البناية شرح الهداية

كتاب الصيد الصيد لغة هو: الاصطياد؛ ويطلق على ما يصاد، والفعل مباح لغير المحرم في غير الحرم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الصيد]
[تعريف الصيد]
م: (كتاب الصيد) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الصيد. وجه المناسبة بين الكتابين هو: اشتمالهما على نوع من السرور والنشاط، إلا أن الأول أقوى، لأنه باطني، فكذلك قدمه. وقيل: لأن منهما قد يصير من أسباب التلهي، إلا أن التلهي بالأشربة حرام، وبالصيد مكروه فقد حرم الحرام لقوته على المكروه ومحاسن الصيد محاسن المكاسب وسببه مختلف باختلاف حال الصائد، فقد تكون الحاجة إليه، وقد لا يكون لإظهاره حلاوة. وقد يكون للتفرج والتنزه.
م: (الصيد لغة هو: الاصطياد) ش: أراد أن الصيد في اللغة مصدر بمعنى الاصطياد، وقد سمي الصيد صيدا للتسمية بالمصدر.
ويقال: صاد يصيد صيدا فهو صائد، وذلك مصيد وأصله مصيود، كما أن مبيعا أصله مبيوع فاعل بالنقل والقلب والصيد اسم لحيوان ممتنع متوحش لا يؤخذ إلا بالحيلة، قال الشاعر:
وإذا ركبت فصيدي الأبطال
أطلق اسم الصيد على البطل، وهو الشجاع، وإن كان آدميا لكونه ممتنعا لا يمكن أخذه إلا بالحيلة. وشرعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
م: (ويطلق) ش: أي لفظ الصيد الذي هو المصدر م: (على ما يصاد) ش: من الحيوان مجازا إطلاقا لاسم المصدر على المفعول م: (والفعل مباح) ش: أراد بالفعل الاصطياد وهو مباح م: (لغير المحرم في غير المحرم) ش: المحرم محرم عليه الصيد بالآية، وكذلك صيد الحرام حرام بالنص، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينفر صيدها» ، فإذا كان بيعه حرام فصيده بطريق الأولى، لأن فيه تفويت الأمن المستحق.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2) ش: هذا دليل لمشروعية الصيد، ويفهم منه أيضا عدم مشروعيته لغير الحلال، وهو المحرم، والأمر هاهنا للإباحة.

(12/405)


ولقوله عز وجل: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما} [المائدة: 96] (المائدة: الآية 96) . ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل، ون أكل منه فلا تأكل؛ لأنه إنما أمسك على نفسه، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» . وعلى إباحته انعقد الإجماع، ولأنه نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك، وفيه استيفاء المكلف وتمكينه من إقامة التكاليف، فكان مباحا بمنزلة الاحتطاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (سورة المائدة: الآية 96) ش: هذا التحريم إلى غاية، فاقتضى الإباحة فيما وراء ذلك.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أكل منه فلا تأكل؛ لأنه إنما أمسك على نفسه، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن عدي بن حاتم، قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أرسل كلبي وأسمي، فقال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل -، فإن أكل منه، فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه".
قلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ولا أدري أيهما أخذه؟، فقال: "لا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر".» م: (وعلى إباحته) ش: أي إباحة الصيد م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الأمة، وهو من أقوى الحجج، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» .
م: (ولأنه) ش: أي الصيد م: (نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك) ش: أي لأجل الانتفاع، لأن ما سوى الآدمي خلق لمصالح الآدمي م: (وفيه) ش: أي في الانتفاع بالشيء المخلوق الانتفاع م: (استيفاء المكلف وتمكينه من إقامة التكاليف) ش: لأنه لو لم ينتفع بما فيه نفعه يهلك ولا يتمكن من إقامة التكاليف م: (فكان مباحا) ش: أي إذا كان الأمر كذلك كان الاصطياد مباحا م: (بمنزلة الاحتطاب) ش: والاحتشاش في كونه مباحا.
فإن قلت: كان ينبغي أن يكون واجبا لما فيه من التمكن من إقامة التكاليف؟ قلت: هو غير متعين لإقامتها فكان مباحا، ولهذا قالوا: يباح، إذا كان مقصوده إقامة التكاليف وإن كان مقصود التلهي يكره.

(12/406)


ثم جملة ما يحويه الكتاب فصلان، أحدهما في الصيد بالجوارح، والثاني في الاصطياد بالرمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم جملة ما يحويه الكتاب) ش: أي ما يجمعه كتاب الصيد م: (فصلان أحدهما في الصيد بالجوارح) ش: وهو جمع جارحة، وأراد بها هاهنا الجوارح من الحيوان كالكلب والفهد والبازي والصقر ونحوها م: (والثاني) ش: أي الفصل الثاني م: (في الاصطياد: بالرمي) ش: بالسهام والمعراض ونحوهما من الآلة التي تجرح نحو السيف والرمح.

(12/407)


فصل في الجوارح قال: يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة. وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء علمته من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فلا بأس بصيده ولا خير فيما سوى ذلك، إلا أن تدرك ذكاته. والأصل فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الجوارح]
[الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة]
م: (فصل في الجوارح) ش: أي هذا فصل في بيان الجوارح، وقدم فعلها على الرمي لأن آلة الصيد هنا حيوان، وفي الرمي جماد، وللحيوان فضل على الجماد مع أن الحيوان هاهنا متصف بالعلم، فكان أفضل من الرمي الذي لا صلاحية له في العلم.
م: (قال: يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة) ش: أي قال القدوري في "مختصره": وأراد سائر الجوارح المعلمة من الحيوان الذي له ناب نحو النمر والثعلب والضبع على ما يجيء، ومن الحيوان الذي له مخلب كالصقر والعقاب والباشق ونحوها.
م: (وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء علمته من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فلا بأس بصيده) ش: وإنما أورد رواية " الجامع الصغير "، لأن رواية القدوري تدل على الإثبات لا غير، ورواية " الجامع الصغير " تدل على الإثبات والنفي جميعا، وأراد بذي ناب: الذي يصيد بنابه، وبذي مخلب: الذي يصيد بمخلبه، لا ماله ناب ومخلب.
فإن قلت: لم ذكر كلمة "لا بأس" مع ثبوت الإباحة بالكتاب؟.
قلت: لأن قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مخصوص في الخنزير والذئب، فصار شبهة في تناول الآية كل معنى، لأن العام إذا خص منه البعض يصير ظنيا، وعند البعض لا يبقى حجة، فلهذا قال لا بأس.
م: (ولا خير) ش: أي لا يجوز م: (فيما سوى ذلك) ش: أي فيما سوى المعلم من ذي ناب، والمعلم من ذي مخلب يعني إذا أخذ كلبا غير معلم صيدا فلا خير فيه م: (إلا أن تدرك ذكاته) ش: وكذا البازي وغيره. وقيل: أراد ما لا ناب له ولا مخلب لأنه لا يجرح، وإنما يقتل غما وخنقا، والله سبحانه وتعالى شرط الجرح إلا أن يدرك ذكاته أي ذبحه، فحينئذ يكون مضافا إلى ذبحه.
م: (والأصل فيه) ش: أي في اشتراط كون الجارح من ذوات الناب والمخلب التي يصيد بها.

(12/408)


قَوْله تَعَالَى: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 3) ، والجوارح الكواسب في تأويل المكلبين المسلطين، فيتناول الكل بعمومه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قَوْله تَعَالَى) ش: لا إله إلا هو م: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 3) ش: كلمة ما بمعنى الذي، وهو عطف على الطيبات، أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز أن تكون ما شرطية وجزاؤها فكلوا.
م: (والجوارح الكواسب في تأويل) ش: أي الكواسب من سباع البهائم، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والطير كالصقر والبازي والشاهين، سميت بذلك لأنها كواسب بنفسها، يقال: جرح وأجرح إذا كسب، وفيه قوله سبحانه وتعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] (سورة الأنعام: الآية 60) ، أي كسبتم في الأيام، وقال سبحانه وتعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] (سورة الجاثية: الآية 21) أي اكتسبوها. وقيد بقوله: "في تأويل بعض العلماء"، لأنه في تأويل آخرين من الجوارح.
م: (المكلبين المسلطين) ش: أي المسلطين الجوارح على الصيد، وفي " الكشاف ": الكلب المؤدب الجوارح، ومضربها بالصيد فصائدها ورابطها كذلك بما علم من الحبل، وطرف التأديب والتنظيف واشتقاقه من الكلب؛ لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه. ولأن السبع يسمى كلبا، ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فافترسه الأسد» . ومن الكلب الذي هو بمعنى الفرارة يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضاربا به.
فإن قلت: مكلبين منصوب بماذا؟.
قلت: على الحال من علمتم.
فإن قلت: ما فائدة الحال، وقد استغنى عنها ب "علمتم"؟.
قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح تحريرا في علمه قدرنا فيه موصوفا بالتكليب، ويعلمونهن حال ثانية، أو استئناف، وفيه فائدة جليلة وهي: كل من أخذ علما لا يأخذه إلا من أقبل أهله علما، وأوسعهم دراية، وأغوصهم على ألطافه وحقائقه، فكم أخذ من غير متقن قد ضيع زمانه، وغفل عن التقاط التجاريم بنابه بما علمكم الله من علم التكليب، إنه إلهام من الله أو مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وانزجاره بزجره، وانصرافه بدعائه، وإمساكه الصيد عليه، وأن لا تأكل منه.
م: (فيتناول الكل بعمومه) ش: أي إذا كان المعنى ما ذكرنا يتناول قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] كل ذي ناب جارح، وكل ذي مخلب جارح بعموم اللفظ

(12/409)


دل عليه ما روينا من حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واسم الكلب في اللغة يقع على كل سبع حتى الأسد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه استثنى من ذلك الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته، وألحق بهما بعضهم الحدأة لخساسته، والخنزير مستثنى؛ لأنه نجس العين فلا يجوز الانتفاع به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه إشارة إلى نفي ما ذهب إليه ابن عمر، ومجاهد: أنه لا يجوز الاصطياد إلا بالكلب، مستدلين بلفظ مكلبين.
م: (دل عليه) ش: أي العموم م: (ما روينا من حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فإنه قال فيه: «إذا أرسلت كلبك» م: (واسم الكلب في اللغة يقع على كل سبع حتى الأسد) ش: ألا ترى «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في عتبة بن أبي لهب: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" فسلط الله عليه الأسد فقتله» ومعنى حقيقة هذا الاسم موجود في الكل، فكان عاما بطريق الحقيقة.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه استثنى من ذلك الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته) ش: هذا يتعلق بقوله: فيتناول العموم بعمومه.
وفي " الإيضاح ": ولا يجوز الاصطياد بالأسد والدب، والخنزير، وإن كان عموم الآية يتناولها؛ لأن التعليم منها لا يتصور، فإنا نستدل على التحريم للتعليم بترك الأكل، ومن عادة الأسد والدب أن يمسكا صيدهما فلا يأكلانه في الحال، حتى لو تصور التعلم منهما جاز.
وأما الخنزير فإنه نجس العين، وكان الانتفاع به محرما. وعن أحمد، والحسن البصري، والنخعي، وقتادة، وإسحاق، وأصحاب الظاهر: لا يؤكل ما صيد بالكلب الأسود إذا كان بهيما، والبهيم الذي لا يخالطه لون سواه؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هو شيطان" وأمر بقتله، وما وجب قتله حرام إقتناؤه وتعليمه، فلم يبح صيده كغير المعلم. ولنا عموم الآية والخبر والقياس على غيره من الكلاب.
م: (وألحق بهما) ش: أي بالأسد والدب م: (بعضهم الحدأة لخساسته) ش: بكسر الحاء وفتح الدال والهمزة، وجمعها حدأ على وزن فعل بكسر الفاء وفتح العين م: (والخنزير مستثنى) ش: أي من عموم الآية م: (لأنه نجس العين، فلا يجوز الانتفاع به) ش: لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]

(12/410)


ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم والحديث به وبالإرسال ولأنه إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له فيترسل بإرساله ويمسكه عليه، قال: وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته وهو مأثور عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(الأنعام: الآية 145) ، والرجس: النجس، والانتفاع بالنجس حرام.

[تعليم الكلب]
م: (ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) م: (والحديث به) ش: بالجر عطفا على قوله: النص باشتراط التعليم، أي: وما ذكرنا من الأحاديث وهو حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أي بالتعليم، أي من اشتراط الحديث بالتعليم م: (وبالإرسال) ش: أي وباشتراط الحديث أيضا بالإرسال، وهو «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعدي: "إذا أرسلت كلبك المعلم» ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الإرسال والتعليم جميعا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحيوان م: (إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له) ش: أي آلة الاصطياد بتعليمه إياه ليكون عاملا للصيد، أو عاملا للصائد بما يريد من الصيد م: (فيترسل بإرساله) ش: بالنصب عطفا على ليكون م: (ويمسكه عليه) ش: أي ويمسك الصيد على صاحبه لا لنفسه.
م: (قال: وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته) ش: أي قال القدوري م: (وهو مأثور عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أي لفظ الرواية مأثور عنه، وما رواه محمد في كتاب " الآثار "، وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: "ما أمسك عليك كلبك فإن كان عالما فكل، فإن أكل فلا تأكل منه، فإنه أمسك على نفسه"
وأما الصقر والبازي فكل وإن أكل، فإن تعليمه إذا دعوته أن يجيبك فلا يستطيع ضربه حتى تفرغ الأكل، قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، انتهى.
وفي " صحيح البخاري ": وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله سبحانه وتعالى يقول: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ، فيضرب ويعلم حتى يترك الأكل.
وروى ابن جرير الطبري في "تفسيره" في سورة المائدة: حدثنا أبو كريب ثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل، فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد، فإن

(12/411)


ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه؛ ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة آية تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب، ثم شرط ترك الأكل ثلاثا، وهذا عندهما، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فيما دونه مزيد الاحتمال، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا، فإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه، وليس يضرب فإن أكل من الصيد، ونتف الريش، فكل.
م: (ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه) ش: أي يترك الأكل، وتعذر ترك الأكل في البازي؛ لأنه لا يحتمل الضرب حتى يترك، فأقيم مقامه ما يدل عليه، وهو الإجابة عند الدعي.
م: (ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة) ش: عند الدعي م: (آية) ش: لأنه آية التعليم م: (تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب) ش: لأن حقيقة التعليم، والجهل في الحيوان أمر مستبطن، فأقيم تبدل العادة المألوفة مقام العلم، والجري على العادة الأصلية مقام الجهل، وذلك في الكلب يترك الأكل، والمسك على صاحبه لا بالإلف والإجابة لصاحبه داعيا ومرسلا؛ لأن الكلب في الأصل ألوف بحيث إذا دعي أجاب. والبازي متنفر بطبعه، فالإجابة علامة علمه لأنه خلاف طبعه.
وقيل: وفيه نظر؛ لأن هذا العرف لا يتأتى في الفهد، والنمر، فإنه متوحش كالبازي، ثم الحكم فيه، وفي الكلب سواء، فالمعتمد هو الأول؟.
أجيب: بأنه غير وارد؛ لأنه إنما ذكره فرق بين الكلب والبازي لا غير، وذلك صحيح، وإذا أريد الفرق عموما فالعمدة هو الأول، ثم ترك الأكل ليس بشرط في الطير عند العامة، وبه قال ابن عباس، ونص الشافعي: أنه يشترط كالكلب في تحريم ما أكل من صيده؛ لأن مجالدا روى عن السيفي عن عدي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن أكل الكلب والبازي: فلا تأكل» ولنا إجماع الصحابة على ما ذكرنا. وقال أحمد: روايات مجالد غير صحيحة.
م: (ثم شرط ترك الأكل ثلاثا) ش: أي ثم شرط القدوري ترك أكل الكلب ثلاث مرات م: (وهذا) ش: أي هذا الشرط م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قولنا رواية عن أبي حنيفة م: (لأن فيما دونه) ش: أي فيما دون ثلاث مرات م: (مزيد الاحتمال) ش: أي زيادة الاحتمال، وبين ذلك بقوله م: (فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا) ش: أي فلعل الكلب ترك الأكل مرة أو مرتين لأجل الشبع فلا يدل على ترك علمه م:

(12/412)


تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له، وهذا لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار، وفي بعض قصص الأخيار ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم دون القليل والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في الأصل: لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا ولا سمع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له) ش: لعلة الاحتمال في الثلاث جدا.
م: (وهذا) ش: بمعنى دلالة الثلاث على كونه عادة له م: (لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار) ش: أي الامتحان م: (وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار) ش: لأنها ثلاثة أيام م: (وفي بعض قصص الأخيار) ش: أراد به موسى، والخضر - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حيث قال موسى للخضر في المرة الثالثة: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] وأمثال ذلك كثيرة، قال سبحانه وتعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] وقال سبحانه وتعالى في قصة زكريا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] (آل عمران: الآية 41) . وروى أبو داود بإسناده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» .
وروى القدوري في "شرحه" عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يربح فليشغل إلى غيره» وتقدير مدة المسافر، وإمهال المرتد، ومدة أقل الحيض، ونحو ذلك
م: (ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم) ش: وفي بعض النسخ على العلم م: (دون القليل) ش: أي لا يقع القليل عالة على ذلك م: (والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها) ش: يعني أدنى الجمع هو الثلاث؛ لأن ما فوقه من أفراد الجمع ليس بعضه أولى من بعض، فقدرنا الأدنى لأنه متيقن.
م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا) ش: أي بل يعرف من حيث النص من الشارع ومن حيث السماع منه م: (ولا سمع) ش: أي ولا سماع موجود هاهنا، وفي بعض النسخ: ولا سمع؛ م: (فيفوض إلى رأي المبتلى به) ش: أي إذا كان ذلك فيفوض أمر التعليم إلى رأي الصياد؛ لأنه هو الذي ابتلي به م: (كما هو أصله

(12/413)


في جنسها. وعلى الرواية الأولى عنده يحل ما اصطاده ثالثا، وعندهما: لا يحل؛ لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث. وقبل التعليم غير معلم فكان الثالث صيد كلب جاهل، وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى. وله: أنه آية تعليمه عنده فكان هذا صيد جارحة معلمة بخلاف تلك المسألة؛ لأن الإذن إعلام ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في جنسها) ش: أي كما هو أصل أبي حنيفة في جنس المقادير نحو حبس الغريم، وحد التقادم، وتقدير ما غلب في نزح البئر العين، ولم يقدر أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدد المرات؛ لأن التقدير بالتوقيف ولا توقيف، بل قدروه بما يصير به معلما في العرف، وبه قال أحمد، إلا أنه قال: أقل ذلك ثلاث، وحكي عن مالك، وربيعة: لا يعتبر الأكل. وقال بعض أصحاب أحمد: لا يشترط التكرار في المعلم؛ لأنه خنقه فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الصنائع. ولنا: أن ترك الأكل ثلاث مرات دليل علمه.
م: (وعلى الرواية الأولى) ش: وهي التي قدر بالثلاث وهي رواية القدوري م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، م: (يحل ما اصطاده ثالثا) ش: يعني إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم أخذ ثانيا فلم يأكل، ثم أخذ ثالثا فلم يأكل يحل أكل الثالث عند أبي حنيفة م: (وعندهما: لا يحل) ش: أكل الثالث، ويحل أكل ما بعده. وقال في " المجرد " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يأكل أول ما يصيد، ولا الثاني، ثم يحل الثالث وما بعده، وهو رواية محمد بن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة م: (لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث) ش: أي لأن الكلب إنما يصير معلما بعد تمام ثلاث مرات عن ترك الأكل.
م: (وقبل التعليم غير معلم، فكان الثالث صيد كلب جاهل) ش: لأنه إنما حكم بتعليمه عين ترك الأكل من الثلاث، وما صاده قبل الثلاث ليس بصيد كلب معلم م: (وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى) ش: يعني إذا رأى المولى العبد يتصرف فسكت يكون إذنا له فيما بعد، والتصرف الذي يباشره غير صحيح بالاتفاق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية تعليمه عنده) ش: أي ترك الأكل علامة تعليمه عند الثلاث؛ لأنه إنما يحكم بكونه معلما بطريق تعيين إمساكه. الثالث على صاحبه، وإذا حكمنا أنه أمسكه على صاحبه، وقد أخذه بعد إرسال صاحبه فيحل؛ م: (فكان هذا صيد جارحة معلمة) ش: فيحل أكله م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة ما إذا رآه المولى يتصرف فسكت م: (لأن الإذن إعلام) ش: بفك الحجر م: (ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة) ش: أي علم العبد لا يكون إلا بعد المباشرة، وما باشره قبل العلم يكون تصرف محجور فلا ينفذ.

(12/414)


قال - رحمة الله عليه -: وإذا أرسل كلبه المعلم أو بازيه وذكر اسم الله تعالى عند إرساله، فأخذ الصيد وجرحه فمات حل أكله لما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ولأن الكلب أو البازي آلة، والذبح لا يحصل بمجرد الآلة إلا بالاستعمال، وذلك فيهما بالإرسال، فنزل منزلة الرمي وإمرار السكين فلا بد من التسمية عنده، ولو تركه ناسيا حل أيضا على ما بيناه، وحرمة متروك التسمية عامدا في الذبائح، ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[أرسل صيده وذكر اسم الله تعالى عند إرساله فأخذ الصيد وجرحه فمات]
م: (قال - رحمة الله عليه -: وإذا أرسل كلبه المعلم أو بازيه وذكر اسم الله تعالى عند إرساله فأخذ الصيد، وجرحه، فمات حل أكله) ش: أي قال القدوري في "مختصره": م: (لما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حيث قال فيه: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» ، وقد ذكر شرط الإرسال والتسمية جميعا.
م: (ولأن الكلب والبازي آلة، والذبح لا يحصل بمجرد الآلة إلا بالاستعمال) ش: أي باستعمالهما للذبح، ولهذا قال: لو انقلب الصيد أو الشاة على سكين وأصاب مذبحها لا يحل؛ لأن الاستعمال لم يوجد م: (وذلك فيهما بالإرسال) ش: أي الاستعمال يكون بإرسال في الكلب، والبازي، فلا بد من الإرسال، وبه قالت الثلاثة، وأكثر أهل العلم.
وعن عطاء، والأوزاعي: يؤكل إذا أخرجه للصيد؛ لأن الإخراج له كالإرسال.
وقال إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى عند انتقاله يباح صيده، ولو استرسل وسمى صاحبه وزاجره، وزاد في عدوه أبيح، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: لا يباح لعدم الانزجار. وعن مالك كالمذهبين. قلنا: لما زجره صار كأنه أرسله، وكذا لو أرسله ثم سمى، وزجره فزاد في عدوه: أبيح صيده.
م: (فنزل منزلة الرمي، وإمرار السكين) ش: أي ترك الإرسال منزلة رمي الطير بالسهم، وإمرار السكين على حلق الشاة، فكذلك يشترط التسمية عند الإرسال، وهو معنى قوله: م: (فلا بد من التسمية عنده) ش: أي عند الإرسال م: (ولو تركه ناسيا حل أيضا) ش: أي: ولو ترك ذكر التسمية حال كونه ناسيا حل كما في وجود التسمية، وهو معنى قوله أيضا: م: (على ما بيناه) ش: أي على ما بينا أن ترك التسمية ناسيا لا يضر م: (وحرمة متروك التسمية عامدا) ش: ينصب حرمة عطف على الضمير المنصوب في بيناه، أي وعلى ما بينا حرمة متروك التسمية حال كون عامدا م: (في الذبائح) ش: يرجع إلى الاثنين.
م: (ولا بد من الجرح) ش: أي جرح الكلب الصيد، أو البازي، حتى لو قتله الكلب، أو البازي بلا جرح لا يحل، وكذا أذكره من غير جرح لا يحل م: (في ظاهر الرواية) ش: أشار به إلى رواية الزيادات حيث اشترط الجرح، وأشار في " الأصل " إلى: أنه يحل بذلك الجرح كما

(12/415)


ليتحقق الذكاة الاضطراري وهو الجرح في أي موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة إليه بالاستعمال، وفي ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وما علّمتم من الجوارح} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ما يشير إلى اشتراط الجرح، إذ هو من الجرح بمعنى الجراحة في تأويل قوله فيحمل على الجارح الكاسب بنابه ومخلبه ولا تنافي، وفيه أخذ باليقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روي عن أبي يوسف، وهو قول عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول آخر: لا يحل كما في ظاهر الرواية، وبه قال مالك، وأحمد.
وفي " الذخيرة ": الفتوى على ظاهر الرواية، قال شيخ الإسلام: قال الشافعي في القديم: يؤكل، وإن قتل صيدا بلا جرح. والجرح ليس بشرط للإباحة، وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف في رواية الأصول مثل قول الشافعي في القديم م: (ليتحقق الذكاة الاضطراري وهو الجرح في أي موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة إليه بالاستعمال) ش: تقريره أن الذكاة لا بد منه إما حقيقة أو حكما، وهاهنا يتعذر الذكاة الحقيقة فتقوم مكانها الذكاة الاضطرارية، فالذكاة الاضطرارية هي أن يوجد الجرح في أي موضع كان من بدن الصيد بانتساب ما وجد من آلة إليه، أي إلى الصيد باستعماله، يعني يكون استعمله مضافا إلى الصائد باعتبار الإرسال، وصار الإرسال كالذكاة، فلهذا اشترط التسمية، وأهلية المرسل عند ذلك فلا بد من الجرح ليكون ذكاة.
م: (وفي ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ما يشير إلى اشتراط الجرح إذ هو من الجرح بمعنى الجراحة في تأويل قوله) ش: ما يشير مبتدأ. وخبره قوله: في ظاهر الرواية، قوله: إذ هو، أي قوله في الجوارح مشتق من الجرح الذي بمعنى الجراحة لا بمعنى الجرح الذي بمعنى الكسب على أحد التأويلين، وقد ذكر أحدهما، وهو الجرح بمعنى الكسب فيما مضى، والآخر هذا م: (فيحمل على الجارح الكاسب) ش: أي إذا كان كذلك فيحمل الجارح الذي دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {مِنَ الْجَوَارِحَ} [المائدة: 4] على أنه موصوف بصفتين، الجارح من الجرح بمعنى الجراحة، والكاسب م: (بنابه ومخلبه) ش: يتعلق باللفظين، أعني الجارح والكاسب، أي الجارح بنابه في السباع، ومخلبه في الطيور، والكاسب أيضا بنابه ومخلبه م: (ولا تنافي) ش: أي: ولا منافاة بين الجرح والكسب، فيحمل عليهما، يعني يجمع في معنى الآية بين التأويلين لعدم التنافي بينهما، وذلك لأن النص أورد فيه اختلاف المعاني، فإن كان بينهما تناف يحمل على أحدهما بدليل يوجب الترجيح.
وإن لم يكن بينهما تناف يثبت الجميع أخذا بالمتيقن، وهو معنى قوله: م: (وفيه أخذ باليقين) ش: أي في الجمع بين المعنيين غير المتنافيين أخذا باليقين، كما في قوله سبحانه وتعالى:

(12/416)


وعن أبي يوسف: أنه لا يشترط رجوعا إلى التأويل الأول، وجوابه ما قلنا. قال: فإن أكل منه الكلب أو الفهد لم يؤكل، وإن أكل منه البازي أكل، والفرق ما بنياه في دلالة التعليم وهو مؤيد بما روينا م: (حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى الشافعي في قوله القديم في إباحة ما أكل الكلب منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، قيل: أريد به الحبل، وقيل: الحيض، والصحيح أنهما مرادان؛ لأنهما لا تنافي هاهنا، وفيه نظر؛ لأن الجرح إما أن يكون مشتركا بين الكسب والجرح، يعني الجراحة، أو يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، والمشترك لا عموم له، والجمع بين الحقيقة والمجاز عندنا لا يجوز. بخلاف قوله سبحانه وتعالى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فإنه لفظ عام يتناول الجمع بالتعاطي. وقال الكاكي: لا يلزم ذلك؛ بل الجوارح أخص من الكواسب، فليتأمل ذلك.
م: (وعن أبي يوسف أنه لا يشترط) ش: أي الجرح م: (رجوعا إلى التأويل الأول) ش: وهو أن المراد من الجوارح الكواسب، فيحصل صيده بأي وجه كان لعموم النص. م: (وجوابه ما قلنا) ش: أي جواب قول أبي يوسف ما قلناه، أشار به إلى قوله: فيحمل على الجارح الكاسب، إلى آخره.
م: (قال: فإن كان أكل منه الكلب) ش: أي من الصيد م: (أو الفهد) ش: أي أكل الفهد م: (لم يؤكل، وإن أكل من البازي أكل والفرق) ش: بين المسألتين م: (ما بيناه في دلالة التعليم) ش: يعني أن التعليم شرط فيما يصاد به من الجوارح، وهو في الكلب يترك الأكل، وفي البازي بالإجابة، وقد مر بيانه مستوفى م: (وهو) ش: أي الفرق م: (مؤيد بما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «وإن أكل منه فلا تأكل» م: (وهو حجة) ش: أي حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حجة م: (على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى الشافعي في قوله القديم في إباحة ما أكل الكلب منه) ش: وهو قول ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا.
واحتجوا بما روى أبو ثعلبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» ورواه أبو داود.
وقلنا: حديث عدي متفق عليه، فكان أولى بالتقديم؛ ولأنه متضمن الزيادة، وهو ذكر الحكم معللا.

(12/417)


قال: ولو أنه صاد صيودا ولم يأكل منها، ثم أكل من صيد لا يؤكل هذا الصيد، لأنه علامة الجهل، ولا ما يصيده بعده حتى يصير معلما على اختلاف الروايات كما بيناها في الابتداء.
وأما الصيود التي أخذها من قبل فما أكل منها لا تظهر الحرمة فيه لانعدام المحلية، وما ليس بمحرز بأن كان في المفازة بأن لم يظفر صاحبه بعد تثبت الحرمة فيه بالاتفاق وما هو محرر في بيته يحرم عنده خلافا لهما، هما يقولان: إن الأكل ليس يدل على الجهل فيما تقدم؛ لأن الحرفة قد تنسى، ولأن فيما أحرزه قد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد فلا ينقض باجتهاد مثله؛ لأن المقصود قد حصل بالأول. بخلاف غير المحرز؛ لأنه ما حصل المقصود من كل وجه؛ لبقائه صيدا من وجه لعدم الإحراز فحرمناه احتياطا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الكلب صاد صيودا ولم يأكل منها شيئا ثم أكل من صيد]
م: (قال: ولو أن صاد صيودا ولم يأكل منها، ثم أكل من صيد لا يؤكل هذا الصيد) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وهي من مسائل الأصل، أي: ولو أن الكلب صاد صيودا، ولم يأكل منها شيئا ثم أكل من صيد لا يؤكل من هذا الصيد، أي الذي يأكل منه م: (لأنه علامة الجهل) ش: أي أكله علامة الجهل، وصيد الكلب الجاهل لا يؤكل م: (ولا ما يصيده بعده) ش: أي: ولا يؤكل أيضا ما صاده بعد ذلك م: (حتى يصير معلما على اختلاف الروايات) ش: فعنده باجتهاد الكلاب، وعنده يترك الأكل ثلاثا م: (كما بيناها في الابتداء) ش: أراد به ما ذكر أنه يحله عندهما ما اصطادوا بالنابح.
م: (وأما الصيود التي أخذها من قبل فما أكل منها لا تظهر الحرمة فيه لانعدام المحلية) ش: لأن الحكم بالحرمة لا يتصور إلا في محل قائم، وقد فات المحل بالأكل.
م: (وما ليس بمحرز بأن كان في المفازة لم يظفر صاحبه بعد) ش: لم يأخذه الصياد م: (تثبت الحرمة فيه بالاتفاق ما هو محرز في بيته محرم عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله.
م: (هما يقولان: إن الأكل ليس يدل على الجهل فيما تقدم؛ لأن الحرفة قد تنسى) ش: كما في بني آدم، فلم يحرز تحريم ما تقدم بالشك م: (ولأن فيما أحرزه قد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد) ش: فلأن علم الكلب يثبت بالاجتهاد م: (فلا ينقض باجتهاد مثله) ش: كالقاضي إذا قضى في حادثة بالاجتهاد ثم أحدث له اجتهادا آخر في المستقبل فإنه يعمل في المستقبل بالحادث، ولا ينقض الماضي م: (لأن المقصود قد حصل بالأول) ش: أي بالاجتهاد الأول.
م: (بخلاف غير المحرز؛ لأنه ما حصل المقصود من كل وجه؛ لبقائه صيدا من وجه لعدم الإحراز) ش: تقريره أن الإباحة غير محكومة فيها بعد من كل وجه. قالا: إنما يحكم بها إذا خرج الصيد من الصيدية من كل وجه، وشيء من معناها باق، وهو أنه في المفازة بعد م: (فحرمناه احتياطا)

(12/418)


وله: أنه آية جهله من الابتداء؛ لأن الحرفة لا ينسى أصلها، فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل للشبع لا للعلم وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي إذا كان كذلك، فحرمناه بطريق الاحتياط.
فإن قلت: الصيد اسم للمتوحش المنفر، ولم يبق من هذا المعنى شيء؟.
قلت: بقي ما يلازمه وهو عدم الإحراز على أنا نقول: التنفر، والتوحش ليس بلازم للصيدية، فإن البيض صيد باعتبار ماله مع انعدام هذا المعنى فيه، فلا يكون هذا صيدا باعتبار ما كان بالطريق الأولى.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية جهله) ش: أي لأن أكله علامة جهله م: (من الابتداء) ش: أشار بهذا إلى أنه يحكم بجهله عنده مستندا، وعندهما مقتصرا، وبه قالت الثلاثة م: (لأن الحرفة لا ينسى أصلها) ش: هذا جواب عن نكتة غير مذكورة في الكتاب يحتجان بها: وهي أن الأكل في الحال لا يدل على كونه جاهلا في الماضي، لجواز أنه كان عاملا، إلا أنه جهل، والحرفة قد تنسى.
فأجاب: بأنه لو كان عالما لما جهل إذ أصل الحرفة لا تنسى، وإنما تنسى وقائعها بالترك كالخياطة ونحوها في الآدمي، وبه يتبين أن تركه الأكل كان للشبع لا للعلم، وهو معنى قوله م: (فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل كان للشبع لا للعلم) ش: أي كان لأجل الشبع لا لكونه عالما.
ومن أصحابنا من حمل هذا الخلاف على أن الأكل كان مقارنا لزمان التعليم؛ لأنه إذا كان كذلك دل على فقد التعليم؛ لأن المدة القصيرة تنسى فيها، وإنما ترك الأكل فيما تقدم للشبع ولم يأكل. وأما إذا طالت المدة فيجوز أن يكون أكل للنسيان فلا يستدل بذلك على فقد التعليم في الأصل، فكذلك أكل.
وقال القدوري في "مختصره": وظاهر الرواية يقتضي: أنه لا يؤكل بكل حال، وذلك لأن الاصطياد ليس بعلم مكتسب، وإنما هو من الضرورات، ومثل ذلك لا ينسى، وإنما يضعف بالترك كالخياطة والرمي، فإذا أكل الكلب علم أنه لم يكن معلما في الأصل.
م: (وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود) ش: هذا جواب عما قالا أو لأن فيما أحرزه وقد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد، ولا حقيقة أن حكم الإباحة في المحرز إنما ثبت عند ترك الأكل، لأنها مبنية على كون الطلب معلما، وذلك ثابت بالاجتهاد على ما قال، فكان وهما واحتمالا، والموهوم يعتبر عند الضرورة، وذلك عند الأكل، فلم تكن الإباحة ثابتة قبله، فلو اعتبر هكذا بالاجتهاد لأدى إلى نقض حكم أي باجتهاد مثله، بل يؤدي إلى المنع، فصار كظهور اجتهاد

(12/419)


لأنه بالأكل فصار كتبدل اجتهاد القاضي قبل القضاء. قال: ولو أن صقرا فر من صاحبه فمكث حينا ثم صاد لا يؤكل صيده، لأنه ترك ما صار به عالما، فيحكم بجهله كالكلب إذا أكل من الصيد. قال: ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه أكل، لأنه ممسك للصيد عليه، وهذا من غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له.
قال: ولو أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طرأ للقاضي قبل القضاء م: (لأنه بالأكل) ش: أي لأن المقصود بالأكل ولم يوجد.
م: (فصار كتبدل اجتهاد القاضي قبل القضاء) ش: أي قبل الحكم بالاجتهاد الأول، وما قال أبو حنيفة أقرب إلى الاحتياط، وعليه مبنى الحل والحرمة، ولم يذكر ما إذا باع شيئا من صيوده المقدرة، والحكم فيه كالذي فيه الخلاف إذا تصادق البائع والمشتري على جهالة الكلب.
م: (قال: ولو أن صقرا فر من صاحبه فمكث حينا ثم صاد لا يؤكل صيده) ش: ذكره تفريعا وهو من مسائل الأصل، ثم معنى المسألة أنه رجع إلى صاحبه ثم عاد لا يؤكل، أما ما صاد قبل الرجوع إلى صاحبه فلا شك أنه لا يؤكل لعدم الإرسال.
وقال تاج الشريعة: دعاه فلم يجبه فمكث حينا، أي زمانا، وسميت الغيبة فيه فرارا. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله قال: لا بأس بأكله.
وقال في " شرح الكافي ": لأن هذا من غاية علمه أن ينهز الفرصة حتى يمكنه الاصطياد فيصاد فلا يعد ذلك فاصلا، أي قاطعا للإرسال.
فصل الولوالجي في "فتاواه" في الجواب فقال: وإن مكث طويلا للاستراحة حتما انقطع فور الإرسال لا يؤكل، وإن مكث قليلا ثم ساعة للكمين يؤكل؛ لأن بهذا القدر لا ينقطع فور الإرسال كما في الكلب إذا أمسك طويلا ينقطع فور الإرسال.
م: (لأنه ترك ما صار به عالما) ش: وهو إجابته إلى صاحبه م: (فيحكم بجهله كالكلب إذا أكل من الصيد) ش: يحكم بجهله م: (قال: ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه أكل؛ لأنه ممسك للصيد عليه) ش: أي على صاحبه، وفيه خلاف لبعض الناس، كذا قال الأترازي.
قلت: هو قول الشعبي والثوري: أنه يكره أكله؛ لأنه في معنى الأكل منه م: (وهذا من غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له) ش: فلا يجوز أن يجعل هذا علامة جهله ولو أخذ الصيد من المعلم.

[أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها]
م: (قال: ولو أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها) ش: أي فأكل الكلب

(12/420)


يؤكل ما بقي؛ لأنه لم يبق صيدا، فصار كما إذا ألقى إليه طعاما غيره، وكذا إذا وثب الكلب فأخذه منه وأكل منه؛ لأنه ما أكل من الصيد، والشرط ترك الأكل من الصيد، فصار كما إذا افترس شاته، بخلاف ما إذا فعل ذلك قبل أن يحرزه المالك لأنه بقيت فيه جهة الصيدية. قال: ولو نهس الصيد فقطع سنّه بضعة فأكلها ثم أدرك الصيد فقتله ولم يأكل منه لم يؤكل لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد. قال: ولو ألقى ما نهسه وأتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه وأخذه صاحبه ثم مر بتلك البضعة فأكلها يؤكل الصيد؛ لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لم يضره، فإذا أكل ما بان منه وهو لا يحل لصاحبه أولى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تلك القطعة م: (يؤكل ما بقي؛ لأنه لم يبق صيدا) ش: لأنه خرج على الصيدية م: (فصار كما إذا ألقى إليه طعاما غيره) ش: أي غير الصيد، أي أكل من غير الصيد.
م: (وكذا إذا وثب الكلب فأخذه منه وأكل منه) ش: أي وكذا يؤكل إذ نط الكلب فأخذه أي من يد صاحبه وأكل منه م: (لأنه ما أكل من الصيد) ش: لأن الصيد اسم لمتوحش غير محرز وقد زال التوحش بالقتل، وزال عدم إحرازه بالإحراز والتحق بسائر الأطعمة وتناوله من سائر الأطعمة لا يدل على جهله، وهاهنا كذلك م: (والشرط ترك الأكل من الصيد) ش: وقد وجد م: (فصار كما إذا افترس شاته) ش: أي فصار حكم هذا كما إذا خطف شاة من شياهه حيث لا يحكم بجهله، فكذا هذا.
م: (بخلاف ما إذا فعل ذلك قبل أن يحرزه المالك لأنه بقيت فيه جهة الصيدية) ش: لأنه لما أكل قبل الإحراز صار كأنه أكل حالة الاصطياد فلا يؤكل.
م: (قال: ولو نهس الصيد) ش: أي عضه بأن قبض على لحمه ومده بالفم وهو بالسين المهملة، وأما نهشه الحية فبالشين المعجمة م: (فقطع سنُّه بضعة) ش: أي قطعة، وهي بفتح الباء الموحدة م: (فأكلها ثم أدرك الصيد فقتله ولم يأكل منه) ش: لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد؛ لأنه لما نهش منه قطعة وأكلها بجهله، وترك الأكل للباقي لشبعه م: (لم يؤكل؛ لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد. قال: ولو ألقى ما نهسه واتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه وأخذه صاحبه ثم مر بتلك البضعة فأكلها يؤكل الصيد) ش: لأن هذا من غاية علمه حيث لم يأكل وقت العمل لصاحبه، وقد أكل بعد الفراغ منه م: (لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة) ش: وهي بعد إحراز صاحبه وأخذ م: (لم يضره، فإذا أكل ما بان منه وهو لا يحل لصاحبه) ش: أي فإذا أكل ما فضل من الصيد، والحال: أنه لا يحل لصاحبه؛ لأن ما أبين من الحي فهو ميت م: (أولى) ش: بأن لا يضره.

(12/421)


بخلاف الوجه الأول؛ لأنه أكل في حالة الاصطياد، فكان جاهلا ممسكا لنفسه. ولأن نهس البضعة قد يكون ليأكلها وقد يكون حيلة في الاصطياد ليضعف بقطع القطعة منه فيدركه، فالأكل قبل الأخذ يدل على الوجه الأول وبعده على الوجه الثاني، فلا يدل على جهله.
قال: وإن أدرك المرسل الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل، وكذا البازي والسهم، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، إذ المقصود هو الإباحة ولم تثبت قبل موته فبطل حكم البدل. وهذا إذا تمكن من ذبحه، أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق ما يكون من المذبوح لم يؤكل في ظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو ما إذا أكل البضعة حيث قطعها م: (لأنه أكل في حالة الاصطياد، فكان جاهلا ممسكا لنفسه) ش: وصيد الجاهل لا يؤكل م: (ولأن نهس البضعة قد يكون ليأكلها) ش: هذه إشارة إلى فرق آخر بين المسألتين، أي يجوز أن يكون نهشه البضعة لأجل الأكل م: (وقد يكون حيلة في الاصطياد ليضعف) ش: أي الصيد م: (بقطع القطعة منه) ش: عن الهرب والنجاة م: (فيدركه) ش: عطف على قوله ليضعف، أي بأن يدركه بسبب الاتخاذ.
م: (فالأكل قبل الأخذ يدل على الوجه الأول) ش: أي قبل أخذ المالك الصيد يدل على الوجه الأول، وهو أنه نهشه فيأكلها، فدل على جهل الكلب م: (وبعده على الوجه الثاني) ش: أي الأكل بعد أخذ المالك للصيد يدل على الوجه الثاني وهو: أنه نهش الصيد، وقطع بضعة حيلة في الاصطياد لتضعيف الصيد، فكان ذلك من غاية حداقته م: (فلا يدل على جهله) ش: فيؤكل.

[أدرك المرسل الصيد حيا]
م: (قال: وإن أدرك المرسل الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه، وإن ترك تزكيته حتى مات لم يؤكل) ش: أي قال القدوري: أي لو أدرك مرسل الكلب للصيد حال كونه حيا وجب عليه ذبحه لقدرته على الذكاة الاختيارية، حتى لو لم يذبح ومات الصيد لم يحل.
م (وكذا البازي والسهم) ش: أي وكذا الحكم في التفضيل لو أدرك مرسل البازي الصيد حيا فذبحه حل، وأن لم يذبح حتى مات لا يحل، وكذا لو رماه بسهم فأدركه حيا م: (لأنه قدر على الأصل) ش: وهو الذكاة الاختيارية م: (قبل حصول المقصود بالبدل) ش: وهو الذكاة الاضطرارية م: (إذ المقصود هو الإباحة) ش: أي إباحة الأكل م: (ولم تثبت قبل موته فبطل حكم البدل) ش: كالتيمم إذا رأى الماء قبل الشروع في الصلاة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا فوق ما يكون من الحياة في المذبوح لم يؤكل من عدم الأكل م: (إذا تمكن من ذبحه) ش: ولم يدركه م: (أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح لم يؤكل) ش: أي والحال: أنه لم يتمكن من ذبحه بأن لم يتمكن من آلة الذبح، والحال: أن في الصيد من الحياة فوق ما يكون في الحيوان المذبوح لم يؤكل م: (في ظاهر

(12/422)


الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه يحل، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لم يقدر على الأصل، فصار كما إذا رأى الماء ولم يقدر على الاستعمال، ووجه الظاهر: أنه قدر اعتبارا؛ لأنه ثبت يده على المذبوح، وهو قائم مقام التمكن من الذبح، إذا لا يمكن اعتباره؛ لأنه لا بد له من مدة والناس يتفاوتون فيها على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح فأدير الحكم على ما ذكرناه. بخلاف ما إذا بقي فيه من الحياة مثل ما يبقى في المذبوح لأنه ميت حكما، ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة لم يحرم، كما إذا وقع وهو ميت، والميت ليس بمذبح. وفصل بعضهم فيه تفصيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرواية) .
م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه يحل) ش: وفي غير رواية الأصول م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول مالك وأحمد أيضا م: (لأنه لم يقدر على الأصل) ش: وهو الذكاة الاختيارية م: (فصار كما إذا رأى الماء ولم يقدر على الاستعمال) ش: أي صار هذا نظير المتيمم إذا رأى الماء ولم يقدر على استعماله كحيال سبع ونحوه، فإنه لا يبطل بتيممه؛ لأنه لم يقدر على الأصل.
م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه قدر اعتبارا) ش: يعني أنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل من حيث الاعتبار والحكم م: (لأنه ثبت يده على المذبوح) ش: يعني وقع الصيد في يده حيا فثبت يده على الذبح م: (وهو قائم مقام التمكن من الذبح) ش: أي ثبوت يده على الذبح قائم مقام التمكن على الذبح م: (إذ لا يمكن اعتباره) ش: يعني لا يمكن اعتبار التمكن يعني حقيقة التمكن من الذبح غير تمكن، لأنه لا بد للتمكن من الذبح من تقدير مدة، وهو معنى قوله: م: (لأنه لا بد له من مدة) ش: أي لأن الذابح لا بد له من تقدير مدة يتمكن فيها م: (والناس يتفاوتون فيها على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح) ش: فمنهم من يتمكن في ساعة لطيفة، ومنهم من لا يتمكن إلا بأكثر من ساعة، وما كان كذلك لا يدار الحكم عليه مدة انضباطه م: (فأدير الحكم على ما ذكرناه) ش: يعني من ثبوت اليد على المذبوح كما أقيم السفر مقام المشقة، فدار الحكم وجدت المشقة أو لا.
م: (بخلاف ما إذا بقي فيه من الحياة مثل ما يبقى في المذبوح لأنه ميت حكما) ش: فلم يبق محلا للذبح م: (ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة) ش: يعني في حياته هو مثل ما بقي في المذبوح م: (لم يحرم، كما إذا وقع وهو ميت) ش: أي والحال أنه ميت حقيقة م: (والميت ليس بمذبح) ش: أي ليس بمحل الذبح.
م: (وفصل بعضهم) ش: أي بعض المشايخ م: (فيه) ش: أي في الحكم المذكور م: (تفصيلا

(12/423)


وهو أنه إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل، وإن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه إذا وقع في يده لم يبق صيدا فبطل حكم ذكاة الاضطرار، وهذا إذا كان يتوهم بقاؤه، أما إذا شق بطنه وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل؛ لأن ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر، كما إذا وقعت شاة في الماء بعدما ذبحت، وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يؤكل أيضا؛ لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا إلى المتردية على ما نذكره إن شاء الله تعالى، هذا الذي ذكرناه إذا ترك التذكية، فلو أنه ذكاه حل أكله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو أنه إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل، إن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال أحمد في رواية الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل: فإن عندهم يؤكل استحسانا، وبه أخذ قاضي خان م: (لأنه إذا وقع في يده لم يبق صيدا فبطل حكم ذكاة الاضطرار) ش: هذا وجه القياس، ووجه الاستحسان الذي ذهب إليه هؤلاء المذكورون: أنه لم يقدر على الأصل وهو ذكاة الاختيار لضيق الوقت، وما جاء منه بتفريط وهو اختيار ابن شجاع أيضا.
فإن قيل: وضع المسألة فيما يكون الحياة فيه فوق ما يكون في المذبوح فكيف يتصور ضيق الوقت عن الذبح؟.
وأجيب: بأن المقدار الذي يكون في المذبوح بمنزلة العدم لكون الصيد في حكم الميت، والزائد على ذلك قد لا يسع الذبح فيه، فكان عدم التمكن متصورا.
م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من إقامة ثبوت اليد مقام التمكن حتى لا يحل بدون الذكاة فيها م: (إذا كان يتوهم بقاؤه، أما إذا شق بطنه) ش: أي أما إذا شق الكلب بطن الصيد م: (وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل) ش: لأنه لا يتوهم بقاؤه بعد ذلك م: (لأن ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر) ش: ذلك م: (كما إذا وقعت شاة في الماء بعدما ذبحت) ش: فإنها لا تحرم، فكذا هذا.
م: (وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يؤكل أيضا؛ لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أي اعتبارا بالمتردية، وانتصابه على أنه مصدر بفعل محذوف، أي يرده ردا، أو يكون على الحال على تأويل دارين إلى المتردية، أو متعبرين لها فافهم.
م: (هذا الذي ذكرناه) ش: أي هذا الذي ذكرنا أنه لا يؤكل عنده إذا شق بطنه وأخرج ما فيه م: (إذا ترك التذكية، فلو أنه ذكاه حل أكله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، وأن لم يكن فيه حياة مستقرة فعند أبي حنيفة: ذكاة الذبح، وقد وجد عندهما بلا ذبح.

(12/424)


وكذا المتردية والنطيحة والموقوذة والذي بقر الذئب بطنه وفيه حياة خفية أو بينة، وعليه الفتوى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلّا ما ذكّيتم} [المائدة: 3] استثناء مطلقا من غير فصل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل؛ لأنه لم يكن موته بالذبح، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يعيش مثله فوق ما يعيش المذبوح يحل وإلا فلا؛ لأنه لا معتبر بهذه الحياة على ما قررناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا المتردية) ش: وهي التي تردت من جبل أو سقطت في بئر فماتت، يعني لو ذبحت المتردية وليس فيها من الحياة قدر ما يكون في المذبوح: يحل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، ولو كان بحال يعيش مثله وذبحه يحل بالإجماع فأبو حنيفة يعتبر نفس الحياة وقد وجد هنا، وهما اعتبرا الجناية الموصوفة، لأن عند أبي يوسف: إذا كان بحال يعيش مثله، وعند محمد فوق ما في المذكي، وهذا المعنى معدوم في المتردية ولا تحل الذبح، لأنه ذبح ميتة م: (والنطيحة) ش: أي التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح م: (والموقوذة) ش: التي ألحقوها ضربا بعصي أو حجر حتى ماتت، وهو بالذال المعجمة (والذي بقر الذئب) ش: أي شق الذئب م: (بطنه وفيه حياة خفية) ش: وهو القدر الذي يعلم به أنه حي م: (أو بينة) ش: أي أو ظاهرة، وهو القدر الذي فوق الخفية، ولا تفاوت في الحكم بينهما عند أبي حنيفة، وعندهما إن كانت خفية لا يؤكل، وإن كانت بينة يؤكل. وتفسير البينة عند أبي يوسف أن يكون بحال يعيش منه فيه، وعند محمد إن كان له من حياة فوق ما في المذكي.
م: (وعليه الفتوى) ش: أي على حل الأكل إذا ذكي الصيد وفيه حياة في جميع الأحوال وهو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] استثناء مطلقا من غير فصل) ش: أي باستثناء ما ذكيتم عن المحرمات مطلقا.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل؛ لأنه لم يكن موته بالذبح. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان يعيش مثله فوق ما يعيش المذبوح يحل وإلا فلا؛ لأنه لا معتبر بهذه الحياة على ما قررناه) ش: أشار به إلى قوله لأنه ميت حكما. وقيل: قوله: "لأن ما بقي" هي اضطراب المذبوح، فلا يعتبر. وفي " الذخيرة ": الكلام في مثله أربعة مواضع أحدهما: الشاة وغيرها إذا مرض وبقي فيه من الحياة ما بقي في المذبوح. والثاني: إذا قطع الذئب بطن الشاة وسعى فيها من الحياة ما يبقى في المذبوح وأخذه المالك.
الثالث: الكلب المعلم والبازي المعلم إذا أخذ المالك صيده وبقي فيه من الحياة بقدر حياة المذبوح.

(12/425)


قال: ولو أدركه ولم يأخذه فإن كان في وقت لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل، لأنه صار في حكم المقدور عليه. قال: وإن كان لا يمكنه ذبحه أكل، لأن اليد لم تثبت به، والتمكن من الذبح لم يوجد. قال: وإن أدركه فذكاه حل له، لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، وإن لم يكن فيه حياة مستقرة، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكاته الذبح على ما ذكرناه وقد وجد، وعندهما: لا يحتاج إلى الذبح.
: وإذا أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره حل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والرابع: الصيد بعد رميه وأصابه السهم وبقي فيه من الحياة بقدر حياة المذبوح ورماه آخر فقتله.
ففي الأول والثاني عندهما: لا يفيد الذكاة حتى لو ذكاها لا تحل. واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة. قال الأسبيجابي: يفيد حتى إذا ذكاها تحل، وبه كان يفتي شمس الأئمة السرخسي والصدر الشهيد. وقال شيخ الإسلام: لا يفيد حتى لو ذبحها لا تحل على قوله.
فالحاصل أن للحياة عبرة عنده. إن قلت: وعندهما لا يعتبر القليل وقدر القليل بما بقي في المذبوح، واتفق أبو يوسف مع أبو حنيفة في أكثر منه، ومحمد فرق بين القليل والكثير بيوم.
وفي الثالث، والرابع: إذا بقي من الحياة بقدر حياة المذبوح لا يفيد الذكاة بالإجماع، حتى لو لم يذكه يحل، وبه قالت الثلاثة وأكثر أهل العلم.
م: (قال: ولو أدركه ولم يأخذه) ش: أي ولو أدرك الصيد ولم يأخذه م: (فإن كان في وقت) ش: أي فإن وجد في وقت، وكان هنا تامة فلا تحتاج إلى خبر م: (لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل؛ لأنه صار في حكم المقدور عليه) ش: المقدور عليه إذا لم يذبح لا يؤكل، فكذا هذا م: (قال: وإن كان لا يمكنه ذبحه أكل؛ لأن اليد لم تثبت به، والتمكن من الذبح لم يوجد) ش: وهذا بلا خلاف بين العلماء م: (قال: وإن أدركه فذكاه حل له؛ لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، إن لم تكن فيه حياة مستقرة فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكاته الذبح على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: " لأنه وقع في يده حيا" فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا إلى المتردية م: (وقد وجد) ش: أي الذبح فحل. م: (وعندهما لا يحتاج إلى الذبح) ش: يعني حل بدونه على ما مر.

[أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره]
م: (قال: وإذا أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره حل) ش: وفي بعض النسخ وإذا أرسل، وفي بعضها أيضا كلبه المعلم. قوله إلى صيد، أي صيد معين وأخذ غيره حل، أي ما دام في سير إرساله، ذكره في " المبسوط ". وفي " المحيط ": أرسل إلى الصيد فأخذ واحدا أو عددا من الصيد وأخذوا بعد واحد في ذلك الفور فكله حلال.

(12/426)


وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل؛ لأنه أخذه بغير إرسال، إذ الإرسال مختص بالمشار إليه. ولنا: أنه شرط غير مفيد؛ لأن مقصوده حصول الصيد إذ لا يقدر على الوفاء به؛ إذ لا يمكنه تعليمه على وجه بأخذ ما عينه فسقط اعتباره.
قال: ولو أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال، فلو قتل الكل يحل بهذه التسمية الواحدة، لأن الذبح يقع بالإرسال على ما بيناه، ولهذا تشترط التسمية عنده والفعل واحد فتكفيه تسمية واحدة، بخلاف ذبح الشاتين بتسمية واحدة، لأن الثانية تصير مذبوحة بفعل غير الأول، فلا بد من تسمية أخرى حتى لو أضجع إحداهما فوق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو قتل صيدا فجثم عليه طويلا ثم أخذ آخر لم يحل، وكذا لو عدل عن ذلك الصيد يمنة ويسرة وتشاغل في غير طلبه ثم اتبع صيدا وأخذه لم يؤكل إلا إذا زجره صاحبه فانزجر ثم أخذ: حل، وبه قال الشافعي وأحمد في قول. وقال في قول: وإن كان عدوله لصيد حل، وإن كان لغير صيد لم يحل لخروجه عن كونه معلما.
وقال الماوردي: والأصح عندي: أنه إن خرج وعاد لا عن جهة إرساله إلى غيره لم يؤكل صيده، وإن خرج في جهة إرساله خلف صيد فعدل إلى غيره فأخذ صيدا حل، وفي " وجيز الشافعية ": ولو قصد سربا من ظبي فأصاب واحدا منه فأصاب آخر: فوجهان.
م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل؛ لأنه أخذه بغير إرسال، إذ الإرسال مختص بالمشار إليه) ش: يعني بالذي وقعت عليه الإشارة. وقال ابن أبي ليلى التعيين ليس بشرط، لكن إذا عين اعتبر تعيينه، حتى إذا ترك ذلك وأخذه لا يحل.
م (ولنا: أنه شرط غير مفيد) ش: أي شرط التعيين غير مفيد م: (لأن مقصوده حصول الصيد إذ لا يقدر على الوفاء به) ش: أي ولا يقدر الكلب على الوفاء بأخذ العين م: (إذ لا يمكنه تعليمه على وجه بأخذ ما عينه) ش: من الصيود م: (فسقط اعتباره) ش: التعيين كما قلنا في البازي: أنه يسقط اعتبار ترك الأكل لاستحالة تعليمه.

[أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال]
م: (ولو أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال فلو قتل الكل يحل بهذه التسمية الواحدة) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكرها تفريعا والتي قبلها أيضا م: (لأن الذبح يقع بالإرسال على ما بيناه) ش: أي في أوائل كتاب الذبائح، أراد ما تقدم في الصيد يشترط عند الإرسال والرمي م: (ولهذا تشترط التسمية عنده) ش: أي عند الإرسال م: (والفعل واحد) ش: أراد بالفعل الإرسال م: (فتكفيه تسمية واحدة) ش: لاتحاد الفعل.
م: (بخلاف ذبح الشاتين بتسمية واحدة) ش: حيث لا تحل شاته بتسمية أخرى م: (لأن الثانية تصير مذبوحة بفعل غير الأول، فلا بد من تسمية أخرى) ش: للباقي م: (حتى لو أضجع إحداهما فوق

(12/427)


الأخرى وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة. قال: ومن أرسل فهدا فكمن حتى يستكمن ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل، لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأخرى، وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة) ش: لأنه حصل ذبحهما بفعل واحد، وكان بمنزلة ما لو رمى سهما وأصاب صيدين يحلان، لأن ذبحهما حصل بفعل واحد عليه التسمية، فكذا هذا.
م: (قال: ومن أرسل فهدا فكمن) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل بقوله كمن مر، أي استتر واستخفى، ومنه كمين الجيش م: (حتى يستكمن) ش: أي يطلب المكنة. وفي بعض النسخ يتمكن م: (ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل؛ لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته) ش: أي وكذا حكم الكلب إذا اعتاد عادة العجل.
قال الكرخي في "مختصره": وكذا الكلب إذا أرسله الرجل وصنع كما يصنع الفهد: فلا بأس بأكل ما صاد، وذلك لأن المكث منه ساعة حيلة للإصطياد لا للاستراحة فيعد ذلك من غاية حذاقة الإنسان، فلا يكون قاطعا للإرسال، بل يكون من أسباب الاصطياد، كما لو دب بالعدو.
قال السرخسي - ناقلا عن شيخه شمس الأئمة الحلواني - أنه قال: للفهد خصال ينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه:
منها: أنه يتمكن للصيد حتى يستمكن، وهذا حيلة منه للصيد، فينبغي للعاقل أن لا يجاهر الخلاف مع عدوه، ولكن يطلب الفرصة حتى يحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه.
ومنها: أن لا يعدو خلف صاحبه حتى يركبه وهو يقول محتاج إلى فلا أذل له وكذا ينبغي للعاقل أن لا يذل نفسه فيما يفعل بغير مؤنتها أنه لا يتعلم بالضرب، ولكن يضرب الكلب بين يديه، إذ أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي على العاقل أن يتعظ بغيره، كما قيل: السعيد من وعظ بغيره.
ومنها: أنه لا يتناول الخبيث، وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب. وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب.
ومنها: أنه يثبت ثلاثا أو خمسا فإن تمكن من الصيد أخذه وإلا تركه، ويقول: لا أمثل لنفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي للعاقل، كذا في " المبسوط ".
وهكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في "شرحه"، ومن جملة ما قال منها: أنه يثق بما

(12/428)


ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا، لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر. قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني، لانقطاع الإرسال بمكثه، إذ لم يكن ذلك حيلة منه للأخذ، وإنما كان استراحة بخلاف ما تقدم. قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل، وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين لما بيناه في الكلب. قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل، لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضمن له صاحبه، ويحمل في الطلب، كالذي رؤي من وثوب الفهد ثلاثا على الصيد ثم يتركه، فيشبه ما روي في "المثل" حدث المرأة حديثين فإن أبت فأربع.
م: (ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي والحال أن صاحبه قد أرسله كلبا، إلى صيدين جميعا م: (لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر) ش: أي صيدا آخر، حيث يحلان جميعا.
م: (قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار) ش: من الجثومة وهو البروك عليه م: (ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني لانقطاع الإرسال بمكثه إذ لم يكن ذلك) ش: أي جثومه عليه م: (حيلة منه للأخذ) ش: أي لأخذ الثاني م: (وإنما كان) ش: أي جثومه عليه م: (استراحة بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا مكث للكمين، لأن المكث حينئذ حيلة للأخذ لا استراحة، فيكون هذا المكث منه والذهاب سواء.
م: (قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل م: (وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا) ش: أي حل أكله إنما يكون إذا لم يمكث زمانا طويلا م: (للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين) ش: حق اللفظ أن يقال للكمون، ولكن ذكر الكمين، وأراد به الكمون وهو التواري والإخفاء كما ذكرنا م: (لما بيناه في الكلب) ش: عن قريب.
م: (قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي لا يثبت الإباحة بدون الإرسال، ولا يعلم فيه خلاف، والبازي - بتخفيف الباء - جمعه بزاة، والباز لغة فيه وجمعه أبواز وبيزان.

(12/429)


قال: وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل؛ لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه، وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة. وجه الأول: أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وإن خنقه ولم يجرحه لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في بعض النسخ لا يؤكل م: (لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه) ش: ظاهر الرواية هو رواية: الزيادات، وفي رواية الأصل: يؤكل.
وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وأما إذا خنق الصيد فمات، والمشهور عنهم: أنه لا يؤكل. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وقوله: على ما ذكرناه إشارة إلى قوله ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية م: (وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر) ش: أي ظاهر الرواية يدل على أن الكلب كسر عضوا من الصيد فمات لا يحل.
قال القدوري: أما إذا لم يجرحه ولم يخنقه لكنه كسر عضوا منه فمات فإن أبا الحسن الكرخي ذكر أنه لم يحل عند أبي حنيفة شيئا مصرحا. فقد حكي عن محمد المسألة في الزيادات، وأجاب فيها جوابا مطلقا: أنه إذا لم يجرح لا يؤكل، وهذا يقتضي أنه لا يحل بالكسر.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة) ش: قال الكرخي في "مختصره" وذكر أبو يوسف في أثره حكاية عن أبي حنيفة: وأن قتله من غير أن يجرحه بناب ولا مخلب فإنه لا يؤكل، ولذلك لو صدمه فقتله ولم يكسره ولم يجرح، فإن جرح بناب أو مخلب أو كسر عضوا فقتله فلا بأس بأكله.
قال القدوري في "شرحه": وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الكسر كالجرح، ووجهه على ما ذكره المصنف.
م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا يحل بالكسر م: (أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق) ش: الإنهار بكسر الهمزة الإسالة من أنهرت الدم إذا أسلته قوله ذلك إلى الإنهار.

[شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا]
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره" وقوله يريد به عمدا من كلام

(12/430)


لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه اجتمع المبيح والمحرم، فيغلب جهة الحرمة نصا أو احتياطا. ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه معه ومات بجرح الأول يكره أكله، لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها في الجرح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المصنف، قيد به لأنه لو تركه ناسيا يؤكل م: (لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: في أول الباب، حيث قال فيه: «وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل» .
م: (ولأنه اجتمع المبيح والمحرم فيغلب جهة الحرمة نصا) ش: أي من جهة النص، قال الشراح أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما اجتمع الحلال والحرام إلا قد غلب الحرام الحلال» .
قلت: هذا موقوف على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه عبد الرزاق في "مصنفه" في الطلاق حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: قال عبد الله: ما اجتمع حرام وحلال إلا غلب الحرام الحلال.
قال سفيان: وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها: فإنه فارقها. وقال البيهقي في "سننه": رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وجابر ضعيف، والشعبي عن ابن مسعود منقطع، م: (أو احتياطا) ش: أي من جهة الاحتياط، لأنه لما دار بين كونه حراما وحلالا فالاحتياط في تركه لئلا يستعمل الحرام في وجه، والاحتياط افتعال من الحوط وهو الحفظ، ومنه الحائط لأنه يمنع الغير من الدخول فيه.
م: (ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الأول يكره أكله) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، أي ولو رد الصيد على الكلب الأول الكلب الثاني والحال: أنه لم يخرج الصيد معه ومات الصيد بجرح الكلب الأول يكره أكله م: (لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها) ش: أي وفقد المشاركة م: (في الجرح) ش: لأن المعلم تعود الجرح فتثبت الكراهة لا غير، ثم قيل: كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم، هو اختيار السرخسي والحلواني.
وعند الثلاثة: يحل لانفراد الكلب المسلم بجرحه، ولهذا لو صاد مسلم بكلب مجوسي يحل عند أكثر أهل العلم. وعن أحمد في رواية: لا يباح، وكرهه جابر والحسن والنخعي والثوري ومجاهد لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (سورة المائدة: الآية 4) ، وهذا لم يعلمه.
قلنا: يحل كما لو صاد بقوسه أو سهمه أو ذبح بشفرته، وهاهنا ثلاثة فصول، أحدهم:

(12/431)


وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة وتتحقق بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة. ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه أشد على الأول حتى اشتد على الصيد فأخذه وقتله لا باس بأكله، لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا فكان تبعا لفعله؛ لأنه بناء عليه فلا يضاف الأخذ إلى التبع. بخلاف ما إذا كان رده عليه؛ لأنه لم يصر تبعا فيضاف إليهما. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما اشترك فيه الكلبان في الأخذ والجرح ففيه الكراهة. والثالث: ما لم يشتركا في شيء، لكن الثاني حمل على الأول حتى استدعى الصيد وفيه الإباحة على ما يجيء.
م: (وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة) ش: هذا أيضا من مسائل " الأصل "، أي هذا الحكم المذكور بخلاف ما إذا رد الصيد المجوسي على الكلب، والباقي واضح.
م: (وتتحقق) ش: لحينئذ المشاركة م: (بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة) ش: أراد الكلب المعلم والكلب الجاهل أو كلب المسلم وكلب المجوسي. م: (ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه اشتد على الأول) ش: أي كلب الثاني وهو كلب المجوسي أو الكلب الجاهل اشتد، أي صال على الكلب الأول حتى ازداد طلبه.
وفي " ديوان الأدب ": اشتد عليه، أي عدا م: (حتى اشتد على الصيد) ش: أي حتى اشتد الكلب الأول على الصيد م: (فأخذه وقتله لا بأس بأكله؛ لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا) ش: أي حيث ازداد الكلب المرسل باشتداد الكلب الثاني طلبا للصيد م: (فكان تبعا لفعله) ش: لفعل الأول م: (لأنه بناء عليه) ش: أي لأن فعل الثاني بناء على الأول، أي مؤكدا له م: (فلا يضاف الأخذ إلى التبع) ش: أي أخذ الصيد إلى التبع، وهو فعل الثاني.
م: (بخلاف ما إذا كان رده عليه) ش: أي بخلاف ما إذا كان الكلب الثاني رد الصيد على الأول حيث يكره كما مر م: (لأنه لم يصر تبعا) ش: لأنه غير مؤكد للأول م: (فيضاف إليهما) ش: أي ويضاف القتل إلى الكلبين.
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": يقال: زجر الكلب فانزجر، أي هيجه فهاج م: (والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه، وبالانزجار إظهار زيادة الطلب) ش: أي طلبا للكلب للصيد، هذا

(12/432)


ووجهه أن الفعل يرفع بما هو فوقه أو مثله كما في نسخ الآي، والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه. قال ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره لم يؤكل، لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا لم تثبت به شبهة الحرمة فأولى أن لا يثبت به الحل، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله، لأن الزجر مثل الانفلات؛ لأنه إن كان دونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تفسير لأصل الفعل ومطاوعة، ولا شك أن الانزجار مطوع الزجر كالانكسار.
م: (ووجهه) ش: أي وجه جواب المسألة المذكورة وهو كونه لا بأس به م: (أن الفعل يرفع بما هو فوقه) ش: أي بالأقوى نسخ الحكم المفسر م: (أو مثله) ش: أو بالمساوي لنسخ المفسر المفسر م: (كما في نسخ الآي) ش: أي القرآن وهي جمع آية، فإن النسخ فيه إما بالأقوى أو بالمساوي كما عرف في أصول الفقه.
م: (والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه) ش: أي لكون الزجر مبنيا على الإرسال، فكانت العبرة لإرسال المسلم دون صياح المجوسي لبنائه عليه، ونوقض بالمحرم إذا زجر كلب حلال فإنه يجب عليه الجزاء. وأجيب: بأن الجزاء في المحرم بدلالة النص، فإنه أوجب عليه الجزاء بما دونه، وهو الدلالة فوجب بالزجر بطريق الأولى.
م: (قال: ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره: لم يؤكل؛ لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا) ش: أي ولأن الزجر دون الإرسال م: (لم تثبت به) ش: أي بالزجر م: (شبهة الحرمة) ش: يعني في الصورة الأولى مع أن الحرمة أسرع ثبوتا لغلبة الحرمة على الحل دائما م: (فأولى أن لا يثبت به الحل) ش: أي بزجر المسلم م: (وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي) ش: في الفصول كلها.
م: (وإن لم يرسله أحد) ش: أي وإن لم يرسل الكلب أحد م: (فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله) ش: والقياس أن لا يحل، قال خواهر زاده: وبالقياس أخذ مالك في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره: ثم امتلاه واشتلى وأخذ الصيد: حل وإن لم يقف، لكن زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لما لا يجعل المحرم غالبا على المبيح؟
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح هو زاجر ناسخ يجعل ناسخا للأول لا محالة، وهاهنا الزجر متأخر فجعل ناسخا.
م: (لأن الزجر مثل الانفلات) ش: الانفلات خروج الشيء فلتة أي بعضه، والمراد هنا خروج الكلب من يد صاحبه بغتة م: (لأنه إن كان دونه) ش: أي لأن الزجر إن كان دون

(12/433)


من حيث إنه بناء عليه فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف فاستويا فصلح ناسخا. ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه ثم ضربه فقتله أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر أكل لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم فجعل عفوا. ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر أكل لما بينا والملك للأول، لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الانفلات م: (من حيث إنه بناء عليه) ش: أي من حيث إن الزجر بناء على الانفلات م: (فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف) ش: أي الزجر فوق الانفلات من وجه آخر، وهو أنه فعل المكلف، أي الزجر فعل المكلف، بخلاف الانفلات م: (فاستويا) ش: أي الزجر والانفلات م: (فصلح ناسخا) ش: فصلح الزجر ناسخا الانفلات، لأنه متأخر، لأن الزجر أحد المستويين، والنسخ يثبت بما يساويه كما في نسخ الآي، وبقولنا قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره شدة فاشتد وأخذ الصيد: حل، وإن لم يقف لكل زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لم يجعل المحرم غالبا على المبيح.
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح يجعل ناسخا للأول لا محالة. وهاهنا الزجر متأخر، فجعل ناسخا.
م: (ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه) ش: أي أثخنه وأضعفه ووهنه لجراحه، ومنه الموقوذة م: (ثم ضربه فقتله: أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر: أكل؛ لأن الامتناع على الجرح بعد الجرح تحت التعليم فجعل عفوا) ش: لأنه ليس في وسعه تعليمه على وجه يمتنع عن الجرح بعد الجرح، فجعل ذلك عفوا، وقوله: "لأن الامتناع جواب شبهة" تردف المسألتين، وهي أن الضربة الثانية التي قتل الكلب بها إنما حصل بعد الإثخان الذي أخرجه من الصيد، فينبغي أن لا يحل. فأجاب عنه فقال: لأن الامتناع ... إلخ.
م: (ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر: أكل؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم؛ فجعل عفوا م: (والملك للأول؛ لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية) ش: لأن جراحته أخرجت من الصيد من خير الامتناع، ثم بعد ذلك لا يزيل جراحة الثاني ملك صاحب الأول.
م: (إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال)

(12/434)


فلم يحرم، بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا جواب إشكال، وهو: أن الثاني إنما قتله بعد الخروج من الصيد، ينبغي أن يحرم، فأجاب: بأنه صيد بدلالة الإرسال م: (فلم يحرم) .
م: (بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول) ش: حيث يحرم، وهذا الذي ذكره بخلاف ما إذا رمى صيدا بسهم فأثخنه بحيث أخرجه عن حيز الامتناع ثم رماه ثانيا فقتله لا يؤكل لأنه لما أثخنه فصار ذكاته ذكاة الأهلي، ويمكنه الاحتراز عن الرمية الثانية فلا يكون عفوا، وفي الكلب ليس كذلك، لأنه لا يمكن تعليمه على وجه لا يجرح ثانيا بعد أن جرح مرة، وما تعذر دفعه، تعذر رفعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(12/435)


فصل في الرمي ومن سمع حسا ظنه حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس صيد حل المصاب، أي صيد كان؛ لأنه قصد الاصطياد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الرمي]
[حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا]
م: (فصل في الرمي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الرمي قد مر أنه ذكر أن هذا الكتاب مشتمل على فصلين، الأول: الجوارح وقد بينه، وهذا هو الثاني في الرمي ونوه عن حكم الآلة الحيوانية، ثم شرع في بيان حكم الآلة الجمادية والمزيد الحيوان على الجماد، قدم ذاك على هذا، والآلة ما يستعان به على تحصيل أمر.
م: (ومن سمع حسا) ش: قد وقع في بعض النسخ هاهنا لفظة "قال" وليس ينتفي ذكرها، لأن هذه المسائل من أول الفصل إلى قوله: وإذ سمى الرجل عند الرمي أكل ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها لم تذكر في " الجامع الصغير " و" مختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأما ما ذكره القدوري في " شرح مختصر الشيخ أبو الحسن الكرخي "، وذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكثيرا للفائدة، فعرفت أن لفظة "قال" ليس له محل هاهنا، لأنه لم يذكره إلا إذا كان عن القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كان كناية عن نفسه والحس الصوت الخفي وكذلك الحسيس م: (ظنه) ش: أي ظن ذلك الحس م: (حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا) ش: أي غير الذي سمع صوته لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول.
م: (ثم تبين أنه حس صيد) ش: أي ثم ظهر أن الحسن الذي سمعه حس صيد م: (حل المصاب) ش: أي الصيد المصاب بالرمي أو بالكلب أو بالبازي م: (أي الصيد كان) ش: يعني سواء كان مأكول اللحم أو غيره، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و" المحيط "، وبه قالت الثلاثة، وكلمة "أي" منصوب على أنه خبر كان مقدما.
وقال السغناقي: لا بد هاهنا من قيد وإلا يلزم على إطلاقه ما لو كان المسموع حس سمكة فظنه طير الماء أو حس جراد فظنه صيدا ثم أصاب الرمي الصيد: لم يحل المصاب ذكره في " المغني "، وذلك المقيد هو أن يقال: تبين أنه حس صيد يحتاج في حل أكله إلى ما يشترط ذبحه أو جرحه من الصيود م: (لأنه قصد الاصطياد) ش: أي لأن الرمي أو المرسل قصد برميه أو إرساله الاصطياد.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير) ش: يعني لو كان الحس حس

(12/436)


لتغليظ التحريم، ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه. بخلاف السباع؛ لأنه يؤثر في جلدها، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه؛ لأن الإرسال فيه ليس للإباحة، ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص المأكول فوقع الفعل اصطياد، وهو فعل مباح في نفسه، وإباحة التناول ترجع إلى المحل فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا، وقد لا تثبت إذا لم يقبله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خنزير: لا يحل المصاب، بخلاف سائر السباع. وقال تاج الشريعة: يعني ظن أن المسموع حس الخنزير، فرمى فإذا هو ظبي فرمي: لا يحل الصيد المصاب، لأنه بناء عليه م: (لتغليظ التحريم) ش: يعني حرمه الخنزير تغليظه لا يجوز الانتفاع به بوجه.
م: (ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه) ش: هذا توضيح لتغليظ التحريم منه، أي من الخنزير م: (بخلاف السباع) ش: يعني بخلاف ما لو كان من السباع، حيث يؤكل الصيد م: (لأنه يؤثر في جلدها) ش: أي لأن الاصطياد يؤثر في طهارة جلده، وكان ينبغي أن يقول: في جلدها على ما لا يخفى، فإذا أثر الاصطياد في طهارة جلدها جاز أن يؤثر في إباحة لحم ما أصابه، كذا في " الذخيرة" و" المحيط ".
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه) ش: أي خص من جملة المسموع حس ما لا يؤكل لحمه. يعني إذا كان الحس حس صيد لا يؤكل لحمه كالسباع وما أشبهها لا يؤكل المصاب؛ م: (لأن الإرسال فيه ليس للإباحة) ش: أي لأن الإرسال فيما لا يؤكل لحمه لا يتعلق له حكم الإباحة، فكان هو والآدمي سواء.
م: (ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص بالمأكول) ش: قال الشاعر:
صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
م: (فوقع الفعل اصطيادا) ش: فعل الرمي أو المرسل م: (وهو فعل مباح في نفسه) ش: أي الاصطياد فعل مباح في نفسه لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] والاصطياد: أخذ الصيد، والصيد اسم لممتنع متوحش في الأصل فكانت الآية دليلا بعمومها على إباحة عموم الاصطياد، إلا أن الاصطياد إذا كان فيما حل أكله كان الغرض منه الانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه أو دفع أذنيه، وهذا معنى قوله: م: (وإباحة التناول ترجع إلى المحل، فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا) ش: أي يثبت التناول بقدر ما يقبل المحل المتناول من حيث اللحم ومن حيث الجلد يعني إذا كان يقبل المحل تناول اللحم يثبت تناول من اللحم، وإذا كان يقبل تناول الجلد، لأن اللحم يثبت ذلك: ينتفع بجلده. وإن لم يقبل تناولهما جميعا كما في الخنزير، فحينئذ يكون الاصطياد لدفع أذنيه، فإذا كان الاصطياد مباحا حل المصاب إذا كان مأكول اللحم، وإن كان المسموع حسه لا يحل أكله م: (وقد لا تثبت إذا لم يقبله) ش: أي وقد لا يثبت التناول إذا لم

(12/437)


وإذا وقع اصطيادا صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره. وإن تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا يحل المصاب، لأن الفعل ليس باصطياد. والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي والظبي الموثق بمنزلته لما بينا. ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش. ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا، لا يحل الصيد لأن الأصل فيه الاستئناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقبله المحل وقد بيناه.
م: (وإذا وقع اصطيادا) ش: أي إذا وقع قبله قوله "اصطيادا" م: (صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره) ش: أي غير الصيد الذي رمى إليه م: (وإن تبين أنه حس آدمي) ش: أي وإن ظهر أن الحس حس آدمي م: (أو حيوان أهلي لا يحل المصاب؛ لأن الفعل ليس باصطياد) ش: لأنه رمى أو شل إلى غير صيد فلم يتعلق به حكم الإباحة، فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره، أي غير الصيد الذي رمى إليه إلى آدمي يعلم به فأصاب صيد البر يؤكل.
فإن قلت: أليس قصد الاصطياد؟.
قلت: فعله ليس باصطياد وإن كان قصده الاصطياد بناء على ظنه، لأن الرمي إليه صيد، لأن المحل لا يقبل الاصطياد لنفي ظنه.
م: (والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي) ش: الداجن من دجن قوله "يأوي البيوت: "، أي يسكنها وينزل فيها، وقوله "أهلي" أي حكمه حكم الأهلي في أنه لا يحل المصاب، لأن ما آواه البيوت وقد ثبت اليد عليه م: (والظبي الموثق) ش: أي المشدود يقال: وثقه أي شده بالوثاق م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الآدمي. وقيل بمنزلة الطير الداجن م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الفعل ليس باصطياد وحل الصيد لوجود فعل الاصطياد.
م: (ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي: حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش) ش: أي لأن الظاهر في الطائر التوحش حتى يعلم الاستئناس فتعلق برميه الإباحة.
م: (ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا) ش: أي البعير ناد أم لا من ند البعير ندا، وندودا، إذا ذهب على وجهه شاردا، كذا في الجمهور م: (لا يحل الصيد، لأن الأصل فيه الاستئناس) ش: وهو لا يحل في الصحر في العقر إلا إذا علم أنه ناد فحينئذ يحل المصاب لأنه حينئذ يحل بالعقر.

(12/438)


ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف لأنه صيد، وفي أخرى عنه لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما. ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل؛ لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف؛ لأنه صيد) ش: أي لأن كل واحد من السمك والجراد صيد، وإن كان لا ذكاة لهما، وهذه رواية ابن مالك، وهي الصحيحة نص عليها قاضي خان.
م: (وفي أخرى عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها عنه ابن رستم: أنه م: (لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما) ش: فالرمي وعدمه سواء وبه قالت الثلاثة، ولو رمى إلى بعير أو بقر أو معز أهلي أو آدمي فأصاب صيدا لا رواية في الأصل لهذا. ولأبي يوسف قولان: في قول: يحل، وفي قول: لا يحل، وبه قالت الثلاثة لعدم قصده إلى الإرسال إلى الصيد.
م: (ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد: يحل) ش: أي ولو أصاب السهم المسموع حسه والحال أنه قد كان ظنه آدميا، فإذا ظهر صيدا: يحل.
وقال مالك وأحمد ومحمد في رواية: لا يحل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرمي: يحل في الكلب وجهان، وكذا لو ظنه خنزيرا أو كلبا لا يحل المصاب عندهم م: (لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه) ش: اصطيادا حقيقة، والحقيقة لا تعين بالظن.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة وبين التي تقدمت، وهي أن من سمع حسا ظنه صيدا فرماه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا تحل المصاب مع أنه لم يقصد إلا رمي الآدمي، وفي هذه المسألة قصد رمي الآدمي، ورمي الآدمي ليس بالاصطياد وقد حل المصاب، والقياس إما شمول الحل أو شمول عدمه وانعكاس الجواب في المسألتين، وذلك لأنه لما حصل المصاب مع اقتران ظنه بأنه آدمي، فعنها: إذا اقترن ظنه بأنه صيد أوله، أو لأنه لم يقع فعله اصطياد نظرا إلى قصده فلا يحل المصاب هاهنا، كما لا يحل هاهنا نظرا إلى قصده وحل هناك كذلك؟.
قلت: أشار المصنف إلى الفرق بقوله: "لأنه يعتبر بظنه مع تعيينه"، أي تعيين كونه صيدا، بيانه أن المسألة الأولى أصاب السهم غير المسموع حسه، وكان قصده إلى المسموع حسه، والمسموع حسه ليس بصيد، فكان فعله متوجها إلى غير الصيد نظرا إلى فعله الذي توجه إلى المسموع وهو ليس بصيد، فلم يكن بفعله اصطيادا، وحل الصيد إنما يحصل بوجود فعل الاصطياد؛ فلم يحل أكله لانعدام فعل الاصطياد.

(12/439)


وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات؛ لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آلة له، فتشترط التسمية عنده وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه. قال: وإن أدركه حيا ذكاه وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول فلا نعيده. قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما هاهنا فسهم أصاب غير المسموع حسه وعينه صيدا فكان الفعل واقعا على الصيد وهو الاصطياد بحقيقة كلما وجد الاصطياد بحقيقته لم يعتبر بعد ذلك ظنه المخالف لفعله الذي هو اصطياد بحقيقته، والظن إذا وقع مخالفا بحقيقة فعله كان الظن لغوا، فيحل أكل المصاب لوجود فعل الاصطياد.

[التسمية عند الرمي]
م: (وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آله له، فتشترط التسمية عنده) ش: أي عند الرمي م: (وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه) ش: أي في فصل الجوارح عند قوله: ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية، وهو قول أكثر أهل العلم.
م: (قال: وإن أدركه حيا ذكاه) ش: أي قال القدوري: وإن أدرك الصيد وهو بالحياة ذكاه، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فبطل حكم البدل م: (وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول) ش: وهو فصل الجوارح، قوله: والاختلاف بالنصب عطف على الضمير المنصوب في بيناه، قاله الأترازي، ثم قال: وهو السماع.
قلت: الأولى: أن تكون نصبا على أنه مفعول معه، أي وقد بينا الحكم بوجوه المسألة مع الاختلاف فيها، أي مع بيان اختلاف فيها. ويجوز الجر عطفا على قوله: "بوجوهها"، م: (فلا نعيده) ش: أي الاختلاف خوفا من التكرار.
م: (قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه) ش: أي قال القدوري: فتحامل، أي تكلف الطيران من الحمل، يعني حمل الصيد نفسه على تكلف المشي والطيران وأصل التحامل في المشي: أن يكلفه على مشقة وإعياء، وفائدة ذكره. أنه لو غاب وتوارى بدونه فوجده ميتا لا يحل ما لم يعلم جرحه يقينا م: (ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل) ش: استحسانا والقياس أن لا يحل، وهو قول الشافعي وأحمد في رواية وعطاء والثوري. ومن أصحاب الشافعي من قال فيه قولان: في قول: يؤكل وفي قول لا يؤكل، ولم يعتبر الوقود والطلب في القولين جميعا، كذا ذكره في " مختصر الأسرار ".
وقال ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع "، ولا بأس بأكل الصيد وإن غاب عن الصائد

(12/440)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعصر ما لم يبت عنه، فإن بات عنه لم يجز أكله، وقال الحرمي - من أصحاب أحمد -: إذا رماه فغاب عن عينه وأصابه ميتا وسهمه فيه ولا أثر به غيره جاز أكله. وجه قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، وهو ما رواه الترمذي والنسائي عن أبي بشر عن سعيد بن جبير «عن عدي بن حاتم قال، قلت: يا رسول الله إنّا أهل صيد، وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين فيتبع الأثر فيجده ميتا، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا وجدت السهم فيه ولم تجد فيه أثرا غيره وعلمت أن سهمك قتله، فكله» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عاصم الأحول عن الشعبي «عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أرمي بسهمي فأصيب فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال: "إذا قدرت عليه وليس فيه أثر ولا خداش إلا رميتك: فكل، وإن وجدت فيه أثرا غير رميتك: فلا تأكله فإنك لا تدري أنت قتلته أم غيرك» وقال في " التنقيح ": إسناده صحيح، وبه قال أحمد: يباح أكله [إذا غاب] مطلقا.
وأخرج البخاري ومسلم «عن عدي بن حاتم، وفيه: "وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت". وقال البخاري: "وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين» ، وعند البخاري «عن عدي أيضا أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين أو الثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه؟ قال: يأكل إن شاء» ولم يصل سنده بهذا. وأخرج مسلم عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في الذي يدرك صيده بعد ثلاث قال: "كله ما لم ينتن» ، وزاد في لفظ آخر «وقال في الكلب أيضا: "كله بعد ثلاثة إلا أن ينتن فدعه» . واحتج مالك بأنه سمع أهل العلم قالوا كذلك والشافعي احتج بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كل ما أصبت ودع ما أنميت: قال في " الفائق ": الأصل أن يقتله فكأنه والاتما، كذا أن يصيبه إصابة غير موقعة، ولأنه يحتمل إذا توارى أن يموت بعارض آخر كالتروي.
وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بالروحاء على حمار وحش عقير، فتبادر أصحابه إليه فقال: دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل

(12/441)


وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال هذه رميتي يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في طلبها، وقد جعلتها لك، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقسمها بين الرفاق» .
قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في "سننه" من حديث حماد بن زيد حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حتى أتى الروحاء وبها حمار عقير فقيل: يا رسول الله هذا حمار عقير، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوه، فإن الذي أصابه سيجيء"، فجاء رجل من بهز فقال: يا رسول الله: إني أصبت هذا فشأنكم به، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقسمه بين الرفاق، ثم سار حتى إذا كان بالأثاية - بين العرج والروبثة - إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا أن يقيم عنده حتى يجيز آخر الناس، لا يعرض له» .
وقال الذهبي في "مختصره" خرجه النسائي من حديث علي بن محضر عن ابن الهاد وعن محمد به. وأخرج النسائي أيضا ثم البيهقي من حديث عبد الوهاب الثقفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة أخبره عن البهزي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج وهو محرم، حتى إذا كان ببعض أفناء الروحاء إذا حمار وحش عقير، فذكره القوم لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .... " الحديث.
قوله: " الأثاية " - بضم الهمزة بعدها الثاء المثلثة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف - وقال البكري: هي محددة في رسم الروثية، ثم ذكر الحديث المذكور والروثية - بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة - قال البكري: هي قرية جامعة من كورة العقيق بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا، وبينها وبين العرج ثلاثة أميال، والعرج بالعين المهملة وسكون الراء وهي قرية جامعة بينها وبين الروثية أربعة عشر ميلا.
م: (وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا يؤكل) ش: وقال الشافعي في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يؤكل إذا غاب نهارا. وعن مالك: إن وجده في يومه يحل وبعده لا. عن أحمد في رواية: أنه يحل بعده أيضا، وبه قال بعض أصحاب الظاهر.

(12/442)


لما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: «لعل هوام الأرض قتلته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لما روي «عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: "لعل هوام الأرض قتلته» ش: هذا الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا ابن نمير ويحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن أبي رزين عن أبيه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في - الصيد يتوارى عن صاحبه -: قال: "لعل هوام الأرض قتلته".» وكذلك رواه الطبراني في "معجمه".
ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين. فذكره، ورواه كذلك أبو داود في "مراسيله "، ومن جهة أبي داود ذكره عبد الحق في "أحكامه" وأعله بالإرسال.
وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا مسندا، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بظبي قد اصطاده بالأمس، وهو ميت، فقال: يا رسول الله: عرفت فيه سهمي وقد رميته بالأمس، فقال: "لو أعلم أن سهمك قتله أكلته، ولكن لا أدري، وهوام الأرض كثيرة» ، وابن أبي المخارق واه.
وأما المرسل فرواه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء بن السائب عن الشعبي: «أن أعرابيا أهدى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظبيا فقال: "من أين أصبت هذا؟ " فقال: رميته فطلبته فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت فلما أصبحت اتبعت أثره فوجدته في غار، وهذا مشقصي فيه أعرفه، قال: بات عنك ليلة، فلا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه لا حاجة لي فيه.»
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال يا رسول الله رميت صيدا فتغيب عني ليلة؟، فقال النبي

(12/443)


ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) كالمتحقق لما روينا، إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه. ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله، والذي رويناه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إن هوام الأرض كثيرة".»
م: (ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) ش: أي في باب الصيد م: (كالمتحقق) ش: في حق الحل والحرمة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعل هوام الأرض قتلته» .
وقال الكاكي: في قوله "لأن الموهوم في هذا": جواب عن قول الشافعي: أن الموهوم لا يعارض المتحقق.
قلت: لم يذكر المصنف خلاف الشافعي في الكتاب، وإنما ذكره الشراح فكيف يكون هذا جوابا عن قول من لم يذكره إلا أنا أسقطنا اعتباره، هذا جواب عما يقال: هذا الاحتمال باق إذا كان في طلبه أيضا؟.
فأجاب بقوله: م: (إلا أنا أسقطنا اعتباره) ش: أي اعتبار الموهوم م: (ما دام في طلبه) ش: أي ما دام الصياد في طلب الصيد م: (ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه) ش: أي لأجل الضرورة، لأن الاصطياد لا يخلو عن التغيب عن بصره خصوصا في الغياض، والمستأجر والطير بعدما أصابه السهم يتحامل ويطير حتى يغيب عن بصره، فيسقط اعتباره ضرورة إذا كان في طلبه؛ لأن الطلب كالواحد.
ولو اعتبرنا هذا لزم إفساد هذا الباب م: (ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار) ش: أي تغيب واختفاء م: (يكون بسبب عمله) ش: أي بسبب عمل الصياد وإمكان التحرز هو أن يتبع أثره ولا يشتغل بعمل آخر.
م: (والذي رويناه) ش: وهو «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كره أكل الصيد إذا غاب» م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل) ش: كونه حجة عليه، لأن فيه أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي.

(12/444)


ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل؛ لأنه موهوم يمكن الاحتراز عنه فاعتبر محرما بخلاف وهم الهوام. والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه.
قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل؛ لأنه المتردية وهي حرام بالنص، ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك وكذا السقوط من عال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: إن كان هذا حجة عليه فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» ، حجة له؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله لمن حال بينه وبين الصيد ظلمة الليل.
قلت: الأصل أن خصوص الطلب السبب غير معتبر، واحتمال قتل الهوام عند العتمة موجود فيكون حراما.
م: (ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه: لا يحل؛ لأنه موهوم) ش: فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» حجة له م: (يمكن الاحتراز عنه) ش: إذ يتصور خلو الاصطياد عنه، فاجتمع فيه بوجوده موجب الحل وموجب الحرمة، فيغلب المحرم احتياطا، مع أن الموهوم كالمتحقق في هذا الباب م: (فاعتبر محرما) ش: أي فاعتبر الموهوم محرما للصيد كالمتحقق كما ذكرنا م: (بخلاف وهم الهوام) ش: لأن الاحتراز عنه غير ممكن؛ لأن الصيد لا بد أن يقع على الأرض والأرض لا تخلو عن الهوام، فسقط اعتبار هذا الوهم، فلا يجعل محرما إذا لم يغفل الطلب.
م: (والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه) ش: يعني إذا أرسل الكلب والبازي المعلم على الصيد فجرحه فغاب ثم وجد ميتا فإن كان لم يقعد عن طلبه: حل إذا لم يكن به جراحة أخرى، فإن قعد عن طلبه أو كان به جراحة أخرى: لا يحل.

[رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض]
م: (قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره"؛ تردى أي تدحرج، وقيد بقوله: ثم تردى إلى الأرض؛ لأنه لو وقع على جبل أو السطح ابتداء واستقر عليه ولم يترد: يحل بلا خلاف، وهذا أيضا إذا تردى ولم يقع الجرح مهلكا في الحال، أما لو وقع الجرح مهلكا وبقي فيه من الحياة قدر ما في المذبوح ثم تردى: يحل أيضا كما يجيء م: (لأنه المتردية وهي حرام بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {والْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ....} [المائدة: 3] الآية (المائدة: الآية 4) .
م: (ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك) ش: لأنه اجتمع فيه سبب الحرمة والإباحة، فيغلب جانب الحرمة احتياطا م: (وكذا السقوط من عال) ش: أي وكذا لا يؤكل إذا سقط من مكان عال فيه ثمان لغات ذكرها الجوهري وغيره. يقال: أتيته من على الدار، ومن

(12/445)


يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» . وإن وقع على الأرض ابتداء أكل؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم؛ لأنه يمكن التحرز عنه، فصار الأصل أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان مما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده مجرى عدمه، لأن التكليف بحسب الوسع، فيما يمكن التحرز عنه إذا وقع على شجر أو حائط أو آجرة ثم وقع على الأرض أو رماه وهو على جبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علا، ومن عل، ومن عال، ومن متعال بضم الميم، ومن علو [ ... ] م: (يؤيد ذلك) ش: أي قولنا: لا يؤكل، يعني يريد الحرمة م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن وجدته قد قتل: فكل، إلا أن تجده قد وقع في الماء، فإنك لا تدري أن الماء قد قتله أو سهمك» : انتهى. والرَّمِيَّة بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف: ما ترميه من الحيوان ذكرا كان أو أنثى.
م: (وإن وقع على الأرض ابتداء أكل) ش: يعني رمى صيدا على رأس الجبل، أو على شجر أو في الهواء فوقع على الأرض ومات: حل، وبه قال الشافعي وأحمد، وأبو ثور. وقال مالك: لا يحل إلا أن تكون الجراحة مهلكة، أو يموت قبل سقوطه لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] ، ولأنه اجتمع المحرم والمبيح فيغلب المحرم كما في غرقه بالماء.
قلت: إنه صيد مات بالإصابة م: (لأنه لا يمكن الاحتراز عنه) ش: أي عن سقوطه ووقوعه على الأرض م: (وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا وقع على جبل ونحوه ثم تردى إلى الأرض م: (لأنه يمكن التحرز عنه) ش: أي عن وقوعه على سطح أو جبل أو نحوهما م: (فصار الأصل) ش: في هذا الباب م: (أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان ما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده) ش: أي وجود سبب الحرمة م: (مجرى عدمه؛ لأن التكليف بحسب الوسع) ش: والطاقة وتكليف ما لا يسعه لا يحسن من حكيم.
م: (فيما يمكن التحرز عنه) ش: هذا فرع على الأصل المذكور، فلذلك ذكر بالفاء، أي فمن القبيل الذي يجتمع فيه سبب الحرمة والحل م: (إذا وقع) ش: أي الصيد م: (على شجر أو حائط أو آجرة) ش: منصوب على الأرض وهي الطوب المحروق بالنار م: (ثم وقع على الأرض) ش: أي ثم وقع في هذه المسائل المواضع على الأرض م: (أو رماه وهو على جبل) ش: أي إذا رمى الصيد

(12/446)


فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله، ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه أو على ما هو في معناه كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء، وذكر في " المنتقى ": لو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر، وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحمل مطلق المروي في الأصل على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه ما لم يصبه من الآجرة إلا ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها وذلك عفو وهذا أصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحال أنه على جبل م: (فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة) ش: ففي هذه الأشياء كلها لا يؤكل م: (لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله) ش: فهذا سبب الحرمة، ورميه سبب الإباحة فاجتمع السببان والتحرز ممكن، فيغلب سبب الحرمة على سبب الإباحة فحرم.
م: (ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: وإن وقع على الأرض ابتداء: أكل، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه م: (أو على ما هو في معناه) ش: أي إن وقع على ما هو في معنى الأرض م: (كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء) ش: أي وقوع الصيد على أحد الأشياء المذكورة ووقوعه على الأرض سواء إذا استقر، وقيد به لأنه إذا لم يستقر، بل وقع من الجبل على الأرض ونحو ذلك، فإنه لا يحل كما مر.
م: (وذكر في " المنتقى ") ش: أي ذكروا، وأراد بذلك الإشارة إلى وقوع الاختلاف بين رواية الأصل، وهي قوله: أي صخرة، فاستقر عليها وبين رواية " المنتقى " م: (ولو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر) ش: وهذا يخالف ما في الأصل؛ لأنه في الأصل لم يفصل بين إن شقت بطنه أو لم تشق م: (وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الحاكم ما ذكره في " المنتقى " لذلك م: (وحمل مطلق المروي في الأصل) ش: من قوله له: فاستقر عليها م: (على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ما روي في " المنتقى " م: (على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه لم يصبه من الآجرة إلى ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها) ش: أي على ما يصيبه من الأرض م: (وذلك عفو) ش: كما إذا وقع على الأرض وانشق بطنه والمقصود في المسألة روايتان م: (وهذا أصح) ش: أي ما فعل شمس الأئمة أصح، لأن المذكور في " الأصل " مطلق، فيجري

(12/447)


وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل، وإن انغمست لا يؤكل، كما إذا وقع في الماء.
قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على إطلاقه وحمله على غير حالة الانشقاق يخرج إلى الفرق بين الجبل والأرض في الانشقاق، فإنه لو انشق لوقوعه على الأرض أكل، وقد ذكر أنه في معناه.
وقال الكرخي في "مختصره": لو وقع على حرف آجرة في الأرض، أو حرف حجر، ثم وقع على الأرض: لم يؤكل، لأنه قد شرك السقوط غيره. ولو كانت الآجرة مبطوحة على الأرض، واللبنة فوقع عليها ثم مات: أكل، وذلك لأن الآجرة المطبوخة كالأرض مرفوعة عليها كوقوعه على الأرض، ولو وقع على جبل فاستقر عليه: أكل، وذلك لأن استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض. ولو سقط من الرمية في ماء فمات: لا يؤكل، ولا أعلم في هذا خلافا، لأنه قد يجوز أن يكون خنق بالماء.
وقال بشر، وعلي بن الجعد، عن أبي يوسف: إذا رمى رجل صيدا وهو في السماء بنشابة، وسمى، فأصابه فوقع على الأرض فمات: أكل، وليس هذا بمترد، ولذلك لو كان على جدار أو حائط أو رأسه أو جبل فوقع منها على الأرض، ولكن المتردي الذي لا يؤكل أن يقع فوق الشيء من السماء أو من موضع فوقه ثم يقع من ذلك الموضع إلى موضع آخر، فهذا لا يؤكل، فهذا مترد - إلى هنا لفظ الكرخي.
وقال القدوري: وهذا صحيح؛ لأن المتردي هو المتردد، ولكن لما اجتمع الحرفان قلبوا أحدهما كما في قولهم لمقفي البازي "وإنما هو بعصعص"، والمتردي وهو أن يقع على شيء ثم منه على شيء، قال القدوري: ذكر في " المنتقى " عن أبي يوسف قال: ولو رمى صيدا على قمة جبل وأثخنه حتى لا يتحرك ولم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله ووقع: لم يأكله، وذلك لأنه خرج من حيز الامتناع بالرمي من الأول، فصار الرمي الثاني إلى غير ممتنع: فلا يؤكل.
م: (وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل وإن انغمست) ش: في الماء م: (لا يؤكل) ش: يعني إذا رمى طيرا في الماء م: (كما إذا وقع في الماء) ش: وهو مجروح، فإن كانت الجراحة لم تنغمس في الماء يؤكل، وإن انغمست الجراحة في الماء لا يؤكل لاحتمال الموت بالماء، وبه قالت الثلاثة، وإن كانت الجراحة غير مهلكة: يحل عند الشافعي، ومالك - رحمهما الله -، كما إذا وقع من الماء، أي كما إذا وقع طير غير الماء في الماء: لا يحل لاحتمال الموت بسبب آخر.

[رمي بالمعراض الصيد فأصيب]
م: (قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل) ش: أي قال القدوري، والمعراض سهم بلا ريش ولا نصل يمضي عرضا فيصيب بعرض السهم لا بحده. وفي " مجمل

(12/448)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ، ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه. قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللغة ": المعراض سهم طويل له أربع قدد إذا رمى رمى به عرض م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ش: هذا الحديث رواه الجماعة في كتبهم «عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسك علي وأذكر اسم الله؟ قال: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟، قال: "وإن قتل ما لم يشركه كلب ليس معه". قلت: فإذا رمي بالمعراض الصيد فأصيب؟، قال: "إن أصاب بحده فكل، وإن أصاب بعرض نصل فلا تأكل منه» " وقيد.
م: (ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في الفصل الأول، ولا بد من الجرح لتحقق معنى الذكاة في ظاهر الرواية؛ لأنه إذا لم يجرح يتمزق بإصابة عرض المعراض، ويكون ذلك رماه وكسر إلا جراحا وبضعا وذكاة الاضطرار هي الجرح أو البضع.
م: (قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها) ش: أي قال القدوري، والبندقة بضم الباء الموحدة وسكون النون طينة مدورة يرمى بها، ويقال لها: الجلامق م: (لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق) ش: بالخاء والزاي المعجمتين، يقال: خزق المعراض إذا نفذ، وبالراء المهملة تصحيف.
وفي " المبسوط ": بالزاي يستعمل في الحيوان، وبالراء المهملة في الثوب، والأصل فيه ما روي «عن عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المعراض، فقال: "ما خزق بالزاي: فكل، وما قتل بعرضه: فلا نهر" وفيه: "لا يؤكل» متفق عليه، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال الأوزاعي وأهل الشام: يباح ما قتله بعرضه وحده. وقال ابن عمر: كلاهما موقوذة، وبه قال الحسن، ولا خلاف في سائر آلات الجراحة أنها إن قتلته بعرضها ولم تجرح: لا تحل، وإن جرحت تحل ولأنها إذا لم تجرح فإنها تقتل بثقله فأشبه ما أصاب بعرض المعراض.
وقال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": ولا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصي، وما أشبه ذلك، وإن جرح لأنه لا يخزق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حددوه وطوله كالسهم، انتهى.

(12/449)


وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه، قالوا: تأويله إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله، وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل لأنه يقتله بجرحه، ولو رماه بمروة حديدة ولم تبضع بضعا لا يحل؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ": في باب الصيد: ويحل أكله إذا رمى فأصاب غيره؛ لأن الحجر والبندقة إذا جرح: حل، وكذا المعراض.
م: (وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه) ش: أي إن جرحه الحجر، وهذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، لأن الحجر يمزق ولا يقطع إذا لم يكن له حد فيكون كالمعراض إذا أصاب بعرضه.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (تأويله) ش: أي تأويل ما ذكره محمد في الأصل م: (إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله) ش: أي الحجر لا يحل له م: (وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل؛ لأنه يقتله بجرحه) ش: وفي " الأصل ": وإن مات بالجرح فإن كان الجرح مدميا: فإنه يحل بلا خلاف، وإن جرح ولم يدم اختلف المشايخ فيه.
قال بعضهم: لا يحل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج» فكل شرط الإنهار وهذا ضعيف عندي؛ لأنه كما شرط الإنهار شرط فري الأوداج، وفي ذكاة الاضطرار: لم يشترط فري الأوداج فكذلك لا يشترط الإنهار.
قال بعضهم: يحل إذا كانت الجراحة صغيرة يشترط الإدماء، وإن كانت كبيرة: تحل بلا إدماء لأنها إذا كانت صغيرة فعدم خروج الدم يدل على ضيق المنفذ لا على عدم الدم في الحيوان، وخروج الدم عند وجود الدم شرط للإباحة. وإن كانت كبيرة لا يكون عدم الخروج لضيق المنفذ بل لعدم الدم فيه أصلا كما إذا كان علقه ورق العناب فاحتبس دمه، وخروج الدم حال عدم فيه فليس بشرط للإباحة.
م: (ولو رماه بمروة حديدة) ش: أي ولو رمى الصيد بمروة وهو حجر رقيق أبيض كالسكين يذبح به م: (ولم تبضع بضعا) ش: أي ولم يقطع قطعا من البضع وهو القطع م: (لا يحل؛ لأنه

(12/450)


قتله دقا، وكذا إذا رماه بها فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج، ولو رماه بعصا أو بعود حتى قتله لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا اللهم إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا، فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح. والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل كان حراما احتياطا، وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه حل، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل؛ لأنه قتله دقا، والحديد وغيره فيه سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتله دقا) ش: فصار كالوقيذ، م: (وكذا إذا رماه بها) ش: أي وكذا لا يحل إذا رمى الصيد بمروة م: (فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج) ش: وقد مر أن جانب الحرمة يغلب على جانب الإباحة عند الشك احتياطا.
م: (ولو رماه بعصا) ش: أي ولو رمى صيدا بعصا م: أو بعود) ش: وهو غصن شجرة م: (حتى قتله: لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا) ش: والجرح شرط م: (اللهم) ش: أصله: يا الله، فلما حذف حرف النداء عوض عنه الميم، ولهذا لا يقال: يا اللهم، حتى لا يجتمع العوض والمعوض عنه، واستعماله في الكلام على ثلاثة أنحاء: الأول: إذا كان [....
.....] .
والثالث: أنه يؤتى به قبل المستثنى إذا كان المستثنى عزيزا نادرا استظهارا لمشيئة الله سبحانه وتعالى.
م: (إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا) ش: أي يقطع قطعا م: (فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح) ش: لأنه لا يكون بالجرح مباحا م: (والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل: كان حراما احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، وهذا كله واضح.
م: (وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه: حل) ش: لوجود القتل بحدة الآلة ووجود الجرح م: (وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف) ش: أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح، فإن كان الجرح مدميا أي بفتح الميم وسكون القاف وكسر الباء الموحدة حيث يقبض عليه بجميع الكف م: (لا يحل؛ لأنه قتله دقا) ش: لا جرحا م: (والحديد وغيره فيه سواء) ش: أي في القتل بالثقل، حتى لو ضربه بقطعة حديد فقطعه بثقلها: لا يحل، وفي " الشامل ": أخذ عودا وحدده إن أصاب بحده: يحل، وإلا فلا، فعلم أن العبرة للحد.

(12/451)


ولو رماه فجرحه ومات بالجرح إن كان الجرح مدميا يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين، سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» شرط الإنهار، وعند بعضهم: إن كانت كبيرة حل بدون الإدماء، وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء. ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم، قيل: لا تحل، وقيل: تحل، ووجه القولين دخل فيما ذكرناه. وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه حل وإلا فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد]
م: (ولو رماه فجرحه ومات بالجرح) ش: أي ولو رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح م: (إن كان الجرح مدميا: يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك) ش: يحل م: (عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» ش: قد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى في الذبائح، قوله: أنهر من الإنهار، وهو الإسالة، وأفرى بالفاء، أي قطع، والأوداج جمع ودج، والمراد به الودجين، والمروي بطريق التغليب م: (شرط الإنهار) ش: أي شرط - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنهار الدم، وهو إسالته، فما لم يسل لم يحل م: (وعند بعضهم إن كانت) ش: أي الجراحة م: (كبيرة حل بدون الإدماء) ش: لأنها إن كانت صغيرة فعدم الجرح لضيق المنفذ لا لعدم الدم. بخلاف ما إذا كانت كبيرة، وهذا ظاهر.
م: (وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء، ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم قيل: لا تحل) ش: وهو قول أبي القاسم الصفار م: (وقيل: تحل) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (ووجه القولين دخل فيما ذكرناه) ش: أراد بالقولين: قول أبي القاسم الصفار وقول أبي بكر الإسكاف، وأراد بقوله " فيما ذكرناه" الإنهار والاحتياط، فإن الصفار يشترط الإنهار، لأن الذكاة لا تحل بدون نزول الدم النجس، وأبو بكر الإسكاف لا يشترط لوجود فعل الذكاة وهو قطع الأوداج، وقد يمتنع خروج الدم بمحابس حبسه، كما إذا أكل ورق العناب.
وفي " الذخيرة ": ذبح شاة فتحركت وخرج منها دم مسفوح: حلت لوجود علامة الحياة فيها، فإن خرج دم مسفوح ولم يتحرك، أو تحركت ولم يخرج منها دم فكذلك، لأن علامة الحياة أحد الأمرين، وهذا إذا لم يعلم لحياتها وقت الذبح، أما إذا علم حلت، وإن لم يتحرك ولم يخرج منها الدم أصلا.
م: (وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه: حل وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يدمه:

(12/452)


وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه. قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد لما بيناه، ولا يؤكل العضو. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد منه؛ لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت؛ لأنه ما أبين بالذكاة. ولنا: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم تحل م: (وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه) ش: أي هذا الذي ذكرناه يؤيد قول أبي القاسم الصفار، فإنه يشترط سيلان الدم للحل. م: (قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد) ش: أي قال القدوري، لوجود الجرح وهو المبيح في ذكاة الاضطرار م: (لما بيناه) ش: أي لما بيناه أن الجرح مع الرمي مبيح وقد وجد م: (ولا يؤكل العضو) ش: المبان عندنا إذا كان الصيد يمكنه أن يعيش بعد الإبانة، وإن كان لا يعيش يؤكل المبان والمبان منه، وبه قال مالك وأحمد في رواية.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد) ش: أي أكل المبان م: (منه) ش: أي مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فمات الصيد من القطع، وبه قال أحمد في روايته، وابن أبي ليلى م: (لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت) ش: يعني من القطع م: (لأنه ما أبين بالذكاة) ش: ومما أبين من الحي لا سبب الذكاة لإجماعنا فهو حرام، فصار يعتبر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ، أي ما أبين منه لا سبب الذكاة أن المبان بسبب الذكاة يحل.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة من الصحابة: منهم: أبو واقد الليثي أخرج حديثه أبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» ، ولفظ الترمذي أتم، قال: «قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه، إلا من حديث زيد بن أسلم.

(12/453)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والدارمي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم "، والطبراني في "معجمه"، والدارقطني في "سننه - في آخر الضحايا"، والحاكم في " المستدرك - في الذبائح" وقال: حديث حسن صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
ومنهم: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه في "سننه" حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب عن معن بن عيسى به، وكذلك رواه الدارقطني في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وسكت عنه. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا من هذا الوجه.
قلت: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" حدثنا محمود بن علي المروزي حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا ابن نافع عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا نحوه.
ومنهم: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن قطع أليات الغنم وجب أسنمة الإبل، فقال: "ما قطع من حي فهو ميت» . وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
أخرجه أيضا عن المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم به، وسكت عنه، وبهذا الإسناد رواه البزار في "مسنده" وقال: هكذا رواه المسور بن الصلت مسندا وخالفه سليمان بن بلال فأرسله عن عطاء بن يسار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يذكر أبا سعيد، ولم نعلم أحدا قال فيه "عن أبي سعيد "، إلا المسور بن الصلت، وليس بالحافظ، انتهى.

(12/454)


ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما. والعضو المبان بهذه الصفة؛ لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما؛ لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم. وقوله: أبين بالذكاة. قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة لبقاء الروح في الباقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن سليمان بن بلال أسنده عن أبي سعيد كما تقدم عند الحاكم ولم أجده مرسلا إلا في " مصنف عبد الرزاق " أخرجه في "كتاب الحج" حدثنا معمر عن زيد بن أسلم قال: كان أهل الجاهلية يقطعون أليات الغنم وأسنمة الإبل....، فذكره.
الثاني: قوله: لا نعلم أحدا قال فيه عن أبي سعيد إلا المسور، وقد تابع المسور عليه سليمان بن بلال كما تقدم، وتابعه أيضا خارجة بن مصعب كما أخرجه الحافظ أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل شيء قطع من الحي فهو ميت» . وقال: تفرد به خارجة فيما أعلم.
ورواه كذلك ابن عدي في " الكامل "، وضعف خارجة عن البخاري والنسائي وأحمد، وابن معين ومشاه، فقال: يكتب حديثه فإنه يغلط ولا يعتمد.
ومنهم: تميم الداري أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " عن سفيان عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب «عن تميم الداري قال: يا رسول الله: إن أناسا يجبون أليات الغنم وهي أحياء، قال: "ما أخذ من البهيمة وهي حية فهو ميتة» . ورواه ابن عدي في " الكامل "، وابن الهذلي اسمه: سلمى بن عبد الله، ولم يضعفه عن أحد.
م: (ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما) ش: هذا بيان وجه الاستدلال وهو أنه ذكر الحي مطلقا، والمطلق ينصرف إلى الكامل، والكامل هو الحي حقيقة وهو أن تكون الحياة فيه قائمة وحكما، وهو أن يتوهم سلامته إذا أصابته آفة.
م: (والعضو المبان بهذه الصفة) ش: يعني أبين حق الحي حقيقة وحكما م: (لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا) ش: ولكونه حيا حكما م: (اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم) ش: لجواز موته أن يكون سبب وقوعه في الماء م: (وقوله أبين بالذكاة) ش: أي قول الشافعي في تعليله أبين بالذكاة حيث قال لأنه مبان بذكاة الاضطرار ذكر هذا المجيب عنه بقوله م: (قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة) ش: تقريره سلمنا أن ما أبين بالذكاة يؤكل، ولكن لا ذكاة هاهنا، لأن هذا الفعل وهو إبانة العضو حال وقوعه لم يقع ذكاة م: (لبقاء الروح في الباقي) ش: على وجه يمكن الحياة بعده إذ

(12/455)


وعند زواله لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه ولا تبعية لزوالها بالانفصال، فصار هذا الحرف هو الأصل أن المبان من الحي حقيقة وحكما لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما يحل، وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة، أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم فتخرج عليه المسائل فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي. ولو قده بنصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز، أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفرض ذلك بجرح يعتبر ذكاة إذا كان فيه، ولهذا لو وجده وفيه من الحياة فوق ما في المذبوح لا بد من ذبحه.
م: (وعند زواله) ش: أي زوال الروح م: (لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه) ش: أي في المبان منه م: (ولا تبعية لزوالها بالانفصال) ش: هذا جواب عما يقال: ليكن إذكاة للمبان بتبعيته الأكثر إذا مات من ذلك القطع، وتقريره: أن يقال: ولا تبعية يعني الأقل يتبع الأكثر إذا لم يفصل عنه، وهاهنا قد انفصل فزالت التبعية، وقال الكاكي: هذا جواب عن قول الشافعي، وما ذكره أوجه.
م: (فصار هذا الحرف) ش: أي النكتة م: (هو الأصل) ش: هاهنا م: (لأن المبان من الحي حقيقة وحكما: لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما: يحل) ش: أي من حيث الصورة وهي قيام الحياة فيه لا من حيث الحكم، وهو أن لا يتوهم سلامته بعد القطع، ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله م: (وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما) ش: أما صورة: فلقيام الحياة فيه، وأما أنه لا حكما: فلأنه لم يتوهم سلامته بعد هذا القطع فحينئذ يحل المبان والمبان منه جميعا.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الحياة فيه صورة لا حكما م: (لو وقع في الماء، وبه هذا القدر من الحياة) ش: أي والحال أن به حياة قدر ما يكون في المذبوح م: (أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم) ش: في هذه الحالة لأن الشرط في الحرمة وجود الحيلة حقيقة أو حكما ولم يوجد هاهنا إلا حقيقة فقط م: (فتخرج عليه المسائل) ش: أي على الأصل المذكور م: (فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي) ش: بعد هذا القطع ولا سيما في قطع اليد أو الرجل، فإنه ربما لا يموت ويصح منه.
م: (ولو قده بنصفين) ش: أي ولو شق الصيد نصفين م: (أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز) ش: أي والحال أن أكثر الصيد مما يلي مؤخرا م: (أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه) ش: أي

(12/456)


يحل المبان والمبان منه، لأن المبان منه حي صورة لا حكما. إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح، والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه. ولو ضرب عنق شاة فأبان رأسها يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع، وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل، وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل. ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه، إن كان يتوهم الالتئام والاندمال. فإذا مات حل أكله؛ لأنه بمنزلة سائر أجزائه، وإن كان لا يتوهم بأن بقي متعلقا بجلده حل ما سواه لوجود الإبانة معنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الرأس م: (يحل المبان والمبان منه؛ لأن المبان منه حي صورة لا حكما، إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح) ش: لأن من المحال أن يعيش بعد شقه قطعتين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي المؤخر، وقيد به لأنه إذا قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي الرأس يتوهم فيه الحياة.
م: (والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه) ش: أراد أن الحديث وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» يتناول بعمومه السمك أيضا إذا قطع منه عضوا أو هو ميتة، ولكن ميتة السمك حلال بالحديث الذي ذكره في كتاب الذبائح وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان السمك والجراد» . م: (ولو ضرب عنق شاة) ش: بسيف ونحوه وسمى م: (فأبان رأسها) ش: أي أفصلها من جسدها م: (يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع) ش: لما روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن ينخع الشاة إذا ذبحت» ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب الذبائح.
م: (وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل) ش: لأن الذكاة إنما تحصل إذا قطع الأوداج وهي حية، وقطع الأوداج حصلت وهي ميتة، م: (وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل) ش: لوجود الذكاة الشرعية. م: (ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه) ش: أي لم يفصل منه م: (إن كان يتوهم الالتئام) ش: أي الانضمام م: (والاندمال) ش: من اندمل على الجرح م: (فإذا مات حل أكله) ش: أي مقطوع اليد أو الرجل م: (لأنه بمنزلة سائر أجزائه) ش: لأنه لم يوجد الإبانة لا حقيقة ولا اعتبارا فتحل كما تحل سائر الأجزاء.
م: (وإن كان لا يتوهم) ش: الالتئام والاندمال م: (بأن بقي متعلقا بجلده: حل ما سواه) ش: أي ما سوى المبان م: (لوجود الإبانة معنى) ش: حيث لا يمكن انضمامه والاندمال وإن لم يوجده

(12/457)


والعبرة للمعاني،
قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني؛ لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها في إباحة الصيد بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا.
، قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه عن حيز الامتناع، فرماه آخر فقتله فهو للثاني ويؤكل؛ لأنه هو الآخذ، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» . وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حيث الصورة م: (والعبرة للمعاني) .

[صيد المجوسي والمرتد والوثني]
م: (قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني) ش: قال القدوري ولم يقطع لفظه، قال في بعض النسخ: وفي بعض النسخ: والمحرم م: (لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها) ش: أي من أهلية الذكاة م: (في إباحة الصيد) ش: لأن الجرح في الصيد بمنزلة الذكاة م: (بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا) ش: أي لأن النصراني واليهودي من أهل الذكاة في حالة الاختيار حتى يجوز أكل ذبيحته، فكذا في حالة الاضطرار.

[رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه فرماه آخر فقتله]
م: (قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه) ش: أي قال القدوري، أثخن الصيد إذا ضعفه وأخرجه من حيز الامتناع م: (ولم يخرجه عن حيز الامتناع) ش: هذا تفسير لقوله ولم يثخنه م: (فرماه آخر فقتله فهو للثاني) ش: أي الصيد الثاني لأنه صاده م: (ويؤكل لأنه هو الآخذ) ش: الذكاة؛ لأن الثاني قتله قبل أن يخرج الصيد عن حيز الامتناع بإصابة الأول.
م: (وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» ش: هذا غريب لم أجده في كتب الحديث، وإنما ذكر أبو عبد الله محمد بن حمدون في كتاب " التذكرة " فقال: قال إسحاق الموصلي: كنت يوما عند الرشيد أغنيه، وهو يشرب فدخل الفضل بن الربيع فقال له: ما وراءك؟ قال: خرج إلي ثلاث جوار: إحداهن مكية، والأخرى مدنية، والثالثة عراقية، فقبضت المدنية على آلتي، فلما انعظ قبضت المكية عليه، فقالت المدنية: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أن مالكا حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» فقالت المكية: ألم تعلمي أنت أن سفيان حدثنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره» ، فدفعتهما الثالثة عنه ثم أخذته وقالت: هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا.
م: (وإن كان الأول قد أثخنه) ش: أي أضعفه وأخرجه عن حيز الامتناع م: (فرماه الثاني

(12/458)


فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني، وهو ليس بذكاة للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول، وهذا إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني. وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح، كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة، وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه، فصار الجواب فيه والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء فلا يحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني) ش: لأن الأول لما أثخنه قد صار أهليا فذكاته بالذبح لا بالرمي، بل الرمي في مثله يوجب الحرمة، أشار إلى هذا بقوله م: (وهو ليس بذكاة) ش: قتل الثاني ليس بذكاة م: (للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول) ش: حيث كان قتل الثاني فيه ذكاة، لأن رمي الأول لم يخرج عن حكم الصيدية.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من أنه لا يؤكل م: (إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني، وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة) ش: أراد أن وجوده وعدمه سواء. م: (وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده) ش: أي عند أبي يوسف.
وفي بعض النسخ: لا معتبر بها كما لا عبرة فيه من الحياة ما بقي في المذبوح بعد الذبح.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه) ش: فإذا كان معتبرا على مذهبه.
م: (فصار الجواب منه) ش: أي في الفصل الثاني م: (والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء) ش: أي فيما إذا كان الرمي الأولى أثخنه، وكان بحال يتوهم أن يسلم الصيد منها، فمتى رماه الثاني لا يحل، فكذا وهو معنى قوله: م: (فلا يحل) ش: أي أكل الصيد المذكور.

(12/459)


قال: والثاني ضامن لقيمته للأول لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته؛ لأنه بالرمي أتلف صيدا مملوكا له؛ لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو منقوص بجراحته الأول وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تأويله إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون القتل كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا، وإن علم أن الموت يحصل من الجراحتين أو لا يدري، قال في الزيادات: يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: والثاني ضامن لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته) ش: أي قال القدوري، أي جراحة الأول م: (لأنه) ش: أي لأن الثاني م: (بالرمي أتلف صيدا مملوكا له) .
م: (لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو) ش: الذي أخرجه عن حيز الامتناع م: (منقوص بجراحته الأول) ش: فلم يزل الثاني في نقصانها م: (وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف) ش: لأن ضمان الإتلاف يعتبر فيه القيمة يوم الإتلاف، وكان في ذلك الوقت منقوصا بجراحة الأول فيلزم الثاني قيمته غير ما جرحته الرمية الأولى، توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة فنقصه درهمين ثم مات: يضمن بالثاني ثمانية ويسقط عنه من قيمته درهمان، لأن ذلك تلف بالجرح الأول.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (تأويله) ش: أي تأويل قول القدوري م: (إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا) ش: فإنه لا يضمن قيمته صحيحا.
م: (وإن علم أن الموت حصل من الجراحتين) ش: أي جراحة الأول وجراحة الثاني م: (أو لا يدري، قال في " الزيادات ": يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه) ش: توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة مثلا فنقصه درهمين ثم رماه الثاني فنقصه درهمين: يضمن الثاني للأول ما نقصته جراحته وهو درهمان، وبقي من قيمته ستة دراهم فيضمن الثاني أيضا نصفها، وهو ثلاثة دراهم وهي نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم إذا مات يضمن النصف للآخر وهو ثلاثة أيضا، لأنه فوت عليه اللحم، ولا يضمن النصف الآخر من اللحم بعد الموت. وإن كان تفويت اللحم فيه موجودا بقتله لأنه ضمن ذلك النصف حيا، فلو ضمنه بعد الموت تكرر الضمان بأن يضمن قيمته حيا ثم يضمن قيمته لحما بعد الموت، وهذا لا يجوز، فافهم. ولم أر أحدا من الشراح أوضح ذلك؛ فذكرته زيادة للفائدة والإيضاح.

(12/460)


أما الأول؛ فلأنه جرح حيوانا مملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني؛ فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا بالجراحتين، لأن الأولى ما كانت بصنعه، والثانية ضمنها مرة فلا يضمنها ثانيا. وأما الثالث فلأن بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني، فهذا بالرمي الثاني أفسد عليه نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة فدخل ضمان اللحم فيه. وإن كان رماه الأول ثانيا، فالجواب في حكم الإباحة كالجواب فيما إذا كان الرامي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما الأول) ش: وهو نقصان ضمان الجراحة م: (فلأنه) ش: أي الثاني م: (جرح حيوانا ملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني) ش: وهو ضمان نصف القيمة مجروحا بجراحتين م: (فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون هو) ش: أي الثاني م: (متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا) ش: أي حال كونه مجروحا م: (بالجراحتين؛ لأن الأولى ما كانت بصنعه) ش: أي بصنع الثاني، وإنما كانت بصنع الأول م: (والثانية ضمنها مرة) ش: أي والجراحة الثانية ضمنها الثاني مرة م: (فلا يضمنها ثانيا) ش: أي بأي مرة لئلا يتكرر الضمان، وقد ذكرناه آنفا.
م: (وأما الثالث) ش: وهو ضمان نصف قيمة اللحم م: (فلان بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني) ش: لأن الأول قد كان أخرجه من حيز الامتناع، فصار كالأهلي، م: (فهذا) ش: أي الثاني م: (بالرمي الثاني أفسد عليه) ش: أي على الأول م: (نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة) ش: حيث ضمنه حيا م: (فدخل ضمان اللحم فيه) ش: أي في الضمان الأول، لا يقال: لا ينبغي أن يضمن نصف اللحم ونصف الصيد مجروحا بجراحة واحدة، ويدخل ضمان الجراحة في ضمان الصيد، كما إذا قتل صيدا مجروحا لغيره، لأنا نقول: إنه ضمن الجراحة الثانية. ولو حصل كما قلت يضمن نصفها؛ لأنه يضمن نصف قيمته مجروحا بجراحة واحدة، فدخل ضمان جراحة الثانية في ضمان الصيد.
فإن قلت: ينبغي أن يدخل قيمة نصف اللحم في نصف قيمة الصيد؟.
قلت: لما ضمن نصف قيمة الصيد ملك نصف الذي ضمنه، ومع ذلك أفسد جميع اللحم حتى حرم جميعه، والنصف مملوك للأول، فيضمن نصف اللحم الذي لصاحبه ولا يضمن ما هو مملوك بالضمان.
م: (وإن كان رماه الأول ثانيا) ش: يعني أن ما تقدم كان قيما إذا كان الرامي الثاني غير الرامي الأول، وهذا فيما إذا كان رماه الأول ثانيا م: (فالجواب في حكم الإباحة) ش: يعني في حكم الضمان، لأن الإنسان لا يضمن ملك نفسه لفعله لنفسه م: (كالجواب فيما إذا كان الرامي

(12/461)


غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا) ش: يكون الرامي الثاني فيه محرم.
ثم اعلم: أن الرجلين إذا رميا صيدا فذاك ينقسم إلى قسمين: إما أن رميا معا أو متعاقبا، والأول على أوجه فإنه إذا رمياه معا فإما أن يصيباه معا أو يصيب أحدهما أولا، فإن أصابه فإما أن يثخنه قبل إصابة الثاني أو لا، والثاني كذلك، فإنه إما أن يرميه الثاني قبل إصابة السهم الأول أو بعدها، فإن كان الثاني فإما أن يثخنه الأول أو لا يثخنه الأول بوجوهه، فالوجه الأول من الثاني غير مذكور في الكتاب، فنذكرها بكلمة للفائدة فيقول: بأن رميا معا وأصابا معا فقتلاه: فهو لهما جميعا، ويؤكل، لأن كلا منهما رمى صيدا مباحا، فيحل تناوله اعتبارا بحالة الرمي، كما أنه كان صيدا حال رميهما يقع فعل كل منهما ذكاة.
وإن أصابت الرميتان معا فاستويا في السببية وذلك يوجب المساواة في الملك. وإن رمياه معا فأصابه سهم أحدهما أولا فأثخنه، ثم أصابه سهم الآخر فقتله؛ فهو للأول، وحل أكله عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر حالة الاتصال بالمحل والسهم الثاني أصابه وهو غير ممتنع فصار كما لو رمى شاة. ونحن نعتبر للحل حالة الإرسال، لأن الإصابة بالمحل، وهذا معتبر التسمية حالة الإرسال، والإرسال قد حصل منهما، والمحل صيد ممتنع، فلم يتعلق بالثاني نظرا للملك حال الاتصال، لأن الملك يتصل بالمحل.
ومنهم: الأول أخرجه عن حيز الامتناع قبل أن يتصل به الثاني، وإن لم يذبحه فهو للثاني. وإن رماه الثاني بعدما رماه الأول قبل أن يصيب سهمه وهو الأول من القسم الثاني فحكمه حكم ما لو رمياه معا هو لهما وحل أكله.
وقال الشافعي وأحمد: إن تمكن من ذبحه بعد الجرح ولم يذبحه حتى مات: لم يحل، وإن لم يتمكن من ذبحه وجرحه الثاني فأماته: ضمن قيمته مجروحا واختلف أصحابه فيما يجب من ضمانه، قال الإصطخري: يجب على الثاني كمال قيمته للأول بعد جراحته.
وفي " الحلية ": والمذهب: أنه يجب عليه ما يخص جنايته من قيمته وتسقط القيمة على الجنايتين، وفرض أصحابنا المسألة في الجملتين المتصورتين لتعرف ما يجب على كل واحد منهما ويسقط من الأول، فقال: صيد مملوك يساوي عشرة، جرحه رجل فنقص درهم ومات الصيد من جراء الجنايتين؛ فاختلف أصحابنا على ستة طرائق، أصحها: أن أرش جناية كل واحد يدخل في جنايته فيضمن قيمة الصيد عن جناية الأول إلى قيمته عند جناية الثاني، فيكون تسعة

(12/462)


قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل لإطلاق ما تلونا، والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم:
صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
ولأن صيده سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه، أو لاستدفاع شره وكل ذلك مشروع، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم يقسم قيمة الصيد وهو عشرة على تسعة عشر فيما يقابل عشرة يجب على الأول وما يقابل تسعة على الثاني، هذا طريق ابن حران.
الثاني: وهو قول المزني أنه يثبت على كل واحد منهما أرش جنايته، ثم يجب عليهما قيمته بعد الجنايتين، فيجب على الأول خمسة ونصف.
والثالث: على كل واحد نصف أرش، ونصف قيمته يوم جنى عليه فيجب على الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف درهم.
والرابع: أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال جنايته، ونصف أرش جنايته، ولا يثبت الرجوع للأول على الثاني.
والخامس: أنه يجب على الأول أرش جنايته، ثم يجب بعد ذلك قيمته بينهما نصفين، ولا يجب على الثاني أرش جنايته.
والسادس: وهو قول ابن أبي هريرة: أن الأرش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال جنايته، وعلى الثاني نصف قيمته حال حياته، فيذهب نصف درهم من قيمة الصيد.

[صيد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل]
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل) ش: أي قال القدوري، م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (سورة المائدة: الآية 2) .
م: (والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم) ش: أي قائل العرب:
م:
صيد المملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
م: (ولأن صيده) ش: أي صيد ما لا يؤكل لحمه م: (سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه) ش: في الطيور التي لا تؤكل م: (أو لاستدفاع شره، وكل ذلك مشروع) ش: أي كل ما ذكره من هذه الأنواع مشروع، أي ثابت شرعا م: (والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) .

(12/463)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: نصب أحبولة فوقع فيها صيد ومات، إن مات بالشبكة والحبل: لا يحل باتفاق أكثر أهل العلم، إلا عند الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لو سمى على الحبل ودخل فيه وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم.
أما لو كان فيها آلة جارحة مثل المنجل وسمى عليها وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم. أما لو كان فيها آلة جارحة وهذا عندنا وعند أحمد، وبه قال الحسن وقتادة: وقال الشافعي: لا يحل.
ولو تعلق صيد بشرك الثاني أو بشبكته ملكه لثبوت يده على الصيد، وكل من أخذه بعد رده. ولو كان شيء من الشبكة أو طاف معها على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها، ولو قدر على الامتناع لا يملكه صاحب الشبكة، وكذا لو رمى صيدا فأثخنه فدخل في دار إنسان فأخذه صاحب الدار لم يملكه لأن الرامي ملكه بالإثخان، ولو أرسل صيده لم يزل عنه ملكه، وبه قال الشافعي وأحمد، كما لو أرسل بعيره أو فرسه.
وقال الشافعي في وجه: يزول ملكه، وبه قال أحمد في رواية.
ولو اصطاد طيورا أو جعلها في برج وطار إلى برج غيره لم يزل ملكه عنه. وقال مالك: إن لم يكن أنس ببرجه بطول مكثه صار ملكا لمن انتقل إلى برجه، وإن عاد إلى برج الأول عاد إلى ملكه.
ولو أرسل بازيه صيدا أو أمسكه بحيلة ولم يثخنه فقتل بازي الثاني: فالصيد لصاحب البازي.

(12/464)