البناية شرح الهداية

كتاب الرهن الرهن لغة: حبس الشيء بأي سبب كان. وفي الشريعة: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون. وهو مشروع بقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الرهن]
[تعريف الرهن]
م: (كتاب الرهن) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الرهن. وجه المناسبة بين كتاب الرهن وكتاب الصيد: من حيث كونهما سببا لتحصيل المال. وله معنى لغة وشرعا وسبب وركن وحكم وحكمة. وأما معناه لغة: فما ذكره المصنف بقوله: م: (الرهن لغة) ش: أي من حيث اللغة م: (حبس الشيء بأي سبب كان) ش: من الأسباب، كما في قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38) أي محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي. ويقال: فلان رهن كذا، أو رهين، فرهينة أي مأخوذ به، والرهن يجيء بمعنى المرهون تسميته بالمصدر، والجمع رهون ورهان، وترى بهما في الآية والتركيب يدل على الثبات والدوام. وقيل: هو معناه لغة، يقال: ماء راهن أي راكد، ونعمة راهنة أي ثابتة.
وأما معناه شريعة: فما ذكره بقوله: م: (وفي الشريعة: جعل الشيء) ش: أي رهن جعل الشيء م: (محبوسا بحق) ش: إنما قيده بقوله "بحق" لأن الرهن كما يصح بالدين يصح بالغصب أيضا، والحق يشملها م: (يمكن استيفاؤه) ش: أي استيفاء الحق م: (من الرهن) ش: أي من المرهون م: (كالديون) ش: احترز به عن ارتهان الخمر، وعن الرهن عن الحدود والقصاص.
وقال القدوري في "شرحه ": الرهن في الشرع: عبارة عن عقد وثيقة وبذلك يفضل من الكفالة والحوالة، لأنهما عقد وثيقة بذمة، ويفصل من المبيع في يد البائع ولأنه وثيقة وليس بعقد. وأما سببه: فهو مطالبة رب الدين الرهن.
وأما ركنه: الإيجاب فقط عندنا، وعند البعض: الإيجاب والقبول كما يجيء إن شاء الله تعالى.
وأما حكمه: فهو ملك حبس المرهون وحق المطالبة بالبيع.
وأما حكمته: فحصول النظر من الجانبين.
م: (وهو) ش: أي الرهن م: (مشروع بقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (سورة البقرة: الآية 283)

(12/465)


ولما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» . وقد انعقد على ذلك الإجماع، ولأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أوله: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وهو جمع رهن كعباد جمع عبد، وقد تعلق مجاهد وداود الظاهري بظاهر الآية أن الرهن لا يجوز إلا في السفر، لأن التعلق بالشرط ينفي الوجود عند عدمه.
قلنا: ليس المراد به الشرط حقيقة، بل ذكر ما يعتاد بأنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود. والغالب أن ذلك يكون في السفر وتوارث من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا جوازه في الحضر والسفر، فعلم أن ذلك على سبيل العادة.
وفيه دليل على: جواز الشراء بالنسيئة إن كان يمكنه الشراء بالنقد خلافا لما يقوله المتعشقة، فإنهم قالوا: يكره عند القدرة على النقد.
قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قادرا على أن يشتري بالنقد بأن يبيع درعه ثم يشتري طعاما، مع أنه رهن درعه على ما يجيء الآن وبما روي، أي ومشروع أيضا.
م: (ولما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد ". وفي رواية للبخاري: "ثلاثين صاعا من شعير» . قوله: "ورهنه به" أي بالطعام.
قال الكاكي: وفي بعض النسخ: أي بالقيمة. وقال تاج الشريعة: أي بالدراهم أو الدنانير التي هي ثمن الطعام وفيه فوائد، أحدها: أنه لا باس بالبيع والشراء نسيئة، ولا كراهة فيه وقد مر الكلام فيه الآن.
الثانية: جواز الاستدانة، ولا يجوز الشراء نسيئة.
الثالثة: جواز المعاملة مع أهل الذمة.
الرابعة: جواز رهن السلاح منهم، هذا إذا لم يكن لهم قوة، أما إذا كان لهم قوة يكره ذلك كما يكره البيع منهم. كذا ذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح "الكافي ".
م (وقد انعقد على ذلك) ش: أي على كون الرهن مشروعا م: (الإجماع) ش: أي الأمة اجتمعت على جواز الرهن من غير نكير إلى يومنا هذا م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن، أشار به إلى جوازه بالدليل العقلي م: (عقد وثيقة) ش: أي عقد وثيقة، والوثيقة ما توثق به الشيء ويؤكد به م: (لجانب الاستيفاء) ش: أما أنه عقد وثيقة لأن حق الرهن يتأكد به ويأمن من القوي

(12/466)


فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب، وهي الكفالة.
قال: الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض. قالوا: الركن الإيجاب بمجرده؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالمجهرون المماطلة ومن أخذ سائر الغرماء بعد موت الراهن.
وأما لجانب الاستيفاء: فلأنه يرد على المال، وطرف الاستيفاء وهو المختص بالأموال فوهب أن يكون مشروعا، وإذا كان كذلك م: (فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب) ش: الذي يختص بالذمم. وتقريره: أن الدين طرفان، طرف الوجوب وطرف الاستيفاء، لأنه يجب أولا في الذمة ثم تستوفي المال بعد ذلك.
ثم الوثيقة لطرف الوجوب الذي يختص بالذمة م: (وهي الكفالة) ش: جائزة، فكذا الوثيقة التي تختص بالمال، بل بطريق الأولى، لأن الاستيفاء هو المقصود من الوجوب وسيلة إليه.

[انعقاد الرهن]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية. واختلف المشايخ في القبول، قال بعضهم: إنه شرط، وظاهر ما ذكره في " المحيط " يشير إلى أنه ركن.
وقال في الأيمان في الإجارة: بدون القبول ليست بإجارة، وكذا الرهن حتى لا يحنث من حلف لا يؤاجر ولا يرهن بدون القبول. وقال بعضهم: الإيجاب ركن، والقبول شرط، أما القبض شرط اللزوم. وقال محمد في الكتاب: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا، فقد أشار إلى القبض شرط الجواز. وقال شيخ الإسلام: شرط اللزوم كما في الهبة، وبه قال أكثر العلماء.
م: (ويتم بالقبض) ش: أي يتم عقد الرهن بقبض المرهون. وقال مالك: يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض. ونحن نقول: قال الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وصف الرهن بكونها مقبوضة، والنكرة إذا وصفت عمت.
م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ، يعني بعض المشايخ، وأشار به إلى ما قال شيخ الإسلام خواهر زاده؛ لأنه قال: إن الرهن قبل القبض جائز، إلا أنه غير لازم، وإنما يصير لازما في حق الراهن بالقبض، فكان القبض شرط اللزوم لا شرط الجواز كما في الهبة م: (الركن الإيجاب بمجرده) ش: يعني ركن الرهن مجرد الإيجاب بدون القبول، الإيجاب هو: قول الراهن: رهنتك هذا المال بدين لك علي وما أشبه. والقبول هو قول المرتهن قبلت.
وقال المصنف عن خواهر زاده ما ذكرناه، ثم علله بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (عقد تبرع) ش: لأن الراهن لم يستوجب بمقابلة ما أثبت للمرتهن من اليد على الرهن شيئا، فكان تبرعا م: (فيتم بالمتبرع) ش: أي فيتم الرهن بالمتبرع، فإذا كان كذلك يكون م: (كالهبة

(12/467)


والصدقة، والقبض شرط اللزوم على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم بنفس العقد؛ لأنه يختص بالمال من الجانبين، فصار كالبيع، ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة. ولنا ما تلوناه والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والصدقة) ش: لأنهما عقد تبرع، فالقبض فيهما شرط اللزوم لا شرط الجواز م: (والقبض شرط اللزوم) ش: كأنه تفسير لقول القدوري: ويتم القبض، فيكون الرهن قبل القبض جائزا، ولا يلزم إلا بالقبض.
وهذا الذي ذكره المصنف مخالف لرواية عامة الكتب. قال محمد: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لا يجوز الرهن غير مقبوض. وقال الطحاوي في "مختصره": ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا مفرغا محرزا.
م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم) ش: أي الرهن م: (بنفس العقد) ش: يعني بدون شرط القبض م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يختص بالمال من الجانبين) ش: أي من جانب الراهن والمرتهن م: (فصار كالبيع) ش: بأنه يلزم بنفس العقد. م: (ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة) ش: في عدم اشتراط القبض.
م: (ولنا ما تلوناه) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] م: (والمصدر المقرون بحرف الفاء) ش: أراد به لفظ رهان، فإنه جعله مصدرا م: (في محل الجزاء يراد به الأمر) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أي فتحرير. فيكون تقديره والله أعلم: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة: 283] أي ارهنوا، لكن ترك كونه معمولا به في حق ذلك، حيث لم يجب الرهن على المديون ولا قبوله على الدائن بالإجماع، فوجب أن يعمل في شرطه وهو القبض كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل» بالنصب، أي يقفوا، فلم يعمل الأمر في نفس البيع؛ لأن البيع مباح بطريق إلى شرطه وهو المماثلة في أموال الربا، فكذا هذا وفيه نظر من وجوه:
الأول: في تسمية الرهان مصدرا؛ لأن في كتب اللغات: الرهان جمع رهن كالنعل والنعال، ويدله على ذلك قوله مقبوضة بالتأنيث.
الثاني: أنه يجوز أن يكون الأمر للإباحة بقرينة الإجماع، فيصرف إلى الرهن لا إلى القبض.
والثالث: أن الآية متروكة الظاهر؛ لأن ظاهرها يدل على أن الرهن إنما يكون في السفر، كما قال به داود، ومجاهد، والضحاك، وقد ترك ذلك، ومتروك الظاهر لا يصلح حجة.

(12/468)


ولأنه عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا لا يجبر عليه، فلا بد من إمضائه كما في الوصية، وذلك بالقبض ثم يكتفى فيه بالتخلية في ظاهر الرواية؛ لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل؛ لأنه قبض موجب الضمان ابتداء بمنزلة الغصب. بخلاف الشراء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأجاب عن الأول في " الفوائد الظهيرية ": بأن الرهان يجوز أن يكون مصدرا كالضراب والفعال، وتأنيث المقبوضة بتأويله السلعة كما يؤنث الصوب بتأويل الصحة.
وأجيب عن الثاني: بأن الأمر في الوجوب حقيقة، والإجماع قرينة للمجاز؛ لأن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بقرينة. والإجماع لم يكن حال استعمال هذا اللفظ. وعن الثالث بأنا لا نسلم أن متروك الظاهر بدليل ليس بحجة؛ لأن النصوص المأولة متروك الظاهر وهي عامة الدلائل.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن وهذا دليل معقول على اشتراط القبض م: (عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا) ش: أي ولأجل كون الرهن عقد تبرع م: (لا يجبر) ش: أي الراهن م: (عليه) ش: أي على الرهن م: (فلا بد من إمضائه) ش: أي إنفاذ الرهن، فإمضاؤه بالقبض، يعني لا بد لثبوت الاستحقاق من الإمضاء م: (كما في الوصية) ش: لأنها عقد تبرع لا يستحق إلا بالإمضاء، ولكن إمضاءه بأن لا يرجع عنها صريحا أو دلالة م: (وذلك بالقبض) ش: أي بالإمضاء في الرهن بالقبض م: (ثم يكتفي فيه) ش: أي في القبض م: (بالتخلية) ش: وعلى رفع الموانع عن القبض، يعني أن الراهن إذا خلى بين المرتهن والمرهون يعتبر قابضا، كما إذا فعل البائع مثل ذلك في البيع والمشتري، وبه قال الشافعي، ومالك م: (في ظاهر الرواية) ش: قيد به لأنه روى عن أبي يوسف اشتراط شيء آخر على ما يجيء الآن.
م: (لأنه) ش: أي لأن القبض الرهن م: (قبض بحكم عقد مشروع) ش: أي حكم عقد مشروع. وقال تاج الشريعة: قوله "مشروع" احترازا عن المقبوض في البيع الفاسد، فإنه لا يكتفي فيه بالتخلية، لأن الفاسد واجب الإعدام، فيكون السعي في نقضه هو اللائق، م: (فأشبه قبض المبيع) ش: حيث يكتفي فيه بالتخلية.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن القبض م: (لا يثبت في المنقول إلا بالنقل) ش: إلى داؤده، وبه قال أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن هذا القبض م: (قبض موجب الضمان ابتداء) ش: أراد بابتداء الضمان أن لا يكون مضمونا قبل العقد، فكان قبض الرهن م: (بمنزلة الغصب) ش: وفي الغصب: يشترط النقل للضمان، ولا يثبت بالتخلية، فكذا هذا.
م: (بخلاف الشراء) ش: جواب عن قياس وجه الظاهر بأن القبض في الشراء ناقل

(12/469)


لأنه ناقل للضمان من البائع إلى المشتري، وليس بموجب ابتداء، والأول أصح. قال: وإذا قبضه المرتهن محوزا مفرغا متميزا. ثم العقد فيه لوجود القبض بكماله، فلزم العقد وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء رجع عن الرهن لما ذكرنا أن اللزوم بالقبض إذ المقصود لا يحصل قبله.
قال: وإذا سلمه إليه فقبضه دخل في ضمانه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للضمان، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن القبض في الشراء م: (ناقل للضمان من البائع إلى المشتري) ش: يكون المبيع بعد العقد قبل التسليم إلى المشتري مضمونا على البائع بالثمن، وبالتسليم إليه ينتقل الضمان منه إليه.
م: (وليس بموجب ابتداء) ش: أي وليس العقد بموجب للضمان في ابتداء الأمر. وقال تاج الشريعة: قوله: "ليس بموجب ابتداء"، يعني لا يقوم التمكن من القبض مقامه، فإن التمكن من القبض لم يتعمد سببا للضمان ابتداء، فلا يجعل المرهون مضمونا عليه، ما لم يوجد القبض حقيقة م: (والأول أصح) ش: أي ظاهر الرواية، وهو ثبوت القبض بمجرد التخلية بدون اشتراط النقل أصح، لأن حقيقة الاستيفاء يثبت بالتخلية فالقبض الموجب ليد الاستيفاء يثبت بالتخلية.
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (وإذا قبضه المرتهن محوزا) ش: احترز به عن رهن الثمر على النخل وعن رهن الزرع في الأرض، لأن المرتهن لم يحرز م: (مفرغا) ش: احترز عن رهن النخل دون الثمر، ورهن الأرض دون الزرع، لأن المرهون لم ينزع عما لم يقع عليه عقد الرهن، بل هو مشغول بغيره م: (متميزا) ش: احترز به عن رهن المشاع كرهن نصف الدار أو العبد أو الثوب م: (تم العقد فيه) ش: أي تم عقد الرهن في المرهون م: (لوجود القبض بكماله، فلزم العقد، وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه) ش: أي الراهن إلى المرتهن م: (وإن شاء رجع عن الرهن) ش: لأن الرهن لا يلزم قبل القبض م: (لما ذكرنا أن اللزوم) ش: أي لزوم الرهن م: (بالقبض إذ المقصود) ش: من الرهن ملك يد والحبس بجهة الاستيفاء، وهذا المعنى م: (لا يحصل قبله) ش: أي قبل القبض.

[سلم الراهن الرهن إلى المرتهن فقبضه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا سلمه إليه) ش: أي فإذا سلم الراهن الرهن إلى المرتهن م: (فقبضه) ش: أي المرتهن م: (دخل في ضمانه) ش: وكيفية الضمان تأتي، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه) ش: وبه قال أحمد وأصحاب الظاهر.
وقال مالك: إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق: فضمانه على الراهن حتى يرجع

(12/470)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن" قالها ثلاثا "لصاحبه غنمه وعليه غرمه» . قال: ومعناه لا يصير مضمونا بالدين. ولأن الرهن وثيقة بالدين، فبهلاكه لا يسقط الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن بحقه، وإن ادعى تلفه بأمر خفي كما في الثياب ونحوها لم يقبل م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» قالها ثلاثا، "لصاحبه غنمه وعليه غرمه ") ش: هذا الحديث أخرجه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه" عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن ممن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» ، وقوله في الكتاب: "قالها ثلاثا" لم أجده في شيء من طرق الحديث، وقوله: "له غنمه وعليه غرمه "، قال أبو داود: هذا من كلام سعيد نقله عن الزهري، قال: وهذا هو الصحيح.
م: (قال) ش: أي الشافعي م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن» م: (لا يصير مضمونا بالدين) ش: أي لا يصير مضمونا بسبب الدين بدليل قوله: لصاحبه غنمه، والزوائد للراهن وعليه غرمه. وقال: ثبت بذلك أن الرهن لا يقع بالدين، وإن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه، وهو غرم الدين بعد ضياع الرهن، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا تأويل أنكره أهل العلم جميعا، وإن زعموا أنه لا وجه له عندهم. وقال الطحاوي: ذهبوا في تفسير قول سعيد بن المسيب -يعني أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا -: «له غنمه وعليه غرمه» ، إلى أن ذلك في البيع إذا بيع الرهن بثمن فيه نقص عن الدين غرم الراهن ذلك النقص، وهو غرمه المذكور في الحديث. وإن بيع بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل وهو غنمه المذكور في الحديث.
وقال أصحابنا في طريقة الخلاف له تأويلان، أحدهما: أن له زوائده من الصوف واللبن، وعليه نقصه. والثاني: أن له زيادة ثمنه وعليه نقصانه عند البيع، وهذا إذا أريد بالصاحب الراهن، فإن أريد المرتهن فغنمه له، يعني أن زوائده تكون رهنا عنده غرمه عليه، يعني إذا هلك الرهن سقط دينه.
م: (ولأن الرهن وثيقة بالدين) ش: أي ولأن الرهن شرع وثيقة بالدين لصيانته م: (فبهلاكه) ش: أي فبهلاك الرهن م: (لا يسقط الدين) ش: لأنه يضاد الصيان، فلو هلك الدين بهلاكه عاد

(12/471)


اعتبارا بهلاك الصك، وهذا لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك يضاد ما اقتضاه العقد إذا لحق به يصير بعرض الهلاك، وهو ضد الصيانة، ولنا «قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: "ذهب حقك» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على موضوعه بالنقض على ما يجيء م: (اعتبارا بهلاك الصك) ش: يعني إذا هلك الصك، وهو كتاب الإقرار بالمال وغيره، فإذا هلك لا يسقط الدين، فكذا إذا هلك الرهن قياسا عليه.
م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك) ش: أي سقط الدين بهلاك الرهن م: (يضاد ما اقتضاه العقد) ش: أي عقد الرهن م: (إذا لحق به) ش: أي لأن الحق، أي الدين بسبب الرهن م: (يصير بعرض الهلاك وهو) ش: أي كونه بعرض الهلاك م: (ضد الصيانة) ش: ألا ترى أن ما زاد على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد، فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض.
م: (ولنا قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: " ذهب حقك ") ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "مراسيله " عن ابن المبارك عن مصعب بن ثابت قال: سمعت عطاء يحدث «أن رجلا رهن لرجل فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرتهن: ذهب حقك» وقال عبد الحق في "أحكامه ": هو مرسل ضعيف. وقال ابن القطان في "كتابه ": ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ضعيف، كثير الغلط، وإن كان صدوقا.
ورواه الطحاوي أيضا بهذا الإسناد، ولفظه: «أن رجلا ارتهن فرسا فمات الفرس في يد المرتهن، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب حقك» ، ثم قال الطحاوي: فدل هذا من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بطلان الدين بضياع الرهن.
وقال: فإن قيل: هذا منقطع، قيل له: والذي تأولته أيضا منقطع والخطاب للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن كان المنقطع حجة لك علينا والمنقطع أيضا حجة لنا عليك. وقال الطحاوي: أيضا فإن قال: إنما قبلته وإن كان منقطعا، لأنه عن سعيد بن المسيب، ومنقطع سعيد يقوم مقامه.
قيل له: ومن جعل لك أن تخص سعيدا بهذا وتمنع مثله من أهل المدينة مثل أبي سلمة والقاسم وسالم وعروة وسليمان بن يسار وأمثالهم من أهل المدينة، والشعبي وإبراهيم النخعي وأمثالهما من أهل الكوفة والحسن وابن سيرين وأمثالهما من أهل البصرة، وكذلك من كان في عصر من ذكرنا من سائر فقهاء الأمصار ومن كان فوقهم من الطبقة الأولى من التابعين مثل علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل وعبيدة وشريح؛ ليس كان هذا لك مطلقا في سعيد بن

(12/472)


وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» معناه على ما قالوا: إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسيب، فإنه يطلق لغيرك فيمن ذكرنا، وإن كان غيرك ممنوعا من ذلك فإنك ممنوع من مثله، لأن هذا حكم وليس لأحد أن يحكم في دين الله بالتحكيم.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» ش: هذا رواه الطحاوي، ولكن لفظه ليس كذلك، فإنه قال عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن مشيخة موقوفا ومرفوعا أنهم قالوا: «الراهن بما فيه إذا هلك وسميت قيمته» .
وقال مخرج الأحاديث: هذا روي مسندا ومرسلا، أما مسندا: فقد رواه الدارقطني في "سننه " حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أحمد بن غالب، حدثنا عبد الكريم بن روح، عن هشام بن زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» . وأما مرسلا: فرواه أبو داود في "مراسيله" حدثنا علي بن سهيل الرملي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» ثم قال المخرج: قال الدارقطني: حديث حميد عن أنس لا يثبت، وفيهم ضعفاء، وقال ابن الجوزي: أحمد بن محمد بن غالب، وهو غلام خليل، كان كذابا يضع الحديث. وعبد الكريم بن روح ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم الرازي مجهول. وقال يحيى بن معين: هشام بن زياد: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث.
قلت: مرسل أبي داود صحيح، كذا قال ابن القطان.
م: (معناه) ش: أي معنى قوله " فهو بما فيه " م: (على ما قالوا) ش: أي العلماء بشرح الأحاديث م: (إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك) ش: يعني إذا قال الراهن: لا أدري كم كانت قيمته والمرتهن كذلك يكون الرهن بما فيه، حكي هذا التأويل عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال تاج الشريعة: قوله: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» عمي عليه الخبر، أي خبر مجاز عن عمى البصر، فكأنه أريد به الهلاك، لأن اشتباه القيمة يكون فيه. وقوله: " وهو بما فيه " أنه

(12/473)


وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته فالقول بالأمانة خرق له، والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له، كذا ذكر الكرخي عن السلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هلاك مضمون بما فيه، وهو الدين أو القيمة بالنقل من أئمة الفقه والحديث، والباء للمقابلة والمعاوضة.
م: (وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون) ش: لأنه لم يرد عن أحد منهم أن الرهن في مقدار الدين غير مضمون، بل هم اتفقوا على أنه مضمون في مقدار الدين م: (مع اختلافهم في كيفيته) ش: أي في كيفية الضمان، يعني ليس اختلافهم إلا في كيفية الضمان، فقال أبو بكر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: مضمون بالقيمة.
وقال ابن عمر وابن مسعود وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: هو مضمون بأقل من قيمته ومن الدين. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: هو مضمون بالدين، وهو قول شريح، قلت قيمته أو كثرت.
وهكذا اختلف التابعون، واختلافهم على ذلك إجماع منهم على أنه ليس قول رابع، إلا أن الشافعي أحدث قولا رابعا أنه أمانة، فيكون خرقا للإجماع، كذا في " المبسوط ".
وأشار إليه المصنف بقوله: م: (فالقول بالأمانة خرق له) ش: أي فقول الشافعي بأن الرهن أمانة خرق للإجماع م: (والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي المراد بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا) ش: أي شرح الأحاديث والآثار م: (الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له) ش: أي للمرتهن، والاحتباس الكلي أن لا يمكن لافتكاكه بعد صيرورته ملكا له م: (كذا ذكر) ش: أي كذا ذكر، يعني الحديث المذكور م: (الكرخي عن السلف) ش: مثل طاوس وإبراهيم وغيرهما أنهم قالوا: إن المراد به لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير ملكا للمرتهن، فيكون ذلك نفيا لما في الجاهلية.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: قوله: «لا يغلق الرهن» قد جاء تفسيره عن غير واحد من الفقهاء، قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ منه دراهم فقال: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بحقك، فقال إبراهيم: لا يغلق الرهن، فقال أبو عبيد: فجعله جوابا للمسألة.
وقد روي عن طاوس نحو هذا المعنى، ذلك عن ابن عيينة عن عمرو عن طاووس، وفي " الفائق " يقال: غلق الرهن غلوقا إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر على تخليصه، وكان من أفاعيل

(12/474)


ولأن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كلّ نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38] (المدثر: الآية 38) ، وقال قائلهم:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء، ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء، وهو أن تكون موصلة إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المؤقت ملك المرتهن الرهن.
م: (ولأن الثابت للمرتهن) ش: دليل عقلي على المطلوب وتقريره الثابت للمرتهن م: (يد الاستيفاء) ش: أي استيفاء حقه من الرهن م: (وهو) ش: أي يد الاستيفاء م: (ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38)) ش: أي محبوسة بوبال ما اكتسبت من المعاصي.
م: (وقال قائلهم) ش: القائل هو زهير [....
.....] .
هنا أيضا وجد البياض في أكثر النسخ، والله أعلم [....
..] .
تذكر امرأة:
م:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
ش: أي ارتهنت المحبوسة قليلة يوم الوداع، وأحبس قلبه عندها على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك، وهو كما ترى يدل على الحابس الدائم.
فإن قيل: الداوم إنما لزم من قوله: "لا فكاك له" لا من لفظ الرهن؟.
وأجيب: بأنه ما دام وتأبد فبقي الإفكاك دل على أنه ينبئ عن الدوام، إذ لو لم يكن موجبا لذلك لما دام ينفي ما يعترضه، بل كان الدوام يثبت بإثبات ما يوجبه، فثبت أن اللغة تدل على إثبات الرهن عن الحبس الدائم.
م: (والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء) ش: أي الأحكام الشرعية تنسحب على الألفاظ اللغوية، أي الأصل ورود الشرع على مطابقة حقيقته اللغوية، تدل على أن الرهن يوجب الحبس بالدين دائما، وذا إنما يكون بملك الحبس واليد وذا لا يكون إلا بالضمان.
م: (ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء) ش: أي استيفاء الدين م: (وهو) ش: أي كون الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء م: (أن تكون) ش: أي الوثيقة م: (موصلة إليه) ش: أي إلى الاستيفاء م:

(12/475)


وذلك ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن، وليكون عاجزا عن الانتفاع به فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره. وإذا كان كذلك يثبت الاستيفاء من وجه وقد تقرر بالهلاك، فلو استوفاه ثانيا يؤدي إلى الربا، بخلاف حالة القيام؛ لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد على الراهن، فلا يتكرر، ولا وجه إلى استيفاء الباقي بدونه؛ لأنه لا يتصور والاستيفاء يقع بالمالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وذلك) ش: أي كونه موصلة إليه م: (ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود) ش: أي ليقع الأمن عن جحود الدائن م: (مخافة جحود المرتهن الرهن) ش: معناه: أن الحبس يفضي إلى أداء الحق، لأن الراهن يخشى إن جحد الدين أن يجحد المرتهن الرهن، لأن قيمة الرهن قد تكون أكثر من الدين، فيحتاج إلى إيفاء الأقل ليخلص الأكثر.
م: (وليكون) ش: أي الراهن م: (عاجزا عن الانتفاع به) ش: باعتبار الحبس الدائم م: (فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته) ش: إلى العين م: (أو لضجره) ش: عن المطالبة م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا ثبت، أي الرهن يدل على اليد والحبس م: (يثبت الاستيفاء من وجه) ش: لأن الاستيفاء إنما يكون باليد والرقبة وقد حصل بعضه م: (وقد تقرر بالهلاك) ش: أي وقد تقرر الاستيفاء بهلاك الرهن م: (فلو استوفاه ثانيا) ش: أي فلو استوفى المرتهن دينه ثانيا م: (يؤدي إلى الربا) ش: فلا يجوز، لأنه يكون أخذ حقه مرتين.
م: (بخلاف حالة القيام) ش: أي حالة قيام الرهن، حيث لا يؤدي إلى التكرار المؤدي إلى الربا م: (لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد) ش: أي برد العين م: (على الراهن فلا يتكرر) ش: أي الاستيفاء م: (ولا وجه إلى استيفاء الباقي) ش: هذا جواب إشكال تقديري، وهو أن يقال: يستوفي المرتهن اليد على وجه لا يؤدي إلى الربا، وهو أن يستوفي رقبة لا يدا.
فأجاب بقوله: ولا وجه إلى استيفاء الباقي وهو ملك الرقبة م: (بدونه) ش: أي بدون ملك اليد م: (لأنه لا يتصور) ش: أي لأن استيفاء المرتهن دينه من الرهن بدون ملك اليد لا يتصور، لأنه محال.
فإذا لم يمكن الاستيفاء وطولب الراهن بأداء الدين: لا يلزم الربا، لأنه لم يتكرر الاستيفاء م: (والاستيفاء يقع بالمالية) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان بالرهن استيفاء بالدين لكان بعين الدين أو البدل لا وجه للأول؛ لأن الرهن ليس من جنس الدين واستيفاء الدين لا يكون إلا من جنسه، ولا وجه للثاني أيضا، لأن الرهن ببدل الصرف والسلم جائز للاستدلال بها غير جائز.

(12/476)


أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته، وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه المرتهن؛ لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان، وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء، وهذا يحقق الصيانة. وإن كان فراغ الذمة من ضروراته كما في الحوالة. فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن صيرورة الرهن محتبسا بدينه بإثبات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أنا نختار الأول، وقوله: "ليس من جنس الدين".
قلنا: ليس من جنسه من حيث الصورة أو المالية، والأول مسلم.
وليس الاستيفاء من حيث الصورة، بل هو من حيث الصورة أمانة، وهو معنى قوله: م: (أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته) ش: إيضاح هذا: أن المجانسة ثابتة باعتبار صيغة المالية، فكانت العين كالكيس، فلو كان أوفى حقه من الدراهم في الكيس يكون ما في الكيس مضمونا دون الكيس، فكذا هاهنا ما في العين من صفة المالية مضمون دون العين، فإنها أمانة، لأنها ملك الراهن حتى نفقتها عليه.
م: (وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه) ش: أي الرهن م: (المرتهن، لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان) ش: بخلاف العكس، والثاني ممنوع، فإنه من جنس الدين مالية والاستيفاء يقع بها م: (وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء) ش: هذا جواب عما قال الشافعي: الرهن وثيقة بالدين شرع صيانة للدين والشرط بالهلاك أيضا. والصيانة.
وتقدير الجواب: أن موجب العقد، أي عقد الرهن والسقوط ثبوت يد الاستيفاء كما مر م: (وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (يحقق الصيانة) ش: لأنه ليس فيه التواء. م: (وإن كان فراغ الذمة من ضروراته) ش: هذه واصلة بما قبله، أي وإن كان فراغ ذمة الراهن عند الهلاك من ضرورات الاستيفاء، لأنه إذا حصل الاستيفاء حصل الفراغ ضرورة وإلا لم يكن الاستيفاء استيفاء.
م: (كما في الحوالة) ش: أنها شرعت وثيقة لصيانة حق الطالب، ثم بالحوالة يفرغ ذمة المحيل عن الدين، ولا تضاد فراغها، يعني الوثيقة والصيانة فكذا هنا، وبه فارق هلاك الشهود والصك، لأن سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء عند الهلاك، وذا لا يوجد في الصك والشهود.
م: (فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن) ش: أي حاصل الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي: أن حكم عقد الرهن عند أصحابنا م: (صيرورة الرهن محتبسا بدينه) ش: أي بدين المرتهن م: (بإثبات

(12/477)


يد الاستيفاء عليه. وعنده تعلق الدين بالعين استيفاء منه عينا بالبيع، ويخرج على هذين الأصلين عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه عددناها في " كفاية المنتهى " جملة، منها: أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع؛ لأنه يفوت موجبه وهو الاحتباس على الدوام. وعنده لا يمنع منه؛ لأنه لا ينافي موجبه وهو تعينه للبيع، وسيأتيك البواقي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يد الاستيفاء عليه) ش: أي على الرهن.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي: م: (تعلق الدين بالعين) ش: أراد بالعين عين الرهن، وبالدين المال الذي أخذه الراهن م: (استيفاء) ش: نصب على التعليل م: (منه) ش: أي من الرهن م: (عينا) ش: أي حال كونه متعينا م: (بالبيع) ش: يتعلق بالاستيفاء. حاصل المعنى: أن تعلق الدين بالرهن كتعلق العين بالدين لأجل استيفاء حقه من عين الرهن بواسطة البيع.
م: (ويخرج على هذين الأصلين) ش: أي أصلنا وأصل الشافعي م: (عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه) ش: أي بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عددناها في " كفاية المنتهي " جملة) ش: " كفاية المنتهي ": لم تقع في هذه الديار، م: (منها) ش: أي من المسائل المتفرعة على الأصلين المذكورين م: (أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع) ش: أي عن استرداد الرهن من المرتهن لأجل الانتفاع م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (يفوت موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو الاحتباس على الدوام) ش: أي يوجب الرهن هو احتباس الرهن عند المرتهن على الدوام إلى أن يوفي الراهن دينه.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (لا يمنع منه) ش: أي لا يمنع الراهن من استرداد رهنه لأجل الانتفاع، م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (لا ينافي موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو تعينه) ش: أي موجب تعينه للبيع لقضاء الدين في ثمنه م: (للبيع وسيأتيك البواقي) ش: أي المسائل البقية المتفرعة على الأصلين المذكورين. م: (في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى) ش: يعني في هذا الباب.
ومنها: أن الرهن أمانة عنده، فإذا هلك لا يسقط الدين كما مر.
ومنها: أن حكم الرهن لا يسري إلى الولد عنده، وعندنا: يسري.
ومنها: أن للراهن أن يشرب لبن المرهونة عنده، لأنه باق على ملكه، وعندنا: لا يملك.
ومنها: أن الراهن إذا أعتق عبده المرهون يبطل إعتاقه، وعندنا: ينفذ وتضمن قيمته إن كان موسرا، ويكون رهنا مكانه، وإن كان معسرا بقي العبد في قيمته

(12/478)


قال: ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويدخل على هذا اللفظ الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها، فإنه يصح الرهن بها ولا دين. ويمكن أن يقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الرهن بالدرك]
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون) ش: وفي " شرح الأقطع ": قوله "مضمون" للتأكيد، وإلا فجميع الديون مضمون. وقيل: أريد بالدين المضمون ما كان واجبا للحال، أي لا يصح إلا بدين واجب للحال لا بدين مستحب، واحترز به عن الرهن بالدرك فإنه لا يصح، وهو عبارة عن ضمان الثمن عند استحقاق المبيع. وقيل: احتراز عن بدل الكتابة، فإن الرهن به لا يصح.
وفي " الفتاوى ": يجوز الرهن ببدل الكتابة. وعند الثلاثة: لا يجوز أخذ الرهن ببدل الكتابة بعد لزومه. وقال الكاكي: وما نقل احترازا عن بدل الكتابة غير صحيح، لأنه ذكر في " فتاوى قاضي خان " وغيره: أن المولى لو أخذ رهنا ببدل الكتابة جاز، ولا يجوز أخذ الكفيل ببدل الكتابة.
م: (لأن حكمه) ش: أي حكم الرهن: م: (ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب) ش: أي الضمان، فلا بد من وجوب سابق، ليكون الاستيفاء مبينا عليه
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويدخل على هذا اللفظ) ش: وهو قوله "إلا بدين مضمون" م: (الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها) ش: أي بالقيمة كالمغصوب بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إذا كان له مثل أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح، مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء أو المقبوض في البيع الفاسد.
قال تاج الشريعة: المضمون بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إن كان له مثل، أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء والمقبوض بحكم البيع الفاسد والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والمضمون بغيره كالبيع في يد البائع، فإنه مضمون بالثمن لا بقيمته والمستأجر ومال المضاربة والشركة.
م: (فإنه) ش: أي فإن الشأن م: (يصح الرهن بها ولا دين) ش: أي والحال أن لا دين فيها، وصحة الرهن بها عندنا خلافا للشافعي وأحمد. وعن مالك: أن الرهن بالأعيان المضمونة يجوز، وهو وجه لأصحاب الشافعي.
م: (ويمكن أن يقال) ش: جواب عما يقال: إن قوله "ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون"

(12/479)


إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين، ولهذا تصح الكفالة بها، ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا تعتبر قيمته يوم القبض فيكون رهنا بعد وجود سبب وجوبه، فيصح كما في الكفالة، ولهذا لا تبطل الحوالة المقيدة به بهلاكه، بخلاف الوديعة. قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يشكل عليه الأعاين المضمونة بنفسها، فإن الرهن بها صحيح ولا دين. وتقرير الجواب: أن يقال فيه م: (إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة) ش: أي في الأعيان المضمونة بنفسها م: (ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين) ش: أي والحال أن الموجب الأصلي دين م: (ولهذا) ش: أي ولكون الموجب الأصلي هو القيمة م: (تصح الكفالة بها) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك) ش: أي بعد هلاك العين م: (ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا) ش: أي ولكون وجوب القيمة بالقبض السابق م: (تعتبر قيمته يوم القبض) ش: أي يوم قبض الغاصب المغصوب من المالك.
م: (فيكون رهنا بعد وجود سبب) ش: جواب عما اختاره بعض آخر من المشايخ، وتقريره: أن سبب وجوبه قد انعقد فكأنه كالموجود فصح، وهو معنى قوله "بعد وجود سبب" م: (وجوبه، فيصح) ش: أي الرهن م: (كما في الكفالة) ش: أي كما صح في الكفالة.
واعترض بأن صحة الكفالة لا تستلزم صحة الرهن، فإنها صحيحة بدين سيجب كما لو قال: "ما ذاب لك على فلان فعلى دون الرهن". وأجيب: بأن قوله "ما ذاب لك" إضافة الكفالة كفالة، ويصح أن يقال: قولك "دون الرهن" يريد به دينا ما انعقد سبب وجوبه أو دينا انعقد ذلك، فإن كان الأول: فليس ينافيه، وإن كان الثاني: فهو ممنوع، فإنه عين ما نحن فيه.
م: (ولهذا) ش: ويجوز أن يكون توضيحا على كل شيء من الخبرين، أما على الأول فتقديره ولكون الموجب الأصلي فيها القيمة م: (لا تبطل الحوالة المقيدة به) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (بهلاكه) ش: فلو أحال على الغاصب فهلك المغصوب لم تبطل الحوالة، لأن الموجب الأصلي لما كان القيمة كان هلاك العين كهلاكه لقيام القيمة في ذمته ورد العين كان مخلصا، ولم يحصل. وأما على الثاني: فتقديره: ولكون سبب وجوب القيمة قد انعقد جعلت كالموجودة، فهلاك العين لا يبطل الحوالة.
م: (بخلاف الوديعة) ش: فإن الحوالة عليها تبطل بهلاكها، لأنه لا وجوب هنا للقيمة ولا سبب الوجوب م: (قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته) ش: أي ما هو الأقل من قيمة الرهن يوم القبض م: (ومن الدين) ش: ووقع في بعض نسخ القدوري: بأقل من قيمته ومن الدين وليس

(12/480)


فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء، وذلك بقدر الدين، فإن كانت أقل سقط من الدين بقدره، ورجع المرتهن بالفضل؛ لأن الاستيفاء بقدر المالية. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة، حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة، والدين ألف رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة، له حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن، ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين. ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بصحيح، لأن معنى المعروف واحد منهما، ومعنى المنكر ثالث، واعتبر هذا بقول الرجل: مررت بأعلم من زيد وعمرو، ويكون الأعلم غيرهما، ولو قال: الأعلم من زيد وعمرو، يكون الأعلم واحد منهما، فافهم.
وهذا الذي ذكره القدوري في كيفية الضمان أشار إليه بقوله: م: (فإذا هلك) ش: أي الرهن م: (في يد المرتهن وقيمته) ش: أي والحال أن قيمة الرهن م: (والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل) ش: أي الفضل من الرهن م: (أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء وذلك بقدر الدين) ش:.
م: (فإن كانت أقل) ش: أي وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين م: (سقط من الدين بقدره ورجع المرتهن بالفضل) ش: من الدين على الراهن م: (لأن الاستيفاء بقدر المالية) ش: لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء أن الضمان بقدر الاستيفاء، والاستيفاء بقدر الدين.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة) ش: أي بجميع القيمة م: (حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة والدين ألف: رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة له) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن) ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن الحكم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: يترادان بينهما الفضل، انتهى.
والتراد ما يكون بين اثنين، فلا جرم برد المرتهن فضل الرهن كما يرد الراهن فضل الدين.
م: (ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها) ش: أي لكون الزيادة م: (محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين، ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى عبيد بن عمير عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع، قال: إن كان أقل مما فيه رد عليه تمام حقه

(12/481)


ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى كما في حقيقة الاستيفاء والزيادة مرهونة به ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها، ولا ضرورة في حق الضمان، والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع، فإنه روي عنه أنه قال: المرتهن أمين في الفضل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كان أكثر فهو أمين بالفضل.
فإن قلت: قال البيهقي: بعد أن أخرجه هذا ليس بمشهور. وقال ابن حزم: لم يصح هذا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لأنه من رواية عبيد بن عمير، وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر، أو أدركه صغيرا ولم يسمع منه؟.
قلت: قول البيهقي هذا ليس بمشهور لتسليم منه، وهذا ليس يخرج. وقول ابن حزم يرده قول مسلم: ولد عبيد بن عمير في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكر البخاري: أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرواية عن ابن مسعود غريب.
م: (ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى) ش: ولما كان الضمان بقدر المستوفي تقرر مضمونه بالأقل من قيمة العين ومن الدين، لأنه بهذا القدر يستوفي م: (كما في حقيقة الاستيفاء) ش: مثل ما إذا أعطاه ألفي درهم في كيس وقال: استوف حقك في هذا وحقه ألف، فإنه يصير ضامنا قدر الدين، والزيادة على قدر الدين أمانة هكذا.
م: (والزيادة مرهونة به) ش: هذا جواب عن قول زفر، يعني لو لم يجعلها مرهونة يؤدي إلى الشيوع، أو لأنه لا يمكنه حبس قدر الدين إلا حبس الباقي، وهو معنى قوله: م: (ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها) ش: أي بدون الزيادة، لأن رهن المشاع لا يجوز، والزيادة إذا لم تتميز لا يمكن حبس قدر الدين إلا بحبس الباقي كما إذا رهن عبدا قيمته أزيد من الدين حيث لا يتميز من الأصل فيثبت له حبس الكل حتى لو تميزت الزيادة من قدر الدين لا يثبت له حبس الزيادة بأن رهن عبدا قيمته ألفا درهم يوم الرهن بألف، ثم قتل خطأ قيمته يوم القتل ألفا درهم فأخذ المرتهن ألفين من القاتل وأراد حبس الكل ليس له ذلك، لأنه أمكن حبس قدر الدين بدون الزيادة بخلاف ما نحن فيه.
م: (ولا ضرورة في حق الضمان) ش: لصحة الرهن بدون الضمان، كما إذا استعاد الراهن من المرتهن فالرهن باق، والضمان من المرتهن منتف على ما يجيء إن شاء الله تعالى: م: (والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع) ش: يعني إذا باع المرتهن الرهن بإذن الراهن يرد المرتهن، ما زاد على الدين ولو كان الدين زائدا على الثمن يرد الراهن زيادة الدين، وحملناه على البيع م: (فإنه روي عنه) ش: أي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه قال: المرتهن أمين في الفضل) ش: رواه محمد ابن الحنفية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فيحب حمل الأولى على البيع

(12/482)


قال: وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به؛ لأن حقه باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة والحبس جزاء الظلم، فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم. وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء، لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل. وإذا أحضره أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا، ليتعين حقه كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا. وإن طالبه بالدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
توفيقا بينهما.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به) ش: أي بسبب الدين. وقال الكرخي في "مختصره ": وللمرتهن مطالبة الراهن بدينه إذا كان حالا، ولا يمنعه الارتهان به من ذلك، ولا يكون الرهن في يديه.
وكذلك إذا كان آجلا وحل فإن خاصمه إلى الحاكم أوجب عليه دفع الدين، فإن امتنع: حبس به م: (لأن حقه) ش: أي حق المرتهن م: (باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة، والحبس) ش: يعني عند الامتناع م: (جزاء الظلم فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم) ش: أي في فصل الحبس من كتاب " أدب القاضي ".
وتفصيله: أنه لا يعجل بحبسه، وإذا ثبت الدين بالإقرار هل يحبسه؟: إذا ظهر برهان أعيد إلى مجلسه ثانيا، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة حيث تعجل بحبسه، لأن البينة يحتاج إليها عند الجحود فيه يكون ظالما، وجزاء الظلم الحبس، وعلى قول الخصاف في "البينة" أيضا لا يحبسه في أول الرهان، ثم إذا امتنع إنما يحبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال أصل في يده كثمن المبيع، أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك نحو بدل الغصب وأرش الجناية ونفقة الزوجات إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالا.
م: (وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن) ش: هذه المسألة وما بعدها من مسائل " الزيادات " إلى قوله قال: وإن كان الرهن في يده، ذكرها تفريعا على مسألة " مختصر القدوري " م: (لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء؛ لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل) ش: أي الهلاك محتمل. م: (وإذا أحضره) ش: أي وإذا أحضر المرتهن الرهن م: (أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا ليتعين حقه) ش: أي حق المرتهن م: (كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية) ش: بين الراهن والمرتهن، والرهن والدين م: (كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا، وإن طالبه بالدين) ش: أي وإن طالب المرتهن الراهن

(12/483)


في غير البلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب؛ لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة، ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه في باب السلم بالإجماع. وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه. ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز، لإطلاق الأمر. فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار. وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين. ولو قبضه يكلف إحضاره لقيام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين م: (في غير بالبلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب) ش: أي يؤمر المرتهن بإحضار الرهن أولا م: (لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة) ش: لأجل كون الأماكن هي حق التسليم كمكان واحد.
م: (ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه) ش: أي فيما لا حمل له م: (في باب السلم بالإجماع، وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل، والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه) ش: لأن الرهن أمانة في يده، لكن للراهن أن يحلفه: بالله ما هلك.
م: (ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز لإطلاق الأمر) ش: أي أمر الراهن، ويشير به إلى أنه لو قيده بالنقد لا يصح بيعه نسيئة م: (فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار) ش: لأن الرهن بيع بأمر الراهن فلم يبق له قدرة على إحضاره.
م: (وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه) ش: أي وكذا لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأن الرهن بيع بأمر الراهن، فلم يبق له قدرة على إحضاره إذا أمر الراهن المرتهن ببيع الرهن م: (فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه) ش: أي لأن الرهن بالبيع م: (صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين) ش: لأنه لما باعه بإذنه صار كأنهما تفاسخا الرهن وصار الثمن رهنا بتراضيهما ابتداء لا بطريق انتقال حكم الرهن إلى الثمن.
ألا ترى أنه لو باع الرهن بأقل من الدين لم يسقط من دين المرتهن شيء، فصار كأنه رهنه ولم يسلمه إليه، بل وضعه على يد عدل.
م: (ولو قبضه يكلف إحضاره) ش: أي ولو قبض المرتهن الثمن يكلف إحضاره م: (لقيام

(12/484)


البدل مقام المبدل، لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن، لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف لاستيفاء نجم قد حل لاحتمال الهلاك. ثم إذا قبض الثمن يؤمر بإحضاره لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين، وهذا بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت قيمته بفعله، وفيما تقدم صار دينا بفعل الراهن، فلهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البدل) ش: أي الذي هو الثمن م: (مقام المبدل) ش: الذي هو الرهن م: (لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن) ش: استثناء من قوله فصار كأن الراهن رهنه وهو دين، جوابا عما يقال: لو كان الأمر كذلك لما كان للمرتهن أن يقبض الثمن من المشتري، كما لو كان الرهن في يد عدل لكن له ذلك.
وتقرير الجواب: ما ذكره بقوله: م: (لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف) ش: أي مكلف م: (لاستيفاء نجم) ش: قسط من الدين م: (قد حل) ش: بأن كان الدين مقسطا فادعى قسطا واحدا يكلف إحضار الرهن م: (لاحتمال الهلاك) ش: أي هلاك الرهن، فيؤمر بإحضاره لأن فيه فراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، لكن لا يسلم إلى أن يقبض جميع الدين بإجماع العلماء.
وفي " الزيادات " و" المحيط ": لا يجبر بإحضاره لعدم فائدة الإحضار في القياس وفي الاستحسان يجبر بإحضاره إذا كان في المصر الذي لفراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، وهذا إذا ادعى الراهن هلاك الرهن؛ أما إذا لم يدع فلا فائدة في الإحضار.
م: (ثم إذا قبض) ش: أي المرتهن م: (الثمن يؤمر بإحضاره) ش: أي بإحضار الثمن م: (لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين) ش: أي لقيام الثمن مقام الرهن م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: يكلف لاستيفاء نجم فدخل، بخلاف مسألة القتل، كذا قاله الكاكي ناقلا عن " النهاية ". وقال الأكمل: وهو كما ترى متعسف. ثم قال: وهذا إشارة إلى قوله: وكذا أمر المرتهن ببيعه إلى آخره، فإنه لا يجبر المرتهن على الإحضار، بل يجبر الراهن على الأداء بدون إحضار شيء.
م: (بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر) ش: أي المرتهن م: (كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن، فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت) ش: وما صارت قيمة العبد المقتول م: (قيمته بفعله) ش: أي بفعل الراهن، بل بفعل الأجنبي م: (وفيما تقدم) ش: أي في بيع العدل المرتهن م: (صار دينا بفعل الراهن) ش: لأنه تسليط من جهة م: (فلهذا) ش: أي

(12/485)


افترقا. ولو وضع الرهن على يد العدل وأمر أن يودعه غيره ففعل ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته، ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين، لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو، لما قلنا. ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال، والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين ولا يملك المطالبة به. قال: وإن كان الرهن في يده ليس عليه أن يمكنه من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه. ولو قضاه البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس المبيع فإذا قضاه الدين قيل له: سلم الرهن إليه؛ لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه. فلو هلك قبل التسليم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلأجل ذلك م: (افترقا) ش: أي الحكمان في الصورتين المذكورتين.
م: (ولو وضع الرهن على يد العدل وأمره أن يودعه غيره ففعل) ش: أي أودعه. وفي " الإيضاح ": وكذا إذا لم يودعه وكان في يد العدل، م: (ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته. ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لم يقبض شيئا، أي شيئا من الرهن. م: (ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال) ش: أي هلك م: (والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين، ولا يملك المطالبة به) ش: أي بالدين.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كان الرهن في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (ليس عليه أن يمكنه) ش: أي الراهن م: (من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه) ش: فيما تقدم أن حكم الدين الحبس الدائم.
م: (ولو قضاه البعض) ش: أي بعض الدين م: (فله) ش: أي وللمرتهن م: (أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس البيع) ش: يعني في المبيع، فاقتضى بعض الثمن يقبض شيئا من المبيع، فكذا هنا م: (فإذا قضاه الدين قيل له) ش: أي للمرتهن م: (سلم الرهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه، فلو هلك قبل التسليم) ش:

(12/486)


استرد الراهن ما قضاه؛ لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني استيفاء بعد استيفاء فيجب رده. وكذلك لو تفاسخا الرهن له حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه، ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ؛ لأنه يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين. ولو هلك في يده سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن. وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام ولا بسكنى ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي فلو هلك الرهن قبل تسليم المرتهن الرهن إلى الراهن م: (استرد الراهن ما قضاه) ش: أي ما أداه إلى المرتهن م: (لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني) ش: أي بالقبض الثاني م: (استيفاء بعد استيفاء فيجب رده) ش: أي ما أداه إلى المرتهن احترازا عن الربا.
م: (وكذلك) ش: الحكم م: (لو تفاسخا الرهن له) ش: أي للمرتهن م: (حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه) ش: أي أو يبرئ الراهن من الدين؛ لأن الرهن لا ينفسخ مقصودا بالمناقضة بالقول حتى يكون للراهن حق الأخذ بغير رضى المرتهن بعد أن قبضه، وصار وجود هذه المناقضة وعدمها بمنزلته.
م: (ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ) ش: احتراز عما إذا رده على وجه العارية، فإنه لا يبطل الرهن م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين) ش: أي بقي القبض والدين معا، حتى لو بقي أحدهما، وانتفى الآخر لا يبقى مضمونا، لأن كون الرهن مضمونا ثبت بعلة ذات وصفين، وهما القبض والدين، فلا يبقى مضمونا بأحدهما.
م: (ولو هلك) ش: أي الرهن بعدما تفاسخا م: (في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن) ش: أي قيد بقوله: إذا كان به وفاء [....
هذا البياض أيضا وجد في أكثر النسخ المعتبرة الصحيحة، والله أعلم بحقيقة الحال....
..] .
م: (وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام، ولا بسكنى، ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع) ش: فإذا استعمله بوجه من الوجوه المذكورة كان غاصبا، وضمن قيمته بالغة ما بلغت.
وإن كان بإذن الراهن فلا ضمان عليه؛ لأن الحجر لحقه وقد رضي به، ثم كما لا يجوز استخدام الجارية المرهونة من المرتهن، فكذلك لا يجوز وطؤها، ومع هذا لو وطئها لا يجب عليه الحد على رواية كتاب الرهن، ويجب مهرها لمولاها؛ لأنها محبوسة للاستيفاء فأشبه الجارية المبيعة في يد البائع، وعلى رواية كتاب " الحدود ": يجب الحد إذا قال: علمت أنها علي حرام.

(12/487)


وليس له أن يبيع إلا بتسليط من الراهن، وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي. قال: وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن يكون الولد في عياله أيضا، وهذا لأن عينه أمانة في يده فصار كالوديعة. وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن، وهل يضمن الثاني؟ فهو على الخلاف، وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وليس له) ش: أي للمرتهن م: (أن يبيع) ش: أي الرهن م: (إلا بتسليط من الراهن) ش: لأن الرهن لا يقتضي البيع فلا يثبت له بدون الوكالة م: (وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي) ش: من المرتهن، فإن فعل شيئا من ذلك: فسخ ورد الرهن في يد المرتهن.
وفي " شرح الأقطع ": وقال الشافعي: للراهن أن يسكن الدار، يؤجرها، ويركب الدابة، ويعيرها، ويزرع الأرض، ويحلب اللبن، ويجز الصوف، ولا يطأ الجارية، ولا يلبس الثوب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري م: (أن يكون الولد في عياله أيضا) ش: قال الأترازي: المراد "بمن في عياله" أن ساكن معه سواء كان في نفقته أو لا، فلو أن امرأة أودعت وديعة فدفعت إلى زوجها: لا يضمن، وإن لم يكن الزوج في عيالها لأن العبرة في هذا الباب للمساكنة دون النفقة. ألا ترى إذا كان معها ساكنا وليس في عيالها فخرج من المنزل وتركا المنزل على الابن: لا يضمنان، والمراد من الأجير أجير المشاهرة أو المسانهة دون المياومة.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى اشتراط كون الخادم والولد في عياله. م: (لأن عينه) ش: أي عين الرهن م: (أمانة في يده فصار كالوديعة) ش: فيشترط فيه كما يشترط في الوديعة.
م: (وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن) ش: لتعديه م: (وهل يضمن الثاني) ش: أي المودع الثاني م: (فهو على الخلاف) ش: فعند أبي حنيفة لا ضمان عليه، وعندهما: عليه الضمان كالأول. وعند ابن أبي ليلى: لا ضمان على واحد منهما، م: (وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة) ش: فليرجع إليها.

(12/488)


وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته، لأن الزيادة على مقدار الدية أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن، لأنه متعد بالاستعمال، لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء؛ لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه، لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذا الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن. ولو رهنه سيفين أو ثلاثة فتقلدها لم يضمن في الثلاثة وضمن في السيفين، لأن العادة جرت بين الشجعان بتقلد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة. وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن. قال: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ وأجرة الراعي ونفقة الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[تعدى المرتهن في الرهن]
م: (وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته؛ لأن الزيادة على مقدار الدين أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي. ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن؛ لأنه متعد بالاستعمال؛ لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء، لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه) ش: أي بما في الرهن من الدين م: (لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذلك الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن) ش:. م: (ولو رهنه سيفين) ش: أي ولو رهن رجل عند رجل سيفين م: (أو ثلاثة) ش: أي أو رهن ثلاثة سيوف م: (فتقلدها: لم يضمن في الثلاثة) ش: أي في تقليد الثلاثة سيوف م: (وضمن في السيفين) ش: أي في تقليد السيفين م: (لأن العادة جرت بين الشجعان بتقليد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة) ش: فكان ذلك حفظا.
م: (وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن) ش: وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو كان المرتهن امرأة فتختمت به، أي أصبع كان ضمنت؛ لأن النساء يتختمن بجميع أصابعهن، ثم ينبغي أن يعرف أن المراد بعدم الضمان فيما يعد حفظا لا استعمالا: أن يضمن ضمان الغصب لا أنه لا يضمن أصلا؛ لأنه مضمون بالدين فيسقط الدين بهلاكه بما هو الأقل من قيمته، ومن الدين كالخاتم إذا جعله في أصبع لا يتختم به في العرف، والعادة. وكالثوب إذا ألقاه على عاتقه، وبه صرح في " شرح الطحاوي ".
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ) ش: أي حافظ الرهن على المرتهن ما كان مضمونا منه، وما لم يكن م: (وأجرة الراعي) ش: كذلك على المرتهن، وكذلك المساوي للبقر والغنم لا على الراهن م: (ونفقة الرهن

(12/489)


على الراهن. والأصل أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين باق على ملكه. وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة، وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه وأجرة الراعي في معناه؛ لأنه علف الحيوان. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وكري النهر وتلقيح نخيله وجذاذه والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه أو لرده إلى يد المرتهن أو لرد جزء منه فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [.....] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الراهن والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين) ش: أي عين الرهن م: (باق على ملكه) ش: أي على ملك الراهن. م: (وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة) ش: أنه على المودع م: (وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه) ش: وليس هذا كالعبد الموصي بخدمته، فإن نفقته على الموصى له لا على الوارث، لأن الموصي به له أحق بمنافعه م: (وأجرة الراعي في معناه) ش: أي معنى الإنفاق، والمأكل والمشرب م: (لأنه علف الحيوان) ش: أي لأن الأجر على الحيوان لأنه سببه.
وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كما أن الراعي ليسوق الدابة للعلف يحفظها أيضا، والحفظ على المرتهن، والعلف على الراهن، فيجب أن يكون الأجر عليهما؟.
قلت: الراعي للأعلاف لا للحفظ، ألا ترى أن السارق من المرعى لا يقطع، ولأن الحفظ تبع، والأجر بالأصل فالبر سائل دون الأطراف. وعند البعض: أجرة الراعي على المرتهن؛ لأنه محبوس لأجله فيكون نفقته عليه كنفقة المبيع على البائع لا على المالك وهو المشتري؛ لأنه محبوس على البائع، لكنا نقول: إن معظم المنافع في إمساك الرهن حاصل للراهن، فتكون نفقته عليه، ونفقة المستأجر على الآجر لهذا المعنى.
م: (ومن هذا الجنس) ش: أي من جنس ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وبتبقيته م: (كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان) ش: أي حفره من كريت كريا م: (وكري النهر وتلقيح نخيله) ش: وهو وضع طلع الذكر في طلع الأنثى أو ما ينشق م: (وجذاذه) ش: بالجيم المكسورة وبالذالين المعجمتين ما قطع من الشيء م: (والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه) ش: أي لحفظ الرهن م: (أو لرده إلى يد المرتهن) ش: مثل جعل الآبق م: (أو لرد جزء منه) ش: كمداومة الجراح م: (فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [....
....] ) ش: هذا بياض وجد من قلم الناسخين.

(12/490)


وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى على الراهن بمنزلة النفقة؛ لأنه سعى في تبقيته. ومن هذا القسم جعل الآبق، فإنه على المرتهن؛ لأنه محتاج إلى إعادته يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد فيلزمه، وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعلية بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده، والرد لإعادة اليد، ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها، فلهذا يكون على المالك، وهذا بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه، فإن كلها تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل؛ لأن وجوب ذلك بسبب الحبس، وحق الحبس في الكل ثابت له. فأما الجعل إنما يلزمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجعل الآبق لازم للمرتهن إذا كان في الرهن والدين سواء، وإن كان قيمة الرهن أكثر كان على المرتهن بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الأمانة. وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجعل في رقبة العبد إن أداه الراهن حسب ما قضاه من المرتهن فإنما أصلح رهنه ودينه على حال ثابت، م: (وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية) .
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى) ش: أي المكان الذي تأوي إليه الدواب م: (على الراهن بمنزلة النفقة، لأنه سعى في تبقيته) ش: وقال الأترازي: وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في الراهن والمرتهن اختلفا في مأوى البقر والغنم والدواب الذي تأوي إليه: فإن كان عند المرتهن سعة فهو في منزله، وإن أبى ذلك يكتري لها ويكون الكراء على الراهن م: (ومن هذا القسم) ش: أي من القسم الذي تجعلونه على المرتهن م: (جعل الآبق، فإنه على المرتهن لأنه محتاج إلى إعادة يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد: فيلزمه) ش: وعند الأئمة الثلاثة: الكل على الراهن، لأن الملك له.
م: (وهذا) ش: أي جعل الآبق الذي على المرتهن م: (إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعليه) ش: أي على المرتهن م: (بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده والرد لإعادة اليد) ش: أي يد المرتهن م: (ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها) ش: أي المرتهن كالمودع في الزيادة م: (فلهذا يكون على المالك، وهذا) ش: أي المذكور م: (بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه) ش: يعني فيما تقدم من قوله: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن م: (فإن كلها) ش: أي كل الأجرة م: (تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها م: (لأن وجوب ذلك بسبب الحبس) ش: عند المرتهن م: (وحق الحبس في الكل ثابت له) ش: أي للمرتهن م: (فأما الجعل إنما يلزمه) ش: أي

(12/491)


لأجل الضمان، فيتقدر بقدر المضمون. قال: ومداواة الجراحة والقروح. ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة والخراج على الراهن خاصة، لأنه مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين، ولا يبطل الرهن في الباقي؛ لأن وجوبه لا ينافي ملكه، بخلاف الاستحقاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن م: (لأجل الضمان) ش: على المرتهن، وإذا كان كذلك م: (فيتقدر بقدر المضمون) ش: من الدين.
م: (قال: ومداواة الجراحة والقروح ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة) ش: هذا إذا حدثت هذه الأشياء عند المرتهن، أما إذا حدثت عند الراهن كان عليه، قاله تاج الشريعة ناقلا عن المشايخ.
وقال الأترازي: والفداء من الجناية والدين الذي يلحق الرهن بالأموال الذي يضمنها بالاستهلاك إذا وجب ذلك في الرهن، وأن ذلك في حقها في حق كل واحد من الراهن والمرتهن، لأن جناية المضمون في يد الضامن يجري مجرى جناية الضامن، فيكون من ماله. وأما جناية الأمانة فإنها كجناية الوديعة، فتكون على الراهن.
م: (والخراج على الراهن خاصة؛ لأنه من مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين) ش: أي لتعلق العشر بالعين، فيكون مقدما على حق المرتهن، لأن حق المرتهن يتعلق بالرهن من حيث المالية لا من حيث العين، والعين مقدم على المالية.
صورة المسألة: أن في الرهن أرضا فيها نخل وشجر وزرع ارتهن ذلك معها وهي من أرض العشر فأخذ السلطان العشر من الزرع، فإن ذلك لا يسقط شيئا من الدين إذ لو سقط أدى إلى أن يصير قابضا بمال واحد حقين الدين والعشر، وهذا لا يجوز.
م: (ولا يبطل الرهن في الباقي) ش: هذا النفي ترد على قوله: لتعلق العشر بالعين، يعني لما كان متعلقا بالعين يصير كما لو استحق بعض العين، فأجاب عن هذا بقوله: ولا يبطل الرهن في الباقي بعد أخذه من العشر م: (لأن وجوبه) ش: أي وجوب العشر م: (لا ينافي ملكه) ش: في جميع ما رهنه، ألا ترى أنه لو باعه جاز، ولو أدى العشر من موضع آخر جاز، فصح الرهن في الكل ثم خرج فعين لم يتمكن الشيوع في الرهن لا مقارنا ولا طارئا م: (بخلاف الاستحقاق) ش: يعني إذا ظهر مستحق بقدر لم يصح الرهن فيه، لأنه ملك الغير فلم يصح الرهن فيه، وكذا فيما وراءه لأنه مشاع.

(12/492)


قال: وما أداه أحدهما مما وجب على صاحبه فهو متطوع، وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه، كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الوجهين، وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وما أداه أحدهما) ش: أي من الراهن، والمرتهن م: (مما وجب على صاحبه) ش: من أجرة وغيرها م: (فهو متطوع) ش: لأنه قضى دين غيره بغير أمره م: (وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه) ش:. وفي " الذخيرة ": لا يكفي مجرد الأمر بالاتفاق، ولا بد أن يجعله دينا على الراهن، وعليه أكثر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي) ش: رواه الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة - رحمهما الله -.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع في الوجهين) ش: يعني في حضرة صاحبه وغيبته م: (وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم) ش: فمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يلي على الحاضر، وعندهما: يلي عليه، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فأبو حنيفة لا يرى حجر القاضي على الحر، فلا يكون نافذا حال غيبته وحضوره، وعندهما: للقاضي ولاية حجره حال غيبته وحضوره، فينفذ عليه أمر القاضي حال غيبته وحضوره.

(12/493)