحشا على ما تقدم) ش: في القسمة م: (ولو تهايئا فيهما) ش: أي ولو تهايآ الشريكان في العبدين م: (على أن نفقة كل عبد على من يأخذه جاز استحسانا للمسامحة في إطعام المماليك، بخلاف شرط الكسوة؛ لأنه لا يسامح فيها) ش: قال في " الشامل ": تهايآ في عبدين أن يستخدم كل واحد أحدهما، وطعام كل واحد عليه جاز استحسانا؛ لأنه يستقبح أن يخدمه، ويؤتى بطعامه من بيت غيره.
ولو تهايآ على أن يكون لكل واحد كسوة ما في يده لا يجوز؛ لأن كسوتهما عليهما، فيكون كل واحد مشتريا نصف الكسوة من صاحبه بنصف كسوة الذي في يده فإنه مجهول فلا

(11/466)


ولو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز ويجبر القاضي عليه، أما عندهما فظاهر؛ لأن الدارين عندهما كدار واحدة. وقد قيل: لا يجبر عنده اعتبارا بالقسمة، وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز التهايؤ فيهما أصلا بالجبر لما قلنا، وبالتراضي لأنه بيع السكنى بالسكنى بخلاف قسمة رقبتهما؛ لأن بيع بعض أحدهما ببعض الآخر جائز، وجه الظاهر: أن التفاوت يفل في المنافع فيجوز بالتراضي ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز.

[لو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز]
م: (ولو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز) ش: بالاتفاق م: (ويجبر القاضي عليه) ش: أي على التهايؤ في الدارين إذا أمتنع أحدهما م: (أما عندهما فظاهر؛ لأن الدارين عندهما كدار واحدة) ش: أي أما عند أبي يوسف. ومحمد فظاهر، لأن قسمة الدارين في هذا المثال تصح، فكذا التهايؤ. وكذا عند أبي حنيفة، لأن التفاوت يقل في المنافع فيجوز بالتراضي. ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا كالأعيان المتقاربة.
م: (وقد قيل: لا يجبر عنده اعتبارا بالقسمة) ش: وهو قول الكرخي، فإنه قال: لا يجبر عند أبي حنيفة، قال في " الفتاوى الصغرى ": وذكر الكرخي هذا إذا تراضيا عليه، أما عند طلب أحدهما فالقاضي لا يجبر عند أبي حنيفة؛ لأن عنده قسمة الجبر لا يجري في الدور، فكذا في القسمة بطريق التهايؤ.
م: (وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز التهايؤ فيهما أصلًا بالجبر) ش: أي من القسمة والتهايؤ في أكثر النسخ فيه، أي في سكنى الدارين قوله أصلا، يعني مطلقا، يعني لا بالجبر، ولا بالتراضي، وهذه رواية " الكيسانيات ". بيانه فيها قال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": فكذلك التهايؤ في الدارين على السكنى إذ العله جائزة.
وذكر في " الكيسانيات " عن أبي حنيفة أنه لا يجوز؛ لأن قسمة المنفعة تعتبر بقسمة العين، وقسمة العين في الدارين عنده لا يجوز باعتبار التفاوت، إلا أن ثمة يجوز بالتراضي لأنه بملك ينعقد تمليكا عند ذلك، وتمليك الدار جائز، وهذا ينعقد تمليك السكنى بالسكنى، وذلك باطل م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: اعتبارا بالقسمة م: (وبالتراضي) ش: عطف على قوله بالجبر م: (لأنه بيع السكنى بالسكنى) ش: أي لأن التهايؤ في الدارين بيع السكنى بالسكنى وذلك باطل.
م: (بخلاف قسمة رقبتهما) ش: أي حيث يجوز قسمة رقبة الدارين م: (لأن بيع بعض أحدهما ببعض الآخر جائز) ش: أي بيع بعض أحد الدارين ببعض الدار الآخر م: (وجه الظاهر) ش: وهو أن يجبر القاضي عليه عند أبي حنيفة م: (أن التفاوت يقل في المنافع فيجوز بالتراضي، ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا) ش: أي يعتبر التهايؤ هذا إفرازا أو تمييزا، هذا جواب عما روي عن

(11/467)


أما التفاوت فيكثر في أعيانهما فاعتبر مبادلة. وفي الدابتين لا يجوز التهايؤ على الركوب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يجوز اعتبارا بقسمة الأعيان. وله: أن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين فإنهم بين حاذق وأخرق، والتهايؤ في الركوب في دابة واحدة على هذا الخلاف لما قلنا. بخلاف العبد لأنه يخدم باختياره فلا يتحمل زيادة على طاقته، والدابة تحملها وأما التهايؤ في الاستغلال فيجوز في الدار الواحدة في ظاهر الرواية،
وفي العبد الواحد، والدابة الواحدة لا يجوز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبي حنيفة أنه لا يجوز م: (أما التفاوت فيكثر في أعيانهما) ش: أي في أعيان الدارين، وهذا التركيب غير مرض عند النحاة على ما لا يخفى، ولكن التقدير: أما التفاوت فيكثر في الأعيان فافهم م: (فاعتبر مبادلة) ش: فلا يجري فيها الجبر، بخلاف الإفراز م: (وفي الدابتين لا يجوز التهايؤ على الركوب عند - أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يجوز اعتبارا بقسمة الأعيان) ش: فكما يجوز قسمة الدواب من جنس واحد رقبة، فكذا يجوز منفعة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين فإنهم بين حاذق) ش: أي فإن الراكبين بين ما هو حاذق بصنعة الركوب م: (وأخرق) ش: أي وبين أخرق، أي جاهل بها، وهو أفعل من خرق يخرق من باب علم يعلم، ويقال: هو من باب فعل يفعل بالضم فيهما، ومصدره خرق بفتحتين، والأخرق ضد الرفيق، والأخرق الأحمق م: (والتهايؤ في الركوب في دابة واحدة على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور، فعنده لا يجوز خلافا لهما م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: إن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين.
م: (بخلاف العبد) ش: أي بخلاف التهايؤ في خدمة العبد حيث يجوز م: (لأنه يخدم باختياره) ش: ويسأله على سمط واحد م: (فلا يتحمل زيادة على طاقته) ش: أي لأن يتكلف زيادة على ما يطيقه من العمل، والخدمة، فيتحقق الاعتدال في قسمتها م: (والدابة تحملها) ش: على صيغة المجهول، أي يحتمل الزيادة على طاقتها، يعني تكلف، ويسأل عليها بغير ما في طاقتها، والناس متفاوتون فلا يتحقق الاعتدال م: (وأما التهايؤ في الاستغلال) ش: أي طلب الغلة م: (فيجوز في الدار الواحدة في ظاهر الرواية) ش: لأنه في الحقيقة تهايؤ من حيث المنفعة؛ لأنه لا فرق بين أن يتهايأ سكنى، ثم يؤاجرها فيأكل غلتها، وبين أن يتهايأ في الغلة ابتداء.
وذكر محمد في " الرقبانيات " أنه لا يجوز التهايؤ في الغلة، لأن الغلة اسم للدراهم وهي معدومة الحال، وقسمة المعدوم قبل الوجود لا يجوز إذا كان مما يحتمل القسمة بعد الوجود. بخلاف القسمة في المنفعة، ولهذا لا تجوز القسمة في غلة واحدة، كذا في " شرح الكافي ".

[التهايؤ في الغلة]
م: (وفي العبد الواحد، والدابة الواحدة لا يجوز) ش: بلا خلاف.

(11/468)


ووجه الفرق: أن النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء، والاعتدال ثابت في الحال، والظاهر بقاؤه في العقار وتغيره في الحيوانات لتوالي أسباب التغير عليها فتفوت المعادلة، ولو زادت الغلة في نوبة أحدهما عليها في نوبة الآخر يشتركان في الزيادة ليتحقق التعديل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين جواز التهايؤ في الاستغلال في دار واحدة، وعدمه في العبد الواحد، والدابة الواحدة م: (أن النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء) ش: أي نصيبي الشريكين يتعاقبان. يعني أحدهما يكون عقيب الآخر في استيفاء المنفعة م: (والاعتدال ثابت في الحال) ش: أي في الحال التي عليها الدار، أو العبد م: (والظاهر بقاؤه في العقار) ش: أي بقاء الاعتدال في العقار م: (وتغيره في الحيوانات) ش: أي والظاهر تغير الاعتدال في الحيوانات م: (لتوالي أسباب التغير عليها) ش: أي على الحيوانات من عروض الآفة، والمرض، والعجز، خصوصا عند لحوق التعب م: (فتفوت المعادلة) ش: أي إذا كان كذلك تفوت المعادلة؛ لأن الاستغلال إنما يكون بالاستعمال، والظاهر أن عمله في الزمان الثاني لا يكون كما كان في الأول، لأن القوى الجسمانية متناهية.
م: (ولو زادت الغلة) ش: يعني في الدار الواحدة م: (في نوبة أحدهما عليها) ش: أي على الغلة التي يكون م: (في نوبة الآخر يشتركان في الزيادة ليتحقق التعديل) ش: في المهايأة، لأن مبناها على المعادلة كما في القسمة. وفي " الذخيرة ": أغلت إحدى الدارين دون الأخرى، وليس للذي لم تغل داره أن يشارك الآخر في الغلة؛ لأن التي أغلت إنما أغلت لنفسه دون شريكه، فلو أجرها بغير إذن شريكه كانت الغلة كذلك منادية له، وتكون الغلة كائنة له؛ لأن الإجارة حصلت بإذن الشريك.
وفي الدار الواحدة إذا تهايآ في الغلة فأغلت في نوبة أحدهما أكثر فالفضل بينهما لأن معنى الإفراز في القسمة في الدارين أرجح على معنى أن كل واحد يصل إلى المنفعة، والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه مما يستوفيه كل منهما عوض عن قديم ملكه، استوجبه بعقده فيسلم له. وفي الدار الواحدة إذا تهايآ في الاستغلال زمانا فأحدهما يصل إلى الغلة قبل وصول الآخر إليها.
وذلك لا تكون قضية للقسمة فيجعل كل منهما وكيلا عن صاحبه في إجارة نصيب صاحبه، وما يقبضه كل واحد منهما يجعل عوضا عما يقبضه صاحبه عن قديم ملكه استوجبه من عوض نصيبه، والمعاوضة تقتضي المساواة، فعند التواصل يثبت التراجع فيما بينهما ليستويا، وبه قال الشافعي في قول.

(11/469)


بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة؛ لأن التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل، وهو المنافع فلا تضره زيادة الاستغلال من بعد، والتهايؤ على الاستغلال في الدارين جائز أيضا في ظاهر الرواية لما بينا، ولو فضل غلة أحدهما لا يشتركان فيه، بخلاف الدار الواحدة. والفرق أن في الدارين معنى التمييز والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء، وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول فاعتبر قرضا، وجعل كل واحد في نوبته كالوكيل عن صاحبه، فلهذا يرد عليه حصته من الفضل، وكذا يجوز في العبدين عندهما اعتبارا بالتهايؤ في المنافع، ولا يجوز عنده؛ لأن التفاوت في أعيان الرقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة]
م: (بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة) ش: حيث لا يشتركان في الزيادة م: (لأن التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل، وهو المنافع فلا تضره زيادة الاستغلال من بعد) ش: أي من بعد حصول التعديل في التهايؤ في المنافع م: (والتهايؤ على الاستغلال في الدارين جائز أيضا في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية " الكيسانيات " عن أبي حنيفة أنه لا يجوز كما ذكرنا م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: والاعتدال ثابت في الحال. إلى آخره.
م: (ولو فضل غلة أحدهما لا يشتركان فيه) ش: أي في الفاضل في المسألة المذكورة م: (بخلاف الدار الواحدة) ش: حيث يشتركان في الفاضل في غلة الدار الواحدة م: (والفرق) ش: يعني من اشتراكهما في فضل الغلة في الدار الواحدة وبين عدم اشتراكهما في فضل الغلة في الدارين م: (أن في الدارين معنى التمييز، والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء) ش: يعني أن كل واحد منهما يصل إلى المنافع، والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه، فصار كأن على كل واحد إفراز جميع نصيبه من المنافع في الدار التي هي في يده، والغلة التي يأخذها بدل المنافع التي ينشأ من نصيبه فتكون له خاصة، وإن كثرت فلا يجب رد الزيادة.
م: (وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول) ش: يعني يصل أحدهما إلى الغلة قبل صاحبه، وذلك لا يكون إلى من قضية القسمة، فإن كان كذلك م: (فاعتبر قرضا) ش: أي اعتبر نصيب صاحبه من الغلة قرضا، ويكون هو مستقرضا م: (وجعل كل واحد في نوبته كالوكيل عن صاحبه) ش: يقبض نصيبه من الغلة بطريق الفرض لنفسه م: (فلهذا يرد عليه حصته من الفضل) ش: أي فلأجل كونه كالوكيل يرد على صاحبه حصة من فضل الغلة.
م: (وكذا يجوز في العبدين عندهما) ش: أي: وكذا يجوز التهايؤ في استغلال العبدين عند أبي يوسف، ومحمد، وبه قالت الثلاثة م: (اعتبارا بالتهايؤ في المنافع) ش: أي قياسا على التهايؤ في المنافع في العبدين م: (ولا يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لأن التفاوت في أعيان الرقيق

(11/470)


أكثر منه من حيث الزمان في العبد الواحد، فأولى أن يمتنع الجواز
والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة ولا ضرورة في الغلة لإمكان قسمتها لكونها عينا، ولأن الظاهر هو التسامح في الخدمة والاستقصاء في الاستغلال فلا يتقاسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أكثر منه) ش: أي من التفاوت م: (من حيث الزمان في العبد الواحد) ش: لأنه قد يكون في عبد واحد كياسة وحذاقة يجعل في شهر واحد من الغلة ما لا يجعل الآخر في سنته م: (فأولى أن يمتنع الجواز) ش: أي جواز استغلال العبدين. تقريره أن التهايؤ في استغلال العبد الواحد لا يجوز بالاتفاق، ففي استغلال العبدين أولى أن لا يجوز.
فإن قلت: معنى الإفراز، والتميز راجع في غلة العبدين؛ لأن كل واحد فيهما يصل إلى الغلة في الوقت الذي يصل إليها في صاحبه. فكان كالمهايأة في الخدمة.
قلت: التفاوت يمنع رجحان معنى الإفراز، بخلاف معنى الخدمة لما بينا أن المنافع من حيث الخدمة، قلما تتفاوت.

م: (والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة) ش: جواب عن قياس قولهما على المنافع، تقريره أن المهايأة في الخدمة جوزت ضرورة؛ لأن المنافع لا تبقى فيتعذر قسمتها على ما يفسرها المصنف عن قريب م: (ولا ضرورة في الغلة لإمكان قسمتها لكونها عينا) ش: فيستغلان على طريق الشركة ثم يقتسمان ما حصل من الغلة.
ولقائل أن يقول: علل التهايؤ في المنافع بقوله: من قبل؛ لأن المنافع من حيث الخدمة فلا تتفاوت، وعلله هاهنا بضرورة تعذر القسمة، وفي ذلك توارد علتين مستقلتين على حكم واحد بالشخص، وهو باطل. ويمكن أن يجاب عنه بأن المذكور من قبل ثمة هذا التعليل كان علة جواز تعذر القسمة، وقلة التفاوت جميعا، لأن كل واحد منهما علة مستقلة.
وقال الكاكي: قوله: والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة جوامع أشكال يرد عليه قوله، لأن التفاوت في أعيان الرقيق أكثر إلى آخره.
فإن قيل: لو كان كذلك لما جاز في الاستخدام، وحيث يجوز التهايؤ في الاستخدام للعبد الواحد بالاتفاق في جميع التفاوت في العبدين على الأصح على ما مر فقال في جوابه: والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورته إلى آخره. وما ذكرناه أصوب على ما لا يخفى كما ذكره، كذا حقق تاج الشريعة، وتبعه صاحب " العناية ".
م: (ولأن الظاهر) ش: وجه آخر لإبطال القياس بيانه أن الظاهر م (هو التسامح في الخدمة والاستقصاء) ش: يعني المتضايقة م: (في الاستغلال فلا يتقاسان) ش: يعني ولا يقاس أحدهما على

(11/471)


ولا يجوز في الدابتين عنده خلافا لهما. والوجه ما بيناه في الركوب.
ولو كان نخل، أو شجر، أو غنم بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها أو يرعاها ويشرب ألبانها لا يجوز، لأن المهايأة في المنافع ضرورة أنها لا تبقى فيتعذر قسمتها، وهذه أعيان باقية يرد عليها القسمة عند حصولها. والحيلة أن يبيع حصته من الآخر ثم يشتري كلها بعد مضي نوبته أو ينتفع باللبن بمقدار معلوم استقراضا لنصيب صاحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآخر م: (ولا يجوز في الدابتين عنده خلافا لهما) ش: أي لا يجوز التهايؤ على الاستغلال في الدابتين عند أبي حنيفة، خلافا لأبي يوسف، ومحمد م: (والوجه ما بيناه في الركوب) ش: أي الوجه في هذه المسألة ما بيناه في الركوب، وهو قوله: اعتبارا لقسمة الأعيان.

[كان نخل أو شجر بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها]
م: (ولو كان نخل، أو شجر، أو غنم بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها) ش: أي يأخذ ثمرها نماء في النخل، والشجر م: (أو يرعاها ويشرب ألبانها) ش: في الغنم ونحوها كالإبل والبقر م: (لا يجوز؛ لأن المهايأة في المنافع ضرورة أنها لا تبقى فيتعذر قسمتها، وهذه أعيان باقية يرد عليها القسمة عند حصولها) ش: فلا يتحقق الفرز، فلا يجوز.
وإن قيل: يشكل بما إذا تهايآ في ألبان جاريتين مشتركتين بينهما على أن ترضع هذه ابن هذا، والأخرى ابن الآخر سنتين حيث لا يجوز، ذكره في " الذخيرة "، مع أن اللبن عين.
وأجيب: بأن ألبان بني آدم بمنزلة المنافع؛ لأنها لا قيمة لها إلا عند العقد بطريق التبعية فتتحقق الضرورة كما في الخدمة. أما ألبان الحيوانات أعيان، ولها قيمة بلا عقد، فلا تجوز المهايأة فيها.
وفي " الذخيرة ": أمة بين رجلين خاف كل صاحبه عليها، فقال أحدهما: عندك يوما، وعندي يوم. وقال الآخر: بل نضعها على يد عدل يجعل عند كل واحد منهما يوما، ولا توضع عند يد عدل، قال مشايخنا: يحتاط في باب الفروج في جميع المواضع إلا في هذا، فإنه لا يحتاج لحشمة ملكه.
م: (والحيلة) ش: هذا قول المصنف أي الحيلة في جواز التهايؤ في الصورة المذكورة م: (أن يبيع حصته من الآخر) ش: أي يبيع حصته من الشجر، أو الغنم من الشريك الآخر م: (ثم يشتري كلها بعد مضي نبوته) ش: أي ثم أن يشتري كل الشجر، أو الغنم فيجعل لكل واحد منهما ما تناوله؛ لأنه حصل الثمر، أو اللبن على ملك المشتري م: (أو ينتفع باللبن بمقدار معلوم استقراضا لنصيب صاحبه) ش: من الحليب كل يوم إلى مدة معلومة إذا مضت المدة ينتفع صاحبه باللبن مثل تلك المدة بعضه من نصيب نفعه في هذه المدة، وبعضه مما اقترضه في المدة الماضية، ولكن ينبغي أن يزن

(11/472)


إذ قرض المشاع جائز، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللبن. أو بكياله في المدة حتى تتحقق المساواة في الاستيفاء، ولا يكون الربا لأن اللبن يزيد وينقص في المدة، وكذا المهايأة.

م: (إذ قرض المشاع جائز) ش: تعليل الوجه الثاني. وقال في قسم المسائل في " المبسوط " تهايآ في أغنام بينهما على أن يكون نصفها عند هذا، والنصف عند الآخر يعلف ويشرب لبنها لا يجوز؛ لأن اللبن بينهما، والعلف عليهما فيكون كل واحد مشتريا نصف لبن صاحبه بنصف العلف الذي عليه، واللبن يزيد وينقص، والعلف مثله فلا يجوز.
وفي " الفتاوى الصغرى ": بقرة بين اثنين تواضعا على أن يكون عند كل واحد منهما خمسة عشر يوما يحلب لبنها، فهذه مهايأة باطلة، ولا يحل فضل اللبن لأحدهما وإن جعلا في حل أن يسلك صاحب الفضل فضله، ثم جعله صاحبه في حل فحينئذ يحل؛ لأن الأول هبة المشاع فيما يحتمل القسمة فلم يجز، والثاني: هبة الدين، وإنه يجوز، وإن كان مشاعا ونقله عن قسمة " الواقعات " م: (والله أعلم بالصواب) .

(11/473)