البناية شرح الهداية

فصل: في الوطء والنظر واللمس قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الوطء والنظر واللمس]
[النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها]
م: (فصل في الوطء والنظر واللمس) ش: هذا فصل في بيان أحكام الوطء وأحكام النظر والمس والقبلة. وقد فصل الأكل لكثرته، ثم فصل اللبس قدم على هذا الفصل لكثرة شدة الاحتياج إليه بالنسبة إلى هذا الفصل.
م (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": أي إلى المرأة الأجنبية. وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] .
وموضع الزينة الرأس؛ لأنه موضع الإكليل. والشعر؛ لأنه موضع الفصاص الدريهمات. والأذن؛ لأنها موضع القرط. والعنق؛ لأنه موضع القلادة. والصدر؛ لأنه موضع الوشاح. والعضد؛ لأنه موضع الدملج. والذراع؛ لأنه موضع السوار. والساق؛ لأنه موضع الخلخال، وذكر الزينة وأراد موضعها من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل للمبالغة في الستر.
م: (إلا إلى وجهها وكفيها) ش: استثناء من قوله: لا يجوز، والمعنى يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] ش: أي لا يظهرن أي النساء أي مواضع زينتهن وقد بينتها الآن.
م: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ش: استثنى من قوله: ولا يبدين، إلا ما ظهر من الزينة، ثم اختلفوا فيها: يعني فيما ظهر ما هو؟ فقال بعضهم: المراد الملاءة والبرقع والخفاف لا يحل النظر للأجانب إلا إلى ملاءتها وبرقعها وخفيها الظاهرة، وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
وقد روى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: " وما ظهر منها: الثياب والجلبات " وقال بعضهم: هو ما فوق الدرع. روى الطحاوي بإسناده إلى أبي منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إبراهيم قال: هو ما فوق الدرع. وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: المراد منه إحدى عينيها؛ لأنها مضطرة إلى

(12/128)


قال علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ما ظهر منها الكحل والخاتم. والمراد موضعهما وهو الوجه والكف. كما أن المراد بالزينة المذكورة موضعها؛ ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كشف عين واحدة للمشي، ولا ضرورة في غير ذلك، فلا يباح بها إلا بدا ولا بغيرها النظر إلا في عين واحدة للمشي.
واختار العلماء قول علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فكذلك اختاره المصنف وقال: م: (قال علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ما ظهر منها الكحل والخاتم) .
ش: أخرج الطبراني في رواية ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "تفسيره" وقال: حدثنا أبو كريب حدثنا مروان بن معاوية حدثنا مسلم الملائي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: هي الكحل والخاتم. وأخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن جعفر بن عون: أخبرنا مسلم الملائي به، ثم أخرجه عن المراد بالضعيف هو عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: نحوه سواه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" في النكاح، عن عكرمة وأبي صالح وسعيد بن جبير - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من قولهم: وأما الرواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فغريب.
م: (والمراد موضعهما) ش: أي موضع الكحل والخاتم كما قلنا من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل م: (وهو الوجه والكف) ش: أي موضع الكحل هو الوجه، وموضع الخاتم الكف.
م: (كما أن المراد بالزينة المذكورة موضعها) ش: أراد بالمذكورة في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] كما ذكرناه. م: (ولأن في إبداء الوجه) ش: أي في إظهارهما وهذا دليل معقول م: (والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء) ش: أي من حيث الأخذ ومن حيث الإعطاء م: (وغير ذلك) ش: مثل كشف وجهها عند الشهادة، وعند المعرض لمن يريد نكاحها، وعند المحاكمة. ومثل كشف الكفين عند الخبز ونحوه.
ولو استدل في ذلك بالحديث المرفوع لكان أولى وأحسن وهو ما رواه أبو داود في "سننه" بإسناده إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "يا أسماء إذا

(12/129)


وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح؛ لأن فيه بعض الضرورة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضا؛ لأنه قد يبدو منها عادة.
قال: فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفه. وأخرجه البيهقي أيضا في "سننه".
م: (وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها) ش: أراد به أن ما روي عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تنصيص على عدم إباحة النظر إلى قدمي الأجنبية.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح؛ لأن فيه بعض الضرورة) ش: هذه رواية ابن شجاع عن أبي حنيفة؛ لأن القدم موضع الزينة الظاهرة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضا؛ لأنه قد يبدو منها عادة) ش: خصوصا إذا جردت نفسها للخبز والطبخ، ذكره شمس الأئمة البيهقي في "كفايته".

م: (قال: فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها) ش: أي قال القدوري والحاصل أن الذي ذكره من جواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها إذا أمن الشهوة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، وأما إذا لم يأمن الشهوة لم يجز النظر إلى وجهها أيضا ولا إلى كفيها. والدليل على ما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: رأيت أسسه باللمم.
قال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» .
وأخرج مسلم وأبو داود -رحمهما الله- من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، يدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان زناهما البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذب» .

(12/130)


إلا لحاجة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة» . فإن خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم، وقوله: لا يأمن يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك، ولا يحل أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحمر وانعدام الضرورة والبلوى بخلاف النظر؛ لأن فيه بلوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إلا لحاجة) ش: كالشهادة وحكم الحاكم والتزويج، فعند هذه الأشياء يباح النظر إلى وجهها، وإن يخاف الشهوة للضرورة.
وقال الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ينظر إلى الوجه والكف منها ما أمن الشهوة فإذا أشقها لم ينظر إلا أن يكون دعي إلى شهادة عليها وأراد تزويجا وكان حاكما فينظر ليخبر إقرارها وتشهد الشهود على معرفتها، فلا بأس بالنظر إليهما وهذه المواضع م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه شمس الأئمة الحلواني في شرح "الكافي " ولكنه غير صحيح والمعروف: «من استمع إلى حديث قوم له كارهون صب في أذنيه الأنك يوم القيامة» أخرجه البخاري في "صحيحه " في كتاب التعبير، وعن أيوب السجستاني، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: «من تحكم بحكم لم يره كلف أن يعقد بين شعر بير ولن يفعل، ومن استمع إلى قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ» .
قوله محاسن: جمع حسن ضد القبح على خلاف القياس وكأنه جمع محسن والأنك بفتح الهمزة وضم النون وفي آخره كاف وهو: الأشرب. قال الجوهري وأفعل من ألسنة الجمع ولم يجيء عليه الواحد الأنك وفيه نظر.
م: (فإن خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم) ش: أي لأجل الاحتراز عن الوقوع في المحرم م: (قوله: لا يأمن يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء) ش: أي قال القدوري: فإن كان لا يأمن الشهوة يدل على أن النظر إلى وجهها لا يباح إذا شك في الشهوة م: (كما إذا علم) ش: أي كما إذا تيقن وجود الشهوة، م: (أو كان أكبر رأيه ذلك) ش: أي وجود الشهوة.
م: (ولا يحل أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم) ش: وهو النص على ما يأتي م: (وانعدام الضرورة والبلوى) ش: في مس وجهها وكفيها؛ لأنه أبيح النظر إلى الوجه والكف لدفع الحرج، ولا حرج في ترك مسها فبقي على أصل القياس م: (بخلاف النظر؛ لأن فيه بلوى) ش: وهي الحاجة إليه كما ذكرنا.

(12/131)


والمحرم قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة» ، وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى، فلا بأس بمصافحتها ولمس يدها؛ لانعدام خوف الفتنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[مصافحة العجوز التي لا تشتهى ولمس يدها]
م: (والمحرم) ش: -بكسر الراء- أراد به المحرم الذي قال في قوله لقيام المحرم م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة» ش: وهذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكره أحد من أرباب الصحاح والحسان.
م: (وهذا إذا كانت شابة تشتهى) ش: أي هذا الذي ذكرنا من حرمة وجه الأجنبية وكفيها إذا كانت شابة تشتهي منها الرجال، م: (أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ولمس يدها لانعدام خوف الفتنة) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قلت هذا تعليل في مقابلة النص وهو ما ذكرناه في الكتاب من مس كف امرأة. الحديث.
قلت: المرأة أمرة تدعو النفس إلى مسها أما إذا هربت العين من رؤيتها واترادى يجد الحاثر من لعابها فلا إثم.
ثم قال: أباح للرجال المس هنا إذا كانت عجوزا ولم يشترط كون المساس لا يجامع مثله ولا يشتهى مثله.
وقد ذكر مثل هذا ووضع المسألة فيما إذا كانت المرأة هي الماسة لما فوق الإزار فقال: إن كانت المرأة عجوزا لا تجامع مثلها والرجل شيخ كبير لا يجامع مثله لا بأس فالمصافحة حينئذ.
فصار في المسألة روايتان، في رواية: أباح المصافحة إذا لم يشته أحدهما، وفي رواية: يشترط أن يكون كل واحد منهما لا يشتهي.
وجه الأولى: أن العجوز ألحقت بالصغيرة ويجوز مصافحتها وإن اشتهى الماس.
وجه الأخرى: وهو الفرق بينهما أن أحد المصافحين إذا كان صغيرا لا تؤدي المصافحة، إلى الاشتهاء من الجانبين، أما في حق البالغ فلأنه غير بالغ مسته وأما في حق الصغيرة فلأنها لا تعلم الاشتهاء. أما إذا كان بالغين فالشاب إن لم يشته بمس العجوز فهي تشتهي بمس الشاب؛ لأنها قد علمت بذلك فتؤدي إلى الاشتهاء وهو حرام ما يؤدي إليه كذلك.
ثم قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد كنت سمعت من بعض أساتذتنا طيب الله ثراه أبياتا يليق استشهادها في هذا الموضع فأوردتها تذكرة، طيب الله مرقد الماضين آمين (شعر) .

(12/132)


وقد روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يدخل بعض القبائل التي كان مسترضعا فيهم، وكان يصافح العجائز. وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استأجر عجوزا لتمرضه، وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه. وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهي عجوز ترجى أن تكون فتنة ... وقد يبس الجنبان واحتدب الظهر
تروح إلى العطار تبغي شبابها ... وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
وما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
بنيت بها قبل المحاق بليلة ... فصار محاق كله ذلك الشهر
قلت: هذا الذي ذكره تاج الشريعة كله من " المبسوط " و " الذخيرة ". م: (وقد روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يدخل بعض القبائل التي كان مسترضعا فيهم وكان يصافح العجائز) ش: هذا غريب لم يثبت وإنما الذي روي عن أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنهما كانا يزوران أم أيمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت حاضنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه البيهقي وغيره.
م: (وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استأجر عجوزا لتمرضه وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه) ش: هذا أيضا غريب لم يثبت قوله تمرضه من التمريض يقال: مرضه أي قام عليه في مرضه. قوله: تفلي من فلى رأسه تفلي إذا أخذ القمل منه وفلى يفلو أيضا وفليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معائنه والمناسب هنا أن يكون قوله تفلي رأسه من المعنى الثاني على معنى أنها كانت تدبر شعر ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتصلحه وتدهنه وتسرحه لأن هذا هو المناسب بحاله؛ لأنه كان ملكا ادعى الخلافة بأرض الحجاز فمن كانت هذه صفته لا تقمل رأسه فافهم.
م: (وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها) ش: أي وكذا لا بأس بمصافحتها إذا كان الرجل شيخا كبيرا يأمن على نفسه وعلى نفس المرأة؛ لأن الشيخ الكبير لم يبق له إربة كالصغير. قال سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] . وروى البيهقي في "سننه " عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: هو الرجل يتبع القوم وهو مغفل في غفلة لا يكترث النساء ولا يشتهيهن. وروي عن التيمي أنه قال: هو الذي ليس له إرب أي حاجة في النساء. ولا شك أن الشيخ الكبير ليس له إرب في النساء كما قلنا.

(12/133)


لما قلنا، وإن كان لا يأمن عليها لا تحل مصافحتها لما فيه من التعريض للفتنة. والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها لعدم خوف الفتنة.
قال: ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة تحرزا عما يمكنه التحرز عنه، وهو قصد القبيح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لما قلنا) ش: أراد به قوله: لانعدام خوف الفتنة م: (وإن كان لا يأمن عليها لا تحل مصافحتها لما فيه من التعريض للفتنة. والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها لعدم خوف الفتنة) ش: لأنه ليس لبدنها حكم العورة، ولأن العادة ترك التكليف بستر عورتها إن لم تبلغ حد الشهوة كذا في " المبسوط ".
فإن قلت: ما حكم الأمر؟
وقلت: روى البيهقي عن بقية من الوصيين عن بعض المشيخة قال: يكره أن يحد النظر إلى الغلام الأمرد الجميل الوجه، وقد روي هذا عن بقية الوازع وهو ضعيف عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا والمشهور بقية عن الوصيين.
وقد روى أبو حفص الطحان في معناه حديثا موضوعا عن الثوري عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفتنة الأمرد ظاهرة لا يحتاج إلى خبر، وقد أفتى الشيخ محيي الدين النووي بمنع النظر إليه سواء كان بشهوة أو بغير شهوة. وبعضهم فصلوا فقالوا: إن كان بشهوة لا يباح وإن كان بغير شهوة فلا بأس.
قلت: الأولى في هذا الزمان أن يفتي بقول الشيخ محيي الدين لظهور الفسق والشناعة بين الناس.
وذكر في " فتاوى الإمام ناصر الحسامي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء وهو عورة من قرنه إلى قدمه. قال العبد الضعيف: لا يحل النظر إليه عن شهوة فأما الخلوة به والنظر إليه لا عن شهوة لا بأس به ولهذا لم يأمر بالتقارب.

[نظر القاضي للمرأة للحكم عليها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة تحرزا عما يمكنه التحرز عنه، وهو قصد القبيح) ش: هذا كالظاهر، وهكذا كما يجوز للشهود النظر إلى الصورة عند الزنا ليقيموا الشهادة وكما يجوز للمسلمين أن يرموا صبيان المسلمين وأسرابهم

(12/134)


وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى، قيل: يباح، والأصح: أنه لا يباح؛ لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء.
، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «أبصرها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا اندس بهم الكفار ولكن يقصدون المشركين وإن علموا أنه يصيب المسلمين.
م: (وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى، قيل: يباح) ش: ولكن يقصد عمل الشهادة لا قضاء الشهوة كشهود الزنا م: (والأصح: أنه لا يباح؛ لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء) ش: لأنه التزم هذه الأمانة بالتحمل وهو متعين لأدائها.

[نظر الخاطب]
م: (ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «أبصرها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي في النكاح عن عاصم بن سليمان، عن أبي بكر بن عبد الله المزني، «عن المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خطب امرأة فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» وقال الترمذي: حديث حسن.
قوله أبصرها: الخطاب للمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أمر من أبصر يبصر إبصارا أي أنظرها، وهكذا هو في رواية الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي رواية الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الفائق ": «لو نظرت إلهيا فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» . والضمير فإنه يرجع إلى الإبصار الذي دل عليه قوله أبصرها، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي العدل أقرب.
قوله: أن يؤدم: أصله بأن يؤدم، فحذفت الباء وحذفها مع أن كثير، والمعنى فإن الإبصار أحرى أي أولى بالمؤادمة منكما، أي بالموافقة، من أدم الطعام إذا أصلحه بالإدام وجعله موافقا للطعام. وأن مصدرية فكذلك أولت الوادم بالمؤادمة ويجوز أن يكون الضمير فإنه للشأن، وعلى التقديرين: الضمير اسم أن، وقوله أحرى أن يؤدم خبرها فتكون هذه الجملة محلها الرفع. وعلى رواية" الفائق ": أو بمعنى ليت فلذلك دخلت الفاء في جوابها كأنه قيل ليت ليتك نظرت إليها، والغرض الحث على النظر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولما أخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الحديث قال: وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومحمد بن سلمة وأبي جند.

(12/135)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: «خطب رجل امرأة من الأنصار فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اذهب فانظر إلهيا فإن في أعين الأنصار شيئا» . وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عبد الرحمن، «عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" فخطبت جارية فكنت أتخفى لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها» .
قال ابن القطان: هذا حديث لا يصح فإن واقدا هذا لا يعرف حاله، وواقد المعروف إنما هو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أبو عبد الله الأنصاري الأشهلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذي يروي عنه يحيى بن سعيد وداود بن الحصين ومحمد بن زياد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من المدنيين.
وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهدمه في ثقة، قاله أبو زرعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما واقد بن عبد الرحمن فلا أعرفه.
وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: على شرط الشيخين وأحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وعبد بن حميد والدارمي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في "مسانيدهم". والطبراني في "معجمه " والدارقطني في "سننه "، كلهم من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس: «أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» .
وأما حديث محمد بن سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن حبان في "صحيحه "، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن حازم «عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه محمد بن سلمة -

(12/136)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خطب امرأة فجعلت أتخفى إليها حتى نظرت إليها في نخل فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا ألقى الله في قلب امرئ منكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها» .
وأخرج الحاكم من حديث إبراهيم بن صرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة [عن عمه سهل بن أبي حثمة] قال: " كنت جالسا مع محمد بن سلمة فمرت ابنة الضحاك فجعل يطاردها ببصره ". الحديث. وقال: هذا حديث غريب وإبراهيم بن صرمة ضعفه الدارقطني. وأخرج البيهقي من حديث أبي شهاب عبد ربه عن حجاج عن ابن أبي مليكة، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سهل بن أبي حثمة، قال: رأيت محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يطارد امرأة ببصره على إجار يقال لها: ثبيتة بنت الضحاك أخت أبي جبيرة. الحديث.
وقال الذهبي في "مختصره ": حجاج لين، وإسناده مختلف فيه، وأخرجه ابن ماجه عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن سليمان، الحديث.
ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "مصنفيهما" في اسم المرأة، في " مسند أحمد ": نبيهة بنت الضحاك وسماها عند ابن أبي شيبة نبيشة، كما سماها في " مسند البيهقي "، وفي نسخة أخرى: بثنية.
وأما حديث أبي حميد فأخرجه الطبراني في "معجمه "، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة» . ورواه إسحاق بن

(12/137)


ولأن مقصوده إقامة السنة لا قضاء الشهوة.
ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها للضرورة، وينبغي أن يعلم امرأة مداواتها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أسهل فإن لم يقدروا يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره ما استطاع؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
راهويه في "مسنده " من حديث عبد الله بن عيسى الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ولأن مقصوده إقامة السنة لا قضاء الشهوة) ش: فيعتبر المقصود وهو إقامة النكاح المسنون لا قضاء الشهوة النهي المحرم.

[نظر الطبيب للمرأة الأجنبية]
م: (ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها) ش: أي من المرأة م: (للضرورة) ش: لأن للضرورة تأثير في إباحة المحرمات بدليل إباحة الميتة والخمر عند الضرورة وخشية التلف م: (وينبغي أن يعلم المرأة مداواتها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أسهل فإن لم يقدروا يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره ما استطاع؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها) ش: أي يتعذر بالضرورة أراد بأن يكون بقدر الضرورة ولا يتجاوز عنها لاندفاع الحاجة بقدرها.
وفي " فتاوى الولوالجي ": لا يحل النظر إلى ما تحت السرة إلى الركبة من الرجل والمرأة لأحد من غير عذر، فإذا جاء العذر حل النظر. والأعذار:
منها حالة الولادة فلا بأس للقابلة أن تنظر إلى فرجها.
ومنها حالة الاختتان: للرجل أن ينظر من الرجل موضع الاختتان منه عند الحاجة.
ومنها: إذا أصابه قولنج واحتيج إلى حقنه.
ومنها: إذا أصاب امرأة قرحة في موضع لا يحل للرجال أن ينظر إليها وعملت المرأة ذلك لتداويها وإن لم تعلم أو لم يجدوا امرأة وخافوا عليها أن تهلك أو يصيبها بلاء، أو دخل من ذلك وجع لا تتحمله، ولم يكن للعلاج بد من الرجل، يباح للرجل أن ينظر لكن يستر منها كل شيء إلا موضع القرحة؛ لأن الضرورة تندفع بها وسواء فيها ذات المحرم وغيرها.
ومنها: امرأة العنين إذا قالت بعد سنة: لم يصل إلي وأنا بكر، فالقاضي يريها النساء.
ومنها: رجل اشترى جارية على أنها بكر فقبضها فقال: وجدتها ثيبة فأراد ردها على البائع بيمينه على أنه باعها وسلمها وهي بكر، نظر إليها النساء، فإن قلن: إنها بكر فلا يمين على البائع، وإن قلن: هي ثيب استحلف البائع على أنه باعها وسلمها وهي بكر فإن حلف لم ترد عليه. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": قال بعض مشائخنا: هذا

(12/138)


وصار كنظر الخافضة والختان
وكذا يجوز للرجل النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل؛ لأنه مداواة
ويجوز للمرض. وكذا للهزال الفاحش على ما روي عن أبي يوسف؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب إنما يستقيم فيما إذا اختلفا قبل القبض، أما بعده فلا؛ لأنه يجعل زوال البكارة عند المشتري فلا فائدة في أن ترى النساء إن وقع الاختلاف بعد القبض؛ لأنه يحتاج إلى توجيه الخصومة، ولا يمكن من ذلك إلا بعد ظهور الحال فكان في إرائه فائدة.
م: (وصار كنظر الخافضة والختان) ش: إليه يعني صار نظر الطبيب إلى موضع لا يحل النظر إليها كنظر الخافضة والختان إليه، أي إلى ما لا يجوز النظر إليه كالعورة الغليظة فإن النظر إليها لا يجوز إلا في حالة العذر، والختان عذر؛ لأنه سنة مؤكدة من شعائر الإسلام لا يجوز تركها في حق الرجل والمرأة جميعا، فكذا نظر الطبيب لأجل العذر. والخافضة فاعلة من الخفض وهو قطع بظر المرأة كالختان في حق الرجل، وهو قطع جلدة الحشفة، يقال امرأة مخفوضة ورجل مختون.

[النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل]
م: (وكذا يجوز للرجل النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل؛ لأنه مداواة) ش: أي لأن الاحتقان مداواة يحصل بها إسهال الفضلات والإخلاطة الروية وإذا جاز الاحتقان يجوز للحاقن النظر إلى موضع الاحتقان.

م: (ويجوز للمرض) ش: أي يجوز الاحتقان لأجل المرض م: (وكذا للهزال الفاحش) ش: أي وكذا يجوز الاحتقان للهزال الفاحش؛ لأن آخره الدق م: (على ما روي عن أبي يوسف) ش: احترز به عما روي عن شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحقنة إنما تجوز إذا كان يخشى من الهزال المتلو وإلا فلا.
وفي " الكافي ": والصحيح ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه نوع مرض يكون آخره الدق والسل.
وقال الحلواني: فلو كان في الحقنة منفعة ولا ضرورة فيها بأن يتقوى على الإجماع لا يحل عندنا.
وذكر أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن مقاتل: أنه لا بأس أن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنوير إذا كان يغض بصره. كما أنه لا بأس به إذا كان يداوي جرحا أو قرحا.
قال أبو الليث: هذا في حالة الضرورة وينبغي لكل أحد أن يتولى عانته إذا تنور، كذا في " الذخيرة ".

(12/139)


لأنه إمارة المرض. قال: وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا إلى ما بين سرته إلى ركبته؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته".» ويروى: «ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه» وبهذا ثبت أن السرة ليست بعورة، خلافا لما يقوله أبو عصمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه إمارة مرض) ش: أي لأن الهزال علامة المرض وهو السل كما ذكرنا.

[ما ينظر إليه الرجل من الرجل]
م: (قال: وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا إلى ما بين سرته إلى ركبته) ش: أي قال القدوري وقال الكرخي -رحمهما الله- في "مختصره ": لا ينبغي أن ينظر الرجل من الرجل إلى ما بين سرته وركبته ولا بأس أن ينظر إلى سرته، ويكره النظر منه إلى الركبة. وكذلك المرأة من المرأة.
وبلغنا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه كان إذا ائتزر أبدى عن سرته، انتهى.
وقال أبو القاسم بن الجلاب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " التفريع ": وعورة الرجل فرجاه وفخذاه ويستحب له أن يستر من سرته وركبتيه.
وقال في " وجيز الشافعية ": وعورة الرجل ما بين السرة والركبة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» .
ش: وروى الدارقطني في "سننه " عن يوسف بن يعقوب بن بهلول: حدثنا جدي عن أبيه، عن سعيد بن راشد، عن عباد بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما في الركبتين من العورة، وما أسفل من السرة من العورة» . وسعيد بن راشد ضعيف. م: (ويروى: ما دون سرته حتى يجاوز ركبته) ش: وهذه الرواية إن صحت تدل على أن كلمة "إلى" في الرواية السابقة بمعنى مع عملا بالحديثين مم: (وبهذا) ش: أي بالحديث المذكور م: (ثبت أن السرة ليست بعورة) ش: لأن في كل واحدة من الروايتين يكون ابتداء العورة من تحت السرة، فتكون السرة خارجة من العورة م: (خلافا لما يقوله أبو عصمة) ش: وهو سعد بن معاذ المروزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من كبار أصحابنا. وقد قال أبو عصمة: السرة عورة؛ لأنها حد إحدى العورة فيكون من العورة كالركبة.

(12/140)


والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
والركبة عورة خلافا لما قاله الشافعي،

والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر. وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لما يقوله الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري - رَحِمَهُ اللَّهُ - معتمدا فيه العادة؛ لأنه لا معتبر بها مع النص بخلافه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بالرفع عطفا على أبي عصمة، أي وخلافا لما يقوله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا كما يقول أبو عصمة.
قيل: عطف الشافعي على أبي عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مستقيم؛ لأن هذا التعليل إنما يستقيم على قول من يقول الركبة عورة وهو لا يقول به. وهذا ساقط؛ لأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعلل بهذا التعليل في هذا الكتاب، وإنما ذكر المذهب فيجوز أن يكون مذهبهما واحدا والمأخذ متعددا فالمذكور يكون تعليلا لأبي عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتعليل الشافعي غير ذلك وهي أن السرة محل الاشتهاء.

[عورة الرجل]
م: (والركبة عورة خلافا لما قاله الشافعي) ش: فإنه يقول: الركبة ليست بعورة واستدل بما روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ما أبدى ركبة بين جليس قط» إنما قصد بهذا ذكر الشمائل، فلو كانت الركبة عورة لم يكن هذا من الشمائل؛ لأن ستر العورة فرض على كل أحد.

[والفخذ هل تعتبر عورة أم لا]
م: (والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر) ش: فإنهم قالوا: الفخذ ليس بعورة واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22] ، والمراد منها العورة الغليظة.
م: (وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لما يقوله الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول: ما دون السرة إلى منبت شعر العانة ليس بعورة، إنما قال ذلك حال كونه م: (معتمدا فيه العادة) ش: لأن الإزار قد ينحط في العمل إلى ذلك الموضع إن كان فيه ضرورة فأبيح النظر إلى ذلك للتعامل.
وكما روي: -بضم الكاف وتخفيف الميم بعدها ألف ساكنة-، وهو اسم قرية ببخارى نسب إليها الإمام المذكور أبو بكر.
لأنه لا يعبر بها مع النص بخلافه. هذا جواب عما يقوله الإمام أبو بكر المذكور ويتعلق بقوله ودون السرة إلى منبت الشعر عورة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن لا اعتبار بالعادة مع وجود النص بخلافها، وفي بعض النسخ؛ لأنها أي لأن العادة م: (لا معتبر بها مع النص بخلافه) ش: والمعتبر -بضم الميم-، مصدر ميمي بمعنى الاعتبار.

(12/141)


وقد روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «الركبة من العورة» ، وأبدى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سرته فقبلها أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال لجرهد: «وار فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقد روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «الركبة من العورة» ش: هذا جواب على قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودليل على كون الركبة عورة، ولكن الحديث غريب لم يثبت عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنما روي من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند الدارقطني وفيه ضعيف أيضا وقد تقدم في شروط الصلاة.
م: (وأبدى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سرته فقبلها أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا بقوله جواب عما يقوله أبو عصمة والشافعي والحديث أخرجه أحمد في "مسنده "، وابن حبان في "صحيحه "، والبيهقي في "سننه " عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنت أمشي مع الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في بعض طرق المدينة فلقينا أبو هريرة فقال للحسن. اكشف لي عن بطنك -جعلت فداك- حتى أقبل حيث رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبله. قال: وكشف عن بطنه فقبل سرته ولو كانت من العورة ما كشفها، انتهى.
وكذا رواه ابن أبي شيبة في "مسنده " وفي " معجم الطبراني " خلاف هذا، حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم عن أبي عون عن عمير بن إسحاق: أن أبا هريرة لقي الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فقال له: ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل، فرفع عن بطنه ووضع يده على سرته.
م: «وقال لجرهد: وار فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة» ش: هذا جواب عن قول أهل الظاهر. والحديث أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الحمام" من طريق مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي النظر عن زرعة «عن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد من أصحاب الصفة أنه قال: جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندنا وفخذي منكشفة فقال: "أما علمت أن الفخذ عورة» . وأخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الاستئذان". عن سفيان، عن أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجرهد في المسجد، وقد انكشف فخذه فقال: "إن الفخذ عورة» وقال: حديث حسن وما أرى إسناده بمتصل.

(12/142)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم أخرجه عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أبي الزناد قال: «أخبرنا ابن جرهد عن أبيه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غط فخذك فإنها من العورة» . وقال أيضا: حديث حسن، ثم أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد الأسلمي عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفخذ عورة» وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وبسند أبي داود رواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه "، وزرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي وثقه النسائي وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم، ورواه الدارقطني في "سننه في آخر الطهارة " من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، وحدثني آل جرهد عن مجاهد. ورواه الحاكم في " المستدرك "في كتاب "اللباس " عن سفيان عن سالم بن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد فذكره وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال ابن القطان في "كتابه ": وحديث جرهد له علتان: إحداهما: الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به وذلك أنهم يختلفون فيه، فمنهم من يقول: زرعة بن عبد الرحمن، ومنهم من يقول: زرعة بن عبد الله، ومنهم من يقول: زرعة بن مسلم، ثم من هؤلاء من يقول: عن أبيه، عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من يقول: عن أبيه عن جرهد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من يقول: زرعة عن آل جرهد عن جرهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علة فإنما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة، فحينئذ لا يضره اختلاف الثقة فيه إلى مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو واصل وقاطع. وأما إذا كان الذي اضطرب عليه الحديث غير ثقة أو غير معروف فالاضطراب يوهنه أو يزيده وهنا وهذه حال هذا الخبر.
والعلة الثانية: أن زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري الرواية، انتهى. قلت: قال البيهقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه أسانيد صحيحة. وقال الذهبي في "مختصره " لا تصل إلى الصحة بل هي صالحة الحجر بانضمام بعضها إلى بعض. فإن قلت: قد قال القاضي علاء الدين في " الجواهر ": النفي في حديث جرهد ثلاث علل، أحدها: أن في سنده اضطراب وقد بينه ابن القطان، والثانية: أن زرعة مجهول الحال، والثالثة: أن الترمذي أخرجه ثم قال ما أرى إسناده متصل.
قلت: الجواب ما قاله الذهبي الذي ذكرناه الآن على أن في هذا الباب أحاديث أخرى.

(12/143)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منها: ما أخرجه أبو داود عن حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب عن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» .
وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث فيه نكارة، وأخرجه ابن ماجه في "الجنائز" عن زوج ابن عبادة، عن ابن جريج، عن حبيب به.
وقال الشيخ في " الإمام ": ورواية أبي داود تقتضي أن ابن جريج لم يسمعه من حبيب وأن بينهما رجلا مجهولا، انتهى.
ورواه الحاكم في "مستدركه في اللباس" وسكت عنه، ورواه الدارقطني في "سننه " في آخر الصلاة، وفيه: أخبرني حبيب بن أبي ثابت. وقال ابن القطان في "كتابه ": وقد ضعف أبو حاتم هذا الحديث في "علله".
وقال: إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب ولا حبيب من عاصم، وعاصم وثقة العجلي وابن المديني وابن معين. وقال النسائي: ليس به بأس وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان -رحمهما الله.
ومنها: ما أخرجه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إسرائيل، عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفخذ عورة» . وقال: حديث حسن غريب.
وأخرجه الحاكم في " المستدرك " ولفظه: قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجل فرأى فخذه مكشوفة فقال: "غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته» . وسكت عنه.
وقال ابن القطان في "كتابه ": وأبو يحيى القتات اختلف في اسمه فقيل: زاذان، وقيل: دينار، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: غير ذلك، ضعفه شريك، ويحيى في رواية، ووثقه في رواية أخرى وقال: أحمد روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا. وقال النسائي: ليس

(12/144)


ولأن الركبة ملتقى عظم الفخذ والساق، فاجتمع المحرم والمبيح، وفي مثله يغلب المحرم، وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، وفي الفخذ أخف منه في السوءة،
حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق، وكاشف الفخذ يعنف عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالقوي، وقال ابن حبان: فحش خطؤه وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات.
ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، والبيهقي في "سننه " والطبراني في "معجمه ".
ومنها: ما أخرجه أحمد في "مسنده ": حدثنا هشيم، حدثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن بن أبي كثير مولى محمد بن عبد الرحمن بن جحش «عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمر على معمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو جالس على باب داره وفخذه مكشوفة فقال: "يا معمر غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة» وهذا مسند صالح، ورواه الطبراني في "معجمه " في ست طرق دائرة على العلاء، ورواه الطحاوي، وصححه، ورواه الحاكم في "المستدرك " في "الفضائل" وسكت عنه. ورواه البخاري في "تاريخه الكبير ".
فإن قلت: يخالف هذه كلها ما رواه البخاري في "صحيحه "، عن عبد العزيز بن صهيب، «عن أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فجرى نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زقاق خيبر ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» .
قلت: المراد من الحسر الانحسار بغير اختياره لضرورة الجري، والدليل على صحة ذلك ما رواه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلفظ: فانحسر الإزار. وقال النووي في "الخلاصة ": وهذه الرواية تبين رواية البخاري، أن المراد بالحسر الانحسار بغير اختياره كضرورة الجري، مثل ما قلنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
م: (ولأن الركبة ملتقى عظم الفخذ والساق، فاجتمع المحرم والمبيح) ش: هذا دليل على أن الركبة عورة، أراد بالمحرم: عظم الفخذ، وبالمبيح: عظم الساق. م: (وفي مثله) ش: أي في مثل اجتماع المحرم والمبيح م: (يغلب المحرم) ش: احتياطا في أمور الدين م: (وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، وفي الفخذ أخف منه في السوءة) ش: أراد بها العورة الغليظة وهي الفرجان.

م: (حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق) ش: وبين لوجود المعنيين وهما دليل الإباحة ودليل الحظر، م: (وكاشف الفخذ يعنف عليه) ش: أي إن كاشف الفخذ يغلظ عليه في الإنكار،

(12/145)


وكاشف السوءة يؤدب إن لج.
وما يباح النظر إليه للرجل من الرجل يباح المس؛ لأنهما فيما ليس بعورة سواء.
: ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمنت الشهوة
. لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة كالثياب والدواب، وفي كتاب الخنثى من "الأصل ": أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بمنزلة نظر الرجل إلى محارمه؛ لأن النظر إلى خلاف الجنس أغلظ، فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا يضرب إن ألج؛ لوجود الاختلاف، م: (وكاشف السوءة يؤدب إن لج) ش: أي وإن كاشف العورة الغليظة يؤدب بضرب إن علمه ولم يسمع؛ لأن حرمتها يجمع عليه.

[ما يباح النظر إليه للرجل من الرجل]
م: (وما يباح النظر إليه للرجل من الرجل يباح المس) ش: يعني إذا كان المس بغير شهوة. وبه صرح في " التحفة " م: (لأنهما فيما ليس بعورة سواء) ش: أي لأن النظر والمس فيه سواء فلما يجوز النظر إليه يجوز مسه بغير شهوة. وفي " المجتبى ": اختلف في غمز الرجل فخذ الرجل فوق الإزار قيل: يجوز إذا كان الإزار كشفا، وبه أخذ الحلواني والاحتياط تركه. ومس ما تحت الإزار على ما اعتاد الجهلة في الحمام حرام ولو نظر إلى عورة غيره وهي غير بادية لم يأثم.

[ما تنظر إليه المرأة من الرجل الرجل]
م: (قال: ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمنت الشهوة) ش: أي قال القدوري في "مختصره ": يعني يجوز للمرأة الحرة الأجنبية أن تنظر إلى ما ينظر الرجل إليه منه أي من الرجل، والضمير في إليه يرجع إلى ما في قوله: ما ينظر الرجل، وقيد بقوله: إذا أمنت الشهوة؛ لأنها إذا لم تأمن لم يجز لها النظر إليه.
وفي " فتاوى الولوالجي ": أما إذا نظرت إلى الرجل فوقعت في قلبها شهوة أو كان ذلك أكب رأيها أو شكت في ذلك فالمستحب أن تغض بصرها منه. وفي الرجل إذا نظر إلى المرأة فوقع في قلبه شهوة، أو كان ذلك أكبر رأيه، أو شك يحرم عليه النظر، ويجيء الفرق بينهما عن قريب إن شاء الله سبحانه وتعالى.

[نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي]
م: (لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة) ش: وهذا التعليل خلاف ما ذكر الولوالجي، ويجيء الآن وجه ما ذكره م: (كالثياب والدواب) ش: أي كنظرها إلى الثياب والدواب ونحو ما ليس بعورة، فإن الرجل والمرأة في ذلك متساويان.
م: (وفي كتاب الخنثى من " الأصل ") ش: أي " المبسوط " م: (أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بمنزلة نظر الرجل إلى محارمه) ش: يعني لا ينظر إلى ظهره وبطنه م: (لأن النظر إلى خلاف الجنس أغلظ) ش: ألا ترى أنه لا يحل للمرأة غسل الرجل الأجنبي بعد موته ويحل للرجل ذلك. م: (فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك) ش: أي في الاشتهاء والشك

(12/146)


يستحب لها أن تغض بصرها. ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة لم ينظر، وهذا إشارة إلى التحريم، ووجه الفرق أن الشهوة عليه غالبة، وهو كالمتحقق اعتبارا. فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين، ولا كذلك إذا اشتهت المرأة؛ لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا، فكانت من جانب واحد، والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق من جانب واحد.
قال: وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استواء الطرفين م: (يستحب لها أن تغض بصرها. ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة) ش: أي كان في قلبه شهوة أو كان في أكبر رأيه أنه يشتهي أو شك في الاشتهاء م: (لم ينظر) ش: يعني لا يجوز له النظر إليها. م: (وهذا) ش: وفي بعض النسخ: وهذه، أشار به إلى قوله: لم ينظر م: (إشارة إلى التحريم) ش: أي تحريم نظره إليها في هذه الصورة بخلاف المرأة.
م: (ووجه الفرق) ش: أي بين الرجل والمرأة حيث كان النظر إلى الرجل مراما وغض بصرها مستحب هو م: (أن الشهوة عليهن غالبة وهو كالمتحقق اعتبارا) ش: أي الغالب المتحقق من حيث الاعتبار.
م: (فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين) ش: أي من جانب الرجل وجانب المرأة، أما من جانب الرجل فحقيقة لوجودها، وأما من جانب المرأة فكالمتحقق باعتبار الغلبة فيقتضي ذلك إلى زيادة القبح.
م: (ولا كذلك إذا اشتهت المرأة) ش: يعني ليس الأمر كما ذكر إذا وجدت الشهوة من المرأة حقيقة م: (لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا) ش: أما حقيقة فظاهر وأما اعتبارا فلعدم غلبة الشهوة فيه م: (فكانت) ش: أي الشهوة م: (من جانب واحد) ش: فلا يؤدي إلى زيادة قبح.
م: (والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق من جانب واحد) ش: فكذلك قالوا لها الاستحسان في جانب المرأة وبالحرمة في جانب الرجل.

[نظر المرأة من المرأة]
م: (قال: وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا، والغالب كالمتحقق في شرح "الكافي "، وكرهه بعض الناس وقال: إنه لا ضرورة إليه.
قلنا: المراد تحتاج إلى دخول الحمام وأن تعمل في نفسها والنساء يدخلن عليها فلو لم يجز ذلك لأدى إلى تضييق الأمر على الناس فقلنا بالجواز كما في نظر الرجل إلى الرجل.

(12/147)


لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه، بخلاف نظرها إلى الرجل؛ لأن الرجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف للاشتغال بالأعمال، والأول أصح.
قال: وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها، وهذا إطلاق في النظر إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في الحمام فصار كغسلها بها بعد موتها، وعن بعض الناس يمنعن عن الدخول في الحمام؛ لأنه - «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الدخول في الحمامات بمئزر وغير مئزر» .
قلنا: العرف ظاهر في جميع البلدان بناء الحمامات للنساء، وحاجتهن للدخول فوق حاجة الرجال على الخصوص في أيام البرد، فإن الرجل متمكن من الاغتسال في الحياض والأنهار، والمرأة لا. ولأن المقصود من الدخول تحصل الزينة والمرأة إليها أحوج كذا في " المبسوط ".
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه) ش: يعني لا تنظر المرأة إلى المرأة إلى ظهرها وبطنها أيضا بخلاف نظرها إلى الرجل أي بخلاف نظر المرأة إلى المرأة إلى ظهرها وبطنها أيضا (بخلاف نظرها إلى الرجل) ش: أي بخلاف نظر المرأة إلى الرجل حيث جاز نظرها إلى ظهر الرجل وبطنه م: (لأن الرجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف للاشتغال بالأعمال والأول أصح) ش: وهو جواز نظر المرأة إلى ظهر المرأة وبطنها لئلا يضيق الأمر على الناس.

[نظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته]
م: (قال: وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها) ش: أي قال القدوري م: (وهذا إطلاق في النظر) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطلاق في نظر الرجل م: (إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة) ش: واستدل الأترازي في ذلك بما رواه البخاري في "صحيحه " بإسناده إلى عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: كنت أغتسل أنا والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد من قدح يقال له الفرق» . والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا، فلو لم يجز النظر لم يتجردا في مكان واحد.
قلت: لا يتم الاستدلال بهذا؛ لأنه لا يلزم أن يكون اغتسالهما مقابل بجوار أن يكونا

(12/148)


والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك» . ولأن ما فوق ذلك من المسيس والغشيان مباح، فالنظر أولى إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع، ولا يتجردان تجرد العير» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
متعاقبين ولكن في ساعة واحدة، ولئن سلمنا فلا يدل ذلك على أن كلا منهما كان ينظر إلى فرج الآخر، وكيف وقد روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أنها قالت: قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ير مني ولم أر منه» .
وقيد بقوله: من أمته التي تحل له، احترازا عن الأمة المجوسية والأمة التي هي أخته من الرضاعة؛ لأن حكمهما في النظر كأم الغير.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في وجه ستر العورة حال الخلوة: واجب كمنا يجب على أعين الناس م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز نظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها.
م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة: أبو داود في "الحمام"، والترمذي في "الاستئذان"، والنسائي في "عشرة النساء ":، وابن ماجه في "النكاح"، «عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ومعاوية بن حيدة قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال: قلت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرأيت لو كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحي من الناس» . قال الترمذي: حديث حسن. ورواه الحاكم في "المستدرك في اللباس" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
م: (ولأن ما فوق ذلك من المسيس والغشيان مباح، فالنظر أولى) ش: هذا دليل معقول، أي ولأن ما فوق النظر من الجماع والغشيان مباح، فالنظر الذي هو أدنى منه أولى أن يكون مباحا.
م: (إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير» ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

(12/149)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأول: عتبة بن عبد السلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أخرج حديثه ابن ماجه في "النكاح"، حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي عن الوليد بن قاسم الهمداني، عن الأحوص بن حكيم، عن أبيه وراشد بن سعد وعبد الأعلى بن عدي، عن عتبة بن عبد الله السلمي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العير» .
رواه الطبراني في "معجمه " حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا بشر بن عمارة، عن الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن عامر عن عتبة بن عبد.
الثاني: عبد الله بن سرجس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه النسائي في "عشرة النساء"، عن صدقة بن عبد الله السمين عن زهير بن محمد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أتى أحدكم أهله فليلق على عجزه وعجزها شيئا ولا يتجردان تجرد العيرين» . وقال: حديث منكر، وصدقه ضعيف.
ورواه ابن عدي في "الكامل " عن زهير بن محمد، عن ابن جريج، عن عاصم الأحول به، وأعله عبد الحق في "أحكامه" بصدقة وقال: إنه ليس بالقوي، وأعله ابن القطان بعده بزهير وقال: إنه ضعيف. ورواه الطبراني في "معجمه "، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا محمد بن عباد الهنائي، حدثنا عباد بن كثير عن عاصم الأحول به.
الثالث: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه ابن أبي شيبة والبزار في "مسنديهما"، وابن عدي والعقيلي في "كتابيهما"، والطبراني في "معجمه " عن مندل بن علي، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعا بلفظ النسائي، وقال البزار: لا نعلم رواه عن الأعمش هكذا إلا مندل بن علي فأخطأ فيه، وذكر شريك أنه كان عند الأعمش وعنده عاصم ومندل فحدث به عاصم عن أبي قلابة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه في النكاح"، حدثنا الثوري عن عاصم به كذلك، وأعله

(12/150)


ولأن ذلك يورث النسيان لورود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن عدي بمندل، وأسند تضعيفه عن ابن معين والسعدي والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال ابن أبي حاتم في "علله ": قال: أبو زرعة: أخطأ فيه مندل ونقل العقيلي عن الأعمش أنه كذب فيه مندل بن علي، وقال: أنا أخبرت به عن عاصم عن أبي قلابة، انتهى.
قلت: رواه الطبراني في "معجمه "، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا باللفظ المذكور سواء.
الرابع: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج الطبراني في "معجمه الأوسط "، حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زحر عن ابن المسيب، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر؛ فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت وبقي الشيطان، فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب» . ورواه البزار في"مسنده "، حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا سعيد بن أبي مريم، وقال: إسناده ليس بالقوي ولا نعلمه يروى عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بهذا الإسناد.
الخامس: أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عفير بن معدان، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحد أهله فليستترا ولا يتجردان تجرد العيرين» .
قوله: العير - بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مهملة -وهو الحمار الوحشي، وخص بذكره؛ لأن في الأهلي نوع ستر من الألعاب والشعر، وقيل: هو الأهلي أيضا، وهذا كما ترى وقع في رواية بعضهم بلفظ الواحد، وفي رواية البعض بلفظ التثنية.
م: (ولأن ذلك يورث النسيان) ش: أي ولأن النظر إلى الفرج يورث النسيان م: (لورود

(12/151)


الأثر وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: "الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأثر) ش: وهو ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: "من أكثر النظر إلى عورته عوقب بالنسيان " هكذا ذكر في كتبنا، ولم أر من ذكره من أرباب النقل. وقد ورد حديثان ضعيفان: بأنه يورث العمى هكذا أخرجه، أحدهم [أخرجه] ابن عدي في " الكامل "، وابن حبان في كتاب " الضعفاء " عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جامع أحدكم زوجته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى» وجعلاه من منكرات بقية.
ومن طريق ابن عدي رواه ابن الجوزي في " الموضوعات "، وقال: قال ابن حبان: كان بقية يروي عن كذابين وثقات ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج، ثم دلس عنه فالتزق به وهذا موضوع.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث موضوع وبقية كان يدلس.
والحديث الآخر رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أبي الفتح الأزدي: ثنا زكريا بن يحيى المقدسي، حدثنا إبراهيم بن محمد الفريابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري، عن جعفر بن كدام، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس» . ثم قال: قال الأزدي: إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ساقط.
م: (وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: "الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة ") ش: هذا لم يثبت عن ابن عمر أصلا لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سألت أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليهما فما ترى بذلك بأسا. قال: "إني لأرجو أن يعظم الأجر". كذا في " الذخيرة " وفي جميع التفاريق. قال أبو بكر الرازي: لا بأس بوطء المنكوحة بمعاينة الأمة دون العكس، ولا بأس بالوطء ومعه قوم نيام إذا ظن أنهم لا يعلمون. وفي " القيمة ": كره محمد

(12/152)


قال: وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وفخذها، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الآية، والمراد والله أعلم مواضع الزينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجمع بين المرأتين والأمتين في فراش واحد ويطأ إحداهما بمرأى الأخرى. وقال أبو يوسف: لا بأس به.

[نظر الرجل من ذوات محارمه]
م: (قال: وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الكرخي في "مختصره ": قال محمد بن الحسن: لا بأس بأن ينظر الرجل من أمه وأخته البالغة ومن كل ذات رحم محرم منه، ومن كل محرم من رضاع أو نكاح أو وطء، وكذلك ما حرم بوطء ابنه وأبيه أو نكاح ابنه وإن لم يكن بينهما رحم إلى شعرها، وإلى صدرها، وإلى ثديها، وعضدها، وساقها، وقدمها.
ولا ينبغي أن ينظر إلى بطنها، ولا إلى ظهرها، ولا إلى ما بين سرتها حتى يجاوز الركبة، وإن كان ينظر إلى شيء من ذلك بشهوة فليس له أن ينظر إلى ذلك، وكذلك إن كان أكبر رأيه أنه إن نظر اشتهى. فينبغي له أن يغض بصره، وإن أمن على نفسه فلا بأس.
ولا بأس أن يسافر بها ويكون محرما لها، أو تسافر معه لا محرم غيره، فإن خاف على نفسه لا يسافر معها ولا يخلو بها، ولا ينبغي لها إن خافت ذلك منه أن تخلو معه في بيت، ولا تسافر معه فإذا أمنا ذلك، أو كان غلبة أكبر رأيهما فلا بأس بالخلوة معها والسفر بها. وكل شيء من هذا الذي وصفت لك مما لا بأس بالنظر إليه من أمته أو من ذات محرم، فلا بأس من مسه منها، ولا بأس أن يمس شعر رأسها ويقبله ويدهنه، ويمس ساقها ورجلها، أو يغمز ذلك منها، ويمس صدرها وثديها وعضدها ووجهها وذراعها وكفها.
ويكره أن يمس ما كرهنا النظر إليه إذا كان مجردا وإن كانت غير مجردة واحتاج إلى حملها والنزول بها، فلا بأس أن يحملها وينزلها، ويأخذ بطنها وظهرها، وإن كان يخاف أن يشتهي أن يمس شيئا من ذلك أو كان غلبة أكبر رأيه يتحسب ذلك ويجهده، انتهى.
م: (ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وفخذها) ش: وكذا لا يجوز مسها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "القديم" يجوز مسها. وبقولنا قال القاضي حسين من أصحابه حيث قال: ولا يجوز أن يمس ذات الرحم وإن لم يكن عورة في حقه.
م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز ما جاز وعدم جواز ما لم يجز. م: (قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الآية والمراد والله أعلم مواضع الزينة) ش: ذكر الحال وأراد المحل مبالغة في النهي عن الإبداء؛ لأن الإبداء كان منفصلا إذا كان منهيا عنه فإبداء المتصل أولى م:

(12/153)


وهي ما ذكرنا في الكتاب،
ويدخل في ذلك الساعد والأذن والعنق والقدم؛ لأن كل ذلك مواضع الزينة، بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست مواضع الزينة ولأن البعض يدخل على البعض من غير استئذان، واحتشام، والمرأة في بيتها في ثياب مهنتها عادة، فلو حرم النظر إلى هذه المواضع أدى إلى الحرج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وهي ما ذكرنا في الكتاب) ش: أي مواضع الزينة هي التي ذكره القدوري من الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين.

م: (ويدخل في ذلك) ش: أي في مواضع الزينة م: (الساعد والأذن والعنق والقدم؛ لأن كل ذلك مواضع الزينة) ش: أما الرأس فلأنه موضع التاج والإكليل، والشعر موضع العقاص، والعنق موضع القلادة، والصدر كذلك، والأذن موضع القرط، والعضد موضع الدملج، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم والخضاب، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب.
فإن قلت: ينبغي أن ينظر إلى ظهرها؛ لأنه موضع القراميل، كما في هذه المواضع.
قلت: القراميل فوق اللباس عادة، ولا يجوز النظر إلى ثوبها الواقع على بطنها وظهرها للأجنبي فضلا عن المحارم م: (بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست مواضع الزينة) ش: الظاهرة ولا الباطنة، ولأنه لا ضرورة في النظر إلى ذلك.
ثم اعلم أن معنى قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] أي لا يظهر مواضع زينتهن الظاهرة والباطنة إلا لأزواجهن. والبعولة جمع بعل وهو الزوج أو آباؤهن ويدخل في الأجداد وآباء بعولتهن وقد صاروا محارم، أو أبنائهن، ويدخل فيهم النوازل أو أبناء بعولتهن فقد صاروا محارم أيضا، أو إخوانهن، أو بني أخواتهن، ويدخل فيهن نوازل الإخوة والأخوات أيضا، وإذا ثبت في هؤلاء المحارم ثبت في سائر المحارم من الأعمام والإخوان، وفي المحارم بالرضاع؛ لأن ذكر بعضهم تنبيه على سائرهم كذا في " التيسير ".
م: (ولأن البعض يدخل على البعض) ش: أي ولأن بعض المحارم يدخل بعضهم على بعض م: (من غير استئذان واحتشام، والمرأة في بيتها) ش: أي والحال أن المرأة قاعدة في بيتها م: (في ثياب مهنتها عادة) ش: أي في ثياب خدمتها وخلقانها، والمهنة بكسر الميم وفتحها، وعن الأصمعي: لا يجوز إلا الفتح.
م: (فلو حرم النظر إلى هذه المواضع أدى إلى الحرج) ش: لأن ثياب المهنة لا تستر لجميع بدنها لأنها في أعمال بيتها فيها، ففي تحريم النظر إليها حرج ومشقة عظيمة.

(12/154)


وكذا الرغبة تقل للحرمة المؤبدة، فقلما تشتهى بخلاف ما وراءها؛ لأنها لا تنكشف عادة، والمحرم من لا تجوز المناكحة بينه وبينها على التأبيد بنسب كان أو بسبب كالرضاع والمصاهرة لوجود المعنيين فيه. وسواء كانت المصاهرة بنكاح أو سفاح في الأصح لما بينا.
قال: ولا بأس بأن يمس ما جاز أن ينظر إليه منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا الرغبة تقل) ش: ما تشتهى بل ينعدم أصلا بالكلية عند أرباب الدين والطبع السليم م: (للحرمة المؤبدة، فقلما تشتهى) ش: فلا يحرم م: (بخلاف ما وراءها) ش: أي ما وراء المواضع المذكورة م: (لأنها لا تنكشف عادة) ش: فلا يكون في منع النظر إليها حرجا م: (والمحرم من لا تجوز المناكحة بينه وبينها) ش: أي بين الرجل والمرأة م: (على التأبيد بنسب كان أو بسبب كالرضاع والمصاهرة لوجود المعنيين فيه) ش: أي في المحرم، وأراد بالمعنيين الحرج، وقلة الرغبة.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يقطع من إذا سرق من بيت أمه من الرضاع بجواز الدخول من غير احتشام واستئذان فوقع نقصان في الحرز.
قلت: لا يقطع عند البعض، وأما جواز الدخول من غير احتشام واستئذان فممنوع، ذكر خواهر زاده أن المحارم من جهة الرضاع لا يكون لهم الدخول من غير استئذان ولهذا يقطعون بسرقة بعضهم من بعض.
م: (وسواء كانت المصاهرة بنكاح أو سفاح) ش: أي زنا م: (في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشائخ فإنهم قالوا: إذا كانت حرمة المصاهرة بالزنا لا يحل النظر والمس؛ لأن ثبوت الحرمة بطريق العقوبة على الزاني لا بطريق النعمة.
والأصح: أنه لا بأس بذلك لأنه حرمة على التأبيد م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لوجود المعنيين؛ لأن بالمصاهرة ثبت المحرمية كيف ما كانت وبالمحرمية تعلل الرغبة، فلو حرم النظر لأدى إلى الحرج.

[يمس الموضع الذي يجوز له النظر إلى ذلك الموضع من ذوات المحارم]
م: (قال: ولا بأس بأن يمس ما جاز له أن ينظر إليه منها) ش: أي قال القدوري، أي لا بأس للرجل أن يمس الموضع الذي يجوز له النظر إلى ذلك الموضع من ذوات المحارم. وبه قالت الثلاثة. وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي: لا يجوز مسها، وإن لم تكن عورة في حقه لما فيه من خوف الفتنة.
ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل رأس فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ويقول: "أجد منها ريح الجنة"، وكان إذا قدم من سفر بدأ بها فعانقها، وقبل رأسها» . وعن الحسن بن علي -

(12/155)


لتحقق الحاجة إلى ذلك في المسافرة وقلة الشهوة للمحرمية، بخلاف وجه الأجنبية وكفيها حيث لا يباح المس، وإن أبيح النظر؛ لأن الشهوة متكاملة إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه كان يقبل رأس أمه.
وعن محمد ابن الحنيفة: أنه كان يمشط شعر أمه. وفي " شرح الكافي ": وعن محمد بن المنكدر أنه قال: بت أغمز رجل أمي، وبات أخي يصلي، وما أحب أن تكون ليلتي بليلته.
م: (لتحقق الحاجة إلى ذلك في المسافرة) ش: أي المس في المسافرة؛ لأنه يحتاج إلى إركابها وإنزالها وخدمتها. وتخصيص المسافرة باعتبار الغلبة، وإلا في الحضر أيضا، وربما تتحقق الحاجة.
م: (وقلة الشهوة للمحرمية) ش: أي ولتحقق قلة الشهوة لأجل تحقق المحرمية م: (بخلاف وجه الأجنبية وكفيها حيث لا يباح المس، وإن أبيح النظر؛ لأن الشهوة متكاملة) ش: فلو جوز المس أدى إلى الفساد م: (إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس) ش: هذا استثنى من قوله: وينظر الرجل من ذوات محارمه. إلخ.
وقال صاحب " العناية ": هذا استثناء من قوله: ولا بأس وفيه نظر؛ لأنه إذا كان استثناء من هذا يلزم أن لا يجوز المس عند الخوف، ولكن يجوز النظر، وليس كذلك، بل عند الخوف لا يجوز كلاهما، كما صرح المصنف بقوله: فحينئذ لا ينظر ولا يمس إذا كان الاستثناء على ما ذكرنا، يجوز نظر الرجل من ذوات محارمه إلى كذا، وكذا إلا إذا خاف لا ينظر، فإذا انتفى النظر عند الخوف فالمس بطريق الأولى، وذلك حذرا عن الوقوع في الفساد.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم في "كتاب القدر" عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يهوى ويتمنى،

(12/156)


وحرمة الزنا بذوات المحارم أغلظ فيجتنب، ولا بأس بالخلوة والمسافرة بهن لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها، أو ذو رحم محرم منها» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» .
وأخرج البخاري، ومسلم فيه، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم: مما قال أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» .

[الزنا بذوات المحارم]
م: (وحرمة الزنا بذوات المحارم أغلظ فيجتنب) ش: أي النظر والمس عند الخوف لأنه ربما يوقعه في الزنا، والزنا بالمحرم أغلظ من الزنا بالأجنبية.
م: (ولا بأس بالخلوة والمسافر بهن) ش: أي بذوات محارمه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها، أو ذو رحم محرم منها» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن قزعة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها» وفي لفظ له: ثلاثا.
ورواه البخاري بلفظ: يومين، وأخرجا عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا: «لا تسافر المرأة فوق ثلاث» . وفي لفظ للبخاري: «ثلاثة أيام» وأخرجا عن أبي سعيد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها» . وفي لفظ لمسلم: «مسيرة ليلة» وفي لفظ: " يوم"، وفي لفظ لأبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «بريدا» وهي عند ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في " المستدرك "، وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال المنذري في " مختصر السنن ": في هذه الروايات تباين.
وقد أخرج الطحاوي هذه الروايات كلها في " شرح معاني الآثار " ثم قال: وفي توقيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالثلاث دليل على ما حل دون الثلاث بخلافها، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقد اتفقت الآثار على مسافرتها بلا محرم مسيرة مدة ثلاثة أيام ولياليها. واختلفت فيما دونها، والأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه. انتهى.
قلت: أشار بذلك إلى اختلاف العلماء في هذا الباب حيث قال بعضهم: لا يجوز لها السفر قريبا، أو بعيدا إلا بذي رحم، واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى أبي سعيد مولى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يقول: قال ابن عباس -

(12/157)


وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل، فإن ثالثهما الشيطان» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس فقال: «لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو رحم، ولا يدخل عليها إلا ومعها ذو رحم محرم» .
وقال بعضهم: كل سفر دون البريد، واحتجوا بلفظ أبي داود الذي ذكرناه. وقال بعضهم: كل سفر دون اليوم فلها أن تسافر بلا محرم، وكل سفر يوما فصاعدا ليس لها أن تسافر إلا بمحرم، واحتجوا بلفظ لمسلم مسيرة يوم كما ذكرناه.
وقال بعضهم: كل سفر يكون دون ليلتين فلها أن تسافر بغير محرم. واحتجوا بلفظ البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "يومين" الذي ذكرناه، واحتج أصحابنا بلفظ "الثلاث" كما ذكرناه.
وكلمة: "فوق" في قوله: "فوق ثلاث" صلة، إذ حرمة المسافرة ثابتة في الثلاث أيضا فصار كقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] . م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل، فإن ثالثهما الشيطان» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وليس في حديث واحد منهم: "ليس منها بسبيل": منهم عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أخرج حديثه الترمذي في "أوائل الفتن"، والنسائي في "عشرة النساء"، عن عبد الله بن عمر: «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خطب بالجابية، وقال: "يا أيها الناس قمت فيكم، كما قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل، ولا يستحلف، يستشهد الشاهد ولا يشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرج ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه في كتاب العلم"، وسكت عنه. وأعاده عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، وقال: صحيح الإسناد.
ومنهم جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن حبان في "صحيحه " عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما» مختصر.

(12/158)


والمراد إذ لم يكن محرما، فإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال، فلا بأس بأن يمسها من وراء ثيابها، ويأخذ ظهرها وبطنها، دون ما تحتهما إذا أمنا الشهوة، فإن خافها على نفسه أو عليها تيقنا أو ظنا أو شكا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنهم عامر بن ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه مرفوعا نحوه.
ومنهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه الأوسط "، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعا بنحوه. وقال: تفرد به حجاج بن محمد.
ومنهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه مسلم، وهو معنى حديث الكتاب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحها أو ذا محرم» .
م: (والمراد إذا لم يكن محرما) ش: أي المراد من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخلون رجل بامرأة» إذا لم يكن الرجل محرما.
م: (فإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال فلا بأس أن يمسها من وراء ثيابها) ش: أي فإن احتاجت المرأة في السفر إلى من يركبها على الدابة وينزلها عنها فلا بأس لمحرمها بأن يمس من خارج ثوبها.
م: (ويأخذ ظهرها وبطنها دون ما تحتهما) ش: إلى الركبة حيث لا يجوز مسه فوق الثياب؛ لأن الإباحة للضرورة، وهي ترتفع بمس الظهر والبطن لأن ما تحت السرة عورة في حق جميع الناس، بخلاف الظهر والبطن فإنهما ليسا بعورة في حق النساء، والضرورة ترتفع بالأدنى، فلا يثبت الإباحة في الإعلاء الحرمتين، كذا في " الذخيرة ".
وقيد بقوله: م: (إذا أمنا الشهوة) ش: لأنها إذا لم يأمنا لا يأخذ ظهرها وبطنها م: (فإن خافها على نفسه أو عليها) ش: أي فإن خاف المحرم الشهوة على نفسه، أو على نفس المرأة م: (تيقنا أو ظنا أو شكا) ش: أي من حيث اليقين، أو من حيث الظن، أو من حيث الشك، وأشار بهذا إلى أن الكل سواء عند الخوف، واليقين هو الأمر الجازم، والظن الطرف الراجح، والشك هو استواء الطرفين، والطرف المرجوح هو الوهم.

(12/159)


فليتجنب ذلك بجهده. ثم إن أمكنها الركوب بنفسها يمتنع عن ذلك أصلا، وإن لم يمكنها يتكلف بالثياب كيلا تصيبه حرارة عضوها. وإن لم يجد الثياب يدفع الشهوة عن قلبه بقدر الإمكان.
قال: وينظر الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز له أن ينظر إليه من ذوات محارمه؛ لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم أضيافه، وهي في ثياب مهنتها فصار حالها خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة داخلة في حق محارم الأقارب. وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فليتجنب ذلك بجهده) ش: أي فحينئذ فليمتنع من المس بقدر جهده وطاقته تحرزا عن الوقوع في الفتنة.
م: (ثم إن أمكنها الركوب بنفسها يمتنع عن ذلك أصلا) ش: أي إن أمكن المرأة الركوب على الدابة بنفسها يمنع الرجل المحرم عن مسها بالكلية.
م: (وإن لم يمكنها بالثياب كيلا تصيبه حرارة عضوها) ش: أي إن لم يكن في مقدور المرأة الركوب بنفسها، يتكلف المحرم في مسها بالثياب حتى لا يصيبه شيء من حرارة جسمها م: (وإن لم يجد الثياب يدفع الشهوة عن قلبه بقدر الإمكان) ش: أي وإن لم يجد المحرم الثياب ليمتنع بها وصول شيء من حرارة عضوها، يركبها ويتدبر أمرها، ولكن بدفع الشهوة عن قلبه مهما أمكن للضرورة.

[نظر الرجل من مملوكة غيره]
م: (قال: وينظر الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز له أن ينظر إليه من ذوات محارمه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": وما يجوز أن ينظر منه إلى محارمه وهو الوجه، والرأس، والصدر، والساقان، والعضدان كما مر.
م: (لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم أضيافه، وهي في ثياب مهنتها) ش: أي خدمتها، وهي الثياب الخلقة التي تلبس لأجل الخدمة. م: (فصار حالها خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة داخله) ش: أي فصار حال الأمة خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة الحرة داخل البيت م: (في حق محارم الأقارب) ش: حيث يجوز للمحارم والأقارب أن ينظروا إلى المواضع المذكورة من المرأة.
م: (وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر) ش: وروى أبو عبيد القاسم بن سلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمعناه: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -رأى جارية مكمكمة، فسأل عنها، فقالوا: أمة آل فلان، فضربها بالدرة، وقال: يا لكع، أتتشبهين بالحرائر.

(12/160)


ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها خلافا لما يقوله محمد بن مقاتل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه يباح إلا ما دون السرة إلى الركبة؛ لأنه لا ضرورة كما في المحارم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج البيهقي عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد حدثته قالت: خرجت امرأة مختمرة متجلببة، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: من هذه المرأة؟ فقيل: جارية لفلان، لرجل من بيته، فأرسل إلى حفصة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، فقال لها: ما حملك على أن تخمري هذه الأمة، وتجلببيها، حتى هممت أن أقع بها، لا أحسبها إلا من المحصنات؟ لا تشبهوا الإماء بالمحصنات.
وقال الذهبي في "مختصره ": سنده قوي.
قوله: متقنعة: أي متلففة في مقنعة.
قوله: علاها بالدرة: أي ضرب على رأسها بالدرة. والخمار: بكسر الخاء المعجمة: ما تخمر به المرأة رأسها أي تعصبها، قوله: يا دفار بفتح الدال المهملة، يعني: يا منبتة من الدفر وهو النتن، وهو على وزن فعال مبني على الكسر.
قوله: مختمرة: أي لابسة الخمار. متجلببة: أي لابسة الجلباب.
قوله: مكمكمة: أي متقنعة متلففة في ثيابها لا يبدو منها شيء، وذلك من شأن الحرائر. قوله: لكنا، بمعنى لكاع بمعنى تسمية.
وقال أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي هذا الحديث من الفقه: أنه رأى أن تخرج الأمة بلا قناع، فإذا برزت الناس كذلك فينبغي أن تكون في الصلاة بلا قناع. ولهذا قال إبراهيم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صلاة الأمة: تصلي كما تخرج إلى الأسواق، ويدل عليه أيضا ما روي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مر بجارية تباع فضرب في صدرها ذراعها، وقال: اشتروا.
وكذا في المس ضرورة؛ لأن في أمة امرأة الرجل يحتاج إلى أن تخدم زوج مولاتها وتغمز رجله، وكذا أمة الابن يحتاج إلى أن تخدم المولى فمست الضرورة إلا الإباحة.

[النظر إلى ظهر الأمة الأجنبية]
م: (ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها) ش: أي إلى ظهر الأمة الأجنبية وبطنها م: (خلافا لما يقوله محمد بن مقاتل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح إلا ما دون السرة إلى الركبة) ش: أراد أن حكمها في النظر كحكم الرجل عند محمد بن مقاتل الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وبه قال الشافعي في ظاهر مذهبه، لما روينا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أنه قال في حديث طويل: ومن أراد أن يشتري جارية فلينظر إليها إلا موضع الإزار، ولتعامل أهل الحرمين. ولنا ما ذكره بقوله: م: (لأنه لا ضرورة كما في المحارم) ش: أي لا ضرورة في النظر

(12/161)


بل أولى لقلة الشهوة فيهن وكذلك في الإماء ولفظة المملوكة تنتظم المدبرة والمكاتبة وأم الولد لتحقق الحاجة، والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف. وأما الخلوة بها والمسافر معها، فقد قيل: يباح كما في المحارم، وقد قيل: لا يباح لعدم الضرورة. وفي الإركاب والإنزال اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل الضرورة فيهن، وفي ذوات المحارم مجرد الحاجة.
قال: ولا بأس بأن يمس ذلك إذا أراد الشراء وإن خاف أن يشتهي كذا ذكره في " المختصر ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى الظهر، والبطن من الأمة كما لا ضرورة في المحارم م: (بل أولى) ش: أي في الأمة م: (لقلة الشهوة فيهن، وكذلك في الإماء) ش: أي لقلة الشهوة في المحارم، وكمال الشهوة في الإماء.
م: (ولفظة المملوكة) ش: أي في عبارة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: وينظر الرجل من مملوكة غيره م: (تنتظم المدبرة والمكاتبة وأم الولد لتحقق الحاجة) ش: فيهن كما في القنة. ولا خلاف لأحد في المدبرة. وعن ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن أم الولد مثل الحرة حتى تصل منفعة. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويحكى عن أحمد مثله.
م: (والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن عنده الإعتاق يتحرى وعندهما حرة وعليها دين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما عرف) ش: في كتاب الإعتاق.
م: (وأما الخلوة بها) ش: أي بأمة الغير م: (والمسافرة معها فقد قيل: يباح كما في المحارم) ش: أي كما يباح في المحارم ولكن إذا أمن عليه وعليها م: (وقد قيل: لا يباح لعدم الضرورة) ش: أي للأجنبي في السفر معها م: (وفي الإركاب والإنزال اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل الضرورة فيهن) ش: يعني إذا لم تقدر الأمة الأجنبية على الركوب إلا بمشقة وضرر يلحقها فحينئذ يركبا الأجنبي وينزل بها، وهو معنى قوله: اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل أي في " المبسوط ": الضرورة فيهن أي في الإماء.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد الضرورة التي لا مدفع بها.
م: (وفي ذوات المحارم مجرد الحاجة) ش: أي اعتبر محمد في ذوات المحارم مجرد الحاجة يعني بمجرد حاجتها إلى الركوب والنزول سواء كان في ركوب نفسها ونزولها ضرورة أو لا.

[مس الأمة إذا أراد شراءها]
م: (قال: ولا بأس بأن يمس ذلك إذا أراد الشراء وإن خاف أن يشتهي) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا بأس للأجنبي أن يمس المواضع التي يجوز النظر إليها إذا أراد شراءها وإن خاف على نفسه الشهوة م: (كذا ذكره في " المختصر ") ش: أي كذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في

(12/162)


وأطلق أيضا في " الجامع الصغير " ولم يفصل. قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يباح النظر في هذه الحالة وإن اشتهى للضرورة، ولا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك؛ لأنه نوع استمتاع، وفي غير حالة الشراء يباح النظر والمس بشرط عدم الشهوة.
: وإذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد، ومعناه: بلغت وهذا موافق لم بينا أن الظهر والبطن منها عورة. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها إذا كانت تشتهى ويجامع مثلها فهي كالبالغة لا تعرض في إزار واحد لوجود الاشتهاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"مختصره " م: (وأطلق أيضا في " الجامع الصغير " ولم يفصل) ش: يعني بين الاشتهاء وعدمه؛ لأنه قال في " الأصل الجامع ": عن محمد عن يعقوب، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يريد شراء جارية فلا بأس بأن يمس ساقها، وصدرها، وذراعها، وينظر إلى ذلك كله مكشوفا، انتهى. فدل على جواز من يريد الشراء بالاشتهاء؛ لأن إطلاق اللفظ يشمل ذلك.
م: (قال مشايخنا: يباح النظر في هذه الحالة) ش: أي حالة الشراء م: (وإن اشتهى للضرورة، ولا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك) ش: أي الاشتهاء م: (لأنه نوع استمتاع) ش: أي لأن المس نوع استمتاع؛ لأن المس بشهوة جماع معنى، والجماع حقيقة حرام، وإن أراد الشراء فكذا الجماع معنى. م: (وفي غير حالة الشراء يباح النظر والمس بشرط عدم الشهوة) ش: فإذا كانت بشهوة لا يباح شيء من ذلك. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الجامع الصغير ": وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد: أنه يكره للشاب مس شيء من ذلك؛ لأن النظر كفاية، ولم ير أبو حنيفة بأسا لضرورة العلم ينسر بها.

م: (قال: وإذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". م: (ومعناه: بلغت) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا حاضت: بلغت، وذلك لأن الحيض رديف البلوغ، فأراد به المردوف كناية.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا من باب إطلاق السبب على المسبب؛ لأن غالب بلوغهن بالحيض.
وقوله: لم تعرض في إزار واحد، يعني تؤمر بلبس القميص لأن ظهرها وبطنها عورة. والمراد بالإزار ما يستر به من السرة إلى الركبة.
م: (وهذا) ش: أي عدم جواز عرضها في إزار واحد م: (موافق لما بينا أن الظهر والبطن منها عورة) ش: أي من الأمة.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها إذا كانت تشتهى ويجامع مثلها فهي كالبالغة لا تعرض في إزار واحد لوجود الاشتهاء) ش: فيه بهذا على أنها إذا كانت لا تشتهى ولا يجامع مثلها، فلا

(12/163)


قال: والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الخصاء مثلة فلا يبيح ما كان حراما قبله؛ ولأنه فحل يجامع، وكذا المجبوب؛ لأنه يساحق وينزل،
وكذا المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فحل فاسق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بأس بعرضها في إزار واحد لعدم الاشتهاء.

[نظر الخصي إلى الأجنبية]
م: (قال: والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والخصي، منزوع الخصيتين، من خصاه إذا نزع خصيته. قال: خصيت الفحل خصاء ممدودا: إذا سللت خصيته.
م: (لقوله عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الخصاء مثلة) ش: هاهنا إيرادان على المصنف: الأول: إن هذا لم يثبت عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه "، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فقال: حدثنا أسباط بن محمد، ابن فضل عن مطرف، عن رجل، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: خصاء البهائم مثلة ثم تلا: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] . وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه "، عن مجاهد وعن شهر بن حوشب: "الخصاء مثلة ". ذكره في "كتاب الحج".
الثاني: أن هذا لا يدل على مدعاكم، فإن كون الخصاء مثلة لا يدل على أن نظر الخصي إلى الأجنبية كالفحل؛ لأنه فحل وشهوته موجودة، فصار كغير الخصي في الحالتين. قوله الخصاء: على وزن فعال بكسر الخاء من خصاه وأخصى بزيادة الهمزة خصاء قوله بضم الميم.
م: (فلا يبيح ما كان حراما قبله) ش: أي فلا يبيح الخصاء ما كان حراما قبله، يعني أن الحرام موجود في الحالتين.
م: (ولأنه فحل يجامع) ش: أي ولأن الخصي فحل يجامع حتى قيل أشد الجماع جماع الخصي؛ لأن آلته لا تفتر.

[نظر المجبوب إلى الأجنبية] 1
م: (وكذا المجبوب) ش: وهو مقطوع الذكر والخصيتين، من جبه إذا قطعه، أي كذا المجبوب في النظر إلى الأجنبية كالفحل م: (لأنه يساحق وينزل) ش: أي المني من الإنزال، وبهذا لو جاءت امرأته بولد ثبت نسبه منه، فصار هو والفحل بمنزلة واحدة.
وإن كان مجبوبا قد جف ماؤه فقد رخص بعض مشائخنا الاختلاط بالنساء لوقوع الأمن من الفتنة. وقد قال سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] قيل: هو المجبوب الذي جف ماؤه، والأصح: أنه لا يحل لعموم النصوص.

[نظر المخنث إلى الأجنبية]
م: (وكذا المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فحل فاسق) ش: أراد به المخنث الذي يمكن

(12/164)


والحاصل: أنه يؤخذ فيه بحكم كتاب الله المنزل فيه، والطفل الصغير مستثنى بالنص.
وقال: لا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غيره من نفسه، وقيد به؛ لأن المخنث الذي في أعضائه لين، وفي لسانه تكسر، ولا يشتهي النساء أصلا وبه عنانة. فإنه قد رخص بعض مشائخنا في ترك مثله مع الفساد وهو أحد تأويل قوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] ، وقيل المراد: الأبله الذي لا يدري ما يصنع بالنساء، إنما همه بطنه، والأصح أنه في المثابة.
م: (والحاصل: أنه يؤخذ فيه بحكم كتاب الله تعالى) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وهذا محكم، وقوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] متشابه فيؤخذ بالحكم دون المشابهة. ويدل على صحة هذا ما روي في " صحيح البخاري " وغيره مسند إلى هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها «أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: دخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعندي مخنث، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخلن هؤلاء عليكم» .
قال أبو عبيدة في " غريب الحديث ": قوله: «تقبل بأربع وتدبر بثمان» ، يعني أربع عكن في بطنها، فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع، وذلك لأنها محيط بالجانبين حتى لحقت بالردفين من مؤخرها، من هذا الجانب أربع أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها، فهذه ثمان.
والعكن - بضم العين وفتح الكاف-: جمع عكنة وهي الطي الذي يكون في البطن من السمن.
وفي " صحيح البخاري " عن ابن جريج - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن اسم المخنث بهيت وقيل: اسمه نافع.
فإن قلت: ما كان وجه دخوله على أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قلت: كان عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير أولي الإربة من الرجال، لقوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] وبهذا كان تركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدخل على نسائه. فلما وصف الذي وصف من المرأة، علم أنه ليس من أولئك وأمر بإخراجه ونهى عن دخوله. م: (المنزل فيه، والطفل الصغير مستثنى بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] .

[نظر العبد إلى سيدته]
م: (وقال: لا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها) ش:

(12/165)


وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو كالمحرم، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] . ولأن الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استئذان. ولنا: أنه فحل غير محرم ولا زوج، والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة والحاجة قاصرة؛ لأنه يعمل خارج البيت، والمراد بالنص الإماء. قال سعيد والحسن وغيرهما: "لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي قال القدوري: والضمير في إليه يرجع إلى ما في قوله ما يجوز: والذي في "منها" إلى السيدة، وفي بعض النسخ "النظر منه إليها" أي من الأجنبي إلى المرأة.
م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو كالمحرم، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي العبد كالمحرم من سيدته، وفي بعض النسخ كالمحارم م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ش: لأن كلمة ما عامة، تتناول الذكور والإناث فيحل لهن إبداء مواضع زينتهن إلى مماليكهن.
م: (ولأن الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استئذان) ش: أي لدخول العبد على سيدته، وهي كاشفة شعرها، وقدمها، ونحو ذلك: فلو لم يجز النظر أدى إلى الحرج.
م: (ولنا: أنه فحل غير محرم ولا زوج، والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة) ش: يعني حرمة نكاحها عليه ليست للتأبيد، والذي يؤثر في التحريم في محل النظر ما كان على التأبيد، ولم يوجد، فحرم الخلوة معها، والنظر إلى مواضع زينتها، أنهما داعيان إلى الفساد ولتحقق الشهوة في العبد ومولاته.
م: (والحاجة قاصرة؛ لأنه يعمل خارج البيت) ش: هذا جواب عن قوله: ولأن الحاجة تتحقق، وتقديره أن العبد يخدم ظاهر البيت لا داخل البيت عادة وعرفا، فلم تمس الحاجة إليه.
م: (والمراد بالنص الإماء) ش: هذا جواب عن استدلال مالك والشافعي رحمهما الله: أنه أي المراد من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] إلا ما دون الغلمان.
م: (قال سعيد والحسن وغيرهما: لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور) ش: أما قول سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه في كتاب النكاح" وقال: حدثنا أبو أسامة، حدثنا يونس عن ابن أبي إسحاق عن طارق، عن سعيد بن المسيب قال: لا تغرنكم الآية {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] إنما عني به الإماء ولم يعن به العبيد.
وأما قول الحسن البصري - فأخرجه أيضا بمعناه وقال: حدثنا عبد الأعلى عن هشام، عن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كره أن يدخل المملوك على مولاته بغير إذنه.
قوله: وغيرهما، أي غير أبي سعيد والحسن مثل الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو عامر بن

(12/166)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرحبيل، فقد أخرج الطحاوي في " شرح الآثار ": حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا مغيرة عن الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويونس عن الحسن: أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته.
ونقل نجم الدين النسفي في "تفسيره "، عن سمرة بن جندب، مثل قول سعيد. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا فيه نظر؛ لأنه لو كان صحيحا - وسمرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنقل عنه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لشدة سفر في "الأخبار والآثار"
قلت: هذا نظر عليه غشاوة لأن عدم نقل الطحاوي لا يدل على عدم صحة ما روي عن سمرة، ولا شدة سفره يستلزم وقوفه على جميع الأخبار، وقال السفناقي: أطلق السعيد ولم يقيده بالنسبة يتناول السعيد بن أبي سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومعه على ذلك الكاكي وصاحب " العناية ". وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر؛ لأنه يلزم حينئذ أن يكون للمشترك عموم في موضع الإثبات وهو فاسد.
قلت: نظره وارد، ولكن تعليله غير مستقيم، أما وروده فلأنه لم يستعمل أحد من السلف لفظ سعيد من غير تشبه، وإرادته سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير. وأما تعليله غير مستقيم، فإنه ادعى فيه لزوم عموم المشترك، ولا نسلم الاشتراك هاهنا؛ لأن الاشتراك ما وقع لمعنى، وهنا شيء آخر نزل كلام السغناقي، وهو أن قول سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا.
وأما قول سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب، لم ينقله أحد لا بسند صحيح، ولا بسند ضعيف، فكيف يذكر المصنف سعيدا دون نسبة ويريد به السعيد؟. والحق هنا أن يقال: أما أن النساخ أسقطوا ابن المسيب، واستمرت النسخ على سعيد بغير نسبة، أو مصطلح على ذلك، حيث ذكر سعيدا على الإطلاق، وأراد به سعيد بن المسيب، كما قال المحدثون وغيرهم: قال: " عبد الله " من غير نسبة، ويريدون به عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن كان يتناول غيره بحسب الظاهر.
وكذلك يقولون: قال ابن عمر، ونحو ذلك، ويريدون به عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، مع أن عمرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - له أولاد غير عبد الله، فافهم ذلك.
فإن قلت: نظر الإماء إلى نسائهن استفيد من قوله سبحانه وتعالى في تلك الآية: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] ، فلو حملت هذه الآية على الإماء لزم التكرار.

(12/167)


قال: ويعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وقال لمولى أمة: «اعزل عنها إن شئت»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقلت: دعوى التكرار غير مسلم، فإن المراد من قوله: أو نسائهن الحرائر المسلمات التي في صحبتهن؛ لأنه ليس لمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية، كذا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
فإن قلت: لو لم يكن مراده من قوله: أو نسائهن، وجب أن لا يكون مراده من قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] أيضا؛ لأن البيان بالحكم إنما يكون في موضع الإشكال ولا يشكل لأحد أن للأمة أن تنظر إلى سيدتها كالأجنبيات، والمالك إن لم يرد توسعة فلا أقل أن لا يزيد تضييقا.
قلت: الموضع موضع الإشكال؛ لأن حالة الأمة يقرب من حالة الرجال حتى تسافر من غير محرم، فكان يشكل أنه يباح لها التكشف بين يدي أمتها، ولم يزل هذا الإشكال بقوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر دون الإماء.

[العزل عن الأمة بغير إذنها]
م: (قال: ويعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها) ش: أي قال القدوري م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه في النكاح"، عن إسحاق بن عيسى عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها» . ورواه أحمد في "مسنده "، والدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما"، قال الدارقطني: تفرد به إسحاق الطباع عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرز بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمر، قال: ووهم فيه أيضا خالفه عبد الله بن وهب فرواه عن ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ووهم فيه أيضا. والصواب عن حمزة عن عمر ليس فيه عن أبيه، وقال الذهبي في "مختصره ": الحديث ضعيف.
م: (وقال لمولى أمة: «اعزل عنها إن شئت» ش: أي: وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا الحديث أخرجه مسلم في "النكاح"، عن أبي الزبير عن جابر. قال: «جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن لي جارية أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها". فلبث الرجل. ثم أتاه فقال: "إن الجارية قد حملت، قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها» . وأخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا.
فالحديث دل على أن له أن يعزل بلا إذن الأمة لأنه فوض المشيئة إلى المولى.

(12/168)


ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة، وتحصيلا للولد ولهذا تخير في الجب والعنة، ولا حق للأمة في الوطء، فلهذا لا ينقص حق الحرة بغير إذنها ويستبد به المولى، ولو كانت تحته أمة غيره، فقد ذكرناها في النكاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة، وتحصيلا للولد) ش: يعني في المرأة الأولى بطريق الوجوب، وفي الثانية بطريق الاستحباب والديانة، والعزل يحل بلذة الجماع إليهما م: (ولهذا) ش: أي كون الوطء حقها لأجل قضاء الشهوة وتحصيل الولد م: (تخير) ش: أي المرأة م: (في الجب والعنة) ش: يعني فيما إذا وجدت زوجها مجبوبا أو عنينا م: (ولا حق للأمة في الوطء فلهذا) ش: أي فلأجل الوطء حق الحرة، ولا حق للأمة م: (لا ينقص) ش: أي الزوج م: (حق الحرة) ش: يعني في الوطء بأن يعزل عنها م: (بغير إذنها) ش: أي بغير إذن الحرة. م: (ويستبد به المولى) ش: أي يستقل بالعزل المولى.
م: (ولو كانت تحته أمة غيره فقد ذكرناها في النكاح) ش: هل يعزل بإذن مولاها أم لا؟ وقد ذكرناه هناك مستوفى فلا فائدة في إعادته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(12/169)