البناية شرح الهداية

باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز قال: ولا يجوز رهن المشاع، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز. ولنا فيه وجهان: أحدهما: يبتنى على حكم الرهن فإنه عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع، وعنده المشاع يقبل ما هو الحكم عنده، وهو تعينه للبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز]
[رهن المشاع]
م: (باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز)
ش: أي هذا باب في بيان ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز الارتهان به، وفي بيان ما لا يجوز ارتهانه. ولما ذكر الرهن مطلقا شرح هنا في بيانه مفصلا، لأن التفصيل بعد الإجمال.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز رهن المشاع) ش: سواء كان شائعا فيما ينقسم أو لا ينقسم فلا يجوز رهن نصف دار ولا نصف أرض ولا نصف عهد ولا سهم من سهام ذلك وسواء رهن المشاع من شريكه في ذلك أو من غيره، ذكر الكرخي كل ذلك في "مختصره ".
وذكر القدوري عدم جواز رهن المشاع ولم يتعرض أنه باطل أو فاسد، وفي " المغني " و" الذخيرة " إشارة إلى أنه فاسد لا باطل، حيث قال: فالمقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون في الصحيح وفي الرهن باطل، لأن الباطل لا ينعقد أصلا. فكان كالبيع الباطل والفاسد ينعقد، فكان كالبيع الفاسد.
وشرط انعقاد الرهن أن يكون مالا والمقابل به مالا مضمونا، فإذا وجد شرائط الجواز ينعقد صحيحا، وإذا فقد شرطا من شرائط جوازه ينعقد فاسدا وفي كل موضع لم يكن الرهن مالا، أو لم يكن المقابلة به مضمونة لا ينعقد الرهن أصلا.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي وابن أبي ليلى والبستي. م: (ولنا فيه) ش: أي في أمر الرهن م: (وجهان) ش: أي طريقان م: (أحدهما) ش: أي أحد الوجهين م: (يبتنى على حكم الرهن، فإنه) ش: أي في بيانه حكم الرهن م: (عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع) ش: لأن حكم الرهن هو الحبس الدائم، وحبس المشاع لا يتصور فلا يصح رهن المشاع.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدرج المصنف دليل الشافعي بين الوجهين، وهو: أن عنده: م: (المشاع يقبل ما هو الحكم عنده وهو تعينه للبيع) ش: والمشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه

(12/494)


والثاني: أن موجب الرهن هو الحبس الدائم؛ لأنه لم يشرع إلا مقبوضا بالنص أو بالنظر إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه، وكل ذلك يتعلق بالدوام، ولا يفضي إليه إلا استحقاق الحبس. ولو جوزناه في المشاع يفوت الدوام، لأنه لا بد من المهايأة، فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا، ولهذا لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم، أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله، وهاهنا الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله وإن كان لا يحتمل القسمة، ولا يجوز من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني: م: (أن موجب الرهن هو الحبس الدائم) ش: يعني موجب حكمه، يعني لازمه الحبس الدائم، لأن معناه الحس لغة من أي سبب كان م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (لم يشرع إلا مقبوضا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) م: (أو بالنظر) ش: ولم يشرع إلا بالنظر م: (إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه) ش: وهو قوله فيما تقدم ليكون عاجزا عن الانتفاع به، فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره م: (وكل ذلك) ش: أي من يد الاستيفاء والحبس الدائم والاستيثاق م: (يتعلق بالدوام) ش: أي دوام اليد م: (ولا يفضي إليه) ش: أي إلى دوام الحبس م: (إلا استحقاق الحبس، ولو جوزناه) ش: أي الرهن م: (في المشاع يفوت الدوام) ش: أي استحقاق دوام اليد م: (لأنه لا بد من المهايأة) ش: مع المالك في الإمساك م: (فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا) ش: وأنه لا يجوز.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الدوام ثبوت في المشاع م: (لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها) ش: في الرهن م: (بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم) ش: لا فيما لا يقسم، م: (أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله) ش: أي يقبل الملك م: (وهاهنا) ش: أي في الرهن م: (الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله، وإن كان لا يحتمل القسمة) ش: لأن اليد لا تثبت حقيقة إلا على جزء معين.
م: (ولا يجوز) ش: أي الرهن م: (من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه) ش: وهو ثبوت يد الملك م: (على الوجه الأول) ش: وهو ثبوت يد الاستيفاء م: (وعلى الوجه الثاني) ش: أي موجب الرهن هو الحبس الدائم م: (يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا) ش: فلو صرح بذلك بأن قال: رهنتك يوما ويوما: لا يجوز فكذا هنا.

(12/495)


والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يمنع، لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء، فأشبه الهبة. وجه الأول: أن الامتناع لعدم المحلية وما يرجع إليه فالابتداء والبقاء سواء كالمحرمية في باب النكاح، بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة على ما بيناه. ولا حاجة إلى اعتباره في حالة البقاء، ولهذا يصح الرجوع في بعض الهبة ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل) ش: صورته: أن يوكل الراهن العدل بيع الرهن كيف رأى مجتمعا ومتفرقا فيبيع بعض العين أو يرهن فلبائعه عشرون درهما فضة بعشرة دراهم، فيكسر فيضمن المرتهن نصف القلب وهي حصة المضمون، وتبقى حصة الأمانة رهنا فيقطع حتى لا يكون مشاعا، والشيوع الطارئ كالمقارن، فلا يصح، وهو الصحيح.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه: م: (أنه) ش: أي أن الشيوع الطارئ م: (لا يمنع؛ لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء) ش: بدليل أن العدل يبيع الرهن فيصير الثمن في ذمة المشتري رهنا. ولو رهنه في الابتداء دينا لم يجز، فكذلك لا يمنع أن يصح الرهن في المشاع في حال البقاء، وإن لم يصح في حال الابتداء، أو لأنه عقد من شرط صحة القبض، والإشاعة الطارئة لا تؤثر فيه م: (فأشبه الهبة) ش: حيث لا يمنع الإشاعة الطارئة من بقاء الهبة.
م: (وجه الأول) ش: وهو رواية الأصل: م: (أن الامتناع لعدم المحلية) ش: أي محلية الاستيفاء م: (وما يرجع إليه) ش: أي المحل م: (فالابتداء والبقاء سواء) ش: فيه م: (كالمحرمية في باب النكاح) ش: فإنه لا يفرق فيه بين الابتداء والبقاء م: (بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها) ش: أي حكم الهبة م: (وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة) ش: أي غرامة القسمة.
بيانه: أنا لو ثبتنا الملك قبل القبض يطلب الراهن بالتسليم فيلزم مؤنة القسمة، وهو لم يلتزم بذلك م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: غرامة القيمة وهي فيما يقسم، م: (ولا حاجة إلى اعتباره) ش: أي اعتبار القبض م: (في حالة البقاء) ش: لما مر أنه شرط تمام العقد.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الملك حكم الهبة والمشاع لا ينافيه م: (يصح الرجوع في بعض الهبة) ش: بخلاف الرهن، فإن حكمه ملك الحبس الدائم والإشاعة تنافيه فلم يصح التفاسخ في بعض الرهن، وهو معنى قوله: م: (ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن) ش: لأن دوام القبض حكمه والشيوع ينافي ذلك، فإذا كان كذلك لا يجوز فسخه في البعض.

(12/496)


قال: ولا رهن ثمرة على رؤوس النخيل دون النخيل، ولا زرع الأرض دون الأرض، ولا رهن النخيل في الأرض دونها، لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة، فكان في معنى الشائع. قال: وكذا إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل دون الثمر، لأن الاتصال يقوم بالطرفين، فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز؛ لأن الشجر اسم للنابت فيكون استثناء الأشجار بمواضعها، بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء، لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن. قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه مجاورة وهي لا تمنع الصحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[رهن ثمرة على رؤوس النخل دون النخل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا رهن ثمرة) ش: بهذا عطف على قوله: ولا يجوز رهن المشاع، أي ولا يجوز رهن ثمرة م: على رؤوس النخل دون النخل) ش: أي دون رهن النخل م: (ولا زرع الأرض) ش: أي ولا يجوز رهن زرع في الأرض م: دون الأرض) ش: أي دون رهن الأرض م: (ولا رهن النخيل) ش: أي ولا يجوز رهن النخيل م: في الأرض دونها) ش: دون الأرض م: (لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (فكان في معنى الشائع) ش: وذلك غير جائز، لأنه لا يتأتى القبض فيه وحده.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز م: (إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل) ش: أي أو رهن م: (دون الثمر؛ لأن الاتصال يقوم بالطرفين) ش: أي الاتصال بين الأرض والنخيل أو الزرع يقوم بطرف كل واحد منهما، فيكون المرهون متصلا بغيره لا يمكن حبسه دونه، فكان في معنى رهن المشاع فلا يجوز م: (فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده) ش: للاتصال بين المرهون وغيره.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز) ش: رواه الحسن عنه م: (لأن الشجر اسم للنابت) ش: على الأرض، ولهذا يسمى بعد القطع جذعا لا شجرا م: (فيكون استثناء الأشجار بمواضعها) ش: من الأرض، فكان عقد الرهن متناولا ما سوى ذلك من الموضع من الأرض معين معلوم غير مشاع. وقال القدوري في "شرحه ": والمشهور أن الرهن باطل.
ووجهه: أن الرهن مشغول بما ليس برهن، فصار كرهن الأرض التي فيها متاع للراهن م: (بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء؛ لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن) ش: فلا يجوز.
م: (قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه) ش: أي مواضعها م: (مجاورة) ش: لمكان النخل لأن مواضع النخل بقعة معينة مجاورة لغيرها م: (وهي لا تمنع الصحة) ش: لأنها لا

(12/497)


قال: ولو كان فيه ثمر يدخل في الرهن، لأنه تابع لاتصاله به فيدخل تبعا تصحيحا للعقد، بخلاف البيع، لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره. وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر، لأنه ليس بتابع بوجه ما. وكذا يدخل الزرع والرطبة في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة. قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية، لما ذكرنا.
قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بصحته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تكون في معنى المشاع م: (قال: ولو كان فيه) ش: أي في النخل الذي رهنه بمواضعه م: (ثمر يدخل في الرهن؛ لأنه تابع لاتصاله به) ش: أي لاتصال الثمر بالنخل م: (فيدخل تبعا تصحيحا للعقد) ش: إذ لو لم يدخل التمر في الرهن كان في معنى رهن المشاع.
م: (بخلاف البيع) ش: حيث لا يدخل الثمار إلا بالذكر، لأن تصحيح البيع في النخل ممكن، لأن الشيوع لا يمنع صحة البيع، بخلاف الرهن م: (لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز، ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره، وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر) ش: هذا عطف على قوله: بخلاف البيع، يعني كما أن الثمر لا يدخل من غير ذكر في بيع النخل، فكذلك لا يدخل المتاع في الدار في رهن الدار بلا ذكر م: (لأنه ليس بتابع بوجه ما) ش: أي بوجه من الوجوه.
م: (وكذا يدخل الزرع والرطبة) ش: وهي البرسيم في لغة أهل مصر م: (في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة) ش: إشارة إلى قوله: لأنه تابع، م: (قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية) ش: بأن قال: رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذه القرية. وأطلق القول ولم يخص شيئا يدخل البناء والغرس م: (لما ذكرنا) ش: أنه تبع، ويدخلان في الرهن ولا يشبه الرهن البيع، لأن الرهن لم يخرج من ملك الراهن بعقد الرهن، وخرج ملك البائع بالبيع.

[رهن الدار بما فيها]
م: (قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز، ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بحصته) ش: يعني إذا كان الباقي معززا بقي الرهن فيه بحصته، أي مضمونا بحصته من الدين، للراهن حكمان، وصيرورة الرهن محبوسا بالدين ومضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين. فإذا استحق بعضا بعينه بقي الباقي مضمونا بالأقل مما بصحته من الدين. ومن قيمته، ويبقى محبوسا بجميع الدين، ولكنه يكون محبوسا مضمونا بحصته من الدين بأن يقسم الدين على قيمة الباقي وقيمة المستحق، فما أصاب الباقي فهلك بحصته.
وما أصاب المستحق بقي دينا في ذمته. وإن كان في قيمة الباقي وفاء بالدين لا يذهب

(12/498)


وإلا بطل كله، لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي، ويمنع التسليم كون الراهن أو متاعه في الدار المرهونة، وكذا متاعه في الوعاء المرهون، ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل عليها، فلا يتم حتى يلقي الحمل؛ لأنه شاغل لها. بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه؛ لأن الدابة مشغولة به، فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء. بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه من توابع الدابة بمنزلة الثمرة للنخيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جميع الدين، بخلاف ما لو رهن الباقي ابتداء وفيه وفاء بالدين م: (وإلا بطل كله) ش: يعني وإن لم يكن الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بأن كان شائعا بطل جميعه، م: (لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي) ش: أي من المستحق، فصار راهنا لما بقي وهو مقدر.
م: (ويمنع التسليم) ش: أي تسليم الرهن إلى المرتهن م: (كون الراهن أو متاعه) ش: أي أو كون متاعه م: (في الدار المرهونة) ش: قال القدوري في "شرحه ": قال الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا رهنه دارا والراهن والمرتهن جميعا في جوفها فقال: قد سلمتها إليك ودفعتها إليك رهنا، فقال المرتهن: قد قبلت، لم يكن رهنا حتى يخرج الراهن من الدار، فإن خرج من الدار بعد ذلك لم يتم الرهن، إلا أن يقول الراهن: قد سلمتها بعدما خرج، وذلك أنهما إذا كانا في الدار، فيد صاحب الدار ثابتة فيها فلم يصح تسليمه إلى المرتهن. وإذا لم يصح ذلك التسليم حتى يخرج يحتاج إلى تجديد تسليم آخر.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يمنع التسليم كون م: (متاعه في الوعاء المرهون) ش: وفي " شرح الطحاوي " الحيلة لصحة التسليم أن يودع أولا ما فيه عند المرتهن لم يسلم إليه ما رهن م: (ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل، عليها فلا يتم) ش: أي الرهن م: (حتى يلقى الحمل؛ لأنه شاغل لها) ش: أي للدابة كشغل الدار بالمتاع. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله -: يصح تسليمه في جميع ما ذكر من المسائل إلى قوله: ولا يصح الرهن بالأمانات. م: (بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها) ش: أي دون الدابة م: (حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه، لأن الدابة مشغولة به) ش: أي بالحمل والرهن ليس بمشغول بغيره ولا تابع له م: (فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء) ش: فيه لف ونشر م: (بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها) ش: أي رهن لجاما كائنا في رأس الدابة م: (ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من السرج واللجام م: (من توابع الدابة) ش: فلا يصح إفراده عنها بالرهن م: (بمنزلة الثمرة للنخيل) ش: حيث

(12/499)


حتى قالوا: يدخل فيه من غير ذكر. قال: ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة، لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه. قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع، لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن، فأما الأعيان المضمونة بعينها وهو أن يكون مضمونا بالمثل أو بالقيمة عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يدخل في البيع إلا بذكرها. م: (حتى قالوا) ش: أي المشايخ م: (يدخل فيه) ش: أي في الرهن م: (من غير ذكر) ش: يعني لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك في الرهن من غير ذكر تبعا.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة) ش: ولا خلاف فيه، والفرق بين الوديعة والأمانة أن في الوديعة إثبات اليد قصدا. بخلاف الأمانة، لأن فيها إثبات اليد ضمنا، كما إذ هب ريح وألقى ثوبا في حجر غيره. وأيضا أن في الوديعة إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق وعن الضمان بخلاف الأمانة م: (لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه) ش: وإذا كان كذلك فلا يصح بهذه الأشياء.
م: (قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع؛ لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن. فأما الأعيان المضمونة بعينها وهي أن يكون مضمونا بالمثل) ش: في المثليات م: (أو بالقيمة) ش: في ذوات القيم م: (عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح) ش: أي الرهن.
وفي " شرح الطحاوي ": ولو هلك الرهن في يده قبيل استرداد العين والعين المضمون قائم في يد الراهن، يقال له: سلم العين الذي في يدك وخذ من المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن قيمة ما رهن، لأن الرهن مضمون عندنا كذلك. ولو هلك العين المضمون قبل هلاك الرهن فيصير الرهن رهنا بقيمة العين المضمون، فإذا هلك الرهن بعد ذلك هلك بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن الذي كان رهنا.

(12/500)


قال: والرهن بالدرك باطل، والكفالة بالدرك جائزة. والفرق أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب، وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز. أما الكفالة فلالتزام المطالبة والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال كما في الصوم والصلاة. ولهذا تصح الكفالة بما ذاب له على فلان ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب فهلك عنده يهلك أمانة؛ لأنه لا عقد حيث وقع باطلا. بخلاف الرهن بالدين الموعود، وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[والرهن بالدرك]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والرهن بالدرك باطل) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وصورته: أن يأخذ المشتري من البائع رهنا بالثمن لو أدركه درك فإنه باطل، حتى إذا حبس الرهن فهلك عنده هلك أمانة حل إدراك أو لم يحل، والدرك في اللغة: عبارة عن التبعية من كل شيء ويراد به ضمان الثمن عند استحقاق المبيع م: (والكفالة بالدرك جائزة) ش: بلا خلاف إلا في قول الشافعي: لا يصح، وأحمد في رواية.
م: (والفرق) ش: بين الدركين م: (أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب) ش: أي قبل وجوب الحق م: (وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز) ش: بيانه أن الرهن فيه معنى التمليك، لأن الارتهان استيفاء، والرهن إيفاء، فكان فيه معنى المبادلة، والتمليك لا يصح تعليقها بالأخطار م: (أما الكفالة فلالتزام المطالبة) ش: يعني عقد التزام م: (والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال) ش: أي إلى زمان الاستقبال م: (كما في الصوم والصلاة) ش: يعني لو نذر بالصوم والصلاة يصح. وكذا لو نذر بالصدقة فإنها يحتمل تعليقا بالخطر، ويحتمل الإضافة إلى زمان الاستقبال.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الكفالة التزام المطالبة وصحة التزام الأفعال مضاف إلى المال م: (تصح الكفالة بما ذاب له على فلان) ش: أي بما وجب له أو ظهر له ولم يجز الرهن بما تذوب له عليه، وهو معنى قوله: م: (ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب) ش: أي فلو قبض المشتري الرهن في الدرك قبل حلول الدرك م: (فهلك عنده يهلك أمانة) ش: وكذا لو هلك بعد حلول الدرك م: (لأنه لا عقد حيث وقع باطلا) ش: أي لأن الشأن لا عقد للرهن، لكونه باطلا فلا ضمان.
م: (بخلاف الرهن بالدين الموعود) ش: متصل بقوله يهلك أمانة عسى أنه لا يهلك أمانة، بل يهلك مضمونا. وبين المصنف صورة الدين الموعود بقوله م: (وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته) ش: أي بمقابلة الرهن. قال الأترازي: وفيه تسامح، لأنه يهلك بالأقل من قيمته، ومما سمى له من القيمة. ثم

(12/501)


لأن الموعود جعل كالموجود باعتبار الحاجة، ولأنه مقبوض بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده، فيعطى كله حكمه كالمقبوض على سوم الشراء فيضمنه. قال: ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه الاستيفاء، وهذا استبدال لعدم المجانسة وباب الاستبدال فيها مسدود. ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية، فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نقل عن الإمام الأسبيجابي أنه قال: هكذا في " شرح الطحاوي " م: (لأن الموعود جعل كالموجود) ش: في حالة عقد الرهن م: (باعتبار الحاجة) ش: فإن الرجل يحتاج إلى استقراض شيء، وصاحب المال لا يعطيه قبل قبض الرهن، فيجعل الدين الموعود موجودا احتياطا للجواز دفعا للحاجة عن المستقرض.
م: (ولأنه مقبوض) ش: أي ولأن المأخوذ من القرض (بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده) ش: لأنه جعل كالموجود م: (فيعطى كله حكمه) ش: أي حكم الدين المقبوض م: (كالمقبوض على سوم الشراء) ش: حيث أعطى له حكم الشراء، إلا أن المقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لا بالمسمى من الثمن والمقبوض على سوم الرهن مضمون بما سمى لا بالقيمة م: (فيضمنه) ش: أي إذا كان المقبوض بجهة الرهن الذي أعطى له حكم الدين المقبوض فيضمنه المرتهن القابض على سوم الرهن عن الدين الموعود؟
فإن قيل: قياس هذا بالمقبوض على سوم الشراء غير صحيح، لأن الواجب فيه القيمة وفيما نحن فيه الموعود.
فالجواب: أن التساوي بين المقيس والمقيس عليه في جميع الوجوه ليس بلازم، واعتباره به من حيث إنه يهلك مضمونا لا أمانة. وأما الفرق بينهما فقد ذكرناه الآن.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه) ش: ولا يعلم فيه خلاف للأئمة الثلاثة م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه) ش: أي حكم كل واحد من الثلاثة م: (الاستيفاء) ش: يعني إذا هلك الرهن كان المرتهن مستوفيا لدينه من الرهن واستيفاء غير رأس المال وبدل الصرف والمسلم فيه لا يجوز م: (وهذا) ش: أي الرهن م: (استبدال لعدم المجانسة) ش: يعني استبدال هذه الأشياء من غير جنسه لا يجوز، أشار إليه بقوله: م: (وباب الاستبدال فيها) ش: أي في هذه الأشياء م: (مسدود) ش: يعني لا يجوز أصلا.
م: (ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية) ش: يعني من جنس حقه معنى، وهو المالية والمضمون في الرهن معناه لا صورة، لأنه صورة أمانة م: (فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون)

(12/502)


على ما مر.
قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه. قال: فإن هلك ذهب بغير شيء، لأنه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضا بإذنه. قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم، وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما. قال: وإن افترقا قبل هلاك الرهن بطلا لفوات القبض حقيقة وحكما. قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه، ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي المال وهو المضمون في الرهن، فإذا هلك الرهن في المجلس ثم العقد، وصار مستوفيا لحقه م: (على ما مر) ش: إشارة إلى ما ذكر في أوائل كتاب الرهن والاستيفاء يقع بالمالية لا بالعين أمانة.

[الرهن بالمبيع]
م: (قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه) ش: لأنه ليس في مقابلته حق مضمون بنفسه، ألا ترى أن المبيع إذا هلك سقط ضمانه، ولا يجوز أن يكون رهنا بالثمن، لأن الثمن حق للبائع على المشتري، فلا يجوز أن يعطي به رهنا م: (قال: فإن هلك) ش: أي الرهن في يد المشتري م: (ذهب بغير شيء) ش: يعني سقط ضمانه م: (لأنه لا اعتبار للباطل) ش: وهو الرهن بالمبيع.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " مبسوط شيخ الإسلام خواهر زاده " - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشتري إذا أخذ رهنا من البائع من المبيع، فإن الرهن باطل، فلو هلك الرهن في يد المرتهن من غير فعله يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن المبيع، لأن المرهون مال. فإذا كان باطلا م: (فبقي قبضا بإذنه قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما) ش: أي من حيث الحكم ولاتحاد الجنس من حيث المالية. وعند الثلاثة لا.
م: (قال: وإن افترقا) ش: أي وإن افترق العاقدان في الصرف والسلم م: (قبل هلاك الرهن بطلا) ش: أي بطل الصرف والسلم م: (لفوات القبض حقيقة) ش: وهو ظاهر م: (وحكما) ش: لأن المرتهن إنما يصير قابضا بالهلاك، وكان بالتفريق فلا يثبت قبله، بخلاف ما إذا افترقا بعد هلاك الرهن، لأنه وجد القبض حكما فاستحكم العقد بالاستيفاء بالقبض السابق.
م: (قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه) ش: أي بهلاك الرهن. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم) ش: وقال الأترازي: هذا ليس على إطلاقه، لأنه إنما يصير مستوفيا للمسلم فيه إذا كان في الرهن وفاء به، أما إذا كان الرهن أقل منه فلا. ألا ترى إلى ما قال في باب السلم من" شرح الطحاوي ".

(12/503)


قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه، لأنه بدله، فصار كالمغصوب إذا هلك وبه رهن يكون رهنا بقيمته. قال: ولو هلك الرهن بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه لأنه رهنه به، وإن كان محبوسا بغيره كمن باع عبدا وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله، ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا. وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن هلك الرهن في يده صار مستوفيا، وفي الزيادة يكون استيفاء. وإن كان قيمته أقل من المسلم فيه صار مستوفيا لذلك القدر، ويرجع عليه بالباقي.

م: (قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن) ش: أي والحال أن بالمسلم فيه رهن م: (يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه) ش: يرجع بحبسه، لأن حتى بمعنى الغاية، هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يكون رهنا به حتى لا يحبسه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة م: (لأنه بدله) ش: أي لأن رأس المال بدل المسلم فيه، وبدل الشيء يقوم مقامه م: (فصار كالمغصوب) ش: أي يصير هذا كحكم المغصوب م: (إذا هلك وبه رهن) ش: أي والحال أن بالمغصوب رهنا م: (يكون رهنا بقيمته) ش: لأن الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه، والقيمة عند هلاكه.
م: (قال: ولو هلك الرهن) ش: أي في يد رب السلم م: (بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه) ش: حتى لم يبق لرب السلم مطالبة المسلم إليه بالطعام م: (لأنه رهنه به) ش: أي لأن المسلم إليه رهنه بالطعام.
م: (وإن كان محبوسا بغيره) ش: أي بغير المسلم فيه وهو رأس المال، يعني أن الرهن محبوس برأس المال، وليس بمضمون به، بل هو مضمون بالطعام المسلم فيه، وعليه أن يعطي مثل الطعام الذي كان على المسلم إليه ويأخذ رأس المال م: (كمن باع عبدا) ش: استشهد به على أن كون الشيء محبوسا شيء لا ينافي كونه مضمونا لغيره ولم يرد بالاستشهاد تحقيق كونه مضمونا حالة الهلاك بعدما كان محبوسا حالة العقد، ولهذا بعدما استشهد به أفرد بالذكر قوله ولو هلك المرهون إلى آخره.
م: (وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا) ش: ثم قيد به، لأن الرهن بالبيع لا يجوز م: (ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه) ش: أي البيع الذي أخذ رهنا أن يحبس الرهن م: (لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله) ش: أي بدل العبد.
م: (ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: كان الثمن بدله م: (وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن) ش: يعني أدى ثمنه ثم أراد فسخه للمشتري أن يحبس العبد لاستيفاء الثمن.

(12/504)


ثم لو هلك المشتري في يد المشتري يهلك بقيمته، فكذا هذا.
قال: ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد، لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين. ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء، بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن. قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة، لأن المبيع غير مضمون على المشتري. قال: ولا بالعبد الجاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم لو هلك المشتري) ش: - بفتح الراء - م: (في يد المشتري يهلك بقيمته) ش: لأن العبد هناك بمنزلة الرهن عند المشتري لاستيفاء ثمنه من البائع، فإن هلك المشتري بعد الحبس في يده يهلك بقيمته، أي بقيمة المشتري شراء فاسدا وفي بعض النسخ م: (فكذا هذا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو بعيد يعرف بالتأمل.

[رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد]
م: (قال) ش: أي المصنف - وليس في كثير من النسخ لفظ قال -: م: (ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد؛ لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين) ش: وهم: المدبر والمكاتب وأم الولد والمانع هو حق الحرية. وقال مالك وأحمد يجوز رهن المدبر.
واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: لا يجوز قولا واحد، وقال بعضهم: يجوز قولا واحدا. وقال بعضهم: فيه الوجهان، أحدهما: أنه يحكم بفساد الرهن، والثاني: هو الأصح أنه يباع في الدين ورهن المكاتب يجوز عند مالك وأحمد في رواية ويجوز بيعه. وعندنا والشافعي في الأصح: لا يجوز بيعه.
م: (ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء) ش: أي لتعذر المكفول به من الرهن، لأنه غير ممكن. وأما لو رهن عن بدل الصلح فيها، فإنه صحيح، لأن البدل مضمون بنفسه.
م: (بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن) ش: ولو صالح عنها على عين ثم رهن به رهنا لا يصح، لأنه غير مضمون، فإنه إذا هلك ينفسخ الصلح، فكان كالبيع.
م: (قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة) ش: صورته أن يطلب الشفيع الشفعة ويقضي القاضي بذلك فيقول للمشتري أعطني رهنا بالدار المشفوعة م: (لأن المبيع غير مضمون على المشتري) ش: للشفيع ألا ترى أن المبيع إذا هلك لا يلزم المشتري ضمان م: (قال: ولا بالعبد الجاني) ش: لأنه إذا

(12/505)


والعبد المأذون المديون، لأنه غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء. قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع لم يكن مضمونا، لأنه لا يقابله شيء مضمون. قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء والاستيفاء في حق المسلم، ثم الراهن إذا كان ذميا فالخمر مضمون عليه للذمي كما إذا غصبه. وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه. بخلاف ما إذا جرى ذلك فيما بينهم؛ لأنها مال في حقهم. أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مات بطل حق المجني عليه. ولا يلزم المولى من ذلك شيء م: (والعبد المأذون المديون) ش: بأن يطلب الغريم من المولى رهنا برقبته، لأن الرقبة ليست مضمونة على أحد. ألا ترى أن العبد المديون إذا مات لم يجب بموته شيء على أحد م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء) ش: أي على المولى.
م: (قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع) ش: أي الرهن م: (لم يكن مضمونا؛ لأنه لا يقابله شيء مضمون) ش: ولهذا لو تخاصما إلى القاضي قبل الرهن، فإن القاضي لا يأمر للمستأجر بتسليم الأجر. وقال الكرخي في "مختصره ": رجل استأجر نائحة أو مغنية بأجر معلوم وأعطاها بالأجر رهنا فضاع في يدها لم يكن عليه في ذلك الرهن ضمان أخذ بدين غير واجب، انتهى.
وذلك، لأن الإجارة على ذلك باطلة، والأجرة غير مضمونة، والرهن إذا لم يكن في مقابلته شيء مضمون كان باطلا.
م: (قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء) ش: إذا كان هو الراهن م: (والاستيفاء) ش: إذا كان هو المرتهن م: (في حق المسلم) ش: بيان لما قبله م: (ثم الراهن إذا كان ذميا والمرتهن مسلما فالخمر مضمون عليه) ش: أي على المسلم م: (للذمي كما إذا غصبه) ش: أي كما إذا غصب المسلم الخمر من الذمي م: (وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه) ش: أي من المسلم.
م: (بخلاف ما إذا جرى ذلك) ش: أي عقد الرهن م: (فيما بينهم) ش: أي بين أهل الذمة م: (لأنها) ش: أي لأن الخمر م: (مال في حقهم) ش: أي عند أهل الذمة، وكذلك الحكم في الخنزير، لأن الخمر لهم كالعصير لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا م: (أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها) ش: أي بالميتة م: (فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال) ش: وفي " الأجناس " عن " نوادر هشام " عن محمد قال: نصراني رهن عند نصراني خمرا قيمته

(12/506)


قال: ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد حرا أو الخل خمرا أو الشاة ميتة فالرهن مضمون، لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا. وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر، وهذا كله على ظاهر الرواية. وكذا إذا صالح على إنكار ورهن بما صالح عليه رهنا ثم تصادقا أن لا دين فالرهن مضمون. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه، وكذا قياسه فيما تقدم من جنسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشرة دراهم بعشرة له عليه فأسلم الراهن فأفسد الرهن ولو هلك الخمر لانثنى على صاحب الدين ولو كان المسلم المرتهن ذهب بالعشرة.

[اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا ثم ظهر العبد حرا]
م: (قال) ش: أي المصنف، وليس في أكثر النسخ لفظ قال م: (ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه) ش: أي رهن بثمن العبد فظهر أن العبد المبيع م: (عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد) ش: أي العبد المشترى م: (حرا أو الخل خمرا) ش: أي ظهر الخل خمرا م: (أو الشاة) ش: أي وظهر أن الشاة م: (ميتة فالرهن مضمون) ش: أي بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن م: (لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا) ش: ولهذا لو اختصما قبل ظهور الحرية وظهور الخل خمرا أو الشاة ميتة فالقاضي يقضي بالثمن.
م: (وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر) ش: أي ثم ظهر أن العبد المقتول حر وقد هلك الرهن فإنه لك بالأقل من قيمته وقيمة الرهن م: (وهذا كله) ش: أي وهذا المذكور كله من وجوب الضمان م: (على ظاهر الرواية) ش: في الأصول، وكذا قاله القدوري.
ثم قال: ولا يجب على قول أبي يوسف، أي لا يضمن، لأنه قبضه وليس هناك ضمان.
م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا صالح على إنكار) ش: من وجوب الضمان، صورته ادعى رجل على آخر ألف درهم قرضا فجحدها المدعى عليه، ثم إنه صالح المدعي م: (ورهن بما صالح عليه رهنا) ش: من ذلك على خمسمائة درهم فضاع عنده م: (ثم تصادقا أن لا دين) ش: أي ثم تصادقا جميعا بعد ذلك على أن ذلك باطلا ولم يكن للمدعى عليه شيء م: (فالرهن مضمون) ش: في ظاهر الرواية، لأنه قبض على جهة الضمان، والمقبوض على جهة الشيء كالمقبوض على حقيقته.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه) ش: أي خلاف هذا الحكم، يعني ليس عليه أن يرد شيئا، رواه بشر عنه، لأنهما لما تصادقا أن لا دين فقد تصادقا على عدم الضمان م: (وكذا قياسه) ش: أي وكذا قياس أبي يوسف في عدم الضمان م: (فيما تقدم من جنسه) ش: أي فيما تقدم من المسائل من جنس هذا المذكور من حيث إن الرهن لم يكن بدين مضمون في الحقيقة،

(12/507)


قال: ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عبدا لابنه الصغير، لأنه يملك الإيداع، وهذا أنظر في حق الصبي منه؛ لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ خيفة الغرامة. ولو هلك يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة، والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب لما بينا. وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء. ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأراد بما تقدم ما إذا ظهر العبد حرا والخل خمرا والمذبوح ميتة ففي كل ذلك لا يجب الضمان في قياس قول أبي يوسف وإن لم تكن الرواية محفوظة عنه.

م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه) ش: أي على الأب م: (عبدا لابنه الصغير) ش: قيد الصغير، لأنه لو رهن عبد ابنه الكبير لا يجوز بدون إذنه، ثم جواز الرهن المذكور استحسان، والقياس عدم الجواز، وعن أبي يوسف: أنه أخذ بالقياس، وهو قول الشافعي أيضا.
وجه القياس أنه قضى دينه من مال ابنه وليس له ذلك. ووجه الاستحسان ما قاله المصنف بقوله، م: (لأنه) ش: أي لأن الأب م: (يملك الإيداع) ش: أي إيداع مال ابنه الصغير م: (وهذا) ش: أي رهنه م: (أنظر في حق الصبي منه) ش: أي من الإيداع م: (لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ) ش: من حفظه المودع الوديعة م: (خيفة الغرامة) ش: أي لأجل الخوف عن الغرامة.
وبين ذلك بقول م: (ولو هلك) ش: أي الرهن م: (يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة) ش: وفيه ضياع المال الصغير، بخلاف الرهن، فإنه إذا هلك في يد المرتهن، وفيه وفاء بالدين صار المرتهن مستوفيا دينه، ويضمن الأب قيمته لولده م: (والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب) ش: يعني إذا رهن الوصي متاع اليتيم بدينه جاز، لأن الرهن لا يزيد الملك في حال الكتابة، وهو ضامن له، كذا في " المسائل " والفقيه أبو الليث ذكر القياس والاستحسان في الوصي كالأب م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وهذا أنظر في حق الصبي.
م: (وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما) ش: أي من الأب والوصي، وهو قول الثلاثة أيضا م: (وهو) ش: أي عدم الجواز م: (القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء) ش: أي قياسا على ما إذا أوفيا دينهما من مال الصغير فإنه لا يجوز، فكذا رهنهما، لأنه صرف إلى الصغير إلى منفعته تسهما فلا يجوز.
م: (ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان) ش: أي وجه الفرق بين الرهن وبين حقيقة الإيفاء على ظاهر الرواية م: (أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال،

(12/508)


وفي هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده، ويصير الأب أو الوصي موفيا له ويضمنه للصبي، لأنه قضى دينه بماله، وكذا لو سلطا المرتهن على بيعه؛ لأنه توكل بالبيع وهما يملكانه. قالوا: أصل هذه المسألة البيع، فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة ويضمنه للصبي عندهما. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة، وكذا وكيل البائع بالبيع والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي هذا) ش: أي وفي الرهن م: (نصب حافظ لماله) ش: أي لمال الصغير حال كون الحفظ م: (ناجزا) ش: يعني في الحال ظاهرا م: (مع بقاء ملكه) ش: أي ملك الصغير، لأن بالرهن لا يخرج المال عن الملك، فإذا كان كذلك م: (فوضح الفرق) ش: أي فظهر الفرق بين الإيفاء والرهن.
م: (وإذا جاز الرهن) ش: أي رهن متاع الصغير م: (يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده) ش: أي لو هلك الرهن في يد المرتهن م: (ويصير الأب أو الوصي موفيا له) ش: أي موفيا دينه بالرهن م: (ويضمنه للصبي؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأب والوصي م: (قضى دينه بماله) ش: أي بمال الصغير. م: (وكذلك لو سلطا المرتهن على بيعه) ش: أي كما أن الأب والوصي يضمنان للصبي إذا هلك متاعه الذي رهناه عند المرتهن، فكذلك يضمنان إذا سلط المرتهن على بيع الرهن فباعه م: (لأنه توكل بالبيع وهما) ش: أي الأب والوصي م: (يملكانه) ش: التوكيل بالبيع.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (أصل هذه المسألة البيع) ش: أي أصل مسألة الرهن من الأب أو الوصي بدين نفسه متاع الصغير البيع م: (فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة) ش: أي بين الدين والثمن م: (ويضمنه للصبي عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يضمنان للغير.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة) ش: بل يبقى دين الغريم على الأب والوصي كما كان، ويكون الثمن للصغير على المشتري، فإذا ثبت هذا الخلاف في البيع ثبت في الرهن أيضا، لأن الرهن معاقبة بالنظر إلى كونه مضمونا نظير البيع.
م: (وكذا وكيل البائع بالبيع) ش: يعني إذا باع الوكيل ممن له عليه دين تقع المقاصة عندهما خلافا لأبي يوسف م: (والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان) ش: وفي بعض النسخ والبيع نظير الرهن، يعني أنه يصير عند الهلاك قاضيا دينه من مال الصغير ضامنا له مثله، وفي البيع كذلك، فإنه يصير قاضيا دينه من دين الصغير ضامنا له مثله.

(12/509)


وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه أو من ابن له صغير أو عبد له تاجر لا دين عليه جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفي العقد. ولو ارتهنه الوصي من نفسه أو من هذين، أو رهن عينا له من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز، لأنه وكيل محض، والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة في حقه إلحاقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه) ش: أي رهن متاع الصبي بدين له من نفسه م: (أو من ابن له صغير) ش: أي رهن من ابن آخر صغير متاع الصغير م: (أو عبد) ش: أي أو رهن من عبد م: (له تاجر لا دين عليه جاز) ش: أي لا دين على العبد التاجر، قيد به ليكون هذا التصرف من الجانبين، لأن العبد المديون يكون الولي منه كالأجنبي، فيكون الرهن جائزا بلا شبهة م: (لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين) ش: يعني أنزل بمنزلة الصغير في جانب الصغير في تولي القبول منه، وفي حق الإيجاب هو عاقل لنفسه، بخلاف الوصي فإنه لقصور شفقته لم يعدله عن الحقيقة في عدم إنزال الشخص الواحد منزلة شخصين م: (وأقيمت عبارته) ش: أي عبارة الأب م: (مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه، فتولى طرفي العقد) ش: وهما الإيجاب والقبول.
الأصل في هذا: أن الواحد لا يتولى طرفي العقد إلا الأب، فإنه يتولى طرفي بيع مال اليتيم من نفسه، وبيع مال نفسه من اليتيم استحسانا. والقياس أنه باطل، وهو قول زفر، وعند الشافعي يجوز أن يبيع من ولده، ولا يجوز أن يشتري منه، وإذا باع الوصي ماله من يتيم في حجره أو اشترى مال اليتيم لنفسه لم يصح عندهما على كل حال، لأنه أجنبي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا بنفع ظاهر، وهو أن يبيع ما يساوي درهمين بدرهم، أو يشتري ما يساوي درهما بدرهمين أو بدرهم ونصف، وكذا ما يعد غبنا فاحشا، فإنه يعد نفعا ظاهرا هنا، كذا ذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ".
م: (ولو ارتهنه الوصي من نفسه) ش: أي لو ارتهن الوصي متاع الصغير بدين للوصي على الصغير م: (أو من هذين) ش: أي لو ارتهن متاع الصغير بدين ابنه الصغير على الصغير اليتيم وعبد تاجر له م: (أو رهن عينا له) ش: أي لليتيم م: (من اليتيم بحق لليتيم عليه) ش: أي على الوصي م: (لم يجز؛ لأنه وكيل محض) ش: أي لأن الوصي وكيل محض فلا يباشر شيئا فيه ضرر للصغير م: (والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو) ش: أي الوصي م: (قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة) ش: وهي جعل الواحد واحدا م: (في حقه إلحاقا

(12/510)


له بالأب، والرهن من ابنه الصغير وعبده التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه، بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين؛ لأنه لا ولاية له عليهم، بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء؛ لأنه متهم فيه، ولا تهمة في الرهن لأن له حكما واحدا.
وإن استدان الوصي لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز، لأن الاستدانة جائزة للحاجة والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز. وكذلك لو اتجر لليتيم فارتهن أو رهن، لأن الأولى له التجارة تثميرا لمال اليتيم فلا يجد بدا من الارتهان والرهن، لأنه إيفاء واستيفاء. وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
له بالأب) ش: أي لأجل إلحاق الوصي بالأب، وهذا في حيز النفي والمعنى أن الوصي لا يلحق الأب في جواز تولي طرفي العقد، لأنه قاصر الشفقة م: (والرهن من ابنه الصغير) ش: أي من ابن الوصي م: (وعبده) ش: أي ومن عبد الوصي م: (التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه) ش: فلا يجوز، ما لو رهن من نفسه.
م: (بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين) ش: الضمائر كلها راجعة إلى الوصي حيث يجوز م: (لأنه لا ولاية له عليهم) ش: أي لا ولاية للوصي على الابن الكبير وابنه وعبده الذي عليه دين، لأنه في كسبهم بمنزلة الأجنبي، وهم أحق بالكسب منه.
م: (بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء) ش: المذكورين حيث لا يجوز م: (لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (متهم فيه) ش: أي في البيع من هؤلاء م: (ولا تهمة في الرهن؛ لأن له حكما واحدا) ش: أي لأن الرهن حكما واحدا، وهو أنه مضمون بأقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه عند هؤلاء أو عند الأجنبي كذا في " المبسوط ".

م: (وإن استدان الوصي) ش: من يعني وإن استقرض الوصي م: (لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز؛ لأن الاستدانة جائزة للحاجة، والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز) ش: أي لأجله الإيفاء للحق فيجوز للوصي أن يوفي الحق الذي على الصغير من مال الصغير.
م: (وكذلك) ش: يجوز م: (لو اتجر) ش: الوصي م: (لليتيم فارتهن أو رهن؛ لأن الأولى له التجارة تثميرا) ش: أي لأجل التثمير م: (لمال اليتيم فلا يجد بدا) ش: فلا يستغني م: (من الارتهان والرهن؛ لأنه إيفاء واستيفاء) ش: أي لأن الرهن إيفاء للدين عند الرهن، واستيفاء عند الارتهان.
م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب) ش: قيد الموت اتفاقي، إذا لا تأثير للموت، لأنه إذا عقد الأب ثم بلغ الصبي ليس له نقض رهنه، ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام "

(12/511)


ليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين. لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه. ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن. وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه؛ لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين، فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك للولد، لإيفائه دينه من ماله بهذا المقدار، وكذلك الوصي، وكذلك الجد أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصي الأب.
ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
و" شرح الطحاوي "، وكذا ذكر الأب اتفاقي، لأن حكم رهن الوصي كذلك م: (ليس للابن أن يرده حتى يقضي الدين) ش: وإنما أطلق رهن الأب ولم يذكر أن رهنه بدين نفسه أو بدين الصغير، لأن الحكم واحد في الوجهين م: (لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الأب مقام الصغير.
م: (ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن) ش: أي فأشبه الابن معير الرهن م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يرجع م: (إذا هلك) ش: أي الرهن م: (قبل أن يفتكه) ش: أي قبل فكاك الرهن م: (لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله) ش: أي يصير قاضيا دين نفسه من مالية مال الابن م: (فله أن يرجع عليه) ش: أي على الأب. م: (ولو رهنه) ش: أي ولو رهن الأب متاع ولده م: (بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين) ش: أراد بهما رهن الأب متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: يريد به رهن الأب والوصي متاع الصغير لهذين على نفسه ورهنهما متاعه للدين على اليتيم، كذا قاله الكاكي، م: (فإن هلك) ش: أي الرهن م: (ضمن الأب حصته) ش: أي حصة نفسه م: (من ذلك للولد لإيفائه دينه من ماله) ش: أي من مال الولد م: (بهذا المقدار) ش: أي مقدار حصته.
م: (وكذلك الوصي) ش: أي وكذلك حكم الوصي إذا رهن متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير م: (وكذلك الجد) ش: واحترز به عن أب الأم فإنه لا ولاية له أصلا، أي حكم الجد فيما ذكرنا لوجود أمرين، أحدهما هو قوله م: (أب الأب، إذا لم يكن الأب) ش: والثاني عدم الوصي أشار إليه بقوله: م: (أو وصي الأب) ش: أي وإذا لم يكن وصي الأب.
م: (ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي

(12/512)


لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ، لأنه استعاره لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والمال دين على الوصي، معناه هو المطالب به، ثم يرجع بذلك على الصبي، لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي، ولو استعاره لحاجة نفسه ضمنه للصبي، لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه، ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته، لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل. فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم، لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ) ش: أي كفعل اليتيم بنفسه، لأن رهن الوصي كرهن اليتيم واستعارته كاستعارته. ولو فعل ذلك اليتيم بنفسه بعد البلوغ ثم هلك الرهن لم يهلك على المرتهن، فكذا هذا.
م: (لأنه) ش: أي لأن الوصي م: (استعاره) ش: أي الرهن م: (لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا) ش: يعني ولو كان اليتيم بالغا فرهن بنفسه ثم استعاره من المرتهن فهلك في يده لم يسقط الدين م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره بعد عدة أوراق في باب التصرف في الرهن عند قوله: وإذا ادعى المرتهن الرهن للراهن م: (والمال دين على الوصي) ش: أي مال المرتهن دين عليه م: (معناه) ش: أي معنى والمال دين على الوصي م: (هو المطالب به) ش: أي بالدين م: (ثم يرجع) ش: الوصي م: (بذلك على الصبي؛ لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي) ش: أي لأن الاستعارة كانت لمصلحة الصبي، وإنه قضى دين الصبي فيرجع عليه.
م: (ولو استعاره) ش: أي ولو استعار الوصي الرهن م: (لحاجة نفسه ضمنه) ش: يعني إذا هلك في يده ضمنه م: (للصبي لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه) ش: أي لأنه لم يكن له ولاية استعمال في مال الصغير في حاجة نفسه، فكان متعديا فيضمن. م: (ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته؛ لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي) ش: أي ولأنه متعد في حقه م: (بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل) ش: أي الدين م: (فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم؛ لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا) ش: يعني

(12/513)


وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن، وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل لليتيم، وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن، لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده، ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه. ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير، لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ لأن له ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه إن كان قد حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن الوصي وجب عليه باستعمال مال اليتيم في حاجة نفسه لليتيم كما وجب على اليتيم للوصي بقضاء الوصي دين اليتيم، فصار آخر الدينين قصاصا عن الأول.
م: (وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن) ش: قال الكاكي: قوله أدى قدر الدين إلى المرتهن. وفي بعض النسخ: أدى قدر القيمة، وهذا سهو وقع من الكاتب، وهذا ظاهر لا خفاء لأحد أن حق المرتهن بقدر الدين لا قيمة الرهن، فكان الصحيح ما أثبته في المتن، وكذلك قاله الأترازي، وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن مثل ما قالا أدى قدر الدين.
وفي نسخة العرف وقع السهو، والعمدة على ما قالوا، م: (وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل) ش: أي أدى الفضل م: (لليتيم وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن) ش: لأنها تقوم مقام الرهن م: (لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه) ش: أراد به قوله فإن كانت قيمته مثل الدين، إلى آخره.
م: (ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير؛ لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ) ش: أي وكذا حكم أخذ الوصي الرهن من المرتهن مثل ما ذكر م: (لأن له) ش: أي للوصي م: (ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا) ش: أي ولأجل كونه ولاية الأخذ م: (قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه) ش: أي يأخذه المرتهن ما تضمنه الوصي بمقابلة دينه م: (إن كان قد حل) ش: أي الدين م:

(12/514)


ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد؛ بل هو عامل له، وإن كان لم يحل يكون رهنا عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه ويرجع الوصي على الصبي بذلك لما ذكرنا.
قال: ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، لأنه يتحقق الاستيفاء منه، فكان محلا للرهن. فإن رهنت بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده يصير مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه. وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر، هذا الجواب في الوجهين بالاتفاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد، بل هو عامل له) .
م: (وإن كان) ش: أي الدين م: (لم يحل يكون رهنا) ش: أي تكون القيمة رهنا م: (عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه) ش: أي من القيمة م: (ويرجع الوصي على الصبي بذلك) ش: أي بما أخذ المرتهن م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه ليس بتعد بل هو عامل له.

[رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون؛ لأنه يتحقق الاستيفاء منه) ش: أي من رهن هذه الأشياء م: (فكان) ش: أي حل كل واحد من هذه الأشياء م: (محلا للرهن، فإن رهنت) ش: أي هذه الأشياء م: (بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها) ش: لأن الجودة لا قيمة لها إذا لاقت جنسها فيما يجري فيه الربا.
م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (يصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه) .
م: (وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه) ش: صورته في " الجامع " قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل عليه عشرة دراهم لرجل فرهنه بها إبريق فضة قيمته عشرة دراهم فضاع، قال: هو بما فيه.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قوله هو بما فيه م: (أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر) ش: فإن كان مثله فلا يشكل، لأنه لا ربا فيه ولا ضرر، وإن كان أكثر فكذلك عندهم جميعا، أشار إليه بقوله م: (هذا الجواب) ش: أي قوله هو بما فيه م: (في الوجهين بالاتفاق) ش: وأراد بالوجهين ما كانت قيمته مثل وزنه أو أكثر على ما

(12/515)


لأن الاستيفاء عنده باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا. فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور. لهما: أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ولا إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه. وله: أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكره في الكتاب، وفي بعض النسخ: "في الفصلين". م: (لأن الاستيفاء عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير) ش: أي على الدين م: (بقدر الدين مستوفيا) ش: وتسقط الزيادة لكونه أمانة م: (فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور) ش: يعني عند أبي حنيفة: يهلك بالدين، وعندهما: يضمن القيمة من خلاف جنسه.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن) ش: وهو إسقاط حقه في الجودة م: (ولا) ش: أي ولا وجه أيضا م: (إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض) ش: أي قبض المرتهن في قيمة الهالك م: (ويجعل مكانه) ش: أي ويجعل قيمة الإبريق مكان الإبريق رهنا، وقال تاج الشريعة: أي يجعل الضمان مكان الهالك م: (ثم يتملكه) ش: أي يتملك الراهن الرهن الذي جعل مكان الرهن الأول، كذا فسره الأكمل.
وقال الأترازي: ثم يتملك الراهن تلك القيمة، ويرجع المرتهن عليه بدينه، أو يتملك المرتهن الإبريق الذي ضاع فضمنه، لأنه أدى بدله، وهذا وجه عندي. وقال الكاكي: وما ذكر في بعض الحواشي: ثم يتملكه - أي المرتهن - غير صحيح، لأن تملك المرتهن لا يخلو، إما أن يجعل ذلك المضمون مكان الرهن الأول ثم يتملكه المرتهن أو يتملكه قبل أن يجعل رهنا مكان الأول، فإن جعله رهنا ثم يتملكه لا يصح، لأن ذلك حكم جاهلي، وإن تملكه قبل جعله رهنا كان مخالفا لجميع الروايات من " مبسوط شيخ الإسلام " و" شروح الجامع ".
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به) ش: قال الكاكي: هذا وقع في النسخ، ولكن الأصح أن يقال: استيفاء الرديء بالجيد جائز، لأن الاستدلال بقوله "كما إذا تجوز به" يعني في بدل الصرف والسلم، أن الأصح ما قلنا، لأن التجوز يستعمل فيما إذا أخذ الرديء

(12/516)


وقد حصل الاستيفاء بالإجماع، ولهذا يحتاج إلى نقضه، ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان، لأنه لا بد له من مطالب ومطالب، وكذا الإنسان لا يضمن ملك نفسه، ويتعذر التضمين بتعذر النقض، وقيل: هذه فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجيد فهلكت. ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مكان الجيد، ولأن في جواز استيفاء الجيد بالرديء لا شبهة لأحد فيه فلا يحتاج إلى الاستدلال بشيء آخر، ولأن وضع المسألة فيما إذا استوفى المرتهن بعشرة قيمة إبريق هي أقل من العشرة لروايته، فكان المرتهن مستوفيا الرديء بمقابلة جيده.
وقال الأترازي: وصوابه أن يقال: واستيفاء الرديء بالجيد جائز بدلالة السياق، أما الأول: فإن المسألة في استيفاء الإبريق الذي قيمته أقل من عشرة له ذاته بالعشرة الجيدة. وأما الثاني: فلأن قوله" تجوز به" دليل على ذلك، لأن التجوز يستعمل في المسامحة في الاستيفاء، وإنما المسامحة في استيفاء الرديء بالجيد، ولا حاجة إلى المسامحة في عكسه، انتهى.
قلت: الذي سبق بهذا صاحب " النهاية "، ونقل عن الأكمل مثل ما ذكرنا، ثم قال: وأولى أن ما في النسخ حق ولم أدر ما وجه ذلك.
م: (وقد حصل الاستيفاء بالإجماع) ش: لأن المرتهن متى يصير مستوفيا بالهلاك فقد رضي بوقوعه استيفاء، فكأنه رضي بدون حقه، وصار كما لو استوفى الرديء مكان الجيد وهو عالم، كذا في " المبسوط ".
م: (ولهذا يحتاج إلى نقضة) ش: أي ولأجل حصول الاستيفاء بالهلاك يحتاج إلى نقضه والغرض عدمه، وأشار إليه بقوله: م: (ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان) ش: بيانه أن الاستيفاء لا يرتفع إلا بنقض الاستيفاء يرد الرهن إلى الراهن، فلم يوجد النقض بالرد، ولا يمكن نقضه بالضمان، لأنه تعذر، وهو معنى قوله م: (لأنه لا بد له) ش: أي للضمان م: (من مطالب) ش: بكسر اللام م: (ومطالب) ش: بفتح اللام، ولا يمكنه تحقيق هذا المعنى في الشخص الواحد لتنافي توضيحه المطالب - بكسر اللام - لا يخلو إما أن يكون الراهن أو المرتهن لا سبيل إلى الأول لكونه متعينا في طلبه ما يضره، ولا المرتهن، لأنه يطالب - بفتح اللام -، فلا يكون مطالبا - بكسر اللام. م: (وكذا الإنسان) ش: دليل آخر م: (لا يضمن ملك نفسه) ش: لأن الإنسان إنما يضمن لأجل غيره وضمان المرتهن، هذا لأجل نفسه، ولا نظير له في الشرع فلم يستقم القول به م: (ويتعذر التضمين بتعذر النقض) ش: فيتقرر الاستيفاء.
م: (وقيل: هذه) ش: أي هذه المسألة م: (فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد فهلكت ثم

(12/517)


علم بالزيافة يمنع الاستيفاء، وهو معروف، غير أن البناء لا يصح على ما هو المشهور، لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قبض الزيوف ليستوفي من عينها، والزيافة لا تمنع الاستيفاء وقد تم بالهلاك وقبض الرهن ليستوفى من محل آخر، فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن عنده بالتضمين. ولو انكسر الإبريق ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: لا يجبر على الفكاك، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علم بالزيافة يمنع الاستيفاء) ش: وجه كونه فرعا أن المرتهن يصمد مستوفيا حكما بهلاك الرهن، فيعتبر بما لو استوفى حقيقة كما في هذه المسألة حقيقة، ولا يكون نقض استيفائه حقيقة، فكذا فيما نحن فيه م: (وهو معروف) ش: أي حكم استيفاء الديون عن الجياد معروف م: (غير أن البناء) ش: أي بناء هذه المسألة، على مسألة قبض الدين زيفا مكان الجيد م: (لا يصح على ما هو المشهور) ش: من الرواية م: (لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على ما قيل: إن عيسى بن أبان روى: أن محمدا مع أبي يوسف في تلك فلا يصح البناء.
والحاصل: أنه لو كانت هذه المسألة بناء على تلك المكان قول محمد هنا مثل ما كان ثمة، وليس كذلك، لأن محمدا ثمة مع أبي حنيفة، وهنا مع أبي يوسف، وهو معنى قوله " لأن محمدا هنا مع أبي حنيفة "، م: (وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإذا كان كذلك لم يصح البناء بأن تكون هذه المسألة ابتدائية.
م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني على تقدير أن تكون هذه المسألة بناء على تلك المسألة م: (أنه) ش: أي أن رب الدين م: (قبض الزيوف ليستوفي) ش: أي دينه م: (من عينها) ش: أي يكون عينها قدام ماله من الدين عليه م: (والزيافة لا تمنع الاستيفاء) ش: فكان الدين من جنس حقه م: (وقد تم) ش: أي الاستيفاء م: (بالهلاك) ش: أي الرهن.
وفي مسألة الرهن: ما قبض الرهن ليستوفي حقه من عين الرهن، بل قبضه وثيقة حتى يستوفي حقه من غير الرهن، وهو معنى قوله م: (وقبض الرهن ليستوفي من محل آخر) ش: يعني من غير الرهن، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن) ش: أي نقض القبض م: (عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بالتضمين) ش: أي بتضمين المرتهن.
م: (ولو انكسر الإبريق) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيما إذا هلك الرهن، أما إذا انكسر م: (ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الإبريق الرهن م: (مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا يجبر على الفكاك) ش: أي لا يجبر الراهن على فك الرهن م: (لأنه

(12/518)


لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد، ولا إلى أن يفتكه مع النقصان لما فيه من الضرر فخيرناه إن شاء أفتكه بما فيه، وإن شاء ضمنه قيمته من جنسه أو خلاف جنسه، وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا صار بمنزلة الهلاك، وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع، فكذا فيما هو في معناه. قلنا: الاستيفاء عند الهلاك بالمالية، وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة، ثم تقع المقاصة. وفي جعله بالدين إغلاق الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد) ش: فإنه لم ينقض عن الدين إلا في مقابلة ما فات من جودة الإبريق بالكسر، وذلك ربا.
م: (ولا إلى أن يفتكه مع النقصان) ش: أي ولا أيضا إلى أن يمسك الراهن الرهن مع النقصان م: (لما فيه من الضرر) ش: بالراهن، لأن المرتهن قبض الرهن سليما من العيب، وبالانكسار صار معيبا، فيصل إليه حقه ناقصا إذا لم يسقط شيء من دينه، وذلك ضرر به لا محالة، فإذا كان كذلك م: (فخيرناه) ش: أي الراهن م: (إن شاء أفتكه بما فيه) ش: أي بالدين الذي في الكسور، يعني: انفك الراهن الإبريق المنكسر ناقصا لما هو بالدين الذي هو مرهون فيه يعني بجميع الدين.
م: (وإن شاء ضمنه قيمته) ش: أي المرتهن م: (من جنسه أو خلاف جنسه) ش: أي خلاف جنسه مصنوعا م: (وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان) ش: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك) ش: فثمة مضمون بالدين لا بالقيمة بالإجماع، فكذا هنا.
م: (وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا) ش: يعني لما تقدم أنه لا وجه إلا أن يذهب - يعني: من الدين ولا أن يفتكه من النقصان، بقي أن يفتكه مجانا، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (صار بمنزلة الهلاك) ش: في تعذر الهلاك، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع فكذا فيما هو في معناه) ش: أي في معنى الانفكاك الحقيقي.
م: (قلنا: الاستيفاء عند الهلاك) ش: أي عند هلاك الرهن م: (بالمالية) ش: وكل ما استوفى عند الهلاك بالمالية له طريقه م: (وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة) ش: لفوات عينه م: (ثم تقع المقاصة) ش: بين الدينين يعني ما له وما له عليه، وهو مشروع م: (وفي جعله بالدين) ش: أي وفي جعل الرهن مضمونا بالدين حال قيامه م: (إغلاق الرهن) ش: وهو الإجناس الكلي بأن يصير

(12/519)


وهو حكم جاهلي، فكان التضمين بالقيمة أولى. وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه، وتكون رهنا عنده، وهذا بالاتفاق، أما عندهما فظاهر، وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة. وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن جميع قيمته، وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة للوزن عنده لا للجودة والرداءة، فإن كان باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا، وإن كان بعضه فبعضه، وهذا لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرهن مملوكا للمرتهن.
م: (وهو حكم جاهلي) ش: مردود في الشرع، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» ، ولو جعلناه مضمونا بالقيمة لا يؤدي إلى غلوق الرهن لانتقال حكم الرهن إلى مثله، فإذا كان كذلك م: (فكان التضمين بالقيمة أولى) ش: وفي هذه العبارة تسامح، والحق أن يقال: فكان التضمين بالقيمة واجبا أو صوابا أو الصحيح أو ما شاء كل ذلك.
م: (وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية) ش: بأن يكون الوزن عشرة كالدين وقيمته ثانية، وإنما قدم الوجه الثالث على الوجه الثاني لأنه له مناسبة بالوجه الأول من جهة أنهما قالا: هو ما يصلح أن يكون مضمونا بالقيمة فيما إذا كان وزنه وقيمته سواء، كما إذا كانت قيمته أقل من وزنه م: (يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه وتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (بالاتفاق) ش: بين أصحابنا الثلاثة.
م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف: م: (فظاهر) ش: كما إذا كانت قيمته مثل وزنه في حال الانكسار م: (وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة) ش: يعني في هذا الفصل، وهو ما إذا كانت قيمة الإبريق أقل من وزنه لا بالدين، فكذا الانكسار.
م: (وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر) ش: لجودة صناعته فيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن جميع قيمته وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة) ش: في الأموال الربوية م: (للوزن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لا للجودة والرداءة، فإن كان) ش: أي الرهن م: (باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا) ش: كما إذا وزن الرهن مثل وزن الدين جعل الرهن كله مضمونا من حيث القيمة م: (وإن كان بعضه فبعضه) ش: أي وإن كان بعضه مضمونا كما إذا كان وزن الرهن أكثر من وزن الدين فبعضه مضمون، وهو مقدار الدين لا الزائد عليه، وتنقسم الجودة على المضمون، ولأن حصة المضمون مضمونة، وغيرها أمانة. م: (وهذا لأن

(12/520)


الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا، ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها سمعا فأمكن اعتبارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة) ش: لا يخالف الأصل م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه) ش: أي سدس المنكسر م: (يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا) ش: بطرءان الشيوع، فإن الطارئ [....
.] لأنه فيه كالمقارن.
م: (ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده) ش: أي فعند أبي يوسف م: (تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض) ش: مرض الموت، فإنه إذا باع قلبا وزنه عشرة وقيمته عشرون بعشرة لم يسلم للمشتري ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو تبرع من العين.
م: (وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها) ش: كلمة إن واصلا إليه بقوله م: (سمعا) ش: أي من حيث السماع من الشارع، وهو قوله: جيدها ورديئها سواء م: (فأمكن اعتبارها) ش: يعني اعتبار الجودة، لأن زيادة القيمة بالجودة كالزيادة في الوزن، فأمكن اعتبارها، وسدسه أمانة، فالمعتبر بالانكسار فيما هو مضمونه تعتبر، وحالة الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده أيضا، فيضمن قيمته خمسة أسداسه من خلاف جنسه، وطريق معرفته خمسة أسداس الوزن أن ينفصل من الوزن الذي هو عشرة سدسه وهو درهم وثلثا درهم يبقى خمسة أسداسه وهي ثمانية دراهم وثلث درهم، وذلك لأن العشرة ستة أسداس، فيكون خمسة أسداس الإبريق عشرة. وفي بيان قول محمد نوع طول يعرف في موضعه من " المبسوط " و" الزيادات " مع جميع شعبها وشعبها ستة وعشرون فصلا، ونذكر أولا أصولا في هذا الباب:
منها: أنه إذا رهن فضة من فضة، أو ذهبا بذهب، أو حنطة بحنطة، أو شعيرا بشعير، فهلك الرهن وقيمته بمثل الدين وقدره كقدره هلك بالدين في قولهم جميعا، وإذا كانت قيمته أكثر من قيمة الدين وقدره مثل وزن الدين هلك بالدين في قولهم، وإن كانت قيمته أقل من قيمة الدين فهلك ذهب بالدين عند أبي حنيفة.

(12/521)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالا: يقوم المرتهن بمثله إن كان له مثل قيمته إن لم يكن له مثله من غير جنسه، ويرجع بالدين. وإذا دخل في الرهن نقص بغير فعل المرتهن فقد ذكر في " الأصل " عند أبي حنيفة أنه يضمن قيمته، فيكون رهنا، وإن كان وزنه أكثر من الدين ضمن بقدر الدين.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في " الإملاء " وفي "نوادره": أنه لا ضمان على المرتهن، ويقال للراهن: هات الدين كله وخذ الرهن. وكذلك روي عن ابن الزبير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وقال محمد في " الزيادات ": هو قياس قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كانت قيمته مثل الدين ضمنه المرتهن.
وإن كانت قيمته أكثر من الدين ووزنه كوزن الدين فقد اختلفت الروايات عن أبي يوسف، فروى محمد عنه: أنه يضمن منه مقدار المضمون من القيمة. وروى بشر عنه: أنه يضمن قيمته. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرهن إذا دخله عيب وجودته مثل الدين أو أكثر: أن للراهن أن يتركه على المرتهن بدينه، ومنع أبو حنيفة وأبو يوسف ذلك.
وإذا ثبتت هذه الأصول قلنا: لا يخلو إما أن يكون وزن الرهن مثل الدين أو أقل أو أكثر، فإن كان مثل الدين فلا يخلو إما أن يكون مثله في الجودة، أو دون، أو أجود، وإن كان وزنه أكثر من الدين فلا يخلو إما أن يكون قيمته أكثر من وزنه، أو مثل وزنه، أو أقل من وزنه ومثل الدين، أو أقل من وزنه وأقل من الدين، أو أقل من وزنه من الدين، أو أكثر من الدين فهذه ثلاثة عشر فصلا، كل واحد منها لا يخلو الرهن فيه من هلاك أو نقص، فذلك ستة وعشرون فصلا.
وبيان هذه الفصول: أنه إذا كان وزن الرهن مثل الدين، وقيمته كذلك هو أن يكون الدين عشرة ووزن الرهن عشرة، وقيمته عشرة فلا يخلو إما أن يهلك أو ينكسر، فإن هلك هلك بالدين في قولهم جميعا، وإن انكسر ضمن قيمته بالانكسار في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف.
وقال محمد: للراهن أن يملكه بدينه، وإن كان وزنه مثل الدين وقيمته أقل، وهو أن يكون ثمانية، فإن هلك هلك بالدين، وعند أبي حنيفة وعندهما: يضمن قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة في رواية، وهو قول أبي يوسف، ولا يمكن التمليك عند محمد، لأنه أدون من حق المرتهن إلا أن يرضى المرتهن بذلك، وإذا كانت قيمته أكثر من الوزن مثل أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بالدين عند أبي حنيفة، لأن الجودة لا قيمة لها عنده. وعند محمد: أن الجودة لا اعتبار بها هاهنا، لأنها فاضلة عن الدين

(12/522)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فهو أمانة، وأما على قول أبي يوسف فالجودة مضمونة كالوزن فقد قيل على قوله: يهلك خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة، وقيل على قوله يضمن المرتهن خمسة أسداس انقلب من الذهب، ويرجع بدينه حتى لا يؤدي ذلك إلى الربا، وأما إذا انكسر فله ثلاثة أحوال إما أن يذهب بالانكسار بعض الجودة فبقي قيمته أحد عشر، وكل الجودة فتبقى قيمته عشرة أو أكثر من الجودة فتبقى قيمته ثمانية، ففي جميع الأحوال عند أبي حنيفة يضمن جميعه.
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يضمن خمسة أسداسه، وفي رواية: يضمن جميعه. وعند أبي يوسف في رواية: يضمن جميعه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص من القيمة درهم، أو درهمان، ولا ضمان على المرتهن ويفكه الراهن بجميع دينه. وقد قيل على قوله: له أن يضمنه، وإن كان الدين عشرة والوزن ثمانية فإن كانت قيمته أقل من وزنه مثل أن يكون ستة، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة. وعندهما يقوم قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يقوم قيمته من الذهب، وعند محمد لا يجزه في التمليك فلا بد من التضمين على قوله، وإن كانت قيمته مثل وزنه فهلك هلك بمثل وزنه في قولهم: وإن انكسر ضمن عندهما. وعند محمد: له أن يملكه بثمانية من الدين لأنه مثلها في الوزن والجودة.
وإن كانت قيمته أكثر من وزنه وأقل من الدين مثل أن يكون تسعة هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعندهما يضمن قيمته. وإن انكسر ضمن قيمته في قولهم، وإن كانت قيمته مثل الدين وهو أن يكون عشرة فالكلام في الهلاك والانكسار كالكلام فيه إذا كانت قيمته تسعة، وإن كانت قيمته أكثر من الدين وهو أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداسه، وقد قيل: يهلك خمسة أسداسه بالدين.
وإن كان أقل من الدين وزنا. وقد قيل عنه: إنه يضمن قيمته خمسة أسداسه من الذهب ويرجع بدينه على الراهن حتى لا يؤدي إلى الربا، وإن انكسر فجميعه مضمون عند أبي حنيفة، وأبي يوسف يضمن خمسة أسداسه. وعند محمد: إن نقص بالانكسار درهم أو درهمان لم يضمن. وإن نقص أكثر من ذلك ضمن، إلا أن يختار تمليكه بدينه وإسقاط الجودة. وإذا كان وزنه أكثر من الدين، وهو أن يكون اثني عشر، فإذا كانت قيمته مثل وزنه فهلك ذهب خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة في قولهم، فإن انكسر ضمن خمسة أسداسه في قولهما. وعند محمد: له أن يملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن كانت قيمته أقل من وزنه وأكثر من الدين مثل أن يكون وزنه اثني عشر، وقيمته أحد عشر، فإذا هلك هلك

(12/523)


قال: ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا، والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل، وجه القياس أنه صفقة في صفقة وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين خمسة أسداسه عند أبي حنيفة، ولا رواية عنهما في هذا الفضل.
وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يعتد بالجودة، وكذا يجب أن يكون على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لا جودة في الرهن، فيعتبر الوزن. وعلى قول محمد: لا يجوز التمليك بأن الوزن أوزن من الدين. وإن كانت قيمته مثل من الدين عشرة فهلك: هلك خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وعندهما يقوم جميع قيمته. وإن كانت قيمته أقل من الدين مثل أن يكون قيمته ثمانية، فإن هلك: ذهب خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه. وعندهما: يضمن قيمته في الحالين، وإن كانت قيمته خمسة عشر فهلك بخمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقيل: على قول أبي يوسف: إنه يضمن مقدار الدين من القيمة. وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يملكه إن اختار، وإن انكسر ضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أسداسه. وعند أبي يوسف: يضمن ثلثيه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص مقدار الجودة لم يعتد به، وإن نقصه من الوزن فإن شاء ملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن شاء أفتكه بجميع الدين وإن شاء غرمه قيمة خمسة أسداسه حتى لا يسقط حقه من الجودة، وبقي الكلام هنا في فصل واحد، وهو أن كل موضع ضمن بالمرتهن بعض القلب بالانكسار ملك ما ضمن بالضمان، وصار شريكا في بقية الرهن.

[باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا) ش: هذه المسألة مرت في البيوع، فالبيع بشرط الرهن المعين، والكفيل المعين جائز، ولا نعلم فيه خلافا.
وإذا لم يكن الرهن معينا، وكذا الكفيل لا يجوزه وكذا إذا كان الكفيل غائبا عندنا، والشافعي، وأحمد. وحكي عن مالك وأبي ثور: يصح شرط الرهن المجهول، ويلزمه أن يدفع إليه رهنا بقدر الدين.
م: (والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل) ش: أي قبل الكفيل الكفالة م: (وجه القياس: أنه صفقة في صفقة، وهو

(12/524)


منهي منه، ولأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحدهما ومثله يفسد البيع، وجه الاستحسان: أنه شرط ملائم للعقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب، فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا، اعتبرنا فيه المعنى، وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا لم يبق معنى الكفالة والرهن للجهالة، فبقي الاعتبار لعينه فيفسد. ولو كان غائبا فحضر في المجلس وقبل صح. ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر؛ لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه. ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منهي عنه ولأنه شرط لا يقتضيه العقد) ش: قيد به لأنه لو كان شرطا يقتضيه العقد، وهو الذي يجب بالعقد من غير شرطه كما لو شرط تسليم المبيع على البائع أو على المشتري تسليم الثمن لا يفسد م: (وفيه منفعة لأحدهما) ش: أي في الشرط المذكور، وهو شرط رهن شيء بعينه منفعة لأحد المتعاقدين؛ لأنه شرط مؤكد موجب العقد، لأن المقصود بالرهن، والكفالة التوثق بالثمن، فصار كاشتراط الجودة م: (ومثله) ش: أي مثل هذا الشرط م: (يفسد البيع) .
م: (وجه الاستحسان: أنه شرط) ش: أي أن هذا الشرط م: (ملائم العقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب) ش: أي وإن الاستيثاق ملائم وجوب الثمن، إذ هو شرط استيفاء الثمن، فيلائم العقد.
م: (فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا اعتبرنا فيه المعنى) ش: وهو عقد وثيقة م: (وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا، أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا) ش: أي المتعاقدان م: (لم يبق معنى الكفالة والرهن) ش: وهو التوثق م: (للجهالة فبقي الاعتبار لعينه) ش: أي لعين الشرط م: (فيفسد، ولو كان) ش: أي الكفيل م: (غائبا فحضر في المجلس وقبل) ش: أي الكفالة م: (صح) ش: أي العقد م: (ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه) ش: أي على التسليم، وبه قال الشافعي وأحمد، م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر) ش: وبه قال مالك، وأبو ثور، وابن أبي ليلى، والقاضي الحنبلي فيما عدا الكفيل م: (لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع م: (كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه) ش: أي فيلزم المشتري بلزوم البيع.
م: (ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه) ش: في أوائل كتاب الرهن م: (ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع؛ لأنه

(12/525)


وصف مرغوب فيه وما رضي إلا به فيتخير بفواته، إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود أو يدفع قيمة الرهن رهنا، لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة. قال: ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن، لأنه أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء، والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة في ضد ذلك كفالة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن قوله: أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما فيقضى بثبوته. بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك؛ لأنه لما قابله بالدين فقد عين جهة الرهن، قلنا: لما مده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصف مرغوب فيه، وما رضي إلا به فيتخير بفواته) ش: أي بفوات الوصف المرغوب فيه م: (إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود) ش: وهو حضور الثمرة م: (أو يدفع قيمة الرهن رهنا؛ لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة) ش: قال تاج الشريعة: قوله: أو يدفع قيمة الرهن رهنا لا يراد بالقيمة الدراهم والدنانير، لأن قيمة الشيء قائمة مقامه، فكأنها هو، أما إن أراد أن يرهن مكانه عينا آخر فحينئذ يحتاج إلى رهن المرتهن.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن) ش: أي يكون الثوب رهنا عند البائع. قيل: يريد به ثوبا غير الثوب المشترى، والصواب أنه وغيره سواء.
قلت: القائل الكاكي؛ فإنه قال: أي ثوبا آخر غير المبيع، والصواب: القائل هو الأكمل، فإن التمرتاشي ذكر في "جامعه ": اشترى ثوبا وقبضه ثم أعطى البائع وقال: أمسك أعطيك الثمن فهو رهن عند أبي حنيفة ووديعة عند أبي يوسف، فحينئذ لا تفاوت بين المبيع وغيره.
م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء) ش: أي إعطاء الثمن م: (والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة؛ والحوالة في ضد ذلك كفالة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله) ش: أي ومثل قول زفر روي م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن قوله أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما) ش: أي الإيداع أقل، لكون الوديعة غير مضمونة م: (فيقضى بثبوته) ش: أي بثبوت الإيداع.
م: (بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك) ش: أي أو قال أمسكه بمالك م: (لأنه لما قابله

(12/526)


إلى الإعطاء علم أن مراده الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين فقد عين جهة الرهن. قلنا) ش: هذا جواب عن قول زفر، وهو أنه م: (لما مده) ش: أي مد الإمساك م: (إلى الإعطاء) ش: أي إلى وقت الإعطاء م: (علم أن مراده الرهن) ش: لأن التكلم بحكم الرهن كالتكلم بصفته كرجل قال: ملكتك عبدي هذا بألف درهم، فإنه يكون بيعا لأن العبرة في العقود للمعاني كما مر، وقول محمد في هذا الباب مضطرب. كذا في " المختلف ".

(12/527)


فصل ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين، وحصة كل واحد منهما إذا قسم الدين على قيمتهما، وهذا لأن الرهن محبوس بكل الدين فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع، فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذا الجواب في رواية الأصل، وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له، وجه الأول: أن العقد متحد لا يتفرق بتفرق التسمية كما في المبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في رهن العبدين بقيمة معينة فيقبض حصة أحدهما]
[رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان رهن الواحد، شرع في بيان الرهن أو الراهن أو المرتهن إذا كانا اثنين، لأن الواحد قبل الاثنين.
م: (ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين)
ش: هذا لفظ القدوري.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وحصة كل واحد منهما ما يحصه) ش: بالحاء المهملة، يقال حصتي من المال الثلث أو الربع بالحاء المهملة، أي أصابني، فصار معي أو في حصتي م: (إذا قسم الدين على قيمتهما) ش: مثلا إذا كان الدين ألفا وقيمة أحدهما ألفان، وقيمة الآخر ألف، فحصة الأول من الدين ستمائة وستة وستون وثلثا درهم، والفضل أمانة، وحصة الآخر ثلاثمائة، ثلاثة وثلاثون وثلث درهم، والباقي أمانة.
م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن الرهن محبوس بكل الدين، فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع) ش: في أن المشتري إذا أدى حصة أحدهما من الثمن في البيع لا يتمكن من أخذه حتى يؤدي باقي الثمن.
م: (فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذلك الجواب) ش: يعني لم يتمكن من أخذه حتى يوفى المال كله م: (في رواية الأصل) ش: يعني " المبسوط ".
م: (وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له) ش: إنما يقبضه إذا كان قد سمي له، وهو قياس قول أئمة الثلاثة م: (وجه الأول) ش: أي وجه رواية " الأصل " م: (أن العقد متحد) ش: يعني أنه عقد واحد وليس بعقدين لاتحاد الإيجاب والقبول، حيث قال: رهنتك هذين

(12/528)


وجه الثاني: أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر، ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز. قال: فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز، وجميعها رهن عند كل واحد منهما، لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه، وموجبه صيرورته محتبسا بالدين، وهذا مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبدين بألف، والتفصيل لا يجعله في معنى العقدين لاتحاد العقد م: (لا يتفرق) ش: أي العقد المتحد م: (بتفرق التسمية كما في المبيع) ش: أي كما لا يتفرق في البيع، فإنه إذا قال بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة ليس للمشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر، وكذلك ليس له أن يقبض أحدهما إذا فقد ثمنه.
م: (وجه الثاني) ش: أي وجه رواية الزيادات: م: (أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر) ش: بخلاف البيع، فإن العادة جرت بضم الرديء إلى الجيد للترويج، فلو جاز قبول أحدهما يتضرر البائع، بخلاف الرهن، فإنه لا يزيل ملك الراهن، فقبول المرتهن العقد في أحدهما لا يضر الراهن. وقال تاج الشريعة: واختلف المشايخ في الأصح منهما، قلت: قال: شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي: والصحيح ما ذكر في " الأصل ".
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز) ش: سواء كانا شريكين في الدين أو لا، فإن لم يكونا شريكين ولأحدهما دراهم وللآخر دنانير فإنه جائز أيضا، ولا يعلم فيه خلاف م: (وجميعها) ش: أي جميع العين الواحدة م: (رهن عند كل واحد منهما؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه) ش: أي في المرهون بسبب عدد المستحقين كقصاص يجب لجماعته على شخص، فإنه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين.
فإن قلت: بل فيه شيوع، لأن إضافة الرهن إلى اثنين يوجب الانقسام بينهما نصفين، ألا ترى أنه ينقسم حالة الهلاك؟. الجواب: أن الكل محبوس بحق كل واحد منهما على الكمال تحريا للجواز، والمقصود من الرهن الحبس والعين الواحد يجوز أن يكون محبوسا على محل دين كل منهما على الكمال.
م: (وموجبه صيرورته) ش: أي موجب الرهن أنه يصير م: (محتبسا بالدين، وهذا) ش: أي الاحتباس م: (مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما) ش: ولا تنافي، كما إذا قتل واحد جماعة فحضر أحد من أولياء المقتولين واستوفى القصاص يكون ذلك لنفسه وللباقين.

(12/529)


وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: فإن تهايأ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين؛ لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ. قال فإن أعطى أحدهما دينه كان كله رهنا في يد الآخر، لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق، وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته من الثمن.
: قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن المقصود بالهبة الملك، ويستحيل أن يكون جميع العين مالكا لهذا.
م: (قال) ش: أي المصنف: وليس في كثير من النسخ لفظ "قال" هذا م: (فإن تهايأ) ش: بأن أمسك أحدهما يوما والآخر يوما م: (فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر) ش: وفائدة كونه كالعدل في حق الآخر أن يكون الرهن في ضمان كل واحد منهما، حتى لو هلك الرهن عند أحدهما يكون المضمون على واحد منهما نصيبه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين) ش: هذا من تتمة قول القدوري الذي مر معنا وهو قوله فإن رهن عينا واحدة عند رجلين صورته أن يكون لأحدهما عشرة على الراهن للآخر خمسة عليه، وللراهن ثلاثون درهما فهلك عشرون من الرهن فتبقى العشرة من الرهن في يدهما ثلاثا، ويسقط من صاحب العشرة ثلثاه ومن صاحب الخمسة ثلاثة فيكون على الرهن لصاحب العشرة ثلث العشرة، وهي ثلاث وثلث، ولصاحب الخمسة ثلث الخمسة وهو درهم وثلثا درهم.
م: (لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ) ش: أي الراهن؛ لأن الاستيفاء مما يتجزأ، فلذلك يصير كل واحد مستوفيا حصته.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن أعطى) ش: أي الرهن م: (أحدهما) ش: أي أحد المرتهنين م: (دينه كان كله) ش: أي كل الرهن م: (رهنا في يد الآخر؛ لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق) ش: وعند الثلاثة نصف رهن ونصفه وديعة. وفي " المبسوط " لو هلك العين عند الآخر الذي أدى دينه أن يسترد ما أدى خلافا للأئمة الثلاثة، لأن ارتهان كل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر، فيصير كل واحد منهما عند الهلاك مستوفيا دينه من مالية الرهن مستردا ما أعطاه كيلا يتكرر الاستيفاء.
م: (وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته) ش: أي وعلى حكم المذكور إذا اشترى الاثنان من الواحد فأدى أحدهما حصته م: (من الثمن) ش: كان للبائع أن يحبس المبيع بنصيب الآخر.

[رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا]
م: (قال) ش: أي المصنف إن هذه المسألة ليست مذكورة في " الجامع الصغير "

(12/530)


وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع، فإن أقام الرجلان كل واحد منهما البينة على رجل أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل، لأن كل واحد منهما أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء لكل واحد منهما بالكل؛ لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة، ولا إلى القضاء بكله لواحد بعينه لعدم الأولوية، ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف؛ لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما وتعين التهاتر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
و" مختصر القدوري "، وإنما ذكرها الكرخي في "مختصره " م: (وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين؛ لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع) ش: وعند الأئمة الثلاثة بالشيوع لما أن رهن المشاع جائز عندهم.
م: (فإن أقام الرجلان) ش: قال تاج الشريعة: أي اللذان سبق ذكرهما عند قوله إن رهن عينا واحدة عند رجلين، وفي بعض النسخ فإن أقام رجلان، وحينئذ لا حاجة، إلى هذا التكلف. صورته: عبد في يد رجل وأقام الرجلان م: (كل واحد منهما البينة على رجل) ش: أي الذي هو العبد في يده م: (أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل) ش: أي قيام كل واحد من البينتين بالرهن باطل، أي قال الفقيه أبو الليث: وقال في كتاب الشهادات: الرهن في القياس باطل، وفي الاستحسان جائز، وبالقياس. فأخذ وجه الاستحسان أنه يجوز أن يكون الشيء رهنا عند رجلين فيكون لكل واحد منهما نصفه بنصف حقه. وجه القياس ما ذكره المصنف بقوله: م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من الرجلين م: (أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء) ش: أي لا وجه أيضا إلى الحكم م: (لكل واحد منهما بالكل) ش: أي بكل العبد م: (لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة) ش: والاستحالة فيه ظاهرة م: (ولا إلى القضاء) ش: أي ولا وجه إلى الحكم م: (بكله) ش: أي بكل العبد م: (لواحد) ش: من الاثنين م: (بعينه لعدم الأولوية) ش: أي لعدم من يكون أولى منهما، أي من الاثنين م: (ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف) ش: أي بنصف العبد م: (لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما) ش: أي لأن القضاء لكل منهما أي بالبينتين م: (وتعين التهاتر) ش: أي تهاتر البينتين، أي تساقطها والترك، فالحكم لعدم الترجيح، ولا أن القضاء، أي ولا وجه أيضا إلى الحكم لكل واحد منهما.

(12/531)


ولا يقال: إنه يكون رهنا لهما، كأنهما ارتهانه معا إذا جهل التاريخ بينهما وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان، لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة؛ لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء، وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره في الاستيفاء، وليس هذا عملا على وفق الحجة، وما ذكرناه وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به لقوته، وإذا وقع باطلا فلو هلك يهلك أمانة، لأن الباطل لا حكم له.
قال: ولو مات الراهن والعبد في أيديهما فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا كان في يد كل واحد منهما نصفه رهنا يبيعه بحقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا يقال: إنه) ش: أي أن العبد م: (يكون رهنا لهما) ش: أي للاثنين م: (كأنهما ارتهناه معا إذا جهل التاريخ بينهما) ش: أي لأن التاريخ لم يعلم بين بينتي الاثنين، فإذا كان كذلك يصح أن يكون رهنا بينهما، وهذا وجه الاستحسان، أشار إليه بقوله: م: (وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان) ش: أي جعل محمد في كتاب الشهادات من " المبسوط " هذا الذي ذكره من قوله لا يقال إلا أن وجه الاستحسان في الجواز.
م: (لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة، لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا) ش: سماه حبسا، لأن الرهن حبس م: (يكون وسيلة إلى مثله) ش: أي إلى مثل حبس يكون وسيلة في الاستيفاء ش: أي استيفاء كل الرهن م: (وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره) ش: أي إلى شطر الحبس م: (في الاستيفاء وليس هذا) ش: أي ليس القضاء ثبوت حق يكون وسيلة إلى شطر الحبس م: (عملا على وفق الحجة) ش: التي يقوم بها كل واحد منهما، لأن كلا منهما يثبت حبسا يكون وسيلة إلى استيفاء تمام حقه. ولو جعل هذا يكون وسيلة إلى نصف حقه.
م: (وما ذكرناه) ش: قال تاج الشريعة: أي ما ذكرنا في الجواب، وهو أنه باطل م: (وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به) ش: أي بالقياس وترك الاستحسان، وهذا عزيز جدا حيث قدم القياس على الاستحسان م: (لقوته) ش: أي لقوة القياس، وضعف وجه الاستحسان له أنه عمل بخلاف ما قامت به البينة فلا يصح م: (وإذا وقع) ش: أي الرهن المذكور م: (باطلا فلو هلك يهلك أمانة؛ لأن الباطل لا حكم له) ش: فلا يلزم لأحد شيء.

م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ولو مات الراهن) ش: أشار بهذا إلى أن المسألة المتقدمة فيما إذا كان الراهن حيا، وهذه المسألة في بيان ما إذا مات الراهن م: والعبد في أيديهما) ش: أي الحال أن العبد في أيد المرتهنين م: فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا) ش: أي على أن كل منهما ارتهنه م: (كان في يد كل واحد منهما رهنا يبيعه بحقه) ش:

(12/532)


استحسانا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - وفي القياس هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل للشيوع كما في حالة الحياة. وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره، وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة، أو ادعت أختان النكاح على رجل وأقاموا البينة تهاترت في حالة الحياة ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه يقبل الانقسام، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي يبيعه كل واحد نصف حقه م: (استحسانا) ش: أي من حيث وجه الاستحسان م: (وهو) ش: أي الاستحسان م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وفي القياس: هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به) ش: أي بالحبس للاستيفاء م: (قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل) ش: أي القضاء بعقد الرهن باطل م: (للشيوع كما في حالة الحياة) ش: لأنه لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما إلا في النصف فيلزم الشيوع.
م: (وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره) ش: لأن الحبس في الشيوع لا يجوز، م: (وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار) ش: أي حكم هذا كما قالوا جميعا في كتاب النكاح م: (كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة) ش: أنه تزوجها م: (أو ادعت أختان النكاح على رجل) ش: أنه تزوجهما م: (وأقاموا) ش: أي الرجلان والأختان م: (البينة) ش: على دعواهم م: (تهاترت) ش: أي البينة منهم (في حالة الحياة) يعني لا يقضى لهم، لأن المقصود في حالة الحياة الحل، وهو لا تحل الشركة وبعد الممات تقبل البينة (ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه) ش: أي لأن الميراث م: (يقبل الانقسام) ش: لأنه قال: تحل الشركة والشياع، ويقضى لكل رجل منهما بالنصف، وهو ميراث الزوج، ويقضى للأختين لكل واحد منهما بالمهر وبنصف الميراث. م: (والله أعلم) .
تم الجزء الثاني عشر من: " البناية في شرح الهداية ".
ويليه: الجزء الثالث عشر مبتدئا بالباقي من كتاب الرهن أيضا.

(12/533)