البناية شرح الهداية

كتاب المزارعة قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزارعة بالثلث والربع باطلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المزارعة]
م: (كتاب المزارعة) ش: قال الشراح: لما كان الخارج في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة بعدها. قلت. لما ذكر في القسمة كيفيتها في الأراضي ذكر عقبها ما هو المقصود الأعظم من الأرض وهي المزارعة.
م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المزارعة بالثلث والربع باطلة) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال الشافعي، ومالك، وفي " الحلية ": لا تجوز المزارعة على بياض أرض الشجر فيها، والمزارعة، والمخابرة، وبه قال أبو حنيفة، وهو قول مجاهد، والنخعي، وعكرمة، وابن عباس في رواية.
ومن أصحابنا من قال: المزارعة غير المخابرة، فالمخابرة أن يكون من رب الأرض، ومن الآخر البذر والعمل. والمزارعة: أن يكون الأرض، والبذر من واحد، والعمل من آخر. وفي " السنن ": تجوز المزارعة على الأرض التي بين النخيل المساقاة على النخيل ومزارعة على الأرض فيكون البذر من صاحب الأرض تبعا للمساقاة.
وقيل: إن كان النخيل قليلا، والبياض كثيرا لم يجز. وفي " النهاية ": وكذا المعاملة لا يجوز عند أبي حنيفة ببعض الخارج، وعند مالك: لا يجوز دفع الأرض مزارعة إلا تبعا للكروم، والاستئجار.
وشرط التبعية عنده أن يكون الأصل ضعف التبع؛ لأنه تحقق التبعية، كذا في " المختلف ". وقال الشافعي: تجوز المزارعة تبعا للمساقاة على الأرض التي بين النخيل، ولا تجوز مفردة، ولا تجوز حتى يكون من رب الأرض البذر والعذر، ومن العامل العمل، كذا في " شرح الأقطع ". وقال الحربي من أصحاب أحمد في "مختصره": وتجوز المساقاة في النخل، والكرم، والشجر بشيء معلوم يجعل للعامل من الثمرة، ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم.
وتجوز المزارعة ببعض الخارج من الأرض إن كان البذر من رب الأرض، انتهى. وإنما قيد بالثلث والربع مع أنها لا تجوز عند أبي حنيفة في جميع الصور تبركا بلفظ الحديث، وإنه جاء في الحديث نهي عن المخابرة. قيل: وما المخابرة، قال: "بالثلث والربع" وخص بالحديث

(11/474)


اعلم أن المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع، وفي الشريعة: هي عقد على الزرع ببعض الخارج وهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: جائزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك المكان في ذلك الوقت إذ قال ذلك لبيان التقدير إذ تغير بيان التقدير المزارعة فاسدة بالإجماع وذكر الخصاف في كتاب "الحيل": الحيلة في جواز المزارعة على مذهب أبي حنيفة فقال: الحيلة في المزارعة أن يأخذها مزارعة ثم يتنازعا إلى قاض يرى المزارعة جائزة فيحكم بجوازها عليها فيجوز ذلك إذا قض قاض عليها بأبعاد هذه المزارعة فيجوز إقرارهما بالمزارعة عليهما، انتهى.
وقال الإمام الأسبيجابي في شرح الطحاوي ": ثم الحيلة لأبي حنيفة في جواز المعاملة، والمزارعة أن يستأجر العامل بأجرة معلومة إلى مدة، فإذا انقضت تلك المدة استوجب الأجرة سواء حصل هناك خارج أو لم يحصل، ثم يتراضيا على بعض الخارج مكان الأجرة فيجوز ذلك. فكذلك هنا في المزارعة.

[تعريف المزارعة وحكمها]
م: (اعلم أن المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع) ش: قد علم أن باب المفاعلة للمشاركة بين اثنين كالمنازعة، والمخاصمة. وقال ابن الحاجب: وفاعل يشبه أصله إلى أحد أمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجيء العكس ضمنا نحو ضاربه وشاركه، فإن ذلك يدل صريحا على نسبة الضرب إلى نفسك متعلقا بالآخر، وضمنا على نسبته إلى الآخر متعلقا بك، ولأجل ذلك جاء غير المتعدي إذا نقل ذلك إلى هذا الباب متعديا نحو لازمة فإن أصله لازم وقد تعدى هاهنا.
وقوله: من الزرع يسير به إلى ثلاثية زرع يزرع زرعا، يقال: زرع أهله الحب إن أنبته ومنه قوله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] (الواقعة: الآية 63) . وقولهم: زرع الزارع الأرض بمعنى حرثها، وذلك أن يسندها للزراعة من إسناد الفعل إلى السبب فجاز، والزرع مما يستنبط بالبذر. والمزارعة مفاعلة منه وهي معاقدة بين اثنين، وذك أن يدفع الأرض إلى من يزرعها على أن الخارج منها بينهما على ما شرطا، وكذا معناها الشرعي، أشار إليه بقوله:
م: (وفي الشريعة: هي عقد على الزرع ببعض الخارج) ش: يعني هي عقد على الزراعة ببعض ما يخرج من الأرض نحو الثلث، والربع م: (وهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الزراعة فاسدة عنده، وقد ذكرناه.
م: (وقالا: جائزة) ش: أي قال أبو يوسف، ومحمد: جائزة، وبه قال أحمد، إذا كان البذر من صاحب الأرض، وكثير من أهل العلم، وهو قول علي، وسعد، وابن مسعود، وقول أبي بكر، وآل علي، وعمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، وابن المسيب، وطاوس

(11/475)


لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابنه محمد، ومعاذ، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
م: (لما روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي، عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» .
وفي لفظ: «لما فتحت خيبر سأل اليهود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقرهم على أن يعملوا على نصف ما يخرج منها من الثمر، والزرع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نقركم فيها على ذلك ما شئنا» ذكره البخاري في مواضع من كتابه، ومسلم، وأبو داود في البيوع، والترمذي، وابن ماجه في الأحكام.
وقال البخاري في "الصحيح ": قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر، قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا ويزرعون على الثلث، والربع، وزارع: علي، وسعد بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل علي، وابن سيرين.
وقال عبد الرحمن بن الأسود: كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد في الزرع. وعامل عمر الناس على أن من جاء بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فيقعان جميعا في خراج فهو بينهما، وروي ذلك عن الزهري، وقال الحسن: لا بأس أن يعطى القطن على النصف.
وقال إبراهيم، وابن سيرين، وعطاء، والحاكم، والزهري، وقتادة: لا بأس بأن يعطى الثوب بالثلث، والربع ونحوه، حدثني إبراهيم بن المنذر، وقال: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله عن نافع، أن عبد الله بن عمر أخبره «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج فيها من زرع، أو ثمر، وكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسقا، وعشرون وسق شعير» إلى هنا لفظ البخاري.
وقال أيضا فيه: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال عمرو: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنه، قال: أي عمر: إني أعطيتهم وأغنيهم، فإن أعلمهم أخبرني، يعني ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينه عن ذلك، ولكن قال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خيرا له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما".

(11/476)


ولأنه عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبارًا بالمضاربة، والجامع دفع الحاجة فإن ذا المال قد لا يهتدي إلى العمل والقوي عليه لا يجد المال، فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما، بخلاف دفع الغنم والدجاج ودود القز معاملة بنصف الزوائد لأنه لا أثر هناك للعمل في تحصيلها فلم تتحقق شركة، وله: ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المخابرة وهي المزارعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه) ش: أي ولأن عقد المزارعة م: (عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبارا بالمضاربة) ش: فإنها أيضا عقد شركة بين المال، والعمل من المضارب م: (والجامع) ش: أي وجه القياس على المضارب م: (دفع الحاجة، فإن ذا المال قد لا يهتدي إلى العمل) ش: أي إلى عمل المزارعة فعدم يدريه بذلك م: (والقوي عليه) ش: بالنصب أي وأن القوي على العمل، أي عمل المزارعة م: (لا يجد المال) ش: لفقره وعدم إعطاء الناس له م: (فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فقد دعت الضرورة إلى جواز انعقاد عقد المزارعة بين صاحب المال العاجز عن العمل، والفقير القادر على العمل.
م: (بخلاف دفع الغنم والدجاج ودود القز، معاملة بنصف الزوائد) ش: من حيث لا يجوز، وانتصاب معاملة على الحال من الرفع، وأراد بالزوائد الأولاد في الغنم، والأفراخ في الدجاج، والإبريسم في دود القز. وفي " العباب ": القز من الإبريسم معرب؛ لأنه قال الكاكي: الزوائد على تأويل الزائد.
قلت: لا حاجة إلى هذا النفي، بل الضمير فيه للشأن م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (إلا أثر هناك للعمل في تحصيلها) ش: أي في تحصيل الزوائد، أي لا أثر لعمل الراعي، والحافظ في حضور تلك الزوائد، وإنما هي تحصل بالسقي، والرعي، والحيوان يباشرها باختياره فيضاف؛ لأنه فعل فاعل مختار، ولا يضاف إلى غيره م: (فلم تتحقق شركة) ش: أي إذا كان كذلك فلا تتحقق الشركة بين الرافع، والمرفوع، فلا يجوز. بخلاف المضاربة؛ لأن للعمل أثر في الربح فلا يحصل بالضرب في الأرض.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (ما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المخابرة» وهي المزارعة) ش: هذا الحديث رواه جابر، ورافع بن خديج، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. أما حديث جابر فأخرجه مسلم عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة» . قال عطاء فسرها لنا جابر قال: أما المخابرة فالأرض البيضاء يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها، ثم يأخذ من الثمر.
والمحاقلة بيع الزرع القائم بالحب كيلا، والمزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا. وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: حدثنا [ ... ] قال: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن

(11/477)


ولأنه استئجار ببعض ما يخرج من عمله، فيكون في معنى قفيز الطحان. ولأن الأجر مجهول أو معدوم، وكل ذلك مفسد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مسلم الطائفي، أخبرني إبراهيم بن ميسرة. أخبرني عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة» والمخابرة على الثلث، والربع، والنصف. والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، وبيع العنب في الشجر بالزبيب والمحاقلة بيع الزرع قائما على أصوله بالطعام كذا فسره الطحاوي.
وفي " الفائق ": المخابرة هي المزارعة على الحرة، وهي النصف، وقال أبو عبيد في " غريب الحديث ": المخابرة هي المضاربة بالنصف. والثلث، والربع وأقل من ذلك وأكثر، وهو الخير أيضا. ثم قال: وكان أبو عبيد يقول: إنما سمي الأكار الخبير لأنه جابر الأرض. والمؤاكرة وهي المخابرة، وقال: ولهذا سمي الأكار؛ لأنه لو أكر. وقال في " مختصر الأسرار ": قال ابن الأعرابي: المخابرة مشتقة من معاملة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر، ثم صارت لغة مستعملة.
وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه مسلم أيضا «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: كنا نخابر، ولا نرى بذلك بأسا، حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنه فتركناه» .
وأما حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن حجاج، عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة» قلت: وأما المخابرة فهي أن يأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع، رواه أبو داود في "سننه".

م: (ولأنه) ش: أي: ولأن عقد المزارعة م: (استئجار ببعض ما يخرج من عمله) ش: بدليل أنه لا يصح بدون ذكر المدة، وذلك من خصائص الإجارة م: (فيكون في معنى قفيز الطحان) ش: وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قفيز الطحان. وقد مر تحقيقه في كتاب الإجارة، وصورته أن يستأجر رجلا ليطحن له كرا من حنطة بقفيز من دقيقها.
م: (ولأن الأجر مجهول) ش: على تقدير وجود الخارج لعدم العلم بأن الثلث، أو الربع يتقدر من الأقفزة عشرة، أو أقل أو أكثر م: (أو معدوم) ش: على تقدير أن لا يخرج من الأرض شيء، أو أصابته آفة م: (وكل ذلك مفسد) ش: أي كل واحد من العلتين مفسد للإجارة م:

(11/478)


ومعاملة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح، وهو جائز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ومعاملة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح، وهو جائز) ش: هذا جواب عما استدلا به من حديث خيبر، وتقريره أنه لم تكن بطريق المزارعة، والمساقاة، بل كانت بطريق الخراج على وجه المن عليهم، والصلح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملكها غنيمة.
فلو كان أخذها كلها جاز، وتركها في أيديهم بشرط ما يخرج منها فضلا، وكان ذلك خراج مقاسمة، وهو جائز كخراج التوظيف ولا نزاع فيه، وإنما النزاع في جواز المزارعة، والمعاملة، وخراج المقاسمة أن يوطن الإمام في الخارج شيئا مقدار عشر، أو ثلث، أو ربع، ويشترك الأراضي على ملكهم منا عليهم، فإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء عليهم، وهذا تأويل صحيح لم ينقل عن أحد من الرواة أنه يضرب في رقابهم أو رقاب أولادهم.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه "لمختصر الطحاوي ": ومما يدل على أن ما شرط من نصف التمر. والزرع، وكان على وجه الجزية أنه لم يرد في شيء من الأخبار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ منهم الجزية إلى أن مات، ولا أبو بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إلا بأن أخذاهم ولو لم يكن ذلك الأخذ حين نزلت آية الجزية، والخراج الموظف أن يجعل الإمام في ذمتهم بمقابلة الأراضي شيئا من كل جريب يصلح للزراعة صاعا، ودرهما على ما عرف في كتاب " السير ".
فإن قلت: روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم أراضي خيبر على ستة وثلاثين سهما، وهذا يدل على أنها ما كانت خراج مقاسمة.
قلت: إنه يجوز أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم خراج الأرض بأن جعل خراج هذه الأرض لفلان، وخراج هذه لفلان. قلت: روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -أجلى أهل خيبر ولم يعطهم قسمة الأرض. فيدل ذلك على عدم الملك. قلت: أجاز أنه ما أعطاهم زمان الإجلاء، وأعطاهم بعد ذلك.
فإن قلت: قال ابن قدامة في " المغني ": أحاديث رافع مضطربة تارة يحدث عن بعض عمومته، ومرة عن سماعه، وتارة يقول بقوله: أخبرني عمار، فإذا كانت أخبار رافع هكذا وجب طرحها، ويعمل بالحديث الوارد في شأن خيبر؛ ولأن حديثه فسر بما لا يختلف في فساده، فإنه قال: «كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه، فربما خرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الذهب، والورق فلم ينهنا» . متفق عليه، وفي لفظه: فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس، وهذا خارج عن محل الخلاف فلا دليل ولا تعارض؛ ولأن خبره ورد في الكري بالثلث، أو بالربع، والنزاع في المزارعة، وحديثه الذي فيه المزارعة يحيل على

(11/479)


وإذا فسدت عنده فإن سقى الأرض وكربها ولم يخرج شيء فله أجر مثله، لأنه في معنى إجارة فاسدة، وهذا إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض، وإن كان البذر من قبله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكري أيضا، لأن قضية واحدة رويت بألفاظ مختلفة فيجب تفسيره بما يوافق الآخر.
ولأنه لو صح خبره، وامتنع تأويله وتعذر الجمع لوجب حمله على أنه منسوخ، وحديث خيبر منسوخ القول نسخه لأنه عمل به الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده.
وأما حديث جابر في النهي عن المخابرة يجب حمله على أحد الوجوه التي حمل عليها خبر رافع. فإنه روى حديث خيبر عنه فيجب الجمع بين حديثه، ثم لو حمل على المزارعة لكان منسوخا بقصة خيبر. وكذا القول في حديث زيد بن ثابت. ولو قال أصحاب الشافعي: يحمل أحاديثكم على الأرض التي بين النخل، وأحاديث النبي على الأرض البيضاء جمعا بينهما.
قلنا: هذا بعيد لأن خراج خيبر أربعون ألف وسق فينبغي أن تكون بلدة كبيرة، والرواة رووا القصة على العموم من غير تفصيل، ولأن ما ذكره يفضي إلى تقييد كل واحد من الحديثين، وما ذكرناه حمل لأحدهما.
قلت: ما ذكره غير مسلم لما ذكرنا أن حديث خيبر لا يدل على جواز عقد المزارعة، وذلك بطريق الجزية، أو خراج المقاسمة، وقوله: إن حديث رافع مضطرب غير قوي، لأن الحديث بالاضطراب في ألفاظه يقول مرة كذا، ومرة كذا لا يرد. وما قال من النسخ غير صحيح، لأن النسخ نقيض المعارضة. وحديث خيبر لا يدل على المزارعة، فكيف التعارض.
وقوله: خارج عن محل الخلاف غير صحيح، لأن الخلاف في النهي لا في الكري شيء معلوم. وفي الجملة: جواب كلامه أن حديث خيبر لا يدل على جواز المزارعة لما ذكرنا، وإنما أوله أصحاب الشافعي على تقدير التسليم لما أن النهي جاء في المزارعة بلفظها صريحا.

[فساد المزارعة]
م: (وإذا فسدت عنده) ش: أي إذا فسد عقد المزارعة عند أبي حنيفة م: (فإن سقى الأرض وكربها) ش: هذا بيان حكم الفساد فكذلك ذكره بالفاء، يقال: كرب الأرض إذا قلبها للحرث والمصدر كرب بالكسر م: (ولم يخرج شيء فله أجر مثله؛ لأنه في معنى إجارة فاسدة) ش: أي لأنه عقد المزارعة، وفي " شرح الطحاوي ": فلما لم يخرج عنده كان الخراج كله لصاحب البذر، فإن كان البذر من قبل رب الأرض فالخارج كله له، ويطيب له، ويتصدق به؛ لأن ذلك كله إنما ملك، ويجب عليه أجر مثل تلك المزارع، أشار إليه بقوله: م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور.
م: (إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض وإن كان البذر من قبله) ش: أي من قبل المزارع م:

(11/480)


فعليه أجر مثل الأرض، والخارج في الوجهين لصاحب البذر لأنه نماء ملكه، وللآخر الأجر كما فصلنا، إلا أن الفتوى على قولهما لحاجة الناس إليها ولظهور تعامل الأمة بها، والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فعليه) ش: أي على المزارع م: (أجر مثل الأرض، والخارج في الوجهين) ش: يعني في الوجه الذي كان البذر من قبل صاحب الأرض، وفي الوجه الثاني: كانت من قبل الزارع م: (لصاحب البذر، لأنه نماء ملكه) ش: أي ملك صاحب البذر م: (وللآخر الأجر) ش: أي أجر المثل، والآخر هو رب الأرض، أو المزارع م: (كما فصلنا) ش: أشار به إلى قوله: إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض ... إلخ.
وإما قولهما: فإن حصل شيء من الخارج يكون بينهما على الشرط، وإن لم يحصل فلا شيء على رب الأرض، وعلى المزارع، ولا يلزم ما لو غصب البذر يكون بينهما على الشرط، وزرع الخارج للزراع لا لصاحب البذر؛ لأنه نماء ملكه؛ لأن الغاصب هنا عامل لنفسه باحتكاره وكسبه، فإضافة الحارث، وهو الخارج إلى عمله أولى. أما هاهنا فالعامل عامل لغيره بأمره. فيجعل العمل مضافا إلى الأمر، فبقي البذر أصلا، وكما لو وقع البذر بنفسه، ونبت كذا في " الإيضاح ".
م: (إلا أن الفتوى على قولهما) ش: أي لكن الفتوى على قولهما أي أبو يوسف، ومحمد م: (لحاجة الناس إليها) ش: أي إلى المزارعة م: (ولظهور تعامل الأمة بها) ش: أي بالمزارعة من لدن زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير م: (والقياس يترك بالتعامل) ش: أي بتعامل الناس م: (كما في الاستصناع) ش: أي كما ترك القياس في الاستصناع لتعامل الناس به.
فإن قلت: إنما يترك القياس بالتعامل إذا لم يكن في المسألة اختلاف في الصدر الأول، وهاهنا قد اختلف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
قلت: الأصح انعقاد الاجتماع سبق الاختلاف، فكان جريان التعامل بعد ذلك إجماعا على جوازه. وأيضا إن الاختلاف ما كان لأجل فساد المزارعة. وقد روى الطحاوي عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه. وإنما «جاء رجلان من الأنصار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اختلفا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا الأرض» فعلم أن

(11/481)


ثم المزارعة لصحتها على قول من يجيزها شروط: أحدها: كون الأرض صالحة للزراعة، لأن المقصود لا يحصل بدونه. والثاني: أن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد، وهو لا يختص به لأن عقدا ما لا يصح إلا من الأهل. والثالث: بيان المدة، لأنه عقد على منافع الأرض أو منافع العامل، والمدة هي المعيار لها فيعلم بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكراهية لنفي الشر بينهم، وكان الطحاوي يرجع قولهما، وكذا أكثر أصحاب الحديث.

[شروط صحة المزارعة]
م: (ثم المزارعة لصحتها على قول من يجيزها شروط: أحدها: كون الأرض صالحة للزراعة؛ لأن المقصود) ش: وهو الانتفاع م: (لا يحصل بدونه) ش: أي دون كون الأرض صالحة.
م: (والثاني) ش: أي والشرط الثاني م: (أن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد) ش: بأن يكون بالغا عاقلا قادرا على التصرفات م: (وهو) ش: أي هذا الشرط م: (لا يختص به) ش: أي بعقد المزارعة وحدها م: (لأن عقدا ما لا يصلح إلا من الأهل) ش: أي لأن أي عقد كان لا يصح إلا ممن يكون أهلا.
م: (والثالث) ش: أي والشرط الثالث م: (بيان المدة؛ لأنه عقد على منافع الأرض) ش: إن كان، ثم إنه ذكر بيان البذر من جانب العامل م: (أو منافع العامل) ش: إن كان البذر من جانب الأرض م: (والمدة هي المعيار لها) ش: أي للمنافع م: (فيعلم بها) ش: المدة مطلقا، ولم يبين مقداره. ولا شك أن المدة القليلة التي لا تصلح للزراعة لا تصلح لعدم الفائدة، ولا مدة طويلة يقسمان إليها كانت بمنزلة التأبيد، فلا يصح أيضا، ولا بد من ذكر مقدار المدة.
وفي " الذخيرة ": ومن الشرائط بيان المدة، يقول: إلى سنة، أو سنتين، وما أشبهه، ولو بين مدة لا يدرك الزرع فيها تفسد المزارعة، وكذا لو بين مدة لا يعيش أحدهما إليها غالبا تفسد أيضا.
وذكر أبو علي النسفي أن مشايخنا قالوا في الإجازة الرسمية التي تعقد إلى ثلاثين سنة: إن كان لا يتوهم حياة العاقدين إليها غالبا بأن كانا كبيرين أو أحدهما لم تجز؛ لأن الغالب كالمتيقن في المفقود يحكم بموت أقرانه بحسب الغالب، وإن كان في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يعيش إلى آخر الدهر.
وقال الخصاف، وبعض المشايخ: جاز ذلك كما في النكاح إذا بنى مدة سنة، ولا يصح ذلك في ظاهر الرواية، ويجعل ذلك بمنزلة نكاح مؤقت. وعن محمد بن سلمة: أن المزارعة تصح بلا بيان المدة، ويقع على زرع واحد، واختاره أبو الليث، وبه قال أبو ثور، وعن أحمد لا يجوز بلا بيان للمدة، لأنها عقد جائز غير لازم. وعند أكثر الفقهاء لازم.

(11/482)


والرابع: بيان من عليه البذر قطعا للمنازعة وإعلاما للمعقود عليه وهو منافع الأرض أو منافع العامل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " النوازل " سئل أبو نصر محمد بن سلام عن رجل دفع أرضا مزارعة ولم يعين لها وقتا؟ قال: على مذهب علمائنا الكوفيين المزارعة فاسدة. وفي قول محمد بن سلمة الإجارة جائزة، وهو على أول السنة.
قال الفقيه: وبه نأخذ، وإنما قال على مذهب علمائنا الكوفيين لأن وقت المزارعة عندهم متفاوت، فابتداؤه وانتهاؤه مجهول وقت العامل وأجاز المعاملة على أول سنة، ولم تجز المزارعة فأما في بلادنا فوقت المزارعة معلوم، فيجوز إن لم يوقت كما تجوز المعاملة، إلى هنا لفظ " النوازل ".
م: (والرابع) ش: أي والشرط الرابع م: (بيان من عليه البذر قطعا للمنازعة) ش: لأن المعقود عليه يختلف باختلافه م: (وإعلاما للمعقود عليه) ش: لأن جهالته تقضي إلى المنازعة م: (وهو) ش: أي المعقود عليه م: (منافع الأرض أو منافع العامل) ش: أي إن كان البذر من قبل صاحب الأرض، ففي الأول العامل مستأجر للأرض، وفي الثاني رب الأرض مستأجر للعامل، فلا بد من بيان ذلك بالإعلام.
وهذا إذا لم يذكر لفظا يدل على أن البذر من قبل من هو. أما إذا ذكر لفظا يدل عليه فذلك يكفي، ذكر ابن رستم عن محمد من قال لغيره أجرتك أرضي هذه السنة بالنصف، أو قال بالثلث جاز والبذر على المزارع، لأن الأجرة تكون على المزارع المستأجر، فهذا بيان أن البذر على المزارع.
ولو قال: أجرتك لتزرع أرضي هذه بالثلث جاز والبذر على رب الأرض. وأما إذا قال: دفعت أرضي إليك مزارعة بالثلث لا يجوز، إذ ليس فيه بيان من عليه البذر عن بعض مشايخ بلخ، بيان من عليه البذر.
وإنما يشترط في موضع ليس فيه عرف ظاهر لا يشترط. بيانه أن البذر على من، أما إذا كان المعرف مشتركا أو في موضع فيه عرف ظاهر لا يشترط بيانه، لأن المعروف كالمشروط، كذا في " الذخيرة ".
وعند أحمد والشافعي إذا كان البذر من رب الأرض تصح المزارعة، وإن كان من جهة العامل تفسد ولا يحتاج لصحته إلى بيان من عليه البذر.
وعن أحمد يجوز أن يكون البذر منهما، وبه قال أبو يوسف ومحمد وطائفة من أهل

(11/483)


والخامس: بيان نصيب من لا بذر من قبله؛ لأنه يستحقه عوضا بالشرط، فلا بد أن يكون معلوما، وما لا يعلم لا يستحق شرطا بالعقد. والسادس: أن يخلي رب الأرض بينها وبين العامل حتى لو شرط عمل رب الأرض يفسد العقد لفوات التخلية. والسابع: الشركة في الخارج بعد حصوله، لأنه ينعقد شركة في الانتهاء، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد.
والثامن: بيان جنس البذر ليصير الأجر معلوما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحديث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي المغني، لابن قدامة هو الصحيح، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على أن يعملوها من أقواتهم، فظاهره أن البذر من أهل خيبر، والأصل المعول عليه في صحة المزارعة هذا الحديث.
م: (والخامس) ش: أي والشرط الخامس م: (بيان نصيب من لا بذر من قبله؛ لأنه يستحقه عوضا بالشرط، فلا بد أن يكون معلوما، وما لا يعلم لا يستحق شرطا بالعقد) ش: أي والذي لا شيء لا يستحق حال كونه شرطا بالعقد.
م: (والسادس) ش: أي والشرط السادس م: (أن يخلي رب الأرض بينها وبين العامل، لو شرط عمل رب الأرض يفسد العقد لفوات التخلية) ش: وهذا ظاهر، وكذا يشترط أن يخلي رب النخيل بينه وبين العامل، حتى إذا شرط عمله مع العامل لا يجوز.
م: (والسابع) ش: أي والشرط السابع م: (الشركة في الخارج بعد حصوله لأنه ينعقد شركة في الانتهاء) ش: المراد منه أن يشترط العاقدان زمان العقد أن يكون جميع الخارج بينهما إذا حصل، وليس المراد منه حصول حقيقة الشركة في الخارج حين العقد، لأن ذلك لا يكون إلا بعد الخروج، فلا يكون شرطا، لأن شرط الشيء لا بد أن يكون سابقا عليه لتوقفه عليه لا متأخرا م: (فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد) ش: لأنه إذا شرط بها ما يقطع الشركة في الخارج يبقى إجارة محضة، والقياس بأن الجواب الإجارة المحضة بأجر معلوم. وعن هذا قلنا: إذا شرط صاحب البذر أن يرفع بذره من الخارج، والباقي بينهما تفسد المزارعة بلا خلاف.
وشرط صاحب البذر قدر العشر من الخارج والباقي بينهما تصح المزارعة، لأن هذا الشرط لا يقطع الشركة في الخارج، وإن قيل يكون له عشر وهو الحيلة لصاحب البذر إذا أراد أن يصل إليه يشترط قدر البذر باسم العشر أو الثلث أو ما أشبه ذلك، والباقي بينهما.
م: (والثامن) ش: أي والشرط الثامن م: (بيان جنس البذر ليصير الأجر معلوما) ش: قال شيخ الإسلام: هذا قياس، وفي الاستحسان ليس بشرط، وفوض الأمر إلى المزارع، وقال في موضع آخر: بيان جنس البذر شرط من غير ذكر قياس واستحسان، وهذا أقرب إلى الصواب، إلا إذا أعم بأن قال ما بذلك مكان البذر من جهة العادل. أو قال ما بدا لي وكان البذر

(11/484)


قال: وهي عندهما على أربعة أوجه، إن كانت الأرض والبذر لواحد، والبقر والعمل لواحد جازت المزارعة، لأن البقر آلة العمل، فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط بإبرة الخياط.
وإن كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت، لأنه استئجار الأرض ببعض معلوم من الخارج فيجوز، كما إذا أستأجرها بدراهم معلومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من رب الأرض وإن لم يكن شيء من ذلك فسدت المزارعة. ولو زرعها مع الفساد ينقلب العقد جائزا، لأن جنس البذر صار معلوما، كذا في " الذخيرة ". وقوله: ليصير الأجر معلوما لأن الأجر بعض الخارج، وإعلام جنس البذر شرط.

[أوجه المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (وهي عندهما) ش: أي المزارعة عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (على أربعة أوجه، إن كانت الأرض والبذر لواحد والبقر والعمل لواحد جازت المزارعة) ش: هذا الانحصار على رواية القدوري وهو بالاستقراء، لأن قيام المزارعة على أربعة أشياء وهي الأرض والبذر والبقر والعمل وهو أمر محسوس، ويعلم منه وجه الانحصار.
وأما إذا كانت الأرض مشتركة أو البذر أو البقر مشتركا بينهما، فوجوههما كثيرة على ما بينهما إن شاء الله تعالى الأول من الأربعة أن تكون الأرض والبذر لواحد والبقر والعمل لآخر جازت م: (لأن البقر آلة العمل) ش: وصاحب الأرض مستأجر للعامل والبقر آلة له، فيكون تبعا فلا يكون الآخر بمقابلة البقر.
فإن قلت: أما قوله وهي عندهما على أربعة أوجه إن كان بيان الزراعة الصحيحة فلا يقسم، لأنها على ثلاثة أوجه، وإن كان بيان المزارعة الفاسدة فلا يستقيم أيضا.
قلت: المراد المزارعة المستعملة بين الناس وهي أربعة أوجه.
م: (فصار كما إذا استأجر خيطا ليخيط بإبرة الخياط) ش: أي صار حكم هذا الوجه كحكم من استأجر رجلا خياطا ليخيط ثوبه بإبرة الخياط، لأن الإبرة آلة للعمل، وكذا إذا استأجر صباغا لصبغ الثوب بصبغ نفسه.

[كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد]
م: (وإن كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت) ش: أي المزارعة، هذا هو الوجه الثاني م: (لأنه استئجار الأرض ببعض معلوم من الخارج فيجوز) ش: أي لأن هذا الوجه استئجار الأرض ببعض معلوم، لأن رب البذر استأجر الأرض بجزء معلوم من الخارج م: (كما إذا استأجرها بدراهم معلومة) ش: أو دنانير معلومة صحت، فكذا إذا استأجرها بجزء مسمى من الخارج.

(11/485)


وإن كانت الأرض والبذر والبقر لواحد، والعمل من الآخر جازت، لأنه استأجره للعمل بآلة المستأجر، فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط ثوبه بإبرته، أو طيانا ليطين بمرة
وإن كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة، وهذا الذي ذكره ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز أيضا؛ لأنه لو شرط البذر والبقر عليه يجوز، فكذا إذا شرط وحده وصار كجانب العامل. وجه الظاهر أن منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض؛ لأن منفعة الأرض قوة في طبعها يحصل بها النماء، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كل ذلك بخلق الله تعالى فلم يتجانسا، فتعذر أن تجعل تابعة لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كانت الأرض والبذر والبقر لواحد والعمل من الآخر]
م: (وإن كانت الأرض والبذر والبقر لواحد والعمل من الآخر جازت) ش: أي المزارعة، وهذا هو الوجه الثالث م: (لأنه استأجره للعمل بآلة المستأجر) ش: أي لأن صاحب البذر والبقر والأرض استأجر الآخر بآلة نفسه م: (فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط ثوبه بإبرته) ش: أي بإبرة صاحب الثوب م: (أو طيانا ليطين بمرة) ش: أي إذا استأجر طيانا المستأجر وهو بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وهو المسحاة ويسمى بالفارسية بيل بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف في آخر لام.

[كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر]
م: (وإن كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة) ش: أي المزارعة باطلة، وهذا هو الوجه الرابع م: (وهذا الذي ذكره) ش: أي القدوري م: (ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز أيضا لأنه لو شرط البذر والبقر عليه يجوز) ش: أي على صاحب الأرض م: (فكذا إذا شرط وحده) ش: أي فكذا يجوز إذا شرط أن يكون البقر بدون البذر عليه م: (وصار كجانب العامل) ش: إذا شرط البقر على العامل، أراد أن البقر تبع الأرض في هذه الصورة كما هي تبع للعامل إذا كانت من جانبه.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض؛ لأن منفعة الأرض قوة في طبعها يحصل بها النماء، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كل ذلك بخلق الله تعالى) ش: رد على المعتزلة وتنبيه على أنه من أهل السنة، فإن عند المعتزلة الأفعال الاختيارية من الحيوان منه لا من الله سبحانه وتعالى وإلا هذا الكلام في هذا المقام مستغن عنه.
فإن قلت: هذا كان فيه توهم حتى ينبه أنه من أهل السنة.
قلت: لأنه لما أضاف منفعة الأرض إلى قوة طبعها توهم أن ينسب إلى القول بالطبيعة فدفع ذلك م: (فلم يتجانسا) ش: أي منفعة الأرض ومنفعة البقر لأنهما مختلفان م: (فتعذر أن تجعل تابعة لها) ش: أي إذا كان كذلك تعذر جعل منفعة البقر تابعة لمنفعة الأرض، فلما لم يجعل تابعة كان استحقاق منفعة البقر مقصودا في الزراعة، وهذا لا يجوز كما لو كان من أحدهما

(11/486)


بخلاف جانب العامل؛ لأنه تجانست المنفعتان فجعلت تابعة لمنفعة العامل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البقر وحده، والباقي من الآخر حيث لا يجوز بالاتفاق.
م: (بخلاف جانب العمل) ش: جواب عن قوله كجانب العمل، يعني القياس فاسد م: (لأنه تجانست المنفعتان) ش: أي منفعة البقر ومنفعة العامل م: (فجعلت تابعة) ش: أي فجعلت منفعة البقر تابعة م: (لمنفعة العامل) ش: لأن البقر آلة العمل وهي من جنس عمل العامل، وتحقيق هذا البذر إذا اجتمع مع الأرض استتبعه للتجانس وضعف جهة البقر معها، فكان الاستئجار للعامل. وأما إذا اجتمع الأرض والبقر فلم يستتبعه.
وكذا في جانب الآخر فكان في كل من الجانبين معاوضة بين استئجار الأرض وغير الأرض والعامل وغيره، فكان باطلا. ولقائل أن يقول: استئجار الأرض والعامل معترض عليه دون الأخرى فكان أرجح ويلزم الجواز.
واعلم أن مبتنى جواز هذه المسائل فسادها على أن المزارعة تنعقد إجارة وتتم مشتركة، وانعقادها إجارة إذ هو على منفعة الأرض أو منفعة البقر والبذر، لأنه استئجار ببعض الخارج والقياس يقتضي أن لا يجوز في الأرض والعامل أيضا، ولكنا جوزناه بالنص على خلاف القياس، إنما ورد النص فيهما دون البذر والبقر.
أما في الأرض فحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مضى ذكره وتعامل الناس، فإنهم تعاملوا اشتراط البذر على المزارع وحينئذ كان مستأجرا للأرض ببعض الخارج. وأما في العامل ففعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أهل خيبر التعامل فإنهم ربما كانوا يشترطون البذر على رب الأرض.
فكان حينئذ مستأجرا للعامل لذلك، فاقتصرنا على الجواز بالقبض فيهما وهي غير ما على أصل القياس، وكلما كان في صور الجواز فهو من قبيل استئجار الأرض، والعامل ببعض الخارج أو كان المشروط على أحدهما شيئين متجانسين، ولكن المنظور فيه وهو استئجار الأرض أو العامل بذلك لكونه مورد الأثر، وكل ما كان من صور العدم فهو من قبيل استئجار الآخرين، أو كانت الشروط على أحدهما شيئين غير متجانسين، ولكن المنظور إلى ذلك والضابط في معرفة التجانس، فإنه من كلامه وهو أن ما يبذر فعله عن القوة الحيوانية فهو جنس، وما صدر عن غيرهما فهو جنس آخر، وقد بينا لك هذا في أثناء حل الكتاب، ونعيده لزيادة التوضيح.
أما الوجه الأول: فهو مما كان المشروط على أحدهما شيئين متجانسين، فإن الأرض

(11/487)


وهاهنا وجهان آخران باطلان لم يذكرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والبذر من جنس والعمل والبقر من جنس، والمنظور إليه استئجار يجعل كأن العامل استأجر الأرض أو رب الأرض استأجر العامل.
والوجه الثاني والثالث: مما فيه استئجار الأرض والعامل أدى الوجه أمر رابع على ظاهر الرواية باطل لأن المشروط شيئان غير متجانسين فلا يمكن أن يكون أحدهما تبعا للآخر بخلاف المتجانسين فالأشرف أو الأصل يجوز أن تسع الأخ والفرع. وأما الأنواع المتفرقة من الأنواع الأربعة فمثل أن يكون البذر من أحدهما والباقي من الآخر فهذه المزارعة فاسدة لأنه يصير مستأجرا للأرض والبقر والعامل جميعا بالبذر ولم يرد الشرع به.
قال فخر الدين قاضي خان في " الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف أنه يجوز، لأنه استئجار للعامل والأرض ببعض الخارج، وكل واحد منهما جائز عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع. وكذلك إن كان البقر وحده من أحدهما والباقي من الآخر فالمزارعة فاسدة في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف أنه جوز ذلك، كذا في " تجريد المحيط "، وكذلك إذا كان البقر والبذر من أحدهما والأرض والعمل من الآخر فالمزارعة فاسدة، لأن الشرع لم يرد به.
وفي الخارج اختلاف الرواية في الوجهين في رواية لصاحب البقر والبذر كسائر المزروعات الفاسدة. وفي وراية يكون لصاحب الأرض ويكون ذلك قرضا، وكذلك لو اشترك أربعة من أحدهم البذر، ومن الآخر العمل، ومن الآخر البقر، ومن الآخر الأرض فالمزارعة فاسدة.
وقال محمد بن الحسن في كتاب " الآثار ": أخبرنا عبد الرحمن الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد قال: «اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال واحد: من عندي البذر، وقال: الآخر: من عندي العمل. قال فألقى رسول لله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل درهما لكل يوم، وألحق الزرع كله لصاحب الأرض» انتهى. والفدان بالتشديد والتخفيف اسم للثورين اللذين يحرث بهما. قوله: ألقى صاحب الأرض، يعني لم يجعل له شيئا من الخارج، لأنه لا يستوجب مثل الأرض وأعطى لصاحب العمل كل يوم درهما، لأن ذلك كان أجر مثل عمله ولم يذكر أجر الفدان لكونه معلوما من أجر العامل.

م: (وهاهنا وجهان آخران باطلان لم يذكرهما) ش: أي وجهان آخران باطلان لم يذكرهما

(11/488)


أحدهما: أن يكون البذر لأحدهما والأرض والبقر والعمل لآخر، فإنه لا يجوز؛ لأنه يتم شركة بين البذر والعمل ولم يرد به الشرع. والثاني: أن يجمع بين البذر والبقر وأنه لا يجوز أيضا؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع، والخارج في الوجهين لصاحب البذر في رواية اعتبارا بسائر المزروعات الفاسدة، وفي رواية لصاحب الأرض، ويصير مستقرضا للبذر قابضا له باتصاله بأرضه.
قال: ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة لما بينا، وأن يكون الخارج شائعا بينهما تحقيقا لمعنى الشركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القدوري م: (أحدهما) ش: أي أحد الوجهين م: (أن يكون البذر لأحدهما والأرض والبقر والعمل لآخر، فإنه) ش: أي وإن هذا الوجه م: (لا يجوز؛ لأنه يتم الشركة بين البذر والعمل) ش: لأن صاحب البذر مستأجر، والمستأجر للأرض، والتخلية بين المستأجر والمستأجر شرط، فانعدمت التخلية هاهنا، لأن الأرض تكون في يد العامل، وبقي إشكال في أنه أوجب لصاحب الأرض أجر مثل أرضه ولم يسلم الأرض، فكيف يستوجب أجر المثل. والجواب أن منفعة الأرض صارت مسلمة إلى صاحب البذر ولسلامة الخارج له حكما، وكذلك إن لم يخرج الأرض شيئا، لأن عمل العامل بأمر في القابلان كعمله بنفسه.
فيستوجب أجر المثل عليه في الوجهين م: (ولم يرد به الشرع) ش: فلا يجوز، أي لم يرد الشرع بهذا الوجه فلا يجوز.
م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني م: (أن يجمع بين البذر والبقر) ش: بأن يكون البذر والبقر من أحدهما والعمل من الآخر م: (وأنه) ش: أي وإن هذا الوجه م: (لا يجوز أيضا؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد) ش: يعني إذا كان البذر وحده من جانب وإذا كان البقر وحدها من جانب م: (فكذا عند الاجتماع) ش: أي فكذا لا يجوز إذا كان البذر والبقر جميعا من جانب م: (والخارج في الوجهين لصاحب البذر في رواية اعتبارا بسائر المزروعات الفاسدة) ش: ذكرها الصدر الشهيد في المزارعة ومقدار ما غرم من أجر العامل والأرض ويتصدق بالفضل.
م: (وفي رواية) ش: ذكرها الصدر الشهيد أيضا فهما م: (لصاحب الأرض ويصير مستقرضا للبذر، قابضا له باتصاله بأرضه) ش: أي يصير صاحب الأرض مستقرضا للبذر، وهذا في الحقيقة جواب إشكال، وهو أن القرض يشترط فيه القبض ولا قبض هاهنا، فأجاب بأن اتصال البذر بأرضه كالقبض.

[بيان المدة في المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة لما بينا) ش: أشار بقوله إلى قوله في شرط المزارعة، والثالث بيان المدة م: (وأن يكون الخارج بينهما شائعا) ش: أي ولا تصح أيضا، إلا أن يكون الخارج بينهما شائعا م: (تحقيقا لمعنى الشركة) ش: ولا خلاف

(11/489)


فإن شرطا لأحدهما قفزانا مسماة فهي باطلة، لأن به تنقطع الشركة؛ لأن الأرض عساها لا تخرج إلا هذا القدر، فصار كاشتراط دراهم معدودة لأحدهما في المضاربة، وكذا إذا شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره ويكون الباقي بينهما نصفين، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين أو في جميعه بأن لم يخرج إلا قدر البذر؛ فصار كما إذا شرطا رفع الخراج فالأرض خراجية وأن يكون الباقي بينهما لأنه معين،
بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما؛ لأنه معين مشاع فلا يؤدي إلى قطع الشركة، كما إذا شرطا دفع العشر وقسمة الباقي بينهما والأرض عشرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه، الثالثة م: (فإن شرطا لأحدهما قفزانا مسماة فهي باطلة لأن به) ش: أي بهذا الشرط م: (تنقطع الشركة؛ لأن الأرض عساها لا تخرج إلا بهذا القدر) ش" أي القدر الذي استتببناه أحدهما، وعسى هاهنا بمعنى لعل كما في قول تحرين الموذ: فقلت عساها فار كاس، ولعلها أي لعلها واسمها ضمير فافهم.
م: (فصار كاشتراط دراهم معدودة لأحدهما في المضاربة) ش: أي صار حكم هذا كحكم ما إذا اشترط أحد المتعاقدين في المضاربة دراهم معينة له فإنه يفسد به المضاربة، لأن شرط ذلك يقطع الشركة كما مر في المضاربة م: (وكذا) ش: أي ولا يجوز م: (إذا شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره ويكون الباقي بينهما نصفين؛ لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين) ش: وهو قدر البذر م: (أو في جميعه) ش: أي أو يؤدي إلى قطع الشركة في جميع الخارج م: (بأن لم يخرج إلا قدر البذر) ش: فيأخذه صاحب البذر فيقطع به الشركة فلا يجوز.
م: (فصار كما إذا شرطا رفع الخراج فالأرض خراجية) ش: أي والحال أن الأرض خراجية م: (وأن يكون الباقي بينهما) ش: أي وشرطا أن يكون الباقي بعد الخراج بينهما، لأنه يحتمل أن لا يخرج إلا مقدار الخراج، فيكون قطعا للشركة. وفي " الذخيرة " هذا إذا كان خراجها خراج وظيفة بأن يكون دراهم أو دنانير أو قفزانا معينا. أما لو كان خراج مقاسمة وهو جزء من الخارج مشاعا يجوز الثلث أو الربع لا يفسد المزارعة بهذا الشرط.

[شرط أحد العاقدين في المزارعة]
م: (بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما) ش: حيث يجوز م: (لأنه معين مشاع، فلا يؤدي إلى قطع الشركة) ش: لأنه توهم قطع الشركة، فإنه ما من خارج إلا وله عشر، فبقي الشركة في الباقي م: (كما إذا شرطا دفع العشر وقسمة الباقي بينهما والأرض عشرية) ش: أي والحال أن الأرض عشرية، يعني يجوز هذا أيضا.
وفي " شرح الكافي " لو كانت الأرض عشرية فشرط دفع العشر إن كانت تسقى شحا، ونصف العشر إن كانت تسقى بدلو، والباقي بينهما نصفان كان جائزا لما مر هذا الشرط لتوهم

(11/490)


قال: وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي، معناه لأحدهما لأنه إذا شرط لأحدهما زرع موضع معين أفضى ذلك إلى قطع الشركة؛ لأنه لعله لا يخرج إلا من ذلك الموضع، وعلى هذا إذا شرط لأحدهما ما يخرج من ناحية معينة ولآخر ما يخرج من ناحية أخرى. وكذا إذا شرطا لأحدهما التبن وللآخر الحب، لأنه عسى تصيبه آفة، فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن. وكذا إذا شرطا التبن نصفين والحب لأحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قطع الشركة.

م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي) ش: يعني كما أنهما إذا شرطا لأحدهما قفزانا مسماة تكون المزارعة باطلة، فكذلك إذا شرطا ما على الماذيانات والسواقي لأحدهما، لأنه يحتمل أن لا يحصل الربع إلا منها، فيؤدي إلى قطع الشركة. والماذيانات جمع ماذيان وهو أصغر من النهر وأعظم من الجدول فارسي معرب.
وقيل ما يجتمع فيه ماء السيل ثم يسقى منه الأرض. والسواقي جمع ساقية وهي فرق الجدول دون النهر، كذا في " المغرب "، فيكون كلاهما واحدا. ويحتمل أن يكون بينهما فرق فكذلك أوردهما بعطف أحدهما على الآخر.
وقيل هي أوسع من السواقي ولا خلاف فيه للثلاثة، لأن الخبر الصحيح والنهي عنه غير معارض ولا منسوخ م: (معناه لأحدهما) ش: أي معنى قول القدوري وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات إن شرط لأحدهما.
م: (لأنه إذا شرط لأحدهما زرع موضع معين أفضى ذلك إلى قطع الشركة؛ لأنه لعله لا يخرج إلا من ذلك الموضع) ش: أي لأن الشأن لعل الزرع لا يخرج إلا من ذلك الموضع المعين م: (وعلى هذا) ش: أي على ما ذكرنا من عدم الجواز م: (إذا شرط لأحدهما ما يخرج من ناحية معينة ولآخر ما يخرج من ناحية أخرى) ش: أي وشرط الآخر ما يخرج من الزرع من ناحية أخرى.
م: (وكذا إذا شرطا لأحدهما التبن وللآخر الحب) ش: أي وكذا لا يصح ذكره تفريعا على مسألة القدوري وهو على خمسة أوجه، وهذا أولها م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن عساه يصيبه آفة، أي لأن الزرع م: (عسى يصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن) ش: فيؤدي إلى قطع الشركة، فلا يجوز.
م: (وكذا إذا شرطا التبن نصفين) ش: هذا هو الوجه الثاني، أي وكذا لا يجوز إذا شرطا أن يكون التبن بينهما نصفين والحب بالنصف عطفا على التبن، أي وشرطا م: (والحب لأحدهما

(11/491)


بعينه لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب.
ولو شرطا الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود. ثم التبن يكون لصاحب البذر لأنه نماء ملكه، وفي حقه لا يحتاج إلى الشرط، والمفسد هو الشرط، وهذا مسكوت عنه. وقال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: التبن بينهما أيضا اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، ولأنه تبع للحب، والتبع يقوم بشرط الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعينه لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب) ش: وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة يفسد المزارعة.

م: (ولو شرطا الحب نصفين) ش: هذا هو الوجه الثالث، وهو أن يشترطا أن يكون الحب بينهما نصفين م: (ولم يتعرضا للتبن) ش: بأن سكتا عنه م: (صحت) ش: أي المزارعة م: (لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود) ش: وهو الحب م: (ثم التبن يكون لصاحب البذر؛ لأنه نماء ملكه) ش: وفي بعض النسخ إنما بذره وهو الأصوب م: (وفي حقه) ش: أي وفي حق صاحب البذر م: (لا يحتاج إلى الشرط) ش: عن ملكه واستحقاق العامل بالشرط ولم يوجد م: (والمفسد هو الشرط) ش: أي المفسد للمزارعة هذا الشرط الفاسد م: (وهذا مسكوت عنه) ش: أي الشرط الفاسد سكت عنه هاهنا. لأنهما سكتا عنه، والسكوت عنه لا يفسد، وإنما المفسد ذكره، وهذا دفع في النسخ مسكوت عنه الصواب على ما لا يخفى.
م: (وقال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - التبن بينهما أيضا) ش: أي يكون التبن بين المتعاقدين كما يكون الحب م: (اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان) ش: وأن العرف عندهم أن الحب والتبن يكون بينهما نصفين، وتحكيم العرف عند الاشتباه واجب.
وقال الطحاوي في "مختصره ": روى أصحاب " الإملاء " عن أبي يوسف أن المزارعة فاسدة. وجعل محمد التبن لصاحب البذر إلا أن يقع الشرط بينهما، بخلاف ذلك. ثم وجدنا لمحمد بعد ذلك ما يدل على رجوعه عن قوله إلى ما قال أبو يوسف في " الإملاء " قال هو الصحيح، وبه نأخذ.
م: (ولأنه تبع للحب) ش: أي ولأن التبن تبع للحب م: (والتبع يقوم بشرط الأصيل) ش: يعني أن التبن لما كان ذكر الشرط في الحب ذكرا في التبن حيث يكون التبن بينهما أيضا فكأنهما شرطا في التبن أن يكون بينهما كالجندي يصير مقيما بنية الإمام، وكالعبد يصير مقيما بنية المولى.

(11/492)


ولو شرطا الحب نصفين والتبن لصاحب البذر صحت، لأنه حكم العقد. وإن شرطا التبن للآخر فسدت، لأنه شرط يؤدي إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن، واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط.
قال: وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط لصحة الالتزام، وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل، لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج. وإن كانت إجارة فالأجر مسمى فلا يستحق غيره، بخلاف ما إذا فسدت؛ لأن أجر المثل في الذمة ولا تفوت الذمة بعدم الخارج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو شرطا الحب نصفين والتبن لصاحب البذر صحت) ش: أي المزارعة وهذا هو الوجه الرابع م: (لأنه حكم العقد) ش: يعني أنهما لو سكتا عن ذكر التبن كان التبن لصاحب البذر، لأنه موجب العقد، فإذا نصا عليه فإنما صرحا بما هو موجب العقد، فلا يتغير به وصف العقد، وكان وجود الشرط وعدمه سواء.
م: (وإن شرطا التبن للآخر فسدت) ش: أي المزارعة. وفي بعض النسخ وهذا هو الوجه الخامس م: (لأنه شرط يؤدي إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن) ش: وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة تفسد المزارعة كما قلنا م: (واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط) ش: يعني غير صاحب البذر لا يستحق إلا بالشرط، وهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة فتفسد.

[الأثر المترتب على المزارعة]

[الأثر المترتب على صحة المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط لصحة الالتزام وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل؛ لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج) ش: أي لأن العامل يستحق ما شرطاه شركة، والحكم في الشركة في الربح إذا لم يوجد الربح لا شيء للعامل، فكذا هنا م: (وإن كانت إجارة) ش:
هذا جواب عما يقال كانت الأرض إجارة ابتداء فلا بد من الأجرة، وتقرير الجواب أن الأرض إن كانت إجارة في الابتداء م: (فالأجر مسمى) ش: أي معين م: (فلا يستحق غيره) ش: أي غير المسمى، ولا يشكل بما إذا كانت الأجرة عينا في الإجارة وهلكت الأجرة قبل التسليم يجب على المستأجر أجر المثل.
فينبغي أن يكون كذلك فيما نحن فيه، لأن الأجر المعين هناك قبل التسليم وهاهنا بعد التسليم أن العامل قبل البذر الذي يتفرع عليه الخارج وقبض الأصل قبض لفروعه والأجرة العين إذا هلكت بعد التسليم لا يجب شيء، فكذا هاهنا، كذا في " الجامع المحبوبي ".
م: (بخلاف ما إذا فسدت) ش: أي المزارعة م: (لأن أجر المثل في الذمة) ش: أي لأن وجوب أجر المثل في الذمة م: (ولا تفوت الذمة بعدم الخارج) ش: لأن عدم الخارج لا يمنع وجوب ما في

(11/493)


قال: وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر، لأنه نماء ملكه واستحقاق الآخر بالتسمية وقد فسدت، فبقي النماء كله لصاحب البذر.
قال: ولو كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج لأنه رضي بسقوط الزيادة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، لأنه استوفى في منافعه بعقد فاسد، فتجب عليه قيمتها إذ لا مثل لها، وقد مر في الإجارات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذمة.

[الأثر المترتب على فساد المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: وإذا فسدت) ش: أي المزارعة م: (فالخارج لصاحب البذرة لأنه نماء ملكه) ش: أي ملك صاحب البذر م: (واستحقاق الآخر بالتسمية وقد فسدت) ش: أي القسمة، لأن المشروط في المزارعة بمنزلة البذر المسمى في عقد الإجارة والتسمية لا تصح مع فساد العقد، فإذا بطلت التسمية بالفساد م: (فبقي النماء كله لصاحب البذر) ش: لأنه نماء ملكه.

[كان البذر من قبل رب الأرض في المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله) ش: يعني في صورة فساد المزارعة م: (لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج) ش: أي لا يزاد أجر المثل على القدر الذي شرط للعامل. وفي " شرح الكافي " ويطيب لصاحب الأرض جميع ما أخرجته الأرض لأنه تولد من بذره بقوة الأرض.
ولو كان البذر من قبل العامل بطيب له من الخارج مقدار بذره وما غرمه، ويتصدق بالفضل لأنه تولد بقوة أرض الغير وقد فسد ذلك العقد الذي استحق به ملك المنفعة فيمكن فيه شبهة الحنث م: (لأنه رضي بسقوط الزيادة) ش: أي لأن العامل رضي بسقوط الزيادة على أجر المثل لأنه دخل في مباشرة ما يوجب فساد العقد م: (وهذا) ش: أي عدم الزيادة على أجر المثل م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وقال محمد له) ش: أي للعامل م: (أجر مثله بالغا ما بلغ) ش: وبه قالت الثلاثة، وبالغا ينصب على الحال من الأجرة. وما بلغ في محل نصب على أنه مفعول بالغا ومفعوله مفعول بلغ محذوف وهو الضمير العائد إلى كلمة ما فافهم م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب الأرض م: (استوفى منافعه) ش: أي منافع العامل م: (بعقد فاسد فيجب عليه قيمتها) ش: أي قيمة منافعه م: (إذ لا مثل لها) ش: أي للمنافع فيجب قيمتها بالغة ما بلغت م: (وقد مر في الإجارات) ش: أي قد مر هذا الخلاف. وفي بعض النسخ وقد مرت أي المسألة.
وقال السغناقي: وفي هذا الذي ذكره من الحوالة نوع يعتبر، لأنه ذكر في باب الإجارة الفاسدة من كتاب الإجارة في مسألة ما إذا استأجر حمالا ليحمل له طعاما بقفيز منه، فالإجارة فاسدة.

(11/494)


وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثل أرضه، لأنه استوفى منافع الأرض بعقد فاسد، فيجب ردها وقد تعذر ولا مثل لها فيجب رد قيمتها، وهل يزاد على ما شرط له من الخارج؟ فهو على الخلاف الذي ذكرناه.
ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة فعلى العامل أجر مثل الأرض والبقر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم قال: ولا تجاوز بالأجر معنى، لأنه لما فسدت الإجارة فالواجب أقل عما سمى. ومن أجر المثل وهذا بخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى هناك غير معلوم فلم يصح الحط. فمجموع هذا الذي ذكره في الإجارات يعلم أن عند محمد لا يبلغ أجر المثل بالغا ما بلغ في الإجارات الفاسدة كما هو قولهما إلى في الشركة والاحتطاب، ثم ذكرها هاهنا وقال محمد له أجر المثل بالغا ما بلغ إلى أن قال: وقد مرت في الإجارات، وذلك يدل على أن مذهبه في جميع الإجارات الفاسدة أن يبلغ الأجر ما بلغ وليس كذلك.
وقال الأترازي أيضا: هذا كلام موهم، لأن الخلاف بين أبي يوسف ومحمد ذكر في الشركة الفاسدة في كتاب الشركة لا في كتاب الإجارات، لأن الإجارة الفاسدة لا خلاف فيها بين علمائنا الثلاثة، لأن فساد الإجارات إذا كان لعدم التسمية أو لجهالة المسمى بأن جعل الأجرة ثوبا أو دابة يجب أجر المثل بالغا ما بلغ.
وإن كان المسمى معلوما ولكن فسدت بسبب شرط فاسد أو نحوه يجب الأقل من أجر المثل والمسمى لا يجاوز بالأجر المسمى. وقال زفر والشافعي: يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، انتهى.
والجواب بأن هذه الإجارة من قبل الشركة في الاحتطاب لأن الأجر غير معلوم قبل خروج الخارج، وهذه حوالة بلا تغيير ولا إبهام، فافهم.

[كان البذر من قبل العامل في المزارعة]
م: (وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثل أرضه) ش: هذا من مسائل القدوري. وفي بعض النسخ وإن كان من قبل العامل، أي البذر م: (لأنه استوفى) ش: أي لأن العامل استوفى م: (منافع الأرض بعقد فاسد فيجب ردها) ش: أي رد المنافع، لأن هذا مقتضى القياس، ولكن هذا لا يمكن، أشار بقوله م: (وقد تعذر) ش: أي رد المنافع لأنها ثلاثة واضمحلت م: (ولا مثل لها) ش: أي منافع الأرض حتى يرد مثلها م: (فيجب رد قيمتها) ش: أي إذا كان كذلك فتجب رد قيمة منافع الأرض الذي استوفاها م: (وهل يزاد على ما شرط له من الخارج؟ فهو على الخلاف الذي ذكرناه) ش: آنفا، وهو أن لا يزاد عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد.

[جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة]
م: (ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة فعلى العامل أجر مثل الأرض والبقر) ش:

(11/495)


هو الصحيح؛ لأن له مدخلا في الإجارة وهي إجارة معنى. وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره في المزارعة الفاسدة طاب له جميعه، لأن النماء حصل في أرض مملوكة له. وإن استحقه العامل أخذ قدر بذره وقدر أجر الأرض وتصدق بالفضل لأن النماء يحصل من البذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن البقر مدخلا في الإجارة يجوز إيراد عقد الإجارة عليه والمزارعة إجارة، يعني فتنعقد الإجارة عليه فاسدا ويجب أجر المثل.
وقال الكرخي في "مختصره ": ولو أن صاحب الأرض دفع الأرض إلى صاحب العمل على أن البذر والعمل من عند العامل والأرض والبقر من عند صاحب الأرض على أن الخارج بينهما قال: هذا فاسد في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -.
فإن أخرجت الأرض زرعا كثيرا فجميع البذر لصاحب البذر والعمل، ولصاحب الأرض والبقر أجر مثل أرضه وبقره على الزارع صاحب البذر والعمل فله أن يستوفي من ذلك ما بذر وما غرم، ويتصدق بالفضل. ولو لم تخرج الأرض شيئا غرم وصاحب البذر أجر مثل الأرض وأجر مثل البقر، لأن المزراعة فاسدة ولا يبالي أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج.
م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن تأويل بعض أصحابنا لقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " لصاحب الأرض والبقر أجر مثل أرضه وبقره على صاحب البذر أن المراد به يجب أجر مثل الأرض مكروبة. أما البقر فلا يجوز أن يستحق العقد بعقد المزارعة بحال، فلا ينعقد العقد عليه صحيحا ولا فاسدا. ووجوب أجر المثل لا يكون بدون عقد، لأن المنافع لا تتقوم بدونه.
ولكن الأصح أن عقد المزارعة من جنس الإجارة ومنافع العقد مما يجوز استحقاقها بعقد الإجارة، فينعقد عليها بعقد المزارعة بالفساد، فيجب أجر مثلها كما يجب أجر مثل الأرض، كذا في " المبسوط " م: (لأن له مدخلا في الإجارة) ش: أي لأن البقر داخل في الإجارة بأن استأجرها ليحمل عليها م: (وهي إجارة معنى) ش: أي المزارعة المذكورة إجارة من حيث المعنى، ولكنها بصفة الفساد، فيجب أجر المثل.
م: (وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره) ش: أي لأجل البذر له م: (في المزارعة الفاسدة طاب له جميعه) ش: أي جميع الخارج. فإذا طاب له جميعه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء من ذلك م: (لأن النماء حصل في أرض مملوكة له) ش: أي لرب الأرض، وقد ذكرناه م: (وإن استحقه العامل) ش: أي وإن استحق الخارج العامل لكون البذر له م: (أخذ قدر بذره وقدر أجر الأرض وتصدق بالفضل) ش: أي بالزائد على قدر البذر وأجر الأرض م: (لأن النماء يحصل من البذر

(11/496)


ويخرج من الأرض وفساد الملك في منافع الأرض أوجب خبثا فيه، فما سلم له بعوض طاب له، وما لا عوض له تصدق به. قال: وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلزمه، فصار كما إذا استأجر أجيرا ليهدم داره.
وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل، لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر والعقد لازم بمنزلة الإجارة، إلا إذا كان عذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويخرج من الأرض وفساد الملك في منافع الأرض أوجب خبثا فيه) ش: أي في الفضل، لأن فضل زرع خرج له من أرض غيره م: (فما سلم له بعوض طاب له، وما لا عوض له تصدق به) ش: لتمكن الخبث فيه.

[عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه) ش: أي على العمل هذا قبل إلقاء البذر، أما بعد إلقاء البذر فيجبر ولا يمكنه الفسخ إلا بعذر لصيرورة العقد لازما من الجانبين، وقد بينا أن العقد لازم عند الفقهاء م: (لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلزمه) ش: وهذا استهلاك البذر في الحال م: (فصار كما إذا استأجر أجيرا ليهدم داره) ش: ثم ندم لا يجير، فصار هذا الحكم ما إذا استأجره رجلا ليهدم داره ثم ندم لا يجبر عليه والعقد لازم بمنزلة الإجارة فيلزمه الوفاء.

[امتنع الذي ليس من قبله البذر في المزارعة]
م: (وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل؛ لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر والعقد لازم بمنزلة الإجارة) ش: فيلزمه الوفاء، وهذا قول العامة إلا في رواية عن أحمد أن العقد غير لازم عنده. وقال الكرخي في "مختصره ": إذا تعاقد رجلان على زراعة أرض سنة ثم ظهر لأحدهما أن لا يزرع فقال لا أريد أن أزرع هذه الأرض ولا غيره، أو قال: لا أريد أن أزرع هذه الأرض وأريد أن أزرع غيرها فإنك تنظر في هذا، فإذا كان الممتنع من قبل البذر فله ذلك.
وإن كان ليس من قبله البذر فليس له أن يمتنع إلا من عذر. ولو كانت الإجارة للمزارعة وقعت بأجر غير ما يخرج منها، ثم أراد المستأجر أن يدع المزارعة ولا يزرع هذه الأرض ولا غيرها فله ذلك، وإن قال: لا أزرع هذه الأرض وأزرع غيرها لم يكن له ذلك، وقيل: له اقبض الأرض فيكون في يديك، فإن شئت زرعت، وإن شئت لم تزرع، فإذا تمت السنة كان عليك ما سميت من الأجر. وإن امتنع صاحب الأرض وقال: قد بدا لي أن لا أؤجر أرضا للزراعة لم يكن له ذلك وأن يجبر على تسليم الأرض إلا أن يكون له عذر في ذلك.
م: (إلا إذا كان عذر) ش: استثناء من قوله والعقد لازم، وكان تامة فلا تحتاج إلى الخبر، والمعنى إلا إذا وجد عذر. وفي بعض النسخ عذرا بالنصب، فعلى هذا يكون عذرا خبر كان،

(11/497)


يفسخ به الإجارة فيفسخ به المزارعة.
قال: ولو امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب. قيل هذا في الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى فيلزمه استرضاء العامل لأنه غره في ذلك. قال: وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة اعتبارا بالإجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويكون اسمه ضميرا مستقرا فيه عائدا إلى مقدر تقديره إلى إلا إذا كان الامتناع عذرا أي الموجب الامتناع عذرا م: (يفسخ به الإجارة) ش: هذه الجملة صفة لقوله عذر، وفي بعض النسخ يفسخ به الإجارة، والباء في به للسببية م: (فيفسخ به المزارعة) ش: لأنها إجارة معنى كما ذكرنا، قال الكرخي في "مختصره ": العذر أن يكون على رب الأرض دين فادح لا يقدر على أدائه إلا من ثمن هذه الأرض فله أن يبيعها فيه.
وفي " فتاوى العتابي " لو كان المزارع سارقا يخاف منه لرب الأرض أن يفسخ. وقال في " شرح الكافي " والأعذار ثلاثة: المرض الذي يقعد العامل عن العمل، وخيانة العامل، والدين الذي لا وفاء عنده سوى بيع الأرض.
ثم قال: ولو دفع إليه نخلا معاملة بالنصف ثم بدا للعامل أن يترك العمل أو يسافر، فإنه يجبر على العمل، لأن هذا ليس بعذر في حقه، لأنه أمكنه الاستعانة بغيره. وكذا إن بدا لصاحب النخل أن يعمل بنفسه ويمنع العامل لم يكن له ذلك، لأنه لا ضرر في حقه، لأنه يفسد عليه شيئا فلم يتحقق العذر، فامتنع الفسخ.

[امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض]
م: (قال: ولو امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب) ش: الواو في قوله والبذر للحال. وكذا الواو في قوله وقد كرب، أي قلب الأرض للزراعة، والكرب بالكسر مصدره.
وقوله فلا شيء له، أي للعامل يعني إذا امتنع رب البذر من العقد والبذر منه قبل إلقاء البذر لا شيء للعامل في عمل الكراب؛ لأن عمله إنما يقوم بالعقد، والعمل قوم يخرج من الخارج ولا خارج بعده فلا يستوجب شيئا.
م: (قيل هذا في الحكم) ش: أي قيل هذا الجواب في الحكم يعني في القضاء ظاهر، وقال الأترازي أي الذي قلنا: إن المزارع لا شيء له من أجل الكراب ونحوه هو القضاء ظاهرا م: (أما فيما بينه وبين الله تعالى فيلزمه استرضاء العامل لأنه غره في ذلك) ش: أي في هذا الفعل، يعني فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى بأن يعطي العامل أجر مثله، لأن الغرور مرفوع فيبقى بأن يطلب رضاه.
م: (قال: وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة اعتبارا بالإجارة) ش: يعني أن هذا عقد ورد

(11/498)


وقد مر الوجه في الإجارات. فلو كان دفعها ثلاث سنين فلما نبت الزرع في السنة الأولى ولم يستحصد الزرع حتى مات رب الأرض ترك الأرض في يد المزارع حتى يستحصد الزرع ويقسم على الشرط وتنتقض المزارعة فيما بقي من السنتين؛ لأن في إبقاء العقد في السنة الأولى مراعاة للحقين، بخلاف السنة الثانية والثالثة؛ لأنه ليس فيه ضرر بالعامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على المنافع فيبطل بموت أحد المتعاقدين كالإجارة وفي " المبسوط " و" الذخيرة " هذا جواب القياس. وفي الاستحسان يبقى عقدا للزراعة إلى أن يستحصد الزرع، معناه يبقى بلا إجارة مبتدأة حتى لا يجب الأجر على المزارع، لأنا أبقينا العقد نظرا للزارع، لأنه لو لم يبق لقلع ورثة رب الأرض فيتضرر به المزارع ولا يجوز إلحاق الضرر على غير المتعاقدين.
وإليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بقوله: فلو كان دفعها إلى آخره، وعلم أن المراد بقوله: وإذا مات أحد المتعاقدين ما بعد الزرع، لأن الذي يكون قبله مذكور فيما يليه ولم يفصل بين ما نبت الزرع أو لم ينبت، ولكنه ذكر جواب النابت في قوله في وجه الاستحسان، ولم يذكر جواب ما لم ينبت عند موته، ولعله ترك ذلك اعتمادا على دخوله في إطلاق أول المسألة.
وعند الثلاثة يبقى العقد مطلقا م: (وقد مر الوجه في الإجارات) ش: وهو قوله لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير العاقد مستحقة بالعقد، لأنه ينتقل بالموت إلى الوارث، وذلك لا يجوز.
م: (فلو كان دفعها في ثلاث سنين) ش: ذكره بالغا، لأنه متضرع على ما قبله، أي فلو دفع الأرض إلى آخر مدة ثلاث سنين م: (فلما نبت الزرع في السنة الأولى ولم يستحصد) ش: أي لم يجئ أوان الحصاد م: (حتى مات رب الأرض ترك الأرض في يد المزارع حتى يستحصد الزرع ويقسم على الشرط) ش: استحسانا، والقياس أن لا يثبت للورثة حق الأخذ، لأنه يفسخ العقد بموت العاقد.
قال في " شرح الكافي ": إلا أنا أبقيناه استحسانا لأجل العذر وعقد الإجارة جوز للعذر، فلأن يبقى ببقاء العذر كأن أولى.
ولهذا قلنا: إنه لو استأجر سفينة فلما توسط لجة البحر انتهت مدة الإجارة قدرنا عقد الإجارة مبتدأة بأجر لمكان العذر، فإذا قدر عقدا مبتدأ لأجل العذر فلأن يبقى لأجل العقد كان أولى فإذا أدرك الزرع اقتسم الزرع والورثة على الشرط م: (وتنتقض المزارعة فيما بقي من السنتين؛ لأن في إبقاء العقد في السنة الأولى مراعاة للحقين) ش: أي حق المزارع وحق الورثة.
م: (بخلاف السنة الثانية والثالثة؛ لأنه ليس فيه ضرر بالعامل) ش: لأنه لم يثبت له شيء بعد

(11/499)


فيحافظ فيهما على القياس.
ولو مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار انتقضت المزارعة لأنه ليس فيه إبطال مال على المزارع ولا شيء للعامل بمقابلة ما عمل كما نبينه إن شاء الله تعالى.
وإذا فسخت المزارعة بدين فادح لحق صاحب الأرض فاحتاج إلى بيعها فباع جاز كما في الإجارة، وليس للعامل أن يطالبه بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء، لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد وهو إنما قوم بالخارج، فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيء م: (فيحافظ فيهما على القياس) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيحافظ من السنة الثانية والثالثة على وجه القياس حيث تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين.

[مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار]
م: (ولو مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار انتقضت المزارعة؛ لأنه ليس فيه إبطال مال على المزارع) ش: بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يبقى العقد، لأن فيه إبطال مال على المزارع ولو كلف القلع، وفي بعض النسخ إبطال مال المزارع م: (كما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى قوله بعد هذا لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد.

[الأثر المترتب على فسخ المزارعة]
م: (وإذا فسخت المزارعة بدين فادح) ش: أي ثقيل من فدحه الأمر، أي أثقله، وكل مثقل فادح. وقال ابن دريد فوادح الدهر خطوبه ومادته فاء ودال وحاء مهملتين م: (لحق صاحب الأرض) ش: هذه الجملة صفة أخرى لقوله دين شيء م: (فاحتاج إلى بيعها فباع جاز) ش: أي بيع الأرض جاز الفسخ، يعني الدين الفادح يصير عذرا في فسخ عقد المزارعة، لأن في المضي على العقد يلحقه ضرر وهو الحبس فجاز الفسخ م: (كما في الإجارة) ش: حيث يفسخ بعذر الدين ونحوه.
وفي " الذخيرة " لا بد لفسخ المزارعة من القضاء أو الرضا على روايات الزيادات لأنها بمعنى الإجارة، وعلى رواية " المبسوط " و " الجامع الصغير " لا يحتاج إلى الرضا أو القضاء فبعض المتأخرين أخذ براوية الزيادات، وبعضهم برواية " الأصل " و " الجامع ". وقوله فسخت والتشبيه بالإجارة يشير إلى أنه اختار رواية " الزيادات " فافهم.
م: (وليس للعامل أن يطالبه) ش: أي صاحب الأرض، وهذا هو الموعود بقوله على ما بيناه إن شاء الله تعالى م: (بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء؛ لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد، وهو إنما قوم بالخارج) ش: أي العقد فيما نحن فيه قوم بالخارج م: (فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء) ش: وهذا الجواب بهذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان البذر من قبل العامل، أما لو كان من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثل عمله، لأن البذر إذا كان من قبل العامل يكون مستأجرا للأرض، فيكون العقد واردا على منفعة الأرض لا على عمل العامل، فيبقى عمله من غير عقد ولا يتقوم

(11/500)


ولو نبت الزرع ولم يستحصد لم تبع الأرض في الدين حتى يستحصد الزرع؛ لأن في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على رب الأرض.
أما إذا كان البذر من رب الأرض فيكون هو مستأجرا للعامل، فكان العقد واردا على منافع العمل فيتقوم منافعه وعمله على رب الأرض فيرجع عليه بأجر مثل عمله، كذا في " الذخيرة "، قيل فيه نظر، فإن منافع الأجير وعمله إنما يتقوم على رب الأرض بالعقد، والعقد إنما قوم بالخارج، فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء.

[نبت الزرع ولم يستحصد في المزارعة]
م: (ولو نبت الزرع ولم يستحصد لم تبع الأرض في الدين حتى يستحصد الزرع) ش: ذكره تفريعا ولم يذكر في الكتاب إذا زرع العامل ولم ينبت ثم لحق لرب الأرض دين فادح ما حكمه.
وفي " الذخيرة " اختلف المشايخ فيه، قال أبو بكر العتابي له ذلك، لأنه ليس لصاحب البذر في الأرض عين مال قائم، لأن التبذير استهلاك، ولهذا قالوا لصاحب البذر فسخ المزارعة.
وقال الشيخ أبو إسحاق الحافظ: ليس له ذلك، لأن التبذير استثمار لا استهلاك، ألا ترى أن الأب أو الوصي يملكان زراعة أرض الصبي مع أنهما لا يملكان استهلاك ماله، فإذا كان كذلك كان للمزارع عين مال قائم.
وفي " فتاوى العتابي " لو أجاز العامل البيع والبذر منه فله حصة البذر مبذورا، فتقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فله حصة الفضل من الثمن. وإن كان البذر من رب الأرض فباعه قبل النبات لا يدخل البذر بدون ذكره. وقيل: إن حفر في الأرض يدخل. وإن سقاه المشتري حتى يثبت وأدرك فهو للبائع والمشتري متطوع.
ولو باع رب الأرض لم ينفذ بدون إجارة المزارع أو المستأجر أو المرتهن وليس لهم نقض بيعه، لأن ضررهم يندفع بالتوقف. وكذا للبيع والشفيع أن يأخذ أو يقوم مقام المشتري في التوقف. وكذا لو أجرها رب الأرض بعد الزرع أو قبله والبذر من المزارع يتوقف على إجارته كالبيع.
م: (لأن في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال) ش: يعني أن في التأخير إضرارا بالغرماء، لكن ضرر التأخير بدون ضرر الإبطال، فإن لم يكن بد من إلحاق الضرر به يترجح أهون الضررين؛ ولأن فيه نظرا للكل لاستعماله على عدم إبطال حق المزارع، ويقع

(11/501)


ويخرجه القاضي من الحبس إن كان حبسه بالدين، لأنه لما امتنع بيع الأرض لم يكن هو ظالما، والحبس جزاء الظلم.
قال: وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد، والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما، معناه حتى يستحصد؛ لأن في تبقية الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين فيصار إليه وإنما كان العمل عليهما لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك، وهذا بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يكون العمل فيه على العامل؛ لأن هناك أبقينا العقد في مدته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رب الأرض فإن نصيبه يباع في دينهم أيضا، وما فيه نظر للكل يترجح على ما فيه ضرر بالبعض م: (ويخرجه القاضي من الحبس) ش: أي يخرج رب الأرض القاضي من الحبس م: (إن كان حبسه بالدين لأنه لما امتنع بيع الأرض لم يكن هو ظالما، والحبس جزاء الظلم) ش: ولكن لا يحول بينه وبين الغريم لأنه ربما يخفي نفسه عند إمكان البيع، فإذا أدرك الزرع كان له أن يحسبه إلى أن يبيع نصيبه من الزرع، والأرض، ويوفي الغريم حقه لأنه زال المانع، فظهرت القدرة.

[انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك]
م: (قال: وإذا انقضت مدة المزارعة) ش: أي قال القدوري وقيد بالانقضاء احترازا عن مسألة الموت كما يأتي م: (والزرع لم يدرك) ش: أي والحال أن الزرع لم يدرك م: (كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد) ش: وفي بعض نسخ " المختصر ": أجر مثل نصيبه من الزرع، وذلك أصح، فعلى الثاني يتعلق من نصيبه، وعلى الأول يتعلق بأجر المثل م: (والنفقة على الزرع عليهما) ش: أي على العامل، ورب الأرض، وأراد بالنفقة مؤنة الحفظ، والسقي وكرب الأنهار م: (على مقدار حقوقهما) ش: أي حقوق العامل، ورب الأرض م: (معناه حتى يستحصد) ش: أي معنى قوله: والنفقة على الزرع عليهما أحصد الزرع، واستحصد إذا حان له أن يحصد م: (لأن في تبقية الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين فيصار إليه) ش: هذا دليل وجوب الأجر، ووجهه قالوا: إن أمرنا العامل بقلع الزرع عند انقضاء المدة تضرر به، وإن أبقيناه بلا أجر تضرر رب الأرض فبقيناه بلا أجر تعديلا للنظر من الجانبين م: (وإنما كان العمل عليهما؛ لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك) ش: فيكون العمل عليهما.
م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يكون العمل فيه على العامل) ش: يعني إذا مات صاحب الأرض، والحال أن الزرع بقل فإنه لا يجب أجر المثل، ولا العمل عليهما، بل يكون على العامل، بخلاف الإجارة، والعارية إذا انقضت المدة والزرع بقل، فإنه يجب أجر المثل، ويترك الزرع حتى يستحصد نظرا لهما م: (لأن هناك) ش: أي فيما إذا مات رب الأرض، والزرع بقل م: (أبقينا العقد في مدته) ش: أي في مدة العقد

(11/502)


والعقد يستدعي العمل على العامل، أما هاهنا العقد قد انتهى فلم يكن هذا إبقاء ذلك العقد فلم يختص العامل بوجوب العمل عليه. فإن أنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وأمر القاضي فهو متطوع لأنه لا ولاية له عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حكما للعقد.
م: (والعقد يستدعي العمل على العامل) ش: أي يقتضي قيام العمل على العامل م: (أما هاهنا) ش: أي فيما إذا انقضت مدة المزارعة، والزرع لم يدرك (العقد قد انتهى) ش: بانتهاء المدة م: (فلم يكن هذا إبقاء ذلك العقد فلم يختص العامل بوجوب العمل عليه) ش: لأن استحقاق العمل على العامل إنما كان في المدة بالعقد، فلم يبق العقد فلا يكون عليه، بل يكون عليهما؛ لأنه عمل على المال المشترك.
وقال تاج الشريعة: في قوله بخلاف ما إذا مات رب الأرض، بيان الفرق أن رب الأرض متى مات بقي عقد المزارعة فتعذر إيجاب الأجر، لأنه لا يجب إجارة ما، إذ منفعة الأرض في مدة واحدة وهو بعض الخارج، وأجر المثل دارهم، أو دنانير، وإيجاب زمانين بإزاء عين واحدة لا يجوز، فإيجاب البدلين بإزاء منفعة واحدة، لأن لا يجوز أولى وأحرى. أما إذا انقضت مدة المزارعة فيحتاج إلى إثبات الإجارة فلا يكون جمعا بين أجرين بإزاء منفعة الأرض في مدة واحدة، بل يكون إيجاب الأجرين في مدة مختلفة، وهذا جائز.
م: (فإن أنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وأمر القاضي فهو متطوع) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي فيما إذا انقضت مدة المزارعة، والزرع بقل، وإنما كان متطوعا م: (لأنه لا ولاية له) ش: لأحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا أنفق بأمر القاضي حتى يرجع على صاحبه بمقدار حصته؛ لأن للقاضي ولاية فصح أمره.
فإن قيل: هو مضطر في الإنفاق لأنه يجيء حق نفسه فلا يوصف بالتبرع.
قلنا: هو غير مضطر؛ لأنه يمكنه الإنفاق بأمر القاضي، ولأنه غير مجبر على الإنفاق؛ لأن له ولاية أخذ الزرع بقلا كما يجيء، كذا في " الذخيرة ".
فإن قلت: لم لا يجعل هذا كما لو أوصى برقبة نخلة لإنسان، وتمرها لآخر، فأنفق الموصى له بالرقبة في غيبة صاحب الثمر بغير أمر القاضي وبغير أمر صاحب الثمر فإنه لا يكون متبرعا كذا هنا.
قلت: قياسك على هذا غير صحيح والصحيح أن يقاس على ما إذا كان النخيل بين اثنين وغاب أحدهما فأنفق الآخر عليه بغير أمر القاضي فإنه يكون متبرعا، كذا في مسألة الزرع.
م: (لأنه لا ولاية له عليه) ش: أي لأن الذي أنفق لا ولاية له على صاحبه فيكون متبرعا م:

(11/503)


ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك، لأن فيه إضرارا بالمزارع. ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض: اقلع الزرع، فيكون بينكما أو أعطه قيمة نصيبه أو أنفق أنت على الزرع وارجع بما تنفقه في حصته، لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه؛ لأن إبقاء العقد بعد وجود المنهي نظر له، وقد ترك النظر لنفسه، ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات؛ لأن بكل ذلك يستدفع الضرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع لم يكن له ذلك) ش: ذكره تفريعا أيضا، وهو من مسائل الأصل، أي لم يكن لرب الأرض ذلك، أي بعد انقضاء المدة م: (لأن فيه إضرارا بالمزارع) ش: لأن المزارع ليس بمتعد في زرع الأرض، وله نهاية فيبقى الآن يستحصد بأجر المثل، لأن التأخير أهون من الإبطال.
فإن قيل: كما أن في هذا إضرار بالمزارع فكذا في قلع المزارع إضرار برب الأرض، ومع ذلك جاز للمزارع قلعه. ذكره في " المبسوط ".
قلنا: رب الأرض متعنت في طلب القلع لانتفائه بنصيبه، وبأجر المثل، فرد عليه، بخلاف المزارع فإنه يرد عن نفسه بالقلع ما يجب عليه من أجر المثل، فربما يخاف أن يصيبه من الزرع ما لا يبقى بذلك.
م: (ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا) ش: بعد انقضاء المدة م: (قيل لصاحب الأرض: اقلع الزرع فيكون بينكما) ش: أشار بهذا إلى أن رب الأرض له الخيارات الثلاثة. الأول: أن يقال له: اقلع الزرع فيكون بينكما، والثاني: ما أشار إليه بقوله م: (أو أعطه قيمة نصيبه) ش: أي أو قيل له: أعطه حصة ثانية. والثالث: ما أشار إليه أيضا بقوله: م: (أو أنفق أنت على الزرع، وارجع بما تنفقه في حصته) ش: أي أو قيل له أنفق أنت على الزرع كله ثم ارجع بما أنفقت على حصته في نصيبه م: (لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه) ش: أي على العمل لانقضاء مدة العقد م: (لأن إبقاء العقد) ش: لم يرد به عقد المزارعة لأنه انتهى بإنهاء مدته، ولكن بإبقاء الأرض مشغولة بالزرع بشبهة العقد، وبهذا يجب أجر المثل ومبناه على العقد م: (بعد وجود المنهي نظر له) ش: أي للمزارع، وأراد بالمنهي مضي المدة وهو بضم الميم، وسكون النون، وكسر الهاء م: (وقد ترك النظر لنفسه) ش: بإرادة القلع، وله ولاية ذلك، ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات الثلاثة، التي ذكرت آنفا.
وقوله: م: (ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات) ش: أو أمر بينهما أو نحو ذلك م: (لأن بكل ذلك يستدفع الضرر) ش: أي بكل الخيارات، وتذكير اسم الإشارات باعتبار أراد أنه يدفع الضرر عن نفسه بذلك فيتخير.

(11/504)


ولو مات المزارع بعد نبات الزرع فقالت ورثته: نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض فلهم ذلك، لأنه لا ضرر على رب الأرض ولا أجر لهم بما عملوا، لأنا أبقينا العقد نظرا لهم، فإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل لما بينا، والمالك على الخيارات الثلاثة لما بينا.
قال: وكذلك أجرة الحصاد والدياس والرفاع والتذرية عليهما بالحصص، فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[مات المزارع فقالت ورثته نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض]
م: (ولو مات المزارع بعد نبات الزرع، فقالت ورثته: نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض فلهم ذلك) ش: أي فللورثة أن يعملوا إلى أن يستحصد الزرع م: (لأنه لا ضرر على رب الأرض ولا أجر لهم بما عملوا) ش: سواء كان بقضاء قاض أو بغيرة م: (لأنا أبقينا العقد نظرا لهم) ش: فلا يستحقون الأجر، لأن استحقاق الأجر إنما يكون إذا كان الإبقاء نظرا لغيرهم م: (فإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنا أبقينا العقد نظرا لهم، فلو أجبروا انقلب ضررا عليهم م: (والمالك على الخيارات الثلاثة) ش: وهي القلع، أو إعطاء قيمة نصيب المزارع، أو الإنفاق على الزرع م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن المزارع لما امتنع عن العمل لا يجبر عليه.

[أجرة الحصاد في المزارعة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكذلك أجرة الحصاد) ش: أي كما أن النفقة عليهما فيما إذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كذلك عليهما أجرة الحصاد، وهو بفتح الحاء، وكسرها لغتان، وقوي بهما في قوله سبحانه وتعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) م: (والدياس) ش: وهو أن يوطأ الطعام بإطلاق البقر، وتكون عليها، يعني يخرجوا حتى يصير تبنا وهو مصدر داس الكرس يدوسه دوسا ودياسة ودياسا، ودياسة. وقال الأزهري: دياس الكرس، ودواسه واحد. وقال الكاكي: والدياس سفل السيف، واستعمال الفقهاء إياه في موضع الدياسة جائز.
قلت: هذا يشير إلى أن الدياس ليس مصدرا، وإنما المصدر الدياسة، وليس كذلك، بل كلاهما مصدران كما ذكرنا. وقال الغفناقي: م: (والرفاع) ش: بكسر الراء وفتحها وهو أن يرفع الزرع إلى البيدر وهو موضع الدياس وتسميه أهل مصر الجران، وبالفارسية خرمن م: (والتذرية) ش: من ذرا بالتشديد وهو تمييز الحب من التبن بالرياح م: (عليهما بالحصص) ش: أي على رب الأرض والمزارع.
م: (فإن شرطاه) ش: أي فإن شرط المتعاقدان في العقد أخص الأشياء المذكورة (في المزارعة على العامل فسدت) ش: أي المزارعة. وعند الشافعي، وأحمد: لا تفسد لأنه بدون الشرط على العامل. وكذا لو شرطاه على رب الأرض. وكذا لو شرطا في العقد عملا ليس من أعمال المزارعة على العامل، أو رب الأرض فسدت. ولو شرطا ما كان من أعمالها لا تفسد، لأنه

(11/505)


وهذا الحكم ليس بمختص بما ذكر من الصورة وهو انقضاء المدة والزرع لم يدرك، بل هو عام في جميع المزارعات. ووجه ذلك أن العقد يتناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود، فيبقى مال مشترك بينهما ولا عقد فيجب مؤنتة عليهما. وإذا شرطا في العقد ذلك ولا يقتضيه، وفيه منفعة لأحدهما يفسد العقد كشرط الحمل أو الطحن على العامل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل للتعامل اعتبارا بالاستصناع وهو اختيار مشايخ بلخ قال شمس الأئمة السرخسي: هذا هو الأصح في ديارنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرطا لا يقتضيه العقد.
وفي " النوازل " عن أبي يوسف: إذا اشترط على المزارع أن يحصده ويجمعه جاز، وفيه كان محمد بن سلمة، ونصير بن يحيى يجيزان المزارعة بشرط الحصاد، ولا أعرف أحدا في زمانهما خالفهما في ذلك. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ. وفي " الخلاصة ": والسقية، والحمل إلى بيت رب المال كشرط الحصاد، وجوزه مشايخ بلخ.
م: (وهذا الحكم) ش: أي اشتراط الحصاد ونحوه مفسد م: (ليس بمختص بما ذكر من الصورة وهو انقضاء المدة والزرع لم يدرك، بل هو عام في جميع المزارعات) ش: ولما كان القدوري ذكر هذه المسألة عقيب انقضاء مدة الزرع، والزرع لم يدرك كان موهم اختصاصها بذلك. وقال الشيخ: هذا الوهم بقوله: والحكم ... إلخ.
م: (ووجه ذلك) ش: أي وجه فساد العقد باشتراط أجرة أحد الأشياء المذكورة على العامل، ووجوب الأجرة عليهما م: (أن العقد يتناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود) ش: وهو تناهي الزرع بحصول المقصود م: (فيبقى مال مشترك بينهما ولا عقد) ش: أي ولا عقد موجود لانتهائه بانتهاء المدة م: (فيجب مؤنته عليهما) ش: لأن قضية العقد كون المؤنة عليهما إذ النماء عليهما، فإذا انتهى العقد لم يبق على العامل فيجب عليهما.
م: (وإذا شرطا في العقد ذلك) ش: أي شرط م: (ولا يقتضيه) ش: أي والحال أنه لا يقتضيه العقد م: (وفيه منفعة لأحدهما) ش: أي والحال أن في الشرط منفعة لأحد المتعاقدين م: (يفسد العقد كشرط الحمل) ش: أي حمل الحنطة ونحوها إلى منزل رب الأرض م: (أو الطحن) ش: أي أو شرط الطحن م: (على العامل) ش: وكذا شرط التبقية.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل للتعامل) ش" أي لتعامل الناس بذلك م: (اعتبارا بالاستصناع) ش: حيث جوز لتعامل الناس م: (وهو) ش: أي ما روي عن أبي يوسف م: (اختيار مشايخ بلخ) ش: كمحمد بن سلمة، وأبي بكر البلخي وغيرهما م: (قال شمس الأئمة السرخسي: هذا هو الأصح في ديارنا) ش: ذكره شمس الأئمة في " المبسوط " م:

(11/506)


فالحاصل: أن ما كان من عمل قبل الإدراك كالسقي والحفظ فهو على العامل. وما كان منه بعد الإدراك قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباههما على ما بيناه. وما كان بعد القسمة فهو عليهما، والمعاملة على قياس هذا ما كان قبل إدراك الثمر من السقي والتلقيح والحفظ فهو على العامل، وما كان بعد الإدراك كالجداد والحفظ فهو عليهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فالحاصل) ش: أشار بهذا الكلام إلى أن الأعمال ثلاثة أقسام، أشار إلى الأول بقوله م: (أن ما كان من عمل قبل الإدراك) ش: أي قبل إدراك الزرع م: (كالسقي والحفظ فهو على العامل) ش: أي كسقي الزرع وحفظه.
وأشار إلى الثاني بقوله: م: (وما كان منه) ش: أي من العمل م: (بعد الإدراك) ش: أي إدراك الزرع م: (قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباههما على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: وجه إلى آخره، وقيد بقوله في ظاهر الرواية احترز عن ما روي عن أبي يوسف أنه قال: اشتراط هذا على العامل غير مفسد.
وأشار إلى الثالث بقوله: م: (وما كان بعد القسمة فهو عليهما) ش: أي وما كان من العمل بعد قسمة الخارج فهو على المتعاقدين كالحمل إلى البيت، والطحن وأشباههما، لكن على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لتمييز ملك كل واحد منهما عن ملك الآخر، فكان التدبير في ملكه إليه خاصة م: (والمعاملة على قياس هذا) ش: أي المساقاة على قياس ما ذكر من التفصيل في المزارعة م: (ما كان قبل إدراك الثمر من السقي) ش: أي الذي كان قبل إدراك الثمر نحو سقي الأشجار م: (والتلقيح) ش: من لقحت النخلة إذا أطعمتها من ذكرها، ومنه لقح الفحل الناقة، والريح السحاب إذا أودق منه المطر.
م: (والحفظ) ش: أي حفظ الأشجار م: (فهو على العامل) ش: هذه الجملة في محل الرفع على أنها خبر لقوله ما كان، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ومن هذا القبيل ضرب الجليد وإصلاح الأجاجين، وتنقية السواقي، وقطع الحشائش المضرة، ولا خلاف فيه للثلاثة والأجاجين هي الحفر التي يجمع فيها الماء على أصول النخل.
م: (وما كان بعد الإدراك كالجداد والحفظ) ش: والجداد بكسر الجيم، وبالدال المهملة وهو القطع، والمراد قطع ثمرة النخل. وفي بعض النسخ: كالجزاز بالزاءين المعجمتين.
وفي " المغرب ": الجزاز كالجداد بالفتح، والكسر إلا أن الجزاز خاص في قطع الثمر، والأول عام. وعند الشافعي واحدة الجداد والحصاد، والالتقاط على العامل؛ لأنه من العمل، وعند الشافعي وأحمد عليهما م: (فهو عليهما) ش: خبر من قوله: وما ذكرنا.

(11/507)


ولو شرط الجداد على العامل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا عرف فيه، وما كان بعد القسمة فهو عليهما، لأنه مال مشترك ولا عقد، ولو شرط الحصاد في الزرع على رب الأرض لا يجوز بالإجماع لعدم العرف فيه. ولو أراد قصل القصيل أو جذ التمر بسرا أو التقاط الرطب فذلك عليهما لأنهما أنهيا العقد لما عزما على القصل والجداد بسرا فصار كما بعد الإدراك والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[شرط الجداد على العامل في المزارعة]
م: (ولو شرط الجداد على العامل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا عرف فيه) ش: وعن أحمد لا يجوز. وكذا لو شرط الحمل إلى منزل رب الأرض، وبه قال بعض الشافعية م: (وما كان بعد القسمة فهو عليهما) ش: أي على المتعاقدين م: (لأنه مال مشترك ولا عقد) ش: أي ولا عقد موجود، وسماه مشتركا بعد القسمة باعتبار ما كان.
وقيل: باعتبار أن المجموع بعد القسمة بينهما. ألا ترى أن نصيب كل واحد إذا كان معينا في قرية يقال لهم: شركاء في القرية م: (ولو شرط الحصاد في الزرع على رب الأرض لا يجوز بالإجماع لعدم العرف فيه) ش: أي في هذا الشرط، ولا خلاف للثلاثة فيه.
م: (ولو أراد قصل القصيل) ش: أي قطع القصيل، والقصل قطع الشيء، ومنه القصيل، وهو الشعير يخبز أخضر لعلف الدواب، والفقهاء يسمون الزرع قبل إدراكه قصيلا مجازا م: (أو جذ التمر بسرا) ش: أي أو أراد قطع الثمر حال كونه بسرا، والبسر ما يكون من الثمر، ولم ينضج.
م: (أو التقاط الرطب) ش: أي أو أراد التقاط الرطب م: (فذلك عليهما) ش: أي على ما ذكر من القصيل والجداد، والالتقاط على المتعاقدين م: (لأنهما أنهيا العقد) ش: أي أتماه وأمضياه م: (لما عزما على القصيل والجداد بسرا فصار كما بعد الإدراك) ش: أي صار حكم هذا الحكم ما بعد الإدراك الزرع، والثمر حيث يكون العمل فيه عليهما فكذلك إذا انتهياه قبل الإدراك م: (والله أعلم بالصواب) .

(11/508)