البناية شرح الهداية

كتاب المساقاة قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المساقاة بجزء من الثمر باطلة. وقالا: جائزة إذا ذكر مدة معلومة، وسمى جزءا من الثمر مشاعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المساقاة]
[تعريف المساقاة]
م: (كتاب المساقاة) ش: كان من حق المساقاة التقديم على المزارعة لكثرة من يقول بجوازها، ولورود الأحاديث في معاملة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأهل خيبر، إلا أن اعتراض موجبين ضرب إيراد المزارعة قبل المساقاة. أحدها: شدة الاحتياج إلى معرفة أحكام المزارعة لكثرة وقوعها.
والثاني: كثرة تفريع مسائل المزارعة بالنسبة إلى المساقاة وهي المعاملة بلغة أهل المدينة ومفهومها اللغوي هو الشرعي فهي معاقدة دفع الأشجار والكروم إلى من يقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها، ولأهل المدينة لغتان يختصون بها كما قالوا للمعاملة مساقاة، وللمزارعة مخابرة، وللإجارة بيع، وللمضاربة مقارضة، وللصلاة مسجد.
فإن قلت: المفاعلة تكون بين اثنين، وهنا ليس كذلك.
قلت: هذا ليس بلازم، ألا ترى إلى قولهم: قاتله الله، ومسافر فلان، أو لأن العقد على السقي صدر من اثنين كما في المزارعة أو من باب التغليب.
م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المساقاة بجزء من الثمرة باطلة) ش: وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها استئجار ببعض ما يخرج، وذلك مجهول أو معدوم فلا يجوز، وقد تقدم بيان ذلك في المزارعة؛ لأن المساقاة كالزراعة عنده م: (وقالا جائزة) ش: أي قال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله جائزة، وبه قال أحمد، وأكثر العلماء. وعند الشافعي، ومالك: تجوز المساقاة ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمساقاة.
وشرط التبعية عند مالك أن يكون الأصل ضعف التبع؛ لأنه به يتحقق التبعية، والمساقاة إنما تجوز عنده إذا شرط التفاوت والمؤن فيما تحتاج إليه الثمرة على العامل كلها، ثم المساقاة تجوز عند الشافعي في النخل، والكرم فقط، هذا في قوله الجديد، وفي قوله القديم: يجوز في كل شجرة لها ثمرة م: (إذا ذكر مدة معلومة، وسمى جزءا من الثمر مشاعا) ش: أما المدة فلأنها كالمزارعة، وكالإجارة فلا بد من بيان مدة معلومة.
فلو دفع إلى رجل نخلا، ولم يذكر مدة معلومة كان على أول ثمر يخرج من أول ستة استحسانا، لأن العقد يقع على العمل في المدة، ولكل مدة وقت معلوم يبتدئ فيه وينتهي

(11/509)


والمساقاة هي المعاملة في الأشجار والكلام فيها كالكلام في المزارعة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعاملة جائزة، ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمعاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالثمرة الأولى متيقن دخولها في العقد فجاز فيها العقد، وما بعد ذلك غير متيقن فلم يصح العقد فيه. وأما تسمية جزء مشاع من الثمرة، فلأنها عقد شركة، فإذا لم يكن المسمى جزءا مشاعا ربما يفضي إلى قطع الشركة فلا يجوز كما في المزارعة.

م: (والمساقاة هي المعاملة في الأشجار) ش: قال في " شرح الطحاوي ": والمساقاة عبارة عن المعاملة بلغة أهل المدينة، وقد ذكرناه م: (والكلام فيها كالكلام في المزارعة) ش: أي الكلام في عقد المساقاة. وفي بعض النسخ: فيها وهو الأظهر أراد أن شرائط المساقاة وهي الشرائط المذكورة التي ذكرت في المزارعة.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعاملة جائزة ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمعاملة) ش: بأن يكون بين النخيل، والكرم أرض بيضاء، تسقى بماء النخيل، وقد أخذ النخيل مع الأرض معاملة جاز، حتى لو كانت الأرض تسقى بماء على حدة لا يجوز. وفي " الروضة ": في المعاملة بابان الأول: في أركانها وهي خمسة: الأول: العاقدان. والثاني: متعلق العمل وهو الشجر، وله ثلاثة شروط: الأول: أن يكون نخلا أو عنبا، أما غيرهما من النبات يقسمان ما له ساق وما لا ساق له.
والأول ضربان: ماله ثمرة كالتين، والجوز، والمشمش، والتفاح ونحوها، وفيه قولان: القديم جواز المساقاة عليها، والجديد: المنع. وعلى الجديد في شجرة [......] وجهان: جوزها ابن شريح، ومنعها غيره. والأصح المنع. والضرب الثاني: ما لا ثمرة له كالآراك، والخلاف وغيره فلا تجوز المساقاة عليه، وقيل في الخلاف وجهان لا عناية. والقسم الثاني: ما لا ساق له كالبطيخ، والقرع، وقصب السكر، والباذنجان، والبقول لا تنبت في الأرض، ولا تجنى إلا مرة واحدة فلا يجوز عليها كما لا يجوز على الزرع. وإن كانت تنبت في الأرض، وتجنى مرة بعد مرة فالمذهب المنع. وقيل قولان: أصحهما المنع. الشرط الثاني: أن تكون الأشجار مروية، وإلا فباطل على المذهب. وقيل: قولان: كبيع الغائب.
الركن الثالث: الثمار، فيشترط اختصاصها بالعاقدين مشتركة بينهما معلومة. فلو شرطا قبض الثمار لثالث، أو كلها لأحدهما فسدت.
الركن الرابع: العمل.
الركن الخامس: الصيغة، ولا يصح بدونها على الصحيح، وفيها الوجه السابق في

(11/510)


لأن الأصل في هذه المضاربة والمعاملة أشبه بها، لأن فيه شركة في الزيادة دون الأصل.
وفي المزارعة لو شرطا الشركة في الربح دون البذر بأن شرط رفعه من رأس الخارج يفسد، فجعلنا المعاملة أصلا وجوزنا المزارعة تبعا لها كالشرب في بيع الأرض والمنقول في وقف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العقود بالتراضي، والمعاطاة، ثم أشهر الصيغ: ساقيتك على هذا النخيل بكذا، وعقدت معك عقد المساقاة.
الباب الثاني: في أحكام المساقاة: ويجمعها حكمان: أحدهما: يلزم العامل، والمالك، والثاني في لزومها.
أما الأول: فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها، أو صلاح ثمرها ويتكرر كل سنة فهو على العامل، ومما يجب عليه السقي وما يتبعه من إصلاح طريق الماء، والأجاجين التي يقف فيها الماء، وتنقية الآبار، والأنهار من الحمأة ونحوها، وإدارة الدولاب، وفتح رأس الساقية وشدها عند السقي، على ما يقتضيه الحال. وفي سقيا النهر وقول ضعيف: إنها على المالك، وتقليب الأرض بالمساعي.
وكذا تقويتها بالزبل. ومنه التلقيح. ثم الطلع الذي يلقح به على المالك. وفي حفظ الثمار وجهان: أصحهما على العامل واحد، والثمرة على العامل على الصحيح، وحفر الأنهار والآبار الجديدة والتي انهارت، وبناء الحيطان ونصب الأبواب والدولاب ونحوها على المالك، وكذا عليه آلات العمل [......] ، والمعول، والنخل، والمسحاة، والشران، والعزاقة، في الزراعة، والثور الذي يدير الدولاب. وقيل: على من شرطت له.
الحكم الثاني: أن المساقاة عقد لازم كالإجارة، وتملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب، وقيل: قولان.
م: (لأن الأصل في هذه المضاربة) ش: لأنها جائزة إجماعا م: (والمعاملة أشبه بها) ش: أي بالمضاربة من المزارعة م: (لأن فيه شركة) ش: أي لأن في عقد المعاملة شركة م: (في الزيادة) ش: وهو الثمر. م: (دون الأصل) ش: وهو في الشجر كما في المضاربة، والشركة في الربح دون رأس المال.

[الشرط في المساقاة]

[لو شرطا الشركة في الربح دون البذر]
م: (وفي المزارعة: لو شرطا الشركة في الربح دون البذر بأن شرط رفعه من رأس المال الخارج يفسد) ش: أي يفسد عقد المزارعة، م: (فجعلنا المعاملة أصلا، وجوزنا المزارعة تبعا لها) ش: أي للمعاملة، وفي بعض النسخ "له"، أي عقد المزارعة م: (كالشرب في بيع الأرض) ش: بكسر الشين وهو النصيب من الماء، فإنه يرد عليه العقد تبعا لبيع الأرض ويجوز بيعه بانفراده م: (والمنقول في وقف

(11/511)


العقار
وشرط المدة قياس فيها لأنها إجارة معنى كما في المزارعة. وفي " الاستحسان ": إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمر يخرج؛ لأن الثمر لإدراكها وقت معلوم وقلما يتفاوت ويدخل فيها ما هو المتيقن. وإدراك البذر في أصول الرطبة في هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العقار) ش: فإنه يصير وقفا تبعا للعقار ولا يجوز وقفه بانفراده إلى هنا من كلام الشافعي.

[شرط المدة في المساقاة]
م: (وشرط المدة) ش: أي شرط بيان المدة م: (قياس فيها) ش: أي في عقد المساقاة م: (لأنها إجارة معنى) ش: أي لأن المساقاة إجارة في المعنى، لأنه استئجار للعامل، وفي هذا لا يصير المعقود عليه معلوما إلا ببيان المدة، فإذا لم يبينا لم يجز، وبه قال الشافعي، وأحمد، إلا أنه ينبغي أن يكون أقل المدة ما يمكن إدراك الثمر فيه، وبه قال أحمد.
واختلفت أقوال الشافعي في أكثر مدة الإجارة، والمساقاة، وقال في موضع: إلى ثلاثين سنة. وقال ابن قدامة في " المغني ": وهذا الحكم قال في موضع إلى ما أشار، وبه قال أحمد، ومالك، وأكثر العلماء م: (كما في المزارعة) ش: كما يشترط بيان المدة في المزارعة، حتى إذا لم يبينا تفسد.
م: (وفي " الاستحسان ": إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمر يخرج) ش: يعني إن سكتا عن الوقت جاز استحسانا، ويقع العقد على أول ثمرة تخرج في تلك السنة، وبه قال أبو ثور، وبعض أصحاب الحديث م: (لأن الثمرة لإدراكها وقت معلوم، وقلما يتفاوت) ش: أي الوقت، والثابت عادة كالثابت شرطا، فصارت المدة معلومة.
فإن تقدم أو تأخر بذلك يسيرا لا يقع بسببه منازعة عادة م: (ويدخل فيه ما هو المتيقن) ش: وهو أول الثمر الذي يخرج في تلك السنة، فيثبت المتيقن لا ما وراءه، فلو انتقضت تلك السنة، ولم يخرج الثمر فيها انقضت المعاملة م: (وإدراك البذر) ش: وهو بذر البقل ونحوه. وقال الليث: البذر كل حب يبذر للنبات، ويقال: بذرته، وبذرته. قال: والبذر والحبوب التي فيها صغير مثل بذر البقول، وأشباهها. وقال ابن دريد: فأما قول العامة: بزر البقل خطأ إنما هي بزور.
وقال الخليل: البزر بزر الكتان، ودهن البزر، والكسر أفصح. والبذر بالذال المعجمة ما عزل للزراعة من الحبوب كلها، وبزر البذر زرعه، وقال ابن عياد في " المحيط ": البذر أول ما يخرج من البقل والعشب.
وقال الأترازي: وقد وقع سماعنا في هذا الموضع بالذال، وارتفاع إدراك البذر بالابتداء.
وقوله: م: (في أصول الرطبة) ش: جملة وقعت صفة للبذر م: (في هذا) ش: أي في عقد

(11/512)


بمنزلة إدراك الثمار لأن له نهاية معلومة فلا يشترط بيان المدة،
بخلاف الزرع؛ لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا والانتهاء بناء عليه فتدخله الجهالة،
وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد علق ولم يبلغ الثمر معاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المساقاة بدون بيان المدة م: (بمنزلة إدراك الثمار) ش: خبر المبتدأ م: (لأن له) ش: أي لإدراك البذر م: (نهاية معلومة) ش: عند المزارعين م: (فلا يشترط بيان المدة) ش: فيه صورة المسألة دفع رطبه قرب جذاذها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى يخرج بزرها على أن ما أخرج الله سبحانه وتعالى من بذر فهو بينهما نصفان، ولم يسميا وقتا معلوما جاز استحسانا كالثمر.
وفي " شرح الكافي ": ولو دفع إليه رطبة في الأرض قد صارت قراحا، يعني قد خرج ساقها من عروقها، ولم يبينه إلى أن تجز فدفعها إليه معاملة على أن يسقيها ويقوم عليها بالنصف ولم يسم وقتا معلوما، فهذا فاسد. لأنه ليس لنهايتها وقت معلوم. لأنها تجز مرة بعد أخرى، حتى لو كان للرطبة [..] لو دفعها إليه رطبة قد انتهى جذاذها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى يخرج بذرها على أن ما رزق الله من شيء فهو بينهما نصفان، ولم يسميا وقتا فهو جائز على ما اشترط إلا البذر من الرطب ينزل منزلة الثمر من الشجرة، فصار كما لو دفع الأشجار معاملة، على أن الثمر بينهما نصفان فهو جائز كذلك هنا، والرطبة لصاحبها، لأنها لم تحدث بعمله ولم تزدد.

م: (بخلاف الزرع) ش: يتعلق بقوله: وفي " الاستحسان ": إذا لم يبن المدة يجوز، يعني ذاك بخلاف المزارعة، فلأنها تجوز بلا بيان المدة قياسا، واستحسانا م: (لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا) ش: أي لأن ابتداء الزرع قد يكون في الخريف، والصيف، أو الربيع، وما يزرع في الربيع يدرك في آخر الصيف، وما يزرع في الخريف يدرك في آخر الربيع، وما يزرع في الصيف يدرك في آخر الخريف.
فوقعت الجملة في الابتداء م: (والانتهاء بناء عليه) ش: أي على الابتداء م: (فتدخله الجهالة) ش: أي إذا كان كذلك فيدخل هذا العقد جهالة مفضية إلى المنازعة، فلا يجوز إلا ببيان المدة. اعلم أن كثيرا منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي اختلافا فاحشا، وقوله: خريفا منصوب على الظرفية، أي في خريف، وصيفا، وربيعا عطف عليه.

م: (وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد علق) ش: أي نبت وهو بكسر اللام، والغرس بكسر الغين وفتحها في معنى المغروس م: (ولم يبلغ الثمر) ش: أي لم يبلغ حد الإثمار م: (معاملة) ش: أي مساقاة، وانتصابها على المصدرية من قوله: من غير لفظه، ولكن التقدير وإذا عامل رجلا في غرس معاملة، ويجوز أن ينصب على التعليل، أي دفع لأجل المعاملة على أن يقوم عليها

(11/513)


حيث لا يجوز إلا ببيان المدة؛ لأنه يتفاوت بقوة الأراضي وضعفها تفاوتا فاحشا،
وبخلاف ما إذا وقع نخيلا أو أصولا رطبة على أن يقوم عليها، أو أطلق في الرطبة تفسد المعاملة؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة؛ لأنها تنمو ما تركت في الأرض فجهلت المدة.
قال: ويشترط تسمية الجزء مشاعا لما بينا في المزارعة، إذ شرط جزء معين يقطع الشركة.
قال: وإن سميا في المعاملة وقتا يعلم أنه لا يخرج الثمر فيها فسدت المعاملة لفوات المقصود وهو الشركة في الخارج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويسقيها فما خرج فهو بينهما نصفان م: (حيث لا يجوز إلا ببيان المدة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه) ش: أي لأن الغرس م: (يتفاوت بقوة الأراضي وضعفها تفاوتا فاحشا) ش: لأن الأراضي إذا كانت بذارا خالصة قوية تحمل أشجارها بإسراع. وإذا كانت ضعيفة غير خالصة تبطئ أشجارها في الحمل، فلا بد من بيان المدة.

م: (وبخلاف ما إذا دفع نخيلا، أو أصولا رطبة على أن يقوم عليها) ش: معناه: حتى تذهب أصولها، وينقطع بناها م: (أو أطلق في الرطبة) ش: يعني لم يقل حتى تذهب أصولها م: (تفسد المعاملة؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة؛ لأنها) ش: أي الرطبة م: (تنمو) ش: أي تزيد من النمو وهو الزيادة م: (ما تركت في الأرض) ش: أي ما دامت تترك في الأرض م: (فجهلت المدة) ش: فلا يجوز.
وفي " شرح الكافي ": ولو دفع إليه أصول رطبة على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تذهب أصولها وينقطع نبتها، فما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان فهذا فاسد. وكذلك النخل، والشجر، لأنه ليس لزمان انقطاعه وذهاب أصوله وقتا معلوما، فكانت المدة مجهولة. وأما إذا دفع النخيل، أو أصول الرطبة معاملة على أن يقوم عليها مطلقا ولم يقل إلى أن تذهب أصولها وينقطع بناؤها، وذلك جائز، وإن لم يبين المدة استحسانا إذا كانت الرطبة جزؤه معلومة فيقع على أول جزئه، وفي النخيل يقع على أول ثمرة تخرج، وإذا لم تكن للرطبة جزءة معلومة فلا يجوز بلا بيان.
واعلم أن المصنف قد ترك في كلامه قيدين لا غنى عنهما فكان إيجازا وقد بيناها الآن.

[تسمية الجزء مشاعا في المساقاة]
م: (قال: ويشترط تسمية الجزء مشاعا) ش: يتعلق بقوله: وسمى جزءا من الثمرة مشاعا م: (لما بينا في المزارعة) ش: أشار به إلى قوله: ولا تصح المزارعة إلى قوله: إلا أن يكون الخارج بينهما مشاعا تحقيقا لمعنى الشركة.
م: (إذ شرط جزء معين يقطع الشركة) ش: أي لأن اشتراط جزء معين من الخارج لأحدهما أو لغيرهما يقطع الشركة فتفسد المعاملة.

م: (قال: فإن سميا في المعاملة وقتا يعلم أنه لا يخرج الثمر فيها) ش: أي في الوقت بتأويل المدة م: (فسدت المعاملة لفوات المقصود وهو الشركة في الخارج) ش:

(11/514)


قال: ولو سميا مدة قد يبلغ الثمر فيها وقد يتأخر عنها جازت، لأنا لا نتيقن بفوات المقصود.
ثم لو خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد. قال: وإن تأخر فللعامل أجر المثل لفساد العقد؛ لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة، فصار كما إذا علم ذلك في الابتداء. بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا؛ لأن الذهاب بآفة فلا يتبين فساد المدة، فبقي العقد صحيحا، ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه.
قال: وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد: لا تجوز إلا في الكرم والنخل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبه قالت الثلاثة، وهذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (قال: ولو سميا مدة قد يبلغ الثمر فيها وقد يتأخر عنها) ش: أي عن المدة المذكورة م: (جازت) ش: أي المعاملة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد في رواية م: (لأنا لا نتيقن بفوات المقصود) ش: ولا يعتبر توهم عدم الخروج، لأن ذلك التوهم متحقق في كل معاملة، ومزارعة بأن يسطلم الزرع آفة. وقال الشافعي في وجه، وأحمد في رواية: لا تصح، لأنها عقد على معدوم.

م: (قال: ثم لو خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد. قال: وإن تأخر فللعامل أجر المثل) ش: وبه قال الشافعي في الأصح، وأحمد في الأصح أيضا. وقال الشافعي في وجه، وأحمد في رواية: لا يجب شيء؛ لأنه رضي بالعمل بغير عوض، فصار كالمتبرع وهو اختيار المزني م: (لفساد العقد؛ لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة، فصار كما إذا علم ذلك في الابتداء) ش: يعني لو كان ذلك معلوما عند ابتداء العقد لما كان العقد فاسدا، فكذا إذا تبين في الانتهاء.
م: (بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا؛ لأن الذهاب بآفة) ش: يعني ما حدث من الآفة م: (فلا يتبين فساد المدة) ش: لعدم تبين خروج الثمار في المدة المذكورة م: (فبقي العقد صحيحا) ش: وموجبه الشركة في الخارج ولا خارج م: (ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه) ش: لعدم الخارج.

[ماتجوز فيه المساقاة وما لا تجوز]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد: لا تجوز إلا في الكرم والنخل) ش: قال في القديم: وتجوز في جميع الأشجار، والثمر، وبه قال مالك، وأحمد، والثوري، وأبو ثور، والأوزاعي، وهو قولهما أيضا، ولا يجوز الشافعي في الرطاب قولا واحدا. وقال داود: لا يجوز إلا في النخيل خاصة، لأن الخبر إنما ورد في النخيل خاصة. وعن مالك أنه تجوز المساقاة في المعاني، والبطيخ، والباذنجان كمذهبنا.
وفي " الجواهر ": أركان المساقاة أربعة: الأول: متعلق العقد، وهي الأشجار، وسائر الأصول المشتملة على شروط، وهي أن تكون مما يجيء ثمرته ولا تخلف، واحترزنا به عن الموز، والقصب، والقرظ، والبقل، لأنه بطن بعد بطن، وجزء بعد جزء، وأن يكون مما لا

(11/515)


لأن جوازها بالأثر وقد خصهما، وهو حديث خيبر. ولنا: أن الجواز للحاجة وقد عمت، وأثر خيبر لا يخصهما؛ لأن أهلها يعملون في الأشجار والرطاب أيضا. ولو كان كما زعم فالأصل في النصوص أن تكون معلولة سيما على أصله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحل بيعها، فكل ما حل بيعه فلا تجوز المساقاة فيه، فإذا حل بيع الثمار، أو غيرها أو المعاني لم تجز المساقاة عليها، وإن عجز عنها، وقال سحنون: يجوز مساقاة ما جاز بيعه، وهي إجارة بنصفه وأن يكون ظاهرا، فلا يجوز المساقاة عليه قبل ظهوره في الأرض.
الركن الثاني: أن يكون المشروط على الاستفهام معلوما بالحرية لا بالتقدير.
والركن الثالث: العمل، وشرطه أن يقتصر على عمل المساقاة، ولا يشترط عليه عمل آخر ليس منها.
والركن الرابع: الصيغة كقوله: ساقيتك على ذا النخيل بالنصف، أو غيره. واختلف إذا عقد بلفظ الإجارة، وأبطله ابن قاسم، وصححه سحنون.
م: (لأن جوازها) ش: أي جواز المساقاة م: (بالأثر، وقد خصهما) ش: أي وقد خص الأثر النخل والكرم م: (وهو حديث خيبر) ش: وقد مر بيانه في المنازعة.
م: (ولنا: أن الجواز للحاجة وقد عمت) ش: أي الحاجة في الجميع م: (وأثر خيبر لا يخصهما) ش: جواب على ما قال الشافعي خصهما، أي حديث خيبر لا يخص النخيل والكرم م: (لأن أهلها يعملون في الأشجار والرطاب أيضا) ش: لأنه «روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها زرع أو ثمر» ولفظ الثمر عام في كل ثمر؛ ولأنه جاز في لفظ بعد الإخبار «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من النخل، والشجر» ولفظ الشجر عام.
وقال ابن حزم: خالف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحديث قد كان بخيبر بلا شك بقل، وكلما نبت في أرض الشرب من الرمان، والموز، والقصب، والبقول فعاملهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نصف ما يخرج منها.
م: (ولو كان كما زعم) ش: أي: ولو كان الأثر يخص النخيل، والكرم كما زعم الشافعي م: (فالأصل في النصوص أن تكون معلولة) ش: فكان ينبغي للشافعي أن يعلله بعلة الحاجة مع وجودها م: (سيما على أصله) ش: أي خصوصا على أصل الشافعي، فإن بابه عنده أوسع، لأنه برئ التعليل بالعلة القاصرة كالثمينة في باب الربا ونحن لا نرى التعليل إلا بعلة متعدية فيكون التعليل على مذهبه أعم عندنا، وإن كان الأصل في النصوص التعليل، ولكن لا بد من إقامة الدليل على أن المنصوص معلول في الحال، وموضعه أصول الفقه.

(11/516)


قال: وليس لصاحب الكرم أن يخرج العامل من غير عذر لأنه لا ضرر عليه في الوفاء بالعقد.
قال: وكذا ليس للعامل أن يترك العمل لغير عذر، بخلاف المزارعة بالإضافة إلى صاحب البذر على ما قدمناه.
قال: فإن دفع نخلا فيه ثمرة مساقاة، والثمر يزيد بالعمل جاز، وإن كانت قد انتهت لم يجز، وكذا على هذا الفصيل إذا دفع الزرع وهو بقل جاز، ولو استحصد وأدرك لم يجز؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعلم أن لفظة سيما كلمة تخصيص، والمعنى أخص المذكور بالذكر نحو يقول: أكرمني الناس، ولا سيما زيد، وهي مركبة من سي وما، وسي بكسر السين بمعنى المثل، والتقدير في المثال المذكور، ولا سي، أي ولا مثله فما موصوفة على تقدير الجر، وموصوفة على تقدير الرفع، أي لا سي الذي هو زيد، ويجوز فيه النصب أيضا على أن يكن لا سيما بمعنى إلا، وقد يزاد على أوله كلمة لا، فيقول: لا سيما فقد تحقق الياء، والتشديد أكثر فافهم.

م: (قال: وليس لصاحب الكرم أن يخرج العامل من غير عذر) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (لأنه لا ضرر عليه في الوفاء بالعقد) ش: لأن العقد لازم لا يصح فسخه إلا بعذر، والعذر لصاحب الكرم أن يكون عليه دين لا وفاء عنده إلا ببيع الكرم، أو سرقة العامل.

م: (قال: وكذا ليس للعامل أن يترك العمل بغير عذر) ش: لما ذكرنا إلا أن يكون له عذر بأن عرض مرض يقعده عن العمل، لا يقال: ينبغي أن يأمر بأن يستأجر رجلا ليقيم على عمله، لأن في ذلك ضررا به لم يلتزمه بالمعاملة.
م: (بخلاف المزارعة بالإضافة إلى صاحب البذر) ش: يعني يجوز في المزارعة أن يمتنع صاحب البذر من العمل، ولا يجبر عليه، لأنه يلحقه الضرر في الحال بإلقاء بذره في الأرض، فلم يكن لازمة من جهته لما قدمنا، وفي بعض النسخ م: (على ما قدمناه) ش: وفي بعضها: على ما بينا، وأشار به إلى ما ذكره في المزارعة بقوله: وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه. إلخ. وأما هاهنا فرب الكرم في المضي على العقد لا يحتاج إلى إتلاف شيء من ماله فيلزمه العقد من الجانبين.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن دفع نخلا فيه ثمرة مساقاة، والثمر يزيد بالعمل جاز) ش: أي: والحال أن الثمرة تزيد بالعمل جاز دفعه، وبه قال مالك، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، وأبو ثور. وقال الشافعي في قول، وأحمد في رواية: لا يجوز م: (وإن كانت قد انتهت لم يجز) ش: أي وإن كانت الثمرة قد انتهت لا يجوز الدفع.
م: (وكذا على هذا التفصيل إذا دفع الزرع وهو بقل جاز) ش: أي والحال أن الزرع بقل جاز الدفع م: (ولو استحصد وأدرك لم يجز) ش: أي وإن قرب حصاده لأجل إدراكه لم يجز.

(11/517)


لأن العامل إنما يستحق بالعمل. ولا أثر العمل بعد التناهي والإدراك، فلو جوزناه لكان استحقاقا بغير عمل، ولم يرد به الشرع بخلاف ما قبل ذلك لتحقق الحاجة إلى العمل.
قال: وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله لأنه في معنى الإجارة الفاسدة، وصار كالزارعة إذا فسدت.
قال: وتبطل المساقاة بالموت لأنها في معنى الإجارة وقد بيناه فيها، فإن مات رب الأرض والخارج بسر فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر، وإن كره ذلك ورثة رب الأرض استحسانا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: وإن أدرك واستحصد يعني استحق الحصاد كان أصوب على ما لا يخفى م: (لأن العامل إنما يستحق بالعمل، ولا أثر للعمل بعد التناهي والإدراك، فلو جوزناه لكان استحقاقا بغير عمل، ولم يرد به الشرع) ش: لأنها جوزت بالأثر فيما يكون أجر العامل بعض الخارج، ولم يوجد عمله، م: (بخلاف ما قبل ذلك) ش: أي ما قبل التناهي م: (لتحقق الحاجة إلى العمل) ش:.
فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز، لأنه جعله أجر عمله بعضا موجودا، وبعضا يخرج من عمله، وهذا يمنع الجواز كما لو دفع نخلا قد طلعت على أن يقوم عليها بالنصف، فيكون النخل مع الثمر بينهما نصفين، وكما لو دفع أرضا مزارعة على أن الخارج من الأرض بينهما نصفان. وكما لو شرطا مع بعض الخارج للعامل ثوبا أو دراهم.
قلت: هذا إذا كان ما شرط من الموجود يصير أجرة عمله مقصودا لا تبعا لما يخرج من عمله، أما إذا كان ما يستحقه تبعا لما يزداد من عمله، فإن كان لا يتميز الموجود عما يزداد من عمله فإنه يجوز المعاملة، لأنه يجوز أن ينسأ لشيء تبعا، وإن لم يثبت مقصودا، بخلاف تلك المسائل؛ لأن هناك إنما يستحق الموجود مع ما يخرج من عمله مقصودا لا تبعا، لأن كل واحد منهما يمتاز عن الآخر.

[فساد المساقاة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله؛ لأنه في معنى الإجارة الفاسدة وصار كالمزارعة إذا فسدت) ش: المساقاة حيث يجب أجر المثل للعامل.

[تبطل المساقاة بالموت]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتبطل المساقاة بالموت لأنها) ش: أي لأن عقد المساقاة م: (في معنى الإجارة وقد بيناه فيها) ش: أي في الإجارة م: (فإن مات رب الأرض والخارج بسر) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري وهو من مسائل الحال، أي والأصل أن الخارج بسر، وهو الذي يكون ولم ينضج م: (فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر، وإن كره ذلك ورثة رب الأرض استحسانا) ش: وفي القياس تنتقض المعاملة بينهما، وكان البسر بين ورثة صاحب الأرض وبين العامل نصفين إن شرطا إنصافا، لأن صاحب الأرض استأجر العامل ببعض الخارج، والإجارة تنتقض بموت أحد المتعاقدين.

(11/518)


فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر فيه على الآخر.
قال: ولو التزم العامل الضرر يتخير ورثة الآخر بين أن يقتسموا البسر على الشرط، وبين أن يعطوه قيمة نصيبه من البسر، وبين أن ينفقوا على البسر حتى يبلغ فيرجعوا بذلك في حصة العامل من الثمر، لأنه ليس له إلحاق الضرر بهم، وقد بينا نظيره في المزارعة.
ولو مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه وإن كره رب الأرض، لأن فيه النظر من الجانبين.
قال: فإن أرادوا أن يصرموه بسرا كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاثة التي بيناها. وإن ماتا جميعا فالخيار لورثة العامل، لقيامهم مقامه، وهذا خلاف في حق مالي وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك، لا أن يكون وارثه في الخيار. قال: فإن أبى ورثة العامل أن يقيموا عليه كان الخيار في ذلك لورثة رب الأرض على ما وصفنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (فيبقى العقد دفعا للضرر عنه) ش: أي عن العامل م: (ولا ضرر فيه على الآخر) ش: وهو وارث الميت، وكان حق التركيب أن يقول على الآخرين وهم الورثة

[التزم العامل الضرر في المساقاة]
م: (قال: ولو التزم العامل الضرر) ش: بأن قال: إذا أخذ نصف البسر فله ذلك، لأن بقاء العقد لدفع الضرر عنه، فإذا رضي انتقض العقد بموت رب الأرض، إلا أنه لا يملك إلحاق الضرر بالورثة، فحينئذ م: (يتخير ورثة الآخر بين أن يقتسموا البسر على الشرط) ش: الذي كان بين الميت والعامل م: (وبين أن يعطوه) ش: أي العامل م: (قيمة نصيبه من البسر، وبين أن ينفقوا على البسر حتى يبلغ فيرجعوا بذلك في حصة العامل من الثمر؛ لأنه ليس له) ش: أي لأن الشأن ليس للعامل م: (إلحاق الضرر بهم) ش: أي بالورثة م: (وقد بينا نظيره في المزارعة) ش: أي نظير الحكم في باب المزارعة عند قوله: وإن أراد المزارع أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض اقلع الزرع.

[موت العامل في المساقاة]
م: (قال: ولو مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه) ش: أي عمل المساقاة كما كان م: (وإن كره رب الأرض) ش: هذا واصل بما قبله، وليست إن للشرط م: (لأن فيه النظر من الجانبين) ش: لأن في القيام على العمل النظر من جانب الأرض وجانب ورثة العامل، لأن فيه تحصيل مقصودهم وتوفر حقوقهم.

م: (قال: فإن أرادوا أن يصرموه بسرا) ش: أي أن يفعلوا الخارج حال كونه بسرا م: (كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاثة التي بيناها) ش: يعني آنفا م: (قال: وإن ماتا جميعا) ش: يعني صاحب الأرض والعامل م: (فالخيار لورثة العامل لقيامهم مقامه) ش: أي مقام العامل م: (وهذا خلاف في حق مالي) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال خيار الشرط لا يورث عندكم، لأنه عرض لا يقبل النقل، فكيف يثبت هذا الخيار لهم؟ فقال هذا ليس من باب توريث الخيار، بل هذا خلاف في حق مالي مستحق عليه م: (وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك، لا أن يكون وارثه في الخيار) ش: أي الحق المالي وهو ترك الثمار. . إلى آخره م: (قال: فإن أبى ورثة العامل أن يقوموا عليه كان الخيار في ذلك إلى ورثة رب الأرض على ما وصفنا) ش: أي آنفا.

(11/519)


قال: وإذا انقضت مدة المعاملة والخارج بسر أخضر، فهذا والأول سواء، وللعامل أن يقوم عليها إلى أن يدرك، لكن بغير أجر، لأن الشجر لا يجوز استئجاره بخلاف المزارعة في هذا؛ لأن الأرض يجوز استئجارها. وكذلك العمل كله على العامل هاهنا. وفي المزارعة في هذا عليهما؛ لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة على العامل لا يستحق عليه العمل، وهاهنا لا أجر فجاز أن يستحق العمل كما يستحق قبل انتهائها.
قال: وتفسخ بالأعذار لما بينا في الإجارات، وقد بينا وجوه العذر فيها، ومن جملتها أن يكون العامل سارقا يخاف عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[انقضاء المدة في المساقاة]
م: (قال: وإذا انقضت مدة المعاملة والخارج بسر أخضر، فهذا والأول سواء) ش: أي انقضاء المدة وموت العاقدين سواء في الحكم المذكور م: (وللعامل أن يقوم عليها) ش: أي على المعاملة م: (إلى أن يدرك) ش: أي البسر م: (لكن بغير أجر) ش: أي أجر الشجر على العامل م: (لأن الشجر لا يجوز استئجاره) ش: حتى لو اشترى ثمارا على رءوس الأشجار ثم استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك لا يجوز وقد مر في البيوع.
م: (بخلاف المزارعة في هذا) ش: أي فيما إذا انقضت المدة والزرع بقل م: (لأن الأرض يجوز استئجارها، وكذلك العمل كله على العامل هاهنا) ش: أي في المعاملة م: (وفي المزارعة في هذا عليهما) ش: أي في انقضاء المدة والزرع يقل على رب الأرض والعامل جميعا م: (لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة على العامل لا يستحق العمل عليه) ش: تقديره أن العمل في الزرع كان عليهما بقدر ملكهما، لأن رب الأرض لما استوجب أجر مثل الأرض على العامل لم يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انقضاء المدة.
م: (وهاهنا) ش: يعني في صورة المعاملة م: (لا أجر) ش: يعني لا يستوجب صاحب النخل بعد انقضاء المدة أجر مثل النخل على العامل كما كان لا يستوجب قبل انقضاء المدة لا يجوز إجارة النخيل إلى أن يدرك الثمر، فكان كل العمل على العامل إلى حين الإدراك، وأشار إليه بقوله: م: (فجاز أن يستحق العمل كما يستحق قبل انتهائها) ش:، أي قبل انتهاء المدة ويستحق على صيغة المجهول في الموضعين. والحاصل أن في هذه الصورة لم يتغير على العامل الأمر، وهو الانتفاع بالأشجار مجانا، فيكون العمل كله عليه، بخلاف فصل المزارع لتغير الأمر عليه بوجوب أجر المثل، فافهم.

[فسخ المساقاة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتفسخ بالأعذار) ش: وهي ثلاثة ذكرت في المزارعة م: (لما بينا في الإجارات) ش: أراد قوله ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها، فصار جملة الأعذار في الإجارة كالعيب قبل القبض. . الخ م: (وقد بينا وجوه العذر فيها) ش: أي في الإجارات م: (ومن جملتها) ش: أي ومن جملة الأعذار م: (أن يكون العامل سارقا يخاف عليه

(11/520)


سرقة السعف والثمر قبل الإدراك لأنه يلزم صاحب الأرض ضررا ظلم يلتزمه فيفسخ به،
ومنها مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل؛ لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل ذلك عذرا.
ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا؟ فيه روايتان. وتأويل إحداهما أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته.
قال: ومن دفع أرضا بيضاء إلى رجل سنين معلومة يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سرقة السعف) ش: بفتح السين والعين المهملتين وفي آخره فاء، وهو جريد النخل يتخذ منه الزنبيل والمراوح، قاله الكاكي. وقال الليث: أكثر ما يقال له السعف إذا يبس، وإذا كانت السعفة رطبة فهي شطبة، فيقال سعفة وسعف وسعفات. وقال الأزهري: يقال للجريد بعد قسمه سعف أيضا، والصحيح أن الجريد الأغصان، والورق السعف م: (والثمر قبل الإدراك) ش: قيد به لأنه بعد الإدراك يقسم، فلا يخاف من السرقة م: (لأنه يلزم صاحب الأرض ضرر لم يلتزمه فيفسخ به) ش: أي بالضرر، أي بسببه.

[مرض العامل في المساقاة]
م: (ومنها) ش: أي ومن الأعذار م: (مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل ذلك عذرا) ش: لأن في إلزام العامل أن يستأجر زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل عذرا. الحاصل: أن هذا كالجواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لم لا يؤمر بالاستئجار للعمل كالمكاري إذا مرض قيل له ابعث الدواب على يد غلامك أو تلميذك.
فأجاب بأن في إلزامه. . إلى آخره، وأشار بقوله: ولم يلتزمه أن استئجار الأجر ليس بمتعارف فلا يكون مستلزما، بخلاف بعث الدواب على يد العبد أو التلميذ متعارف.

م: (ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا؟ فيه روايتان) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي في كون ترك العمل عذرا روايتان، في إحداهما لا يكون عذرا ويجبر على ذلك، لأن العقد لازم لا يفسخ إلا من عذر، وهو ما يلحقه به من ضرر، وهاهنا ليس كذلك، وفي الأخرى عذر.
م: (وتأويل إحداهما) ش: أي إحدى الروايتين م: (أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته) ش: يعني إذا اشترط عليه العمل بنفسه وتركه كان ذلك عذرا في فسخ المعاملة، أما إذا دفع إليه النخيل على أن يعمل فيها بنفسه وأجرته فعليه أن يستخلف غيره فلا يكون تركه العمل عذرا في فسخ المعاملة.

م: (قال: ومن دفع أرضا بيضاء إلى رجل سنين معلومة يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض

(11/521)


والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة لا بعمله.
قال: وجميع الثمر والغرس لرب الأرض، وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل، لأنه في معنى قفيز الطحان، إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان فيفسد وتعذر رد الغراس لاتصالها بالأرض فيجب قيمتها وأجر مثله؛ لأنه لا يدخل في قيمة الغراس لتقومها بنفسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك) ش: أي هذا العقد، وبه قالت الثلاثة، وهذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا على مسألة القدوري، م: (لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة) ش: وهو الأرض م: (لا بعمله) ش: أي لا بعمل العامل، فصار كما لو دفع النخل والشجر ليكون النخل والثمر بينهما، وكما إذا دفع الأرض ليزرع ليكون الزرع والأرض بينهما.

م: (قال: وجميع الثمر والغرس لرب الأرض، وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل، لأنه في معنى قفيز الطحان، إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان فيفسد) ش: كما لو استأجر صباغا لصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ وهو فاسد، لأنه في معنى قفيز الطحان الذي نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه م: (وقد تعذر رد الغراس) ش: بكسر الغين المعجمة وهو فسلان النخل م: (لاتصالها) ش: أي لاتصال الغراس م: (بالأرض فيجب قيمتها) ش: أي قيمة الغراس. وقال الأترازي: إن الضمير المؤنث راجع إليه على تأويل الأغراس.
قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل، لأن الغراس جمع غرس، قال في العباب والغرس الشجر الذي يغرس، والجمع على أغراس وغراس، فحينئذ تأنيث الضمير في مستحقه، فكأنه توهم أنه مفرد، فكذلك تكلف ما ذكره.
م: (وأجر مثله) ش: أي يجب أجر المثل الغارس م: (لأنه) ش: أي لأن الأجر م: (لا يدخل في قيمة الغراس لتقومها بنفسها) ش: أي بدون العمل، والتحقيق فيه إنما يلزم صاحب الأرض قيمة الغرس، لأن الغراس آلة ليجعل فيها الأرض بستانا، فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة، فيلزمه قيمتها لما تعذر ردها للاتصال بأرضه وهو عين تقومه بنفسه، فلا يدخل أجر العمل في قيمته، فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله، لأنه أسمى عرضا فلا يسلم له ذلك، فيستوجب أجر المثل.

(11/522)


وفي تخريجها طريق آخر بيناه في " كفاية المنتهي "، وهذا أصحهما، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي تخريجها) ش: أي وفي تخريج هذه المسألة م: (طريق آخر بيناه في " كفاية المنتهي ") ش: وهو شراء رب الأرض نصف الغراس من العامل بنصف أرضه، أو شرائه جميع الغراس بنصف أرضه ونصف الخارج، فكان عدم جواز هذا العقد بجهالة الغراس نصفها أو جميعها لكونها معدومة عند العقد لا لكونها في معنى قفيز الطحان م: (وهذا أصحهما) ش: أي المذكور في " الهداية " أصح الطريقين، لأنه نظير من استأجر صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ كما ذكرنا، فيكون في معنى قفيز الطحان، والله أعلم.

(11/523)