البناية شرح الهداية

كتاب الجنايات قال: القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب. والمراد بيان قتل تتعلق به الأحكام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الجنايات]
[الجناية عند الفقهاء]
م: (كتاب الجنايات) ش: أي هذا كتاب بيان أحكام الجنايات، وهي جمع جناية، وهي لغة: اسم لما يجنيه من شر أي يكسبه، تسميته بالمصدر إذ هي في الأصل مصدر جنى عليه شرا، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر، وهو عام، إلا أنه خص بما يحرم من الفعل شرعا سواء جنى بنفس، أو بمال.
ويراد بإطلاق اسم الجناية عند الفقهاء، فعل حل في النفس أو الطرف. وقال شيخ الإسلام الجناية على النفس يسمى قتلا. وفيما دون النفس قطعا وجرحا.
والقتل فعل مضاف إلى العباد بحيث يزول به الحياة، وزوال الحياة بدون قتل العباد يسمى موتا. وسببها سبب الحدود، وشرطها كون المحل حيوانا ولما كان ملاك الولاية الدينية والدنيوية والرياسة الإحسان أتى إلى العدل والسياسة.
فإن بالإحسان يستعبد الإنسان ويرفع التباغض والعدوان. وبالسياسة تزجر السفهاء عن الطغيان، وبالعدل يستقيم الملك وتعمر البلدان.
كان شرع أحكام الجنايات من معظم معاقد الأمور، فأتبعها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالعبادات والمعاملات وأخرجها لأنها ترجع إلى العارض. فأوردها عقيب الرهن إذ كل واحد للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال عن الهلاك. فكذا حكم الجناية مشروعة لصيانة المكلف عن الهلاك.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (القتل على خمسة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب) ش: إلى هنا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (والمراد) ش: أي مراد القدوري م: (بيان قتل تتعلق به الأحكام) ش: قيد به لأن أنوع القتل أكثر من خمسة: وقد ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام ": أنوع القتل أكثر من خمسة، من رجم وقصاص، وقتل حربي، وقتل لقطع الطريق، وقتل المرتد. فعلم أن المراد به القتل الموجب للضمان وهو خمسة، وفي الأصل: القتل على ثلاثة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
ونقل الطحاوي والكرخي في " مختصريهما " هذه العبارة. وقال صاحب " النافع ": القتل

(13/62)


قال: فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدود من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فكان متعمدا فيه عند ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على أربعة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، والقتل بسبب.
قيل: وجه الانحصار: أن القتل لا يخلو إما أن يكون بسلاح أو بغيره. فإن صدر بسلاح فلا يخلو إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فالأول عمد، والثاني خطأ. وإن صدر بغير سلاح، فأما إن كان معه قصد التأديب أو الضرب أم لا، فإن كان فهو شبيه العمد وإلا فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا فإن كان فهو، وإن لم يكن فهو القتل بالسبب، وقيل: وجه الحصر الاستقراء التام، ونسب هذا إلى أبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح) ش: يعني في تفريق الأجزاء م: (كالمحدود من الخشب وليطة القصب) ش: الليطة بكسر اللام قشر القصب م: (والمروة المحددة) ش: وهي القطعة من الحجر الصوان، يكون لها أطراف تقطع ما أصابته.
م: (والنار) ش: التي هي أسرع للهلاك، وفي " المغني ": الحدة ليست بشرط إذا كانت الآلة من الحديد، فقال: العمد، أن يتعمد الإنسان في قتل من لا يحل قتله بالحديد سواء كان سلاحا نحو السيف، والسكين، والرمح أو لم يكن سلاحا كالإبرة والأشفار، سواء كان له حد ينصع أو لا، كالعمود وصنجة الميزان، وسواء كان الغالب منه الهلاك أو لم يكن، هذا كله على رواية الأصل. وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قتله بصنجة عمود أو حديد لا حد له فهو ليس بعمد محض، فلا يجب القصاص، بل هو خطأ وعمد.
وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ظاهر الرواية في الحديد وما يشبه الحديد كالنحاس والصفر، والرصاص، والذهب والفضة، والإبريز لا يشتط الجرح لوجوب القصاص.
وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله بعمود أو صنجة حديد لا حد له فليس بعمد عنده، بل هو خطأ وعمد عندهما، إن كان الغالب منه الهلاك، فعمد محض وإلا فخطأ عمد. م: (لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله) ش: أي بدليل العمد م: (وهو) ش: أي دليله م: (استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه) ش: أي في عمده باستعمال الآلة القاتلة.
م: (عند ذلك) ش: أي عند وجود العمد باستعمال الآلة القاتلة؛ لأن القاتلة إرقاق للحياة،

(13/63)


وموجب ذلك المأثم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية، وقد نطق به غير واحد من السنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو غير محسوس. فيكون القصد إلى إرقاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو خارج عامل في الظاهر والباطن جميعا م: (وموجب ذلك) ش: أي مقتضى العمد الموصوف بتلك الأوصاف م: (المأثم) ش: أي حصول الإثم العظيم. وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم» هذا حديث ذكره غالب الشراح. ولم يذكروا من رواه، ولا من أخرجه.
قلت: هذا أخرجه الترمذي والنسائي - رحمهما الله - من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لزوال الدنيا» ... " الحديث.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية) ش: (النساء: الآية 93) ويكفي هذه الآية موعظة في قتل النفس بغير حق م: (وقد نطق به غير واحد من السنة) ش: أي السنة فيه أكثر من أن يحصى، وأظهر من أن يخفى منها ما رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، يذكران عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» .
ومنها: ما رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» .
ومنها: ما رواه النسائي عن أبي إدريس الخولاني عائذ الله، عن معاوية: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» .
ومنها: ما رواه ابن ماجه من حديث سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله تعالى مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله عز وجل» . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا.

(13/64)


وعليه انعقد إجماع الأمة. قال: والقود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) إلا أنه تقيد بوصف العمدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العمد قود»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعليه انعقد إجماع الأمة) ش: أي وعلى التحريم إجماع أمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه المذكور.
م: (قال والقود) ش: عطف على قوله المأثم أي وموجبة أيضا وجوب القود أي القصاص.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) ش: وما كتب على عباده فهو فرض. م: (إلا أنه تقيد بوصف العمدية) ش: يعني أن الآية بظاهرها لم تفرق بين العمد والخطأ، إلا أنه، أي غير أن القتل تقيد بوصف العمدية. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «العمد قود» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول» .
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا طويلا، وفيه: «من قتل عمدا فهو قود» . والحديث مشهور زيد به على الكتاب، فما بقي الكتاب على إطلاقه فصار كالمجمل. فيجوز عندنا أن يكون الحديث بيانا له وإن كان خبرا واحدا كما في بيان قدر مسح الرأس. وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» بقوله: م: (أي موجبة) ش: أي موجب العمد أي الذي يقتضيه قود. أي قصاص لأن غير العمد ليس بقصاص.

(13/65)


أي موجبة؛ ولأن الجناية بها تتكامل وحكمة الزجر عليهما تتوفر، والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك. قال: إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهم، ثم هو واجب علينا، وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن له حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه تعين مدفعا للهلاك فيجوز بدون رضاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الجناية بها) ش: أي بالعمدية م: (تتكامل) ش: ليجب القصاص لأن قتل الخطأ ليس بجناية محضة. م: (وحكمة الزجر) ش: مبتدأ م: (عليهما) ش: أي على الجناية، م: (تتوفر) ش: خبر مبتدأ من توفر على الشيء إذا ادعى حرماته ووفر عليه حقه توفيرا، واستوفره إذا استوفاه كاملا، وحاصل المعنى: أن العمدية تحصل بالجناية الكاملة، كل ما تتكامل به الجناية كانت حكمة الزجر عليها أكمل؛ لأن حكمة الزجر المنع عن الإقدام على الجنايات، لمراعاة حرمتها لا للمجاراة المحضة إذ الدنيا ليست بدار الجزاء ودار الجزاء هي الآخرة.
م: (والعقوبة المتناهية لا شرع لها) ش: هذه حجة أخرى، وأراد بالعقوبة المتناهية القصاص. قوله م: (دون ذلك) ش: أي دون قيد العمدية. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العقوبة المتناهية إزالة حياة لا تشرع بدون تكامل الجناية.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا أن يعفو الأولياء) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله م: (أو يصالحوا) ش: لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إذا عفا الأولياء عن القصاص أو يصالحوا على مال فيسقط القصاص م: (لأن الحق لهم) ش: أي للأولياء. م: (ثم هو) ش: أي القصاص م: (واجب علينا) ش: أي من حيث التعين من الشارع. ونتيجته تظهر من قوله: م: (وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل) ش: لأن حقه القصاص بتعيين الشارع، وليس هو المخير بين أخذ الدية والقصاص.
م: (وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وهو قول إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وابن شبرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (إلا أن له) ش: أي للولي م: (حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه) ش: أي المال م: (تعين مدفعا للهلاك) ش: وصيانة النفس عن الهلاك فرض بقدر الإمكان.
وقال تاج الشريعة: قوله: من غير مرضاة القاتل م: (فيجوز بدون رضاه) ش: أي يجوز بغير رضاه لأنه ملكه ما يجيء، به نفسه، فيلزم هذا التمليك شاء القاتل أو أبى، كمن أصابه مخمصة، فبذل له إنسان طعاما بثمن المثل، يلزمه هذا التمليك. وهذا لأن إحياء النفس فرض على الإنسان ما أمكن.

(13/66)


وفي قول: الواجب أحدهما لا بعينه، ويتعين باختياره؛ لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل واحد نوع جبر فيتخير، ولنا ما تلونا من الكتاب وروينا من السنة؛ ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة، والقصاص يصلح للتماثل وفيه مصلحة الأحياء زجرا وجبرا فيتعين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[القتل العمد]
م: (وفي قول) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الواجب أحدهما) ش: أي إما القصاص أو أخذ المال م: (لا بعينه) ش: يعني من غير تعيين م: (ويتعين) ش: أي أحدهما م: (باختياره) ش: أي باختيار القاتل.
م: (لأن حق العبد شرع جابرا) ش: يعني النظر للولي تشرعه لا يبقى الضمان الأصلي ولم يمكن الجمع بينهما.
م: (وفي كل واحد) ش: من القصاص وأخذ المال م: (نوع جبر فيتخير) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب والأوزاعي وأبو سليمان وجمهور أصحاب الحديث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل - أي الدية» وهذا تنصيص على أن كل واحد منهما يوجب القتل.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الحديث رواه شريح والكعبي.
قلت: الجواب عنه أنه خبر واحد فلا يعارض الكتاب، والسنة المشهورة. وأيضا هو محمول على الرضاء. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول آخر ذكره تاج الشريعة حيث قال: في المسألة ثلاثة أقاويل، يعني للشافعي: في قول: الواجب هو القصاص إلا أن يعفو الولي، وفي قول: الواجب أحدهما والتعيين إلى الولي، وفي قول: بالعكس.
م: (ولنا ما تلونا من الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] .
م: (وروينا من السنة) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمد قود» .
م: (ولأن المال) ش: دليل عقلي وبيانه: أن المال م: (لا يصلح موجبا) ش: في القتل العمد. م: (لعدم المماثلة) ش: أي لعدم المماثلة بين المال والآدمي؛ لأن المال مملوك مبتذل، والآدمي مالك يتبذل فأنى يتماثلان.
م: (والقصاص يصلح للتماثل) ش: لأنه لغة روح بإزاء روح مثله. م: (وفيه) ش: أي وفي القصاص م: (مصلحة الأحياء زجرا) ش: للغير عن وقوعه فيه، م: (وجبرا) ش: للورثة، م: (فيتعين) ش: أي القصاص.

(13/67)


وفي الخطأ وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار، ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال، فلا يتعين مدفعا للهلاك، ولا كفارة فيه عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ، فكان أدعى إلى إيجابها. ولنا: أنه كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة، فلا تناط بمثلها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الخطأ) ش: هذا جواب عما يقال كيف يصلح موجبا في الخطأ، والفائت فيه مثل الفائت في العمد؟
وتقرير الجواب أن: م: (وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار) ش: والآدمي مكرم لا يجوز إهدار دمه وأنه لما لم يكن الاقتصاص فيه هدر الدم لو لم يجب المال م: (ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال) ش: هذا جواب عن قوله: م: (فلا يتعين مدفعا للهلاك) ش: تقريره أنه متعين بعدم قصد الولي القتل بعد أخذ المال؛ لأنه يجوز أن يأخذ المال، ثم تهيجه الضغينة وتحركه العداوة على ارتكاب قتله، وإن لم يكن له ذلك شرعا، فإذا كان كذلك فلا يتعين مدفعا للهلاك.
فإن قيل: هذا الوهم موجود فيما إذا أخذ المال صلحا، وقد جاز؟
أجيب: بأن في الصلح المراضاة، والقتل بعده ظاهر العدم.
م: (ولا كفارة فيه) ش: أي في القتل العمد سواء كان عمدا يجب فيه القصاص، أو لا يجب كالأب إذا قتل ابنه عمدا، ومسلم قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا عمدا.
م: (عندنا) ش:، وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه، وبه قال الثوري وأبو ثور وابن المنذر م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. ولا خلاف في وجوب الكفارة في الخطأ، إلا ما حكي عن مالك أنه قال: لا تجب الكفارة في القتل العمد أو الكفارة خطأ. وللشافعي وجهان في سقوط الكفارة عن القاتل إذا قتل قصاصا، والأصح أنه لا يسقط ويؤدى من تركته.
م: (لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه) ش: أي إلى التكفير م: (في الخطأ) ش: لأنها لستر الذنب، والذنب في العمد أعظم. م: (فكان أدعى إلى إيجابها) ش: أي فكان الذنب أدعى إلى إيجاب الكفارة م: (ولنا: أنه) ش: أي القتل أو العمد م: (كبيرة محضة) ش: أي ليس فيه جهة الإباحة. م: (وفي الكفارة معنى العبادة) ش: يعني دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد أن يكون سببها دائرا بين الخطر والإباحة كما في الغموس. م: (فلا تناط) ش: أي الكفارة م: (بمثلها) ش: أي بمثل الكبيرة المحضة.

(13/68)


ولأن الكفارة من المقادير، وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى، ومن حكمه حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ميراث لقاتل» .
قال: وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الكفارة) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إلحاقه العمد بالخطأ. تقديره أن الكفارة م: (من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى) ش: وهو القصاص، فلا يمكن إلحاق العمد بالخطأ؛ لأنه لا مدخل للرأي في تقدير العقوبات والجناية.
فإن قلت: يشكل بكفارة قتل صيد الحرم، فإنه كبيرة محضة. ومع هذا يجب فيه الكفارة؟
قلت: هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك حلالان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحدا. ولو كان جناية الفعل، لوجب جزاء. والجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ.
م: (ومن حكمه) ش: أي حكم القتل العمد م: (حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ميراث لقاتل» ش: هذا أخرجه ابن ماجه، من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مطولا، وفيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ليس لقاتل ميراث» .
ورواه مالك في " الموطأ "، وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «القاتل لا يرث» .
وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث لا يصح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه إسحاق عن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

[القتل شبه العمد]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح) ش: سواء كان الدلالة به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالعصا الصغيرة.

(13/69)


وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة، فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط " سمي به هذا الفعل الذي لا يوجب القود ويشبه العمد أي خطأ يشبه العمد لما فيه من معنى العمد بالنظر إلى قصد الفاعل إلى الضرب. ومعنى الخطأ باعتبار انعدام قصد القتل وبالنظر إلى الآلة التي استعملها هي آلة الضرب للتأديب دون القتل والعاقل إنما يقصد إلى كل فعل بآلته، فكان ذلك خطأ يشبه العمد بلا خلاف.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية إن قصد القتل يجب القود، والخلاف في تفسير شبه العمد وفي " الأوضح ": شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره) ش: أي غير القتل م: (كالتأديب ونحوه) ش: كالتحريق م: (فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود) ش: أي القصاص.
وقال صاحب (" المجتبى ": يشترط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقصد التأديب دون الإتلاف، وعندهما: إن كان متعمدا بما كان الإتلاف غالبا فعمد محض.
وعند الشافعي ومالك وأحمد: بكل آلة لا تصلح للقتل، فلو ضربه بسوط صغير، سوطا أو سوطين فمات فهو شبه العمد عند الكل، ولو والى في الضربات إلى أن مات. فإن كان جملة ما والى بحيث يقتل مثله غالبا، فهو عمد محض عندهما. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال بعضهم هو شبه العمد على قولهما، كقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو خيفة فمات، فهو شبه عمد لا قصاص فيه، إلا أن يكون معروفا بذلك.
وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجب القود. وقال بعضهم: شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل. وعندهما: بكل آلة لا تقتل غالبا. وقد ذكرنا هذا.

(13/70)


وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ، ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله، وبه يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» .
وروي أيضا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرجه الثلاثة المذكورون عنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يوم الفتح بمكة، الحديث. وفيه: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» .
ورواه أحمد والشافعي وإسحاق في " مسانيدهم "، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " والتمسك به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد بين الصغير والكبير، وعليهما عملا بالإطلاق.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في إعراب حديث الباب أي " قتله " بالنصب على البدل. وخبر إن " فيه مائة من الإبل ". وروي بالرفع فيكون هو خبر المبتدأ. ويكون قوله: " فيه مائة " كلاما مستأنفا.
م: (ولأن الآلة) ش: سواء كانت كبيرة أو صغيرة م: (غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه، إذ لا يمكن استعمالها) ش: أي في القتل لأنه لا يمكن استعمال هذه الآلة م: (على غرة) ش: بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء على غفلة. م: (من المقصود قتله، وبه) ش: أي وبالاستعمال على غرة م: (يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة) ش: يعني القصد إلى القتل أمر باطن لا يوقف الأمر عليه، فأقام الشرع الضرب بآلة وضعت للقتل مقام القصد إلى القتل، وأقام الضرب بآلة وضعت للتأديب مقام عدم القصد، فسقط اعتبار حقيقة القصد، واعتبر السبب القائم مقامه. كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".

(13/71)


فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة. قال وموجب ذلك على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب والكفارة لشبهه بالخطأ والدية مغلظة على العاقلة والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى. ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة) ش: لأن تتقاصر الآلة بتقاصر معنى العمدية. فيكون شبه العمد م: (قال وموجب ذلك) ش: أي موجب شبه العمد م: (على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقولهما: م: (الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب) ش: قتل على صيغة فعل الماضي، والواو في وهو للحال.
م: (والكفارة) ش: بالرفع عطفا على قوله: " الإثم ". أي وموجبه أيضا وجوب الكفارة م: (لشبهه بالخطأ) ش: أي بالنظر إلى الآلة. وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وفي " الإيضاح ": وجدت في كتب أصحابنا أن لا كفارة في شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإثم كامل متناه. وتناهيه يمنع شرع الكفارة لأن ذلك من باب التخفيف.
وفي " الكافي ": والصحيح أنها تجب عنده. ذكره الطحاوي والجصاص.
م: (والدية) ش: بالرفع أيضا. أي وموجب ذلك أيضا وجوب الدية حال كونها م: (مغلظة) ش: أي دية مغلظة وسيجيء تفسيرها إن شاء الله تعالى م: (على العاقلة والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء) ش: يعني كل دية يوجبها القتل من الابتداء م: (لا بمعنى يحدث من بعد) ش: احترز به بما يصالحوا فيه على الدية، وعن قتل الوالد ولده عمدا وعن إقرار القاتل بالقتل خطأ، وقد كان قتله عمدا. فإن في هذه الصور تجب الدية على القاتل في ماله.
وقوله: " من بعد " بضم الدال لأنه لما بعد من الكسر بالإضافة بني على الضم. وقوله م: (فهي على العاقلة) ش: خبر أن. وسيجيء تفسير العاقلة في باب مستقبل م: (اعتبارا بالخطأ) ش: أي قياسا عليه. م: (وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة) ش: أي الدية حال كونها مغلظة. م: (وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في كتاب الديات.
م: (ويتعلق به) ش: أي شبه العمد م: (حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر) ش: أي لأن حرمان الميراث م: (في سقوط القصاص) ش: كان ينبغي أن يؤثر أيضا في حرمان الميراث.

(13/72)


دون حرمان الميراث، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه.
قال: والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم. وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا. وموجب ذلك الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه. قال: ولا إثم فيه يعني في الوجهين، قالوا: المراد إثم القتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أن شبه العمد تؤثر في سقوط القصاص للشبهة م: (دون حرمان الميراث) ش: لأن الحرمان جزاء القتل بالنص وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ميراث للقاتل» .
م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه) ش: وفي " المبسوط ": وكان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا أدري ما شبه العمد وأن القتل عمد وخطأ. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فالحجة عليه، أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما أسلفناه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا إن قتيل العمد قتيل السوط والعصا» ، ولكن المعهود من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثله أن يقول ما روينا والحق أن يقال إنما قال أسلفنا نظرا إلى الحديث والمعنى المنقول.
قلت: كان الأوجه أن يقول: لما ذكرنا على ما لا يخفى.

[القتل الخطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم) ش: قوله: " يظنه " جملة حالية. والفاء في " فإذا " في الموضعين للمفاجآت.
م: (وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا) ش: بفتح الغين المعجمة والراء، وبالضاد المعجمة وهو الهدف. م: (فيصيب آدميا. وموجب ذلك) ش: أي ما يقتضيه الخطأ بنوعيه م: (الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه) ش: أراد به قوله: ويجب في ثلاث سنين بقضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (قال: ولا إثم فيه) ش: من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعني في الوجهين) ش: يعني عدم وجوب الإثم في الوجهين المذكورين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» .
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (المراد إثم القتل) ش: أي إثم قصد القتل، بحذف المضاف لأن

(13/73)


فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، بخلاف ما إذا تعمد الضرب موضعا من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل والواحد.
وقال: وما أجرى مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع. وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف، وهو متعد فيه فأنزل موقعا دافعا فوجبت الدية. ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إثم القتل غير منفي وهو معنى قوله: م: (فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى) ش: الإثم لأنه لم يباشر الرخصة بطريق السلامة والمباح مفيد بهذا كالمرور في الطريق، وإذا كان فيه نوع إثم يستقيم تعليق حرمان الميراث به، وهو معنى قوله: م: (ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به) ش: أي بالقتل الخطأ بنوعيه.
م: (بخلاف ما إذا تعمد الضرب) ش: هذا متصل بقوله ويوجب ذلك الكفارة والدية، وصورة ذلك أن يتعمد الرجل أن يضرب م: (موضعا) ش: بأن قصد ضرب يده م: (من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر) ش: بأن أصاب عنقه م: (فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل الواحد) ش: حتى إذا أصاب عنق غيره فهو خطأ.

[ما أجري مجرى الخطأ في القتل والقتل بسبب]
م: (قال:) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع) ش: لكنه دون الخطأ حقيقة، فإنه ليس من أهل القصد أصلا، وإنما وجبت الكفارة لتحرك التحرز عن نومه، في موضع يتوهم أن يصير قاتلا، والكفارة في قتل الخطأ إنما تجب لترك التحرك أيضا. وإنما جعل محروما عن الميراث لجواز أن يكون تقاوم ولم يكن قائما حقيقة. وهذا معتبر في حق الحرمان.
وفي الأوضح: لو وقع من سطح على إنسان فقتله، أو كان على دابة فأوطأت إنسانا فمات، أو كان في يده لبنة أو خشبة فسقطت على إنسان فقتله، فهذا مثل النائم ينقلب لكونه قتلا معصوما فأجري مجرى الخطأ.
م: (وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف؛ وهو متعد فيه فأنزل موقعا) ش: يعني في البئر م: (دافعا) ش: يعني في الحجر م: (فوجبت الدية، ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

(13/74)


يلحق بالخطأ في أحكامه لأن الشرع أنزله قاتلا. ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة فألحق به في حق الضمان فبقي في حق غيره على الأصل، وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا، وهذه كفارة ذنب القتل، وكذا الحرمان بسببه وما يكون شبه عمد في النفس فهو عمد فيما سواها؛ لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة، وما دونها لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يلحق بالخطأ في أحكامه) ش: أي في أحكام الخطأ. فيجب الكفارة ويحرم عن الميراث. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ م: (لأن الشرع أنزله قاتلا) ش: يعني في الضمان فكان كالمباشرة فعندهم المسبب كالمباشر.
م: (ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة) ش: لأنه ليس بمباشر للقتل حقيقة لأن مباشرة القتل إيصال فعل من القاتل بالمقتول ولم يوجد م: (فألحق به) ش: أي بالمباشر م: (في حق الضمان) ش: صيانة للدم عن الهدر على خلاف الأصل م: (فبقي في حق غيره) ش: وهو حق الكفارة وحرمان الميراث.
م: (على الأصل) ش: وهو عدم القتل، وهو إن كان يأثم، هذا جواب عما يقال: الحافر في غير ملكه يأثم. وما فيه إثم من الفعل يصح تعليق الحرمان به، كما ذكرتم في الخطأ.
وتقرير الجواب: هو أنه م: (وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (وهذه كفارة) ش: أي الكفارة التي ينازعها فيها كفارة م: (ذنب القتل) ش: هنا ولا كفارة. م: (وكذا الحرمان) ش: عن الميراث م: (بسببه) ش: أي بسبب القتل ولا قتل هنا فلا حرمان.
م: (وما يكون شبه العمد في النفس فهو عمد فيما سواها) ش: يعني ليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطأ م: (لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة) ش: فإن إتلاف النفس لا يقصد إلا بالسلاح وما يجري مجراه م: (وما دونها) ش: أي ما دون النفس م: (لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم) ش: ألا ترى أن فقء العين كما يقصد بالسكين، يقصد بالسوط والعصا الصغيرة.

(13/75)