البناية شرح الهداية

فصل في الاستبراء وغيره قال: ومن اشترى جارية فإنه لا يقربها، ولا يلمسها، ولا يقبلها، ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سبايا أوطاس: «ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الاستبراء وغيره]
[تعريف الاستبراء]
م: (فصل في الاستبراء وغيره) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الاستبراء: وهو طلب براءة الرحم عن الحمل، وأراد بغيره مسألة المعانقة، والمصافحة، والقبلة. وأخر فصل الاستبراء لأنه احترز عن وطء مقيد فالمقيد بمنزلة المركب، والمركب مؤخر عن المفرد.
وفي فتاوى " قاضي خان ": اختلف فيمن أنكر وجوب الاستبراء، هل يكفر. قيل: لأنه أنكر إجماع المسلمين. وقال عامة المشائخ: لا يكفر لأن ظاهر قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] يقتضي إباحة الوطء مطلقا. وعرف وجوب الاستبراء بالخبر فلا يكفر جاحده.
م: (قال: ومن اشترى جارية فإنه لا يقربها، ولا يلمسها، ولا يقبلها، ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها) ش: أي قال في " الجامع الصغير "
قوله: لا يقربها أي لا يطأها. ولا يمسها من اللمس باليد من باب نصر، وضرب، وقوله: بشهوة يرجع إلى أصل المجموع. م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب الاستبراء م: «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سبايا أوطاس: "ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "النكاح"، عن شريك، عن قيس بن وهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ورفعه أنه «قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» .
رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأعله ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشريك، وقال: إنه مدلس، وهو ممن ساء حفظه بالقضاء، وعن الحاكم: رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السنن "، وفي " المعرفة ".
وروى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، «عن حنش الصنعاني: أن رويفع ابن ثابت الأنصاري قام فينا خطيبا فقال: أما إني ما أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(12/170)


أفاد وجوب الاستبراء على المولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقول يوم حنين: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى- ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم» .
حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية عن بن إسحاق بهذا الحديث، وقال: «حتى يستبرئها بحيضة» ، وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [الحيضة] ليست بمحفوظة، ورواه ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه ".
وأخرج ابن أبي شيبة في"مصنفه " حدثنا حفص عن حجاج، عن عبد الله بن زيد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع أو الحائل حتى تستبرأ بحيضة» .
وأخرج الدارقطني في "سننه "، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن مسلم الجنهدر، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض» .
قوله: في سبايا أوطاس، السبايا جمع سبية، وهي الجارية التي تسبى، وأوطاس: اسم موضع على ثلاث مراحل من مكة، ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة مشهورة وهي غزوة حنين، وكلمة إلا للسبية.
والحبالى جمع حبلى، والأصل في الجمع كسر اللام؛ لأن كل جمع ثالثه ألف يتكرر الحرف الذي بعدها، نحو مساجد وجوامع، ومن ثم أبدلوا من الياء المنقلبة من ألف التأنيث ألفا. وقالوا: حبالى بالفتح ليفرقوا بين الألفين، كما قلنا في الصحاري.
قوله: ولا الحيالى بالياء آخر الحروف بعد الحامل جمع حايل وهي التي لا حمل بها جاء على خلاف القياس للأزواج الحبالى، والقياس حوايل كما فعلوا ذلك في الغدايا والعشايا، والقياس الغدوات.
قوله: حتى يستبرأ، أن الهمز لا غير من استبراء الجارية، وهو طلب براءة رحمها.
م: (أفاد وجوب الاستبراء على المولى) ش: لأن النهي عن الوطء مع الملك المطلق يدل على

(12/171)


ودل على السبب في المسبية، وهو استحداث الملك واليد؛ لأنه هو الموجود في مورد النص، وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط، والأنساب عن الاشتباه، وذلك عند حقيقة الشغل، أو توهم الشغل بماء محترم، وهو أن يكون الولد ثابت النسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجوب الاستبراء، أو لأنه لو لم يجب لما منع المالك عن استيفاء حقه، والنفي أبلغ من النهي، أو لأن حل الوطء بقي إلى غاية وجود الاستبراء فكان الحل موقوفا على وجوده م: (ودل على السبب في المسبية) ش: أي ودل الحديث أيضا على سبب وجوب الاستبراء في الجارية المسبية.
م: (وهو استحداث الملك واليد) ش: أي المسبب هو استحداث الملك واليد م: (لأنه هو الموجود في مورد النص) ش: وهو قوله: لا توطأ الحبالى، ليس إلا استحداث الملك، واليد فيكون هو السبب. م: (وهذا) ش: أي وجوب الاستبراء كون استحداث الملك سببا م: (لأن الحكمة فيه) ش: أي في وجوب الاستبراء م: (التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط) ش: بغيرها م: (والأنساب) ش: أي وصيانة الأنساب، م: (عن الاشتباه) ش: أي عن استيهانها، ولا يجوز أن يكون الحكمة موجبة؛ لأنها متعقبة، والعلة سابقة فحينئذ تعلق الحكم شرعا بالسبب الظاهر، وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فيدار الحكم عليه فتستبرأ.
وذكر البزدوي في "مبسوطه ": إن علة وجوب الاستبراء إرادة الوطء فإنه متى أراد الوطء لا يحل إلا في محل فارغ يجب أن يعرف براءة الرحم حتى لا يصير ساقيا ماءه زرع غيره، وفيه حكمة صيانة الولد عن إرادة الوطء لا يوقف عليها حقيقة، فيضاف الحكم إلى التمكن من الوطء، فأقيم التمكن منه مقام إرادة الوطء، وذلك إنما يتحقق بالملك والقبض، ولهذا لا يخبر بالحقيقة قبل القبض من الاستبراء لما إنه لم يوجد علة.
م: (وذلك) ش: إشارة إلى شرط وجوب الاستبراء م: (عند حقيقة الشغل) ش: بفتح الشين بأن يكون حاملا م: (أو توهم الشغل بماء محترم وهو) ش: أي توهم الشغل بماء محترم م: (أن يكون الولد ثابت النسب) ش: احترز به عن الزنا، ولمعنى أن يمكن إثبات نسبه من الغير لتقدم ملك الغير في المحل، فمن استحدث ملك الوطء بملك اليمين من قبل الغير بأي سبب استحداث، وتمكن منه حقيقة بالقبض وجب عند ذلك وجوب الاستبراء، وشرطه فيجب عليه الاستبراء، لا يقال: الموجب كونها مبيتة إضافة، والإضافات لا مدخل لها في العلة؛ لأنه لو اعتبر ذلك انسد باب القياس، وأنه مفتوح بالنصوص فلم يبق هاهنا إلا كونها مملوكة رقبة ويدا، وهو المؤثر كما ذكر في الكتاب، وإنما قيده بماء محترم، وإن كان الحكم في غير المحترم كذلك. فإن الجارية إذا كانت حاملا من الزنا لا يحل وطئها؛ لأنه أخرج الكلام مخرج أوضاع الشرع؛ لأنه وضع لا يكون إلا في الحلال.

(12/172)


ويجب على المشتري لا على البائع؛ لأن العلة الحقيقية إرادة الوطء، والمشتري هو الذي يريده دون البائع، فيجب عليه غير أن الإرادة أمر مبطن فيدار الحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا كما قلنا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها» الحديث، والحكم في الترك عامدا كذلك. إلا أن الظاهر لما كان من حال المسلم أن لا تفوت منه الصلاة إلا بالنسيان فذكره، هكذا كذلك هاهنا.
وعلم من كلامه وجوب الاستبراء، وسببه، وعلته، وحكمته، أما الوجوب: ففيها الحديث المذكور، وأما سببه: فاستحداث الملك، واليد، وأما علته: فإرادة الوطء، وأما حكمته: فالتعريف عن براءة الرحم، ولكن لما كانت الإرادة خفية أقيم دليلها الظاهر وهو التمكن عن الوطء بالملك، واليد قائما مقامها تيسرا فجعل استحداث الملك، واليد علة كما في السفر مع المشقة، ثم تعدى الحكم إلى سائر باب ملك اليمين، ملك حتى وجب عليه الاستبراء بأي سبب ملك سواء كان شراء أو هبة أو وصية، أو ميراثا أو خلعا، أو كتابة، وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرم الوطء حرم دواعيه أيضا من اللمس والقبلة والنظر إلى الفرج بشهوة.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": روي عن أبي مطيع: أنه كان لا يرى بالقبلة، والملامسة بأسا، وذلك لأن القربان إنما لا يجوز لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وليس في القبلة والملامسة هذا المعنى، قلنا: قياسا على الطهارة، وكما في غير الملك لأنها تفضي إليه، وسبب الحرام حرام.
وقال فخر الإسلام: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يحل الدواعي لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك؛ لأن المالك الأول لا يملك الدعوى، وإنما حرم الوطء بمعنى السقي زرع غيره، وهذا لا يوجد في الدواعي.

[على من يجب الاستبراء]
م: (ويجب على المشتري لا على البائع) ش: أي يجب الاستبراء على المشتري دون البائع، وبه قالت الثلاثة، وقال النخعي، والثوري، والحسن البصري، وابن سيرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجب على البائع دون المشتري؛ لأنه الصيانة كما تجب على المشتري تجب على البائع.
وقال الليثي: هذا صيانة عن ماء البائع فيجب عليه. ولنا ما أشار إليه بقوله: م: (لأن العلة الحقيقة إرادة الوطء) ش: لأن الشارع نهى عن الوطء، والنهي إنما يستقيم عند تمكن الوطء، وتمكن للمشتري لأنه هو المتملك لا البائع، وهو معنى قوله: م: (والمشتري هو الذي يريده) ش: الوطء لتمكنه منه م: (دون البائع فيجب عليه) ش: أي على المشتري م: (غير أن الإرادة أمر مبطن) ش: أي خفي على ما ذكرنا؛ لأن بعض الناس يريد الوطء، وبعضهم لا يريده م: (فيدار الحكم

(12/173)


على دليلها، وهو التمكن من الوطء، والتمكن إنما يثبت بالملك واليد فانتصب سببا وأدير الحكم عليه تيسيرا، فكان السبب استحداث ملك الرقبة المؤكد باليد وتعدي الحكم إلى سائر أسباب الملك، كالشراء والهبة والوصية والميراث والخلع والكتابة وغير ذلك، وكذا يجب على المشتري من مال الصبي، ومن المرأة، ومن المملوك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على دليلها) ش: أي على دليل الإرادة م: (وهو التمكن من الوطء، والتمكن إنما يثبت بالملك واليد فانتصب سببا) ش: أي انتصب التمكن سبب في الوطء لوجوب الاستبراء.
م: (وأدير الحكم عليه) ش: أي على التمكن من الوطء م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير.
فإن قلت: الإرادة ليست بأمر مبطن، ولهذا جعلت إرادة الصلاة سببا لوجوب الطهارة.
قلت: لأن إرادة الصلاة متحققة كفرضية الصلاة، ولا كذلك إرادة الوطء.
م: (فكان السبب استحداث ملك الرقبة المؤكد باليد) ش: أي إذا كان ذلك سبب وجوب الاستبراء استحداث سبب ملك يمين الرقبة الذي تأكده باليد م: (وتعدى الحكم إلى سائر أسباب الملك كالشراء) ش: بأن اشترى أمة م: (والهبة) ش: بأن وهب له رجل أمة م: (والوصية) ش: بأن أوصى له رجل بأمة فقبضها بعد موته م: (والميراث) ش: بأن مات مورثه فورث منه أمة م: (والخلع) ش: بأن خالع امرأة على أمة فقبضها م: (والكتابة) ش: بأن كاتب عبده على جارية فإنه لا يحل للزوج والمولى وطء الجارية قبل الاستبراء م: (وغير ذلك) ش: بأن تصدق عليه بجارية فإنه لا يطأها حتى يستبرئها، أو أجر داره إلى سنته وجعل الأجرة جارية وقبضها، فإنه لا يحل له الوطء إلا بعد الاستبراء، أو دفع إليه الجاني جارية عوض أرش الجناية. فكذلك لا يحل له الوطء إلا بعد الاستبراء.
م: (وكذا يجب على المشتري من مال الصبي) ش: يعني إذا باع أب الصبي، أو وصية جارية الصبي، فإنه يجب على المشتري الاستبراء م: (ومن المرأة) ش: أي وكذا يجب على المشتري من المرأة م: (ومن المملوك) ش: أي وكذا يجب على المشتري من المملوك بأن يشتري من عبده المأذون، وعليه دين مستغرق.
وفي " المبسوط ": لو اشترى من عبده المأذون الاستبراء عليه، إن كانت قد حاضت بعدما اشتراها. ولا دين عليه؛ لأن المالك ملك رقبتها من وقت الشراء فتكفي تلك الحيضة كما في يد الوكيل. وإن كان على العبد دين محيط برقبته وكسبه فكذلك الجواب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستبرئها استحسانا.
وفي القياس: لا؛ لأن المولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من

(12/174)


وممن لا يحل له وطؤها.
وكذا إذا كانت المشتراة بكرا لم توطأ؛ لتحقق السبب وإدارة الأحكام على الأسباب دون الحكم لبطونها، فيعتبر تحقق السبب عند توهم الشغل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مواضع أخرى يجبر بتلك الحيضة. والعبد لا يثبت له الحل ولا الغرماء في الاستحسان يجب استبراءها؛ لأن المولى قبل الشراء لا يملك رقبتها عنده حتى لو أعتقه لا ينفذ عتقه. وإنما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة.
وفي " شرح الطحاوي ": ولو اشترى من ابنه الصغير وجب عليه الاستبراء م: (وممن لا يحل له وطؤها) ش: أي وكذا لا يجب الاستبراء على المشتري ممن لا يحل له وطؤها، كما لو اشتراها أخوها من الرضاع أو ورثها من أبيه، وأبوه استمتع بها، أو كان البائع مكاتبا أو جاريته وطئ البائع أمها أو باع الابن موطوءة أبيه، والأب موطوءة ابنه، أو كانت مجوسية.
فإن قلت: الموجب ورد في السببية على خلاف القياس لتحقق المطلق كما ذكرتم فهل لا اقتصر عليها؟.
قلت: غيرها في معناه حكما وعلة وسببا فألحق بها دلالة.

[الاستبراء إذا كانت الأمة المشتراة بكرا لم توطأ]
م: (وكذا إذا كانت المشتراة بكرا لم توطأ) ش: أي وكذا يجب الاستبراء إذا كانت الأمة المشتراة بكرا لم توطأ. وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال مالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إن كانت ممن يوطأ مثلها لزمه الاستبراء، وإن كانت ممن لا توطأ مثلها لا يجب الاستبراء. وقال داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت بكرا لا يجب لعدم توهم الشغل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيما إذا تيقن بفراغ رحمها من ماء البائع، لا يجب الاستبراء.
وقال في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال الاستبراء في البكر، م: (لتحقق السبب) ش: وهو استحداث الملك م: (وإدارة الأحكام على الأسباب دون الحكم) ش: -بكسر الحاء وفتح الكاف- جمع حكمة، يعني أن العلة في وجوب الاستبراء استحداث ملك اليمين واليد. والحكمة تعرف ببراءة الرحم، والحكمة تدور على السبب لا على الحكمة م: (لبطونها) ش: أي لبطون الحكم، أراد به حقيقته كما ذكرنا م: (فيعتبر تحقق السبب عهد توهم الشغل) ش: كماء محترم كما ذكرنا.
فإن قلت: كيف يتوهم الشغل في الصور الثلاث؟
قلت: يحتمل أن يكون جارية الصبي أو المرأة موطوءة بشبهة فيثبت النسب من الوطئ، فيثبت توهم الشغل أيضا لهذا الطريق.

(12/175)


وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي اشتراها في أثنائها، ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء أو غيره من أسباب الملك قبل القبض، ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن السبب استحداث الملك واليد، والحكم لا يسبق السبب. وكذا لا يجتزأ بالحاصل قبل الإجازة في بيع الفضولي، وإن كانت في يد المشتري،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي اشتراها في أثنائها) ش: وكذا لا يكتفى بالحيضة التي كانت في حالة البيع، يعني اشتراها وهي حائض فطهرت من تلك الحيضة فلا تجزئها. م: (ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء) ش: أي وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي رأتها بعد الشراء قبل القبض؛ لأن الحكم لا يسبق السبب.
وروي عن أبي يوسف: أنه كان يقول: تجزأ بتلك الحيضة. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (أو غيره من أسباب الملك) ش: مثل الهبة والصدقة، والوصية، والإرث ونحو ذلك.
م: (قبل القبض) ش: قيد للمسألتين جميعا م: (ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض) ش: أي ولا يجزء أيضا بالولادة الحاصلة بعد أسباب الملك مثل البيع والهبة ونحوهما قبل القبض، بأن اشترى أمة، وأن وهبت له، أو تصدق بها عليه، أو ورثها فولدت قبل قبضها، فإنه لا بد من الاستبراء.
م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده تجزأ بتلك الحيضة. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه؛ لأن تباين فراغ رحمها يحصل بتلك الحيضة. ثم الشراح كلهم صرفوا قوله خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قوله: وكذا لا تجزأ تماما الحيضة التي استبرأها في أثنائها مع أن المذكور ثلاث مسائل: الأولى: قوله: وكذا لا تجزأ بالحيضة التي اشتراها. والثانية: قوله: ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء، والثالثة: قوله: ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض. ولكن تعليل تاج الشريعة لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يدل على أن خلافه في الكل، حيث قال: يعني أن عنده لا يجب الاستبراء إذا كان يتيقن فراغ رحمها من ماء البائع لحصول المقصود وهو فراغ الرحم، كما في المطلقة قبل الدخول لا يلزمها العدة، كذا هذا فافهم.
م: (لأن السبب استحداث الملك واليد) ش: وقد وجد هذا جواب الاسبتراء، وفي المسائل الثلاث أي لأن سبب وجوب الاستبراء استحداث الملك واليد وقد وجد م: (والحكم لا يسبق السبب) ش: أراد بالحكم الاستبراء، وبالسبب هو استحداث الملك؛ لأن المعلول لا يسبق العلة على ما عرف م: (وكذا لا يجتزأ بالحاصل قبل الإجازة في بيع الفضولي، وإن كانت في يد المشتري) ش: أي وكذا لا يكتفي بالاستبراء الحاصل قبل إجازة البائع في عقد الفضولي.
وإن كانت الجارية في يد المشتري وصورته: فضولي باع جارية فقبضها المشتري.

(12/176)


ولا بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها شراء صحيحا لما قلنا.
ويجب في جارية للمشتري فيها شقص فاشترى الباقي؛ لأن السبب قد تم الآن، والحكم يضاف إلى تمام العلة، ويجتزأ بالحيضة التي حاضتها بعد القبض وهي مجوسية أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء، ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة؛ لوجودها بعد السبب، وهو استحداث الملك واليد، إذ هو مقتض للحل والحرمة لمانع كما في حالة الحيض، ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحاضت عنده حيضة، ثم أجاز البائع البيع لا يكتفي بتلك الحيضة؛ لأن العلة هي استحداث الملك واليد ولم يوجد قبل الإجازة م: (ولا بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها شراءا صحيحا) ش: لعدم وجود العلة، وحكم الشيء لا يسبق عليه فكان الاستبراء قبل السبب كأن لم يكن م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأن السبب استحداث الملك واليد أو الحكم لا يسبق السبب.

م: (ويجب في جارية للمشتري فيها شقص) ش: أي يجب الاستبراء في جارية للمشتري فيها نصيب م: (فاشترى الباقي) ش: صورته جارية مشتركة بين اثنين أو أكثر فاشترى أحد الشريكين أو الشركاء بقية الجارية يجب عليه الاستبراء م: (لأن السبب قد تم الآن) ش: لأن حدوث الملك الحل مسبب ملك الرقبة وإذا يملك جميع الرقبة؛ لأن تملك بعض الرقبة سبب له بعض العلة.
م: (والحكم يضاف إلى تمام العلة) ش: فإذا ملك جميع الجارية تمت العلة وترتب عليها الحكم وهو وجوب الاستبراء م: (ويجتزأ بالحيضة التي حاضتها بعد القبض وهي مجوسية) ش: أي تكتفي بالحيضة التي رأتها الأمة بعد قبض المشتري والحال أنها مجوسية م: (أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء، ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة) ش: صورته اشترى رجل أمة مجوسية فحاضت عنده في مجوستها حيضة ثم أسلمت أجزأت تلك الحيضة تلك الحيضة من الاستبراء أو اشترى أمة مسلمة فكاتبها قبل أن تستبرأ ثم حاضت في حال كتابتها ثم عجزت عن الكتابة وردت إلى الرق أجزأت تلك الحيضة من الاستبراء.
م: (لوجودها بعد السبب) ش: أي لوجود الحيضة بعد السبب م: (وهو استحداث الملك واليد، إذ هو مقتض للحل والحرمة لمانع) ش: أي الحرمة كانت لمانع وهو التمجس أو الكتابة، وذا لا يمنع الاعتداد بالاستبراء كما لو اشترى أمة محرمة فحاضت من حال إحرامها م: (كما في حالة الحيض) ش: أي كما كانت الحرمة في حالة الحيض لمانع وهو الحيض م: (ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة) ش: أي الجارية الآبقة.
وفي " فتاوى قاضي خان ": هذا إذا أبقت، ولم تخرج من دار الإسلام، فلو دخلت بدار

(12/177)


أو ردت المغصوبة أو المؤاجرة، أو فكت المرهونة لانعدام السبب، وهو استحداث الملك واليد، وهو سبب متعين فأدير الحكم عليه وجودا وعدما، ولها نظائر كثيرة كتبناها في " كفاية المنتهى ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحرب ثم خرجت بغنيمة، أو اشترى، ثم أخذها المولى لا يجب الاستبراء عند أبي حنيفة وعندهما، وبه قالت الثلاثة.
م: (أو ردت المغصوبة) ش: أي الجارية المغصوبة إلى مولاها م: (أو المؤاجرة) ش: أي الجارية المستأجرة - بفتح الجيم- إلى مولاها المؤجر. م: (أو فكت المرهونة) ش: أي الجارية المرهونة م: (لانعدام السبب، وهو استحداث الملك واليد، وهو سبب متعين فأدير الحكم عليه وجودا وعدما) ش: أي من حيث الوجود ومن حيث العدم والمعنى كلما وجد السبب. واستحداث الملك يدار عليه الحكم وهو الاستبراء كلما عدم لما ترتب عليه شيء؛ لأن هذا بيان السبب والمسبب.
م: (ولها نظائر كثيرة كتبناها في " كفاية المنتهى ") ش: أي لهذه المسائل نظائر وأخوات كتبناها في كتابنا الموسوم " بكفاية المنتهى " منها: أن فرج الأمة إذا حرم عليه ولكن لم يخرج من ملكه كما في الحيض والنفاس والردة والكتابة ثم زالت هذه العوارض، حلت له بغير استبراء.
وعند الثلاثة: يجب في الكتابة إذا عجزت وردت إلى الرق، ومنها: إذا باع جارية من رجل ثم تقايلا البيع قبل التسليم فعادت إلى القياس أنه يجب على البائع الاستبراء لوجود العلة. وفي الاستحسان: لا يجب، لأن ملك المشتري لم يكن ثم عليها. وروي عن أبي حنيفة: أنه أخذها بالقياس، ولو تقايلا بعد القبض وجب على البائع الاستبراء قياسا واستحسانا. وكذا في " شرح الطحاوي ".
ومنها: أن الجارية إذا ردت على البائع بخيار رؤية أو عيب، وجب عليه الاستبراء؛ لأن خيار العيب، وخيار الرؤية، لا يمنعان وقوع الملك للمشتري. وأما إذا ردت إلى البائع بخيار الشرط، فإن كان الخيار للبائع، فلا يجب عليه الاستبراء؛ لأنها لم تخرج عن ملكه، ويجب على المشتري بعد إجارة البائع المبيع بعد القبض، وإذا حاضت قبل ذلك تجزأ بتلك الحيضة. وإن كان خيار الشرط للمشتري فسخ، وعادت الجارية إلى ملك البائع، فإن كان الفسخ قبل القبض، لم يجب على البائع بالإجماع، وإن كان بعده. فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجب على البائع.
ومنها: أن البيع إذا كان فاسدا أو فسخ البيع وردت على البائع، فإن كان قبل القبض فلا استبراء على البائع في قولهم، وإذا كان بعده فعلى البائع الاستبراء في قولهم. كذا في " شرح الطحاوي ".
ومنها: إذا أسرها لعدد ثم عادت إليه بعد الإحراز بدار الحرب فعليه الاستبراء، ولو

(12/178)


وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرمة الوطء، حرم الدواعي لإفضائها إليه أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخذت من العبد وقبل الإحراز بدراهم، فردت إلى صاحبها فلا استبراء عليه.
ومنها: إذا اشترى جارية وهي في عدة من زوج، أو عدة وفاة، أو عدة طلاق، وقد بقي من عدتها يوم أو بعض يوم، أو انقضت عدتها بعد قبض المشتري، فلا استبراء عليها. وإن انقضت قبل القبض فلا تحل إلا بالاستبراء.
ومنها: إذا نقل الإمام الجند وقال: من أصاب منكم جارية فهي له، فأصاب واحد من الجند جارية فاستبرأها بحيضة، فأراد أن يطأها في دار الحرب، أو قسم الإمام الغنائم في دار الحرب، فأصاب واحد منهم جارية، فاستبرأ بحيضة وأراد أن يطأها، أو باع الإمام الجارية من الغنيمة من رجل فاستبرأها المشتري بحيضة، وأراد أن يطأها في دار الحرب، قال أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله-: يكره أن يطأها قبل الإحراز بالدار، فإذا أحرزها بالدار، فعليه أن يستبرئها ثم يطأها.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس أن يطأها.
وإذا خل واحد غازيا فغنم جارية واستبرأها بدار الحرب، فليس له وطؤها بالإجماع.
ومنها: إذا تزوج أمة فطلقها قبل الدخول يستبرئها المولى؛ لأن ملك المتعة زائل، وفي رواية لا يستبرئها وهو الصحيح؛ لأن ملك اليمين لم يحدث.
ومنها: أنه لو باع مدبرته وقبضها المشتري ثم ردها لا يستبرئها البائع؛ لأن الملك لم يثبت للمشتري، ولهذا لو أعتقها لا ينفذ إعتاقه، المسألتان في " الشامل ".
ومنها: ذمي اشترى أمة لا يستبرئ؛ لأنه واجب حقا لله - سبحانه وتعالى-، وإنه غير مخاطب، فإن أسلم قبل أن يطأها استبرأها إن لم تكن حائضة استحسانا؛ لأنه صار من أهله وقت الاستبراء فيخاطب به حتى لو وطئها. لم يجب؛ لأن الوقت فات.
ومنها: إذا زنت أمته فلا استبراء عليه، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم سببه، وهو استحداث الملك واليد.
ومنها إذا باع جارية أو أعادها لا يجب الاستبراء لعدم سببه.
م: (وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرمة الوطء، حرم الدواعي) ش: وحرم القبلة واللمس والنظر بشهوة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه م: (لإفضائها إليه) ش: أي لإفضاء الدواعي إلى الوطء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم، وبه قال أكثر الفقهاء م: (أو

(12/179)


لاحتمال وقوعها في غير الملك على اعتبار ظهور الحبل ودعوة البائع، بخلاف الحائض حيث لا تحرم الدواعي فيها؛ لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك؛ ولأنه زمان نفرة، فالإطلاق في الدواعي لا يفضي إلى الوطء والرغبة في المشتراة قبل الدخول أصدق الرغبات فتفضي إليه، ولم يذكر الدواعي في المسبية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تحرم؛ لأنها لا يحتمل وقوعها في غير الملك؛ لأنه لو ظهر بها حبل لا تصح دعوى الحربي، بخلاف المشتراة على ما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لاحتمال وقوعها) ش: أي وقوع الدواعي م: (في غير الملك على اعتبار ظهور الحبل ودعوة البائع) ش: بأن تكون قد حبلت من البائع فتصير أم ولده بدعواه والبيع باطل، فتصير الدواعي في غير ملكه.
م: (بخلاف الحائض حيث لا تحرم الدواعي فيها) ش: أي في الحائض م: (لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك) ش: لا تحتمل الدواعي في غير الملك في الحائض؛ لأنها في ملكه، يعني في ملك المتعة، م: (ولأنه زمان نفرة) ش: الطبيعة لأجل الدم م: (فالإطلاق في الدواعي لا يفضي إلى الوطء) ش: لوجود النفرة م: (والرغبة في المشتراة قبل الدخول أصدق الرغبات) ش: وأقواها؛ لأنها جديدة كما ملكها وفي قلبها منه حركات، فلو أبيح له الدواعي ربما يوقعه في الجماع وهو معنى قوله م: (فتفضي إليه) ش: أي فتفضي الرغبات إلى الوطء م: (ولم يذكر الدواعي في المسبية) ش: يعني لم يذكر الدواعي في ظاهر الرواية في المسبية.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تحرم؛ لأنها لا يحتمل وقوعها في غير الملك؛ لأنه لو ظهر بها حبل لا تصح دعوة الحربي) ش: فلا تقع الدواعي في غير الملك متخل واستشكل حيث تعدى الحكم من الأصل وهي المسبية إلى الفرع وهو غيرها بغير خبث حرمة الدواعي في غير المسبية، ودونها واجبها بأن ذلك باعتبار اقتضاء الدليل المذكور في الكتاب وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن التعدي إن كان بالقياس فالجواب المذكور غير دافع؛ لأن عدم التغير شرط القياس كما عرف في موضعه، وانتفاء الشرط أن يلزم انتفاء المشروط.
والثاني: أن ما دل على حرمة الدواعي في غير المسبية الأمر أن الاقتضاء والوقوع في غير الملك، وإن لم يحرم بالثاني فتحرم بالأول، إذ الحرمة توجد بالاحتياط، ويمكن أن يجاب عنه بأن التعدية هاهنا بطريق الدلالة كما تقدم، ولا يبعد أن يكون اللاحق دلالة حكم الدليل لم يكن ليلحق به لعدم الدليل هاهنا؛ لأن حرمة الدواعي في هذا الباب مجتهد فيه لم يقبل بها الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر الفقهاء، فلما كان علتها في المسبية أمرا واحدا لم يعتبر فلما كان في غيرها أمران تفاضلا اعتبرت.
م: (بخلاف المشتراة على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله: والرغبة في المشتراة أصدق

(12/180)


والاستبراء في الحامل بوضع الحمل لما روينا. وفي ذوات الأشهر بالشهر؛ لأنه أقيم في حقهن مقام الحيض كما في المعتدة، وإذا حاضت في أثنائه بطل الاستبراء بالأيام للقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل كما في المعتدة فإن ارتفع حيضها تركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل وقع عليها، وليس فيه تقدير في ظاهر الرواية. وقيل: يتبين بشهرين أو ثلاثة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعة أشهر وعشرة أيام، وعنه: شهران وخمسة أيام اعتبارا بعدة الحرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرغبات.

[استبراء الحامل]
م: (والاستبراء في الحامل بوضع الحمل لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا الحبالى حتى يضعن» . وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت حاملا تحيض استبراؤها بقرء، وفي القرء قولان عنده، في قوله: ثلاث حيض، وهو الأصح، وفي قول: ثلاثة أطهار، والأصل عنده: أن الحامل تحيض، والعجب منه أن خالف النص الصريح.
م: (وفي ذوات الأشهر بالشهر) ش: أي والاستبراء في ذوات الأشهر بشهر واحد، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: وقال في آخر ثلاثة أشهر م: (لأنه أقيم في حقهن مقام الحيض) ش: لأن الشهر أقيم في حق ذوات الأشهر مقام الحيض م: (كما في المعتدة) ش: أي كما أن الشهر يقوم مقام الحيض في حق المعتدة إذا كانت من ذوات الأشهر.
م: (وإذا حاضت في أثنائه) ش: أي في أثناء الشهر م: (بطل الاستبراء بالأيام للقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل) ش: يبطل حكم الحلف م: (كما في المعتدة) ش: أي كما في المرأة إذا كانت عدتها بالأشهر فرأت الدم في خلالها، يجب عليها الاعتداد بالحيض، فكذا هذا يجب الاستبراء بالحيضة. م: (فإن ارتفع حيضها) ش: فإن صارت ممتدة الطهر م: (تركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل وقع عليها) ش: أي واقعها، أي جامعها.
م: (وليس فيه) ش: أي مقدار الترك م: (تقدير في ظاهر الرواية) ش: لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ -روى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة أنه قال: لا يطأها حتى يعلم أنها غير حامل ولم يقدر ذلك بشيء، وفي " المبسوط ": وهو الأصح؛ لأن ينصب المقادير بالرأي لا تجوز، وفيه نص.
م: (وقيل: يتبين بشهرين أو ثلاثة وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعة أشهر وعشرة أيام) ش: لأنه أقضى ما يقع به الاستبراء بالشهور أربعة، فإذا مضت ولم يظهر الحمل حل الوطء.
م: (وعنه) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (شهران وخمسة أيام اعتبارا بعدة الحرة

(12/181)


والأمة في الوفاة. وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سنتان، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد ذكرنا الوجهين في الشفعة، والمأخوذ قول أبي يوسف فيما إذا علم البائع لم يقربها في طهرها ذلك، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا قربها، والحيلة إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء، ثم يشتريها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأمة في الوفاة) ش: قوله اعتبارا بعدة الحرة يرجع إلى قوله: أربعة أشهر وعشر. وقوله: أو الأمة يرجع إلى قوله: شهران وخمسة أيام بطريق اللف والنشر، وقوله: في الوفاة، يرجع إلى الحرة والأمة جميعا.
وفي " الأسبيجابي ": وفي " فتاوى قاضي خان ": وخمسة أيام بطريق اللف وعليه الفتوى.
م: (وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنتان) ش: لأن الاستبراء يجوز أن يكون خوفا من أن تكون حاملا ولأثر زوال الحمل إلا بأكثر مضي مدته وجب اعتبار ذلك م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الثوري، وعند أبي مطيع البلخي: أنه قدر بتسعة أشهر، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قدر بثلاثة أشهر.

[الحيلة في إسقاط الاستبراء]
م: (قال: ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وقد ذكرنا الوجهين في الشفعة) ش: أي وجهين قول أبي يوسف وقول محمد -رحمهما الله-، يعني سبيل الإشارة هما قالا في الشفعة وهو: أن هذا منع عن وجوب الاستبراء ودفع لثبوته، فلا يكره الاحتيال في الإسقاط عند أبي يوسف وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يجب صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط والاشتباه فيكره م: (والمأخوذ قول أبي يوسف) ش: أي المفتى به قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (فيما إذا علم البائع لم يقربها في طهرها ذلك، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا قربها) ش: أي المأخوذ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا علم أن البائع قربها في طهرها م: (والحيلة) ش: في صورة الحيلة في إسقاط الاستبراء م: (إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها) ش: أي الأمة التي يريد شراؤها م: (قبل الشراء، ثم يشتريها) ش: قبل الشراء ثم يشتريها فيبطل النكاح ويحل له وطئها من ساعته ويسقط الاستبراء.
وفي " الفتاوى الصغرى " ناقلا عن بيوع واقعات الناطفي: الحيلة في إسقاط الاستبراء: أن يزوج البائع الجارية أولا من الذي يريد شراءها إن لم يكن له امرأة حرة ثم يبيعها منها فيبطل

(12/182)


ولو كانت فالحيلة أن يزوجها البائع قبل الشراء، أو المشتري قبل القبض ممن يوثق به، ثم يشتريها ويقبضها، أو يقبضها ثم يطلق الزوج؛ لأن عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء، وإن حل بعد ذلك؛ لأن المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت معتدة الغير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح ويحل له وطئها من ساعته ويسقط الاستبراء. ثم قال فيها: قال ظهير الدين: رأيت في كتاب الاستبراء لبعض المشائخ أنه إنما يحل للمشتري وطئها في هذه الصورة أن لو تزوجها ووطئها ثم اشتراها؛ لأنه حينئذ يملكها وهي في عدتها، أما إذا اشتراها قبل أن يطأها، فكما اشتراها بطل النكاح ولا نكاح حال ثبوت الملك فيجب الاستبراء لتحقيق سببه وهو استحداث حل الوطء بملك اليمين.
قال: وهذا لم يذكر في الكتاب وهو دقيق حسن م: (ولو كانت) ش: أي حرة تحت المشتري م: (فالحيلة أن يزوجها البائع قبل الشراء، أو المشتري قبل القبض) ش: أي أو تزوجها المشتري قبل القبض م: (ممن يوثق به) ش: أي يعتمد عليه ولا يخاف عليه أن لا يطلقها؛ لأنه إذا لم يوثق به ربما لا يطلقها.
وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو وقع أن لا يطلقها الزوج بعد قبض المشتري إذ الشرطان أن يكون طلاق زوجها بعد قبض المشتري فإن في طلاقها قبل قبضه لا فائدة لوجوب الاستبراء بعد القبض في الأصح، الحيلة: أن يزوجها على أن يكون أمرها بيدها يطلقها متى شاء. م: (ثم يشتريها ويقبضها، أو يقبضها) ش: هذا لف ونشر يعني يشتريها ويقبضها إذا زوجها البائع أو يقبضها إذا تزوجها المشتري قبل القبض.
م: (ثم يطلق الزوج) ش: يعني بعد القبض وقيد به؛ لأنه إن طلقها قبله كان على المشتري الاستبراء إذا قبضها في أصح الروايتين عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه إذا طلقها قبل القبض، فإذا قبضها والقبض بحكم العقد بمنزلة العقد فصار كأنه اشتراها في هذه الحالة، وليست في نكاح ولا عدة فيلزمه الاستبراء.
م: (لأن عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء وإن حل بعد ذلك) ش: لأن القبض إذ ذاك ليس ممكنا من الوطء والممكن منه جزء العلة، ألا ترى أن تزويج المشتري وإن كان قبضا حكما لم يعتبر لكونه مزيلا للتمكن.
م: (لأن المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت) ش: أي الأمة م: (معتدة الغير) ش: يعني: إذا اشترى أمة معتدة وقبضها وانقضت مدتها بعد القبض لا يجب الاستبراء؛ لأن استحداث الملك المؤكد بالقبض لم يكن فرجها حلالا للمشتري فلما لم يجب وقت الإحداث لم يجب بعده

(12/183)


قال: ولا يقرب المظاهر،
ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يكفر؛ لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفر حرم الدواعي للإفضاء إليه؛ لأن الأصل أن سبب الحرام حرام كما في الاعتكاف والإحرام، وفي المنكوحة إذا وطئت بشبهة بخلاف حالة الحيض والصوم؛ لأن الحيض يمتد شطر عمرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لعدم تجرد السبب. ثم اعلم أنه إذا تزوجها قبل الشراء، ثم اشتراها يسقط عنه جميع المهر، وفيها إذا تزوجها غير المشتري قبل قبضه يجب نصف المهر على الزوج إذا طلقها قبل دخول المولى الجارية وله أن يبرئه من ذلك.
م: (قال: ولا يقرب المظاهر) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": المراد من عدم القربان ترك الجماع.
فإن قلت: هذه المسألة ليست من مسائل الاستبراء فلم يذكر هاهنا بدون المناسبة.
قلت: ذكرها في " الجامع الصغير " استطرادا: فإن الكلام لما انساق في الاستبراء إلى حرمة الدواعي، وفي هذه المسألة أيضا حرمة الدواعي، وذكرها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك اتباعا له، وقد قيل: يجوز أن يقال: صدر هذا الفصل بالاستبراء وغيره، وهذه من غيره وفيه نظر؛ لأن مراده من غير أن يكون من جنسه وقد بينا منه.

[لمس المظاهر وتقبيله قبل التكفير]
م: (ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يكفر؛ لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفر) ش: لقوله - سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وقد أوجب كفارة قبل المسيس: وهو الوطء، فإذا وطئها قبل الكفارة يلزم ترك المأمور به قطعا، فكان حراما، فلما حرم الوطء إلى أن يكفر، م: (حرم الدواعي للإفضاء إليه) ش: أي إلى الوطء م: (لأن الأصل أن سبب الحرام حرام) ش: لا محالة؛ لأنه لو كان السبب حلالا كان السبب أيضا حلالا؛ لأن المقصود من شرعية السبب هو المسبب م: (كما في الاعتكاف) ش: لما حرم الوطء ودواعيه م: (والإحرام) ش: أي كما في حالة الإحرام لما حرم الوطء حرم الدواعي أيضا.
م: (وفي المنكوحة) ش: أي وكما في المنكوحة م: (إذا وطئت بشبهة) ش: حرم وطئها قبل انقضاء العدة، وكذلك حرم الدواعي م: (بخلاف حالة الحيض والصوم) ش: حيث يحرم الوطء فيها ولا يحرم الدواعي، ولكن في الصوم إذا أمن الصائم على نفسه وعليها، م: (لأن الحيض يمتد شطر عمرها) ش: أي يمتد قريب شطر عمرها، وهو الثلث، والمراد من الشطر: البعض، أي لبعض عمرها فتحريم الدواعي يفضي إلى الحرج.
وقال السغناقي: أي يقرب من شطر عمرها، وهو عشرة أيام في كل شهر، فكان قريبا

(12/184)


والصوم يمتد شهرا فرضا وأكثر العمر نفلا، ففي المنع عنها بعض الحرج ولا كذلك ما عددناها، لقصور مددها، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كان يقبل وهو صائم ويضاجع نساءه وهن حيض.»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بخمسة عشر يوما، وهي نصف الشهر.
وقال صاحب " العناية ": وفيه نظر؛ لأنه يشير إلى أن الشطر هو النصف ويتقوى بذلك استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - علينا بالحديث على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما.
قلت: لم يشر السغناقي إلى أن الشطر من النصف، بل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الذي أشار إلى ذلك، والنظر وارد عليه؛ لأن شطر الشيء في اللغة كنصفه، وقد قال: يمتد شطر عمرها فأوقع الشطر مفعول يمتد، ولكن كلامه أول بما ذكرنا؛ لأنهم كثيرا ما يطلقون الشطر على أقل من النصف.

م: (والصوم يمتد شهرا فرضا وأكثر العمر نفلا) ش: أي يمتد أكثر العمر حال كونه نفلا م: (ففي المنع عنها) ش: أي عن الدواعي حالة كونها في حالة الحيض والصوم م: (بعض الحرج) ش: والحرج مدفوع شرعا م: (ولا كذلك ما عددناها) ش: وهي الطهارة والاعتكاف والإحرام والموطوءة بشبهة م: (لقصور مددها) ش: أي مدد هذه الأشياء؛ لأنها تقع في أوقات مخصوصة.
م: (وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كان يقبل وهو صائم» «ويضاجع نساءه وهن حيض» ش: هذان حديثان، الأول: رواه الجماعة في "كتبهم": عن الأسود وعلقمة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلا ابن ماجه فإنه أخرجه عن القاسم بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنها، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه» .
وأخرجوه إلا البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن ميمونة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل في شهر رمضان» .
وفي لفظ لهما بهذا الإسناد، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل في رمضان وهو صائم» .
وأخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حفصة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم» . وأخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها وهو صائم» ، وأخرج أبو داود عن محمد بن دينار، عن سعد بن أوس عن مصدع أبي يحيى، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها وهو صائم ويمص

(12/185)


قال: ومن له أمتان أختان فقبلهما بشهوة، فإنه لا يجامع واحدة منهما ولا يقبلها ولا يمسها بشهوة ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح، أو يعتقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لسانها» . وبوب عليه: "باب الصيام ويبتلع الريق"، فهو منازع في ذلك وإذ لا يلزم من المص الابتلاع، فقد يمكن أن يمصه ويمجه، هكذا قيل: وفيه نظر؛ لأن الذي يمص لسان شخص إنما يمصه من غاية المحبة، وكيف يمص لسانه ثم يبصق فإن هذا بعيد جدا، فإن الشخص إنما يبصق شيئا يكرهه غاية الكراهية، ولو كره لما مصه. ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " وهو حديث ضعيف.
قال ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويمص لسانه لا يقوله إلا محمد بن دينار وقد ضعفه يحيى بن معين، وسعد بن أوس قال ابن معين فيه أيضا: بصري ضعيف، قال عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "أحكامه ": هذا حديث لا يصح، فإن ابن دينار وابن أوس لا يحتج بهما، وقال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا حديث غير صحيح، انتهى كلام عبد الحق. وأعله ابن القطان في "كتابه " بمصدع فقط. وقال: قال السعدي: كان مصدع زائغا حائدا عن الطريق، يعني في التشيع.
وقال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " العلل المتناهية ": محمد بن دينار، وسعد بن أوس ومصدع: ضعفاء الحديث.
الثاني: أخرجه الجماعة أيضا عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها، وفي لفظ ثم يباشرها» . وأخرج البخاري ومسلم عن زينب بنت أم سلمة عن أمها «أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: بينما أنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضطجعة معه في الجميلة، حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الجميلة» .

[له أمتان أختان فقبلهما بشهوة]
م: (قال: ومن له أمتان أختان فقبلهما بشهوة فإنه لا يجامع واحدة منهما ولا يقبلها ولا يمسها بشهوة ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح أو يعتقها) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": أيضا هذه ثلاثة أوجه: إما قبلها أو لم يقبلها، أو قبل إحداهما، فإن لم يقبلهما أصلا كان له أن يقبل ويطأ أيهما شاء سواء إن كان اشتراهما

(12/186)


وأصل هذا: أن الجمع بين الأختين المملوكتين لا يجوز وطئا لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ولا يعارض بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لأن الترجيح للمحرم، وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الدواعي لإطلاق النص؛ ولأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء في التحريم على ما مهدناه من قبل، فإذا قبلهما فكأنه وطأهما، ولو وطأهما ليس له أن يجامع إحداهما، ولا أن يأتي بالدواعي فيهما، فكذا إذا قبلهما، وكذا إذا مسهما بشهوة أو نظر إلى فرجيهما بشهوة لما بيناه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معا أو على التعاقب وإن كان قبل إحداهما كان له أن يطأ المقبلة دون الأخرى، وأما إذا قبلها بشهوة وقيد بذلك؛ لأنه إذا لم يكن بشهوة لا يكون معتبرا.

[الجمع بين الأختين المملوكتين]
م: (وأصل هذا أن الجمع بين الأختين المملوكتين لا يجوز وطئا) ش: أي من حيث الوطء لا يجوز م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ش: والمراد تحريم العقد والوطء بالإجماع، والمعطوف يشارك المعطوف عليه في الحكم تحقيقا لقضية العطف، وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعليه أكثر الصحابة.
م: (ولا يعارض بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لأن الترجيح للمحرم) ش: أراد بذلك أن قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] يدل على الحل، وقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] على الحرمة والمحرم مع المباح إذا اجتمعا، فالمحرم أولى؛ لأن الحرام يجب تركه، والمباح لا يجب فعله، ومذهب عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه يجوز؛ لأنه أحلتهما آية وحرمتهما آية.
والأصل في الأبضاع الحل بعد وجود سبب الحل، وقد وجد وهو سبب ملك اليمين.
فإن قلت: الأصل في الدلائل الجمع، وأمكن هنا بأن يحمل قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] على النكاح. وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] على ملك اليمين.
قلت: المعنى الذي يحرم الجمع بين الأختين نكاحا وجد هنا وهو قطيعة الرحم فيثبت الحكم، هذا أيضا؛ لأن قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مخصوص إجماعا، فإن أمه وأخته من الرضاع، والأمة المجوسية حرام، فلا يعارض ما ليس بمخصوص وهو المحرم للجمع.
م: (وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الدواعي لإطلاق النص، ولأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء في التحريم على ما مهدناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله: لأن الأصل أن سبب الحرام حرام م: (فإذا قبلهما فكأنه وطأهما، ولو وطأهما ليس له أن يجامع إحداهما، ولا أن يأتي بالدواعي فيهما، فكذا إذا قبلهما وكذا إذا مسهما بشهوة أو نظر إلى فرجيهما بشهوة لما بيناه) ش: أشار به إلى

(12/187)


إلا أن يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح أو يعتقها؛ لأنه لما حرم عليه فرجها لم يبق جامعا. وقوله: بملك أراد به: ملك يمين فينتظم التمليك بسائر أسبابه بيعا أو غيره. وتمليك الشقص فيه كتمليك الكل؛ لأن الوطء يحرم به، وكذا إعتاق البعض من إحداهما كإعتاق كلها. وكذا الكتابة كالإعتاق في هذا لثبوت حرمة الوطء بذلك كله، وبرهن إحداهما وإجارتها وتدبيرها لا تحل الأخرى؛ ألا ترى أنها لا تخرج بها عن ملكه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: لأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء م: (إلا أن يملك فرج الأخرى غيره بملك) ش: بأن يبيعها أو يهديها أو يتصدق بها م: (أو نكاح) ش: بأن يزوجها غيره م: (أو يعتقها؛ لأنه لما حرم عليه فرجها لم يبق جامعا) ش: بين الأختين.
م: (وقوله: بملك أراد به: ملك يمين) ش: أي قول القدوري في "مختصره ": حتى يملك فرج الأخرى بملك أراد بملك يمين م: (فينتظم التمليك بسائر أسبابه) ش: أي ينتظم التمليك بسائر أسباب التمليك م: (بيعا أو غيره) ش: أي من حيث البيع أو غيره نحو الهبة والصدقة.
م: (وتمليك الشقص فيه كتمليك الكل) ش: أي تمليك بعض الأخرى في هذا الباب كتمليك كلها م: (لأن الوطء يحرم به) ش: أي بتمليك الشقص. م: (وكذا إعتاق البعض من إحداهما كإعتاق كلها) ش: أي وكذا إعتاق بعض من إحداهما كإعتاق كلها لحرمة الوطء به.
م: (وكذا الكتابة كالإعتاق) ش: أي وكذا لو كاتب إحداهما فإن الكتابة كالإعتاق لثبوت حرمة الوطء بها حتى لو وطئها يعزم العقد لها.
وقال صاحب " العناية ": وكلمة كذا زائدة.
قلت: زيادة كذا في كلام العرب غير مشهورة م: (في هذا) ش: أي في أنه تحل الأخرى.
فإن قلت: بالكتابة لم يخرج من ملك المولى حتى يستلزمه استبراء جديد بعد العجز، ولم يجعل فرجها للغير، فكان ينبغي أن لا يحل له وطء الأخرى.
قلت: الحل يزول بالكتابة كما ذكرنا، فجعل زوال الحل عنها بالكتابة كزواله بالتزويج، فيحل له أن يطأ الأخرى م: (لثبوت حرمة الوطء بذلك كله) ش: أي كما ذكرنا في الصور، وهو تمليك الشقص وإعتاق البعض والكتابة.
م: (وبرهن إحداهما) ش: أي إحدى الأمتين الأختين م: (وإجارتها) ش: أي إجارة إحداهما م: (وتدبيرها) ش: أي تدبير إحداهما م: (لا تحل الأخرى ألا ترى أنها) ش: أي لأن التي رهنها أو أجرها أو دبرها م: (لا تخرج بها) ش: أي بالأشياء المذكورة م: (عن ملكه) ش: فيكون جامعا.

(12/188)


وقول: أو نكاح أراد به النكاح الصحيح. أما إذا زوج إحداهما نكاحا فاسدا، لا يباح له وطء الأخرى إلا أن يدخل الزوج بها فيه؛ لأنه يجب العدة عليها، والعدة كالنكاح الصحيح في التحريم. ولو وطئ إحداهما حل له وطء الموطوءة دون الأخرى؛ لأنه يصير جامعا بوطء الأخرى لا بوطء الموطوءة. وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما نكاحا فيما ذكرناه بمنزلة الأختين.
قال: ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه، أو يعانقه، وذكر الطحاوي أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالتقبيل والمعانقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقول: أو نكاح) ش: أي وقول القدوري: أو نكاح م: (أراد به النكاح الصحيح. أما إذا زوج إحداهما نكاحا فاسدا لا يباح له وطء الأخرى إلا أن يدخل الزوج بها فيه) ش: أي في النكاح الفاسد.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يجب العدة عليها، والعدة كالنكاح الصحيح في التحريم) ش: على المولى فيجعل له حينئذ أن يطأ أختها م: (ولو وطئ إحداهما) ش: أي لو وطأ إحدى الأمتين الأختين م: (حل له وطء الموطوءة دون الأخرى) ش: أي غير الموطوءة م: (لأنه يصير جامعا بوطء الأخرى لا بوطء الموطوءة) ش: أي لأن بالوطئ إنما يصير جامعا بين الأختين، إذا جمعت الأخرى، أما إذا اقتصر على وطء الموطوءة لا يصير جامعا، وهذا ظاهر.
م: (وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما نكاحا) ش: أي من حيث النكاح كما إذا كانت إحداهما عمة الأخرى أو خالتها م: (فيما ذكرناه بمنزلة الأختين) ش: يعني تكونان بمنزلة الجمع بين الأختين في قضاء الشهوة، فإذا قبلهما أو لمسهما، أو نظر إلى فرجهما بشهوة، لا يجوز له وطء واحدة منهما حتى يحرم فرج الأخرى عليه بوجه من الوجوه، وكذا الحكم فيما إذا كانت إحداهما أم الأخرى أو بينهما لا يجوز الجمع بينهما في قضاء الشهوة.

[يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه]
م: (قال: ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه) ش: قال في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه: محمد عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: أكره أن يقبل الرجل من الرجل فمه، أو يده، أو شيئا منه، وأكره المعانقة ولا أرى بالمصافحة، ولم يذكر الخلاف كما ترى، ولهذا قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وذكر الطحاوي) ش: أي في " شرح الآثار ": م: (أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس بالتقبيل والمعانقة) ش: ذكره الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى «أنس بن مالك قال: قالوا يا رسول الله: "أينحني بعضنها بعضا إذا التقينا؟ قال: "لا"، قالوا: فيعانق بعضنا بعضا؟ قال: "لا"، قالوا: فيصافح بعضنا بعضا؟ قال: "تصافحوا» . قال الطحاوي:

(12/189)


لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عانق جعفرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذهب قوم إلى هذا فكرهوا المعانقة، منهم أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، وخالفهم آخرون ولم يروا به بأسا، منهم أبو يوسف، وأخذ الطحاوي يقول أبي يوسف في " شرح معاني الآثار " فمن أراد ذلك فليعاود إليه في " شرح الآثار "، وقد أمعنا الكلام في هذا الباب في " شرح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار ": فمن أراد ذلك فليعاود إليه.
م: (لما روي أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عانق جعفرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الحاكم في "مستدركه "، عن حيوة ابن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعفر بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى بلاد الحبشة، فلما قدم منها اعتنقه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل بين عينيه» . قال الحاكم: إسناده صحيح.
ومنهم جابر أخرج حديثه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الحاكم أيضا عن الأجلح، عن الشعبي عن جابر قال: «لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خيبر، وقدم جعفر من الحبشة، تلقاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل جبهته، وقال: "والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وسكت عنه» .
ثم أخرجه عن سفيان، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال: لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث، وقال: هذا مرسل صحيح، وأخرجه الطحاوي أيضا مرسلا، ورواه البيهقي في " دلائل النبوة في باب: غزوة خيبر "، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسن بن إسماعيل أبي العلوي، حدثنا أحمد بن محمد البيروني، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة حدثني مكي بن إبراهيم الرعيني حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، وقال: في إسناده إلى الثوري من لا يعرف.
ومنهم أبو جحيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في

(12/190)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"معجمه الأوسط والصغير "، حدثنا أحمد بن خالد بن مسرح الحراني، حدثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن مسرح، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا مسعر بن كدام، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة فقيل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعانقه» وقال: تفرد به الوليد بن عبد الملك.
وأخرجه ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكامل ": محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «لما قدم جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه قبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بين عينيه وقال: "ما أدري أبقدوم جعفر أسر أو بفتح خيبر؟» . ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج حديثها الدارقطني في "سننه " عنها قالت: «لما قدم جعفر بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه استقبله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبله بين عينيه» .
ومن طريق ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -رواه البيهقي في " شعب الإيمان "، وروى البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، حدثنا أحمد، حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا إسماعيل بن أبي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك حدثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه قال: «لما قدم جعفر من الحبشة، أتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبل بين عينيه، وقال: "ما أنا بفتح خيبر أشد فرحا مني بقدوم جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . وقال: لا نعلمه يروى عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا من هذا الوجه، وقد رواه الشعبي عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ورواه البيهقي في " شعب الإيمان "، أخبرنا أبو الحسين بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا إسماعيل بن الفضل، حدثنا خليفة بن خياط، حدثنا زياد بن عبد الله البهي، حدثنا مجاهد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما قدم جعفر من الحبشة استقبله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبل شفتيه» .

(12/191)


ولهما ما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المكامعة وهي المعانقة؛ وعن المكاعمة وهي التقبيل» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هكذا وجدته، والمعروف: بين عينيه.
وحديث آخر رواه الترمذي، وفي "الاستئذان" حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المديني، حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله» قال: حديث حسن غريب.
ورواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " بالإسناد المذكور، قال: «بلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة من بني فزارة يقال لها: " أم قرفة " جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها وقالت: اذهبوا إلى المدينة فاقتلوا محمدا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم أثكلها بولدها"، وبعث إليهم بزيد بن حارثة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فالتقوا، فقتل زيد بني فزارة وقتل أم قرفة وولدها. فأقبل زيد حتى قدم المدينة» . الحديث.
الآخر رواه ابن سعد في " الطبقات ": أخبرنا الواقدي حدثني يعقوب بن عمر، عن نافع العدوي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوي، قال: «أسلم نعيم بن عبد الله بن النحام بعد عشرة، وكان يكتم إسلامه ثم هاجر إلى المدينة في أربعين نفر من أهله، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعتنقه وقبله» .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن المكامعة وهي المعانقة، وعن المكاعمة وهي التقبيل» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" و"مسنده " جميعا، حدثنا زيد بن الحباب حدثني يحيى بن أيوب المصري، أخبرني عياش بن عباس الحميري، عن أبي الحصين الهيثم، عن عامر الحجري، قال: سمعت أبا ريحانة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كان رسول

(12/192)


وما رواه محمول على ما قبل التحريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مكامعة". أو مكاعمة: المرأتين ليس بينهما شيء. وعن مكامعة، أو مكاعمة الرجلين ليس بينهما شيء» .
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريبه ": حدثني أبو النضر عن الليث بن سعد عن عياش بن عباس رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن نهى عن المكامعة والمكاعمة» . قال أبو عبيد: والمكاعمة أن يلثم الرجل فاه صاحبه، مأخوذ من كعام البعير، وهو أن يشد فاه إذا هاج والمكامعة أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد. وكذلك قيل لزوج المرأة: كميع. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي تفسير المكامعة بالمواثقة فيه نظر؛ لأن المضاجع هوالمعانق غالبا، ولا يضاجع أحدا غيره إلا والغالب أنه يعانقه. قوله: عياش بن عباس، الابن - بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشين المعجمة-، والأب - بالباء الموحدة والسين المهملة-. وأبو الحصين - بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين-، واسمه: الهيثم بن شفي.
قوله: عن عامر الحجري، ويقال: أبو عامر الحجري، وهو الصواب، واسمه عبد الله بن جابر الحجري، وقيل: المعافري. والحجري: -بفتح الحاء المهملة، وسكون الجيم- نسبة حجر عين من اليمن. ثم اعلم أن أبا داود والنسائي: - رحمهما الله- أخرجا حديث المكامعة فقط، فأبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخرجه في "اللباس"، والنسائي في "الزينة" عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، عن أبي عامر المعافري، عن أبي ريحانة، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عشرة: عن الوشر والوشم والنتف، ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم، وأن يجعل على منكبيه حريرا، وعن النهي وركوب النمور، ولبس الخاتم إلا لذي سلطان» .
ورواه أحمد في "مسنده "، ورواه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن أبي شيبة بسنده المتقدم سواء: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان ينهى عن ركوب النمور» ، وأخطأ الحافظ عبد العظيم المنذري في عزوه الحديث بتمامه لابن ماجه، ولكنه قلد أصحاب " الأطراف ".
م: (وما رواه) ش: أي أبو يوسف م: (محمول على ما قبل التحريم) ش: أي كان قبل تحريم التقبيل والمعانقة، والشيخ أبو منصور وفق بين الأحاديث فقال: المكروه من المعانقة ما كان على وجه الشهوة، أشار إليه المصنف بقوله.

(12/193)


قالوا: الخلاف في المعانقة في إزار واحد، أما إذا كان عليه قميص أو جبة فلا بأس بها بالإجماع وهو الصحيح،
قال: ولا بأس بالمصافحة؛ لأنه هو المتوارث. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبهما» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[المعانقة في إزار واحد]
م: (قالوا: الخلاف في المعانقة في إزار واحد) ش: أي قال المشايخ منهم: أبو منصور الخلاف المذكور فيما إذا عانق رجلا في إزار واحد؛ لأنه سبب يفضي إلى الشهوة م: (أما إذا كان عليه) ش: أي على المعانق م: (قميص أو جبة فلا بأس بها) ش: أي بالمعانقة ذكر الضمير باعتبار العناق. م: (بالإجماع) ش: بين أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وهو الصحيح) ش: أي للذي قاله المشائخ هو الصحيح؛ لأنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون على وجه البر والكرامة، وهو أمر ممدوح بين الناس.

م: (قال: ولا بأس بالمصافحة) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (لأنه هو المتوارث) ش: أي لأن المصافحة هو التوارث بين الناس أراد به سنة قديمة بين الناس في البيعة وغيرها. وذكر الضمير باعتبار التصافح.
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبهما» ش: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط "، عن أحمد بن رشدين، عن يعقوب الخريقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر» .
وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " عن صفوان بن سليم، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، حدثنا ابن أبي ليلى، عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا نحوه سواء.
وأخرج أيضا عن «يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه قال: دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرحب بي وأخذ بيدي ثم قال: "يا براء أتدري لم أخذت بيدك؟ " قال: قلت: خيرا يا رسول الله، قال: "لا يلقى مسلم مسلما فيرحب به ويأخذه بيده، إلا تناثرت الذنوب بينهما، كما يتناثر ورق الشجر» .
وأخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والترمذي، وابن ماجه، عن الأجلح، عن أبي

(12/194)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إسحاق، عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» .
وقال الترمذي: حسن غريب. ورواه أحمد في "مسنده "، والأجلح: اسمه يحيى بن عبد الله أبو حجية. فيه مقال.
وأخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن «رجل من عنزة أنه قال لأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أريد أن أسألك عن حديث، هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: "ما لقيته قط إلا صافحني» . وفيه مجهول.
وأخرج الترمذي عن خيثمة، عن رجل، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «من تمام التحية الأخذ باليد» . وقال: غريب.
وسألت محمد بن إسماعيل عنه فلم يعده محفوظا.
قلت: وفيه مجهول أيضا.
وأخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته، ومن تمام التحية المصافحة» وقال: إسناده ليس بقوي، وعلي بن يزيد ضعيف.
وفي "الصحيحين" في حديث كعب بن مالك: «فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ولا أنساها لطلحة» ، وعند البخاري عن قتادة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قلت لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم.
ثم اعلم أن الكلام في هذا الباب على فصول:
الأول: في أنواع القبل.
قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": يقال: القبلة على خمسة أوجه: قبلة تحية، وقبلة شفقة، وقبلة رحمة، وقبلة مودة، وقبلة شهوة.

(12/195)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأما قبلة التحية: فكان المؤمنون يقبل بعضهم بعضا على اليد. وقبلة الرحمة: الوالد لولده، والوالدة لولدها على الخد. وقبلة الشفقة: قبلة الولد لوالده أو لوالدته يقبله على الرأس. وأما قبلة المودة: يقبل أخاه وأخته على الخد. وأما قبلة الشهوة: قبلة الزوج لزوجته على الفم.
وفي " كفاية" تاج الشريعة: وزاد بعضهم قبلة ديانة، وهي القبلة على الحجر الأسود، انتهى.
قلت: روى أحاديث كثيرة منها ما أخرجه أبو داود في "الجهاد" و"الأدب" والترمذي في "الجهاد"، وابن ماجه في "الأدب"، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن «ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -...."، فذكر قصته، قال: فدنونا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبلنا يده» .
قال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد. ولم يذكر ابن ماجه القصة.
ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة بنت طلحة، عن «عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قالت: "ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فاطمة ابنته - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: وكانت إذا دخلت عليه قام إليها يقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل عليها قامت له فقبلته وأجلسته في محلها» .
وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح.
ومنها: ما أخرجه الترمذي في "الاستئذان"، والنسائي في السير، وابن ماجه عن عبد الله بن سلمة - بكسر اللام-، عن صفوان بن عسال: «أن قوما من اليهود قبلوا يد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجليه» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح. قال النسائي: حديث منكر. وقال المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان إنكاره له من جهة عبد الله بن سلمة فإن فيه مقالا.
ومنها: ما أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، عن مطر

(12/196)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بن عبد الرحمن الأعتق، حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع، عن جدها «الزارع بن عامر قال: "فجعلنا نتبادر من رواحلنا، ونقبل يد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجله» . ورواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه " الأدب المفرد "، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مطر، به.
ومنها: ما أخرجه الترمذي وابن ماجه في "الجنائز" عن عاصم بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت دموعه تسيل على وجنتيه» .
وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: إن الشيخين لم يحتجا بعاصم بن عبد الله. وشاهده: حديث ابن عباس، وجابر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «أن الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ميت» . ثم أعاده في " الفضائل " بالسند المذكور، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في "مختصره " وقال: سنده واه.
ومنها: ما أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن «أسيد بن حضير قال: "بينا هو يحدث القوم يضحكهم وكان فيه مزاج إذ طعنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خاصرته بعود فقال: أصبرني يا رسول الله، قال: اصطبر. قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، وقال: إنما أردت هذا يا رسول الله» .
قوله: اصطبرني؛ أي أقدني، وقوله: اصطبر: استقد.
ومنها: ما أخرجه الحاكم في "مستدركه في البر والصلة" عن عاصم بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن «رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أرني شيئا أزداد به يقينا، فقال: اذهب إلى تلك الشجرة فادعها، فذهب إليها فقال لها: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعوك، فجاءت حتى سلمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لها: ارجعي. فرجعت".

(12/197)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: ثم أذن له فقبل رأسه ورجليه، وقال: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» ، وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي فقال: صالح بن حبان متروك، ورواه البزار في "مسنده " وقال فيه: " فقبل رأسه ويديه ورجليه " وقال: لا يعلم في تقبيل الرأس غير هذا الحديث.
قلت: هذا عجيب منه كيف غفل عن حديث الإفك؟!
«قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: "قومي فقبلي رأس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الحديث.
وقال الحافظ المنذري في "مختصره ": وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرئ جزء في الرخصة في تقبيل اليد ذكر فيه أحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآثار عن الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين.
فعلم من مجموع ما ذكرنا إباحة قبلة اليد والرجل والرأس والكشح، كما علم من الأحاديث المتقدمة إباحتها من الجبهة المتقدمة وبين العينين وعلى الشفتين، كما علم من حديث عبد الله بن جعفر الذي أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان ".
وقد ذكرناه عن قريب في جملة أحاديث التقبيل ولكن كل ذلك إذا كان على وجه المبرة والإكرام، وأما إذا كان على وجه الشهوة لا يجوز إلا في حق الزوجين.
وذكر في " الواقعات " تقبيل يد الإمام أو السلطان العادل جائز لما روى سفيان أنه قال: "تقبيل يد العالم والسلطان العادل سنة" فقام عبد الله بن المبارك وقبل رأسه وقال: "من يحسن هذا غيرك ".

[تقبيل الأرض بين يدي العلماء] 1
وأما تقبيل يد غيرهم فتكلموا فيه، فمنهم من قال: إن كان الرجل يأمن على نفسه وينوي حسنة وهي تعظيم المسلم وإكرامه، ولا بأس به.
ثم قال في " الواقعات ": والمختار أنه لا رخصة فيه عن المتقدمين.
قلت: هذا خلاف في الأحاديث، وفي " الغاية ": وأما تقبيل الأرض بين يدي العلماء وغيرهم، قالوا: إنه حرام لا إشكال فيه والفاعل والراضي به كذلك آثم؛ لأنه يشبه عبادة الوثن.
وفي " شرح الطحاوي ": وأما ما يفعله الجهال من تقبيل يد نفسه إذا لقي غيره: فهو مكره فلا رخصة فيه.

(12/198)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الكافي ": ورخص بعض المتأخرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تقبيل يد العالم والمتورع.
قلت: كذلك تقبيل يد الوالدين والأستاذ وكل من يستحق التعظيم والإكرام.
الفصل الثاني: في قيام الرجل اختلفوا فيه، فمنهم من منع ذلك لما روى أبو داود بإسناده إلى أبي أمامة قال: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئا على عصا فقمنا له، فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم عظم بعضهم بعضا» .
ومنهم من أباحه استدلالا بقيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابنته فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وهو الذي ذكرناه عن قريب.
ومنهم من فضل على من قال في " قاضي خان ": قوم يقرؤون القرآن أو واحد، فدخل عليهم واحد من الأشراف، فقالوا: إن دخل عليه عالم أو أبواه أو أستاذه جاز أن يقوم لأجله، وفيما سوى ذلك لا يجوز، انتهى.
ومنهم من قال: إن كان الداخل على قوم أو على أحد ممن يتوقع القيام له ينبغي أن يقوم حتى لا يتضرر بتركه، وإن كان يتوقع ذلك يتركه. كما حكي عن الشيخ أبي القاسم السمرقندي الحكيم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كان إذا دخل عليه أحد من الأغنياء يقوم له ويعظمه ولا يقوم للفقراء وطلبة العلم، فقيل له في ذلك، فقال: لأن الأغنياء يتوقعون مني التعظيم فلو تركت تعظيمهم انزعجوا، والفقراء وطلبة العلم لا يطمعون في ذلك وإنما يطمعون جواب السلام والتكلم معهم في العلم ونحوه فلا يتضررون بترك القيام.
الفصل الثالث: في السجود لغير الله: ذكر المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح؛ "الجامع الصغير ": أما السجود لغير الله سبحانه وتعالى فهو كفر إذا كان من غير إكراه وما يفعله الجهال من الصوفية بين يدي شيخهم فحرام محض أقبح البدع فينهون عن ذلك لا محالة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تفعلوا، لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق» ، أخرجه أبو داود وغيره، أي: لا تسجدوا، وذلك حين قالوا له: أنت أحق أن نسجد لك.

(12/199)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الواقعات ": إذا قيل للمسلم: اسجد للملك وإلا قتلناك، فالأفضل أن لا يسجد، لأنه كفر، والأفضل أن لا يأتي بما هو كفر صورة. وإذا كان في حالة الإكراه، وإن كان السجود سجود التحية، فالأفضل أن يسجد، لأنه ليس بكفر، وهذا دليل على أن السجود إذا كانت سنة التحية، إذا كان خائفا لا يكون كفرا، فعلى هذا القياس لا يصير من سجد عند السلطان على وجه التحية كافرا، انتهى ألفاظ " الواقعات ".
قلت: في هذا الزمان لا يسجدون لسلطان إلا تعظيما وإجلالا فلا يشك في كفرهم.
وفي " فتاوى الحسيني ": التواضع لغير الله حرام.
وفي " الكافي ": قال شمس الأئمة السرخسي: السجود لغير الله في وجه التعظيم كفر.

(12/200)