البناية شرح الهداية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باب الرهن الذي يوضع على يد العدل
قال: وإذا اتفقا على وضع الرهن على يد العدل جاز. وقال مالك: لا يجوز، ذكر قوله في بعض النسخ؛ لأن يد العدل يد المالك، ولهذا يرجع العدل عليه عند الاستحقاق فانعدم القبض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[البناية]

[باب الرهن الذي يوضع على يد العدل]
[اتفقا الراهن والمرتهن على وضع الرهن على يد العدل]
م: (باب الرهن الذي يوضع على يد العدل) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرهن الذي يوضع على يد الراهن، ولما ذكر حكم الرهن إذا كان في يد المرتهن ذكر حكمه إذا كان في يد العدل، وهو الذي من الراهن والمرتهن يكون الرهن في يده؛ لأنه نائب عن المرتهن، والنائب يقوم مقام المنوب لا محالة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا اتفقا) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على وضع الرهن على يد العدل جاز) ش: وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لابن أبي ليلى والحكم والحارث العكلي وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": وقبض العدل الرهن بمنزلة قبض المرتهن في حكم صحته وضمانه بالدين إذا هلك، بلغنا ذلك عن إبراهيم والشعبي وعطاء والحسن. وقال ابن أبي ليلى: إن هلك في يد العدل لم يبطل الدين، وإن مات الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء فيه.
م: (وقال مالك: لا يجوز ذكر قوله) ش: أي ذكر قول مالك م: (في بعض النسخ) ش:، أشار به إلى أن في بعضها ليس كذلك، فإنه ذكر في " المبسوط " و " شرح الأقطع " ابن أبي ليلى بدل مالك.
قال الأكمل: وكأنه شك في هذه الرواية عن مالك، فإن القبض ليس بشرط عنده كما مر في أول هذا الكتاب، فإنه [ ... ] روايتان. وقال الكاكي: ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه رواية. وقال الشيخ أبو الفضل الكرماني في " إشارات الأسرار ": والرهن يتم بقبض العدل خلافا لمالك. لأن يده يد المالك فلا يتم به الرهن م: (لأن يد العدل يد المالك) ش: أي الراهن.
وفي " الكافي ": هذا الدليل مشعر بأن على قول مالك القبض شرط، وقد شرط في كتبه شرطا؛ فيمكن أن يكون له روايتان حتى يصح ذلك. ولكنه لا خلاف لمالك في جواز وضعه على يد العدل.
قلت: ذكر مالك في " المدونة " ولا يتم رهن إلا بقبضه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون يد العدل يد المالك م: (يرجع العدل عليه) ش: أي على الراهن م: (عند الاستحقاق) ش: يعني إذا هلك الرهن في يد العدل ثم استحق وضمن العدل قيمته يرجع على الراهن بما ضمن، ولو لم يكن يده يد الراهن لما رجع م: (فانعدم القبض) ش:، إيضاحه: أن

(13/3)


ولنا: أن يده على الصورة يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية فنزل منزلة الشخصين تحقيقا لما قصداه من الرهن، وإنما يرجع العدل على المالك في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه في حفظ العين كالمودع. قال: وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته، وتعلق حق المرتهن به استيفاء فلا يملك أحدهما إبطال حق الآخر. فلو هلك في يده هلك في ضمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجوع العدل على الراهن عند الاستحقاق لوقوع الفعل له، يدل على أن الرهن غير مقبوض؛ لأن الأصل أن ما عمل الإنسان بأمره ولحقه الغرم يرجع على الذي وقع له العمل، وهنا يرجع على الراهن بعدم القبض، فإذا كان كذلك لا يجوز وضعه على يد العدل؛ لأن وجود الرهن بقبض المرتهن ولم يوجد لا حقيقة ولا تقديرا؛ لأن العدل نائب عن الراهن لا عن المرتهن؛ لأن المالك هو الراهن لا المرتهن، كيف يكون نائبا عن المرتهن، والعدل نصب ليحفظ عنه في حال لا يؤتمن عليه، ولهذا لحقه ضمان فإن هلك في يده ثم جاء مستحق يرجع به على الراهن دون المرتهن.
م: (ولنا: أن يده) ش: أي يد العدل م: (على الصورة) ش: يعني بالنظر إلى الظاهر م: (يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية) ش: إذ الاستيفاء يكون منها م: (فنزل) ش: أي العدل م: (منزلة الشخصين) ش: لأنه يجوز أن تجعل اليد الواحدة في الحكم بدين كمن أدى ماله إلى الساعي قبل الحول يده يد المالك من وجه، ويد الفقير من وجه، حتى لو هلك المؤدى في يده وبقي النصاب إلى آخر الحول يقع المؤدى زكاة كما لو دفعه إلى الفقير م: (تحقيقا لما قصداه من الرهن) ش: يعني لأجل تحقيق ما قصداه؛ لأن غرضهما تحقيق عرض عقد الرهن.
م: (وإنما يرجع العدل على المالك) ش: هذا بيان لقوله ولهذا يرجع العدل عليه، توضيحه أن رجوع العدل على المالك م: (في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه) ش: أي لأن العدل نائب عن المالك م: (في حفظ العين) ش: في حال لا يؤتمن عليه م: (كالمودع) ش: إذا كانت الوديعة في يده ثم استحقت ضمن المودع، ثم يرجع على المودع.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه) ش: أي أن يأخذ الرهن من العدل م: (لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته) ش: أي أمانة العدل م: (وتعلق حق المرتهن به استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء م: (فلا يملك أحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (إبطال حق الآخر، فلو هلك في يده) ش: أي فلو هلك الرهن في يد العدل م: (هلك في ضمان

(13/4)


المرتهن لأن يده في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة، ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما وقد استهلكه المدفوع إليه أو هلك في يده لا يقدر أن يجعل القيمة رهنا في يده؛ لأنه يصير قاضيا ومقتضيا، وبينهما تناف، لكن يتفقان على أن يأخذاها منه، ويجعلاها رهنا عنده أو عند غيره. وإن تعذر اجتماعهما يرفع أحدهما إلى القاضي ليفعل كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن؛ لأن يده) ش: أي يد العدل م: (في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة) ش: أي يد المرتهن في حق المالية مضمونة بالأقل من قيمة الرهن ومن الدين.
م: (ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي) ش: وإذا كان العدل رجلين والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان جائزا، ولا ضمان فيه؛ لأنهما أتيا بالحفظ المطلوب، وإن كان مما لا يقسم فاقتسماه فوضعاه عند أحدهما ضمن الذي وضع حصته عند صاحبه في قول أبي حنيفة. وقالا: لا ضمان عليه، وقد مر في كتاب الوديعة.
م: (وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما) ش: أي إلى الراهن أو المرتهن م: (وقد استهلكه المدفوع إليه) ش: وهو الراهن أو المرتهن م: (أو هلك في يده) ش: أي في يد المدفوع إليه م: (لا يقدر) ش: أي العدل م: (أن يجعل القيمة رهنا في يده) ش: أي في يد نفسه م: (لأنه) ش: أي لأن العدل حينئذ م: (يصير قاضيا) ش: أي ما وجب عليه بالضمان م: (ومقتضيا، وبينهما تناف) ش: لكون الواحد مسلما ومسلما إليه م: (لكن يتفقان) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على أن يأخذاها) ش: أي القيمة م: (منه) ش: أي العدل م: (ويجعلاها) ش: أي القيمة م: (رهنا عنده) ش: أي العدل.
م: (أو عند غيره وإن تعذر اجتماعهما) ش: أي اجتماع الراهن والمرتهن م: (يرفع) ش: أي العدل، هكذا قاله الكاكي وغيره م: (أحدهما) ش: إما الراهن أو المرتهن. قال الأترازي: أحدهما برفع الدال؛ لأنه فاعل وظن بعضهم أن أحدهما منصوب، يعني أن العدل برفع أحدهما وذاك ليس بشيء؛ لأن العدل هو ضامن القيمة فبعيد أن يرفع ضامن المطالبة نفسه الخصم إلى القاضي.
قلت: هذا ليس بوجه أنه ليس بعيد من العدل ما نفاه عنه م: (إلى القاضي ليفعل كذلك) ش: يعني يأخذ القيمة الواجبة على العدل بالضمان منه، ثم يصير رهنا عنده.

(13/5)


ولو فعل ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له لوصول المرهون إلى الراهن ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد وإن كان ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه لأن العين لو كانت قائمة في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل.
قال: وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة؛ لأنه توكيل ببيع ماله. وإن شرطت في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل؛ لأنها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صار وصفا من أوصافه وحقا من حقوقه، ألا ترى أنه لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله؛ ولأنه تعلق به حق المرتهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو فعل) ش: أي القاضي م: (ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له) ش: أي للعدل م: (لوصول المرهون إلى الراهن، ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد) ش: لأنه إذا أخذ الراهن القيمة يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد.
م: (وإن كان) ش: العدل م: (ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه) ش: أي من العدل م: (لأن العين لو كانت قائمة) ش: فيه بين البدل والمبدل؛ لأن العين لو كان قائما م: (في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل) ش: يعني لا يجمع هذا البدل والمبدل في ملك واحد ثم هلك يرجع العدل بذلك على المرتهن. قال في " الذخيرة ": إن كان العدل رفع الرهن إلى المرتهن: على المرتهن العارية أو الوديعة وهلك في يده لا يرجع وإن استهلكه المرتهن يرجع عليه.

[وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما) ش: أي وكل غير المرتهن والعدل م: (ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة) ش: ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة م: (لأنه توكيل ببيع ماله، وإن شرطت) ش: أي الوكالة م: (في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينعزل، وبه قال أحمد.
وكذا لو مات الراهن انفسخت الوكالة عندهما م: (لأنها لما شرطت) ش: الوكالة م: (في ضمن عقد الرهن صار) ش: أي عقد الوكالة م: (وصفا من أوصافه) ش: أي من أوصاف الرهن م: (وحقا من حقوقه) ش: أي من حقوق الرهن فلزم كأصله؛ لأن حكم التبع لا يفارق حكم الأصل.
م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن عقد الوكالة م: (لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله) ش: أي فيلزم عقد الوكالة بلزوم أصل عقد الرهن م: (لأنه) ش: أي وأن عقد الوكالة م: (تعلق به حق المرتهن،

(13/6)


وفي العزل إتواء حقه، وصار كالوكيل بالخصومة بطلب المدعي. ولو وكله بالبيع مطلقا حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه لأنه لازم بأصله. فكذا بوصفه لما ذكرنا وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره. وإن مات الراهن لم ينعزل لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه لو بطل إنما يبطل لحق الورثة وحق المرتهن مقدم. قال: وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه، وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما، ولا بموت أحدهما فيبقى بحقوقه وأوصافه. وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه لا برأي غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي العزل إتواء حقه) ش: أي إعدام حق المرتهن م: (وصار كالوكيل بالخصومة) ش: أي كوكيل المدعى عليه بالخصومة م: (بطلب المدعي) ش: حيث لم يجز للوكيل عزله م: (ولو وكله بالبيع مطلقا) ش: أي ولو وكل الراهن العدل ببيع الرهن مطلقا بغير قيد شيء م: (حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه) ش: يعني لا ينعزل الوكيل م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الوكالة م: (لازم بأصله) ش: وهو الرهن م: (فكذا بوصفه) ش: وهو الإطلاق م: (لما ذكرنا) ش: أنه صار حقا من حقوقه.
م: (وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره، وإن مات الراهن لم ينعزل؛ لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه) ش: أي ولأن الوكالة م: (لو بطل إنما يبطل لحق الورثة) ش: كما في سائر الوكالات، ويبطل بموت الموكل حيث ينتقل الملك إلى الورثة، ولا رضي لهم بالبيع، وأما هاهنا فلا اعتبار لحق الورثة م: (وحق المرتهن مقدم) ش: يقدم على حق الورثة.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة) ش: أي للوكيل الذي هو عدل أن يبيع الرهن بالوكالة المشروطة في عقد الرهن بغير محضر من ورثة الراهن الذي مات م: (كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه) ش: أي من الراهن م: (وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما) ش: أي لأن عقد الرهن لا يبطل بموت الراهن والمرتهن م: (ولا بموت أحدهما) ش: أي ولا يبطل أيضا بموت الراهن والمرتهن م: (فيبقى) ش: أي عقد الرهن م: (بحقوقه) ش: وهي الحبس والاستيفاء والوكالة م: (وأوصافه) ش: وهي اللزوم وجبر الوكيل على البيع إذا أبى والبيع بالنسيئة وصرف الدراهم وحق بيع ولد الرهن.
م: (وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه) ش: أي برأي الذي وكله م: (لا برأي غيره) ش: وفي " الذخيرة ": الوكيل بالبيع إذا أوصى رجلا ببيعه لم يجز، إلا أن يكون الراهن قال له في أصل الوكالة: وكلتك

(13/7)


وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه؛ لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه لازم بعدما صار أعيانا. قلنا: التوكيل حق لازم، لكن عليه والإرث يجري فيما له، بخلاف المضاربة لأنها حق المضارب. وليس للمرتهن أن يبيعه إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ببيع الرهن وأجزت لك ما صنعت فيه، ويجوز لوصيه بيعه ولا يجوز لوصيه أن يوصي إلى غيره.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه) ش: أي بيع الرهن عند حلول الدين م: (لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي) ش: لأن هذا حق واجب، ولو أراد الراهن أن يحجر عليه لم يكن له ذلك، فصار م: (كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه) ش: أي أن البيع م: (لازم بعدما صار) ش: أي رأس المال م: (أعيانا) ش: لأجل حق رب المال.
م: (قلنا التوكيل حق لازم، لكن عليه) ش: لأنه لا يجري فيه الإرث م: (والإرث يجري فيما له) ش: ما له لا فيما عليه م: (بخلاف المضاربة لأنها) ش: أي لأن المضاربة م: (حق المضارب) ش: وله ولاية التوكيل في حياته فجاز أن يقوم وصيه بها بعد موته كالأب في مال الصغير، والوكيل ليس له حق التوكيل في حياته فلا يقوم غيره مقامه بعد مماته.
م: (وليس للمرتهن أن يبيعه) ش: أي الرهن م: (إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه) ش: لأن الرهن ملك الراهن م: (وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن، فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع) ش: لأن حكم الرهن ملك العين في حق الحبس حتى يكون المرتهن أحق بإمساكه إلى وقت إيفاء الدين.
وفي " شرح الطحاوي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن بغير إذن الراهن، وإن باعه بغير إذنه توقف على إجازة صاحبه، فإن أجازه جاز، ويكون الثمن رهنا وإن لم يجز، ولا يجوز البيع، وله أن يبطله ويعيده رهنا، وإن هلك في يد المشتري قبل الإجازة فلا يجوز، والإجازة بعده، ولكن الراهن له أن يضمنه أيهما شاء، فإن ضمن المرتهن جاز البيع والثمن له، ويكون ضمانه رهنا، وإن ضمن المشتري بطل البيع، ويكون الضمان رهنا ثم يرجع المشتري على البائع بالثمن.
وفي " مختصر الكرخي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن في دينه إذا لم يكن للراهن سلطة على

(13/8)


قال: فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه لما ذكرنا من الوجهين في لزومه. وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني، وهو أن فيه إتواء الحق، بخلاف الوكيل بالبيع؛ لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه، فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر اعتبارا بالوجه الأول. وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني، وهذا أصح. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجواب في الفصلين واحد، ويؤيده: إطلاق الجواب في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيعه أو أذن له فيه وليس له أن يؤاجره ولا أن يعيره، فإن فعل شيئا من ذلك فسخ البيع ورد إلى يد المرتهن رهنا.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه) ش: يعني يحبس أياما حتى يبيعه، فإن أبى بعد ما حبسه أياما ذكر في " الزيادات ": أن القاضي يبيعه عليه، وهو على قولهما ظاهر. أما على قول أبي حنيفة فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم لا يبيع قياسا على مال المديون. وقال آخرون يبيعه؛ لأن جهة البيع تعينت م: (لما ذكرنا من الوجهين) ش: أحدهما: أنه وصف من أوصافه، والآخر: أن فيه إتواء حقه م: (في لزومه) ش: أي لزوم عقد الوكالة.
م: (وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني) ش: وبينه بقوله م: (وهو أن فيه إتواء الحق) ش: أي حق المدعي م: (بخلاف الوكيل بالبيع) ش: حيث لا يجبر بالبيع إذا امتنع م: (لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى) ش: لأنه إنما خلى سبيل الخصم اعتمادا على أن الوكيل يخاصمه، فإذا امتنع الوكيل بالشيء المذكور يلحق الضرر بالمدعي كان فيه إبطال حقه م: (والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه) ش: فإذا امتنع الوكيل عن البيع يلحق الضرر المرتهن م: (فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر) ش: أي الوكيل بالبيع م: (اعتبارا بالوجه الأول) ش: وهو أن المرتهن لا يتضرر بامتناعه.
م: (وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني) ش: وهو أن فيه إتواء حقه م: (وهذا أصح) ش: أي القول الثاني أصح. وقال شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقاضي خان:، وهذه الرواية أصح؛ لأن المشروط بعد العقد يلحق بأصل العقد، ويصير كالمشروط فيه.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجواب في الفصلين واحد) ش: أي فيما كان مشروطا في الرهن وفيما لا يكون أي يجبر فيهما م: (ويؤيده) ش: أي يؤيد قول الثاني م: (إطلاق الجواب في

(13/9)


" الجامع الصغير "، وفي الأصل.
وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى كان مال المرتهن لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون، وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم، فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق فبقي عقد الرهن. وكذلك لو قتله عبد فدفع به؛ لأنه قائم مقام الأول لحما ودما. قال: وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الجامع الصغير ". وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " أن يؤيد القول الثاني، حيث قال فيهما: وإذا أبى الوكيل عن البيع يجبر من غير فصل أن يكون مشروط في العقد أو لا.
وقال الشافعي وأحمد: لا يجبر الوكيل على البيع، وإن كان في ضمن الرهن لما ذكرنا أن عقدهما غير لازم.

[باع العدل الرهن]
م: (وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض) ش: أي الثمن م: (بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى) ش: أي إذا هلك م: (كان مال المرتهن) ش: أي كان الثمن التاوي مال المرتهن، وقوله مال المرتهن منصوب على أنه خبر كان على ما قدرناه، وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: من ضمان الراهن والعدل أمين بالاتفاق فلا ضمان عليه. وقال مالك لا ضمان على العدل، ولكن المشتري يرجع إلى المرتهن ويعود دينه في ذمة الراهن كما كان.
م: (لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، يعني أن قيمة العبد المقتول يكون رهنا مقامه، وإن كان ضمان القيمة مقابلا بالدم، ولهذا لا يزاد على دية الحر م: (فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق) ش: وهو المالك م: (فبقي عقد الرهن) ش: أي قامت القيمة رهنا مقام العبد المقتول.
م: (وكذلك لو قتله عبد) ش: أي لو قتل العبد المرهون عبد مثله م: (فدفع به؛ لأنه) ش: أي لأن العبد القاتل م: (قائم مقام الأول لحما ودما) ش: أي من حيث اللحم والدم، فتعلق به من الحكم ما تعلق به.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار، إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره) ش: أي ليس للعدل أن يضمن المرتهن غير الثمن الذي أعطاه

(13/10)


وكشف هذا أن المرهون المبيع إذا استحق، إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول: المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه، وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإن ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين أنه باع ملك نفسه. وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء فلا يرجع المرتهن عليه بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له، وإنما أداه إليه على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه لم يكن راضيا به، فله أن يرجع به عليه. وإذا رجع بطل الاقتضاء، فيرجع المرتهن على الراهن بدينه. وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكشف هذا) ش: أي إيضاح هذا الحكم م: (أن المرهون المبيع إذا استحق إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان المرهون المبيع هالكا م: (المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه) ش: أي في حق المستحق، م: (وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإذا ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء) ش: أي صح قبض المرتهن الثمن مقابلة دينه.
م: (لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين بأنه باع ملك نفسه، وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء، فلا يرجع المرتهن عليه) ش: أي على الراهن م: (بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له) ش: أي العدل.
م: (وإنما أداه إليه) ش: أي وإنما أدى المشتري الثمن إلى العدل م: (على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه) ش: أي ملك العدل م: (لم يكن راضيا به) ش: أي لم يكن العدل راضيا بأداء الثمن إلى المرتهن م: (فله أن يرجع به عليه) ش: أي فللعدل أن يرجع بالثمن الذي أداه إلى المرتهن على المرتهن م: (وإذا رجع بطل الاقتضاء) ش: أي بطل قبض المرتهن م: (فيرجع المرتهن على الراهن بدينه) .
م: (وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد

(13/11)


عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به حقوق العقد، وهذا من حقوقه حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع ولم يسلم، ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له، وإن شاء رجع على المرتهن؛ لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا، فيجب نقض قبضه ضرورة. وإذا رجع عليه وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان فيرجع به على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه إذا قبض ولم يقبض فبقي الضمان على الموكل. وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به) ش: أي بالعاقد م: (حقوق العقد، وهذا) ش: أي الرجوع بالثمن م: (من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع؛ لأن ولاية الرجوع إليه م: (حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع) ش: أي إنما أدى المشتري الثمن إلى العدل.
م: (ولم يسلم) ش: أي للمشتري المبيع والحال أنه لم يسلم م: (ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة) ش: وفي بعض النسخ بالثمن م: (لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له) ش: أي لأن الثمن المقبوض من العدل سلم للمرتهن.
م: (وإن شاء) ش: أي العدل م: (رجع على المرتهن) ش: بالثمن الذي أداه إليه م: (لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا فيجب نقض قبضه ضرورة، وإذا رجع عليه) ش: أي على المرتهن م: (وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان، فيرجع به) ش: أي فيرجح بحقه الذي هو دينه م: (على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه) ش: أي وإنما يرجع المرتهن على العدل م: (إذا قبض ولم يقبض، فبقي الضمان على الموكل) ش: المراد بالموكل المرتهن، وسماه موكلا كأن البيع وقع لأجله، وبالضمان للثمن، أو المراد بالموكل الراهن وبالضمان الدين قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد، فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع) ش: أي على المرتهن م: (كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من

(13/12)


أمره الموكل ثم لحقه عهدة لا يرجع به على المقتضي. بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع. قال: وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم أو بالقبض. فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فصح الإيفاء. وإن ضمن المرتهن يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه أما القيمة فلأنه مغرور من جهة الراهن، وأما بالدين فلأنه انتقض اقتضاؤه، فيعود حقه كما كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أمره الموكل ثم لحقه عهده لا يرجع به على المقتضي) ش: أي على القابض.
م: (بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه) ش: فإذا وقع البيع لحقه لو سلم له وجاز أن يلزمه الضمان.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد به ما ذكره في " مختصره " م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره الكرخي م: (يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع) ش: أي قول من لا يرى من المشايخ أن الوكيل إذا كانت وكالته غير مشروطة في عقد الرهن لا يجبر على البيع إذا أبى ذلك.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار، إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الراهن والمرتهن م: (متعد في حقه) ش: أي في حق المستحق م: (بالتسليم أو بالقبض) ش: يعني الراهن بالتسليم والمرتهن بالقبض، فكان كالغاصب وغاصب الغاصب، فالراهن كالغاصب، والمرتهن كغاصب الغاصب فله أن يضمن أيهما شاء.
م: (فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين) ش: أي سقط بالدين يعني أي سقط الدين أيضا؛ م: (لأنه) ش: أي لأن الراهن م: (ملكه بأداء الضمان) ش: من وقت القبض، فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (فصح الإيفاء، وإن ضمن المرتهن) ش: القيمة م: (يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه) ش: أي ورجع بدينه أيضا م: (أما القيمة) ش. أي أما الرجوع بالقيمة م: (فلأنه) ش: أي فلأن المرتهن م: (مغرور من جهة الراهن) ش: حيث رهن ملك غيره، وصار كأنه هو الذي أوجب عليه الضمان.
م: (وأما بالدين) ش: أي وأما الرجوع بالدين م: (فلأنه انتقض اقتضاؤه) ش: أي قبضه لأن الرهن لم يكن ملك الراهن حتى يكون بهلاكه مستوفيا، فإذا كان كذلك م: (فيعود حقه كما كان)

(13/13)


فإن قيل: لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن عليه قرار الضمان، فتبين أنه راهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء. قلنا: هذا طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والجواب عنه: أنه يرجع عليه بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه أو بالانتقال من المرتهن إليه كأنه وكيل عنه، والملك بكل ذلك متأخر عن عقد الرهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأن الدين إنما يسقط بهلاكه الرهن إذا رهن ملك نفسه ولم يوجد ذلك.
م: (فإن قيل لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن كان عليه قرار الضمان، فتبين أنه رهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء) ش: فلا ينتقض اقتضاء المرتهن م: (قلنا هذا) ش: يعني هذا السؤال م: (طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على محمد بن الحسن، بيان طعنه أنه قال لما كان قرار الضمان على الراهن كان الملك في المضمون له، فتبين أنه كان راهنا ملك نفسه فكان هذا.
وأما إذا ضمن المستحق الراهن من الابتداء على السواء. فأبو خازم بالخاء المعجمة وبالزاي اسمه عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي الحنفي، أصله من البصرة وسكن بغداد، وكان ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام، ثم استقضاه الخليفة المقتصد بالله على الشرقية سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين ومائتين، وكان أخذ العلم عن هلال بن يحيى وهو هلال الراوي البصري، وهلال أخذ عن أبي يوسف وزفر ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وكان أبو خازم أستاذ أبي طاهر الدباس وقرائه، وكان دينا ورعا ثقة عالما بمذهب أهل العراق، قدوة في العلم.
م: (والجواب عنه: أنه يرجع عليه) ش: أي المرتهن رجع على الراهن م: (بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه) ش: يعني بقوله: لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم م: (أو بالانتقال) ش: عطف على قوله بسبب الغرور م: (من المرتهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (كأنه وكيل عنه) ش: أي كان المرتهن وكيلا عن الراهن من حيث انتقال الملك منه إليه كانتقال الملك من الوكيل إلى الموكل م: (والملك بكل ذلك) ش: أي بكل واحد من التسليم والانتقال م: (متأخر عن عقد الرهن) ش: أما بالتسليم فظاهر؛ لأن التسليم كان بعد العقد، فتبين أنه رهن غير ملكه.
وأما بالانتقال فلأن المرتهن غاصب في حق المستحق، فإذا ضمن الملك المضمون، ولكن لما كان قرار الضمان على الراهن انتقل إليه فيملكه من جهة المرتهن، والمرتهن ملكه من حين القبض؛ لأنه صار غاصبا منه، فيملك الرهن بعد ذلك من جهة، فيكون ملك الراهن متأخرا عن عقد الرهن، فكأنه رهن غير ملكه.

(13/14)


بخلاف الوجه الأول؛ لأن المستحق يضمنه باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه، وقد طولنا الكلام في " كفاية المنتهي " والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو ما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء م: (لأن المستحق يضمنه) ش: أي الراهن م: (باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه) ش: لأنه لما ثبت الملك للراهن سابقا على عقد الرهن مستندا إلى زمان القبض فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (وقد طولنا الكلام) ش: أي في هذا المقام م: (في " كفاية المنتهي "، والله أعلم بالصواب) ش: قال صاحب " النهاية ": يحتمل أن يكون في الذي طول الكلام فيه ما لو كان الرهن عبدا فأبق وضمن المستحق الرهن قيمته ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة بحكم الغرور وبالدين؛ لأنه قد استحق وبطل الرهن، وقال الأكمل: قيل مراده مسألة المضاربة والفرق بينهما وبين مسألة الرهن.
قلت: المضاربة ليست بعقد لازم، فيكون لدوامها، ويصير كالمتجدد في كل ساعة والرهن عقد لازم، فلا يمكن لدوامه حكم الابتداء، فمتى وقع باطلا لا ينفذ بعد ذلك كسائر العقود اللازمة.

(13/15)