البناية
شرح الهداية كتاب إحياء الموات قال - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: الموات ما لا ينتفع به من الأراضي لانقطاع الماء عنه أو لغلبة الماء
عليه، أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة، سمي بذلك لبطلان الانتفاع به. قال:
فما كان منها عاديا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب إحياء الموات]
[تعريف إحياء الموات]
م: (كتاب إحياء الموات) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام إحياء الموات، قال
الشراح: مناسبة هذا الكتاب بكتاب الكراهة. يجوز أن يكون من حيث أن في مسائل
هذا الكتاب ما يكره وما لا يكره. وهذا ليس بشيء، لأنه قل كتاب من الكتب أن
يخلو عما يكره وما لا يكره، وأبعد من هذا ما قاله الكاكي. أو لأن إحياء
الأرض إحياء صورة فكان فيه التسبب للحياة النامية فكان قريبا إلى حقيقة
الإحياء.
كما أن الكراهة حرمة صورة وقريب إلى الحرمة القطعية والأوجه أن يقال إن هذا
الكتاب فيه بيان الموات وهو أن من الأراضي ما لا ينتفع به، وكذلك الذهب
والفضة والحرير ما لا ينفع له شرعا حيث يحرم الأكل والشرب ونحوهما في الذهب
والفضة في حق الرجال والنساء جميعا، ويحرم لبس الحرير وافتراشه وتوسده في
حق الرجال فحكم هذه الأشياء كالموات في عدم الانتفاع به عادة في الموات،
وشرعا: في الأشياء المذكورة، وكذلك كل مكروه فيه كالموات حيث لا ينتفع به
شرعا.
م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموات ما لا ينتفع به من الأراضي) ش: أي
قال القدوري في " مختصره ". وقوله: الموات: ما لا ينتفع به، وهو المعنى
اللغوي، وقوله: من الأراضي إنما زيد إشارة إلى معناه الشرعي وأشار إلى علة
عدم الانتفاع به لقوله: م: (لانقطاع الماء عنه) ش: الضمير في عنه يرجع إلى
ما لا ينتفع به، ومن الأراضي بيان له وكذلك الضمير في به، كذلك في عليه في
قوله م: (أو لغلبة الماء عليه) ش: بأن غطاه حتى لم يبق محلا للزراعة. م:
(أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة) ش: بأن صار سبخة أو غلب عليها الرمال
فصارت زراعتها متعذرة م: (سمي بذلك لبطلان الانتفاع به) ش: أي سمي الموات
ما لا ينتفع به من الأراضي لأجل بطلان الانتفاع به، تشبيها بالحيوان إذا
مات بطل الانتفاع به، وإحياؤه عبارة عن جعله منتفعا به.
م: (قال: فما كان منها عاديا) ش: أي قال القدوري: وقال الشراح المراد من
العادي ما كان خرابة قديما ولا يعرف له ملك إلا أن يكون منسوبا لعاد. لأن
جميع الأراضي الموات لم تكن لعاد وإنما كني بذلك عن القديم خرابا، لأن عادا
كان في قديم الأيام، وكذا ذكره المصنف على ما يأتي.
(12/278)
لا مالك له، أو كان مملوكا في دار الإسلام،
لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من القرية بحيث إذا وقف إنسان في أقصى
العامر فصاح لا يسمع الصوت فيه فهو موات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لا شك أن العادي بتشديد الياء، هو نسبة إلى عاد، وإنما لم يكن جميع
الأراضي الموات منسوبة لعاد فأكثره منسوب إليه. وقد ذكر أهل التاريخ أن
عادا استولى على كثير من بلاد الشام والعراق والهند، وهو عاد بن أوص بن أرم
بن سام بن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أو يكون هذه النسبة أن كل أثر قديم
ينسب إلى عاد وقومه لقدمهم فتكون النسبة صحيحة على كل حال م: (لا مالك له
أو كان مملوكا في دار الإسلام لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من القرية)
.
ش: أي والحال أنه بعيد من القرية، وهذا الذي شرطه القدوري هو اختيار
الطحاوي وهو غير ظاهر الرواية لا يشترط البعد من القرية. وقال الإمام
الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": الأصل أن من ملك شيئا من مسلم أو ذمي بأي
سبب ملك، فإنه لا يزول ملكه عنه بالترك كما إذا ملك دارا أو أرضا ثم خربها
فمضت عليه السنون والقرون فهو على ملك مالكه الأول لا تكون تلك الأرض موات.
وأرض الموات: التي لم تملك ملكا لأحد ولم تكن من مرافق البلدة وكانت خارج
البلدة، قربت من البلدة أو بعدت. حتى إن بحرا خارج البلدة قريبا منها لو
حرز ماؤه، أو أكمة عظيمة لم يكن ملكا لأحد كانت تلك الأرض أرض موات في ظاهر
الرواية. وقال الطحاوي: وما قرب من العامر فليس بموات.
وفي " خلاصة الفتاوى ": وأما في بخارى ليست بموات، لأنها دخلت في القسمة
ويصرف لأقصى مالك أو منتفع في الإسلام أو إلى ورثته، فإن لم يعلم فالتصرف
إلى القاضي. وفي " الذخيرة ": الأراضي المملوكة في دار الإسلام إذا انقرض
أهلها فهي كاللقطة فلا يجوز إحياؤها، وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في
رواية، لأن لها مالكا فلم يجز إحياءها كما لو كان مالكها معينا. وقيل:
كالموات فيملك بالإحياء وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية ومالك
لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي
له» .
م: (بحيث إذا وقف إنسان في أقصى العامر فصاح لا يسمع الصوت فيه) ش: هذا
تفسير لقوله، هو بعيد من القرية. هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ
-. فالحد الفاصل بين القريب والبعيد على ما روي عنه: أن يقوم رجل جهري
الصوت أقصى العمرانات، على مكان عال فينادي بأعلى صوته. فالموضع الذي يسمع
منه صوته يكون قريبا منه، وإذا كان لا يسمع صوته منه يكون بعيدا من
العمرانات، م: (فهو موات) ش: جملة في محل الرفع على أنها خبر عن قوله فما
كان عاديا ودخلت الفاء لتضمين المبتدأ معنى الشرط.
(12/279)
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره
القدوري. ومعنى العادي ما قدم خرابه، والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: أنه يشترط أن لا يكون مملوكا لمسلم أو ذمي مع انقطاع الارتفاق بها لتكون
ميتة مطلقا. فأما التي هي مملوكة لمسلم أو ذمي لا تكون مواتا، وإذا لم يعرف
مالكه يكون لجماعة المسلمين، ولو ظهر له مالك يرد عليه
ويضمن الزارع نقصانها والبعد عن القرية على ما قال شرطه أبو يوسف؛ لأن
الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره القدوري) ش: أي قال المصنف؛
هكذا ذكر القدوري في " مختصره ". م: (ومعنى العادي ما قدم خرابه) ش: معنى
قول القدوري، فما كان عاديا ما كان خرابه قديما وقد مر الكلام فيه آنفا م:
(والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط أن لا يكون مملوكا لمسلم
أو ذمي مع انقطاع الارتفاق بها) ش: أي مع انقطاع الانتفاع بها. قال خواهر
زاده في " شرح كتاب الشرب ": قال محمد: كل أرض لا يملكها أحد وقد انقطع
عنها الماء وارتفاق أهل المصر والقرية بها كان مواتا وإن كانت قريبا من
العمرانات. وأراد بقوله أن لا يكون مملوكا لمسلم أو ذمي، أنه إذا كان
مملوكا لها فصار خرابا وانقطع عنها الماء وارتفاق الناس بها من حيث المرعى
والاحتطاب فإنه لا يكون مواتا حتى لا يملك بإذن الإمام عندهما جميعا، لأن
ما كان مملوكا لمسلم أو ذمي لا يزول الملك عنها بالخراب وانقطاع الماء
والمرافق. على ما بينا عن قريب.
م: (لتكون ميتة مطلقا) ش: يعني بشرط مدة الشروط لتكون الأرض الميتة على
الإطلاق لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الميتة على
الإطلاق ومطلق الاسم يتصرف إلى الكامل، والكامل في المسمى أن لا يكون الأرض
مملوكة لأحد م: (فأما التي هي مملوكة) ش: - هذا من تتمة قول محمد - أي فأما
الأرض التي هي مملوكة م: (لمسلم أو ذمي لا تكون مواتا، وإذا لم يعرف مالكه
يكون لجماعة المسلمين) ش: كمن مات وترك مالا ولم يترك وارثا فلا يكون لواحد
أن يتملك على التخصيص فكذا هذا م: (ولو ظهر له مالك يرد عليه) ش: أي ظهر
للموات مالك بعد أن أحياه رجل يرد على مالكه؛ لأنه أحق به من غيره.
[شرط إحياء الموات]
م: (ويضمن الزارع نقصانها) ش: أي النقصان الذي حصل بالزراعة بعد الإحياء.
لا يقال: المنافع حصلت بفعل فلا يضمن بإتلافها لأنا نقول أنه تبرع في ذلك
فيصير لصاحب الأرض، لأنها صارت صفة لأرضه ولهذا لو ظهر لها مالك قبل
الزراعة فعلى المحيي أن يسلمها إلى مالكها.
ولا يقال: إنه فعل بإذن الشرع فلا يضمن، لأن إذن الشرع لا ينافي الضمان،
فإن الجمل الصائل يباح قتله بإذن الشرع ثم يضمن والملتقط يجب عليه التصدق
ويضمن إذا ظهر صاحبها م: (والبعد عن القرية على ما قال شرطه أبو يوسف؛ لأن
الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه) ش: البعد
مرفوع بالابتداء وخبره قوله شرطه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد
(12/280)
فيدار الحكم عليه. ومحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - اعتبر انقطاع ارتفاق أهل القرية عنها حقيقة، وإن كان قريبا من
القرية، كذا ذكره الإمام المعروف بخواهر زاده، وشمس الأئمة السرخسي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتمد على ما اختاره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم
من أحياه بإذنه الإمام ملكه، وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يملكه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من
أحيا أرضا ميتة فهي له» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بسطنا الكلام فيه عن قريب.
م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على القرب الذي هو دليل الارتفاق أراد أن عدم
الارتفاق وانقطاعه أمر خفي لا يطلع بعض الناس، فجعلنا الدليل الظاهر وهو
بعض الأرض من العامر قائما مقامه فأدير الحكم عليه فلم يعتبر انقطاع
الارتفاق حقيقة كما اعتبر محمد.
والحاصل: أن عند أبي يوسف يدار الحكم على القريب والبعيد، وعند محمد على
حقيقة الارتفاق وعدمها وبه قالت الثلاثة وهو معنى قوله: م: (ومحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر انقطاع ارتفاق أهل القرية عنها حقيقة، وإن كان
قريبا من القرية، كذا ذكره الإمام المعروف بخواهر زاده) ش: واسمه: محمد بن
الحسين بن محمد بن الحسن البخاري المعروف بخواهر زاده صاحب " المبسوط "،
مات في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة م:
(وشمس الأئمة السرخسي اعتمد على ما اختاره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -)
ش: يعني أخذ بقوله: وهو أن ما قرب من العامر لا يكون مواتا وعليه اعتمد
القدوري أيضا وشمس الأئمة اسمه محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي
الإمام الكبير صاحب " المبسوط " المشهور في خمسة عشر مجلدا. توفي في حدود
الأربعة مائة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: ثم من أحياه) ش: أي الموات م: (بإذن
الإمام ملكه وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: فهذه أيضا من مسائل القدوري.
م: (وقالا: يملكه) ش: يعني مطلقا وبه قال الشافعي وأحمد وأصبغ وسحنون
المالكي، وقال مالك: إن كان قريبا من العامر في موضع يتسامح الناس فيه
افتقر إلى الإذن من الإمام وإلا فلا، م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ش: هذا الحديث رواه تسعة من
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " عن عمر بن رباح عن
ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أحيا أرضا ميتة
فهي له وليس لعرفق ظالم حق» رواه ابن عدي في " الكامل "، وقال: عمر بن رباح
مولى بن طاوس يحدث عنه بالبواطيل لا يتابع عليه. ثم أسند عن البخاري أنه
قال: عمر بن رباح هو ابن أبي عمر العبدي دجال، وكذلك
(12/281)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نقل عن الفلاس ووافقهما.
الثاني: عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج
حديثها البخاري في " صحيحه " في المزارعة عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها» . وقال عروة: قضى
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته به، ورواه أبو يعلى الموصلي بلفظ
المصنف وقال: حدثنا زهير حدثنا إسماعيل عن أبي أويس حدثني عن أبي هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرف
ظالم حق» وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده ".
حدثنا رفعة بن صالح عن الزهري عن عائشة مرفوعا بلفظ أبو يعلى، ومن طريق
الطيالسي رواه الدارقطني في " سننه ".
ورواه ابن عدي وابن زمعة وقال أرجو أنه لا بأس به. والثالث سعيد بن زيد
أخرج حديثه أبو داود في " الخراج " والترمذي في " الأحكام " والنسائي في "
الموات " عن عبد الوهاب بن السقفي عن أيوب عن هشام بن عروة عن سعيد بن زيد
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحيا أرضا ميتة
فهي له وليس لعرف ظالم حق» وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن
هشام عن عروة مرسلا.
ورواه البزار في " مسنده " وقال: لا نعلم أحدا روى عن هشام بن عروة عن أبيه
عن سعيد بن زيد إلا عبد الوهاب عن أيوب عن هشام والمرسل الذي أشار إليه
الترمذي أخرجه أبو داود. من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال قتله، وزاد: قال عروة:
فلقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث «أن رجلين اختصما إلى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى
لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها.
فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالقوس» . وفي لفظ آخر: «فقال رجل من أصحاب
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكبر ظني أبو سعيد -: فأنا
رأيت الرجل يضرب في أصول النخل» وأخرجه النسائي أيضا عن الليث عن يحيى بن
سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: الحديث مرسلا كذلك ورواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "
الموطأ " في كتاب الأقضية أخبرنا هشام
(12/282)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن عروة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الرابع: جابر أخرج حديثه الترمذي والنسائي أيضا عن عبد الوهاب النفعي عن
أيوب عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» وقال
الترمذي حديث حسن صحيح وفي لفظ النسائي بهذا الإسناد: «من أحيا أرضا ميتة
فهي له فيها أجر وما أكلت العاقبة منها فهو له صدقة» . ورواه ابن حبان في "
صحيحه " بهذا اللفظ عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن الذمي إذا أحيا أرضا
ميتة لم تكن له، لأن الصدقة لا تكون إلا لمسلم وأعاده في النوع الثالث قال
أربعين من القسم الثالث وقال: إن هذا الخطاب للمسلمين لأن الصدقة إنما تكون
منهم -والعاقبة: طلاب الرزق - ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع،
حدثنا هشام بن عروة، عن ابن أبي رافع عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه
الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن القاسم بن مسادر حدثنا محمد بن
عبد الوهاب الحارثي، حدثنا مسلم بن خالد الرياحي عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عبد الله بن عمر مرفوعا بحديث سعيد بن زيد، وقال: تفرد به مسلم بن خالد
عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.
السادس: فضالة بن عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في "
معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن بحيرة الحويطي، حدثنا يحيى بن صالح
الوطاطي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن فضالة بن عبيد قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأرض لله والعباد عباد
الله، من أحيا أرضا مواتا فهي له» .
السابع: مروان بن الحكم، أخرج حديثه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا
موسى بن هارون حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا موسى بن داود، حدثنا نافع بن
عمر الحمي عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن عبد الملك بن مروان عن
عمران بن الحكم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ حديث
فضالة، وقال: تفرد به حجاج بن الشاعر.
الثامن: عمرو بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه بن أبي شيبة
والبزار في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " عن كثير بن عبد الله بن
عمرو بن عوف عن أبيه عن جده
(12/283)
ولأنه مال مباح سبقت يده إليه فيملكه، كما
في الحطب والصيد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مرفوعا بحديث سعيد بن زيد، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بكثير وضعفه
عن أحمد وعن النسائي وابن معين جدا.
التاسع: سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي بإسناده إليه
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحاط على
شيء فهو له» .
م: (ولأنه مال مباح سبقت يده إليه فيملكه) ش: فلا يفتقر إلى إذن الإمام م:
(كما في الحطب والصيد) ش: يعني لو أخذ حطبا أو صيدا أو حشيشا يملكه بدون
إذن الإمام وكذا لو وجد معدنا أو ركازا في موضع لا حق فيه يكون له بدون
إذنه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به» ش: هذا الحديث أخرجه
الطبراني من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه ضعف، وقد تقدم في
السيرة والأولى أن يستدل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما أخرجه أبو
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه المسمى " بالخراج "، عن ليث عن طاوس
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عادي الأرض لله
ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا أرضا ميتة فهي له وليس للمحتجر حق بعد
ثلاث سنين» ورواه أيضا سعيد بن منصور في " سننه " وأبو عبيد والبيهقي في "
سننه " من حديث فضيل عن ليث عن طاووس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا
شيئا من موتان الأرض فله رقبتها» ، وروي أيضا من حديث معاوية بن هشام حدثنا
سفيان عن ابن طاووس عن أبيه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«موتان الأرض لله ولرسوله، فمن أحيا منها شيئا فهي له» . تفرد معاوية بوصله
وقال الذهبي: هذا مما أنكر عليه وجه الاستدلال به: أنه إضافة إلى الله وإلى
الرسول، وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص أحد بشيء منه إلا
بإذن الإمام كالخمس في باب القيمة، إنما أضيف إلى الله ورسوله لم يخص أحد
بشيء منه إلا بإذن الإمام، فعلم أن المراد من قوله «من أحيا أرضا ميتة فهي
له» : ما إذا كان بإذن الإمام لأنه ليس فيه ما ينفي هذا الشرط، فيكون
المراد من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا»
الحديث لبيان السبب وبه نقول وقد دل الدليل على اشتراط الإذن وهو قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس لعرق ظالم حق» لأن السبق على
رأي الإمام والأخذ بطريق التغالب في معنى عرف ظالم فينبغي أن يشترط. وقال
الطحاوي: إن رجلا بالبصرة قال لأبي موسى: أقطعني أرضا لا تضر بأحد من
المسلمين ولا أرض خراج
(12/284)
وما روياه يحتمل أنه إذن لقوم لا نصب لشرع،
ولأنه مغنوم لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، فليس لأحد أن
يختص به بدون إذن الإمام كما في سائر الغنائم، ويجب فيه العشر؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن أتخذها قضبا وزيتونا، فكتب أبو موسى إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فكتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إليه: أقطعه إياها فإن رقاب الأرض لنا،
فدل أن رقاب الأرض لأئمة المسلمين وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " لا حكم إلا لله ورسوله " متفق عليه، فدل أن حكم الأراضي
للإمام.
م: (وما روياه) ش: جواب عما استدلا به أي ما رواه أبو يوسف ومحمد، م:
(يحتمل أنه أذن لقوم) ش: يعني يحتمل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أذن لقوم مخصوص م: (لا نصب لشرع) ش: أي لأنه نصب لشرع ابتداء
وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا فله سلبه»
فإنه ليس نصب لشرع بل لتحريض بعض المقاتلة على القتال، حتى لو قتل الغازي
في زماننا لا يكون السلب له إلا أن يفعله الإمام كذا هذا.
فإن قلت: العبرة لعموم اللفظ.
قلت: إذا سلم عن المعارض وهذا وجد المعارض وهو ما رواه أبو حنيفة، ولئن
سلمنا أن ما رويناه يحتمل نصب الشرع ولكنه يحتمل فلم يصح معارضا لما رواه،
لأنه لا يحتمل إلا وجها واحدا فيحمل ذلك على الإذن عملا بالدليلين.
فإن قلت: ما روياه عام خاص منه الحطب والحشيش وما روياه لم يخص فيكون العمل
به أولى قلت الحطب والحشيش لا يحتاج فيه إلى إذن الإمام فلم يتناولهما عموم
الحديث فلم يصر مخصوصا، والأرض مما يحتاج فيها إلى رأي الإمام لأنها صارت
من الغنائم بإيجاف الحد والضياع الركاب كسائر الأموال أشار إليه المصنف
بقوله: م: (ولأنه مغنوم) ش: أي: ولأن الموات مغنوم، لأنه كان في أيدي
المشركين ثم صار الركاب في أيدي المسلمين بإيجاف الخيل والركاب وهو معنى
قوله:
م: (لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب) ش: بأن الإيجاف مصدر وجف
قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ
وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] أي ما علمتم وثلاثيه وجفه، ووجيف: هو ضرب من سير
الخيل والإبل.
م: (فليس لأحد أن يختص به بدون إذن الإمام) ش: أي بالموات م: (كما في سائر
الغنائم) ش: يعني قبل القسمة وفي بعض النسخ: كما في سائر المغانم م: (ويجب
فيه العشر) ش: ذكره تفريعا
(12/285)
لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا
يجوز إلا إذا سقاه بماء الخراج؛ لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على اعتبار
الماء،
فلو أحياها ثم تركها، فزرعها غيره فقد قيل: الثاني أحق بها، لأن الأول ملك
استغلالها لا رقبتها، فإذا تركها كان الثاني أحق بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على مسألة القدوري أي يجب في الموات الذي أحياه وزرعه العشر.
م: (لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز إلا إذا سقاه بماء الخراج؛
لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على اعتبار الماء) ش: قال الإمام الأسبيجابي
في " شرح الطحاوي ": وإذا ملك أرض الموات بإذن الإمام أو بغير إذنه على
الاختلاف فررعها وإنه ينظر إن زرعها بماء السماء فهي أرض العشر وإن زرعها
بماء هو من أنهار المسلمين فعلى قول أبي يوسف حكمها: حكم تلك الأرض التي
فيها ذلك إن كانت من أرض الخراج فهي من أرض الخراج وإن كانت من أرض العشر
فهي من أرض العشر. وعند محمد: إن كان الماء الذي ساقه إليها من الأنهار
العظام كالنيل والفرات وما أشبههما فهي أرض العشر، وإن كان ذلك الماء من
نهر حفرها الإمام من ماء الخراج فهي أرض خراج، وبه أخذ الطحاوي، انتهى.
وفي كتاب " الخراج ": قال أبو يوسف: ومن أحيا أرضا مواتا مما كان المسلمون
افتتحوها فما كان في أيدي أهل الشرك عنوة، وقد كان الإمام قسمها بين الجند
الذين افتتحوها وخمسها فهي أرض عشر فيؤدي عنها الذي أحياها العشر، كما يؤدي
هؤلاء الذين قسمها الإمام بينهم.
وإن كان الإمام حين افتتح تركها في أيدي أهلها ولم يكن قسمها بين من
افتتحها كما كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ترك السواد في
أيدي أهله ففي أرض الخراج الذي أحيا منها شيئا يؤدي عنها الخراج، كما يؤدي
الذي كان الإمام أخرها في أيديهم.
وأيما رجل أحيا أرضا من أراضي الموات من أرض الحجاز أو أراضي العرب التي
أسلم أهلها عليها فهي أرض عشر وهي له، وإن كانت من الأرضين التي افتتحها
المسلمون مما كان في أيدي أهل الشرك فإن أحياها وساق الماء من المياه التي
كانت في أيدي أهل الشرك فهي أرض خراج، وإن أحياها بغير ذلك الماء ببئر
حفرها فيها أو عين استخرجها منها فهي أرض عشر، وإن كان يستطيع أن يسوق
الماء إليها التي كانت في أيدي الأعاجم فهي أرض خراج ساقه أو لم يسقه. إلى
هنا لفظ أبي يوسف في كتاب " الخراج ".
[من أحيا أرضا ميتة هل يملك رقبتها]
م: (فلو أحياها) ش: أي أرض الموات م: (ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل:
الثاني أحق بها) ش: وهو قول الفقيه أبي القاسم أحمد بن محمد البلخي م: (لأن
الأول ملك استغلالها لا رقبتها) ش: أي استغلال الأرض لا رقبة الأرض.
م: (فإذا تركها كان الثاني أحق بها) ش: أي بالأرض التي أحياها الأول
وتركها، وأصل
(12/286)
والأصح أن الأول ينزعها من الثاني؛ لأنه
ملكها بالإحياء على ما نطق به الحديث، إذ الإضافة فيه بلام التمليك وملكه
لا يزول بالترك،
ومن أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على
التعاقب فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن طريق الأول في الأرض الرابعة
لتعينها لتطرقه. وقصد الرابع إبطال حقه.
قال: ويملكه الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا: أن من أحيا أرضا ميتة هل يملك رقبتها؟ قال بعضهم منهم أبو القاسم
المذكور: لا يملك وإنما يملك استغلالها وبه قال الشافعي في قول: لأنه قال -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث: «فهو أحق به» فدل أي قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهي إضافة التخصيص أي هو المنتفع بدون
ملك.
وعند عامة المشائخ. يملك رقبته وبه قال الشافعي في قول، ومالك وأحمد وأشار
إليه بقوله: م: (والأصح أن الأول ينزعها من الثاني) ش: أي يأخذها من الثاني
نزعا. م: (لأنه ملكها بالإحياء على ما نطق به الحديث) ش: وهي قوله: فهي له.
م: (إذ الإضافة فيه بلام التمليك) ش: إذا قرئ الاختصاص به م: (وملكه لا
يزول بالترك) ش: كمن أخرب داره أو عطل بستانه وتركه حتى مرت عليه سنين فإنه
لا يخرج من ملكه ولقائل أن يقول: الاستدلال بهذا الحديث على مذهبهما صحيح،
أما على مذهب أبي حنيفة: ففيه نظر، لأنه حمله على كونه إذنا لا شرعا فكيف
يصح الاستدلال.
والجواب: أنه وإن كان إذنا لكنه إذا أذن له الإمام كان شرعا ألا ترى أن من
قال له الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه؛ ملك سلب من قتله.
م: (ومن أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على
التعاقب فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن طريق الأول في الأرض الرابعة
لتعينها) ش: ولتعين الأرض الرابعة م: (لتطرقه) ش: أي لتطرق الأول لأنه حين
سكت عن الأول والثاني والثالث صار الباقي طريقا له، وإذا أحياه الرابع فقد
أحيا طريقه من حيث المعنى فيكون له فيه طريق، نظيره: من ترك شيئا عند جماعة
مقام واحد بعد واحد ووهب حتى بقي واحد فإنه يتعين للحفظ.
م: (وقصد الرابع إبطال حقه) ش: أي إبطال حق الأول بعدما تعين تطرقه فيها؛
فإن من أحياها أرضا يملك مرافق الحياة تبعا له، ففي الأرض يملك طريقها
ويقبض ماؤها ويبذر زرعها وما لا يستغنى عنه من مرافقها بالإجماع فعند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مرافقها إلى ما لم يبلغه ماؤها وبعد عنها، وعن
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حرمتها ما ينتهي إليه صوت المنادي من
حدودها.
[الذمي هل يملك بالإحياء في دار الإسلام]
م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويملكه الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم)
ش: أي قال القدوري، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي وأحمد في رواية: لا
يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام لقوله
(12/287)
لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه كما في سائر
أسباب الملك حتى الاستيلاء على أصلنا. قال: ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث
سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره؛ لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل
المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره
تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به؛ لأن الإحياء إنما هو
العمارة، والتحجير الإعلام سمي به لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله،
أو يعلمونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «موات الأرض لله ولرسوله ثم هي
لكم» فيجعل الموات بعده للمسلمين، ولأن موات الدار من حقوقها والدار
للمسلمين فكان مواتها لهم للمرافق المملوكة وقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عادي الأرض لله ورسوله ثم لكم بعدي» رواه سعيد بن
منصور وهو مرسل كما قدمنا.
قال الكاكي: والعجب من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لم يعمل بالمرسل
وقد عمل به؟، قلت: له أن يستدل بحديث جابر الذي أخرجه الترمذي وغيره: «من
أحيا أرضا ميتة فهي له فيها أجر وما أكلت العاقبة منها فله صدقة» والصدقة
لا تكون إلا لمسلم وقد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب، ولنا: أن النصوص لم
تفصل والذمي إنما يعقد الذمة ليصير من أهل دارنا، وله مرافق دار الإسلام
فيملك بالإحياء كما يملك لمباحاتها وإنما قضى في الدار إلى المسلمين لكون
الغلبة لهم.
م: (لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذن
الإمام من شرطه فيستويان فيه) ش: أي يستوي المسلم والذمي في الإحياء م:
(كما في سائر أسباب الملك) ش: مثل الشفعة ونحوها م: (حق الاستيلاء على
أصلنا) ش: أي حتى إن الكافر إذا استولى على مال المسلم يملكه على أصلنا كما
يملكه المسلم خلافا للشافعي.
[حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين]
م: (قال: ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره)
ش: أي قال القدوري: قوله حجر - بتشديد الجيم - يجوز أن يكون من الحجر -بفتح
الجيم - ويجوز أن يكون من الحجر -بسكون الجيم - فعلى الأول: معناه أعم بوضع
الأحجار حوله، لأنهم كانوا يفعلون ذلك وعلى الثاني: معناه يمنع الغير من
إحيائها، لأن الحجر في اللغة: المنع فكان التحجير ما هو إلا الأعلام على ما
يشير إليه المصنف الآن.
م: (لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر
أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس
بإحياء ليملكه به) ش: أي بالتحجير م: (لأن الإحياء إنما هو العمارة
والتحجير الإعلام سمي به) ش: أي بالتحجير. م: (لأنهم كانوا يعلمونه بوضع
الأحجار حوله) ش: أشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر بفتح الجيم م:
(أو يعلمونه
(12/288)
لحجر غيرهم عن إحيائه، فبقي غير مملوك كما
كان هو الصحيح، وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: " ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحجر غيرهم عن إحيائه) ش: وأشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر -بسكون
الجيم - الذي معناه المنع أي يعلمونه لمنع غيرهم عن إحياء الموات الذي
احتاط عليه.
م: (فبقي غير مملوك كما كان) ش: أي إذا كان الأمر كذلك بقي الموات حال كونه
غير مملوك كما كان أولا إذا لم يفد بحجره م: (هو الصحيح) ش: احترز عما روي
عن بعض مشائخنا: أنه يصير مملوكا للحجر، ذكره في " المحيط " وذكر خواهر
زاد: أن التحجير ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في الأصح وأحمد، ويصير هو أحق به لما روي عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سبق إلى مال لم يسبق إليه مسلم فهو أحق
به» . رواه أبو داود.
وقال الأترازي: ثم الاحتجار هل يفيد الملك أم لا؟ فيه اختلاف المشائخ قيل:
يفيد ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين وقيل: لا يفيد وثمرة الخلاف تظهر في إذا جاء
إنسان آخر قبل مضي ثلاث سنين فأحياه من قال إن الأحجار لا يفيد ملكا قال
ملكه الثاني، ومن قال يفيد لا يملكه الثاني ويزرعه الأول في يده، احتج من
قال بإفادة الملك بما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أشار إليه
المصنف بقوله:
م: (وإنما شرط ترك الثلاث سنين لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس
لمحتجر بعد ثلاث سنين حق) ش: فيكون له الحق من ثلاث سنين والحق إذا أطلق
يراد به الملك لا مجرد الحق من غير ملك بدليل ما قال في كتاب الإقرار: إذا
قال: لفلان حق في هذه الدار وبين شيئا من حقوقها، لأن حق الرقبة لا يصدق
المقر في ذلك وجه من قال لا يفيد ملك إن الاحتجار ليس بإحياء وإنما هو
بمنزلة الاستيام على الإحياء فلا يفيد ملكا كاستيام في باب البيع، إلا أنه
يكره إحياء الثاني قبل مضي ثلاث سنين مراعاة لحق الحجر ونفيا للوحشة عنه،
ثم أثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو يوسف في " كتاب الخراج "
حدثني الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: من أحيا
أرضا ميتة فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين.
والحسن بن عمارة ضعيف وسعيد عن عمر فيه كلام.
ورواه أيضا في " سننه " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من تحجر
أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فغمروها فهم أحق بها. ورواه البيهقي في "
سننه الكبرى " من حديث معمر
(12/289)
ولأنه إذا أعلمه لا بد من زمان يرجع فيه
إلى وطنه، وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه بثلاث
سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك، وإذا لم يحضر
بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها. قالوا: هذا كله ديانة فأما إذا أحياها
غيره قبل مضي هذه المدة ملكها؛ لتحقق الإحياء منه دون الأول فصار
كالاستيام، فإنه يكره، ولو فعل يجوز العقد، ثم التحجير قد يكون بغير الحجر
بأن غرز حولها أغصانا يابسة، أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من الشوك، أو خضد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن ابن نجيح عن عمرو بن شعيب: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل التحجر
ثلاث سنين فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها.
والاحتجار: من احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا أو علمت علما في حدودها
للخيار.
م: (ولأنه إذا أعلمه) ش: أي ولأن المحيي إذا أعلم الموات م: (لا بد من زمان
يرجع فيه إلى وطنه وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه
بثلاث سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك) ش: أي
بما ذكرنا من الرجوع إلى وطنه لتهيؤ أمره إلى الزراعة ورجوعه إلى ما يحجره،
لأن دار الإسلام من أدناها إلى أقصاها يقطع في سنة للعلة، إنما حجر في أقصى
طرق دار الإسلام وبلده في الطرف الآخر من دار الإسلام. ولاصطلاح أموره في
بلده سنة وللرجوع إلى ذلك الموضع سنة فلا ينبغي أن يشتغل بإحياء ذلك الموضع
غيره إلى ثلاث سنين وينظره، وبعد هذا المعنى الظاهر أنه قد بدا له ولا يريد
الرجوع إليها فجاز إحياؤه غيره.
م: (وإذا لم يحضر بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها) ش: وقد ذكرناه، م:
(قال: وا: هذا كله ديانة) ش: قالت المشائخ: هذا الذي ذكرناه من اشتراط
الترك ثلاث سنين لإحياء غيره ديانة، يعني فيما بينه وبين الله سبحانه
وتعالى.
وأما في الحكم: إذا أحياها إنسان قبل مضي هذه المدة فهي أشار إليه بقوله:
م: (فأما إذا أحياها غيره) ش: أي غير المحتجر م: (قبل مضي هذه المدة) ش: أي
ثلاث سنين م: (ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول) ش: وهو الحجر م: (فصار
كالاستيام) ش: في باب البيع م: (فإنه يكره) ش: لورود النهي. م: (ولو فعل)
ش: أي الاستيام م: (يجوز العقد) ش: فكذا هنا وإن كان يكره ولكنه إذا أحياها
يملكها. م: (ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة) ش:
أي بأن نصب حول الأرض الموات أغصانا يابسة م: (أو نقى الأرض) ش: من الحصى
والشوك، لأنهما يمنعان الزراعة.
وأشار إلى معنى قوله " نقى الأرض " بقوله: م: (وأحرق ما فيها من الشوك) ش:
حيث عطف أحرق على نقى للتفسير م: (أو خضد) ش: أي قطع بالخاء والضاد
المعجمتين ومنه قوله
(12/290)
ما فيها من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها
وجعل التراب عليها من غير أن يتم المثناة؛ ليمنع الناس من الدخول، أو حفر
من بئر ذراعا أو ذراعين، وفي الأخير ورد الخبر،
ولو كربها وسقاها فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إحياء، لو فعل أحدهما
يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارا ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر
الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين، ولو حوطها أو سمنها بحيث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبحانه وتعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة: 28] م: (ما فيها) ش: أي
في أرض الموات م: (من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها وجعل التراب فوقها من
غير أن يتم المثناة) ش: وهي ما يبنى للسائل ليرد الماء م: (ليمنع الناس من
الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين) ش: فكل ذلك بحجر.
م: (وفي الأخير) ش: أراد بالأخير ما إذا حفر من بئر ذراعا أو ذراعين م:
(ورد الخبر) ش: قالت الشراح: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من حفر من بئر ذراعا فهو متحجر» قال الزيلعي في " تخريجه ":
هذا الحديث ما رأيته ولا أعرفه ولم أر من ذكره.
قلت: لا يلزم من عدم معرفة الزيلعي أن لا يكون هذا حديثا ولا يلزم أيضا أن
يكون ما ذكره الشراح هو مراد المصنف في قوله: وفي الأخير ورد الخبر، بل
يجوز أن يكون مراده ما رواه الشافعي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم
الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة: أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره
فضرب برجله وقال: سيام الأرض أن لها سياما ما زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا
أعرف حقي من حقه لي بياض المردة وله سوادها ولي ما بين كذا إلى كذا، فبلغ
ذلك عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال: ليس لأحد إلا ما أحاطت
عليه جدرانه، إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا أو يخلط بالجدارات.
ورواه البيهقي في " سننه " من طريق الشافعي.
فهذا عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جعل الحفر من جملة التحجير،
والحفر في الموات غالبا لا يكون إلا في البئر، وإنما قيد المصنف بذراع أو
ذراعين شبها على أن خروج الماء من البئر، ليس بشرط التحجير فإنه بالحفر
يصير محجرا سواء خرج ماء أو لا. وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما لم
يخرج الماء فهو متحجر، وإن خرج لا يكون. فهذا هو التحقيق في هذا الموضع
الذي غض الشراح كلهم أبصارهم [عنه] .
م: (ولو كربها) ش: من كرب الأرض إذا قلبها للحراثة م: (وسقاها فعن محمد أنه
إحياء، ولو فعل أحدهما) ش: بأن كربها ولم يسقها م: (يكون تحجيرا، ولو حفر
أنهارها ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء
لوجود الفعلين) ش: أي السقي والحفر م: (ولو حوطها) ش: أي جعل لها حائطا م:
(أو سنمها) ش: أو جعل لها السنام مأخوذ من سنام البعير م: (بحيث
(12/291)
يعصم الماء يكون إحياء؛ لأنه من جملة
البناء، وكذا إذا بذرها. قال: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى
لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليها، حقيقته، أو دلالة على ما
بيناه، فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر. وعلى هذا
قالوا: لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار
التي يستقي الناس منها لما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعصم الماء يكون إحياء) ش: أي يحفظه من السيلان إلى غيرها.
وفي بعض النسخ: بحيث يعصم الماء أي الذي يمر من الدخول فيها م: (لأنه من
جملة البناء) ش: أي لأن لكل واحد من التحويط والسنم من جملة البناء. م:
(وكذا إذا بذرها) ش: أي الأرض الموات، ألقى البذار فيها.
وفي " المحيط ": عن أبي حنيفة: إن حفر فيها بئرا أو ساق إليها ماء، فقد
أحياها، زرعها ومرعاها.
[إحياء ما قرب من العامر]
م: (قال: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر) ش: أي قال القدوري: ولا نعلم
فيه خلافا لأهل العلم م: (ويترك مرعى لأهل القرية) ش: أي مرعى لمواشيهم م:
(ومطرحا لحصائدهم) ش: وهو جمع حصيد، وحصيدة، وهما الزرع المحصود ومطرح
الحصائد هو الموضع الذي يلقى فيه الزرع المحصود للدرس م: (لتحقق حاجتهم
إليها) ش: أي إلى ما قرب من العامر، والتأنيث باعتبار الأرض.
م: (حقيقته) ش: بالجر على أنه بدل من حاجتهم أي لتحقق حقيقة الحاجة عند
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (أو دلالة) ش: عطف عليه أي أو لتحقق دليل الحاجة عند أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما بيناه) ش: أراد به قوله: ومحمد اعتبر
الارتفاق.... إلى آخره.
م: (فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها) ش: أي إذا كان كذلك فيكون ما قرب من
العامر مواتا، لتعلق حق أهل القرية، فيكون م: (بمنزلة الطريق والنهر) ش:
تعلق بهما حق أهل القرية، فلا يجوز احتجارها. م: (وعلى هذا قالوا) ش: أي
على ما ذكرنا من تعلق حق الناس، قالت المشائخ: م: (لا يجوز للإمام أن يقطع
ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها) ش: أي ما
لا بد لهم منه يقال: أقطع السلطان رجلا أيضا إذا أعطاه إياها وخصصه بها.
م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فتعلق حقهم بها، ولا نعلم فيه خلافا،
وروى الترمذي وأبو داود -رحمهما الله - من حديث ثمامة بن شراحيل عن سمي بن
قيس، عن شمير بن عبد المدان، عن أبيض بن حمال: «أنه وفد إلى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستقطعه الملح الذي
(12/292)
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن حفر بئرا في
برية فله حريمها ومعناه إذا حفر في أرض موات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بمأرب، فقطعه فلما أن ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت
له الماء العد. قال: فانتزع منه» .
وأخرجه البيهقي وغيرهما من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن قيس
المازني، عن رجل [يدعى] أبيض: «أنه استقطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الملح الذي بمأرب فأراد أن يقطعه إياه، فقال رجل: إنه كالماء
العد فأبى أن يقطعه» .
وقال الأصمعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الماء العد الدائم الذي لا انقطاع له
هو كماء العين، وماء البئر، وعن هذا قال مشائخنا: من السحت ما يأخذه
المرعاة، فالولاة على الماء، والكلأ، والجبال، والمردح، والمعادن، والملح،
وجميع ذلك ذكره في " التتمة "، و " الغنية "، و " المجتبى " وغيرها.
وأما الحمى: وهو أن يحمي السلطان أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها
يخص بها نفسه رؤوسهم كالعرب في الجاهلية يفعلون ذلك، فعندنا: لا يجوز. وأما
لو حمى مرعى خيل المجاهدين، ونعم الجزية، وأهل الصدقة، وحيوان الناس التي
يقوم الإمام بحفظها، وماشية الضعيف من الناس: فيجوز، وبه قال الشافعي في
قول، وفي آخر: ليس لغير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن
يحمي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حمى إلا لله
ورسوله» .
قلنا: إن عمر، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حميا، واشتهر ذلك في
الصحابة، ولم ينكر عليهما أحد فكان إجماعا. وقال مالك: بلغني أن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يحمي في كل عام أربعين ألفا من الظهر، ولأن ما
كان من مصالح المسلمين فالأئمة قائمة مقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما
أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده» . وأما الخبر فمعناه أنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختص بفعل الحمى لا لكل أحد، والأئمة
بعده تقوم مقامه، إذ الحمى لنفسه مخصوص به.
م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن حفر بئرا في برية فله حريمها) ش: أي
قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وحريم البئر نواحيها م: (ومعناه) ش: أي
معنى كلام القدوري: م: (إذا حفر في أرض موات
(12/293)
بإذن الإمام عنده، أو بإذنه أو بغير إذنه
عندهما؛ لأن حفر البئر إحياء. قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من حفر بئرا فله مما حولها
أربعون ذراعا عطنا لماشيته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بإذن الإمام عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما)
ش: أي عند أبي يوسف، محمد - رحمهما الله - م: (لأن حفر البئر إحياء) ش:
لأنه يصير منتفعا به، فإذا كان إحياء فقد ملكها، ومن ملك شيئا ملك ما هو من
ضروراته، والحريم من ضرورات الانتفاع بالبئر فيملكه.
م: (قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا) ش: أي قال القدوري: والعطن
مناخ الإبل ومبركها حول الماء، والمراد من بئر العطن العطن الذي يستلقي
منها بالبدر من بئر الناضح: الذي تسقى منها البعير، كذا قالوا.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه المسمى بكتاب " الخراج ":
وتفسير الناضح: الذي تسقى منها البعير للزرع، وبئر العطن وهي: بئر الماشية
التي يستقي الرجل منها لماشيته ولا تسقى منها الزرع، وكل بئر يستقي منها
الزرع والإبل فهي بئر الناضح م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا طعنا لماشيته» ش: هذا الحديث
أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الوهاب بن عطاء حدثنا إسماعيل بن مسلم
المكي، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال «من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته» . وأخرجه
أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى، عن إسماعيل بن مسلم به.
فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": هذا ضعيف؛ لأن عبد الوهاب بن عطاء
قال الرازي فيه: كان يكذب. وقال النسائي: متروك الحديث.
قلت: قال في " التنقيح ": هذا الذي فعله ابن الجوزي في هذا الحديث من أقبح
الأشياء؛ لأن ابن ماجه من رواية اثنين عن إسماعيل بن مسلم، فذكره، وهو من
رواية أحدهما، ثم إنه وهم فيه، فإن عبد الوهاب هذا هو الخفاف، مع أن الخفاف
لم ينفرد به عن إسماعيل فقد أخرجه ابن ماجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن
المثنى عن إسماعيل، انتهى.
قلت: وقد صرح بنسبة الخفاف إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال: حدثنا عبد
الوهاب بن عطا الخفاف عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق بن راهويه في
" مسنده "، فقال:
(12/294)
ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق
رواه الطبراني في " معجمه ".
فإن قلت: قال صاحب " التنقيح ": ويكفي في ضعف الحديث إسماعيل بن مسلم
المكي.
قلت: قد تابعه أشعث، كما أخرجه الطبراني في " معجمه " عن أشعث عن الحسن عن
عبد الله بن مغفل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
وروى أحمد في " مسنده ": حدثنا هشيم عن عوف عن رجل حدثه عن أبي هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل
والغنم وابن السبيل أو الشارب ولا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ» .
وأخرجه البيهقي أيضا في " سننه "، ومذهب الشافعي ومالك حريم البئر ما لا بد
لها منه، وبه قال القاضي، وأبو الخطاب الجيلبان. وعن أحمد: خمسة وعشرون
ذراعا، واستدل له ابن الجوزي بما رواه الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري:
حدثنا إسحاق بن أبي حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخصيب، حدثنا هارون بن عبد
الرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم
البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا» .
قلت: قال الدارقطني: الصحيح مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم. وقال
صاحب " التنقيح ": قال الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري: وضع نحوا من ستين
نسخة، ووضع من الأحاديث المسندة، والنسخ ما لا يضبط، وقد رواه أبو داود -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المراسيل " -عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري، عن
إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن سعيد مرسلا، وهو الصواب المراد من البدي
الذي أحدث في الإسلام، ولم يكن عاديا، والعادي بتشديد الياء ما كان قديما.
م: (ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب) ش: يعني من كل جانب عشرة أذرع فظاهر
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر بئرا فله مما حولها
أربعون ذراعا عطنا لماشيته» فإنه بظاهره يجمع الجوانب الأربع م:
(12/295)
والصحيح أنه من كل جانب؛ لأن في الأراضي
رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها. وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا،
وهذا عندهما، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعون ذراعا. لهما قوله
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم
بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(والصحيح أنه من كل جانب) ش: أي أربعون من كل جانب لما روى أبو يوسف من
كتاب " الخراج "، وقال: حدثنا أشعث بن قيس، عن الشعبي، أنه قال: حريم البئر
أربعين ذراعا، وها هنا لا يدخل أحد في حريمه ولا في مائه.
م: (لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها) ش: فيصير حينئذ
حريم كل واحد أقل من الأربعين، فيضيق العطن وتدخل الحفر م: (وإن كانت
للناضح) ش: أي وإن كانت البئر للناضح وهو البئر الذي يسقي عليه م: (فحريمها
ستون ذراعا) ش: هكذا هو في بعض النسخ م: (وهذا عندهما) ش: أي كون حريم بين
الناضح ستون ذراعا عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله.
م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعون ذراعا) ش: لم يذكر
القدوري، ولا الطحاوي في " مختصرهما " الخلاف..... وبين الناضح، بل ذكرا
مطلقا أنه ستون ذراعا. وذكر القدوري في كتاب " التقريب "، وشيخ الإسلام
خواهر زاده في " مبسوطه "، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": أنه
أربعون ذراعا.
م: (لهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حريم العين خمسمائة
ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» ش: هذا
الحديث متصلا لم يصح، وإنما رواه أبو يوسف في كتاب " الخراج " عن الحسن بن
عمارة، عن الزهري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم البئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر
الناضح ستون ذراعا» .
وأخرج أبو داود من " مراسيله " عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم البئر العادية
خمسون ذراعا، وحريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا» . قال سعيد -من قبل
نفسه -: وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع. وزاد الزهري: وحريم العين خمسمائة
ذراع من كل ناحية. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ". حدثنا وكيع، عن سفيان،
عن إسماعيل بن أمية، عن الشعبي، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فذكره، بدون زيادة الزهري.
رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا محمد بن مسلم، حدثنا يحيى بن سعيد،
عن ابن المسيب، قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر
(12/296)
ولأنه قد يحتاج فيه إلى أن يسير دابته
للاستقاء، وقد يطول الرشاء، وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت الحاجة فلا
بد من التفاوت. وله ما رويناه من غير فصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العادية خمسون ذراعا» . قال ابن المسيب: وأرى أن حريم بئر الزرع ثلاثمائة
ذراع.
فإن قلت: أخرج الدارقطني في " سننه " عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر، عن
الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضوان الله تعالى عنه - عن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حريم البئر البدي خمسة وعشرون
ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم العين السائحة ثلاثمائة
ذراع، وحريم عين الزرع ثلاثمائة ذراع» .
قلت: هذا معلول بابن أبي جعفر؛ لأنه ضعيف.
فإن قلت: روى الدارقطني أيضا عن محمد بن يوسف المقري: حدثنا إسحاق بن أبي
حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخطيب، حدثنا هارون بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن
عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
قلت: قال الدارقطني: الصحيح عن ابن المسيب المرسل، ومن أسنده فقد وهم.
م: (ولأنه قد يحتاج فيه) ش: أي في الناضح م: (إلى أن يسير دابته للاستقاء،
وقد يطول الرشاء) ش: وهو الحبل م: (وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت
الحاجة فلا بد من التفاوت) ش: بين بئر العطن، وبئر الناضح. وعن محمد في "
النوادر ": إن كان الحبل سبعون ذراعا، يكون الحريم سبعون ذراعا، لأن في بعض
البلاد الناضح لا يدور حول البئر كما في الطاحونة، بل يسد أحد طرفيه على
البعير، والآخر على الدولاب فوق الماء، ثم يساق البعير فكل ما سار مقدار
الحبل ارتفع الدلو إلى رأس البئر، فلو قدرناه بالسبعين لا يمكنه الانتفاع
بها.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (ما رويناه) ش: أشار إلى قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا
عطنا لماشية العطن» م: (من غير فصل) ش: أي بين العطن والناضح، احترز بأنه
مقيد بقوله: عطنا لماشيته، فيكون قد فصل بين العطن والناضح.
وأجيب: بأن ذكر ذلك اللفظ للتغليب لا للتقييد، فإن الغالب في انتفاع الآبار
في الفلوات هذا الطريق ليكون ذكر العطن ذكرا لجميع الانتفاعات، كما في
قَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) ،
قيد بالبيع لما أن الغالب في ذلك اليوم البيع، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى
-: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء:
10] (النساء: الآية 10) ، والوعيد ليس
(12/297)
والعام المتفق على قبوله والعمل به أولى
عنده من الخاص المختلف في قبوله والعمل به. ولأن القياس يأبى استحقاق
الحريم لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به، ففيما اتفق عليه الحديثان
تركناه، وفيما تعارضا فيه حفظناه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مخصوصا بالأكل، ولكن الغالب أمره الأكل فأخرجه على ما عليه الغالب. م:
(والعام المتفق على قبوله) ش: وهو قوله: من حفر بئرا فله مما حوله أربعون
ذراعا، وعمومه مستفاد من كلمة " من " لأنها تفيد العموم، وكونه متفقا على
قبوله، لأن له موجبين: أحدهما: أن يكون الحريم أربعون ذراعا، والثاني: أن
لا يكون زائدا عليه، لأنه ذكر بكلمة من وهي للتبعيض، والتبيين ممتنع عليه
الزيادة، وهي قد عملا بأحد الموجبين.
وإن لم يعملا بالموجب الآخر وهو ممتنع الزيادة، وفي الستين يكون أربعون
وزيادة، وهذا كما اعتبر في باب العشر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء ففيه العشر» للاتفاق على قبوله، وترك العمل
بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة أوسق
صدقة» للاختلاف في قبوله. م: (والعمل به) ش: أي بالعام المتفق على قبوله م:
(أولى عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الخاص
المختلف في قبوله والعمل به) ش: أراد بالخاص حديث الزهري، وهو قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم العين....» إلى آخره.
فإن قلت: لا نسلم عموم الأول، لأن معناه من حفر بئر العطن فله مما حولها
أربعون ذراعا، وهو خاص بالعطن كما ترى.
قلت: ليس عطنا صفة لبئر حتى يكون مخصصا، وإنما هو بيان الحاجة إلى
الأربعين، فيكون دافعا لمقتضى القياس، فإنه ينافي استحقاق الحريم، لأن عمل
الحافر في موضع الحفر استحقاقه بالعمل، ففي موضع الحفر استحقاقه كما تركناه
به.
فإن قيل: ما تركه في الناضح أيضا حديث الزهري لئلا يلزم التحكم.
قلنا: حديثه فيه معارض بالعموم، فيجب المعين إلى ما بعده وهو القياس
فحفظناه، وهذا كله حاصل معنى قوله: م: (ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم
لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به) ش: أي بالحفر م: (ففيما اتفق عليه
الحديثان) ش: وهو أربعون ذراعا م: (تركناه) ش: أي القياس م: (وفيما تعارضا)
ش: أي الحديثان م: (فيه) ش: أي فيما زاد على الأربعين إلى الستين م:
(حفظناه) ش: أي القياس تحقيقه أن الحديثين اتفقا على الأربعين. فترك القياس
في هذا القدر. وفيما وراء الأربعين تعارضا، لأن العام ينفيه، والخاص يثبته
فتساقطا، فعملنا بالقياس.
(12/298)
ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر
الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما،
ويمكنه أن يدير البعير حول البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة. قال: وإن
كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع لما روينا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: كيف يتعارضان، وقد ذكر القبول في أحدهما، والاختلاف في الآخر؟.
قلت: يعني به صورة المعارضة كما يقال: إذا تعارضا المشهور مع خبر الواحد
ترجح المشهور، وعدم التعارض معلوم.
م: (ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة
فيهما) ش: أي في العطن والناضح، وهذا في الحقيقة جواب عما قالا، فلا بد من
التفاوت لا يقال: إن بئر الناضح الغالب فيها البعير لا اليد للحرج؛ لأنا
نقول: بئر الناضح عندهم لا على حسب ما يكون في بلادنا أن البعير يدور حول
البئر كما في الطاحونة، ولكن عندهم بئر الناضح أن يشد الحبل في وسط البعير،
ويشد الدلو في الطرف الآخر في الحبل، ثم يساق فإذا ساق مقدار الحبل يقع
الدلو في رأس البئر فيؤخذ الماء، فإذا كان بئر الناضح عندهم على هذا
التفسير يمكنه نزح الماء باليد، ويمكن في العطن بالناضح أيضا فاستويا، كذا
في " المبسوط " و " الذخيرة ".
م: (ويمكنه أن يدير البعير) ش: أي يمكن أن يستقي بإدارة البعير م: (حول
البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة) ش: لعدم الامتداد، وهذا ظاهر م: (قال:
وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع) ش: أي قال القدوري: وعند الأئمة
الثلاثة يقدر ما لا بد منه في الارتفاق بحسب العلاة م: (لما روينا) ش: أشار
به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم العين خمسمائة
ذراع» .
ولفظ القدوري مختلف؛ في بعض النسخ: خمسمائة ذراع، وفي بعضها: ثلاثمائة
ذراع، وعلى الثاني اعتمد في " شرح الأقطع "، فلأجل اختلاف النسخ قال صاحب "
النافع ": وإن كان عينا فحريمها خمسمائة في رواية، وفي رواية ثلاثمائة،
وشيخ الإسلام خواهر زاده لم يذكر في " مبسوطه " سوى خمسمائة.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأصح عندي خمسمائة، لأنه يوافق لحديث
الزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «حريم العين خمسمائة ذراع» وهذا هو التوفيق، نص عليه
الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، فقال: ومن حفر عينا في أرض
موات، وملكها بما يملك مما ذكرنا فله حريمها وهو خمسمائة ذراع من كل جانب
من جوانبها، انتهى.
والتقدير بثلاثمائة بالاجتهاد حتى يأمن من الضرر بإثبات هذا القدر من
الحريم إذا حفر
(12/299)
ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن
العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه
الماء، ومن موضع يجري فيه إلى المرزعة، فلهذا يقدر بالزيادة، والتقدير
بخمسمائة بالتوقيف. والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب كما ذكرنا في العطن
والذراع هو المكسرة، وقد بيناه من قبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إنسان بعينه بئرا أو عينا كيلا يذهب ماءها ولا ينقص، انتهى كلام الأترازي.
قلت: قد روى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث يحيى بن آدم حدثنا
إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: حريم البئر خمسون ذراعا، وحريم العين
مائة ذراع. فكان ينبغي أن يكون هذا هو الأصح، لأنه قول حبر الأمة عبد الله
بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
م: (ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من
موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه الماء) ش: كالغدير م: (ومن موضع) ش:
أي ولا بد من موضع م: (يجري فيه إلى المزرعة) ش: أي يجري الماء من ذلك
الموضع إلى المزارع، وفي بعض النسخ: إلى المزارعة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل
ما ذكرنا من المعاني م: (يقدر بالزيادة، والتقدير بخمسمائة بالتوقيف) ش:
على حريم البئر، هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن يقال: لما كان حريم
العين محتاجا إلى زيادة لما ذكر من المعاني، فلم قدرت بخمسمائة وعينت بها؟.
فأجاب: أن التقدير بها بالتوفيق أي بالأثر الوارد بها، وقد ذكرناه.
م: (والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب) ش: أشار بهذا إلى الاختلاف فيه
أنها من كل الجوانب، ومن كل جانب كما اختلفوا في حريم البئر، ونص على أن
الصحيح أنها من كل جانب. م: (كما ذكرنا في العطن) ش: أي كما ذكرنا الأصح من
العطن أن الأربعين من كل جانب م: (والذراع هو المكسرة) ش: وهي ذراع العامة،
وهي ذراع الكرباس أقصر من ذراع المساحة التي هي ذراع الملك، لأن المساحة
بيع فيضات بدون ارتفاع الإبهام، وهذا هو اختيار خواهر زاده.
وبعضهم اختار ذراع المساحة، لأنها أليق بالممسوحات، هكذا ذكر أصحابنا ذراع
المساحة، ولكن فيه نظر، لأن أصحاب المساحة ذكروا في كتبهم أن الذراع هي
الهاشمية وهي ثمان قبضات، والقبضة أربع أصابع، والأصبع شعيرات بطون بعضها
ملاصقة لظهور بعض الشعير يثبت شعرات من شعر البرذون.
فإن قلت: ما معنى قول " المكسرة "، وتوصيف الذراع بها لأنها نقضت عن ذراع
الملك وهم بعض الأكاسرة بقبضته، وكان ذراعه سبع قبضات م: (وقد بيناه من
قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره في كتاب الطهارة من قوله: بذراع الكرباس
وتوسعة للأمر على الناس فإنها هي المكسرة.
(12/300)
وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما
ذكرناه في أراضيهم لصلابة بها، وفي أراضينا رخاوة فيزداد كيلا يتحول الماء
إلى الثاني فيتعطل الأول. قال: فمن أراد أن يحفر بئرا في حريمها منع منه
كيلا يؤدي إلى تفويت حقه والإخلال به، وهذا لأنه بالحفر ملك الحريم ضرورة
تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن احتفر آخر بئرا في
حد حريم الأولى للأول أن يصلحه ويكبسه تبرعا. ولو أراد أخذ الثاني فيه قيل
له أن يأخذه بكبسه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد بينا الوجه في أن الخمسمائة يعتبر
من كل جانب، لأنه لم يذكر بيان الذراع المكسرة فيما تقدم، وتبعه الكاكي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك وهي أو كلاهما في ذلك وهما فاحشا.
م: (وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما ذكرناه في أراضيهم) ش: أي في
أراضي العرب، وقوله في أراضيهم هو خبران، وما ذكره في العين هو: خمسمائة،
وفي البئر: أربعون أو ستون م: (لصلابة بها) ش: أي لأجل الصلابة الكائنة
بأراضيهم م: (وفي أراضينا رخاوة فيزداد) ش: على الأربعين والخمسمائة م:
(كيلا يتحول الماء إلى الثاني) ش: أي إلى البئر الثاني، أو العين الثاني
على اعتبار حفر الآخر م: (فيتعطل الأول) ش: وهو البئر الأول، أو العين
الأولى، والتوصيف بالتذكير في الموضعين على تأويل المكان أو الموضع.
[احتفر آخر بئرا في حد حريم الأولى]
م: (قال: فمن أراد أن يحفر بئرا في حريمها منع منه) ش: أي قال القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في الحريم البئر الأول، أو العين الأولى. قوله: منع
منه، أي منع ذلك الحافر من الحفر م: (كيلا يؤدي إلى تفويت حقه، والإخلال
به) ش: أي وكيلا يؤدي إلى الإخلال بحقه باعتبار نقص بئره أو عينه م: (وهذا)
ش: أي عدم جواز حفر الثاني في حريم الأولى م: (لأنه بالحفر ملك الحريم) ش:
وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والقاضي الحنبلي: لا تملك؛ بل هو أحق.
م: (ضرورة تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن احتفر
آخر بئرا في حد حريم الأولى) ش: أي البئر الأول م: (للأول أن يصلحه ويكسبه)
ش: أي يصلحه بالكبس، وقوله: ويكبسه عطف تفسير كما في قولنا: أعجبني زيد
وكرمه، والتقدير: أعجبني كرم زيد م: (تبرعا) ش: أي حال كونه متبرعا أراد به
إصلاح ما أفسده من الأرض من عنده، ولا يأخذه الثاني شيئا لأجل ذلك.
م: (ولو أراد أخذ الثاني فيه) ش: أي: ولو أراد الأول من أخذه الثاني فيما
فعل له ذلك، ولكن اختلف المشايخ فيه م: (قيل: له أن يأخذه بكبسه) ش: يعني
بأمر الثاني بكبس البئر التي
(12/301)
لأن إزالة جناية حفره به كما في الكناسة
يلقيها في دار غيره، فإنه يؤخذ برفعها، وقيل: يضمنه النقصان ثم يكبسه
بنفسه، كما إذا هدم جدار غيره. وهذا هو الصحيح ذكره في " أدب القاضي "
للخصاف، وذكر طريق معرفة النقصان، وما عطب في الأولى؛ فلا ضمان فيه؛ لأنه
غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما، والعذر
لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجعل الحفر تحجيرا، وهو بسبيل منه
بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه.
وما عطب في الثانية ففيه الضمان؛ لأنه متعد فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حفرها وإزالة الجناية حفره م: (لأن إزالة جناية حفره به) ش: أي بالكبس م:
(كما في الكناسة) ش: بضم الكاف، وهي الزيادة م: (يلقيها في دار غيره، فإنه
يؤخذ برفعها) ش: أي فإن الملقي يؤاخذ برفع الكناسة لإزالة الضرر.
م: (وقيل: يضمنه النقصان) ش: أي يضمن الأول الثاني نقصان حريمه م: (ثم
يكبسه) ش: أي ثم يكبس الأول بنفسه ما حفر الثاني م: (كما إذا هدم جدار
غيره) ش: حيث يلزم نقصان الهدم ثم سببه بنفسه م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي
القول الثاني هو الصحيح م: (ذكره في " أدب القاضي " للخصاف) ش: أراد أن
الخصاف ذكره في كتابه " أدب القاضي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وذكر طريق
معرفة النقصان) ش: أي وذكر الخصاف كيفية معنى فيه النقصان، وهو أن يقوم ما
قبل الحفر، ويقوم ما بعد الحفر فيضمن نقصان ما بينهما م: (وما عطب في
الأولى فلا ضمان فيه) ش: أي والذي هلك في البئر الأولى لا ضمان فيه م:
(لأنه غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما)
ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله - لأن له أن يحفر بغير إذن الإمام
عندهما، ولهذا ملك البئر في الحالتين، فإذا كان له ولاية الحفر لا يكون
متعديا فلا يضمن ما تولد من حفره، كما لو حفر في داره.
م: (والعذر لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد بذلك جواب الإشكال
الذي يرد على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كان الأول حفرها بلا
إذن الإمام، والإشكال لا يرد إلا على هذا الوجه؛ لأنه إذا كان بإذن الإمام
لا يرد شيء م: (أنه يجعل الحفر تحجيرا) ش: أي أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - يجعل الحفر تحجيرا م: (وهو بسبيل منه) ش: أي من التحجير م: (بغير
إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه) ش: أي بدون الإذن. الحاصل: أن له
ولاية التحجير بغير إذن الإمام، وإن لم يكن له الإحياء بغير إذنه، فيجعل
حفره بغير إذن الإمام تحجيرا لا إحياء، فإذا كان كذلك فقد فعل ما له فعله
فلا يكون متعديا فلا يضمن ما تولد فيه.
[حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء
البئر الأولى]
م: (وما عطب في الثانية) ش: أي والذي هلك في البئر الثانية م: (ففيه
الضمان، لأنه متعد فيه
(12/302)
حيث حفر في ملك غيره. وإن حفر الثاني بئرا
وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في
حفرها، وللثاني الحريم في الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك
الحافر الأول فيه والقناة لها حريم بقدر ما يصلحها. وعن محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث حفر في ملك غيره) ش: فصار كما إذا حفر على قارعة الطريق م: (وإن حفر
الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه
غير متعد في حفرها) ش: لأن له أن يحفر بئرا خارج حريم الأولى، والحافر
مسبب، فإذا لم يكن متعديا في السبب لا ضمان عليه.
والأصل فيه: أن الماء تحت الأرض غير مملوك لأحد فليس له أن يخاصمه في تحويل
ماء بئره إلى بئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت وآخر أخذ بجنبه حانوت
آخر مثل تلك الحانوت فكسد من تجارة الأول لم يكن له أن يخاصمه. وكذا لو حفر
بئرا في ملكه أعمق من البئر التي في دار جاره فجرى إليها الماء. أما لو بنى
في داره حماما فضر الجار بدخانه، أو حفر بئرا مزبلة في جنب دار جاره يتضرر
برائحته، أو جعل داره مخبزا في وسط العطاوس ونحوه مما يؤذي جاره منه خلافا
للشافعي، وأحمد -رحمهما الله - في رواية. وعنه في رواية كقولنا، الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تصرف في ملكه فأشبه بنائه ونقضه.
ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر، ولا ضرار في
الإسلام» وهو إضرار بجاره فيمنع كمنع الدق الذي يهز الحيطان ويخربها،
وكإلقاء السماد، والرماد، والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به.
م: (وللثاني الحريم من الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر
الأول فيه) ش: لأن ذلك القدر ملكه لسبق يده وحيازته بإذن الإمام م:
(والقناة) ش: وهي مجرى الماء تحت الأرض وارتفاعها بالابتداء وخبرها الجملة،
أعني قوله م: (لها حريم) ش: والضمير العائد، أي القناة باعتبار المجري م:
(بقدر ما يصلحها) ش: أي بقدر ما يصلح القناة، هذا من مسائل الأصل، ذكره
تفريعا، ذكر فيه: إذا خرج قناة في أرض فرات فهي بمنزلة البئر فلها من
الحريم ماء للبئر ولم يزد على هذا. وقال في " الشامل ": القناة لها حريم
مفوض إلى رأي الإمام، لأنه لا نص في الشرع.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم)
ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وفي " شرح الوجيز ":
حريمه المقدار الذي لو حفر نقض ماءه أو جفت
(12/303)
وقيل: هو عندهما، وعنده لا حريم لها ما لم
يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق، فيعتبر بالنهر الظاهر قال: عند
ظهور الماء على الأرض هو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع
والشجرة تغرس في أرض موات لهم حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في
حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره، ويضعه فيه، وهو مقدر بخمسة
أذرع من كل جانب، به ورد الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنهاره والكناسة، ويختلف ذلك باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها. م: (وقيل: هو
عندهما) ش: أي الذي ذكره في " الأصل " هو قول أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله
-، م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا حريم لها
ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق) ش: أي لأن القناة نهر في
الحقيقة، ولا حريم للنهر عنده، أشار إليه بقوله: م: (فيعتبر بالنهر الظاهر)
ش: حيث لا حريم له.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (عند ظهور الماء على الأرض فهو بمنزلة عين
فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع) ش: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في كتاب " الخراج ": وأجعل للقناة من الحريم ما لم يمسح عل وجه الأرض، مثل
ما أجعل للآبار، فإذا ظهر الماء على وجه الأرض جعلت حريمه كحريم النهر.
وقال أيضا في كتاب " الخراج ": ولو أن رجلا له قناة فاحتفر رجل بجنبها قناة
فأجراهما من تحتها أو من فوقها كان لصاحب القناة أن يمنعه من ذلك ويأخذه
لطمها، فإذا كان أذن له في احتفارها فحفرها فله أن يمنعه بعد ذلك إن شاء،
ولا غرم عليه في الإذن ما خلا خصلة أن يكون أذن له ووقت وقتا ثم منعه من
ذلك قبل أن يجيء الوقت، فإذا كان على هذا: ضمن له قيمة البناء، ولم يضمن
قيمة الحفر.
م: (والشجر تغرس في أرض موات لها حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره) ش: أي لغير
الغارس م: (أن يغرس شجرا في حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره
ويضعه فيه) ش: أي لأن الغارس يحتاج إلى حريم يقطع فيه ثمرة الشجرة ويضعه
فيه م: (وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب) ش: أي حريم الشجرة مقدر بخمسة
أذرع م: (وبه ورد الحديث) ش: أي بهذا المقدار ورد الحديث عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو ما رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - في " سننه " - في آخر الأقضية " عن عبد العزيز بن محمد، عن أبي
طوالة، عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: «اختصم إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رجلان في حريم نخلة. في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت فوجدت
سبعة أذرع، وفي حديث آخر: فوجدت خمسة أذرع، فقضي بذلك، قال عبد العزيز:
فأمر بجريدة من جريدها فذرعت» انتهى. سكت عليه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ
- ثم المنذري بعده.
(12/304)
قال: وما ترك الفرات أو الدجلة، وعدل عنه
الماء، ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه
لحاجة
العامة إلى كونه نهرا. وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم
يكن حريما لعامر لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " ولفظه قال: «اختصم
رجلان إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نخلة فقطع منها
جريدة ثم ذرع بها النخلة فإذا فيها خمسة أذرع فجعلها حريمها» .
ومن جهة الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره عبد الحق في " أحكامه " قال:
قال أبو داود: خمسة أذرع أو سبعة.
وروى الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مستدركه " في كتاب " الأحكام " عن
موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في النخلة
أن حريمها مبلغ جريدها» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن ثابت العبدي عن عمرو بن دينار عن
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل حريم النخلة مد جريدها» وأخرجه أبو داود في "
المراسيل " عن عروة بن الزبير قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حريم النخلة طول عسيبها» .
م: (قال: وما ترك الفرات أو الدجلة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: الفرات نهر أصله في شمالي أرض الروم من جهة الشرق يسير منها إلى أن
يجاوز قلعة الروم من جهة شمال حصنها وشرقيها ثم يسير إلى البئر قبلها، ثم
يشرق إلى بالس وقلعة حصن، ثم الرقة، ثم الرحبة، ثم إلى عانة، ثم هيت، ثم
إلى الكوفة، ثم يخرج إلى قضاء العراق ويصب في بطائح كبار.
وأما دجلة فهي بكسر الدال مخرجه من بلاد الروم، ثم يمر في آمن وحصن كيفا
وجزيرة ابن عمر، والموصل، وتكريت، وبغداد، وواسط، والبصرة، ثم يصب في بحر
خراسان م: (وعدل عنه الماء) ش: أي ما ترك الفرات أو دجلة، ومعنى عدل عنه:
انكشف عنه وأخذ موضعا غيره.
م: (ويجوز عوده إليه) ش: أي والحال أنه يجوز عوده إليه، أي إلى ما ترك عنه،
ومعنى يجوز: يمكن، م: (لم يجز إحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا، وإن كان
لا يجوز) ش: أي لا يمكن م: (أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما
لعامر؛ لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره)
(12/305)
وهو اليوم في يد الإمام.
قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - إلا أن يقيم بينة على ذلك. وقالا: له مسناة النهر يمشي عليها
ويلقي عليها طينه. قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات
بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأن شرط الإحياء أن تكون الأرض في قهر آدمي م: (وهو اليوم في يد الإمام)
ش: أي متروك الفرات ودجلة اليوم في يد الإمام فيقف إحياؤه على إذن الإمام.
وقال أبو يوسف في كتاب " الخراج ": إذا نضب الماء عن جزيرة في دجلة فليس
لأحد أن يحدث فيها شيئا ما؛ ولأن رمال يسع مثل هذه الجزيرة إذا خصصت وزرعت
كان ذلك ضررا على أهل المنازل، فلا يسع الإمام أن يفعل شيئا من هذه، ولا
يحدث فيه حدث، فأما إن كان خارجا عن المدينة فهي بمنزلة يجنبها الرجل ويؤدي
عنها حق السلطان.
ولو أن رجلا أتى طائفة في البطيحة مما ليس فيه ملك لأحد قد غلب عليه الماء
فضرب عليه المنيات واستخرجه وأحياه وقطع ما فيه من القصب فإنها بمنزلة
الأرض الميتة، وكذا كل ما عالج في أجمة أو بحر أو بر بعد أن لا يكون فيه
ملك لإنسان فاستخرجه رجل وعمره فهو له وهو بمنزلة الموات.
ولو أن رجلا أحيا من ذلك ما كان له مالك قبله رددت ذلك إلى الأول ولم أجعل
للثاني فيه حقا، فإن كان الثاني قد زرع فيه قبله نزعه وهو ضامن لما نقص من
الأرض، وليس عليه أجر وهو ضامن لما قطع من قصبها، فكذلك ولو كانت هذه الأرض
في البرية فيها نبات؛ لأنها بمنزلة القصب، إلى هنا لفظ كتاب " الخراج ".
م: (قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن كشف
الغوامض الخلاف في نهر كبير لا يحتاج إلى كريه في كل وقت. أما إذا كان
صغيرا بحيث يحتاج إلى كريها في كل وقت فله حريم بالاتفاق اعتبارا بالبراء
م: (إلا أن يقيم بينة على ذلك) ش: أي على أن له حريما.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله -: م: (له مسناة النهر يمشي
عليها ويلقي عليها طينه) ش: قال في " الصحاح ": المسناة العرم وهو ما يبنى
على حافة المسيل لرد الماء م: (قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا
في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه) ش: قال فخر
الإسلام وغيره في " شرح الجامع الصغير " من أصحابنا: من قال أصل هذه
المسألة أن من أحيا نهرا في أرض موات هل يستحق له حريمها؟ قال أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحقه.
(12/306)
لأن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته
إلى المشي لتسييل الماء، ولا يمكنه المشي عادة في بطن النهر وإلى إلقاء
الطين، ولا يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج فيكون له الحريم اعتبارا
بالبئر. وله: أن القياس يأباه على ما ذكرناه، وفي البئر عرفناه بالأثر
والحاجة إلى الحريم فيه فوقها إليه في النهر؛ لأن الانتفاع بالماء في النهر
ممكن بدون الحريم،
، ولا يمكن في البئر إلا بالاستقاء، ولا استقاء إلا بالحريم فتعذر الإلحاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال عامتهم: الصواب أنه يستحق للنهر حريما بالإجماع استدلالا بنص صاحب
الشرع في حريم البئر؛ لأن النهر لا يستغني عن الحريم، كما لا يستغني البئر
عنه.
وإنما اختلف أبو حنيفة وصاحباه في وضع الاشتباه وهو أن يكون الحريم موازنا
للأرض لا فاصل بينهما، وأن لا يكون الحريم مشغولا بحق أحدهما كالطين
والغرس. وأما إذا كان مشغولا بحق أحدهما فهو أحق به بالإجماع؛ لأنه ظهرت
يده عليه بالشغل. وقال فخر الدين قاضي خان: وكذلك إذا كانت المسناة ترتفع
من الأرض فهي لصاحب النهر؛ لأن الظاهر أن ارتفاعه لإلقاء طينه.
م: (لأن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته إلى المشي لتسييل الماء، ولا
يمكنه المشي عادة في بطن النهر) ش: أي ولا يمكنه المشي في باطن النهر عادة،
وهذا ظاهر م: (وإلى إلقاء الطين) ش: أي وحاجته إلى إلقاء طين النهر م: (ولا
يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج، فيكون له الحريم اعتبارا بالبئر) ش:
أي قياسا على حريم البئر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القياس يأباه لما
ذكرناه) ش: أي يأتي، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من
حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا» . م: (وفي البئر عرفناه بالأثر
والحاجة إلى الحريم فيه) ش: أي في البئر، والتذكير باعتبار القليب أو الجب
م: (فوقها إليه في النهر) ش: أي فوق الحاجة إلى الحريم في النهر، وهذا جواب
عمن قاس النهر على البئر، تقريره: أن الحاجة في النهر متحققة في الحال، وفي
النهر موهومة باعتبار الإكراء، وقد لا يحتاج إليه، والانتفاع في البئر لا
يأتي بدون الحريم، وفي النهر يتأتى م: (لأن الانتفاع بالماء في النهر ممكن
بدون الحريم) ش: غير أنه يلحقه بعض الحرج في نقل الطين والمشي في وسطه.
[الانتفاع في البئر بالحريم]
م: (ولا يمكن في البئر إلا بالاستقاء) ش: أي لا يمكن الانتفاع في البئر إلا
بنزح الماء م: (ولا استقاء إلا بالحريم) ش: لأنه يحتاج إلى مد الحبل ودوران
الحيوان ونحوهما م: (فتعذر الإلحاق) ش: إذا كان ذلك يتعذر إلحاق النهر
بالبئر، لأن البئر منصوصة، والنهر غير منصوص، فأخذنا فيه بالقياس. ألا ترى
أن من بنى قصرا في مفازة لا يستحق بذلك حريما وإن كان يحتاج إلى ذلك لإلقاء
الكناسة فيه لعدم ورود النص، إذ الحريم عندهما اعتبار، أي من حيث اعتبار
الاستحقاق
(12/307)
ووجه البناء أن باستحقاق الحريم تثبت اليد
عليه اعتبارا تبعا للنهر والقول لصاحب اليد وبعدم استحقاقه تنعدم اليد،
والظاهر يشهد لصاحب الأرض على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإن كانت مسألة
مبتدأة، فلهما: أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به، ولهذا لا
يملك صاحب الأرض نقضه، وله: أنه أشبه بالأرض صورة، ومعنى أما صورة
فلاستوائهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا حقيقة، لأن حقيقة أن يكون طينة ملقى فيه يحتاج إلى التقدير، فنصب
المقادير لا يكون بالرأي، كذا في " المبسوط ".
م: (ووجه البناء) ش: أي وجه بناء مسألة المختصر على مسألة من أحيا نهرا على
المذهبين بالرأي، كذا في " المبسوط ": م: (أن باستحقاق الحريم تثبت اليد
عليه اعتبارا تبعا للنهر) ش: أي لأجل التبعية للنهر الذي عليه اليد حقيقة
م: (والقول لصاحب اليد) ش: في المنازعة، وقوله ووجه البناء إلى ها هنا من
جهة أبي يوسف ومحمد وقوله م: (وبعدم استحقاقه تنعدم اليد، والظاهر يشهد
لصاحب الأرض على ما نذكره إن شاء الله تعالى من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أي وبعدم استحقاق صاحب النهر الحريم تنعدم اليد) ش: أي يد صاحب
النهر على الحريم، والظاهر يشهد لصاحب الأرض، يعني الحريم. وإن اتصل بالنهر
أيضا فالظاهر أنه لصاحب الأرض فالقول لمن يشهد له الظاهر.
والتحقيق في هذا الموضع: أن عند أبي حنيفة إذا لم يكن له حريم فيما إذا
أحيا نهرا في أرض موات بإذن الإمام ولم يكن مدعي الحريم صاحب اليد في
الحريم، فلا يكون الحريم له، بل يكون لصاحب الأرض، لأنه أشبه بالأرض، فيكون
الظاهر يشهد له. وعندهما كان له حريم تبعا للنهر، فإذا ثبتت يده يكون القول
لصاحب اليد.
م: (وإن كانت مسألة مبتدأة) ش: يعني وإن كان مسألة من له نهر في حريم غيره
مسألة ابتدائية غير مبنية على مسألة من أحيا نهرا في أرض موات م: (فلهما)
ش: أي فلأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله - م: (أن الحريم في يد صاحب النهر
باستمساكه الماء به) ش: أي بالحريم، فيكون مستعملا لحريم النهر والاستعمال
يد، فباعتبار أنه في يده جعل القول قوله كما لو تنازعا في ثوب وأحدهما
لابسه م: (ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه) ش: أي ولأجل ذلك لا يملك صاحب
الأرض نقض الحريم.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الحريم م: (أشبه بالأرض صورة
ومعنى) ش: أي من حيث الصورة ومن حيث المعنى م: (أما صورة فلاستوائهما) ش:
أي أما الصورة فلاستواء الأرض، وأشار بهذا إلى أن الخلاف فيما إذا لم يكن
المسناة مرتفعة على الأرض، فأما إذا كانت المسناة أرفع من الأرض فهي لصاحب
النهر إذ الظاهر أن ارتفاعها لإلقاء طينه م:
(12/308)
ومعنى من حيث صلاحيته للغرس والزراعة.
والظاهر شاهد لمن في يده ما هو أشبه به كاثنين تنازعا في مصراع باب ليس في
يدهما، والمصراع الآخر معلق على باب أحدهما يقضى للذي في يده ما هو أشبه
بالمتنازع فيه والقضاء في موضع الخلاف قضاء ترك،
ولا نزاع فيما به استمساك الماء إنما النزاع فيما وراءه مما يصلح للغرس على
أنه إن كان مستمسكا به ماء نهره، فالآخر دافع به الماء عن أرضه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تنازعا في مصراع باب ليس في يدهما]
(ومعنى من حيث صلاحيته للغرس والزراعة) ش: أي وأما معنى من حيث صلاحية
الحريم لغرس الأشجار وزراعة الزارع.
م: (والظاهر شاهد لمن في يده ما هو أشبه به) ش: أي بالحريم م: (كاثنين
تنازعا في مصراع باب ليس في يدهما، والمصراع الآخر معلق على باب أحدهما
يقضى للذي في يده ما هو أشبه بالمتنازع فيه) ش: وهو المصراع الذي ليس في يد
أحدهما، فإنه أشبه بالمصراع الذي في باب أحدهما، فيقضى له، لأن الظاهر يشهد
له، وهذا هو الذي وعده بقوله على ما نذكره إن شاء الله تعالى م: (والقضاء
في موضع الخلاف قضاء ترك) ش: أي قضاء في مسألة من كان له نهر في أرض غيره
قضاء ترك لا قضاء ملك استحقاق. فلو أقام صاحب النهر البينة بعد هذا على
المسناة ملكه يقبل بينته. ولو كان قضاء ملك لما قبلت بينته، لأن المقضي
عليه في حادثة قضاء ملك لا يصير مقضيا له فيها.
وقال تاج الشريعة: ويعني بقضاء الترك أن يترك في يد صاحب الأرض، وعندهما في
يد صاحب النهر، والفرق بين قضاء الترك وقضاء الإلزام: أن في قضاء الإلزام
من صار مقضيا عليه في حادثة لا يصير مقضيا له بعد ذلك في تلك الحادثة أبدا.
وفي قضاء الترك: يجوز أن يكون مقضيا له وفرق آخر أنه لو ادعى ثالث لا يقبل
بينته في قضاء الإلزام إلا بالتلقي من جهة صاحب اليد، وفي قضاء الترك:
تقبل.
م: (ولا نزاع فيما به استمساك الماء) ش: هذا جواب عن قولهما: أن النهر لا
ينتفع به إلا بالحريم لحاجته، كذا قال الأترازي. والصواب: أنه جواب عن
قولهما أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به، كما ذهب إليه
الكاكي وغيره م: (إنما النزاع فيما وراءه مما يصلح للغرس) ش: الشجر هل له
ذلك أم لا؟ م: (على أنه إن كان مستمسكا به) ش: أي على أن صاحب النهر إن كان
مستمسكا بالحريم م: (ماء نهره فالآخر) ش: وهو صاحب الأرض م: (دافع به الماء
عن أرضه) ش: فقد استويا في استعمال الحريم وترجح صاحب الأرض من الوجه الذي
قدرنا، ولكن ليس له أن يهدمه، لأن لصاحب النهر حق استمساك الماء في نهره،
فلا يكون لصاحب الأرض أن يبطله.
(12/309)
والمانع من نقضه تعلق به حق صاحب النهر لا
ملكه كالحائط لرجل، ولآخر عليه جذوع لا يتمكن من نقضه وإن كان ملكه. وفي "
الجامع الصغير ": نهر لرجل إلى جنبه مسناة، ولآخر خلف المسناة أرض تلزقها،
وليست المسناة في يد أحدهما فهي لصاحب الأرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وقالا: هي لصاحب النهر حريما لملقى طينه وغير ذلك وقوله: وليست
المسناة في يد أحدهما معناه: ليس لأحدهما عليه غرس، ولا طين ملقى، فينكشف
بهذا اللفظ موضع الخلاف، أما إذا كان لأحدهما عليه ذلك فصاحب الشغل أولى؛
لأنه صاحب يد، ولو كان عليه غرس لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضا،
وثمرة الاختلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده، وعندهما لصاحب النهر،
وأما إلقاء الطين فقد قيل: إنه على الخلاف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمانع من نقضه) ش: جواب عن قولهما: ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه،
يعني المانع من عدم تمكن صاحب الأرض من نقض الحريم وهو المسناة م: (تعلق به
حق صاحب النهر لا ملكه كالحائط لرجل، ولآخر عليه جذوع لا يتمكن من نقضه) ش:
أي ولا يتمكن صاحب الحائط من نقض الحائط لأجل تعلق صاحب الجذوع مع أن
الحائط ملك لصاحبه أشار إليه بقوله م: (وإن كان ملكه) ش: أي وإن كان الحائط
ملك صاحب الحائط وإن هذه واصلة.
م: (وفي " الجامع الصغير ": نهر لرجل إلى جنبه مسناة، ولآخر خلف المسناة
أرض تلزقها وليست المسناة في يد أحدهما فهي لصاحب الأرض عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي لصاحب النهر حريما لملقى طينه وغير ذلك) ش:
إنما ذكر عبارة " الجامع الصغير " ليبين موضع الخلاف، وصورتها فيه: محمد عن
يعقوب عن أبي حنيفة في نهر لرجل إلى جنبه مسناة في يد أحدهما.
م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع " م: (وليست المسناة في يد أحدهما
معناه: ليس لأحدهما عليه غرس ولا طين ملقى) ش: أي على المسناة، والتذكير
باعتبار الحريم وملقى -بضم الميم وسكون اللام وفتح القاف - وهو مفعول من
الإلقاء م: (فينكشف بهذا اللفظ) ش: أي بقوله وليست المسناة في يد أحدهما م:
(موضع الخلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه.
م: (أما إذا كان لأحدهما عليه ذلك) ش: أي على المسناة بتأويل الحريم كما
ذكرنا ذلك، أي الغرس أو الطين الملقى م: (فصاحب الشغل أولى، لأنه صاحب يد
فهو أولى بلا خلاف ولو كان عليه غرس) ش: أي على المسناة بتأويل الحريم م:
(لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضا) ش: يعني عند أبي حنيفة: الغرس
لصاحب الأرض. وعندهما: لصاحب النهر.
م: (وثمرة الاختلاف أن ولاية الغرس) ش: والزرع على المسناة م: (لصاحب الأرض
عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (وعندهما لصاحب النهر، وأما إلقاء الطين فقد
قيل: إنه على الخلاف) ش:
(12/310)
وقيل: إن لصاحب النهر ذلك ما لم يفحش. وأما
المرور فقد قيل: يمنع صاحب النهر عنده، وقيل: لا يمنع للضرورة. قال الفقيه
أبو جعفر: أخذ بقوله في الغرس، وبقولهما في إلقاء الطين. ثم عن أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حريمه مقدار نصف بطن النهر من كل جانب. وعن محمد:
مقدار بطن النهر من كل جانب. وهذا أرفق بالناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المذكور م: (وقيل: إن لصاحب النهر ذلك ما لم يفحش) ش: وفي " الكافي " هو
الصحيح م: (وأما المرور فقد قيل: يمنع صاحب النهر عنده) ش: أي عند أبي
حنيفة خلافا لهما.
م: (وقيل: لا يمنع للضرورة) ش: لأنه لا يجد بدا من إلقاء الطين ونقله إلى
موضع بعيد حرج عظيم م: (قال: الفقيه أبو جعفر) ش: وهو: محمد بن عبد الله بن
محمد الهندواني تمليذ أبي بكر الأعمش تلميذ أبي بكر الإسكاف تلميذ محمد بن
سلمة تلميذ ابن سليمان الجرجاني تلميذ محمد بن الحسن توفي سنة اثنين وستين
وثلاثمائة م: (أخذ بقوله) ش: أي بقول أبي حنيفة م: (في الغرس، وبقولهما في
إلقاء الطين) ش: أراد: أن لصاحب الأرض أن يغرس، ولصاحب النهر أن يلقي الطين
على حافته، وكل منهما يفعل ما لا يمنع الآخر عن حقه.
م: (ثم عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حريمه) ش: أي حريم النهر م:
(مقدار نصف بطن النهر من كل جانب) ش: يعني يمسح بطن النهر فيجعل مقدار ذلك
نصفه من هذا الجانب م: (وعن محمد: مقدار بطن النهر من كل جانب) ش: يعني
يجعل مقدار بطن النهر من هذا الجانب م: (وهذا أرفق بالناس) ش: أي ما روي عن
محمد: أرفق بالناس الذين هم أهل النهر، ولم يذكر قدر الحريم على قولهما في
" الأصل "، بل قال له من الحريم قدر ما يستغني عنه النهر.
وكذلك لم يقدر في " الجامع الصغير " فقال خواهر زاده في " مبسوطه ": قالوا:
قد ذكر في " النوادر " في تقدير الحريم خلافا بينهما، فعلى قول محمد: يمسح
بطن النهر لم يجعل له من كل جانب نصف بطن أرض النهر. وقال أبو يوسف: من كل
جانب مقدار بطن النهر.
وذكر أبو الليث خلاف هذا، وهذا الذي ذكره المصنف وعليه اعتمد في " شرح
الطحاوي " و " المختلف ". وقال بعض المشايخ: ينظر إلى مقدار ما يحتاج إليه
بغير تقدير، كذا قال أبو الليث في " شرحه ".
(12/311)
فصول في مسائل الشرب
فصل في المياه
وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع شيئا من الشفة، والشفة:
الشرب لبني آدم والبهائم، اعلم أن المياه أنواع، منها: ماء البحار، ولكل
واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الأرض، حتى إن من أراد أن يكري نهرا منها
إلى أرضه لم يمنع من ذلك، والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر
والهواء، فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصول في مسائل الشرب]
[الانتفاع بماء البحر]
م: (فصول في مسائل الشرب) ش: أي هذه فصول في بيان أحكام مسائل الشرب هذه
الفصول كلها ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها ليست في " الجامع الصغير "
و " مختصر القدوري "، وإنما ذكرها شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في "
شرح كتاب الشرب ".
وإنما ذكر إحياء الموات عقيب مسائل الشرب الاحتياج إلى الماء، وقد فصل
المياه عن الكري، لأن الماء هو المقصود، والشرب بكسر الشين وهو الصب من
الماء. م: (فصل في المياه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام المياه وهو جمع
ماء، ويجمع على أمواه أيضا، وهو جوهر سيال مروي للعطش منبت للزرع.
م: (وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع شيئا من الشفة،
والشفة: الشرب لبني آدم والبهائم) ش: أصل الشفة شفهة ولهذا يقال في تصغيرها
شفيهة، وفي جمعها شفاه، وحذفت الهاء تخفيفا، والمراد هنا: الشرب بالشفاه،
ويقال هم أهل الشفة أي لهم حق الشرب سقاءهم، وأن يسقوا دوابهم.
م: (اعلم أن المياه أنواع، منها: ماء البحار، ولكل واحد من الناس فيها حق
الشفة وسقي الأرض، حتى إن من أراد أن يكري نهرا) ش: أي يحفر م: (منها إلى
أرضه لم يمنع من ذلك، والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر
والهواء، فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء) ش: ينبغي أن يكون المراد
من البحار ها هنا الأنهار العظيمة جدا كالنيل الذي بمصر، ونهر الأيل الذي
ببلاد دمشق، ونهر تان بالتاء المثناة من فوق التي عرى الإبل.
ونهر طناء -بضم الطاء المهملة وبالنون - الذي بالبلاد الشمالية. ونهر أشغلة
الذي بالأندلس، وأمثال ذلك بأن كل نهر منها يطلق عليه بحر، وليس المراد بها
البحار الملح فإنها لا ينتفع بها أصلا لا في الشفة ولا في سقي الأراضي.
(12/312)
والثاني: ماء الأودية العظام كجيحون،
وسيحون، ودجلة، والفرات للناس فيه حق الشفة على الإطلاق، وحق سقي الأراضي،
فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهرا ليسقيها إن كان لا يضر بالعامة،
ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك؛ لأنها مباحة في الأصل إذ قهر الماء يدفع
قهر غيره. وإن كان يضر بالعامة، فليس له ذلك؛ لأن دفع الضرر عنهم واجب،
وذلك في أن يميل الماء إلى هذا الجانب إذا انكسرت ضفته فيغرق القرى
والأراضي، وعلى هذا نصب الرحى عليه " لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي به ".
والثالث: إذا دخل الماء في المقاسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والثاني) ش: أي النوع الثاني م: (ماء الأودية العظام كجيحون، وسيحون،
ودجلة، والفرات) ش: قال تاج الشريعة: جيحون نهر خوارزم، وسيحون نهر الترك،
ودجلة بغير حرف التعريف نهر بغداد، والفرات نهر الكوفة، وتبعه الشراح على
هذا، وقال الكسائي: في " الملكوت ": سيحون نهر المصعصة، وجيحون نهر بلخ.
قلت: الحق في هذا الذي ذكره المحدثون في تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فجرت أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان
وجيحان» ، رواه أحمد وغيره أن جيحون يقال له: جيحان، وتسميها العامة جاحان
أصله في بلاد الروم ويسير من بلاد الصين من الشمال إلى الجنوب، ثم يجمع هو
وسيحون عند أريونصان في بحر الروم بين أياس وطرسوس. وأما دجلة والفرات وقد
ذكرناهما نحن قريبا عند قوله: وما ترك الفرات أو دجلة.
م: (للناس فيه حق الشفة على الإطلاق) ش: يعني في جميع الأحوال م: (وحق سقي
الأراضي، فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهرا ليسقيها) ش: أي حفر منه
نهرا لسقي الأرض التي أحياها، وإنما يجوز ذلك م: (إن كان لا يضر العامة،
ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك؛ لأنها مباحة) ش: أي لأن ماء الأودية
العظام مباحة م: (في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره) ش: أشار بذلك إلى
أن أحدا ليس له قهر في هذا الموضع بقوة المياه فيها.
م: (وإن كان) ش: أي كون النهر منها م: (يضر بالعامة، فليس له ذلك؛ لأن دفع
الضرر عنهم واجب، وذلك) ش: أشار إلى بيان الضرر م: (في أن يميل الماء إلى
هذا الجانب إذا انكسرت ضفته) ش: أي حافته، وهي بكسر الضاد وفتحها، كذا في "
المغرب ". وذكر في " الديوان " بالكسر جانب النهر وبالفتح جماعة الناس.
قلت: هذا انتهى م: (فيغرق القرى والأراضي، وعلى هذا نصب الرحى عليه) ش: أي
وعلى التفصيل المذكور نصب الطاحون على النهر الذي يسيل من ماء الأودية
العظام إن كان لا يضر بالعامة جاز وإلا فلا م: (لأن شق النهر للرحى كشقه
للسقي به) ش: أي ليسقي الأراضي.
م: (والثالث) ش: أي النوع الثالث: م: (إذا دخل الماء في المقاسم) ش: أي إذا
دخل في قسمة
(12/313)
فحق الشفة ثابت،
والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الناس شركاء في
ثلاث: الماء والكلأ والنار» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوم فقسمه الإمام بينهم م: (فحق الشفة ثابت) ش: في هذا القسم فالناس شركاء
فيه في حق الشفة والسقي أنفسهم ودوابهم، وإن أتى في ذلك على المأكلة وليس
لأهله أن يمنعوا أحدا من الشفة والسقي.
[الشركة في الماء والكلأ والنار]
م: (والأصل فيه) ش: أي فيما ذكر من الأنواع م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» ش: هذا الحديث
رواه ثلاثة من الصحابة: الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أخرج حديثه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الله بن خداش عن
العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» .
قال عبد الحق في " الأحكام ": قال البخاري: عبد الله بن خداش عن العوام أن
حوشب: منكر الحديث، وضعفه أيضا أبو زرعة، وقال فيه أبو حاتم: ذاهب الحديث.
الثاني: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه
الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا يحيى الحماني
حدثنا قيس بن الربيع عن زيد بن جبير عن ابن عمر قال، قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء
والكلأ والنار» .
الثالث: رجل من الصحابة أخرج حديثه أبو داود في " سننه في البيوع " عن علي
بن الجعد عن حريز بن عثمان «عن أبي خداش بن حبان بن زيد عن رجل من الصحابة
قال: غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا،
أسمعه يقول: " المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» .
ورواه أحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " مصنفه - في الأقضية "، وأسند
ابن عدي في " الكامل " عن أحمد، وابن معين أنهما قالا في حريز: ثقة، وذكره
عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود وقال: لا أعلم روى عن أبي خداش إلا
حريز بن عثمان، وقد قيل فيه: مجهول. وقال البيهقي في " المعرفة ": وأصحاب
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم ثقات، وترك ذكر أسمائهم
في الإسناد لا يضر إن لم يعارضه ما هو أصح منه.
قلت: حريز بن عثمان -بفتح الحاء وكسر الراء المهملة وفي آخره زاي معجمة -.
وأبو
(12/314)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خداش -بكسر الخاء المعجمة وبالدال المهملة وفي آخره شين معجمة - واسمه حبان
بن زيد السرعني الحمصي. وحبان -بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة -.
وروى أبو يوسف في كتاب " الخراج " حدثنا المعلى بن كثير عن مكحول قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا ماءا ولا كلأ
ولا نارا، فإنه متاع للمقوين وقوة للمستضعفين» .
قوله: " ثلاث " قال الشراح: القياس أن يقول في ثلاثة تغليبا للمذكر، ولكن
إذا لم يذكر المعدود يجوز أن يؤنث، ونظيره: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال» . وستة إنما يستعمل في
الليلة، ولكن لما لم يذكر المعدود وهو الأيام أنث.
قلت: فيه نظر، لأن ها هنا معدود وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «في
الماء والكلأ والنار» .
وأما حديث صوم رمضان وأتبعه بستة من شوال فلم يذكر المعدود فيه فلا يصح
التنظير. قوله: " والكلأ " -بفتح الكاف واللام، وفي آخره همزة - على وزن
فعل كشجر وشجر. وقال الإمام خواهر زاده: الكلأ كل ما ينجم على وجه الأرض،
أي يبسط وينشر، ولا يكون له ساق كالإذخر ونحوه، وما كان له ساق يكون شجر
الأكل، والدليل على صحة ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ
يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] (الرحمن: الآية 6) .
قالوا: ما قام الساق والنجم ما انبسط وانتشر على وجه الأرض، فعلى هذا
قالوا: الشوك الأحمر من الشجر لا من الكلأ، وكذلك الشوك الأبيض الذي يقال
له: العرقد من الشجر، لأنه يقوم بساق حتى لو نشأ في أرض مملوكة فجاء إنسان
وأخذ ذلك كان لصاحب الأرض أن يسترد منه.
وأما الشوك الأخضر الذي يأكله الإبل ويقال له: الخارج ففيه اختلاف المشايخ،
حكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل كان يقول: من جملة الكلأ
والحشيش. والفقيه أبو جعفر الهندواني يقول: من جملة الشجر، قالوا: روي عن
محمد فيه في " النوادر " روايتان: في رواية: جعله من الكلأ، وفي رواية:
جعله من جملة الشجر.
واختلف الجواب لاختلاف الموضوع، لأنه أراد برواية الكلأ ما ينبسط منه على
وجه الأرض، ولا يكون له ساق، وأراد بالرواية الأخرى ما قام على الساق ولا
ينجم على وجه الأرض، والسويق من الشجر لأنه يقوم على ساق، انتهى كلام خواهر
زاده. وقال الجوهري: الكلأ والعشب وقد أكلت الأرض كلئت الأرض وأكلأت فهي
أرض مكلئة وواسية وكلئية،
(12/315)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي ذات كلأ، سواء كانت رطبة أو يابسة.
وقال في " المغرب ": والظاهر أنه يقع على ذي ساق وغيره، وفسر في " العزيز "
الكلأ بالنبات، ثم إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس
شركاء في ثلاث» شركة إباحة لا شركة ملك ممن سبق إلى أخذ شيء من ذلك في وعاء
أو غيره وأحرزه فهو أحق به، وهو ملك له دون من سواه، ويجوز له تمليكه بجميع
وحدة التمليك، وهو موروث عنه، ويجوز فيه وصاياه كما يجوز في أملاكه، فإن
أخذه منه أخذ بغير إذنه ضمنه كما يضمن سائر أملاكه، وما لم يسبق إليه أحد
فهو لجماعة المسلمين فهو مباح على ما كان إليه أو لا، هكذا ذكره الكرخي في
" مختصره ".
ثم إنك قد عرفت الماء على أربعة أنواع كما ذكره المصنف مستقصى. وأما الشركة
في الكلأ على أوجه بعضها أعم من بعض، والأعم أن يكون الحشيش في أرض لا تكون
مملوكة لأحد يكون الناس شركاء في ذلك من الرعي والاحتشاش، فليس لأحد أن
يمنع إنسانا من ذلك وهي كالشركة في ماء البحار وشركة أخرى أخص من هذه.
وهو أن يكون الكلأ في أرض مملوكة بنفسه لا بإنبات صاحب الأرض يكون للناس
فيه شركة، حتى لو أخذه إنسان كان ما أخذه ملكا له، إلا أن لصاحب الأرض أن
يمنعه من الدخول في أرضه لأجل الكلأ، ذكر محمد هذا القدر في الكتاب، ولم
يزد عليه، إلا أن مشايخنا زادوا على ذلك، قال: إذا وفق المنازعة بين صاحب
الأرض والذي يريد الكلأ لا بد من اعتبار منازعتها، لأن صاحب الأرض يمنعه من
الدخول في ملكه، وهذا الطلب حقه، لأن له شركة في الكلأ.
وإذا وجب اعتبار المنازعة يقول إن كان يجد المريد الكلأ في موضع آخر غير
مملوك لأحد قريب من تلك الأرض، يقال له: خذ من ذلك. وإن لم يجد يقال لصاحب
الأرض: إما أن تعطيه بيدك أو ائذن له حتى يدخل فيأخذ حقه، كمن أتى كرم
إنسان وفي حوضه ماء وأراد الدخول في كرمه ليأخذ الماء فمنعه صاحب الكرم، إن
كان يجدها في موضع آخر غير مملوك لأحد قريب منه يقال له: ائت ذلك المكان خذ
منه، وإن كان لا يجد يقال لصاحب الأرض: إما أن تعطيه بيدك أو ائذن له حتى
يدخل ويأخذ منه، وشركة أخرى أخص من ذلك كله وهو: أن يحشر الكلأ أو ينبت
الكلأ في أرضه، فإنه لا يكون مملوكا له وينقطع حق غيره ولا يكون لأحد أخذ
ذلك بوجه، إلا أنه تبقى شبهة الشركة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء في ثلاثة» ، حتى لو سرقه لا تقطع يده.
وأما الشركة في النار فعامة، قال شيخ الإسلام خواهر زاده في كتاب الشرب:
وهو أن
(12/316)
وأنه ينتظم الشرب، والشرب خص منه الأول،
وبقي الثاني وهو الشفة، ولأن البئر ونحوها ما وضع للاحتراز، ولا يملك
المباح بدونه كالظبي إذا تكنس في أرضه، ولأن في إبقاء الشفة ضرورة؛ لأن
الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره،
فلو منع عنه أفضى إلى حرج عظيم،
، وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه أضر
بهم أو لم يضر؛ لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة، ولأنا لو أبحنا ذلك لانقطعت
منفعة الشرب. والرابع: الماء المحرز في الأواني، وأنه صار مملوكا له
بالإحراز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرجل إذا أوقد نارا في مفازة، فإن هذه النار مشتركة بينه وبين الناس أجمع
حتى لو جاء إنسان وأراد أن يستضيء بضوء هذه النار، أو أراد أن يخيط ثوبا له
حول النار أو يصطلي بها في زمن البرد، أو يتخذ منه سراجا لا يكون لصاحب
النار العرض منه، إلا أن يكون أوقد النار في موضع مملوك له فإن له أن يمنعه
من الانتفاع بملكه لا بالنار، فأما إذا أراد أن يأخذ من قبيله سراجه أو
شيئا من الجمرة فإن لصاحب النار أن يمنعه من ذلك لأنه ملكه، ولو أطلقناه
للناس لم يبق له نار يصطلي بها ويخبز بها، وهذا وجه له.
م: (وأنه) ش: أي قوله: شركاء م: (ينتظم الشرب، والشرب) ش: أي يشمل بكسر
الشين وهو النصيب من الماء، والشرب بضم الشين وهو فعل الشارب م: (خص منه
الأول) ش: بالإجماع وهو النصيب من الماء م: (وبقي الثاني) ش: وهو الشرب بضم
الشين م: (وهو الشفة) ش: أي والثاني هو الشفة وهو الشرب لبني آدم والبهائم.
م: (ولأن البئر ونحوها) ش: كالحوض م: (ما وضع للإحراز) ش: أي لإحراز الماء
م: (ولا يملك المباح بدونه) ش: أي بدون الإحراز م: (كالظبي إذا تكنس في
أرضه) ش: أي دخل في الكناس بكسر الكاف، وهو الموضع الذي تأوي إليه، يقال:
كنس الظبي إذا تغيب واستمر في كناسه.
م: (ولأن في إبقاء الشفة ضرورة؛ لأن الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل
مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره) ش: أي مركبه م: (فلو منع عنه أفضى إلى
حرج عظيم) ش: والحرج مدفوع شرعا.
[الشركة في الماء المحرز في الأواني]
م: (وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه
أضر بهم أو لم يضر؛ لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة) ش: في ذلك م: (ولأنا لو
أبحنا ذلك) ش: أي سقي أرضه م: (لانقطعت منفعة الشرب) ش: بضم الشين وهو
الشفة.
م: (والرابع) ش: أي النوع الرابع من الأنواع المذكورة: م: (الماء المحرز في
الأواني) ش: كالحباب والدنان والجوار ونحوها م: (وأنه) ش: أي هذا النوع من
الماء م: (صار مملوكا له بالإحراز
(12/317)
وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ،
إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة نظرا إلى الدليل، وهو ما روينا حتى لو سرقه
إنسان في موضع يعز وجوده وهو يساوي نصابا لم تقطع يده.
ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من يريد
الشفة من الدخول في ملكه إذا كان لا يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في غير
ملك أحد، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر: إما أن تعطيه الشفة، أو تتركه
يأخذه بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته، وهذا مروي عن الطحاوي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ) ش: لأنه يأخذه دخل في ملكه
وانقطع حق الغير عنه كما في الصيد المأخوذ، لأنه يأخذه دخل في ملكه وانقطع
حق عنه حتى لو أتلفه رجل يضمن قيمته.
م: (إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة) ش: أي لكن بقيت في هذا الماء شبهة
الشركة م: (نظرا إلى الدليل، وهو ما روينا) ش: أراد قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء......» الحديث م: (حتى لو سرقه إنسان
في موضع يعز وجوده وهو ما يساوي نصابا) ش: أي نصاب السرقة، وهو عشرة دراهم
م: (لم تقطع يده) ش: للشبهة. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يقطع في شيء
ماء، لأنه سبحانه وتعالى قال: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
[البقرة: 29] فيورث شبهة بهذا الطريق.
قلت: ليس لها نظير ذلك، لأن فيما نحن فيه شركة في الأشياء المخصوصة بعد
ثبوت الشركة العامة، ولهذا لم تورث الشركة العامة لشبهة في سقوط حد الزنا،
لأنه لو زنى بأمة الغير يجب الحد، ولو زنى بأمة مشتركة بينه وبين غيره لم
يجب الحد إذ لو عملنا بعموم قوله سبحانه وتعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (البقرة: الآية 69) ، يلزم انسداد باب
الحدود كلها وبطل العموم بالآيات الدالة عليها من نحو قوله سبحانه وتعالى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، {وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، وهذا لا يصح، لأن
العمل بخبر الواحد وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ادرءوا الحدود ما استطعتم» إنما يصح أن لو بقي الكتاب معمولا عند العمل
بخبر الواحد، فعلم أن المراد بالشبهة الخاصة لا العامة. وقال تاج الشريعة:
في جواب هذا الاعتراض مقابلة الجمع يقتضي انقسام الأخذ في قوله سبحانه
وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء:
الآية 23) ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
[النساء: 24] (النساء الآية 24) ، ولا يجوز الزائد على الأربع، فكان معنى
الشركة للناس عامة.
[النهر في ملك رجل أيمنعه ممن يريد الشفه]
م: (ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من
يريد الشفة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في
غير ملك أحد، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر: إما أن تعطيه الشفة، أو
تتركه حتى يأخذ بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته) ش: أي جانبه. م: (وهذا مروي عن
الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الذي ذكرناه منقول عن الإمام
الحافظ الفقيه أبو
(12/318)
وقيل: ما قاله صحيح فيما إذا احتفر في أرض
مملوكة له. أما إذا احتفرها في أرض موات فليس له أن يمنعه؛ لأن الموات كان
مشتركا والحفر والإحياء حق مشترك، فلا يقطع الشركة في الشفة، ولو منعه عن
ذلك وهو يخاف على نفسه، أو ظهره العطش له أن يقاتله بالسلاح؛ لأنه قصد
إتلافه بمنع حقه، وهو الشفة والماء في البئر مباح غير مملوك، بخلاف الماء
المحرز في الإناء، حيث يقاتله بغير السلاح؛ لأنه قد ملكه، وكذا الطعام عند
إصابة المخمصة،
، وقيل في البئر ونحوها: الأولى. أن يقاتله بغير سلاح بعصا؛ لأنه ارتكب
معصية فقام ذلك مقام التعزير له، والشفة إذا كان يأتي على الماء كله بأن
كان جدولا صغيرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جعفر أحمد بن حميد بن سلامة الطحاوي المصري.
م: (وقيل: ما قاله صحيح) ش: أي قيل ما قال أبو جعفر الطحاوي: صحيح، م:
(فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له. أما إذا احتفرها في أرض موات: فليس له
أن يمنعه؛ لأن الموات كان مشتركا والحفر ولإحياء حق مشترك، فلا يقطع الشركة
في الشفة) ش: أي لأجل إحياء حق مشترك، فإن العلة الحاصلة من هذا الشرب تكون
مشتركة بين المالك ومصرف العشر أو مصرف الخراج إن كان الماء خراجيا.
م: (ولو منعه عن ذلك وهو يخاف على نفسه أو ظهره العطش له) ش: أي ومنعه صاحب
البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملكه عن الدخول فيه، والحال أنه يخاف
على نفسه أو مركبه العطش له م: (أن يقاتله بالسلاح؛ لأنه قصد إتلافه بمنع
حقه، وهو الشفة والماء في البئر مباح غير مملوك) ش: لأنه لم يوجد منه آخر،
أو كان مشتركا بين الناس، فإذا منعه منع حقه، ومنع حقا مستحقا لغيره كان
لصاحب الحق أن يقاتل المانع بالسلاح ليصل إلى حقه، كما لو منع طعاما مشتركا
بينه وبين المانع كان له أن يقاتل المانع بالسلاح.
م: (بخلاف الماء المحرز في الإناء، حيث يقاتله بغير السلاح؛ لأنه قد ملكه)
ش: لأنه إذا أحرزه في قربة أوجب، أو كان شركة الغير وكان المريد للماء
مضطرا إلى ذلك، فإنه يقاتله بلا سلاح نحو العصا م: (وكذا الطعام عند إصابة
المخمصة) ش: أي وكذا حكم الطعام إذا منعه عن المريد عند المخمصة، فإنه
يقاتله بدون سلاح.
م: (وقيل في البئر ونحوها: الأولى: أن يقاتله بغير سلاح بعصا؛ لأنه ارتكب
معصية) ش: حيث ترك إحياء نفس قدر على إحيائها م: (فقام ذلك) ش: أي القتال
معه بنحو العصا م: (مقام التعزير له) ش: لأن مرتكب المعصية يستحق التعزير
تأديبا وزجرا عنه.
م: (والشفة إذا كان يأتي على الماء كله) ش: أي شرب الناس والدواب إذا كان
نفي الماء ويستأصله م: (بأن كان جدولا صغيرا) ش: أي بأن كان النهر جدولا
صغيرا.
(12/319)
وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع
الماء بشربها، قيل: لا يمنع منه؛ لأن الإبل لا تردها في كل وقت، فصار
كالمياومة، وهو سبيل في قسمة الشرب، وقيل: له أن يمنع اعتبارا بسقي
المزارع، والمشاجر والجامع تفويت حقه، ولهم أن يأخذوا الماء منه للوضوء
وغسل الثياب في الصحيح؛ لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه، كما قيل: يؤدي إلى
الحرج، وهو مدفوع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء
بشربها ألصاحب النهر المملوك منعه]
م: (وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها) ش: أي وكان في
ورود الإبل والمواشي على هذا النهر كثرة بحيث ينقطع الماء عنه بشرب هؤلاء،
خص بذكر الإبل وإن كانت داخلة في المواشي لاختصاصها بكثرة شرب الماء عند
الورود لأنها غالبا لا ترد الماء إلا بعد عطش شديد، فتحمل ماء كثيرا.
م: (قيل: لا يمنع منه؛ لأن الإبل لا تردها في كل وقت، فصار كالمياومة) ش:
أي فصار الجدول بينه وبينهم كالمياومة والمسابعة والمشاهرة م: (وهو سبيل في
قسمة الشرب) ش: أي كونه كالمياومة طريق في قسمة الشرب بكسر الشين، قال
سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:
155] (الشعراء: الآية 155) .
م: (وقيل: له أن يمنع اعتبارا يسقي المزارع، والمشاجر) ش: جمع المشجر وهو
موضع الشجرة في " المبسوط " وعليه أكثر المشايخ م: (والجامع تفويت حقه) ش:
أي الجامع بين منع الشفة من الجدول عند الاستئصال وبين منع سقي المزارع
والمشاجر تفويت الحق في كل منهما، وذلك لأن النهر والقناة إنما يشق لسقي
الأرض والشجر والزرع، فليس لغيره أن يسوي نفسه بالمستحق، ويضره فيما هو
المقصود.
فكما له أن يمنع غيره من سقي أرضه وكسر ضفته باعتبار ذلك، فكذلك يمنع فيما
نحن فيه، لأنه يتضرر به صاحب الحق. وعن أحمد: له سقي أرضه على وجه لا يكسر
الضفة، وبقولنا قال أصحابنا والشافعي ومالك والقاضي الحنبلي.
م: (ولهم) ش: أي ولأهل الشفة م: (أن يأخذوا الماء منه) ش: أي عن النهر
المملوك، أو عن البئر المملوك م: (للوضوء وغسل الثياب في الصحيح) ش: احتراز
به عن ماء، قال بعض المشايخ: يتوضأ في النهر ويغسل الثياب فيه من الحرج ما
لا يخفى م: (لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه) ش: أي في النهر والبئر م: (كما
قيل: إلى الحرج، وهو مدفوع) ش: أي الحرج مدفوع شرعا. واختلفوا في التوضؤ
بماء السقاية فقال بعضهم يجوز، وقال بعضهم: إن كان الماء كثيرا يجوز وإلا
فلا وكذا كل ما أعد للشرب حتى قالوا في الحياض التي أعدت للشرب: لا يجوز
منه التوضؤ، ويمنع فيه وهو الصحيح. ويجوز أن يحمل من ماء السقاية إلى بيته
للشرب، كذا في " الفتاوى ".
(12/320)
وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره
حملا بجراره له ذلك في الأصح، لأن الناس يتوسعون فيه، ويعدون المنع في
الدناءة، وليس له أن يسقي أرضه ونخله وشجره من نهر هذا الرجل، وبئره وقناته
إلا بإذنه نصا. وله أن يمنعه من ذلك؛ لأن الماء متى دخل في المقاسم انقطعت
شركة الشرب بواحدة؛ لأن في إبقائه قطع شرب صاحبه ولأن المسيل حق صاحب
النهر، والضفة تعلق بها حقه، فلا يمكنه التسييل فيه، ولا شق الضفة، فإن أذن
له صاحبه في ذلك أو أعاره فلا بأس به؛ لأنه حقه فتجري فيه الإباحة كالماء
المحرز في إنائه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا
بجراره من نهر غيره]
م: (وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره) ش: أي حال كونه
حاملا الماء بجراره وهو جمع جرة م: (له ذلك في الأصح) ش: احترز به عن قول
بعض المتأخرين من أئمة بلخ، فإنهم قالوا: ليس له ذلك إلا بإذن صاحب النهر،
لأنه ليس من الشفة م: (لأن الناس يتوسعون فيه) ش: أي في حمل الماء بالجرار.
م: (ويعدون المنع من الدناءة) ش: أي الخساسة م: (وليس له أن يسقي أرضه
ونخله وشجره من نهر هذا الرجل، وبئره وقناته إلا بإذنه نصا) ش: أي صريحا
بأن يقول له: خذوا....، ونحو ذلك.
م: (وله أن يمنعه من ذلك) ش: أي لصاحب النهر والبئر أو القناة أن يمنع غيره
من سقي أرضه ونخيله م: (لأن الماء متى دخل في المقاسم) ش: أي في قسمة رجل
بعينه م: (انقطعت شركة الشرب بواحدة؛ لأن في إبقائه قطع شرب صاحبه) ش: أي
في إبقاء شركة الشرب، والتذكير باعتبار الاشتراك.
م: (ولأن المسيل حق صاحب النهر، والضفة تعلق بها حقه) ش: أي حق صاحب النهر
م: (فلا يمكنه التسييل فيه، ولا شق الضفة) ش: أي فلا يمكن صاحب النهر غيره
من تسيل ماءه في مسيله، أي ولا يمكنه أيضا من شق ضفة نهره.
م: (فإن أذن له صاحبه في ذلك) ش: أي فإن أذن للغير صاحب النهر في مسيل
الماء أو في شق ضفة نهره م: (أو أعاره فلا بأس به؛ لأنه حقه) ش: أي المنع
كان لحقه، فإذا أذن أو أعار زال المانع م: (فتجري فيه الإباحة) ش: أي يجري
من ماء النهر أو البئر أو القناة للإباحة م: (كالماء المحرز في إنائه والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) ش: أي كما يجري الإباحة في الماء الذي أحرزه
في قربة أو كوز ونحوهما.
فروع: وفي " الذخيرة " و " المنية ": عبد أو أمة أو صبي إذا ملأ الكوز من
ماء الحوض وأراق بعض ذلك من الحوض لا يحل أن يشرب الماء من ذلك الحوض، لأن
الماء الذي في الكوز يصير ملكا للآخذ، فإذا اختلط بالمباح ولا يمكن التمييز
لا يحل شربه.
(12/321)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو أمر صبيا أبوه أو أمه بإتيان الماء من الوادي أو الحوض في الكوز فجاء
به لا يحل لأبويه أن يشربا من ذلك الماء إن لم يكونا فقيرين، لأن الماء
مملوكا له، ولا يحل لهما الأكل من ماله بغير حاجة، فكذا الشرب.
وعن محمد يحل لأبويه شربه، وإن كانا غنيين اعتبارا للعرف والعادة بيع
الخمر، اختلف فيه المشايخ، قال بعضهم: لا يجوز، لأنه باع شيئا لا يقدر على
تسليم جميعه إلى المشتري، لأنه يذوب بعضه.
وقال أبو نصر محمد بن سلام: بأن البيع جائز، وقال أبو بكر الإسكاف: إذا سلم
الخمرة إلى المشتري: أولا ثم باعه منه: فإنه يجوز. وإن باع ثم سلمه إليه في
يومه ذلك: فإنه يجوز أيضا.
وإذا لم يسلمه إلى المشتري حتى مضى عليه أيام فسد البيع، لأن في القليل لا
ينتقض نقصان تبين له حصته من الثمن، وبه أخذ الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، كذا في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(12/322)
فصل في كري الأنهار قال - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: الأنهار ثلاثة: نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد
كالفرات ونحوه، ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة إلا أنه عام، ونهر مملوك دخل
ماؤه في القسمة وهو خاص، والفاصل بينهما استحقاق الشفعة به وعدمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في كري الأنهار]
[أحكام كري الأنهار]
م: (فصل في كري الأنهار) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام كري الأنهار وهو
حفرها.
م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأنهار ثلاثة) ش: أي ثلاثة أقسام م:
(نهر غير مملوك لأحد) ش: أي أحدها نهر غير مملوك لأحد م: (ولم يدخل ماؤه في
المقاسم بعد) ش: يعني بعدما قسموا ما بعد م: (كالفرات ونحوه) ش: مثل جيحون
وسيحون والنيل والفرات م: (ونهر) ش: أي الثاني م: (مملوك يدخل ماؤه في
القسمة إلا أنه عام) ش: بين الناس م: (ونهر) ش: أي الثالث م: (مملوك دخل
ماؤه في القسمة وهو خاص) ش: أي والحال أنه خاص بين جماعة متعينين.
م: (والفاصل بينهما) ش: أي بين النهر العام والنهر الخاص م: (استحقاق
الشفعة به) ش: أي بالنهر م: (وعدمه) ش: أي عدم استحقاق الشفعة به، وقد
ذكرنا ذلك في الشفعة أن كل بحر يجري فيه السفن لا يستحق به الشفعة، وما لا
يجري يستحق عندهما.
وعن أبي يوسف: الخاص ما يسقى فيه قراحان أو ثلاثة، وما زاد عام. وفي "
فتاوى " قاضي خان تكلموا في الخاص قبل العشرة فما دونها، أو عليه قرية
واحدة، يعني ماؤه فهو نهر خاص يستحق به الشفعة ولما فوق العشرة عام. وقيل:
لما دون الأربعين فهو خاص. وإن كان فوق الأربعين فهو عام. وقيل: الفاصل
المائة وقيل: الألف، والأصح ما قيل فيه: إنه مفوض إلى رأي المجتهد حتى
يختار أي الأقاويل شاء.
وقال الإمام خواهر زاده في " شرح كتاب الشرب ": وأحسن ما قيل فيه من
التجديد: إن الشركاء في النهر إن كان ما دون المائة فالشركة خاصة يستحق بها
الشفعة. وإن كان مائة فصاعدا فالشركة عامة لا تجب الشفعة للكل، وإنما يكون
للجار.
وفي " الأجناس ": حق الشرب في الأرض يجري مجرى الطريق في الأرض، وفي
استحقاق الشفعة لا من حقوق الأرض. فإن كانت بحيث يجري في النهر السفن لا
شفعة بحق الشرب، كما لا شفعة بطريق الاستطراف في الطريق فأخذ. وإذا كان
النهر يجري فيه السماويات دون السفن تعلق بحق الشرب الشفعة كما يتعلق بطريق
غير نافذة الشفعة.
(12/323)
فالأول: كريه على السلطان من بيت مال
المسلمين؛ لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم، ويصرف إليه من مؤنة
الخراج والجزية دون العشور والصدقات؛ لأن الثاني للفقراء، والأول للنوائب.
فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة
العامة، إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم، وفي مثله قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: لو تركتم لبعتم أولادكم، إلا أنه يخرج له من كان يطيقه، ويجعل
مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم. وأما الثاني: فكريه على أهله
لا على بيت المال؛ لأن الحق لهم، والمنفعة تعود إليهم على الخصوص،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالأول) ش: أي القسم الأول هو: النهر غير المملوك لأحد م: (كريه على
السلطان من بيت مال المسلمين؛ لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم،
ويصرف إليه) ش: أي على الكري م: (من مؤنة الخراج والجزية دون العشور
والصدقات؛ لأن الثاني) ش: أي العشور والصدقات م: (للفقراء، والأول) ش: وهو
الخراج والجزية م: (للنوائب) ش: وهو جمع نائبة، وهي التي تنوب المسلمين من
الخراج كبناء القناطر وسد الثغور ونحو ذلك.
م: (فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء
لمصلحة
العامة، إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم) ش: أي إذ الناس لا يقيمون مصلحة العامة
بأنفسهم لأن العوام كل ما ينفقون من غير إحياء، وأي إمام نصب ناظرا في
أحوال الناس فيجبرهم على ذلك م: (وفي مثله قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- لو تركتم لبعتم أولادكم) ش: وقوله: أي وفي مثل هذه الأخبار قال عمر -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: (فإنه أخبرني مثل هذا فكلموه في ذلك
فقال: لو تركتم لبعتم أولادكم) .
ش: وقوله: لو تركتم على صيغة المجهول، يعني لو تركتم في مثل هذه النائبة
التي تلحق المسلمين ولم يجبروا على إقامة المصلحة العامة في مثل هذه الصورة
لفسدت مياه المسلمين ولم يحصل شيء من زارع الأرض ووقع الغلاء إلى أن يؤول
الأمر إلى بيع أولادكم.
فإن قلت: ما حال هذا الأثر؟. قلت: لم أقف عليه في الكتب المشهورة في كتب
الحديث، وإنما ذكره أصحابنا في كتبهم ولم أدر من أين أخذوه؟.
م: (إلا أنه يخرج له من كان يطيقه) ش: أي إلا أن الإمام يخرج للكري أي
لأجله من كان يطيق الكري، أي عمله بنفسه م: (ويجعل مؤنته على المياسير) ش:
أي على الأغنياء م: (الذين لا يطيقونه) ش: أي الكري م: (بأنفسهم) ش: كما
جعل في تجهيز الجيش، فإن الإمام يخرج من أطاق القتال ويجعل مؤنتهم على
الأغنياء.
م: (وأما الثاني) ش: أي النوع الثاني وهو النهر المملوك الذي دخل ماؤه تحت
القسمة، إلا أنه عام م: (فكريه على أهله لا على بيت المال؛ لأن الحق لهم،
والمنفعة تعود إليهم على الخصوص) ش:
(12/324)
والخلوص. ومن أبى منهم يجبر على كريه دفعا
للضرر العام، وهو ضرر بقية الشركاء، وضرر الآبي خاص، ويقابله عوض فلا يعارض
به. ولو أرادوا أن يحصنوه خيفة الانبثاق، وفيه ضرر عام كغرق الأراضي وفساد
الطرق يجبر الآبي، وإلا فلا؛ لأنه موهوم
بخلاف الكري؛ لأنه معلوم. وأما الثالث: وهو الخاص من كل وجه فكريه على أهله
لما بينا، ثم قيل: يجبر الآبي كما في الثاني، وقيل: لا يجبر؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون الاشتراك بالعامة م: (والخلوص) ش: دون أن يكون للإمام شيء فيه م: (ومن
أبى منهم) ش: أي امتنع من أهل هذا النهر عن الإنفاق عن الكري م: (يجبر على
كريه
دفعا
للضرر العام، وهو ضرر بقية الشركاء) ش: لأنهم يتضررون، ولو لم يجبر الآبي
لأنهم يحتاجون إلى كري نصيبه م: (وضرر الآبي خاص، ويقابله عوض) ش: هذا هو
جواب عما يقال: إن الآبي إذا أجبر عليه يتضرر أيضا، حيث يحتاج إلى إنفاق
مال، فقال: ضرر الآبي خاص ويقابله عوض، أي يقابل الآبي عوض وهو حصته من
الشرب م: (فلا يعارض به) ش: الآبي فلا يعارض الضرر العام بالضرر الخاص؛ لأن
ضرر العامة أعلى الضرر فيحتمل أدنى الضررين لدفع الضرر الأعلى إن ضرر
العامة لا عوض له فلا يستوي الضرران فلا تعارض، بل جانب الضرر العام غالب
فيجب السعي في إعدامه.
م: (ولو أرادوا) ش: أي أهل هذا النهر م: (أن يحصنوه) ش: أي النهر م: (خيفة
الانبثاق) ش: أي لأجل الخوف من الانبثاق وهو انتقاص ممسك الماء وهو انتقاله
من المنبثق، يقال: بثق الماء والسيل موضع كذا أي جريه وبثقه، ومادته
الأصول، والبثق -بباء موحدة وتاء مثلثة وقاف -: وفسرها الكاكي بفارسية،
دائران نذاب، م: (وفيه ضرر عام) ش: أي والحال أن في الانبثاق ضرر عام م:
(كغرق الأراضي وفساد الطرق يجبر الآبي) ش: لأنه موهوم، أي الممتنع منهم م:
(وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر الأبي م: (لأنه موهوم) ش:
أي لأن الانبثاق موهوم غير معلوم الوقوع، فإذا لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر
الآبي.
[ومؤنة كري النهر المشترك على من تكون]
م: (بخلاف الكري؛ لأنه معلوم) ش: لأن حاجة النهر إلى الكري في كل وقت معلوم
عادة، وقد التزموه عادة فيجبر الآبي هنا لا محالة، لأنه يأباه يريد قطع
منفعة الماء عن نفسه وشركائه فليس له ذلك، فكذلك يجبر عليه.
م: (وأما الثالث) ش: أي النوع الثالث: م: (وهو الخاص من كل وجه فكريه على
أهله لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الحق لهم والمنفعة تعود إليهم على
الخلوص م: (ثم قيل: يجبر الآبي) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (كما في
الثاني) ش: أي في النهر الثاني كما بينا م: (وقيل: لا يجبر) ش: وهو قول أبي
بكر بن سعيد البلخي. وقال الفقيه أبو جعفر: ويقول أستاذي أبو
(12/325)
لأن كل واحد من الضررين خاص، ويمكن دفعه
عنهم بالرجوع على الآبي بما أنفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي، فاستوت
الجهتان بخلاف ما تقدم، ولا يجبر بحق الشفعة كما إذا امتنعوا جميعا، ومؤنة
كري النهر المشترك عليهم من أعلاه، فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه، وهذا عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بكر البلخي آخذ م: (لأن كل واحد من الضررين خاص) ش: لأنهما مستويان فيترك
ما كان على ما كان كما تعذر دفع أحدهما بالأخرى لا يجبر كما في الحائط بين
اثنين إذا انهدم أو انهدم علو وسفل، فأراد أحدهما أن يبني فأبى الآخر لا
يجبر الآبي، بل يقال للآخر: ابن أنت إن شئت، وأشار إلى استواء الضررين هذا
بقوله: م: (ويمكن دفعه عنهم) ش: أي يمكن لدفع الضرر عن رقبة الآبي م:
(بالرجوع على الآبي بما أنفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي) ش: بأن يستوفوا من
نصيب الآبي من الشرب قدر ما يبلغ قيمته ما أنفقوا في نصيبه في الكري م:
(فاستوت الجهتان) ش: أي إذا كان الأمر كذلك استوى جنسه الآبي وجنسه رفقته،
أراد به استواء الضرر أن لكل واحد منهما بعوض فامتنع التعارض.
م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهو الإجبار في النهر الثاني، فإن من أبى من أهله
يجبر عليه لما ذكرنا أن هناك أحد الجهتين عام فيجبر الآبي دفعا للضرر العام
م: (ولا يجبر بحق الشفعة) ش: هذا هو جواب إشكال، وهو أن يقال: إن كان لا
يجبر الآبي على كرائه بحق الشركاء، فلم يجبر بحق الشفعة كما قيل أنه يجبر
بحق الشفعة، وهو قول بعض المتأخرين من أصحابنا، فقال: لا يجبر بحق الشفعة،
لأن الجبر بحق الشفعة لا يستقيم.
م: (كما إذا امتنعوا جميعا) ش: عن الكري فإنهم لا يجبرون على الكري بحق
أصحاب الشفة م: (ومؤنة كري النهر المشترك عليهم) ش: أي على الشركاء م: (من
أعلاه) ش: أي من أعلى النهر م: (فإذا جاوز) ش: أي الكري م: (أرض رجل رفع
عنه) ش: أي رفع الكري عن الرجل وصورته. ما ذكره في " الكافي " و " التحفة "
أن النهر إذا كان بين عشرة لكل واحد منهم عليه أرض كان الكري من أول النهر
إلى أن يجاوز شرب أولهم بينهم على عشرة أسهم على كل واحد منهم العشر.
فإذا تجاوز شرب الثاني خرج هو من الكري، ويكون الكري على الباقين على تسعة
أسهم، فإذا تجاوز شرب الثاني سقط عنه الشفعة، ويكون الكري على الباقين على
ثمانية أسهم، وعلى هذا الترتيب قالا إن المؤنة بينهم على عشرة أسهم من أول
النهر إلى آخره م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي دفع
مؤنة الكري عند أبي حنيفة، وبه قال الشافعي وأحمد، وفي " فتاوى قاضي خان "
وبقوله: أخذوا في الفتوى.
(12/326)
وقالا: هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره
بحصص الشرب والأرضين؛ لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل لاحتياجه إلى تسييل
ما فضل من الماء فيه. وله: أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي، وقد حصل
لصاحب الأعلى، فلا يلزمه إنفاع غيره،
وليس على صاحب المسيل عمارته، كما إذا كان له مسيل على سطح غيره، كيف وأنه
يمكنه دفع الماء عن أرضه فيسده من أعلاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقالا: هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأرضين) ش: أي
قال أبو يوسف ومحمد: مؤنة الكري على الشركاء جميعا من أول النهر إلى آخره
م: (لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل) ش: أي في أسفل النهر م: (لاحتياجه إلى
تسييل ما فضل من الماء فيه) ش: لأنه إذا أسند ذلك فانجر الماء على أرضه
فأفسد زرعه فعلم أن كل واحد ينتفع بالنهر من أوله إلى آخره. ولهذا تستحق
الشفعة مثل هذا النهر وحق أهل الأعلى والأسفل في ذلك سواء، فإذا استووا في
القسم يستوون في الغرم وهو مؤنة الكري.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المقصد من الكري
الانتفاع بالسقي، وقد حصل لصاحب الأعلى فلا يلزمه إنفاع غيره) ش: قال
السغناقي: الصواب نفع غيره، لأن الانتفاع في معنى النفع غير مسموع، وتبعه
على ذلك الكاكي.
وقال صاحب " العناية ": ولم يرد أشياء عليه فقال الأترازي: استعمال
الانتفاع في معنى النفع وهو ضد الضرر، وتبعه على ذلك الكاكي، وقال
الأترازي: واستعمال الانتفاع في معنى النفع وهو ضد الضرر، ولم يسمع ذلك من
قوانين اللغة، وجاء أرجعته بمعنى رجعته في لغة هذيل، ويجوز على قياسه أنفقه
بمعنى نفقته ولكن اللغة لا تصح بالقياس. ويجوز أن يكون ذلك سهوا من الكاتب
من أن يكون الأصل انتفاع غيره من باب الافتعال.
قلت: لا يلزم أن تكون الهمزة هنا للتعدية لكون النفع متعديا بدون الهمزة،
بل يجوز أن يكون للتعريض من باب أبعته فإن باع متعد. ولما قصدوا منه
التعريض أدخلوا الهمزة عليه على قصد أن يكون المفعول معرضا لأصل الفعل، فإن
معنى أبعته عرضته للبيع وجعلته منتسبا إليه وكذلك هنا يكون المصر فلا يلزمه
أن يجعل غيره معرضا للنفع ولا منتسبا إليه، وقد جاء أنفع الرجل. قاله أبو
زيد، ولكن بمعنى الجر في النفقات، وهو الوصي وهو نفع جمعته بالفتح وهو
الوصي.
[من له مسيل على سطح غيره هل له عمارته]
م: (وليس على صاحب المسيل عمارته) ش: هذا جواب عن قولهما: لأن لصاحب
الإخفاء إلى آخره، يعني لا يلزمه شيء باعتبار مسيل ما فضل م: (كما إذا كان
له مسيل على سطح غيره) ش: حيث لا يلزمه عمارة سطح جاره م: (كيف وأنه يمكنه
دفع الماء من أرضه فيسده من أعلاه) ش: أي كيف يلزم صاحب المسيل عمارته
والحال أنه يمكنه رفع الماء عن أرضه بأن يسد فوهة النهر من
(12/327)
إنما يرفع عنه إذا جاوز أرضه كما ذكرناه،
وقيل: إذا جاوز فوهة نهره وهو مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأول
أصح؛ لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله، فإذا جاوز الكري أرضه
حتى سقطت عنه مؤنته، قيل: له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في
حقه، وقيل: ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه نفيا لاختصاصه، وليس على أهل
الشفقة من الكري شيء؛ لأنهم لا يحصون ولأنهم أتباع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أعلاه إذا استغنى عن الماء م: (إنما يرفع عنه) ش: أي ثم إنما يرفع مؤنة
الكري عن الرجل الذي يقدم ذكره م: (إذا جاوز أرضه كما ذكرناه) ش: أشار به
إلى قوله: فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه.
م: (وقيل: إذا جاوز فوهة نهره) ش: أي يرفع إذا جاوز فوهة نهره وهو بضم
الفاء وتشديد الواو، وهو أول النهر، وكذلك فوهة الطريق وفوهة الزقاق م:
(وهو مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا القول مروي عن محمد
ذكره في " النوادر " م: (والأول أصح) ش: كما أشار إليه في " الأصل " وإليه
ذهب الكرخي م: (لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله) ش: أي من
أعلى النهر وأسفله م: (فإذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته) ش: أي
مؤنة الكري م: (قيل: له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه) ش:
هذه المسألة لم يذكرها محمد في " الأصل ". وقال المشايخ: إذا جاوز الكري
أرضه وأراد أن يفتح رأس النهر حتى يسقي أرضه فله ذلك على قول أبي حنيفة،
لأنه سقط عنه مؤنة الكري، وعلى قولهما لا يكون له ذلك لأنه لم يسقط عنه
مؤنة الكري، كذا ذكره خواهر زاده في " شرحه ".
م: (وقيل: ليس له ذلك ما لم يفرغ نفيا لاختصاصه) ش: أي بالانتفاع بالمأذون
شركاءه وللتحرز عن هذا الخلاف اختار المتأخرون بالبداية بالكري من أسفل
النهر أو ترك بعض النهر من أعلاه حتى يفرغ من أسفله.
م: (وليس على أهل الشفة من الكري شيء؛ لأنهم) ش: أي لأن أهل الشفة م: (لا
يحصون) ش: لأن جميع أهل الدنيا أهل فلاة يمكنهم جمعهم للكري، وليس البعض
أولى من البعض، ولهذا لا يستحقون الشفعة حتى يلزم الغرم بإزاء الغنم م:
(ولأنهم أتباع) ش: لأنهم لا ملك لهم في رقبة الأرض والمؤنة تجب على الأصول
على الأتباع، ولهذا كانت مؤنة قتل المحلة على عاقلة أصحاب الحنطة دون
المشترين والسكان، كذا في " المبسوط "، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12/328)
فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه قال:
وتصح دعوى الشرب بغير أرض استحسانا لأنه قد يملك بدون الأرض إرثا، وقد يبيع
الأرض ويبقى الشرب له، وهو مرغوب فيه فيصح فيه الدعوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه]
[حكم دعوى الشرب بغير أرض]
م: (فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام
الدعوى والاختلاف والتصرف في الشرب.
م: (قال: وتصح دعوى الشرب بغير أرض استحسانا) ش: وفي القياس: لا يصح، لأن
شرط صحة الدعوى إعلام المدعي في الدعوى والشهادة والشرب مجهول جهالة لا
تقبل الإعلام م: (لأنه قد يملك بدون الأرض إرثا) ش: هذا وجه الاستحسان، أي
أن الشرب قد يملك بدون الأرض من جهة الأرض والوصية م: (وقد يبيع الأرض
ويبقى الشرب له، وهو مرغوب فيه) ش: أي الشرب مرغوب فيه ينتفع به، فإذا
استولى عليه غيره له دفع الظلم عن نفسه بإثبات حقه م: (فيصح فيه الدعوى) ش:
أي إذا كان كذلك فيصح فيه الدعوى.
وفي باب الشهادات في الشرب في " الأصل " وإذا كان نهر لرجل في أرضه فادعى
رجل فيه الشرب في يوم في الشهر وأقام على ذلك شاهدين عدلين: فإنه تقبل هذه
الشهادة ويقضى له بذلك استحسانا، لأنهم شهدوا له بشرب يوم من ثلاثين يوما،
وهو معلوم.
وكذا مسيل الماء ولو ادعى يومين في الشهر فجاء بشاهدين فشهد أحدهما بيوم في
رقبة النهر يريد بقوله: في رقبة النهر، لأن له شرب يوم من هذا النهر في
شهر، وشهد الآخر على يومين ذكر أن في قياس قول أبي حنيفة لا يقضى به، وفي
قياس قولهما يقضى بالأقل وهو شربه يوما، فإن شهد أحدهما أن المدعي قبله أقر
بشرب يومين وشهد الآخر شرب أنه أقر بشرب يوم فالمسألة على الاختلاف.
وإن لم يشهدا على الإقرار بل أشهد أحدهما أن له شرب يوم من الشهر من هذا
الشهر وشهد الآخر شرب يومين يجب أن يقبل على الأقل وإن شهدوا أن له شرب يوم
ولم يسموا عدد ولم يشهدوا أن له في رقبة النهر شيء ولا يقبل، لأنهم شهدوا
بشرب مجهول، لأنه لا يدري أن له شرب يوم من الشهر أو من الأسبوع أو من
السنة. ولو شهدوا له بعشر النهر تقبل الشهادة كما لو شهدوا بعشر هذه الأرض.
قال: ولو ادعى رجل عشر عين أو قناة فشهد له شاهدان أحدهما بالعشر وشهد
الآخر بأقل من ذلك بجزء من أحد عشر جزءا، فإن شهدوا على الإقرار لا يقبل في
قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما: يقبل استحسانا على
الأقل. وإن لم يشهدوا على الإقرار يقبل
(12/329)
قال: وإذا كان نهر لرجل يجري في أرض غيره
فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه ترك على حاله لأنه مستعمل له
بإجراء مائه فعند الاختلاف يكون القول قوله. فإن لم يكن في يده ولم يكن
جاريا فعليه البينة أن هذا النهر له، أو أنه قد كان مجراه له في هذا النهر
يسوقه إلى أرضه ليسقيها، فيقضي له لإثباته بالحجة ملكا له، أو حقا مستحقا
فيه، وعلى هذا المصب في نهر، أو على سطح، أو الميزاب، أو الممشى في دار
غيره فحكم الاختلاف فيها نظيره في الشرب.،
قال: وإذا كان نهر بين قوم واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر
أراضيهم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالاتفاق على الأقل، لأنهم شهدوا بالعين.
[نهر لرجل يجري في أرض غيره فأراد صاحب الأرض
أن لا يجري النهر في أرضه]
م: (قال: وإذا كان نهر لرجل يجري في أرض غيره فأراد صاحب الأرض أن لا يجري
النهر في أرضه ترك على حاله) ش: أي لم يكن له ذلك، بل يترك على حاله م:
(لأنه مستعمل له بإجراء مائه) ش: أي لأن صاحب النهر مستعمل للنهر بإجراء
مائه، وهو في يده م: (فعند الاختلاف يكون القول قوله) ش: أنه ملكه م: (فإن
لم يكن في يده ولم يكن جاريا فعليه البينة أن هذا النهر له أو أنه قد كان
مجراه له) ش: بأن لم يكن له أشجار على طرف النهر ولم يعرف جريان مائه فيه
من قبل، وهو معنى قوله: مجراه، أي موضع الإجراء م: (في هذا النهر يسوقه إلى
أرضه ليسقيها) ش: هذه الجملة حال من مجراه، واللام في " ليسقيها " للتعليل
م: (فيقضى له لإثباته بالحجة ملكا له) ش: أي حال كونه ملكا للمدعي فيما إذا
أقام البينة أن هذا النهر له م: (أو حقا مستحقا) ش: أي أو حال كونه جميعا
مستحقا م: (فيه) ش: أي في النهر فيما إذا أقام البينة أن له مجراه في هذا
النهر.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الحكم المذكور م: (المصب في نهر) ش: هو موضع
صب الماء أي جريه، ومراده: ما اجتمع من فضلات الماء في سقائه وغيره م: (أو
على سطح) ش: أي أو انصب على سطح وهو مجرى الميزاب على سطح م: (أو الميزاب،
أو الممشى) ش: بالرفع عطفا على المرفوع بأن ادعى أن ممشاه م: (في دار غيره
فحكم الاختلاف فيها) ش: أي فحكم اختلاف المدعيين أو المتخاصمين من هذه
الأشياء المذكورة.
وفي بعض النسخ فيه، أي في كل واحد من هذه الأشياء في المصب والميزاب
والممشى م: (نظيره في الشرب) ش: أي نظير الاختلاف في الشرب.
والحاصل في هذا الباب: أن هذه الأشياء إذا كانت موجودة وقت الدعوى فالقول
قول المدعي، وإلا فعليه البيان.
[نهر بين قوم اختصموا في الشرب منه]
م: (قال: وإذا كان نهر بين قوم واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر
أراضيهم؛
(12/330)
لأن المقصود الانتفاع بسقيها، فيتقدر
بقدره. بخلاف الطريق؛ لأن المقصود التطرق وهو في الدار الواسعة والضيقة على
نمط واحد، فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر لم يكن له ذلك لما
فيه من إبطال حق الباقين، ولكنه يشرب بحصته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن المقصود الانتفاع بسقيها، فيتقدر بقدره) ش: أي بقدر الانتفاع؛ لأن
الحاجة في ذلك تختلف بقلة الأراضي وبكثرتها، فالظاهر أن حق كل واحد من
الشرب بقدر أرضه، وقدر حاجته، فالبناء على الظاهر واجب حتى تبين خلافه.
فإن قلت: إنهم قد استووا في إثبات اليد على الماء الذي في النهر، والمساواة
في اليد توجب المساواة في الاستحقاق؟
قلت: إثبات اليد على الماء إنما هو بالانتفاع بالماء، وانتفاع من له عشرة
قطع لا يكون مثل انتفاع من له قطعة واحدة، فلا يتحقق التساوي في إثبات
اليد.
وفي " الأجناس ": وحكي عن علي بن الدقاق صاحب كتاب " الحيض ": أنه يكون
بينهم على قدر حاجتهم، وفائدته أنه إذا كان لأحدهم عشرة أجر به، وللآخر
عشرة، إلا أن أرضه لا تكتفي في الزراعة بقدر الماء الذي يأخذه فعلى ما قال
محمد في " الأصل " الماء بينهما نصفان، وعلى ما قال الدقاق: له أخذ الماء
زيادة.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ومن الناس من قال: يقسم بينهم على عدد
الخراج، والصحيح ما قاله علماؤنا، وهذا إذا لم يعلم كيف كان الشرب بينهم،
فأما إذا علم على ما كان يقسم على ما كان كما في الطريق يقسم على عدد
الرؤوس إذا لم يعلم حقهم، أما إذا علم يقسم على ما كان في الأصل.
م: (بخلاف الطريق) ش: يعني إذا اختصم فيه الشركاء فإنهم يستوون في ملك رقبة
الأرض، ولا يعتبر سعة باب الدار وضيقها م: (لأن المقصود التطرق وهو في
الدار الواسعة والضيقة على نمط واحد) ش: أي على نهج واحد. وفي بعض النسخ
على صفة واحدة م: (فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر) ش: يعني لا
يمكنه حتى يسقي أرضه بتمامها إلا بالسكر، وهو من سكرت النهر سكرا إذا سددته
من باب نصر ينصر، والسكر بالكسر القوم وهو المسناة م: (لم يكن له ذلك) ش:
أي لم يكن للأعلى أن يسكر النهر على الأسفل م: (لما فيه) ش: أي في سكره م:
(من إبطال حق الباقين، ولكنه يشرب بحصته) ش: أي من غير سكر.
وفي " الأجناس ": قال تلميذ محمد بن شجاع: زاد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بهذا: إذا كان نصيب صاحب أعلى النهر لا يكفيه لجميع أرضه، حتى يسكر النهر
فساق كل الماء إليه ليس له
(12/331)
فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى
يشرب بحصته، أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحق له
إلا أنه إذا تمكن من ذلك بلوح لا يسكر بما ينكبس به النهر من غير تراض
لكونه إضرارا بهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك إلا أن يكون أرض صاحب الأعلى من بقعة لا يصل الماء إليه، إلا أن يتخذ
في الماء سكر، وأرباب الأرضين مقرون أن شربها من هذا النهر، فلهذا لا بد أن
يتخذ في النهر سكر حتى يرتفع الماء إليها. وإن رضوا على أن يجعلوا ذلك
مقاومة على أن يسكر كل واحد منهم يوما يسوق الماء كله إلى أرضه جاز.
[تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب
بحصته]
م: (فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته، أو اصطلحوا على
أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحق له إلا أنه) ش: أي الأعلى م:
(إذا تمكن من ذلك) ش: أي من السكر م: (بلوح لا يسكر بما ينكبس به النهر) ش:
نحو الطين أو الترب؛ لأنه ينكبس النهر به عادة، وفيه إضرار م: (من غير
تراض) ش: من الشركاء م: (لكونه إضرارا بهم) ش: أي بالشركاء.
وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو كان الماء في النهر بحيث لا يجري إلى أرض كل
واحد إلا بالسكر فإنه قيد بأهل الأسفل ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكر،
ويرجع الماء إلى عراضهم.
وفي " المبسوط ": عن ابن مسعود: أهل الأسفل أمراء على أهل الأعلى حتى
يردوا. وفيه دليل على: أن ليس لأهل الأعلى أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء
على أهل الأسفل.
وفي " المغني " لابن قدامة: ولو كان نهرا صغيرا أو سيلا، فيشاء أهل الأرضين
الشاربة فيه، فإنه يبدأ بأهل الأعلى، ويسقي حتى يبلغ الكعب ثم يرسل للذي
يليه، كذلك إلى انتهاء الأراضي، فإن لم يفضل عن الأول شيء أو الثاني أو
الثالث لا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل.
فمنهم كالعصبة في الميراث، وهو قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا
نعلم فيه مخالفا.
والأصل فيه ما روى ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن
رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراح الحرة التي يسقونه بها إلى النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " اسق يا زبير؛ ثم يسيل الماء» متفق عليه.
(12/332)
وليس لأحدهم أن يكري منه نهرا أو ينصب عليه
رحى ماء إلا برضاء أصحابه؛ لأن فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك بالبناء،
إلا أن يكون رحى لا يضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض صاحبها؛
لأنه تصرف في ملك نفسه، ولا ضرر في حق غيره، ومعنى الضرر بالنهر ما بيناه
من كسر ضفته، وبالماء أن يتغير عن سننه الذي كان يجري عليه، والدالية
والساقية نظير الرحى،
ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة بمنزلة طريق خاص بين قوم، بخلاف ما إذا كان
لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم فأراد أن يقنطر عليه ويستوثق منه له
ذلك، أو كان مقنطرا مستوثقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وليس لأحدهم أن يكري منه) ش: أي من النهر م: (نهرا أو ينصب عليه رحى
ماء إلا برضاء أصحابه؛ لأن فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك بالبناء، إلا
أن يكون رحى لا يضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض صاحبها) ش: بأن
يكون بطن النهر وحصاه مملوكا له، وللآخر حق السيل، كذا في " المحيط "، و "
المبسوط "، م: (لأنه تصرف في ملك نفسه، ولا ضرر في حق غيره، ومعنى الضرر
بالنهر ما بيناه من كسر ضفته) ش: لأنه شيء على حافة النهر فكسر به م:
(وبالماء) ش: أي ومعنى الضرر بالماء م: (أن يتغير عن سننه الذي كان يجري
عليه) ش: لأن فيه تفريغ الماء عن موضعه حتى يصل إلى الرحى م: (والدالية،
والساقية نظير الرحى) ش: في الحكم، والجواب، الدالية جذع طويل مركب تركيب
مدق الأرز، وفي رأسه مغرفة كبيرة يسقى بها، والساقية البعير الذي يسقى
عليه، أي كسقي. وفي " المثل ": سير السواقي بيض، ولا ينقطع.
[اتخاذ القنطرة علي النهر]
م: (ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة) ش: أي على النهر، والجسر ما يوضع، ويرفع
عن الألواح والأخشاب. والقنطرة ما يتخذ من الآجر، والحجر لا يرفع. وفي "
المغرب ": القنطرة ما يبنى على الماء المحصور، والجسر العام، فإن الجسر ما
يعبر به النهر مبنيا كان أو غير مبني، والفتح لغة. وكذلك عين بين قوم لهم
عليها أرضون فهو مثل هذا النهر، وكذلك بئر بين قوم يسقون منها أراضيهم.
وكذلك البركة بين قوم ليس لأحدهم أن يكري منهم نهرا، وأن يحدث حدثا إلا
بإذن أضر بهم أو لا مال، لأن أهل اللغة قالوا: البركة الحوض م: (بمنزلة
طريق خاص بين قوم) ش: أي لا يجوز أن يتصرف أحد فيه.
م: (بخلاف ما إذا كان لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم) ش: وهو الذي
يكون بحال تجري فيه الشفعة م: (فأراد أن يقنطر عليه) ش: أي يتخذ عليه قنطرة
م: (ويستوثق منه) ش: أي يشد جانبي القنطرة من النهر م: (له ذلك، أو كان
مقنطرا مستوثقا) ش: أي أو كان النهر عليه قنطرة وهو مستوثق.
(12/333)
فأراد أن ينقص ذلك، ولا يزيد ذلك في أخذ
الماء حيث يكون له ذلك لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعا ورفعا ولا ضرر
بالشركاء بأخذ زيادة الماء، ويمنع من أن يوسع فم النهر؛ لأنه يكسر ضفة
النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء، وكذا إذا كانت القسمة بالكوى،
وكذا إذا أراد أن يؤخرها عن فم النهر، فيجعلها في أربعة أذرع منه لاحتباس
الماء فيه، فيزداد دخول الماء فيه، بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه أو
يرفعها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فأراد أن ينقص ذلك، ولا يزيد ذلك في أخذ الماء) ش: أي أو كان النهر عيه
قنطرة، أي لا يزيد نقض القنطرة في دخول الماء في نهره، ولا ضرر بالشركاء
بأخذ زيادة الماء هذا اللفظ يحتمل وجهين أحدهما: أنه لا ضرر بالشركاء يأخذ
القنطرة زيادة إلا لعدم زيادة الماء كقوله، ولا يرى الصب بها متحجرا، أي
يتخذ لنفسه حجرا وهذا عبارة عن عدم الصب ثمة إلا إذا كان صبا لا يتحجر كذا
ها هنا لا ضرر بأخذ زيادة الماء.
والثاني: لا ضرر بالشركاء بأخذهم زيادة الماء؛ لأنه إذا رفعت القنطرة يتصور
حصول زيادة الماء لهم م: (حيث يكون له ذلك) ش: يتعلق بقوله: بخلاف ما إذا
كان م: (لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعا ورفعا) ش: أي من حيث الوضع في صورة
البناء، ومن حيث الرفع في صورة النقض.
م: (ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء) ش: والواو للحال؛ لأن الكلام فيه
حتى إذا أضر بهم يمنع، وإن كان تصرف في خالص ملكه لأنه أضر بغيره م: (ويمنع
من أن يوسع فم النهر؛ لأنه يكسر ضفة النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ
الماء) ش: لأنه حينئذ يكون غاصبا شيئا من مال أصحابه فيمتنع.
م: (وكذا إذا كانت القسمة بالكوى) ش: كذا ليس له أن يوسع الكوة إذا كانت
القسمة بالكوى، والكوى -بفتح الكاف، وتشديد الواو - وهو ثقب البيت، والجمع
كوى -بسكر الكاف - كبدرة وبدر، وقد يضم الكاف في المفرد، ثم استعير الكوى
لمفاتيح الماء إلى المزارع، والجداول، فيقال: كوى النهر -بالكسر والضم.
[المتصرف في ملكه إذا أضر بغيره]
م: (وكذا إذا أراد أن يؤخرها) ش: أي كذا ليس له ذلك، أي أن يؤخر الكوى م:
(عن فم النهر فيجعلها في أربعة أذرع منه) ش: أي من فم النهر إلى أسفل. وقال
تاج الشريعة: هذا التقدير وقع اتفاقا كما إذا كان اللوح الذي منه الكوى على
فم النهر، فأراد أن يجعله في وسطه، ويزيح فوهة النهر بغير اللوح م:
(لاحتباس الماء فيه، فيزداد دخول الماء فيه) ش: أي لاحتباس الماء في رأس
النهر وإعتاقه، فيجتمع الماء، ويزداد دخوله في الكوى أكثر مما كان يدخل.
م: (بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه) ش: أي نصفها أعمق كان م: (أو يرفعها)
ش: ما كان
(12/334)
حيث يكون له ذلك في الصحيح؛ لأن قسمة الماء
في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع، وهو
العادة، فلم يكن فيه تغيير موضع القسمة،
ولو كانت القسمة وقعت بالكوى، فأراد أحدهم أن يقسم بالأيام ليس له ذلك، لأن
القديم يترك على عدمه لظهور الحق فيه، ولو كان لكل منهم كوى مسماة في نهر
خاص، ليس لواحد أن يزيد كوة وإن كان لا يضر بأهله؛ لأن الشركة خاصة. بخلاف
ما إذا كانت الكوى في النهر الأعظم؛ لأن لكل منهم أن يشق نهرا منه ابتداء،
فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى فوق م: (حيث يكون له ذلك في الصحيح؛ لأن قسمة الماء في الأصل باعتبار
سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع وهو العادة، فلم يكن فيه
تغيير موضع القسمة) ش: وفسر الكوى في " الأجناس " بقوله: يعني السواقي.
فإن قيل: وإنه وإن تصرف في خالص ملكه مضر بأصحابه وليس له ذلك؛ لأنه يأخذ
الماء أكثر من حقه، والمتصرف في ملكه إذا أضر بغيره يمنع كعبد بين شريكين
كاتب أحدهما نصيبه، فالجواب عنه: أن يقال: لا يخلو إما أن يكون مقدار عمق
نهره وقت القسمة معلوما أو لا، فإن كان معلوما فله أن يسفل حتى يعود إلى
الحالة الأولى، ولا يمكن من الزيادة على ما كان في القديم كيلا يضر بغيره
بأخذ الماء أكثر من حقه. وإن لم يعلم مقدار عمقه في القديم قالوا: سفل
مقدار ما يكري مثل هذا النهر في العرف، والعادة وإن أراد الزيادة منه منع
منه، هكذا قال الفقيه أبو جعفر.
م: (ولو كانت القسمة وقعت بالكوى، فأراد أحدهم أن يقسم بالأيام ليس له ذلك)
ش: يعني إذا لم يرض الشركاء بذلك، فإذا رضوا كان له ذلك م: (لأن القديم
يترك على قدمه لظهور الحق فيه) ش: أي في القديم، لا يثبت إلا بحجة. وفي "
كفاية المنتهي ": نهر بين قوم يأخذ من النهر العظيم لكل واحد منهم كوى على
التفاوت، فقال أصحاب السفل: تأخذون أكثر من نصيبكم؛ لأن كثرة الماء في أول
النهر فينقصكم بقدر ذلك، فيجعل لنا ولكم أياما معلومة ويسد كواكم في أيامنا
ليس لهم ذلك لأنه حق ثبت وضعا لذلك، فلا يعتبر.
م: (ولو كان لكل منهم كوى مسماة) ش: أي معدودة م: (في نهر خاص ليس لواحد أن
يزيد كوة وإن كان لا يضر بأهله، لأن الشركة خاصة) ش: لأن إحداث التصرف فيما
هو مشترك إلا بإذن الشركاء.
م: (بخلاف ما إذا كانت الكوى في النهر العظيم) ش: كالفرات ودجلة والنيل،
حيث لا يمنع أن يزيد في الكوى إذا لم يضر بغيره م: (لأن لكل منهم أن يشق
نهرا منه) ش: أي من النهر العظيم م: (ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م:
(فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى) ش: واستشهد
(12/335)
قال: وليس لأحد الشركاء في النهر أن يسوق
شربه إلى أرض له أخرى ليس لها في ذلك شرب لأنه إذا تقادم العهد يستدل به
على أنه حقه.
. قال: وكذا إذا أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى، حتى ينتهي إلى هذه
الأرض الأخرى لأنه يستوفي زيادة على حقه، إذ الأرض الأولى تنشف بعض الماء
قبل أن تسقى الأخرى، وهو نظير طريق مشترك إذا أراد أحدهم أن يفتح فيه بابا
إلى دار أخرى ساكنها غير ساكن هذه الدار التي يفتحها في هذا الطريق. ولو
أراد الأعلى من الشريكين في النهر الخاص وفيه كوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا بطريق خاص بين قوم ليس لأحد منهم أن يبني
ولا يفتح فيه بابا من دار أخرى، ولا يسيل فيه ماء، ولا يشرع فيه ميزابا ولا
كنيفا أضر بهم أو لم يضر، فكذا في النهر الخاص.
م: (قال: وليس لأحد من الشركاء في النهر أن يسوق شربه إلى أرض له أخرى ليس
لها في ذلك شرب؛ لأنه إذا تقادم العهد) ش: أي الزمان م: (يستدل به على أنه
حقه) ش: أي يسوق الماء إليه، لأنه حقه، وبه قال الشافعي ومالك والقاضي
الحنبلي.
وعن أحمد في رواية: جاز له ذلك إذا كان على وجه لا يتصرف في حافة النهر،
وكذا يجوز أن يهديه أو يهبه.
م: (قال: وكذا إذا أراد أن يسوق شربه إلى أرضه الأولى) ش: أي التي لها شرب
م: (حتى ينتهي إلى هذه الأرض؛ لأنه يستوفي زيادة على حقه، إذ الأرض الأولى
تنشف بعض الماء) ش: أي تشربه م: (قبل أن تسقي الأخرى) ش: هذا الذي ذكره
فيما إذا ملأ صاحب الأرضين أرضه التي لها حق الشرب وسقاها بالماء الذي ملأ
أرضه الأولى. أما إذا أجرى الماء من الأرض الأولى حتى بلغ إلى الأخرى يمنع
أيضا لا باعتبار كثرة الماء وقلته، بل باعتبار أن حقه ليسقي أرضه، وبهذا
يصير حقه يسقي أرضين إليه، أشار في " المبسوط ".
م: (وهو نظير طريق مشترك) ش: أي المذكورة من الحكم نظير طريق مشترك بين قوم
من حيث أنه يزيد في الشرب ما ليس له في حق المرور م: (إذا أراد أحدهم أن
يفتح فيه بابا إلى دار أخرى ساكنها غير ساكن هذه الدار التي يفتحها في هذا
الطريق) ش: يعني إذا كان له داران وهو ساكن في أحدهما وفي الأخرى ساكن آخر
ومرور الدار التي هو يسكنها في طريق مشترك فأراد أن يفتح بابا للدار الأخرى
فمن هذا الطريق ليس له ذلك، وقيد بقوله: " ساكنها " غير ساكن هذه الدار؛
لأنه إذا كان ساكن الداران واحد كان له أن يفتح بابا إلى دار أخرى، لأن
الماء لا يزداد متى كان ساكن الدارين واحدا ويفتح بابا من جداره لأنه يتصرف
في خالص ملكه.
م: (ولو أراد الأعلى من الشريكين في النهر الخاص وفيه كوى) ش: أي وفي النهر
كوى م:
(12/336)
بينهما أن يسد بعضها دفعا لفيض الماء عن
أرضه كيلا تنز، ليس له ذلك لما فيه من الضرر بالآخر.
وكذا إذا أراد أن يقسم الشرب مناصفة بينهما؛ لأن القسمة بالكوى تقدمت، إلا
أن يتراضيا لأن الحق لهما، وبعد التراضي لصاحب الأسفل أن ينقض ذلك،
وكذا لورثته من بعده؛ لأنه إعارة الشرب، فإن مبادلة الشرب بالشرب باطلة؛
والشرب مما يورث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بينهما أن يسد بعضها) ش: أي بعض الكوى م: (دفعا لفيض الماء عن أرضه) ش: أي
لأجل دفع فيض الماء عن أرضه م: (كيلا تنز) ش: النز -بالنون وتشديد الزاي
المعجمة: - ما تجلب الأرض من الماء، وقد نزت الأرض إذا جاءت ذات نزو تجلت
بها الماء م: (ليس له ذلك لما فيه من الضرر بالآخر) .
ش: صورته. ما ذكر في " الأصل " وهو: أن نهرا بين رجلين له خمس كوى من هذا
النهر الأعظم ولأحد الرجلين أرضه في أعلى النهر، وللآخر أرضه في أسفل النهر
فقال صاحب الأعلى: أريد أن أسد من هذه الكوة واحدة أو اثنتين، لأن ماء
النهر يكثر في أرض فيفيض وينز منه، قال: ليس له ذلك، إلا إن سد الكوى أو
أحدث تصرفا في مكان مشترك فلا يكون له إلا برضاء صاحبه، كما لو أراد أن
يوسع الكوى.
م: (وكذا إذا أراد أن يقسم الشرب مناصفة بينهما) ش: أي ليس ذلك قوله
مناصفة، أي بالأيام أو بالشهور، وصورته: أن يقول صاحب الأعلى لصاحب الأسفل:
اجعل لي نصف النهر ولك نصفه، فإذا كان في حصتي سددت منها ما بدا لي. وإذا
كان في حصتك فتحبسها كلها ليس له ذلك إلا برضى صاحبه م: (لأن القسمة بالكوى
تقدمت، إلا أن يتراضيا لأن الحق لهما) ش: كالمهايأة في الدار إذ أن صاحبه
لا يجبر ما إذا تراضيا جاز م: (وبعد التراضي لصاحب الأسفل أن ينقض ذلك) ش:
أي ما قسماه، لأن المهايأة غير لازمة، لأنها عادية، لأن تجويزها بطريق
الإجازة متعذر، لأنه تكون مبادلة منفعة بمنفعة من جنسها وهو باطل، فيجوز
بطريق الإعارة، وللمعير أن يرجع في عاريته متى بدا له ذلك.
[مبادلة الشرب بالشرب]
م: (وكذا لورثته من بعده) ش: أي وكذا لهم أن ينقضوا ذلك، لأنهم خلفاؤه في
ذلك م: (لأنه إعارة الشرب) ش: أي لأن هذا الفعل إعارة، يعني كل واحد منهما
يصير لصاحبه نصيبه من الشرب م: (فإن مبادلة الشرب بالشرب باطلة) ش: الهاء
فيه للتقليل، لأنه بيع الجنس بالجنس وقد ذكرناه م: (والشرب مما يورث) ش:
هذا يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون تعليلا لقوله: وكذا لورثته من بعده، وإليه
مال تاج الشريعة في " شرحه " حيث قال: لأن الورثة يقومون مقام الوارث في
أملاكه وحقوقه. وقد ملك بالإرث ما لا يملك بغيره من أسباب الملك كالقصاص
والدين والخمر، فإنها تملك بالإرث وإن لم يملك بالبيع والآخر: أن تكون
مسألة
(12/337)
ويوصي بالانتفاع بعينه، بخلاف البيع والهبة
والصدقة والوصية بذلك، حيث لا تجوز العقود إما للجهالة، أو للغرر، أو لأنه
ليس بمال متقوم حتى لا يضمن إذا سقى من شرب غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مبتدأة برأسها، وإليه مال الأترازي في " شرحه "، حيث نقل عن " الأصل ": قال
محمد: سألت أبا يوسف عن رجل مات ممن له هذا الشرب؟ فقال: يصير شربه ميراثا،
وإن كان بغير أرض وذلك لأن الملك بالأرض يقع حكما لا قصدا، ويجوز أن يثبت
الشيء حكما وإن كان لا يثبت قصدا كالخمر ملك بالميراث حكما، وإن كان لا
يملك قصدا كسائر أسباب الملك.
[حكم الوصية بالشرب]
م: (ويوصي بالانتفاع بعينه) ش: أي بعين الشرب، يعني إذا أوصى أن يسقي أرض
فلان يوما أو شهرا أو سنة أخذت من الثلث، لأن الوصية بالشرب كالوصية بالعلة
المجهولة، وذلك ينفذ من الثلث. وإن مات بطلت الوصية في الشرب بمنزلة ما إذا
أوصى بخدمة عبده لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية. وإنما قيد الوصية بعين
الشرب احترازا عن الوصية ببيع الشرب وهبته، فإن ذلك وصية بالباطل والوصية
بالباطل باطل.
م: (بخلاف البيع والهبة والصدقة) ش: أي لا يجوز، وقال محمد: سألت أبا يوسف
عن الهبة والصدقة والعمرى والرقبى؟ قال: لا، أي: لا يجوز، لأن الشرب لا
يملك بالبيع بدون الأرض، فكذا لا يملك أرض الصدقة والهبة م: (والوصية بذلك)
ش: أي وبخلاف الوصية ببيع الشرب وصدقته وهبته م: (حيث لا تجوز العقود) ش:
أي البيع والصدقة والهبة ونحوها م: (إما للجهالة) ش: أي كان الماء مجهولا
ولا يصير معلوما إلا بالإشارة أو الكيل أو الوزن ولم يوجد شيء منها فكان
مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة م: (أو للغرر) ش: فإنه على خطر الوجود، لأن
الماء يجيء وينقطع.
م: (أو لأنه ليس بمال متقوم) ش: لأن الشرب عبارة عن النصيب من الماء،
والماء لا يملك قبل الاحتراز م: (حتى لا يضمن إذا سقى من شرب غيره) ش: يعني
من لا شرب له من هذا النهر إذا سقى أرضه بشرب غيره لا يضمن ولو كان مملوكا
ضمن، وإذا لم يكن مملوكا قبل الإحراز لا يجوز بيعه.
وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده -رحمة الله عليه - من مشايخ بلخ كأبي بكر
الإسكاف ومحمد بن سلمة وغيرهما: يجوز. وفي بيع الشرب يوم أو يومين، لأن أهل
بلخ تعاملوا ذلك والقياس ترك التعامل كما في الاستغناء. وكان الفقيه أبو
جعفر وأستاذه أبو بكر البلخي لا يجوزان ذلك. وقالا: هذا تعامل أهل بلدة
واحدة، والقياس يترك بتعامل البلاد كلها كما في الاستصناع، ولا يترك بتعامل
أهل بلدة واحدة.
(12/338)
وإذا بطلت العقود فالوصية بالباطل باطلة.
وكذا لا يصلح مسمى في النكاح حتى يجب مهر المثل، ولا في الخلع حتى يجب رد
ما قبضت من الصداق لتفاحش الجهالة،
ولا يصلح بدل الصلح عن الدعوى لأنه لا يملك بشيء من العقود،
ولا يباع الشرب في دين صاحبه بعد موته بدون أرض كما في حال حياته، وكيف
يصنع الإمام؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تزوج امرأة على شرب بغير أرض]
م: (وإذا بطلت العقود فالوصية بالباطل باطلة) ش: أي الوصية بهذه العقود بأن
يوصي أن يبيع شربه من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه باطل.
وفي بعض النسخ: باطل باعتباره الإيصاء م: (وكذا لا يصلح) ش: أي الشرب. م:
(مسمى في النكاح) ش: أي تزوج امرأة على شرب بغير أرض م: (حتى يجب مهر
المثل) ش: لعدم صحة التسمية م: (ولا في الخلع) ش: أي وكذا لا يصح مسمى في
الخلع بأن خالع امرأته على شرب لها بغير أرض كانت التسمية باطلة، حتى لا
يكون له من الشرب شيء.
وأما الطلاق فواقع م: (حتى يجب رد ما قبضت من الصداق) ش: لأنها أطمعت الزوج
بهذه التسمية فتصير عادة له. وفي الغرر في الخلع يلزمها رد ما قبضت. كما لو
اختلعت على ما في يدها من المال أو على ما في بيتها من المتاع وليس في يدها
وبيتها شيء.
بخلاف ما لو خالعها على خمر أو خنزير فإنه يقع الخلع مجانا، لأن المسمى ليس
بمال متقوم م: (لتفاحش الجهالة) ش: يعني في الشرب، وهذا يرجع إلى الكل.
[ادعى شيئا ثم صالح على شرب بدون أرض]
م: (ولا يصلح بدل الصلح عن الدعوى) ش: بأن ادعى شيئا ثم صالح على شرب بدون
أرض فالصلح باطل وصاحب الدعوى على دعواه. وإن كان الصلح عن دم العمد على
شرب بدون أرض فإن القصاص يسقط إذا قتل القاتل، لأن سقوط القصاص يعتمد وجود
القبول لا وجود المقبول. ألا ترى أنه لو صالح عن دم العمد على خمر أو خنزير
يسقط القصاص لوجود القبول وإن لم يجب القبول فكذا هذا.
ولا يكون له الشرب من الشرب شيء لعدم صحة التسمية، إلا أنه لا يقع الصلح
مجانا، بل يجب على القاتل رد الدية م: (لأنه لا يملك بشيء من العقود) ش: أي
لأن الشرب لا يملك بشيء من العقود، أي لأن الشرب لا يملك بشيء من الصلح متى
وقع على خلاف الجنس كان فيه معنى البيع، وبيع الشرب بلا أرض لا يجوز، وكذا
الصلح عليه بدون أرض، فإن كان المدعي قد شرب من ذلك الشرب سنة أو سنتين فلا
ضمان عليه.
م: (ولا يباع الشرب في دين صاحبه) ش: أي صاحب الشرب م: (بعد موته بدون أرض
كما في حال حياته) ش: أي كما لا يجوز بيعه بدون أرض في حياة صاحبه م: (وكيف
يصنع الإمام؟
(12/339)
الأصح أن يضمه إلى أرض لا شرب لها فيبيعها
بإذن صاحبها، ثم ينظر إلى قيمة الأرض مع الشرب وبدونه، فيصرف التفاوت إلى
قضاء الدين، وإن لم يجد ذلك اشترى على تركه الميت أرضا بغير شرب، ثم ضم
الشرب إليها وباعهما فيصرف من الثمن إلى ثمن الأرض ويصرف الفاضل إلى قضاء
الدين. وإذا سقى الرجل أرضه أو مخرها ماء أي ملأها فسال من مائها في أرض
رجل فغرقها، أو نزت أرض جاره من هذا الماء لم يكن عليه ضمانها لأنه غير
متعد فيه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصح أن يضمه إلى أرض لا شرب لها فيبيعها بإذن صاحبها، ثم ينظر إلى قيمة
الأرض مع الشرب وبدونه) ش: أي وبدون الشرب م: (فيصرف التفاوت إلى قضاء
الدين) .
ش: هذا قول أكثر المشايخ في معرفة قيمة الشرب، كذا قال خواهر زاده في "
شرحه " وهو: أن يضم هذا الشرب إلى جريب من الأرض أقرب ما يكون من هذا الشرب
فيباع بإذن صاحبها، ثم ينظر بكم يشتري مع الشرب وبدون الشرب بكم يشتري
فيكون فرق ما بينهما قيمة الشرب.
فإن كان يشتري مع الشرب بمائة وخمسين وبدون الشرب يشتري بمائة يعرف أن قيمة
الشرب خمسون درهما فيصرف الخمسين إلى الدين، وإنما قال: " الأصح " لأن فيه
اختلاف المشايخ فقال بعضهم: إن الإمام يتخذ حوضا ويجمع ذلك الماء في كل
نوبة ثم يبيع الماء الذي جمعه في الحوض ويقضي به الدين.
وقال آخرون: يقال للمقومين: إن العلماء لو اتفقوا على جواز بيع الشرب بلا
أرض بكم كان يشتري هذا الشرب وهو نظير ما قاله بعض أئمة بلخ أنه إذا وطئ
امرأة بشبهة فعليه عقرها فينظر بكم كانت تستأجر على الزنا، لو كان
الاستئجار على الزنا جائزا فيجعل ذلك عقرها.
م: (وإن لم يجد ذلك) ش: أي وإن لم يجد الإمام ببيع تلك الأرض بأن لم يرض
صاحبها م: (اشترى على تركه الميت أرضا بغير شرب، ثم ضم الشرب إليها
وباعهما) ش: أي الأرض والشرب جميعا م: (فيصرف الثمن إلى ثمن الأرض ويصرف
الفاضل إلى قضاء الدين) ش: أي يصرف الفاضل من ثمن الأرض إلى أرباب الديون.
[كانت في أرضه جحر فأر فتعدى إلى أرض جاره
فغرقت أرض جاره]
م: (وإذا سقى الرجل أرضه أو مخرها ماء، أي ملأها) ش: وفي " الصحاح ": مخرت
الأرض إذا أرسلت فيها الماء وفي " ديوان الأدب " مخرت السفينة الماء، أي
سفينة يجريها م: (فسال من مائها في أرض رجل فغرقها، أو نزت أرض جاره من هذا
الماء لم يكن عليه ضمانها؛ لأنه غير متعد فيه، والله أعلم) ش: أي في السقي
والمخر، قال الفقيه أبو جعفر: تأويل ما قال محمد: إذا سقى أرضه سقيا بمثله
في العرف والعادة.
(12/340)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما إذا سقى سقيا غير مثله في العرف والعادة، فإنه يضمن وهكذا كما قالوا
فيمن أوقد نارا في داره يوقد مثلها في الدور في العرف والعادة لا يضمن إذا
احترق دار جاره، لأنه سبب غير متعد، وإن أوقد نارا لا يوقد مثلها في العرف
والعادة، فإنه يضمن، لأنه متعد في السبب.
وأما إذا كانت في أرضه جحر فأر فتعدى إلى أرض جاره فغرقت أرض جاره فإن كان
لا يعلم بجحر الفأر لا يضمن، وإن علم يضمن، وعلى هذا قالوا: إذا فتح رأس
نهره فسال من النهر شيء إلى أرض جاره فغرقت قالوا: إن فتح من الماء مقدار
ما يفتح من الماء في مثل ذلك النهر في العرف والعادة لا يضمن.
وإن كان فتح مقدار ما لا يفتح مثل ذلك المقدار في مثل ذلك النهر فإنه يضمن.
وحكي عن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد بأنه كان يقول: إذا سقى مثله، إنما لا
يضمن إذا كان محقا في السقي بأن سقاه في نوبته مقدار حقه، فأما إذا سقى من
غير نوبته أكثر من حقه يضن؛ لأنه مسبب ومتعد، وفي " الأصل ": ولو أن رجلا
أوقد نارا أو أحرق كلاء في أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا لغيره لم يضمن رب
الأرض، وقال خواهر زاده: تأويله: إذا أوقد نارا توقد مثلها في العرف
والعادة، فأما إذا أوقد نارا لا يوقد مثلها فإنه يضمن.
وفي " فتاوى البقالي ": ولو تعدى الماء إلى الأرض جاره وهو يرى ولم يخبر:
يضمن.
وفي " المحيط ": لو انبثق نهر فجرى في أرض قوم، وخرب أراضيهم فليس لهم أن
يأخذوا أصحاب النهر بعمارة الأرضين ولهم أن يأخذوهم بعمارة النهر. ولو كان
له مجرى ماء على سطح غيره فخرب السطح فإصلاح المجرى على صابح المجرى. وذكر
" الهندواني ": لو ألقى رجل شاة في أرض طاحونة فسار الماء بها إلى الطاحونة
إن كان النهر لا يحتاج إلى الكري فلا ضمان عليه، وإن كان يحتاج ضمن إن علم
أنها خربت من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12/341)
|