البناية
شرح الهداية باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه قال:
القصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد إذا قتل عمدا أما العمدية فلما
بيناه.
وأما حقن الدم على التأبيد فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه]
[القصاص واجب بقتل كل محقون الدم]
م: (باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان ما يوجب
القصاص، وفي بيان ما لا يوجب القصاص. ولما فرغ من بيان أقسام القتل وكان من
جملتها العمد: وهو قد يوجب القصاص، وقد لا يوجبه، احتاج إلى التفصيل ذلك في
باب على حدة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (القصاص واجب بقتل كل
محقون الدم) ش: من حقن دمه: إذا منعه أن يسفك من وجه دخل على التأبيد احترز
به عن المستأمن، ولا يشكل بقتل الأب ابنه، فإنه قتل مسلم لمسلم محقون الدم،
مع أنه لا يجب القصاص لأن ذلك من العوارض فلا يدخل تحت القواعد والكلام في
الأصول.
م: (على التأبيد إذا قتل عمدا) ش: قيد به لأنه إذا قتل خطأ لا يجب القصاص.
م: (أما العمدية فلما بيناه) ش: في أوائل كتاب الجنايات من قوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: «العمد قود» ، وأن الجناية شامل بها.
م: (وأما حقن الدم على التأبيد) ش: احترز به عن المستأمن؛ لأن فيه شبهة
الإباحة، والعود إلى دار الحرب أشار إليه بقوله م: (فلتنتفي شبهة الإباحة
وتتحقق المساواة) ش: بين القاتل والمقتول.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه:
الأول: أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب.
الثاني: أن حقن الدم على التأبيد غير متصور لأنه انتهى ما يتصور منه أن
يكون المسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله.
الثالث: أنها منقوضة بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه ولا قصاص.
الرابع: أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب
القصاص ولا مساواة بينهما.
والجواب عن الأول: أن المراد بالوجوب ثبوت حق الاستيفاء. ولا منافاة بينه
وبين العفو.
وعن الثاني: أن المراد بالحقن على التأبيد، ما هو بحسب الأصل والارتداد
عارض لا يعتبر به، ورجوع الحزبي إلى داره أصل لا عارض.
(13/76)
قال: ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد
للعمومات. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}
[البقرة: 178] . ومن ضرورة هذه المقابلة أن لا يقتل حر بعبد؛ ولأن مبنى
القصاص على المساواة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن الثالث: بأن القصاص ثابت، ولكنه انقلب ما لا شبهة الأبوة.
وعن الرابع: بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع من الاستيفاء بخلاف العكس.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقتل الحر بالحر، والحر
بالعبد للعمومات) ش: يريد به قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ
جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ، وقوله: {وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» .
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والحر بالعبد، وكذا بالأمة. ولكن لا
يقتل بعبد نفسه عندنا.
وقال النخعي وداود: يقتل بعبد نفسه أيضا. لما روى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ
- عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه» .
قلنا: الحسن ما سمع: " من قتل " من سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولئن
صح كان محمولا على الزجر دون إرادة الإيقاع. وقيل: هذا منسوخ بدليل سقوط
القصاص بين الحر والعبد بالإجماع.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد) ش: وبه قال
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد: بل يضمن قيمته.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}
[البقرة: 178] ، ومن ضرورة هذه المقابلة) ش: وهي مقابلة: الحر بالحر،
والعبد بالعبد م: (أن لا يقتل الحر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة)
ش: بين القاتل
(13/77)
وهي منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا
يقطع طرف الحر بطرفه بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان، وبخلاف العبد حيث
يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان. ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في
العصمة، وهي بالدين أو بالدار ويستويان فيهما، وجريان القصاص بين العبدين
يؤذن بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر فلا ينفي ما عداه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمقتول م: (وهي) ش: أي المساواة م: (منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا
لا يقطع طرف الحر بطرفه) ش: أي بطرف العبد م: (بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما
يستويان) ش: في المملوكة.
م: (وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان) ش: أي لأن التفاوت
بين العبد والحر تفاوت إلى نقصان، فيجوز أن يستوفي بالكل دون عكسه كما في
الطرف.
م: (ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي) ش: أي العصمة م:
(بالدين) ش: يعني عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو بالدار) ش: يعني
عندنا، م: (ويستويان) ش: أي الحر والعبد م: (فيهما) ش: أي في الدين والدار،
فيجري القصاص بينهما م: (وجريان القصاص بين العبدين) ش: هذا جواب عما يقال
للرق أثر الكفر، وحقيقة الكفر تورث شبهة الإباحة، ولهذا لا يقتل المسلم
بالكافر مطلقا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكذا أثره تورث شبهة
الإباحة، وتقدير الجواب أن يقال: لا يورث شبهة الإباحة، وهو معنى قوله:
وجريان القصاص بين العبدين.
م: (يؤذن) ش: أي يعلم بإيفاء شبهة الإباحة، والدليل على ذلك: أنه لو كان
كما قلتم لما جاز جريان القصاص بين العبدين، ولهذا لا يجري بين المستأمنين.
م: (بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر) ش: هذا جواب عما استدل من
المقابلة في الآية، وجهه: أن النص الذي فيه المقابلة تخصيص بذكرها.
م: (فلا ينفي ما عداه) ش: أي ما عدا المنصوص، كما في قوله: {وَالْأُنْثَى
بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فإنه لا ينفي الذكر بالأنثى ولا العكس
بالإجماع.
وفائدة التخصيص: الرد على من أراد قتل غير القاتل بالمقتول، ذلك أن ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - روى: أن قبيلتين من العرب تدعي
إحداهما مقتلا على الأخرى اقتتلتا، فقالت مدعية الفضل: لا نرضى إلا بقتل
الذكر منهم بالأنثى، والحر منهم بقتل العبد منا. فأنزل الله تعالى هذه
الآية ردا عليهم.
ولم يذكر الجواب عن الأطراف، وقد أجيب: بأن القصاص في الأطراف معتمد
المساواة في الجزاء، فإنه لا يقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا مساواة بينهما
في ذلك لأن الرق ثابت في أجزاء الجسم بخلاف النفوس، فإن القصاص فيها يقعدها
في العصمة، وقد تساويا فيها.
(13/78)
قال: والمسلم بالذمي خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا
يقتل مؤمن بكافر» ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية. وكذا الكفر مبيح
فيورث الشبهة. ولنا: ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «قتل مسلما بذمي»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قتل المسلم بالذمي]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمسلم بالذمي) ش: أي
بقتل المسلم بالذمي. وبه قال النخعي والشعبي - رحمهما الله - م: (خلافا
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي ثور، والثوري، والأوزاعي، وزفر، وأصحاب الظواهر -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي " المبسوط ": الخلاف فيما إذا كان القاتل حال القتل مسلما، أما لو قتل
ذمي ذميا ثم أسلم القاتل يقتص بالإجماع.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل المسلم الذمي غيلة يقتل به. لما
روي: أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أمر به في هذه الصورة،
والغيلة: أن يخدع الرجل حتى يدخل بيته أو نحوه، فيقتله أو يأخذ ماله إن كان
معه.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: م: «لا يقتل مؤمن بكافر» ش: هذا الحديث رواه البخاري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - «عن أبي جحيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سألت عليا -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هل عندكم مما ليس في القرآن؟ فقال: "
العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر» .
وأخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطولا
وفيه: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» . وروى أبو داود وابن ماجه أيضا، عن عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «لا يقتل مؤمن بكافر» .
م: (ولأنه لا مساواة بينهما) ش: أي بين المسلم والذمي م: (وقت الجناية) ش:
قيد به لأن القاتل إذا كان ذميا وقت القتل ثم أسلم، فإنه يقتص منه
بالإجماع. وقد ذكرناه.
م: (وكذا الكفر مبيح) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا
تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أي فتنة الكفر. م: (فيورث الشبهة) ش: أي
كون الكفر مبيحا يورث الشبهة في عدم المساواة.
م: (ولنا ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " قتل
مسلما بذمي» ش: هذا روي مسندا ومرسلا، أما المسند فأخرجه الدارقطني. وفي "
سننه " عن عمار بن مطر، حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن بن السلماني، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -:
«أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل مسلما بمعاهد،
وقال: (أنا أكرم من وفى ذمته» .
(13/79)
ولأن المساواة في العصمة ثابتة نظرا إلى
التكليف أو الدار. والمبيح كفر المحارب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما المرسل: فأخرجه من طريق عبد الرزاق، عن الثوري عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن عن عبد الرحمن بن السلماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فذكره.
فإن قلت: قال الدارقطني: ابن السلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث
فكيف عما يرسله؟. وقال: عمار بن مطر الزهاوي يقلب الأسانيد، ويسرق الأحاديث
حتى كثر ذلك في رواياته فسقط من حد الاحتجاج به؟
قلت: ابن السلماني وثقه ابن حبان وذكره في " الثقات ". وهو رجل معروف من
التابعين، فإذا كان كذلك يكون حديثه صحيحا. والمرسل حجة عندنا، ومالك وأحمد
وأكثر العلماء حتى قال محمد بن جرير الطبري: أجمع التابعون على قبول
المرسل. ولم يزل الأمر كذلك إلى رأس المائتين فحدث رد المرسل حتى قيل رد
المرسل بدعة.
وقال ابن عبد البر: من رد المرسل فقد رد أكثر السنن. ولنا: ما رواه الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " أيضا: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنا قيس بن الربيع الأسدي، عن أبان بن ثعلب، عن الحسين
بن ميمون، عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي الجنوب الأسدي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أتي علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال: فقامت عليه البينة
فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: قد عفوت، فقال: لعلهم فزعوك أو هددوك؟. قال:
لا، ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني، فقال: أنت أعرف من كان له ذمتنا
فدمه كدمنا وديته كديتنا.
وذكر صاحب " التنقيح " أن حسين بن ميمون هو الخندقي، قال ابن المديني: ليس
بمعروف قل من روى عنه. وقال ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بالقوي في
الحديث، يكتب حديثه.
وذكره البخاري في " الضعفاء ". قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات "، قال:
وربما يخطئ.
م: (ولأن المساواة) ش: أي بين المسلم والذمي م: (في العصمة ثابتة نظرا إلى
التكليف أو الدار) ش: يعني عندنا، فإن كان كذلك يثبت العصمة، حاصله: أنه
يستحق البقاء لإقامة التكاليف، ولا يمكن من إقامتها إلا بأن تكون محرم
الفرض مرفوع أسباب الهلاك.
م: (والمبيح كفر المحارب) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: وكذا الكفر مبيح، وتقريره أنا لا نسلم أن مطلق الكفر بل المبيح كفر
المحاربة. قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة:
29] .
(13/80)
دون المسالم، والقتل بمثله يؤذن بانتفاء
الشبهة. والمراد بما روى الحربي لسياقه ولا ذو عهد في عهده، والعطف
للمغايرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (دون المسالم) ش: أي دون كفر المسلم لأنه يعقد الكفر الذمة صار من أهل
دارنا، فلم يبق كفره مبيحا. ولهذا كفر المرأة لا يبيح القتل؛ لأن كفرها غير
ثابت على الحرب لأنها بنفسها غير صالحة له، والعصمة بالدار تؤثر في النفس
والمال جميعا حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي، وحقن دمه أيضا لعقد الذمة.
م: (والقتل بمثله) ش: هذا دفع لقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " فيورث
الشبهة "، بيانه: أن القتل بمثله، أي قتل الذمي بالذمي م: (يؤذن بانتفاء
الشبهة) ش: يعني بأن كفر الذي لا يورث الشبهة إذا ورد لما جرى القصاص
بينهما كما لا يجري بين الحربيين.
فإن قيل: يورث الشبهة إذا قتله مسلم؟.
قلنا: يكون قبل قتله المسلم معصوما كالمسلم فيجب القصاص.
م: (والمراد بما روى) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أي المراد عما روى
الشافعي من قوله: «لا يقتل المؤمن بكافر» م: (الحربي) ش: أي الكافر الحربي
م: (لسياقه) ش: أي لسياق الحديث.
وقوله: م: (ولا ذو عهد في عهده) ش: بيانه: ما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في " شرح الآثار ": أن الذي حكاه أبو جحيفة عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لم يكن مفردا، ولو كان مفردا لاحتمل ما قالوا،
ولكن موصلا بغيره، وهو قوله: (ولا ذو عهد في عهده ". ووجه ذلك: أنه عطف هذا
على الأول. م: (والعطف للمغايرة) ش: لأن المعطوف غير المعطوف عليه.
وفي " المبسوط " و " الأسرار ": الواو للعطف حقيقة خصوصا فيما لا يكون
مستقلا بنفسه، ووجه الأول بقي القتل قصاصا لا بقي مطلق القتل، فيكون الثاني
نفي القتل قصاصا، وإلا فلا مناسبة بين الجملتين، فيصير كقوله في حسن الديات
محطوط، وكذا [ ... ] في غاية الطول فيكون وكيلا.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ذو عهد في عهده،
جملته ناقصة، فيكون خبره خبر الجملة الكاملة، وخبر الكاملة في القتل قصاصا،
فيكون معناه: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، فلو كان الكافر في الكاملة
مطلقا لا يصح هذا؛ لأنه يصير معناه: لا يقتل ذو عهد مطلق بالكافر. وليس
كذلك بالإجماع، فإن الذمي يقتل بالذمي بالإجماع.
فإن قيل: قد روي في بعض الروايات: " ولا بذي عهد في عهده " أي ولا يقتل
مسلم بكافر ولا
(13/81)
قال: ولا يقتل بالمستأمن لأنه غير محقون
الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب؛ لأنه على قصد الرجوع، ولا
يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا. ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا للمساواة
ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح،
ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن وبناقص
الأطراف وبالمجنون للعمومات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذمي عهد.
قلنا: هي رواية شاذة مجهولة. ولئن صح فنقول أنه معطوف على المؤمن لا على
الكافر، والجر على الجواز كما في جحر ضب خرب. والمرد بذي عهد مستأمن وبه
نقول، أي: المستأمن لا يقتل بالمستأمن.
م: (قال: ولا يقتل بالمستأمن) ش: أي لا يقتل المسلم بالمستأمن. م: (لأنه
غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب لأنه على قصد
الرجوع) ش: إلى داره، فكان كالحربي.
م: (ولا يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا) ش: لأنه غير محقون الدم على
التأبيد. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله هو إشارة إلى قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا ذو عهد في عهده» وليس بواضح لأن
المعهود منه في مثله لما روينا؛ ولأننا قدرنا ذلك بكافر حربي إلا إذا أريد
هناك بالحربي أعم من أن يكون مستأمنا أو محاربا، وهو الحق، ويغنينا عن
السؤال عن كيفية قتل المسلم الحربي، والجواب عنه بقوله: " لما بينا " لأن
التقدير المذكور ليس بمروي، وإنما هو تأويل فلم يقل: " لما روي ".
م: (ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا) ش: لأنهما حقنا دمهما بالأمان م:
(للمساواة) ش: بينهما من حيث حقن دمهما، فصارا متكافئين. وبه قالت الأئمة
الثلاثة.
م: (ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح) ش: وهو الكفر الباعث على الحراب، لما
قلنا: إنه على قصد الرجوع.
[الحكم إذا قتل الرجل امرأة]
م: (ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى، والزمن وبناقص
الأطراف وبالمجنون للعمومات) ش: أراد بها قوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا
فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وغير ذلك من
الآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص. وهذا الذي ذكرناه من قوله: " ويقتل
الرجل.. " إلى آخره قول أكثر أهل العلم.
وعن عطاء عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل الرجل امرأة
فوليها إن شاء أخذ بديتها ستة آلاف درهم، وإن شاء دفع إلى ولي القاتل ستة
آلاف وقتله. هكذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(13/82)
ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة
امتناع القصاص وظهور التقاتل والتفاني، قال: ولا يقتل الرجل بابنه لقوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يقاد الوالد بولده» وهو بإطلاقه
حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يقاد إذا ذبحه ذبحا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر في " الكشاف " في تفسير قَوْله تَعَالَى: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}
[البقرة: 178] قال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا يقتل الذكر بالأنثى،
لكن هذا مخالف لعامة كتب الشافعي ومالك.
م: (ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص وظهور التقاتل
والتفاني) ش: وهذا كله يصلح لجميع ما خالفنا فيه الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يقتل الرجل بابنه لقوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - م: «لا يقاد الوالد بولده» ش: هذا الحديث رواه الترمذي، وابن
ماجه، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: «لا يقاد الوالد بولده» .
وروى الترمذي، وابن ماجه أيضا من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقتل الوالد بالولد» . وفي سنده إسماعيل
بن مسلم وهو ضعيف.
م: (وهو) ش: أي هذا الحديث م: (بإطلاقه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في قوله: يقاد) ش: أي الوالد م: (إذا ذبحه) ش: أي الابن م: (ذبحا) ش: يعني
إذا قصد قتله. أما لو رماه بالسيف أو السكين ولم يرد قتله، فلا قصاص.
وفي " الجواهر " للمالكية: قال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الأب
بالابن بكل حال للشبهة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«أنت ومالك لأبيك» .
(13/83)
ولأنه سبب لإحيائه؛ فمن المحال أن يستحق له
إفناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو
محصن. والقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه، والجد من قبل الرجال أو
النساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو
الأم قربت أم بعدت لما بينا ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط. قال: ولا
يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده؛ لأنه لا يستوجب
لنفسه على نفسه القصاص، ولا ولده عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الليثي وداود وابن المنذر، وابن الحكم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتل
بابنه للعمومات والأم كالأب، وكذا الأجداد والجدات. وبه قال الشافعي وأحمد
- رحمهما الله.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأب م: (سبب لإحيائه) ش: أي لإحياء الولد، م: (فمن
المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك، م: (لا يجوز له) ش: أي
للابن م: (قتله) ش: أي قتل الأب.
م: (وإن وجده في صف الأعداء) ش: حال كونه م: (مقاتلا أو زانيا) ش: أي ووجده
زانيا م: (وهو محصن) ش: أي والحال أنه محصن.
وكذا لو وجده مرتدا ليس له أن يقتله شرعا. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: أو راميا موضع قوله: " زانيا ". ثم قال: يعني لا يجوز للابن أن
يرمي بالحجر نحو أبيه.
م: (والقصاص يستحقه المقتول) ش: هذا جواب عما يقال: لو استوفى القصاص منه
لا يكون استيفاء من الولد، فإن استيفاء القصاص يمنع من وارث الوالد، وتقدير
الجواب أن القصاص يستحقه المقتول أولا، ولهذا لو عفي يصح.
م: (ثم يخلفه وارثه) ش: أي ثم يخلف المقتول وارثه، والابن ليس من يستوجب
ذلك على أبيه، وبدون الأهلية لا يثبت الحكم.
م: (والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا) ش: الحكم م: (بمنزلة
الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا) ش:
أشار به إلى قوله لأنه سبب لإحيائه، م: (ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط)
ش: أي لعدم مسقط القصاص، وهو قيام الواجب وهو سبب الإحياء، وحكي عن أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية شاذة: أنه لا يقتل.
م: (قال: ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده) ش:
ولا يعلم فيه خلاف م: (لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه) ش: أي لأن الرجل لا
يستحق لأجل نفسه م: (القصاص ولا ولده عليه) ش: بالرفع معطوفة على الضمير
المستكن في يستوجب. وجاز ذلك بلا
(13/84)
وكذا لايقتل بعبد ملك بعضه، لأن القصاص لا
يتجزأ. قال: ومن ورث قصدا على أبيه سقط لحرمة الأبوة
قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف. وقال الشافعي - رحمه لله -: يفعل به
مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا، فإن مات وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص
على المساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تأكيد المنفصل لوقوع الفصل يعني: ولا يستوجب ولده على أبيه إذا قتل الأب
عبد ولده، كذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: العطف على الضمير
المستكن فيه خلاف بين الكوفيين والبصريين على ما لا يخفى على من له يد في
علم النحو.
م: (وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه) ش: أي إذا كان عبد بين شريكين، فقتله
أحدهما: لا يقتل به، م: (لأن القصاص لا يتجزأ) ش: فيضمن لشريكه قيمته وما
يخصه من العبد.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ورث قصاصا على أبيه)
ش: مثل أن يقتل الرجل أم ابنه مثلا م: (سقط) ش: أي القصاص م: (لحرمة
الأبوة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - «أنت ومالك
لأبيك» فظاهره يوجب كونه مملوكا لأبيه. فحقيقة الملك يمنع القصاص كما في
المولى إذا قتل عبده. وكذا شبهة الملك باعتبار الظاهر.
[لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه
خمرا حتى مات]
م: (قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) ش: للحديث الذي يأتي م: (وقال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا) ش:
مثل أن يقطع يد رجل فمات منه فعل به وذلك، ويمثل مثل تلك المدة م: (فإن مات
وإلا تحز رقبته) ش:
وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأصحاب الظاهر ولو كان ذلك الفعل غير
مشروع، بأن لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه خمرا حتى مات، اختلف
أصحابه. قيل: يحز رقبته، وقيل في اللواطة: يشحذ آلة على مثل هذا الذكر
فيقتل به مثل ما فعل. وقيل في الخمر: يسقى الماء حتى يموت، في " الحلية ":
فالمذهب أنه يحز رقبته.
وكذا نهشته حية يقتل بمثله. وإذا حبسه في بيت فيه سبع فافترسه ففيما يقتص
به وجهان: ولو فعل به ما فعل ولم يمت ففيه قولان: أحدهما: أنه يكرر عليه
ذلك الفعل حتى يموت. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني: أنه يعدل
إلى السيف.
م: (لأن مبنى القصاص على المساواة) ش: وذلك فيما ذكرنا لأن فيه مساواة في
الأصل والوصف، أي الفعل والمقصود به.
فإن قيل: قد احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن معه بقوله تعالى:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:
126] وقَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وبما روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنه قال: «أن جارية وجدوا رأسها قد رض
(13/85)
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لا قود إلا بالسيف»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين الحجرين، فسألوها من فعل بك هذا، فلان وفلان؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت
برأسها. فأخذوا اليهودي. فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة» . وبحديث العرنيين فإنهم سملوا أعين
الرعاة فسمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعينهم.
قلت: أما قَوْله تَعَالَى: فعاقبوا الآية، فروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ
- عن مقسم، عن ابن عباس " وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمْ -: «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: لما قتل حمزة - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومثل به: " لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين رجلا ".
وفي رواية: " والله لأمثلن بسبعين رجلا منهم ". فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] الآية، فصبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكفر عن يمينه» فعلم أن الآية نزلت في هذا المعنى لا
فيما ذكروا.
وأما قَوْله تَعَالَى: فاعتدوا - الآية، فإنها نزلت على المماثلة لا على
الزيادة، وفيما قالوا: الزيادة في الاستيفاء، فلا يجوز.
وأما حديث اليهودي فكان بطريق السياسة لأنه كان مشهورا بذلك، فأمر برضه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكونه ساعيا في الأرض بالفساد، لا
بطريق القصاص إذ بإشارة الجارية برأسها لا يجب القصاص.
فإن قيل: اليهودي أقر بذلك؟.
قلنا: ولئن سلمنا فقد نسخ، ونسخ المثلة كما في حديث العرنيين.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا قود إلا بالسيف» ش: هذا
الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم:
أبو بكر، أخرج حديثه ابن ماجه عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» .
ومنهم: نعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله.
وفيه جابر الجعفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف. قاله ابن الجوزي، وفي
موضع آخر قال: وقد وثقه الثوري وشعبة.
ومنهم: ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه
الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
(13/86)
والمراد به السلاح، ولأن فيما ذهب إليه
استيفاء الزيادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معجمه عنه مرفوعا نحوه سواء، وفيه عبد الكريم ضعفوه.
ومنهم: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الدارقطني -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وفيه سلمان بن أرقم قال الدارقطني: هو متروك.
ومنهم: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه
الدارقطني أيضا عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة» . وفيه معلى بن هلال.
قال الدارقطني: متروك م: (والمراد به السلاح) ش: أي المراد بقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلا بالسيف " إلا بالسلاح، ويؤيده حديث
علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - المذكور آنفا.
وقال تاج الشريعة: قوله: والمراد به السلاح هكذا فهمت الصحابة بالمعنى
المفهوم دلالة وهو الحز والقطع. كما يقال: المراد من نهي الاستيفاء حرمة
الإيذاء. وأصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يقولون: لا قود إلا بالسلاح؛
لفهمهم من اللفظ المظهر النبوي.
وذلك لأن المراد من السلاح في الاستيفاء الحديد المحدد كالخنجر والسكين.
وإنما كنى بالسيف عن السلاح لأن المعد للقتال على الخصوص من بين الأسلحة
السيف. فإنه لا يراد به لشيء آخر سوى القتال. وقد يراد بسائر الأسلحة منافع
سواه. وهو معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت بالسيف
بين يدي الساعة» يعني السلاح الذي هو آلة القتال.
م: (ولأن فيما ذهب إليه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (استيفاء
الزيادة) ش: وهو دليل معقول يتضمن الجواب عن قوله: ولأن مبنى القصاص على
المساواة. ووجهه: لا نسلم وجود المساواة فيما ذهب إليه لأن فيه الزيادة.
(13/87)
لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز، فيجب
التحرز عنه كما في كسر العظام.
قال: وإذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله القصاص
عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب الاستيفاء، فإنه الولاء إن مات حرا
والملك إن مات عبدا، وصار كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال
المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا، ولهما: أن حق
الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين وهو معلوم والحكم متحد، واختلاف
السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز) ش: بعد فعل ما فعل به فيجب
التحرز عنه لأنه أدى إلى انتفاء القصاص م: (فيجب التحرز عنه كما في كسر
العظام) ش: فإن من كسر عظم إنسان سوى السن عمدا، فإنه لا تقبض منه فإذا جاز
ترك القصاص كله عند توهم الزيادة، فلأن يجوز ترك البعض أولى.
[قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى
وترك وفاء]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا قتل المكاتب عمدا
وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله) ش: أي فللمولى م: (القصاص عند أبي
حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. إذا كان
قاتله عبدا، أما لو كان قاتله حرا لا يجب القصاص على الحر، يقتل العبد
عندهم، وسواء ترك وفاء عندهم أو لا، وعندنا: إذا لم يترك وفاء لا يجب
القصاص كما يجيء.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب
الاستيفاء، فإنه) ش: أي فإن سبب الاستيفاء م: (الولاء إن مات حرا والملك إن
مات عبدا وصار) ش: هذا م: (كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال
المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا) .
ش: وقال الأكمل: كأنه حام حول الدرء بالشبهات م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة
وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (أن حق الاستيفاء للمولى بيقين على
التقديرين) ش: أي على تقدير أن يموت حرا وعلى تقدير أن يموت عبدا.
م: (وهو) ش: أي المولى م: (معلوم والحكم متحد) ش: وهو استيفاء القصاص م:
(واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالي به) ش:
أي باختلاف السبب، كما لو قال المقر لك علي ألف من ثمن عبد، وقال المقر له:
من قرض يجب الألف على المقر، ولا يبالي اختلاف السبب.
(13/88)
به بخلاف تلك المسألة لأن حكم ملك اليمين
يغاير حكم النكاح ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى فلا قصاص وإن اجتمعوا
مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه المولى إن مات عبدا والوارث إن مات
حرا، إذ ظهر الاختلاف بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على
نعت الحرية أو الرق بخلاف الأولى؛ لأن المولى متعين فيها وإن لم يترك وفاء
وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا؛ لأنه مات عبدا بلا ريب
لانفساخ الكتابة بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء لأن العتق في
البعض لا ينفسخ بالعجز،
وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن
لأن المرتهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أي مسألة الجارية م: (لأن حكم ملك اليمين يغاير
حكم النكاح) ش: لأن ملك اليمين يثبت الحل تبعا، والنكاح مقصود فالحل ثابت
مقصود غير الحل الثابت تبعا ويختلف أحكامهما. ولما لم يتفقا على أحد
الحكمين لم يثبت الحل م: (ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى) ش: أي ولو ترك
المكاتب المقتول وفاء، والحال أن له وارثا غير مولاه. م: (فلا قصاص) ش: أي
عند أصحابنا بلا خلاف خلافا للأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م:
(وإن اجتمعوا مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه) ش: أي لأن من له الحق
م: (المولى إن مات عبدا والوارث) ش: أي من له الحق الوارث م: (إن مات حرا
إذ ظهر الاختلاف) ش: أي لأنه ظهر الاختلاف م: (بين الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على نعت الحرية أو الرق) ش: أي على وصف الحرية،
فإن مات حرا أو على وصف الرقية، بأن مات عبدا فعند علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، وعبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يموت حرا إذا أديت
كتابته، فيكون الاستيفاء لورثته.
وعند زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يموت عبدا. وبه قال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، فيكون الاستيفاء للمولى، فلهذا
الاختلاف لا يجب القصاص م: (بخلاف الأولى) ش:، أي المسألة الأولى م: (لأن
المولى متعين فيها) ش: فيجب القصاص على الاختلاف.
م: (وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا
لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة) ش: بموته. ولم يذكر ما إذا مات ولم
يترك وفاء له ورثة أرقاء لعدم الفائدة في ذكره؛ لأن حكمه حكم المذكور في
الكتاب.
م: (بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء) ش: أي لا يجب القصاص للمولى
م: (لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز) ش: لأن ملك الولي لا يعود بموته،
ولا ينفسخ بالعجز ما عتق عنه، وهذا على قول من قال: يتجزأ الإعتاق.
[قتل عبد الرهن في يد المرتهن]
م: (وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن
والمرتهن لأن المرتهن
(13/89)
لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل
حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه. قال: وإذا
قتل ولي المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع
إليها، وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا ملك له فلا يليه) ش: أي القصاص م: (والراهن لو تولاه) ش: أي القصاص م:
(لبطل حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه) ش:.
وفي " المغني " و " الجامع الصغير " لفخر الإسلام وغيرهما: لا يثبت لهما
القصاص وإن اجتمعا كما إذا قتل عبد المكاتب، فاجتمع المولى مع المكاتب ويجب
الدية في مال القاتل في ثلاث سنين. وفي " الإيضاح ": إذا اجتمع للراهن أن
تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما لا.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استيفاء
القصاص للراهن لأنه هو المالك، فإذا استوفى لم يجب للمرتهن عليه شيء عند
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب عليه قيمته فيكون رهنا
مكانه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا
قتل ولي المعتوه) ش: يعني قريبه وهو ابنه م: (فلأبيه) ش: أي فلأب المعتوه
وهو جد المقتول م: (أن يقتل) ش:، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يكن لوليه استيفاءه لأن فيه بطلان
حق الصغير والمعتوه، بل ينتظر بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون ويحبس القاتل م:
(لأنه) ش: أي لأن استيفاء القصاص م: (من الولاية على النفس شرع لأمر راجع
إليها) ش: أي إلى النفس م: (وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح) .
ش: ولا يتوهم أن كل من ملك الإنكاح ملك استيفاء القصاص كالأخ، فإنه يملك
الإنكاح دون القصاص لأنه شرع للتشفي. وللأب شفقة كاملة بعد ضرر الولد ضرر
نفسه. فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للأب بخلاف الأخ.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين في هذا الموضع: كل
من ملك الإنكاح لا يملك استيفاء القصاص، فإن الأخ يملك الإنكاح، ولا يملك
استيفاء القصاص. فأقول هذا ليس بشيء لأن الأخ يملك استيفاء القصاص إذا لم
يكن ثمة ولي أقرب منه. انتهى.
قلت: أراد ببعض الشارحين الكاكي والأكمل - رحمهما الله -، فإنهما اللذان
ذكرا ذلك فيمن ذكرناه مثل ما ذكرا امرأة، أمعن نظره فيها أن رده غير موجه.
(13/90)
وله أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه،
وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما
ذكرنا. والوصي بمنزلة الأب في جميع ذلك، إلا أنه لا يقتل لأنه ليس له ولاية
على نفسه، وهذا من قبيله ويندرج تحت الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء
القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي وللأب م: (أن يصالح) ش: أي القاتل م: (لأنه أنظر في حق
المعتوه) ش: لكن هذا فيما إذا صالح على قدر الدين، ولو صالح بأقل منه لم
يجر الخطأ وإن قل. ويجب كمال الدية.
وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: هذا إذا صالح على مثل الدية فذكر ما
ذكرناه الآن ناقلا عن الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: ولنا فيه نظر؛
لأن لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " مطلق حيث جوز صلح
أب المعتوه عن دم قريبه مطلقا؛ لأنه قال: وله أن يصالح من غير قيد بقدر
الدية انتهى.
قلت: في نظره نظر؛ لأنه يجوز أن يكون مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وله
أن يصالح، مقيدا بهذا القيد على ما لا يخفى.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المنصوص "، وأحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في رواية: لا يجوز؛ لأنه لا يملك إسقاط قصاصه.
وقال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجوز إذا كان
الصغير والمجنون محتاجين إلى النفقة، ولا مال لهما لحاجته إلى المال للحفظ.
م: (وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك) ش: أي الحكم م: (إن قطعت يد
المعتوه عمدا لما ذكرنا) ش: أي من قوله لأنه من باب الولاية على النفس على
تأويل المذكور ويندرج تحت هذا الإطلاق وهو قوله: م: (والوصي بمنزلة الأب في
جميع ذلك) ش: أي فيما ذكر من الأحكام م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الوصي م:
(لا يقتل لأنه ليس) ش: لأن ليس م: (له ولاية على نفسه) ش: أي على نفس
المعتوه.
م: (وهذا) ش: أي استيفاء القصاص م: (من قبيله) ش: أي من قبيل الولاية على
النفس على تأويل المذكور.
م: (ويندرج تحت الإطلاق) ش: وهو قوله: والوصي بمنزلة الأب م: (الصلح عن
النفس واستيفاء القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل) ش: أي فإن محمدا
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يستثن إلا القتل، والمسألة مذكورة في " الجامع
الصغير " كما ذكرنا.
(13/91)
وفي كتاب الصلح: أن الوصي لا يملك الصلح؛
لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه فينزل منزلة الاستيفاء، ووجه المذكور
هاهنا أن المقصود من الصلح المال، وأنه يجب بعقده كما يجب بعقد الأب بخلاف
القصاص؛ لأن المقصود التشفي وهو مختص بالأب ولا يملك العفو؛ لأن الأب لا
يملكه لما فيه من الإبطال، فهو أولى، وقالوا: القياس أن لا يملك الوصي
الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد، وهو التشفي.
وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فإنها خلقت وقاية
للأنفس كالمال على ما عرف، فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف في المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي كتاب الصلح) ش: أي ذكر في كتاب " الصلح " من الأصل: م: (أن الوصي
لا يملك الصلح؛ لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه) ش: ملحقا به وهو معنى
قوله م: (فينزل منزلة الاستيفاء) ش: فلا يجوز حينئذ صلح الوصي.
م: (ووجه المذكور هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (أن المقصود من
الصلح: المال وأنه يجب بعقده) ش: أي بعقد الوصي. م: (كما يجب بعقد الأب) ش:
فوجب القول بصحته م: (بخلاف القصاص) ش: حيث لا يملك الوصي استيفاءه في
النفس م: (لأن المقصود) ش: من القصاص م: (التشفي وهو) ش: أي التشفي م:
(مختص بالأب) ش: لقربه وكمال شفقته، وهذا أمر معهود من الأب، والوصي لا
ينزل منزلته في التشفي ودرك الثأر.
م: (ولا يملك) ش: أي الوصي م: (العفو؛ لأن الأب لا يملكه لما فيه من
الإبطال) ش: أي لما في العفو من إبطال حقه فإذا كان كذلك م: (فهو أولى) ش:
أي فالعفو من الوصي أولى من الإبطال. حاصل الفصل: أن الروايات اتفقت في
الأب أنه يستوفي القصاص في النفس وما دونها. وأنه يصالح في البابين جميعا،
ولا يصح عفوه في البابين. واتفقت الروايات في الوصي أنه لا يملك استيفاء
النفس، وأنه يملك استيفاء ما دونها. وأنه يملك الصلح فيما دونها، ولا يملك
العفو في البابين. وإنما اختلفت الروايات في الوصي في فصل واحد وهو صلحة في
النفس على مال. فقال في " الجامع الصغير ": يصح صلحه.
وقال في كتاب الصلح: لا يصح، م: (وقالوا) ش: أي المشائخ - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ -: م: (القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه
في النفس؛ لأن المقصود متحد وهو التشفي. وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف
يسلك بها مسلك الأموال، فإنها) ش: أي فإن الأطراف م: (خلقت وقاية للأنفس
كالمال على ما عرف) ش: في الأصول م: (فكان استيفاؤه) ش: أي استيفاء الوصي.
م: (بمنزلة التصرف في المال) ش: فيجوز.
(13/92)
والصبي بمنزلة المعتوه في هذا، والقاضي
بمنزلة الأب في الصحيح، ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان
والقاضي بمنزلته فيه.
قال: ومن قتل وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المحيط ": القياس هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في رواية،
وهو الأظهر على قولهما: لأنهما يجعلان الطرف كالنفس في حكم القصاص فالنكول.
وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما لا يملكه في النفس، وفي "
الاستحسان ": يملكه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وفي " جامع أبي الليث " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا أدرك
معتوها، فإن أدرك عاقلا فلا. ثم عنه: لا ولاية للوصي في ماله ولا في نفسه
في قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
حكمه حكم الذي أدرك معتوها سواء.
وفي " المبسوط ": لو كان يجن ويفنى فهو كالصحيح، ولو جن بعد القتل إن كان
هذا الجنون الحادث مطبقا يسقط القود، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو
جن بعد القتل لا بقتل. وكذا: لو عته بعد القتل ولو قضى عليه بالقتل لا يقتل
قياسا.
قال في موضع آخر: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قبل الرفع إلى الوالي
لا يقتل قياسا، وبعد الرفع يقتل استحسانا.
م: (والصبي بمنزلة المعتوه في هذا) ش: أي في القتل والصلح وعدم جواز
المعتوه. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في هذا المعنى للأب أن
يستوفي القصاص الواجب للصغير في النفس وما دونها. وقال الشافعي: ليس له
ذلك.
م: (والقاضي بمنزلة الأب في الصحيح) ش: يملك الاستيفاء في النفس، وفيما دون
النفس؛ لأن له ولاية في النفس والمال جميعا.
م: (ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه) ش:
أي بمنزلة السلطان، وفي " المحيط " قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس
للسلطان أن يقتص إذا كان المقتول من أهل دار الإسلام كما للقيط، كما ليس له
أن يعفو بغير مال. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للسلطان أن يقتل
قاتل من لا ولي له أن يصالح، وكذلك إذا قتل اللقيط في قول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[قتل وله أولياء صغار وكبار]
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قتل
وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: أي قبل بلوغ الصغار. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، والليث بن سعد، وحماد بن سليمان،
(13/93)
وقالا: ليس لهم ذلك حتى يدرك الصغار؛ لأن
القصاص مشترك بينهم، ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ، وفي استيفائهم
الكل إبطال حق الصغار فيؤخر إلى إدراكهم، كما إذا كان بين الكبيرين وأحدهما
غائب، أو كان بين الموليين. وله: أنه حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو
القرابة، واحتمال العفو من الصغير منقطع. فيثبت لكل واحد كملا كما في ولاية
الإنكاح، بخلاف الكبيرين؛ لأن احتمال العفو من الغائب ثابت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأوزاعي وزاد مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال: إن كان للمقتول ولد صغير
وأخ كبير أو أخت كبيرة فالأخ أختان يقتصان قبل بلوغ الصغير.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: م: (ليس لهم ذلك) ش: أي ليس للكبار أن يقتصوا م: (حتى يدرك الصغار) ش:
وبه قال الشافعي. - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
الأظهر، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (لأن القصاص مشترك بينهم) ش: أي بين الصغار والكبار.
م: (ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ) ش: لأنه تصرف في الروح، وذا لا
يقبل الوصف بالتجزؤ.
م: (وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغار فيؤخر) ش: أي القصاص م: (إلى
إدراكهم) ش: أي إلى بلوغهم م: (كما إذا كان) ش: أي القصاص م: (بين الكبيرين
وأحدهما غائب) ش: فإنه لا يقتص حتى يحضر الغائب م: (أو كان) ش: أي القصاص
م: (بين الموليين) ش: صورته: معتق رجلين قتل وأحد مولييه غائب، فليس للحاضر
استيفاء القصاص حتى يحضر الغائب.
وفي " المبسوط ": صورته: عبد مشترك بين الصغير والكبير، فقتل، ليس للكبير
استيفاء القصاص قبل أن يدرك الصغير بالإجماع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن
القصاص م: (حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، واحتمال العفو
من الصغير منقطع) ش: أي والحال ولايته والشبهة في المال.
م: (فيثبت) ش: أي حق القصاص م: (لكل واحد كملا) ش: أي على الكمال. م: (كما
في ولاية الإنكاح) ش: حيث يجوز لأحد أولياء الصغير أن يزوجه لأن لكل واحد
منهم ذلك م: (بخلاف الكبيرين) ش: إذا كان أحدهما غائبا فليس للحاضر أن يقبض
م: (لأن احتمال العفو من الغائب ثابت) ش: بلا شبهة.
(13/94)
ومسألة الموليين ممنوعة.
قال: ومن ضرب رجلا بمر فقتله، فإن أصابه بالحديد قتل به، وإن أصابه بالعود
فعليه الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا إذا أصابه بحد الحديد
لوجود الجرح، فكمل السبب. وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما: يجب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومسألة الموليين ممنوعة) ش: هذا جواب عن قوله: أو كان بين الموليين
قالوا: إنه لا ولاية في هذا فيمنع. ونقول: لا نسلم أن لا ينفرد أحدهما
للاستيفاء، ولئن سلمنا فنقول: إن أحد الموليين إنما لم ينفرد بالاستيفاء
لأن السبب لم يكمل في حقه لأن بعض الملك، وبعض الولاء ليس بسبب أصلا، فصارا
جميعا كشخص واحد، فثبت ملك قصاص واحد لشخص واحد، بخلاف السعاية، فإنها سبب
كامل لاستحقاق كل القصاص.
وفي " المبسوط ": احتج أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بما روي: أن
الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قتل عبد الرحمن بن
ملجم حين قتل عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي أولاد علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - صغار ولم ينتظر بلوغهم.
وفي " الأسرار ": روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
-: أنه لما أصابه ابن ملجم قال في وصيته: " أما أنت يا حسن فإن شئت أن تقتص
فاقتص بضربة واحدة وإياك والمسألة ".
فلما مات علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قتل به، وفي ورثة علي
صغار منهم العباس بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وكان له أربع سنين.
وذلك بحضرة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير.
[ضرب رجلا بمرفقتله]
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب
رجلا بمر) ش: بفتح الميم وتشديد الراء.
قال " صاحب المغرب ": هو الذي يعمل به في الطين. م: (فقتله فإن أصابه
بالحديد) ش: أي بالحديد الذي في أحد طرفي المر، م: (قتل به) ش: بلا خلاف
لوجود القتل على وجه الكمال.
م: (وإن أصابه بالعود) ش: الذي هو أحد طرفي المر م: (فعليه الدية، قال -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش:
أي وجوب القصاص م: (إذا أصابه بحد الحديد لوجود الجرح فكمل) ش: أي الجرح هو
م: (السبب) ش: أي سبب القصاص.
م: (وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما
الله -: م: (يجب) ش: أي القصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ -.
(13/95)
وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
- اعتبارا منه للآلة وهو الحديد، وعنه: إنما يجب إذا جرح وهو الأصح على ما
نبينه إن شاء الله تعالى، وعلى هذا الضرب بسنجات الميزان. وأما إذا ضربه
بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا
يهدر الدم. ثم قيل: هو بمنزلة العصا الكبيرة، فيكون قتلا بالمثقل، وفيه
خلاف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين. وقيل: هو بمنزلة السوط،
وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة. له: أن
الموالاة في الضربات إلى أن مات دليل العمدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
اعتبارا منه للآلة وهو الحديد) ش: لأن الحديد سلاح كله حده وعرضه في ذلك
سواء.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إنما يجب) ش: أي
القصاص م: (إذا جرح) ش: كذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو
الأصح على ما نبينه إن شاء الله تعالى) .
ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه الحوالة نظر. وقال الكاكي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو قوله بعد ذلك: ولا يماثل بين الجرح والدق، لقصور
الثاني عن تخريب الظاهر إلى آخره.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الاختلاف م: (الضرب بسنجات الميزان) ش: يعني
إذا كانت من حديد م: (وأما إذا ضربه بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل
النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا يهدر الدم) ش: يعني لما وجد قتل
النفس المعصومة وامتناع وجوب القصاص، وجبت الدية حتى لا يهدر دم المقتول.
م: (ثم قيل: هو) ش: أي عود المر إذا كان لا يلبث م: (بمنزلة العصا الكبيرة،
فيكون قتلا بالمثقل) ش: كمدقة القصابين وحجر الرحى، لا يجب القصاص عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه أشار بقوله: م: (وفيه خلاف أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين) ش: إن شاء الله تعالى، فتجب الدية في ماله
في ثلاث سنين؛ لأنه عمد. وعندهما: يجب القصاص لأنه قتل عمد. وبه قالت
الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقيل: هو بمنزلة السوط) ش: يعني إذا كان العود مما يثبت م: (وفيه خلاف
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة) ش:، يعني في الضرب
بالعصا الصغيرة أو الحجر الصغير، إذا والى الضربات، لا يجب القصاص به. وقال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب إذا والى الضربات على وجه لا تحمله
النفس عادة؛ لأنه دلالة القصد إلى القتل. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ
- وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو معنى قوله.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموالاة في الضربات
إلى أن مات دليل العمدية
(13/96)
فيتحقق الموجب. ولنا: ما روينا " ألا إن
قتيل خطأ العمد " ويروى " شبه العمد " الحديث. ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛
لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات
فيعرى أول الفعل عنه، وعساه أصاب المقتل والشبهة دارئة للقود فوجبت الدية.
قال: ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر، فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن
عندهما يستوفي حزا. وعنده يغرق كما بيناه من قبل. لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيتحقق الموجب) ش: للقصاص. م: (ولنا: ما روينا: «لا إن قتيل خطأ العمد» ش:
قتيل السوط والعصا، ولم يفصل بين الموالاة وغيرها.
م: (ويروى " شبه العمد " الحديث) ش: وقد مضى من حديث عبد الله بن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان
بالسوط والعصا» الحديث.
م: (ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛ لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب) ش: لأنه
قد يشرع حدا وتعزيرا في مواضع لا يكون القتل مشروعا، فلو كان ذلك دلالة
القصد لم يشرع في موضع لا يكون القتل مشروعا.
م: (أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات) ش: أي: أو لعل الضارب شبه القصد
في أثناء الضربات م: (فيعرى أول الفعل عنه) ش: أي: فيخلو أول الضرب عن
القصد، فيتمكن الخلل في العمدية. م: (وعساه أصاب المقتل) ش: أي: لعل أول
الفعل، وهو الضربة، أصاب المقتل، فالشبهة إلى القتل فلا يدل ذلك على العمد.
م: (والشبهة دارئة للقود) ش: فلا يجب القصاص. م: (فوجبت الدية) ش: في ثلاث
سنين.
[غرق صبيا أو بالغا في البحر]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن عندهما) ش:
أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م:
(يستوفي حزا) ش: أي تحز الرقبة بالسيف.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يغرق كما بيناه
من قبل) ش: وهو أنه يفعل به بمثل ما فعل.
م: (لهم) ش: قال شيخنا العلاء: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهما، لكن
استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالحديث المذكور واستدلالهما بالقول.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النص يقتضي التفريق " وهو مذهب
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكون حجة لهما أيضا على أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفي وجوب الدية. والحديث
(13/97)
قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: " من غرق غرقناه "؛ ولأن الآلة قاتلة فاستعمالها أمارة العمدية، ولا
مراء في العصمة، وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " ألا إن
قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا " وفيه: " وفي كل خطأ أرش "؛ ولأن الآلة
غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها فتمكنت شبهة عدم العمدية؛
ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه البيهقي في " سننه "، وفي " المعرفة " من حديث البراء بن عازب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «من عرض عرضنا له، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» .
قال " صاحب التنقيح " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الإسناد من يجهل حاله.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحديث غير موصول إلى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولئن صح فهو محمول على السياسة بإضافة
التفريق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث م: (قوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من غرق غرقناه» ش: ولم يقل: من غرق.
قلت: الحديث مرفوع ولكنه ضعيف على ما يجيء عن قريب في " الجامع الصغير ".
ولو أحمى تنورا فألقاه في النار ولا يستطيع الخروج منها، فأحرقته ففيه
القود. وفيه إشارة إلى أن الإحماء يكفي للقود وإن لم تكن فيه النار. وفي "
جمع التفاريق ": هو الصحيح، ولو ألقاه في نار ثم أخرج وبه رمق فمكث مضني
منه حتى مات ففيه القود، وإن كان يجيء ويذهب فلا. ولو أوجره سما كارها أو
تأويله. أو أكرهه على شربه فلا قود فيه.
م: (ولأن الآلة قاتلة) ش: هذا استدلالهما، بيانه: أن الماء الذي لا ينجى
منه عادة قاتل. قيل: هذا الماء أدى القتل م: (فاستعمالها أمارة العمدية) ش:
أي باستعمال هذه الآلة علامة العمدية.
م: (ولا مراء) ش: أي ولا شك م: (في العصمة) ش: أي عصمة المحل لأن كلامنا
فيما إذا كان المقتول محقون على التأبيد وقد وجد فيجب القصاص.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا» .
وفيه: «وفي كل خطأ أرش» ش: وقد مر الحديث في أوائل الكتاب.
م: (ولأن الآلة) ش: وهي: الماء الذي جعل كالآلة م: (غير معدة للقتل ولا
مستعملة فيه) ش: أي: في القتل م: (لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية؛
ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة) ش:
(13/98)
ومنه يقال: اقتص أثره، ومنه المقصة
للجملين، ولا تماثل بين الجرح والدق لقصور الثاني عن تخريب الظاهر، وكذا لا
يتماثلان في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر، وما رواه
غير مرفوع أو هو محمول على السياسة، وقد أومت إليه إضافته إلى نفسه فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا لأنه ألحق بالقتل إلى القصاص في لغة العرب يبنى على المماثلة واستدل
عليه بقوله م: (ومنه يقال: اقتص أثره) ش: أي تبعه م: (ومنه المقصة) ش: وهو
المقراض يقال م: (للجلمين) ش: الجلم الذي يجز به وهما جلمان، يعني: سميت
المقصة مقصة لأن كل واحد من الجلمين يماثل الآخر، وقال شيخي العلاء - رحمة
الله عليه -: قوله: " للجملين "، هكذا بتصحيح شيخي - رحمة الله عليه -.
ووقع في النسخ: للحكمين. ولا وجه له لأن الحكم الذي يجريه كما ذكرناه.
م: (ولا تماثل بين الجرح والدق) ش: لأن الدق يعمل في الباطن دون الظاهر،
والجرح بالسيف يعمل في الظاهر والباطن، والتغريق لا يعمل في الظاهر والباطن
جميعا، أشار إليه بقوله: م: (لقصور الثاني) ش: أي الدق م: (عن تخريب
الظاهر، وكذا لا يتماثلان) ش: أي الجرح والدق.
م: (في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر) ش: وشرعية الزجر
في الغالب لا في النادر، ولهذا شرع الحد في شرب الخمر لا في شرب البول.
م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: «من
غرق غرقناه» م: (غير مرفوع) ش: أي غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي غير ثابت،
وإنما هو من كلام رواية: ولا يلزم التحريق، وهو منهي. قال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» .
قلت: قد ذكرنا أن البيهقي رواه مرفوعا ولكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، وأجاب
عنه المصنف بجواب آخر وهو قوله: م: (أو هو محمول على السياسة) .
ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني: ولئن سلمنا أنه مرفوع، ولكنه محمول على
السياسة، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
م: (وقد أومأت إليه إضافته إلى نفسه فيه) ش: أي إشارة إلى الحمل على
السياسة إضافة
(13/99)
وإذا امتنع القصاص وجبت الدية، وهي على
العاقلة، وقد ذكرناه واختلاف الروايتين في الكفارة.
قال: ومن جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص لوجود
السبب وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر، فأضيف إليه. قال: وإذا التقى الصفان من
المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود عليه، وعليه
الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ على ما بيناه، والخطأ بنوعيه لا يوجب
القود، ويوجب الكفارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل التغريق إلى نفسه بإسناد
الفعل حيث قال: " غرقناه " وقد مر الكلام فيه، وقيل: هو منسوخ بقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» وقد
ذكرنا أن تمام الحديث: «من حرق حرقناه» . ولا يقال إن بعض حديث واحد منسوخ
دون البعض.
م: (وإذا امتنع القصاص) ش: أي في التغريق (وجبت الدية، وهي على العاقلة) ش:
أي: عاقلة الذي غرق في ثلاث سنين؛ لأنه شبه العمد، وقد مر حكم شبه العمد
أشار إليه بقوله: م: (وقد ذكرناه) ش: أي فيما مضى عند ذكر شبه العمد.
م: (واختلاف الروايتين في الكفارة) ش: " اختلاف الروايتين " بالرفع لأنه
مبتدأ، وقوله في الكفارة خبره يعني اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لا في شبه العمد في الكفارة في القتل في المثقل. في
رواية: تجب، وفي رواية: لا تجب، لا في الدية فإن الدية تجب بلا تردد،
ورواية وجوب الكفارة هي الصحيحة.
[جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن جرح رجلا عمدا فلم
يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص) ش: إلى هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لوجود السبب) ش: وهو سفك
دم محقون على التأبيد عمدا م: (وعدم ما يبطل حكمه) ش: أي: ولعدم ما يبطل
حكمه، أي: حكم الدم المحقون على التأبيد من العفو أو الشبهة م: (في الظاهر،
فأضيف إليه) ش: أي إلى الظاهر؛ لأن الظاهر أنه مات بذلك الكسب لعدم تحلل
البرء، فأضيف إليه، فوجب القصاص.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا
التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود
عليه) ش: أي فلا قصاص عليه م: (وعليه الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ) ش:
وهو الخطأ في القصد، م: (على ما بيناه) ش: فيما مضى في بيان تقسيم القتل في
أول كتاب الجنايات.
م: (والخطأ بنوعيه) ش: أي: الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وقد مر فيما
مضى. وقوله: " والخطأ " مبتدأ. وقوله م: (لا يوجب القود) ش: خبره: أي
القصاص م: (ويوجب الكفارة،
(13/100)
وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب، ولما
اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية،
قالوا: إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين، فإن كان في صف المشركين لا تجب
لسقوط عصمته بتكثير سوادهم قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من
كثر سواد قوم فهو منهم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا الدية) ش: بالنصب عطفا على قوله الكفارة، وكذا يوجب الدية م: (على ما
نطق به نص الكتاب) ش: وهو قوله - عز وجل -: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ} [النساء: 92] .
م: (ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان) ش: بفتح الياء أول الحروف،
وتخفيف الميم، وفي آخره نون، وهو اسم لوالد م: (أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -) ش: ولهذا بينه بقوله: أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ -: وهذا بحسب الظاهر على ألسنة الناس. وفي نفس الأمر على ما قال ابن
شاهين في " المعجم ": حدثنا عبد الله بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال:
حدثني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي عبيدة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
قال: حذيفة بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بن جابوس ابن ربيعة بن عمرو بن
اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما قيل: حذيفة بن اليمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لأنه من بلد اليمان، من خردة بن الحارث بن قطيعة بن عبس،
مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين.
فاليمان: إن كان اسما موضوعا له يجب أن يجري بوجوب الإعراب، وإن كان منسوبا
إلى اليمن يجب كسر نونه لأنه حذفت منه ياء النسبة، وعوض منها الألف، وبقيت
النون على حالها.
وأما قصته: فإنه قتل في غزوة الخندق، قتله المسلمون وهم يظنون أنه مشرك.
م: (قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية) ش: فوهبها
حذيفة لهم.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين) ش: أي
المسلمون والكفار م: (فإن كان) ش: أي المسلم م: (في صف المشركين لا تجب
لسقوط عصمته بتكثير سوادهم. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش:،
أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من كثر سواد قوم
فهو منهم» ش: هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، حدثنا أبو
همام، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن نصر، عن عمرو بن الحارث: أن رجلا دعا
عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى وليمة، فلما جاء
ليدخل سمع لهوا، فلم يدخل، فقال له: لم رجعت؟ قال: إني سمعت رسول الله
(13/101)
قال: ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد
وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث الدية؛ لأن فعل الأسد
والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة، وفعله بنفسه هدر في الدنيا
معتبر في الآخرة حتى يأثم عليه، وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد -
رحمهما الله -: يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل
ولا يصلى عليه، وفي " شرح السير الكبير " ذكر في الصلاة عليه اختلاف
المشايخ على ما كتبناه في كتاب " التجنيس " و " المزيد "، فلم يكن هدرا
مطلقا وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة. فصارت ثلاثة
أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من كثر سواد قوم فهو منهم،
ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به ".
وفي " المجتبى ": وهذا حال من كثر سوادهم ولم يتزيا بزيهم ولم يتخلق
بأخلاقهم، فكيف حال المتزيا بزيهم والمتخلق بأخلاقهم في زماننا. وأخرج أبو
داود في " سننه " من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -
قال: قال رسو ل الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تشبه بقوم
فهو منهم» .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شج
نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث
الدية؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد، لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله
بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة) ش: وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر
في الآخرة م: (حتى يأثم عليه) ش: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: يجب على الأجنبي الدية لأنه عمد محض.
م: (وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: يعني هذا
الرجل الذي شج نفسه م: (يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: يغسل ولا يصلى عليه) ش: لأنه باغ على نفسه.
م: (وفي " شرح السير الكبير ": ذكر في الصلاة عليه اختلاف المشايخ على ما
كتبناه في كتاب " التجنيس "، و " المزيد ") ش: وهما كتابان من جملة مصنفات
المصنف، وفي بعض النسخ: على ما كتبناه.
وفي " تجنيس " المصنف: قال الحلواني: يصلى عليه لأنه لو تاب قبلت توبته،
وقال السعدي: لا يصلى عليه لأنه لا تقبل توبته لما أنه باغ على نفسه.
م: (فلم يكن) ش: أي دم الرجل المذكور م: (هدرا مطلقا) ش: يعني في أحكام
الدنيا م: (وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت) ش:
أي الجناية م: (ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال) ش: فعل نفسه،
وفعل الأجنبي، وفعل الأسد والحية، م: (فيكون
(13/102)
التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث
الدية، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية والله أعلم بالصواب) ش:
يعني: في ماله؛ لأن فعله وقع عمدا، والعاقلة لا تتحمله.
(13/103)
فصل قال: ومن شهر على المسلمين سيفا فعليهم
أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شهر على
المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ، ولأنه باغ فتسقط عصمته ببغيه، ولأنه تعين
طريقا لدفع القتل عن نفسه فله قتله. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص]
[شهر على المسلمين سيفا]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص، وهو القصاص في
الأطراف.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن
شهر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ش: هذا الحديث
غريب بهذا اللفظ، وروى النسائي في "سننه " من حديث طاوس عن ابن الزبير -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من شهر سيفه ثم وضعه فهو هدر» .
ومن طريقه رواه الطبراني في "معجمه "، وزاد: يعني وصعد: ضرب به، وروى أحمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، والحاكم في " المستدرك " من حديث عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله
وجب دمه» .
قوله: "أحل دمه " أي: أهدر دمه، إذا هدره صار دمه مباحا.
م: (ولأنه باغ) ش: أي ولأنه شاهر السيف، باغ لأنه شهر سيفه عليهم وقصد
قتلهم. صار حربا عليهم فكان باغيا. م: (فتسقط عصمته ببغيه) ش: أي: فبطلت
عصمة دمه للمحاربة. قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى
تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القتل م: (تعين طريقا لدفع القتل عن نفسه) ش: أي عن
نفس المشهور عليه فإذا كان كذلك م: (فله قتله) ش: أي قتل الشاهر حتى لو
أمكنه بطريق آخر لا يسعه قتله، ولا يعلم فيه خلاف.
م: (وقوله) ش: قال الكاكي: أي قال صاحب " المختصر ". قلت: إن أراد بالمختصر
(13/104)
فعليهم، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
في " الجامع الصغير ": فحق على المسلمين أن يقتلوه إشارة إلى الوجوب،
والمعنى: وجوب دفع الضرر. وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل
سلاحا ليلا أو نهارا، أو شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في
غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا: فلا شيء عليه لما بينا، وهذا لأن السلاح
لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث ولكن في
الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر
في الطريق لا يلحقه الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا. قالوا: فإن كان عصا لا
تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما.
قال: وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية
في ماله. وقال الشافعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" مختصر القدوري "، فالقدوري لم يذكر هذه المسألة، وإنما ذكرها في " الجامع
الصغير ". والصواب ما ذكره تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي قول محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط ". م: (فعليهم. وقول محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في " الجامع الصغير " فحق على المسلمين أن يقتلوه) ش: والحاصل في
هذا: أن لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عبارتين: إحداهما التي ذكرها في "
المبسوط " بقوله: فعليهم. والأخرى: التي ذكرها في " الجامع الصغير " بقوله:
فحق على المسلمين، والعبارتان تدلان على معنى واحد وهو وجوب قتل الشاهر
الباغي المذكور. وقول المصنف: " وقوله ": أي قول محمد: مبتدأ، وقول محمد
عطف عليه.
وقوله: م: (إشارة) ش: خبر المبتدأ. أي: يشير القولان بأن قتله واجب م: (إلى
الوجوب والمعنى) ش: من كلام المصنف " أي: معنى الوجوب م: (وجوب دفع الضرر)
ش: لأن دفع الضرر واجب لا أن يكون غير القتل واجبا. وهذا قتل الحربي لا
بعينه، بل لرفع كلمة الله - عز وجل -.
م: (وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل سلاحا ليلًا أو نهارا، أو
شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه
عمدا، فلا شيء عليه لما بينا) ش: إشارة إلى الحديث المذكور وإلى المعنى
المعقول.
م: (وهذا) ش: أي عدم شيء عليه م: (لأن السلاح لا يلبث) ش: يعني ليس فيه
مهلة للرفع بغير قتل م: (فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة، وإن كانت
تلبث ولكن في الليل لا يلحقه الغوث) ش: يعني لا يلحقه من يخلصه منه م:
(فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يلحقه
الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا) ش: يعني لا يلزمه شيء. م: (قالوا) ش: أي
المشايخ م: (فإن كان عصا لا تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما) ش: إذا
ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد.
[شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور
عليه عمدا]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م:
(وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في
ماله، وقال الشافعي -
(13/105)
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، وعلى
هذا الخلاف الصبي والدابة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب
الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون. للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: أنه قتله دفاعا عن نفسه فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه يصير محمولا على
قتله بفعله فأشبه المكره. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة
غير معتبر أصلا حتى لو تحقق لا يوجب الضمان. أما فعلهما فمعتبر في الجملة
حتى لو حققاه يجب عليهما الضمان، وكذا عصمتهما لحقهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه) .
وكذا الصبي والدابة على ما يجيء الآن، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -
وأكثر أهل العلم، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المضطر كذلك. أما لو
كان العامل عبدا أو صيد الحرم لا يضمن بلا خلاف.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
م: (الصبي) ش: إذا مال على إنسان م: (والدابة) ش: أي للحمل مثلًا أو لغيره
صال على إنسان فقتله المصول عليه، لا يضمن عندنا، خلافا للشافعي.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب
في الصبي والمجنون) ش: وقال الطحاوي في "مختصره ": وقال أبو يوسف: إني
أستقبح في هذا أن أضمنه قيمته، يعني في البعير إذا صال على إنسان.
م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قتله دفاعا) ش: أي للشر م: (عن نفسه
فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه) ش: أي: ولأن المشهور عليه م: (يصير محمولًا
على قتله) ش: أي: قتل الشاهر م: (بفعله) ش: أي بفعل الشاهر م: (فأشبه
المكره) ش: يعني مع علمه أن هذا الفعل يسقط عصمة دمه، صار كأنه أكرهه على
قتله، فيكون المشهور عليه مكرها بهذا الطريق، هكذا ذكره [ ... ] .
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " فأشبه المكره " يعني: أن المكره
لما صار مسلوب الاختيار من جهة المكره"، أضيف التلف إلى المكره، فكذلك
المصول عليه. وقيل: معناه فأشبه المكره يعود على المكره فيقتله.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة غير معتبر أصلًا حتى
لو تحقق) ش: أي: فعل الدابة م: (لا يوجب الضمان) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» .
م: (أما فعلهما) ش: أي فعل الصبي والمجنون م: (فمعتبر في الجملة حتى لو
حققاه) ش: أي: الفعل وأتلفا مالا أو نفسا م: (يجب عليهما الضمان، وكذا
عصمتهما) ش: أي: عصمة الصبي، والمجنون م: (لحقهما) ش: أي لأنفسهما لا لحق
الغير.
(13/106)
وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما
مسقطا للعصمة دون فعل الدابة. ولنا أنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا
معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا. وكذا فعلهما وإن كانت
عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح، ولهذا لا يجب القصاص بتحقق الفعل منهما
بخلاف العاقل البالغ لأن له اختيارا صحيحا، وإنما لا يجب القصاص لوجود
المبيح، وهو دفع الشر فتجب الدية. قال: ومن شهر على غيره سلاحا في المصر
فضربه، ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص. معناه: إذا ضربه فانصرف لأنه
خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا للعصمة دون فعل الدابة.
ولنا: أنه) ش: أي: أن المشهور عليه م: (قتل شخصا معصوما) ش: بالعصمة
الأبدية م: (أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك) ش: فيجب الضمان. م: (وفعل
الدابة لا يصلح مسقطا) ش: للعصمة الثابتة حقا للمالك، والأذى وجد في الدابة
لا من المالك، فلا يجب بطلان العصمة الثابتة للمالك ولا يرد عليه العبد
الصائل لأن عصمة دم العمد تثبت حقا له، ولهذا ليس للمولى سفك دمه وأما صيد
الحرم فلأن عصمته إنما تثبت بالشرع لحرمته أو لحرمة الحرم مؤقتا، أي: إلى
غاية الأذى، فإذا وجد الأذى من جهته لم يبق معصوما.
م: (وكذا فعلهما) ش: أي: وكذا فعل الصبي والمجنون لا يصلح مسقطا م: (وإن
كانت عصمتهما حقهما) ش: يعني لأنفسهما لا لحق الغير م: (لعدم اختيار صحيح،
ولهذا) ش: أي: ولأجل عدم الاختيار الصحيح منهما م: (لا يجب القصاص بتحقق
الفعل منهما) ش: أي من الصبي والمجنون.
م: (بخلاف العاقل البالغ؛ لأن له اختيارا صحيحا) ش: فيجب القتل بتحقق الفعل
منه م: (وإنما لا يجب القصاص) ش: على المشهور عليه م: (لوجود المبيح وهو
دفع الشر) ش: فإذا لم يجب القصاص م: (فتجب الدية) ش: فصار كأكل مال الغير
حال المخمصة، فإنه يحل ويجب الضمان فكذا هنا.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م:
(ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه) ش: أي: الشاهر م: (ثم قتله الآخر،
فعلى القاتل القصاص) ش:. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش:
أي معنى هذا م: (إذا ضربه فانصرف) ش: يعني أشهر سيفه وضربه، ثم انصرف وترك
الضرب ثم قتله المشهور عليه، فعليه القصاص ولا قصاص على الشاهر؛ م: (لأنه
خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته) ش: لأنه لما شهر حل دمه دفعا
لشره فلما لم يقتله وكف عنه، اندفع شره وعادت عصمته فعلى القاتل القصاص.
(13/107)
قال: ومن دخل عليه غيره ليلا وأخرج السرقة
فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«قاتل دون مالك» . ولأنه يباح له القتل دفعا في الابتداء، فكذا استردادا في
الانتهاء. وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من الاسترداد إلا بالقتل، والله
أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن دخل عليه غيره ليلًا
وأخرج السرقة) ش: أي: التي سرقها م: (فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قاتل دون مالك» ش: هذا جواب من حديث
طويل أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تاريخه الأوسط "، عن أبي هريرة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث، وفيه: "قاتل دون مالك» .
روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد
أن يأخذ مالي؟، قال: - فلا تعطه مالك ". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال:
"قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "أنت شهيد ". قال: أرأيت إن قتلته؟
قال: "هو في النار".» م: (ولأنه) ش: أي: ولأن المدخل عليه ليلًا م: (يباح
له القتل) ش: أي قتل الداخل م: (دفعا في الابتداء) ش: أي: دفعا لشره في
ابتداء الأمر م: (فكذا استردادا) ش: أي: فكذا له القتل لأجل استرداد ما
أخذه م: (في الانتهاء) ش: لأنه أسهل في الابتداء.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من
الاسترداد إلا بالقتل والله أعلم) ش: يعني: فحينئذ يباح له القتل، وأما إذا
علم أنه لو صاح به يترك ما أخذه ويذهب فلم يفعل هكذا، ولكن إن قتله كان
عليه القصاص لأنه قتله بغير حق، كالمالك إذا قتل الغاصب؛ لأنه يتمكن من
استرداد المال من يده بدون القتل، كذا ذكره فخر الدين قاضي خان.
والعجب من الأترازي: أنه قال: الأصل في هذا ما روى الترمذي في "جامعه "
بإسناده إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» الحديث. قال: وذكر
مسلم أيضا بإسناده إلى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو
شهيد» . فمن أين يؤخذ من هذا الحديث جواز قتل من دخل عليه ليلا وأخرج ما
أخذه؟ فالمصنف استدل بالحديث الذي ذكرناه، وكان ينبغي أن يستدل بالحديث
المذكور في المتن، وبين وجهه، فالظاهر أنه لم يقف عليه واستدل بالحديث الذي
ذكره بالجر الثقيل، وهذا ينافي دعواه الطويلة العريضة في هذا الباب، والله
أعلم.
(13/108)
|