البناية
شرح الهداية باب القصاص فيما دون النفس قال: ومن قطع يد
غيره عمدا من المفصل قطعت يده، وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وهو ينبئ عن
المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص، وما لا فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب القصاص فيما دون النفس]
[قطع يد غيره عمدا من المفصل]
م: (باب القصاص فيما دون النفس) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام القصاص فيما
دون النفس وهو الأطراف لأنه لما ذكر أحكام النفس أعقبها ببيان حكم ما دون
النفس، والجزء يتبع الكل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده) ش:
هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف: م: (وإن كانت يده
أكبر من اليد المقطوعة) ش: أي: وإن كانت يد القاطع أكبر من يد المقطوع،
وقال الكرخي في "مختصره": وكل عمد بآلة جارحة من مفصل ففيه القصاص، وما كان
من غير المفاصل فلا قصاص فيه. فإذا بان الكف من الزند ومن مفصل الذراع أو
القدم من مفصل القدم أو إصبعا في الكف من المفصل، أو مفصلًا من مفاصل
الإصبع، ففيه القصاص وسواء كانت الجناية فيما دون النفس بسلاح أو غيره وذلك
سواء، وفيه القصاص إذا اعتمد ذلك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ
قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ش: وفي " الإيضاح ": وغيره: القصاص فيما دون النفس
مشروع بهذه الآية «لحديث ربيع عمة أنس بن مالك: "أنها كسرت سن جارية من
الأنصار فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر بالقصاص»
وهو مشهور وبإجماع الأئمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (وهو) ش: أي القصاص م: (ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه) ش:
أي: في رعاية المماثلة فيه م: (يجب فيه القصاص، وما لا فلا) ش: أي: وما لم
يكن فيه رعاية المماثلة فلا يجب القصاص كما إذا كسر عظما أو ساعدا أو كسر
ضلعا أو ترقوة أو ما أشبه ذلك ففيه حكومة عدل، وإذا أجرى الأطراف مجرى
الأموال، اعتبرت المماثلة ولأنهم أجمعوا أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ولا
بالنشاء قصة الأصابع لعدم المماثلة، وأجمعوا أيضا أن اليمنى لا تؤخذ
باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، ولا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من
القاطع، الإبهام بالإبهام، والسبابة بالسبابة، والوسطى بالوسطى، والخنصر
بالخنصر، والبنصر بالبنصر. وكذلك الأسنان: الثنية بالثنية، والناب بالناب،
والضرس بالضرس. ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل، ولا الأسفل بالأعلى.
وكذلك الشجاج والجراحات لا تقتضي فيما يجب القصاص منه إلا في موضع الشجة
والجراحة في المشجوج والمجروح.
(13/109)
وقد أمكن في القطع من المفصل فاعتبر ولا
معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، وكذلك الرجل ومارن
الأنف والأذن لإمكان رعاية المماثلة. قال: ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص
عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه القصاص
لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب: تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن
رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقد أمكن في القطع) ش: أي في قطع اليد م: (من المفصل فاعتبر) ش: لإمكان
م: (ولا معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك) ش: أي:
بكونها صغيرة أو كبيرة لأن منفعة اليد وهو البطش لا يختلف بالصغر والكبر،
ولا يعلم فيه خلاف.
قال القدوري م: (وكذلك الرجل) ش: أي: وكذلك يجب القصاص إذا قطع رجل إنسان
عمدا من مفصل م: (ومارن الأنف) ش: وهو ما لان منه م: (والأذن لإمكان رعاية
المماثلة) ش: وإنما قيد بالمارن لأنه إذا قطع قصبة الأنف لا يجب القصاص
لأنها عظم، ولا قصاص في العظم سوى السن، وأما الأذن إذا قطع كلها وجب
القصاص لإمكان المماثلة، وإن قطع بعضها. والقطع: حد يعرف أمكنه المماثلة
فيجب القصاص " وإن لم يكن يعرف سقط القصاص كذا ذكره القدوري في "شرحه ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن ضرب عين رجل فقلعها
لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه
القصاص لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: م: (تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة
فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -)
ش: هذا الحكم بهذه الصورة نقلت عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -.
قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه ": روي أن علي بن أبي طالب -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حكم بذلك بحضرة الصحابة من غير خلاف لأن
هذا حدث في زمن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فسأل عنه
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم يكن عندهم فيه شيء حتى جاء علي -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فقضى بذلك، وعمل عليه عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن رجل، عن الحكم ابن علية، قال
لهم رجل رجلًا فذهب بصره وعينه قائمة، فأرادوا أن يقيدوا منه ما عليه
وعليهم وعلى الناس كيف يقيدونه، وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون، فأتاهم علي -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأمر أن يجعل على عينه كرسف، ثم استقبل
به الشمس وأدنى من عينه مرآة، فقطع بصره وعينه قائمة.
(13/110)
قال: وفي السن القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت سن من يقتص منه أكبر من سن
الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر. قال: وفي كل شجة تتحقق فيها
المماثلة القصاص لما تلوناه. قال: ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا اللفظ
مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي: " المحيط ": لا قصاص في العين إذا قورت وانخسفت، ولو كانت قائمة ذهب
ضوؤها بجب القصاص.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب القصاص، وقالت الأئمة الثلاثة:
تقلع عينه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] .
[سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي السن القصاص
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت) ش:
حكم إن واصلة بما قبله م: (سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن
لا تتفاوت بالصغر والكبر) ش: ومنفعة السن القطع في الثنايا، والطحن في
الأضراس لا يختلف.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل شجة تتحقق فيها
المماثلة القصاص لما تلوناه) ش: إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ
قِصَاصٌ} [المائدة: 45] .
وفي بعض النسخ: "لما ذكرنا" إشارة إلى قوله وهي تنبئ عن المماثلة، وقال
الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": والشجاج كلها لا قصاص فيها إلا
الموضحة " والسمحاق إن أمكن القصاص في السمحاق، وهذه رواية الحسن عن أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والسمحاق: هي التي بينها وبين العظم وجلده.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل إن القصاص يجب في الموضحة
والسمحاق والرامية والباضعة وما فوق الموضحة وهي الهاشمة والمثقلة والأمة "
ولا قصاص فيها عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أهل العلم.
م: (قال) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا قصاص في عظم إلا في السن
وهذا اللفظ) ش: أي قولهم: ولا قصاص في عظم إلا في السن م: (مروي عن عمر
وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا اللفظ غريب.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في
"شرحه": المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال:
لا قصاص في عظم إلا في السن. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال:
لا قصاص في عظم.
(13/111)
وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «لا قصاص في عظم» ، والمراد غير السن. ولأن اعتبار المماثلة في غير السن
متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد، ولو قلع من
أصله يقلع الثاني فيتماثلان. قال: وليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد
أو خطأ؛ لأن شبه العمد يعود إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون
ما دون النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه باختلاف الآلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: روى ابن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " حدثنا حفص عن
أشعث عن الشعبي والحسن قال: ليس في العظام قصاص ما خلا السن والرأس انتهى.
فإن كان السن عظما فلا استثناء، ولا بد من فرق بينهما وبين غيرهما من
العظام. وهو إمكان القصاص فيها بأن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منها، أو إلى
أصلها إن قلعها، ولا يقلع لتعذر المماثلة، فربما يفسد به لسانه، كذا في "
المبسوط ".
وإن كان غير عظم، كما أشار إليه بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قصاص
في عظم» لم يستثن السن، فالاستثناء منقطع.
وقد اختلف الأطباء في ذلك فمنهم من قال: هو طرف عصب يابس لأنه يحدث وينمو
بعد تمام الخلقة، ومنهم من قال: هو عظم وكأنه وقع، عند المصنف أنه عظم حتى
قال المراد منه غير السن.
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» ش: هذا
غريب ولم يثبت. وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ":
حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: ليس في العظام قصاص. وأخرج نحوه عن الشعبي
والحسن - رحمهما الله -.
م: (والمراد غير السن) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا
قصاص في العظم غير السن» ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}
[المائدة: 45] . م: (ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال
الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو قلع من أصله يقلع
الثاني فيتماثلان) ش: فيبرد من سن الجاني بقدر ذلك ولا يقلع لما ذكرنا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وليس فيما دون النفس شبه
عمد، إنما هو عمد أو خطأ لان شبه العمد يعود إلى الآلة) ش: أي لأن شبه
العمد في النفس إنما يثبت بالنظر إلى الآلة؛ لأن الآلة لم توضع للقتل، فلم
يجب القصاص، بل تجب الدية المغلظة نظرا إلى المتعمد.
م: (والقتل هو الذي يختلف باختلافها) ش: أي باختلاف الآلة م: (دون ما دون
النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه) ش: أي إتلاف ما دون النفس م: (باختلاف الآلة)
ش: يعني يستوي السلاح وغير
(13/112)
فلم يبق إلا العمد والخطأ.
ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين
العبدين خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك إلا في الحر يقطع
طرف العبد، ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها تابعة لها. ولنا: أن الأطراف
يسلك بها مسلك الأموال، فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة، وهو معلوم قطعا
بتقويم الشرع، فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السلاح في إتلافه، فإذا تعمد بأي شيء كان سلاحا أو غير سلاح، فما بان من
المفصل يجب القصاص، فماذا كانت الإبانة من غير تعمد الأرش، ولكن لا يجب
القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ منه أو يموت، ولا يعجل بل يترقب خلافا
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذكره في " الأسرار " وغيره.
فإذا كان الأمر كذلك م: (فلم يبق إلا العمد والخطأ) ش: وكان المصنف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قد ذكر هذا فيما مضى، لكنه ذكر هناك أنه عمد، وهنا أنه
عمد أو خطأ، فيحمل الأول على أن المراد به إن أمكن القصاص، وذلك لأنه شبه
العمد إذا حصل فيما دون النفس، وإن أمكن القصاص جعله عمدا وإن لم يمكن جعل
خطأ، ووجب الأرش.
[القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس]
م: (ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا
بين العبدين) ش: أي في حق الطرف، لا في حق النفس م: (خلافا للشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (إلا في الحر يقطع طرف العبد) ش: فإنه لا يجرى القصاص على الحر عنده هو
أيضا أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها)
ش: أي لكون الأطراف م: (تابعة لها) ش: أي للأنفس.
م: (ولنا: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لكونها وقاية للأنفس
كالأموال م: (فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة) ش: يعني في العبد، ومبنى
القصاص على المساواة، ولا مساواة في الأطراف بين العبد.
م: (وهو) ش: أي التفاوت م: (معلوم قطعًا بتقويم الشرع) ش: فإن الشرع قوم
اليد الواحدة للحر بخمسمائة دينار قطعا ويقينا، لا تبلغ قيمة العبد إلى
ذلك، فإن بلغت كان بالحذر والظن فلا تكون مساوية ليد الحر يقينا، فإذا كان
التفاوت معلوما قطعا م: (فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش) ش: لأن
التفاوت بين طرفي المرأة وطرف الرجل ظاهر؛ لأن يد المرأة تصلح لنوع من
المنافع لا تصلح ليد الرجل، فصارت كاليمين واليسار.
(13/113)
لأنه لا ضابط له، فاعتبر أصله وبخلاف
الأنفس؛ لأن المتلف إزهاق الروح ولا تفاوت فيه. ويجب القصاص في الأطراف بين
المسلم والكافر للتساوي بينهما في الأرش.
قال: ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص
عليه؛ لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه.
وكذا البرء نادر، فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا. قال: وإذا كانت يد
المقطوع صحيحة، ويد القاطع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه لا ضابط له فاعتبر أصله) ش: أي أصل البطش.
فإن قيل: إن استقام في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان التساوي في
قيمتها بتقويم المقومين؟.
وأجيب: بأن التساوي إنما يكون بالحذر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا
تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها.
م: (وبخلاف الأنفس) ش: حيث لا يسلك بها مسلك الأموال م: (لأن المتلف) ش:
وفي نسخة شيخي العلاء - رحمة الله عليه -: " لأن المتعلق " م: (" إزهاق
الروح ولا تفاوت فيه) ش: أي في إزهاق الروح.
م: (ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر للتساوي بينهما) ش: أي في
المسلم والكافر م: (في الأرش) ش: أي في أرش الطرف فصار كالحرين المسلمين.
[قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ
منها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن قطع يد رجل من نصف
الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه) ش: بل يجب حكومة عدل م:
(لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول) ش: أي: لأن الأول وهو القطع
من نصف الساعد م: (كسر العظم) ش: لأن الفعل وقع فيه ليس له حد معلوم وينتهي
إليه القطع.
م: (ولا ضابط فيه) ش: أي في كسر العظم، وفي بعض النسخ ولا ضابط في الثاني
وهو الجرح الجائفة؛ لأنها تصل إلى البطن من الصدر والظهر م: (وكذا البرء
نادر) ش: أي في الجائفة والهلاك فيهما غالب، فلا يمكن المماثلة بين الثانية
والأولى لوجوب البرء في الأولى دون الثانية، فإذا اقتص م: (فيفضي الثاني)
ش: وهو الجرح الجائفة م: (إلى الهلاك ظاهرا) ش: فلا يجب القصاص لانتفاء
شروط القصاص، بل يجب ثلث الدية في ماله، ولا تكون الجائفة إلا فيما يصل إلى
البطن، ولا يكون في الرقبة، ولا في الحلق، ولا في اليدين، ولا في الرجلين.
فإن كانت الجراحة بين الاثنين والمدية فهي جائفة، ذكره القدوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في "شرحه ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كانت يد المقطوع
صحيحة، ويد القاطع
(13/114)
شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار
إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها. وإن شاء أخذ الأرش كاملا؛ لأن
استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه. وله أن يعدل إلى العوض كالمثلي
إذا انصرم على أيدي الناس بعد الإتلاف. ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به،
فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد ولو سقطت المؤنة قبل اختيار
المجني عليه أو قطعت ظلما فلا شيء له عندنا لأن حقه متعين في القصاص، وإنما
ينتقل إلى المال باختياره، فيسقط بفواته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء
له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملًا) ش: ولا يعلم فيه خلاف في الشلاء، وفي
ناقصة الأصابع ليس له مع القطع أرش أو كروبة.
قال أبو بكر الحنبلي: وقال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
فالمقطوع يجوز له أن يقتص ويأخذ أرش المعقود، وله أن يعفو ويأخذ دية اليد
كاملة، وذكر في " المبسوط ". وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الأرش
مطلقا، ولم يفرق بين الشلل ونقصان الأصابع.
م: (لأن استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه) ش: ويرضى بقطع
المعيبة. م: (وله أن يعدل إلى العوض) ش: وهو الأرش ومثله في ذلك م (كالمثلي
إذا انصرم) ش: أي إذا انقطع م: (على أيدي الناس بعد الإتلاف) ش: صورته رجل
أتلف على رجل ماله مثلي فانقطع عن أيدي الناس فلم يبق منه إلا هو ناقص
الصفة عن المتلف، فصاحب الحق بالخيار إن شاء أخذ الموجود، وإن شاء عدل إلى
القيمة؛ لأنه لم يقدر على استيفاء جنس حقه بكماله فكذا هذا.
م: (ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به) ش: أي ثم إذا استوفى المقطوع قطع
اليد الناقصة فقد رضي بحقه م: (فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد)
ش: في المثلي إذا انقطع.
م: (ولو سقطت المؤنة) ش: أي اليد التي أصابتها الإصابة وهي الشلاء م: (قبل
اختيار المجني عليه) ش: أخذها م: (أو قطعت ظلما) ش: أي أو قطعت المعروفة،
أي الشلاء، من جهة الظلم م: (فلا شيء له عندنا) ش: احترز به عن قول الشافعي
وأحمد - رحمهما الله -؛ لأن عندهما تجب الدية.
م: (لأن حقه متعين في القصاص) ش: فيه لأنه متعين باليد بدلالة ليس له
العدول إلى الأرش مع القدرة م: (وإنما ينتقل) ش: أي حقه م: (إلى المال
باختياره) ش: لأجل العيب م: (فيسقط بفواته) ش: يعني إذا لم يحترز حتى تلف،
فتسقط بفواته؛ لأن ما تعلق به حقه قد هلك، فيسقط بفواته وصار كالصحيحة إذا
تلفت.
(13/115)
بخلاف ما إذا قطعت بحق عليه من قصاص أو
سرقة، حيث يجب عليه الأرش؛ لأنه أوفى حقا مستحقا فصارت سالمة له معنى. قال:
ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه، وهي لا تستوعب ما بين قرني
الشاج، فالمشجوج بالخيار؛ إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين
شاء، وإن شاء أخذ الأرش. لأن الشجة موجبة لكونها مشينة فقط فيزداد الشين
بزيادتها. وفي استيفائه ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قطعت) ش: اليد الشلاء م: (بحق عليه) ش: أي بحق م: (من
قصاص أو سرقة، حيث يجب عليه الأرش لأنه أوفى به حقا مستحقا فصارت) ش: أي يد
القاطع م: (سالمة له معنى) ش: من حيث المعنى، لا من حيث الصورة إيضاح هذا:
إذا ذهبت الجارية معيبة قبل أن يختار المجني عليه أخذها، فالكلام فيه على
وجهين:
- فإن قطعت يده بحق عليه مثل أن يقتص منها، أو يقطع في سرقة فعليه أرش اليد
المقطوعة.
- ولئن تلفت يده بغير حق عليه سقط حق صاحب القصاص مثل أن يقطعها رجل ظلما
أو تتلف بآفة سماوية.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الأرش في الوجهين، لا يقال: إنه
كان مخيرا بين أمرين، فإذا مات أحدهما تعين على الآخر لأن حقه لم يثبت إلا
في اليد، وكان له أن يعدل عن هذا الحق أي يد له، فإذا أتلف لم يجز له
المطالبة بالسر له عنه مع تلفه، كذا في "شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
وقال صاحب " المجتبى ": وعلى هذا السن والأطراف التي يجب فيها القصاص إذا
كان طرف الضارب والقاطع معيبة، يتخير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة،
وبين استيفاء المعيبة.
وقال برهان الأئمة والد الصدر الشهيد - رحمهما الله -: هذا إذا كانت الشلاء
لا ينتفع بها، لا يكون محلًا للقصاص، فله دية كاملة من غير خيار، وعليه
الفتوى.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن شج رجلًا فاستوعبت
الشجة ما بين قرنيه) ش: أي ما بين ناحيتيه م: (وهي لا تستوعب ما بين قرني
الشاج، فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين
شاء، وإن شاء أخذ الأرش) ش: أي هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال
المصنف: م: (لأن الشجة موجبة) ش: للقصاص م: (لكونها مشينة فقط) ش: أي
مقبحة، من الشين وهو التقبيح م: (فيزداد الشين بزيادتها) ش: أي بزيادة
الشجة.
م: (وفي استيفائه) ش: أي وفي استيعاب المشجوج م: (ما بين قرني الشاج زيادة
على ما فعل)
(13/116)
ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما
يلحق المشجوج فينتقص فيخير كما في الشلاء والصحيحة، وفي عكسه يخير أيضا؛
لأنه يتعذر الاستيفاء كملا للتعدي إلى غير حقه، وكذا إذا كانت الشجة في طول
الرأس، وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ولا تبلغ إلى قفا الشاج، فهو بالخيار
لأن المعنى لا يختلف.
قال: ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
أنه إذا قطع من أصله يجب لأنه يمكن اعتبار المساواة. ولنا: أنه ينقبض
وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة. إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم
كالمفصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني: إذا كان رأس الشاج كبيرا م: (ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر
حقه ما يلحق المشجوج فينتقص) ش: يعني ينتقص حق المشجوج إذا لم تستوعب الشجة
ما بين قرني الشاج إذا كان رأسه صغيرا، فإذا كان كذلك م: (فيخير) ش: أي
المشجوج رأسه بين الاقتصاص بمقدار شجته وبين أخذ الأرش م: (كما في الشلاء
والصحيحة. وفي عكسه) ش: أي: وفيما إذا كان رأس المشجوج أكبر من رأس الشاج،
م: (يخير أيضا؛ لأنه يتعذر الاستيفاء كملًا للتعدي إلى غير حقه) ش: لأنه
يكون الشين في الثانية أزيد من الأولى.
م: (وكذا) ش: أي بالخيار م: (إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من
جبهته إلى قفاه، ولا تبلغ إلى قفا الشاج فهو بالخيار) ش: أي المشجوج
بالخيار م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الموجب للتخيير بين أرش
الموضحة وبين الاقتصاص بالشجة لا يختلف.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: لأن المعنى لا يختلف: وهو أن
بلوغه إلى قفاه زيادة على ما فعل، وباستيفائه حقه لا يلحق الشين.
[القصاص في اللسان والذكر]
م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قصاص في اللسان
ولا في الذكر) ش: هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية
الأصل.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه بشر عنه: م: (أنه إذا قطع
من أصله يجب) ش: أي القصاص؛ م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة) ش: وبقول أبي
حنيفة ومحمد - رحمهما الله -.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو إسحاق من أصحاب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في اللسان، وقال الشافعي ومالك - رحمهما الله - في
رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب القود في الكل وفي البعض
بقدره.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن اللسان م: (ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار
المساواة، إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم) ش: لأن هناك حد يقع
فيه القصاص م: (كالمفصل) ش: لأن موضع
(13/117)
ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص
فيه لأن البعض لا يعلم مقداره بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا
ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إذا استقصاها
بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه
يتعذر اعتبارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع فيه معلوم م: (ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن
البعض لا يعلم مقداره) ش: فتبقى المساواة.
وعند الأئمة الثلاثة: يؤخذ بعضه ببعض، ويعتبر ذلك بالأجزاء دون المساحة،
فيؤخذ النصف بالنصف، والربع بالربع، وما زاد ونقص في حساب من ذلك كما في
الأذن والأنف.
م: (بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف،
فيمكن اعتبار المساواة) ش: عن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا
يجب القود في بعض الأذن.
وحكي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا تؤخذ أذن السمع بأذن الأصم، ولو
قطع الختان أو بعض الحشفة في الصبي أو في العبد، فعليه حكومة عدل. وإن قطع
الحشفة كلها فإن برأ فعليه في العبد كمال القيمة، والصبي كمال الدية. فإذا
مات ففي الصبي نصف الدية. وفي العبد نصف القيمة.
م: (والشفة إذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف
ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها) ش: أي اعتبار المساواة. وبه قالت
الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، واختار أبو حامد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب القود، وفي "
شرح الطحاوي ": إذا قطع شفة رجل، وكان يستطاع أن يقتص منه فعليه القصاص
السفلى بالسفلى والعليا بالعليا، ولا تؤخذ السفلى بالعليا ولا العليا
بالسفلى.
(13/118)
فصل قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل
على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلا كان أو كثيرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما
قيل: نزلت الآية في الصلح. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
"من قتل له قتيل " الحديث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص وفي بيان
العفو عنه]
[اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص، وفي بيان العفو
عنه، وأخر ذكرهما عن بيان القصاص لأنهما لا يتبعانه إلا بعد وجوب القصاص.
م: (قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال
قليلًا كان أو كثيرا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال
المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في
الصلح) ش: يعني الآية نزلت على قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،
والحسن البصري، والضحاك - رحمهما الله -، ومجاهد في الصلح، أي فمن أعطى على
سهولة ويريد به ولي القتيل، يقال: خذ ما أتاك عفوا أي سهلًا.
وقوله: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] : أي من جهة أخيه المقتول،
وقوله شيء: أي شيء من المال بطريق الصلح وتكره لأنه بحصول القدر فإنه يتعذر
بما تراضيا عليه.
وقَوْله تَعَالَى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] : أي: فله
اتباع، أي: فلولي القتيل اتباع المصالح بالمعروف، أي: مطالبة بدل الصلح على
مماثلة وحسن معاملة.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي: على
المصالح إذا أدى إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء، وقال جماعة وهو مروي عن
عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الآية نزلت في عفو
بعض الأولياء.
ويدل عليه قوله: شيء، فإنه يراد به البعض، وتقديره: فمن عفي عنه وهو القاتل
من أخيه في الدين، وهو المقتول شيء من القصاص، بأن كان للقتيل أولياء فعفا
بعضهم فقد بقي نصيب الباقين مالا، وهو الدية على قدر حصصهم في الميراث، وهو
قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] أي فليتبع الذين لم
يعفوا عن القاتل بطلب حصصهم بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة.
وقوله: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي القاتل إلى غير
الموفي حقه وافيا غير ناقص.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قتل له قتيل» الحديث)
(13/119)
والمراد - والله أعلم - الأخذ بالرضا على
ما بيناه، وهو الصلح بعينه، ولأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا،
فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي
والقليل والكثير فيه سواء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كتبهم، عن
يحيى بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما فتح الله على رسوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى
عليه، الحديث بطوله، وفي آخره: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن
يعطى الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل» .
هذا لفظ مسلم في كتاب الحج.
ولفظ البخاري في كتاب العلم: «إما أن يعقل، وإما أن يقاد لأهل القتيل» ،
ولفظه في [موضع آخر] : " إما أن يفدي، وإما أن يقيد ". ولفظه في الديات:
«إما أن يؤدي، وإما أن يقاد» .
ولفظ الترمذي: «وإما أن يعفو، وإما أن يقتل» .
ولفظ النسائي في القود: " إما أن يقاد، وإما أن يفدي ".
ولفظ ابن ماجه: «إما أن يقتل، وإما أن يفدي» .
م: (والمراد والله أعلم الأخذ بالرضا) ش: أي برضا القاتل م: (على ما بيناه)
ش: أي في أول الكتاب، أي عندها ليس لولي القتيل أخذ الدية إلا برضا القاتل.
م: (وهو الصلح بعينه) ش: أي أخذ الدية هو الصلح بعينه؛ لأن الصلح عبارة عن
قطع النزاع، ففي أخذ الدية قطع النزاع م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق
ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضًا) ش: من حيث أخذ العوض وهو
الدية م: (لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل) ش: أي الاشتراك بأخذ
العوض على شيئين: أولهما: الإحسان إلى أولياء المقتول، والثاني: فيه إحياء
القاتل لأنه كان قد تعين للقتل وأشرف عليه في الصلح، استمرت فيه الحياة،
والإضافة في كل من قوله: "على إحسان الأولياء"، "وإحياء القاتل" إضافة
المصدر إلى المفعول.
م: (فيجوز بالتراضي) ش: أي فإذا كان الأمر كذلك، فيجوز الصلح وأخذ المال
بالتراضي من الجانبين م: (والقليل والكثير فيه) ش: أي في أخذ العوض م:
(سواء) ش: يعني يجوز أخذ العوض سواء كان قليلًا أو كثيرا، لكن الصلح على
مال يجوز على أكثر من الدية في القصاص في النفس وفيما دونها، وهو حال في
حال الجاني، ولا يكون ذلك على العاقلة.
(13/120)
لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما
كالخلع وغيره. وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد،
والأصل في أمثاله الحلول نحو المهر والثمن بخلاف الدية لأنها ما وجبت
بالعقد. قال: وإن كان القاتل حرا أو عبدا فأمر الحر ومولى العبد رجلا بأن
يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر ومولى العبد نصفان لأن
عقد الصلح أضيف إليهما. وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على
عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية وأصل هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الصلح على أكثر من الدية في القتل الخطأ، لا يجوز إذا كان الصلح على
جنس ما تعرضت فيه الدية، وإذا كان الصلح خلاف على الجس يجوز، وإن جاز زاد
على قدر الدية، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب - الصلح ".
م: (لأنه ليس فيه) ش: أي في أخذ المعوض م: (نص مقدر) ش: بكسر الدال من
التقدير، فإذا كان كذلك م: (فيفوض) ش: أي التقدير م: (إلى اصطلاحهما) ش: أي
اصطلاح القاتل وولي المقتول م: (كالخلع) ش: على مال فإنه ليس فيه شيء مقدر،
بل يرجع ذلك إلى رضا الزوجين عن القليل والكثير.
م: (وغيره) ش: أي وغير الخلع وهو الإعتاق على مال الكتابة م: (وإن لم
يذكروا) ش: أي أولياء المقتول والقاتل، وإن لم يذكروا مالا م: (حالًا ولا
مؤجلًا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد) ش: أي بعقد الصلح م: (والأصل في
أمثاله) ش: أي أمثال الصلح م: (الحلول نحو المهر والثمن) ش: فإن الأصل
فيهما حلول الحال، وإن كان التأجيل جائزا.
م: (بخلاف الدية) ش: في قتل الخطأ، حيث لا تجب حالة م: (لأنها) ش: أي لأن
الدية والتذكير على تأويل المال م: (ما وجبت بالعقد) ش: العارض على القتل،
بل وجب القتل ابتداء، فوجبت مؤجلة إلى ثلاث سنين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان القاتل حرا أو عبدا)
ش: يعني اشترك حر وعبد في قتل شخص م: (فأمر الحر ومولى العبد رجلًا بأن
يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر، ومولى العبد نصفان لأن
عقد الصلح أضيف إليهما) ش: أي إلى الحر والعبد فيجب على الحر خمسمائة وعلى
مولى العبد خمسمائة.
م: (وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق
الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية) ش: هذا لفظ القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره".
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا الحكم الذي
ذكره
(13/121)
أن القصاص حق جميع الورثة. وكذا الدية
خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين. لهما أن الوراثة خلافة
وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت. ولنا: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القدوري في هذه المسألة م: (أن القصاص حق جميع الورثة) ش: من الذكر
والأنثى، والزوج والزوجة، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره
".
م: (وكذا الدية) ش: حق الورثة م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في
الزوجين) ش: هذا اللفظ يدل على أنه ليس للزوجين حق في القصاص والدية،
والمشهور عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القصاص موروث للعصبات خاصة. وبه
قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعض أصحابه: لذوي الأنساب دون الزوجين. وقال
الليث، والزهري، وابن سيرين، والأوزاعي، والحسن، وقتادة: ليس للنساء عفو.
وقال بعض أهل المدينة: القصاص لا يسقط بعفو بعض الورثة. وقيل: هو رواية عن
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " شرح الكافي ": القصاص والدية تصير ميراثا
لكل الورثة عندنا بالسبب والنسب جميعا.
وقال الشافعي: وهو قول ابن أبي ليلى: يورث بالنسب ولا يورث بالسبب، هو
الزوجية، حتى لا يورث الزوج من قصاص زوجته لو قتلت، وكذا من ديتها، وكذا
الزوجة من قصاص زوجها ولا من ديته.
م: (لهما) ش: أي لمالك والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الوراثة خلافة وهي
بالنسب دون السبب لانقطاعه) ش: أي لانقطاع السبب م: (بالموت) ش: لأن
الزوجية تقطع بالموت.
م: (ولنا: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والسلام) ش: أي أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل
زوجها أشيم» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن سفيان بن عيينة،
عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
أنه كان يقول: الدية للعاقلة، لا ترث المرأة من دية زوجها شيء، حتى قال
الضحاك بن سفيان: كذب، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ -» وقال الترمذي. حديث حسن صحيح.
وأخرجه الدارقطني في " سننه" عن محمد بن عبد الله الشعثي، عن زفر بن وثيمة،
عن
(13/122)
ولأنه حق يجري فيه الإرث حتى إن من قتل وله
ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي وابن الابن فيثبت كسائر
الورثة. والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت بعد الموت
مستندا إلى سببه وهو الجرح، وإذا ثبت للجميع فكل منهم يتمكن من الاستيفاء
والإسقاط عفوا وصلحا. ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين
فيه؛ لأنه لا يتجزأ، بخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المغيرة بن شعبة، أن سعد بن زرارة الأنصاري قال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية
زوجها» .
وقال الطبرانى: وسعد بن زرارة صحابي يكنى أبا أمامة، توفي على عهد رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة الأولى من الهجرة.
قلت: قد ذكره الذهبي في " تجريد الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمْ -، وقال: أشيم الضبابي الذي قتل فورث النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوجته من ديته، وذكر عليه علامة أحمد بن حنبل - يعني
أخرجه في" مسنده ".
والضبابي: بكسر الضاد، وبالبائين الموحدتين، نسبة إلى ضباب، بطن من العرب،
ذكره ابن دريد.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق يجري فيه الإرث أن من قتل وله ابنان،
فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي) ش: وهو ابن الميت وبين م:
(وابن الابن فيثبت كسائر الورثة) ش: فمن كان وارثا فله حق في القصاص.
م: (والزوجية تبقى) ش: هذا جواب عما قال مالك والشافعي من قولهما. لانقطاعه
بالموت، تقريره: أن الزوجية تبقى م: (بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم
م: (في حق الإرث) ش: فإذا كانت الزوجية باقية في حق الإرث كموت أحدهما لكل
من الزوجين حق من قصاص الميت. م: (أو يثبت بعد الموت) ش: الإرث دليل آخر،
أي ويثبت الإرث حال كونه م: (مستندا إلى سببه وهو الجرح) ش: فصار له كمال
آخر في ثبوته قبل الموت. ألا ترى لو أنه أوصى بثلث ماله دخلت ديته في
الوصية وقضى من ديونه.
م: (وإذا ثبت للجميع) ش: أي جميع الورثة م: (فكل منهم يتمكن من الاستيفاء
والإسقاط عفوا وصلحا) ش: فقوله عفوا: يرجع إلى الإسقاط. وقوله: "صلحا "
يرجع إلى الاستيفاء.
م: (ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه) ش: يعني في
القصاص م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (لا يتجزأ) ش: استيفاء وينقل حق
الباقين إلى المال. م: (بخلاف
(13/123)
ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين؛ لأن
الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا واحد
لاتحادهما، وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى
راجع إلى القاتل، وليس للعافي شيء من المال؛ لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه، ثم
يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في
سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف الدية،
فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ. ولنا: أن هذا بعض بدل الدم وكله مؤجل إلى
ثلاث سنين فكذلك بعضه، والواجب في اليد كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع
ويجب في ماله لأنه عمد.
قال: وإذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين) ش: أي ولي القصاص حيث لا يسقط حق الآخر
في القصاص.
م: (لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا)
ش: أي في مسألة ما إذا قتل وله ابنان م: (واحد) ش: أي القصاص م:
(لاتحادهما) ش: أي لاتحاد القاتل والمقتول.
م: (وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى راجع إلى
القاتل) ش: وهو العجز عن استيفاء قصاص من نفسه لأن من قسمه أن إزهاق الروح
لا يتجزأ.
م: (وليس للعافي) ش: حقه في القصاص م: (شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله
ورضاه، ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف
الدية، فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ) ش: لأن الواجب فيها نصف الدية مؤجلًا
إلى ثلاث سنين.
م: (ولنا: أن هذا) ش: أي بعض ما يجب من المال م: (بعض بدل الدم وكله) ش:
أي: وكل الدم م: (مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه) ش: يؤجل إلى ثلاث سنين م:
(والواجب في اليد) ش: جواب عن اعتبار زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما إذا
قطعت يده خطأ، تقديره أن الواجب في اليد، أي في قطع اليد خطأ م: (كل بدل
الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله) ش: أي يجب المال في المال
القاتل في المسألة المذكورة أولًا م: (لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل
العمد.
[قتل جماعة واحدا عمدا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قتل جماعة واحدا
عمدا اقتص من جميعهم) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأكثر أهل العلم من
الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن الزبير -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، والزهري، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وعبد الملك،
وربيعة، وداود، وابن المنذر، وأحمد
(13/124)
لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه:
لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم، ولأن القتل بطريق التغالب غالب، والقصاص
مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء. وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء
المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له
وسقط حق الباقين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم
ويجب للباقين المال، وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول قتل لهم وقسمت الديات
بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في رواية: لا يقتلون به ويجب عليهم الدية، وهذا الذي ذكره القدوري استحسان.
والقياس: أن لا تقتل الجماعة بالواحد لأن القصاص يبنى عن المساواة، ولا
مساواة بين الواحد والجماعة، وجه الاستحسان: ما أشار إليه المصنف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: لو
تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ش: هذا رواه مالك في " الموطأ "، أخبر به
يحيى بن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة، وقال: لو تمالًا عليه
أهل صنعاء لقتلتهم. ورواه محمد بن الحسن أيضا عن مالك.
قوله: " تمالأ " أصله المعاونة في ملء الدلو ثم عم تعاونوا تمالوا " أي
تعاونوا، وصنعاء قصبة باليمن.
والغيلة: بكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، فإذا صار معه قتله،
وقوله: "قتل غيلة " مضاف ومضاف إليه.
م: (ولأن القتل بطريق التغالب غالب) ش: أراد أن القتل بغير حق لا يكون في
العادة إلا بالتغالب والاجتماع لأن الواحد يقاوم الواحد غالبا م: (والقصاص
مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء) ش: أراد أن الحكمة الموضوعة في
القصاص إحياء النفس، فلو لم يجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد أدى إلى سد
باب القصاص، وفيه إبطال الحكمة المذكورة.
م: (وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم
غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقين) ش: هذا كله لفظ
القدوري. قال أصحابنا: الواحد يقتل بالجماعة اكتفاء بالقصاص.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم ويجب للباقين
المال) ش: يعني إذا كان قتلهم على التعاقب م: (وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول
قتل لهم وقسمت الديات بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته) ش:
ويجب للباقين بالمال، وقد أوضح هذه في الطريقة العلانية حيث
(13/125)
له: أن الموجود من الواحد قتلات، والذي
تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل، وهو القياس في الفصل الأول إلا أنه عرف
بالشرع. ولنا: أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال، فجاء التماثل أصله الفصل
الأول إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص، ولأنه وجد من كل واحد منهم خرج
صالح للإزهاق فيضاف إلى كل منهم إذ هو لا يتجزأ، ولأن القصاص شرع مع
المنافي لتحقيق الإحياء وقد حصل بقتله، فاكتفى به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: وقال الشافعي: لا يقتل اكتفاء، غير أن الواحد إن قتلهم على التعاقب
يقتل بالأول اكتفاء، ويجب دية الباقين، وإن قتلهم على المقارنة له فيه
قولان: في قول يقتل بالواحد عبر عين ويجب دية الباقين مشتركة بينهم، وفي
قول: يقرع فيقتل لمن خرجت قرعته، ويجب الديات للباقين.
وقال الكاكي: وبقولنا قال مالك، وقال الشافعي، واستوفى الباقون بالديات من
تركته.
وقال أحمد: إن طلبوا القصاص بجماعتهم فلا شيء للواحد الذي قتل له، وإن طلب
بعضهم القصاص والبعض الدية، قتل لمن طلب القود، وللآخرين الدية. وعن مالك
رواية كقول أحمد.
م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الموجود من الواحد قتلات) ش: لأنه قتل جماعة
م: (والذي تحقق في حقه) ش: أي في حق الواحد م: (قتل واحد فلا تماثل) ش: أي
بين قتل واحد وبين قتلات م: (وهو القياس في الفصل الأول) ش: وهو أن لا تقتل
الجماعة بالواحد إلا أنهم قتلوا به م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الجماعة تقتل
بالواحد اتفاقا م: (عرف بالشرع) ش: على خلاف القياس.
م: (ولنا: أن كل واحد منهم) ش: أي من الأولياء (قاتل بوصف الكمال) ش: يعني
قاتل للقاتل قصاصا م: (فجاء التماثل) ش: في قتل الواحد بالجماعة فصح
القياس. م: (أصله الفصل الأول) ش: وهو أنه تقتل الجماعة بالواحد اتفاقا،
فلو لم يكن التماثل لما قتلوا به وهو معنى قوله: م: (إذ لو لم يكن كذلك لما
وجب القصاص) ش:؛ لأن التماثل شرط م: (ولأنه وجد من كل واحد منهم) ش: أي من
الأولياء م: (خرج صالح للإرهاق) ش: يعني أن القتل صالح لإزهاق الروح. وقد
وجد من كل واحد منهم.
وقد وجد من كل واحد منهم م: (فيضاف إلى كل منهم إذ هو) ش: أي إزهاق الروح
م: (لا يتجزأ) ش: فيضاف إلى كل منهم كملًا لأن ما لا يتجزأ إذا أضيف يضاف
كملًا م: (ولأن القصاص شرع مع المنافي) ش: أي شرع بالكتاب والسنة مع وجود
المنافي، وهو أن الآدمي بنيان الرب، فلا يجوز تجزئته، قال - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من بدله» .
وإنما شرع م: (لتحقيق الإحياء) ش: أي لمعنى الإحياء م: (وقد حصل) ش: أي
تحقيق الإحياء م: (بقتله) ش: أي بقتل القاتل م: (فاكتفى به) ش: ولا شيء لهم
غير ذلك.
(13/126)
قال: ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط
القصاص لفوات محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني، ويتأتى فيه خلاف
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ الواجب أحدهما عنده.
قال: وإذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض إذا أخذا سكين
وأمراه على يده حتى انقطعت له: الاعتبار بالأنفس، والأيدي تابعة لها فأخذت
حكمها. أو يجمع بينهما بجامع الزجر. ولنا: أن كل واحد - منهما قاطع بعض
اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما والمحل متجزئ فيضاف إلى كل واحد منهما
البعض، فلا مماثلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[من وجب عليه القصاص إذا مات]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط القصاص لفوات
محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني) ش: إذا مات لا يلزمه شيء على أحد م:
(ويتأتى فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -)
ش: فعنده تجب الدية في ماله م: (إذ الواجب أحدهما عنده) ش: أي لأن الواجب
القصاص أو الدية عنده، أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا مردود
بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] وقد مر بيانه
في أول كتاب الجنايات.
[قطع رجلان يد رجل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قطع رجلان يد رجل
فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية) ش: وبه قال الثوري - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، والحسن والزهري - رحمهما الله -، وابن المنذر.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض) ش: أي:
وموضع فرض المسألة الخلافية م: (إذا أخذا) ش: أي الاثنان الإنسان المذكور
م: (سكينًا وأمراه) ش: بتشديد الراء م: (على يده حتى انقطعت) ش: يعني إذا
وضعا السكين من جانب من المفصل، والآخر من جانب الحر، وأمر كل واحد سكينه
حتى التقيا وانقطعت اليد، لا قصاص عنده أيضا.
م: (له) ش: أي للشافعي: م: (الاعتبار بالأنفس) ش: لأن طريق جريان القصاص
على الأنفس إن جعل كل واحد منهم منفردا بالقتل لزجر القاتل سد باب العدوان
فيجب القصاص عليهم م: (والأيدي تابعة لها) ش: أي للأنفس م: (فأخذت حكمها)
ش: أي حكم الأنفس م: (أو يجمع بينهما) ش: أي بين الطرف والنفس م: (بجامع
الزجر) ش: سدا لباب العدوان. وبقوله قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ولنا: أن كل واحد منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما
والمحل متجزئ) ش: المحل هو اليد، وهي تتجزأ، فإذا كان كذلك م: (فيضاف إلى
كل واحد منهما البعض) ش: أي بعض القطع م: (فلا مماثلة) ش: بين قطع اليدين
واليد الواحدة.
(13/127)
بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ، ولأن
القتل بطريق الاجتماع غالب حذار الغوث والاجتماع على قطع اليد من المفصل في
حيز الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث. قال وعليهما نصف
الدية؛ لأنه دية اليد الواحدة وهما قطعاها
وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية
يقتسمانها نصفين؛ سواء قطعهما معا أو على التعاقب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي القران: يقرع لأن اليد استحقها
الأول فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن بعد الرهن وفي القران اليد
الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ) ش: أي بخلاف قتل الأنفس بالنفس
الواحدة؛ لأن قتل النفس يضاف إلى كل واحد منهم، كما يتحلل كل منهم قاتلا
على الكمال، فحصلت المماثلة بين الأنفس والنفس الواحدة م: (ولأن القتل
بطريق الاجتماع غالب) ش: هذا جواب عما جمع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بين النفس والطرف، بيانه أن القتل بوصف الاجتماع غالب. م: (حذار الغوث) ش:
أي لأجل الحذر عن لحق الغوث م: (والاجتماع على قطع اليد من المفصل في حيز
الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث) ش: من أخذ السكين والإمرار
على المفصل إلى أن ينقطع، والثاني فيه من الجانبين فيلحقه الغوث لأنه لا
يقدر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعليهما) ش: أي على
الرجلين القاطعين م: (نصف الدية؛ لأنه) ش: أي نصف الدية م: (دية اليد
الواحدة وهما قطعاها) ش: ويجب في مالها لأنه عمد. وكذلك الحكم في بيان
الأطراف كالعين والسن والرجل ونحوها.
[قطع واحد يمنى رجلين]
م: (وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف
الدية يقتسمانها نصفين سواء قطعهما معا أو على التعاقب) ش: هذا لفظ
القدوري.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي
القران: يقرع) ش: وفي " شرح الكافي " للحاكم الشهيد، وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن قطع اليمين على التعاقب يقتص للأول ويغرم الدية
للآخر، وإن قطعهما معا فالقاضي يقرع بينهما أيا خرجت قرعته يقتص له، والدية
للآخر.
وقال الكاكي: قوله: يمنى رجلين، وكذا الحكم لو قطع يسار رجلين وقيد به لأنه
لو قطع يمين رجل ويسار آخر قطعت يداه في الكل، والمحل موجودة. ذكره في "
المبسوط " ولا يعلم فيه خلاف؟ م: (لأن اليد استحقها الأول؛ فلا يثبت
الاستحقاق فيها للثاني كالرهن من بعد الرهن) ش: فإن المرتهن الثاني لا
يستحقه.
م: (وفي القران اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة) ش: تطييبا
لقلبيهما لأن أحدهما
(13/128)
ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحاق
فيستويان في حكمه، كالغريمين في التركة والقصاص ملك: الفعل يثبت مع
المنافي، فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء. أما المحل فخلو عنه فلا يمنع ثبوت
الثاني بخلاف الرهن؛ لأن الحق ثابت في المحل وصار كما إذا قطع العبد
يمينيهما على التعاقب فتستحق رقبته لهما، وإن حضر واحد منهما فقطع يده
فللآخر عليه نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب.
وإذا استوفى لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية؛ لأنه أوفى به
حقا مستحقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليس بأولى من الآخر في تعيين القصاص له، ولا الدية للآخر ولا يأتي الترجيح
إلا بالقرعة م: (ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو قطع معصوم م:
(فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة) ش: وهو القصاص؛ لأن الاستواء في
العلة يوجب الاستواء في الحكم، كالشريكين في التركة، وإن كان دين أحدهما
أقدم. وفي بعض النسخ: كالشفيعين في الشفعة، فلا يتقدم أحدهما على الآخر.
م: (والقصاص ملك: الفعل) ش: هذا جواب عن قوله: لأن اليد استحقها الأول،
تقريره: أن يقال: إن القصاص ملك الفعل، والإطلاق في الفعل لا يقتضي حقا في
المحل، كما في الاصطياد والاحتشاش، فإن الفعل مملوك والمحل خلو عن الملك،
ولهذا يجب القصاص على قاتل من وجب عليه القصاص م: (يثبت مع المنافي) ش:
يعني أن من عليه القصاص جن م: (فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء) ش: لأنه ثابت
بطريق الضرورة م: (أما المحل فخلو عنه) ش: أي من ذلك الفعل م: (فلا يمنع
ثبوت الثاني) ش: أي حق الثاني، وذلك لأن ملك الفعل لما ثبت ضرورة الاستيفاء
لا يتعدى إلى شغل المحل الخالي بحرمته عنه، فإن لم يكن المحل مشغولا لم
يمنع عن ثبوت الثاني م: (بخلاف الرهن لأن الحق ثابت في المحل) ش: لكونه
مملوكا، فإذا ثبت للأول استحال ثبوته للثاني كما في الاستيفاء الحقيقي.
م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا قطع العبد يمينيهما) ش: أي يميني الرجلين
م: (على التعاقب فتستحق رقبته لهما) ش: جميعا ولا يكون الأول بها م: (وإن
حضر واحد منهما) ش: أي من الرجلين اللذين قطع واحد يمينهما م: (فقطع يده)
ش: أي يد القاطع م: (فللآخر) ش: أي الذي لم يحضر م: (عليه) ش: أي على
القاطع م: (نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب) ش:
أي في العقود في الاستيفاء م: (وإذا استوفى) ش: أي الحاضر م: (لم يبق محل
الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية لأنه أوفى به حقًا مستحقا) ش: يعني إن
قضى جميع طرفه حقا مستحقا عليه فيقضي للآخر بالأرش، بخلاف النفس فإن هناك
لو استوفى أحدهما القصاص ثم حضر الآخر لا يقضى بشيء لأن حقه في الاستيفاء
فات لغيبته، فإنهما إذا اجتمعا واستوفيا صار
(13/129)
قال: وإذ أقر العبد بقتل العمد لزمه القود.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى
بالإبطال، فصار كما إذا أقر بالمال. ولنا: أنه غير متهم فيه لأنه مضر به
فيقبل. ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بالآدمية حتى لا
يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص، وبطلان حق المولى بطريق الضمن فلا
يبالي به. ومن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص
للأول والدية للثاني على عاقلته؛ لأن الأول عمد والثاني أحد نوعي الخطأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل واحد مستوفيا على الكمال، فلا يجب مع الدية، وليس في الطرف الواحد وفاء
لحقهما، فإذا استوفى الحاضر لم يبق للغائب إلا الأرش.
[أقر العبد بقتل العمد]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود) ش: أي
القصاص، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقيد بالعمد لأنه
إذا أقر بالخطأ، لا يصح إقراره بالاتفاق سواء كان مأذونا أو محجورا لأن
إقراره بالخطأ ليس من باب التجارة، فكان إقراره على مولاه لا يصح، ذكره في
" المبسوط ".
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى
بالإبطال، فصار) ش: أي إقراره به م: (كما إذا أقر بالمال) ش: فإنه لا يصح
اتفاقا.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن العبد م: (غير متهم فيه) ش: أي في إقراره بالقتل
العمد م: (لأنه مضر به) ش: أي لأن إقراره ذاك يضر بنفسه، لأنه إقرار
بالعقوبة على نفسه فلا يتهم، فإذا كان كذلك م: (فيقبل) ش: أي إقراره م:
(ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملًا بالآدمية حتى لا يصح
إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص) ش: قوله " حتى. . . " إلى آخره: توضيح
لبقائه على الحرية، وكل ما لا يصح إقرار المولى على العبد فيه فهو بمنزلة
الحرية، ولهذا وقع طلاق زوجته بالإقرار لوقوعه بالإيقاع، وإذا أقر بسبب
يوجب الحد يحد به.
[بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد]
م: (وبطلان حق المولى) ش: هذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
تقريره: أن بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد م: (بطريق الضمن) ش: يعني
ضمني م: (فلا يبالي به) ش: لأن الضمنيات لا تعتبر، كما إذا تزوج رجل في مرض
الموت على مهر معين، ومات فهو أسوة للغرماء والتزام المهر يضر بهم، إلا إن
ثبت ضمنا للنكاح فلا يبالي به بخلاف إقراره بالمال، لأنه يتضرر به المولى
في ضمن شيء فيهم في إقراره ولا يضرهم، أما هاهنا أقر هو به: فلا يقبل منه.
م: (ومن رمى رجلًا عمدًا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص
للأول، والدية للثاني على عاقلته لأن الأول عمد) ش: لأنه قصد بالرمي فمات
منه م:، والثاني أحد نوعي الخطأ) ش: لأنه لم
(13/130)
كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا، والفعل
يتعدد بتعدد الأثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقصد بالرمي، حيث قصد الرامي غيره ولكنه أصاب بالنفاذ من الأول فصار قتله
خطأ م: (كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا) ش: فوجب الدية على عاقلته م:
(والفعل يتعدد بتعدد الأثر) ش: أي الفعل الواحد يتعدد بتعدد أثره، فإن
الرمي إذا أصاب حيوانا ومزق جلده يسمى جرحا، وإذا قتل يسمى قتلًا، وإن أصاب
كوزا أو خرق أجزاءه سمي كسرا باعتبار اختلاف المحل، فجاز أن يكون الفعل
الواحد عمدا بالعينة لا محلًا، وخطأ بنسبة محل آخر.
(13/131)
فصل قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا
قبل أن تبرأ يده أو قطع يده، عمدا ثم قتله خطأ، أو قطع يده خطأ فبرأت يده
ثم قتله خطأ أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا؛ فإنه يؤخذ بالأمرين
جميعا. والأصل فيه أن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما للأول؛ لأن
القتل في الأعم يقع بضربات متعاقبة، وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح،
إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه، وقد تعذر الجمع في هذه
الفصول في الأولين لاختلاف حكم الفعلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان حكم الفعلين في الجنايات]
[قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان حكم الفعلين، وذكر هذا بعد الفراغ من بيان
الفعل الواحد، والاثنان يذكران بعد الواحد.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ومن
قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده، أو قطع يده عمدا ثم قتله
خطأ، أو قطع يده خطأ، فبرأت يده ثم قتله خطأ، أو قطع يده عمدا فبرأت ثم
قتله عمدا فإنه يؤخذ بالأمرين جميعا) ش: القطع والقتل إذا حصل في شخص واحد
كانا على وجوه أربعة مثل ما ذكر في الكتاب، ثم إن كل واحد منها إما أن يكون
قبل البرء له وبعده، فذلك ثمانية أوجه، وكل ذلك إما أن يتحقق من شخص واحد
أو شخصين، فذلك ستة عشر وجها، فإن كان من شخصين يفعل بكل واحد منهما موجب
فعله من القصاص وأخذ الأرش مطلقا، لأن التداخل إنما يكون عند اتحاد المحل
لا غير. وإن كانا من شخص واحد فإيجاب يوجب القصاص أو إهدار أحدهما أمين على
أصل ذكره المصنف بقوله: م: (والأصل فيه) ش: أي في الحكم المذكور م: (أن
الجمع بين الجراحات واجب) ش: فيعني الاكتفاء، بموجب أحدهما واجب م: (ما
أمكن) ش: أي مهما أمكن م: (تتميما للأول) ش: لأن الأصل في العقوبات
التداخل، ويحل الآخر متمما للأول، لآن القتل عادة لا يحصل بضربة واحدة
ظاهرا، بل بأكثر من ذلك، وهو معنى قوله م: (لأن القتل في الأعم) ش: أي أعم
الأحوال م: (يقع بضربات متعاقبة) ش: فيجعل الثاني متمما للأول ويجعل الكل
قتلًا واحدا.
م: (وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح، إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل
واحد حكم نفسه وقد تعذر الجمع في هذه الفصول) ش: المذكورة م: (في الأولين)
ش: أي في الفصلين الآخرين وعدم إمكان الجمع م: (لاختلاف حكم الفعلين) ش:
كما إذا كان القطع خطأ، والقتل عمدا أو على العكس.
(13/132)
وفي الآخرين لتخلل البرء، وهو قاطع للسراية
حتى لو لم يتخلل، وقد تجانسا بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع لإمكان الجمع
واكتفى بدية واحدة وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده فإن
شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه. وهذا عند أبي
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يقتل ولا تقطع يده لأن الجمع ممكن
لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما. وله: أن الجمع متعذر إما
للاختلاف بين هذين الفعلين؛ لأن الموجب القود وهو يعتمد المساواة في الفعل،
وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع، وهو متعذر، أو لأن الحز يقطع
إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الآخرين) ش: أي وفي الفصلين الآخرين عدم إمكان الجمع م: (لتخلل
البرء، وهو) ش: أي تخلل البرء م: (قاطع للسراية حتى لو لم يتخلل) ش: لأن
بتخلل البرء ينتهي الفعل الأول لانتهاء أثره فلا يمكن جعل الثاني متمما
للأول م: (وقد تجانسا) ش: أي الفعلان م: بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع
لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة، وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن
تبرأ يده، فإن شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه،
وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
رواية، وأبو ثور.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: مقتله م: (يقتل ولا تقطع يده) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
رواية. وبه قال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما) ش: لأن
الثاني يصبح متمما للأول؛ لأن القطع يصلح مزهقا للروح بالسراية، والقتل
متمما له قبل تخلل البرء، م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: م: (أن الجمع متعذر) ش: معنى الجمع هنا الاكتفاء بالقتل م: (إما
للاختلاف بين هذين الفصلين) ش: أي القتل والقطع يعني بالنظر إلى صورتهما،
وإن كانا عمدين، وإنما قلنا بالنظر إلى صورتهما لأن القطع إبانة لتجزأته عن
الجملة ويسلك مسلك الأموال. والقتل إزهاق الروح م: (لأن الموجب) ش: الفعلين
م: (القود وهو) ش: أي القود م: (يعتمد المساواة في الفعل) ش: قال الله
تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
[النحل: 126] وقال: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .
م: (وذلك) ش: أي اعتماد المساواة م: (بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع،
وهو) ش: أي القود الذي يعتمد المساواة م: (متعذر) ش: لأنه يكون استيفاء
الفعلين في فعل واحد، والتعذر فيه ظاهر م: (أو لأن الحز) ش: أي حز الرقبة
م: (يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من
(13/133)
شخصين: يجب القود على الحاز. فصار كتخلل
البرء، بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا خطأين.
لأن الموجب الدية وهي بدل النفس من غير اعتبار المساواة، ولأن أرش اليد
إنما يجب عند استحكام أثر الفعل وذلك بالحز القاطع للسراية فيجتمع ضمان
الكل وضمان الجزء في حالة واحدة، ولا يجتمعان. أما القطع والقتل قصاصا
يجتمعان.
قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة؛
لأنه لما برأ منها لا تبقى معتبرة في حق الأرش، وإن بقيت معتبرة في حق
التعزير فبقي الاعتبار للعشرة. وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل على
أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شخصين يجب القود على الحاز فصار كتخلل البرء) ش: ولا جمع فيه بالاتفاق م:
(بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا) ش: أي القتل
والقطع م: (خطأين لأن الموجب الدية وهو بدل النفس من غير اعتبار المساواة)
ش: بدليل أن عشرة لو قتلوا رجلًا خطأ: يجب عليهم دية واحدة.
م: (ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل) ش: يعني القطع بانقطاع
توهم السراية م: (وذلك) ش: إنما يكون م: (بالحز القاطع للسراية) ش: وبه يجب
ضمان الكل م: (فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة) ش: وهي حالة
الجزء.
م: (ولا يجتمعان) ش: أي والحال أنهما لا يجتمعان م: (أما القطع والقتل
قصاصا يجتمعان) ش: لأن مبنى العمد على التغليظ والتشديد، ولهذا تقتل
الجماعة بالواحد، وليس كذلك الخطأ لأن مبناه على التحقيق، وهذا لا تتعدد
الدية بتعدد القاتلين.
[ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من
عشرة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في - الجامع الصغير -: م: (ومن
ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة) ش: ومعنى
هذا ضربه في موضع تسعين، وفي موضع آخر عشرة فبرأ موضع التسعين ولم يبرأ
موضع العشرة م: (لأنه لما برأ منها) ش: أي من التسعين م: (لا تبقى معتبرة
في حق الأرش) ش: لأنه لما لم يبق أثر جعل كأنها لم توجد في حق الضمان. م:
(وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة) ش: فلا يجب إلا دية
واحدة.
م: (وكذلك) ش: أي الجواب في م: (كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل) ش: مثل
إن كانت شجة فالتحمت ونبت الشعر، فإنها لا تبقى معتبرة لأن حق الأرش ولا في
حكومة عدل وإنما تبقى في حق التعزير، م: (على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: إنما قيد بقوله، ولم يبق لها أثر حتى لو بقي أثر الجراحة من
نقصان أو غيره، تجب حكومة العدل بلا خلاف لأحد، أما إذا لم يبق أثر لأنه لا
قيمة بمجرد الألم، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
(13/134)
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في
مثله حكومة عدل. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب.
وإن ضرب رجلا مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة العدل لبقاء الأثر،
والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ألا ترى أنه لو ضربه، أو لطمه، أو وكزه فتألم، ولم يؤثر فيه، لا يجب شيء،
ذكره المحبوبي وهو ظاهر الجواب وعليه التقرير.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في مثله: حكومة عدل) ش: وتفسير
حكومة العدل يجيء في آخر فصل الشجاج.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب) ش: وثمن الأدوية،
وذكر الاختصاص في الضربة واللطمة بالسوط لأنه لا يمكن اعتبار المساواة إلا
إذا رضي الضارب به فيستوي؛ لأن الامتناع لحقه كيلا يكون يستوفي منه بأكثر
مما جنى عليه، فإذا رضي فقد أسقط حقه من الزيادة. وفي" النوازل ": قال
لآخر: خبيث جاز له أن يقول: بل أنت، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ
اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:
148] ، وكذا في كل كلمة لا يجب الحد.
وقيل: معنى الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر
عليه. كذا ذكره التمرتاشي.
[ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر]
م: (وإن ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة عدل) ش: هذه من
مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن
يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرجل
يضرب الرجل مائة سوط فيجرحه ويبرأ منها، قال: على الضارب أرش الضرب. انتهى.
وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: وهذا إذا بقي أثر الضرب،
فإن لم يبق، لا يجب شيء عند أبي حنيفة كما في المسألة المتقدمة، وهذا إذا
جرح ثم برأ، فأما إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق.
وقال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعرف الضرب بأنه لو كان عبدا لم ينقص
من قيمته، فيجب عليه الدية، ذلك المقدار م: (لبقاء الأثر، والأرش إنما يجب
باعتبار الأثر في النفس) ش: إذا لم يبرأ وليس بموجود.
وهذا يشير إلى أنه إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق، وإن جرح،
واندمل ولم يبق لها أثر فكذلك كما هو أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
لأنه لم يكن إلا بمجرد الألم وهو لا يجب شيئا كما لو ضربه ضربا مؤلمًا.
(13/135)
قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن
القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما
يحدث منه ثم مات من ذلك: فهو عفو عن النفس. ثم إن كان خطأ فهو من الثلث،
وإن كان عمدا فهو من جميع المال. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وقالا: إذا عفي عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا
عن الشجة ثم سرى النفس ومات، لهما: أن العفو عن القطع عفو عن موجبه،
وموجبه: القطع لو اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه عفوا عن أحد
موجبيه أيهما كان، ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فيكون العفو عن
القطع عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفا عن الجناية، فإنه يتناول الجناية
السارية والمقتصرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات
من ذلك]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية
في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك، فهو عفو) ش: أي عفو
م: (عن النفس) ش: سواء عفا بلفظ العفو أو الوصية.
وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وطاوس - رحمهما الله -، والحسن -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقتادة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأوزاعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -. وقال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال عفوت عن
الجناية وما يحدث منها، ففيها قولان: أحدهما: لا يصح فيجب دية النفس إلا
دية الجرح. والثاني: أنه يصح فإن جرحت من الثلث سقط، وإلا سقط منها ما يخرج
من الثلث، ووجه الباقي، والقول الثاني ليس بوصية لأنه إسقاط في حق الجناية،
فلا يصح، ويلزمه دية النفس إلا دية الجرح.
م: (ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال وهذا) ش:
قوله م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عفي عن القطع فهو
عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا عن الشجة ثم سرى إلى النفس
ومات) ش:، وكذلك الاختلاف في الضرب والشجة والجراحة وما أشبه ذلك، وكذلك
الاختلاف في الصلح والتزوج.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن العفو عن القطع
عفو عن موجبه) ش: لأن نفس الفعل لا تحمل العفو، وموجبه أحد الشيئين: ضمان
النفس إن سرى، وضمان الطرف إن اقتصر، وهو معنى قوله: م. (وموجبه القطع لو
اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه) ش: أي عن القطع م: (عفوا عن أحد
موجبيه أيهما كان) ش: أي أيهما يوجد.
م: (ولأن اسم القطع يتناول) ش: المقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن أحد
نوعيه، أي أحد نوعي القطع وهما: م: (الساري والمقتصر فيكون العفو عن القطع
عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفيا عن الجناية؛ فإنه يتناول الجناية السارية
والمقتصرة) ش: بلا خلاف.
(13/136)
كذا هذا، وله: أن سبب الضمان قد تحقق وهو
قتل نفس معصومة متقومة، والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه عفا عن القطع وهو
غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه، وكان
ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد إلا أن في الاستحسان
تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود. ولا نسلم أن الساري
نوع من القطع، أن السراية صفة له، بل الساري قتل من الابتداء، وكذا لا موجب
له من حيث كونه قطعا، فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه اسم
جنس، وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية
والقتل. ولو كان القطع خطأ فقد أجراه مجرى العمد في هذه الوجوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كذا هذا، وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن سبب
الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه
عفا عن القطع وهو غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن
نوجب ضمانه) ش: أي ضمان القتل.
م: (وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد، إلا أن في
الاستحسان تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود) ش: أي
الشبهة مسقطة للقصاص.
م: (ولا نسلم) ش: هذا جواب عن قولهما: فيكون العفو عفوا عنه، أي لا نسلم م:
(أن الساري نوع من القطع، وأن السراية صفة له) ش: قيل فيه نظر، فإنه منع
كون السراية صفة له، يقال: سرى القطع وقطع سار، فكيف يصح؟ ففي ذلك أجيب
عنه: بأن المراد صفة منوعة وهي ليست كذلك، بل هي مخرجة عن حقيقتها، كما
يقال: عصير مسكر.
م: (بل الساري قتل من الابتداء) ش: هذا إضراب عن قوله: نوع من القطع، وذلك
أن القتيل فعل مزهق للروح، وبه عرفنا أنه كان قتلًا.
م: (وكذا لا موجب له) ش: أي للقطع الساري م: (من حيث كونه قطعا) ش: لأنه
إذا سرى ومات تبين أن هذا القطع لم يكن له موجب أصلًا، إنما الثابت موجب
القتل وهو الدية فكان العفو المضاف إلى القطع، مضاف إلى غير محله فلا يصح،
وإذا لم يصح العفو عن القطع لا يكون عفوا عن القطع، وهو معنى قوله: م: (فلا
يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه) ش: أي لأن لفظ الجناية م: (اسم
جنس) ش: يتناول الساري وغيره.
م: (وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية
والقتل) ش: وهذا ظاهر م: (ولو كان القطع خطأ فقد أجراه) ش: أي فقد أجراه
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (مجرى العمد في هذه الوجوه) ش: وهو العفو عن
القطع مطلقا وما يحدث منه، والعفو عن
(13/137)
وفاقا وخلافا آذن بذلك إطلاقه إلا أنه إن
كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن موجب العمد
القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا أوصى بإعارة
أرضه. أما الخطأ فموجبه المال، وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشجة والعفو عن الجناية م: (وفاقا) ش: أي من حيث الوفاق أي الاتفاق وهو في
موضعين أحدهما: أن العفو عن القطع وما يحدث منه عفو عن الدية بالاتفاق فيما
إذا كان القتل خطأ، والثاني: العفو عن الجناية فإنه عفو عن الدية أيضا م:
(وخلافا) ش: أي من حيث الخلاف بين، أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين
صاحبيه، وهو أيضا في موضعين: أحدهما: أن العفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية
عندهما إذا كان خطأ، وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لا غيره،
والثاني: أن العفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما.
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن أرش الشجة لا غير م: (آذن) ش:
بالمد أي أعلم وهو فعل ماض من الإيذان م: (بذلك إطلاقه) ش: أي إطلاق محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " حيث قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة
يده، لأنه ذكره مطلقا من غير وصف العمدية والخطأ.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قلت: الوضع في القتل العمدية
بدليل قوله: فعلى القاطع الدية في ماله، فلا يكون مطلقا.
قلت: الوضع مطلق، إلا أن قوله: فعلى القاطع الدية في ماله جواب لأحد نوعيه،
أي عليه الدية في ماله إن كان عمدا.
م: (إلا أنه إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن
موجب العمد القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا
أوصى بإعارة أرضه. أما الخطأ فموجبه المال وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من
الثلث) ش: يعني أنه إذا تبرع بمنافع أرضه في مرضه بالعارية وانتفع بها
المستعير ثم مات المعير، ذلك من جميع المال لأن المنافع ليست بأموال.
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه:
الأول: أن القصاص مورث بالاتفاق فكيف لم يتعلق به حق الورثة؟
الثاني: أن الوصية بإعارة أرضه باطلة ولئن صحت. فحكمه الثاني، يسكن الموصى
له يوما والورثة يومين إن لم يقبل القسمة، وإن قبلها تقرر بالثلث للموصى
له.
والثالث: أن المنافع أموال فكيف صارت نظير المالين بمال؟ .
(13/138)
قال: وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على
يده ثم مات فلها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ، وإن كان عمدا
ففي مالها. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن العفو عن اليد
إذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما
يحدث منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب عن الأول: أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفى تعلق حق الورثة به لا
لكونه موروثا، ولا تنافي بينهما لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة،
وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل، والقياس في المال أيضا: أن لا يثبت فيه
تعلق حقهم ألا يتكففون الناس وتركهم أغنياء، إنما يتحقق تعلق حقهم بما
يتعلق التي وهو المال، فلو لم يتعلق به لتصرف فيه فتركهم بماله يتكففون
الناس. والقصاص ليس بمال، فلا يتعلق به لكنه مورث؛ لأن الإرث خلافة ذي نسب
الميت الحقيقي أو الحكمي أو نكاحه أو ولاية حقيقة أو حكما في ماله أو حق
قابل له بعد موته.
وعن الثاني: بأن المراد من قوله: " أوصى " تبرع كما عبرنا عنه آنفا والوصية
تبرع خاص، فيجوز أن يستعار لمطلقه.
وعن الثالث: أن المنافع أموال إذا كانت في عقد فيه معاوضة.
وقوله: " فيعتبر من الثلث " فيه إشكال وهو أنه إذا اعتبره من الثلث كان
وصية. والقاتل من العاقلة، والوصية للقاتل باطلة، فيجب أن لا يصح في حصته.
وأجيب: بأن المجروح لم يقل أوصيته بثلث الدية، وإنما عفا عن المال بعد سبب
الوجوب فكان تبرعا مبتدأ ولا مانع عنه، ألا ترى أنه لو وهب له شيئا وسلم
جاز.
[قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قطعت المرأة يد
رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها، وعلى عاقلتها الدية إن كان
خطأ، وإن كان عمدا ففي مالها) ش:.
قوله: " على يده ": أي على موجب يده وقيد بقوله ثم مات الزوج في وجوب مهر
المثل لأنه إذا لم يمت فتزوجها على اليد صحت التسمية، ويصير الأرش اليد
مهرا لها بالإجماع سواء كان القطع عمدا أو خطأ، فتزوجها على القطع وما يحدث
منه أو على الجناية لأن لما برأ تبين أن موجبها الأرش دون القصاص، لأن
القصاص لا يجري في الأطراف بين الرجل والمرأة عندنا، والأرش يصلح صداقا،
كذا ذكره المحبوبي وقاضي خان - رحمهما الله.
م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الحكم عنده م:
(لأن العفو عن اليد إذًا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد
لا يكون تزوجا على ما يحدث منه) ش: فيكون ما
(13/139)
ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على
القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط
فيجب مهر المثل، وعليها الدية في مالها؛ لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو
على ما نبين إن شاء الله تعالى، لكن عن القصاص في الطرف في هذه الصورة وإذا
سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو، فتجب الدية وتجب في مالها لأنه
عمد، والقياس: أن يجب القصاص على ما بيناه، وإذا وجب لها مهر المثل وعليها
الدية تقع المقاصة إن كانا على السواء، وإن كانا في الدية فضل ترده على
الورثة، وإن كان في المهر فضل ترده الورثة عليها، وإذا كان القطع خطأ يكون
هذا تزوجا على أرش اليد، وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن
المسمى معدوم، فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها،
ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ والمهر لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لها من المهر غير ما عليها مما يحدث منه م: (ثم القطع إذا كان عمدا يكون
هذا تزوجا على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على
تقدير السقوط) ش: أي سقوط القصاص م: (فيجب مهر المثل، وعليها الدية في
مالها) ش:.
فإن قيل: قبولها التزوج يتضمن العفو، والعفو لا يتضمن، فلا يجب عليها
الدية.
فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأن التزوج وإن كان يتضمن
العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى قوله: وقد رضي بسقوط
حقه م: (لكن عن القصاص) ش: أي لكن يتضمن العفو عن القصاص م: (في الطرف في
هذه الصورة) ش: أي فيما نحن فيه م: (وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم
يتناوله العفو) ش: بمعنى العفو لم يتعرض لذلك م: (فتجب الدية وتجب في مالها
لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل العمد م: (والقياس أن يجب القصاص على ما
بيناه) ش: يريد به قوله لأنه هو الموجب العمد.
م: (وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية) ش: أي والحال أن عليها الدية م:
(تقع المقاصة إن كانا) ش: أي مهر المثل والدية م: (على السواء فإن كانا في
الدية فضل ترده) ش: أي ترده المرأة (على الورثة) ش: أي على ورثة الميت م:
(وإن كان) ش: أي الفضل م: (في المهر فضل ترده الورثة عليها) ش: أي على
المرأة م: (وإذا كان القطع خطأ يكون هذا) ش: أي التزوج م: (تزوجا على أرش
اليد وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر
المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها) ش: أي والحال أنه لا
شيء في اليد. م: (ولا يتقاصان) ش:. أي لا يتقاص ما على الزوج من مهر المثل،
وما على المرأة من الدية لاختلاف الذمم. م: (لأن الدية تجب على العاقلة في
الخطأ) ش: والقتل هنا خطأ. م: (والمهر لها) ش: أي ويجب مهر المثل هنا، ولا
يتقاصان، وإنما تكون المقاصة إذا اتحدت الذمة في الوجوب لها وعليها، كما
إذا قطعت عمدا أو
(13/140)
قال: ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو
على الجناية ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على
القصاص وهو لا يصلح مهرا فيجب مهر المثل على ما بيناه. وصار كما إذا تزوجها
على خمر أو خنزير ولا شيء له عليها لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي
بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا كما إذا أسقط القصاص بشرط أن يصير مالا فإنه
يسقط أصلا، وإن كان خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها. ولهم ثلث ما ترك وصية؛
لأن هذا تزوج على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سرى إلى النفس؛ لأن الدية تجب عليها لا على العاقلة لأنه عمد، والمهر لها
أيضا؟ فاتحدت الذمة فوقعت المقاصة.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م:
(ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية) ش: أي أو تزوجها على
الجناية أو على الجراحة، م: (ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها)
ش:. وفي بعض النسخ: فلها مهر مثلها م: (لأن هذا تزوج على القصاص وهو) ش: أي
القصاص م: (لا يصلح مهرا) ش: فإذا كان كذلك م: (فيجب مهر المثل على ما
بيناه) ش: وفي بعض النسخ فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص، وهو أي
القصاص لا يصلح مهرًا فإذا كان كذلك فيجب مهر المثل لأنه سمى ما لا يصلح
مهرا.
م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير) ش: حيث يجب مهر
المثل في هذا م: (ولا شيء له عليها) ش: أي على المرأة، لا القصاص ولا
الدية، وهذا هو فائدة التعميم بقوله: ولا شيء. 50 م: (لأنه لما جعل القصاص
مهرا فقد رضي بسقوطه بجهة المهر) ش: هذا كان جوابا لما قال: ينبغي أن يجب
القصاص لأنه ما رضي بسقوطه مطلقا بل بسقوطه من جهة المهر، وحاصل الجواب أنه
جعل القصاص مهرا فقد سمى ما لا يصلح مهرا.
م: (فيسقط أصلًا كما إذا سقط القصاص بشرط أن يصير مالا) ش: أي بشرط أن يصير
القصاص مالا بأن يقول أسقطت القصاص بشرط أن يصير مالًا م: (فإنه يسقط) ش:
أن يكون م: (أصلًا) ش: إن مضى كلامه م: (بشرط أن يصير الدم مالًا فإنه يسقط
أصلًا) ش: والدم ليس بمال في دين سماوي، فكان شرطا باطلًا فصار إسقاطا
مطلقا م: (وإن كان) ش: أي القطع م: (خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها) ش: أي
قدر مثلها.
م: (ولهم) ش: أي وللعاقلة م: (ثلث ما ترك) ش: أي الميت من الدية م: (وصية)
ش: أي من حيث الوصية لهم م: (لأن هذا) ش: أي التزوج على اليد، وما يحدث
منها، م: (تزوج على
(13/141)
الدية وهي تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر
المثل من جميع المال؛ لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية، ولا
يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة، فيكون وصية. فيرفع عن
العاقلة لأنهم يتحملون عنها، فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها، وهذه
الزيادة وصية لهم لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فإن كانت تخرج
من الثلث تسقط، وإن لم تخرج يسقط ثلثه. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله
-: كذلك الجواب فيما إذا تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث
منه عندهما، فاتفق جوابهما في الفصلين.
قال: ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فإنه يقتل المقتص منه لأنه تبين
أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب
سقوط القود كمن له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدية، وهي) ش: أي الدية م: (تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع
المال لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية) ش: والمريض إذا
تزوج امرأة بمال كان لها مقدار مهر مثلها م: (ولا يصح في حق الزيادة على
مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية) ش: لها، والوصية للقاتل لا تصح م:
(فيرفع عن العاقلة) ش: أي قدر مهر مثلها.
م: (لأنهم) ش: أي لأن العاقلة م: (يتحملون عنها) ش: ولا يتحملون لها م:
(فمن المحال أن ترجع) ش: أي المرأة م: (عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة
وصية لهم) ش: أي للعاقلة م: (لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة،
فإن كانت) ش: أي الزيادة م: (تخرج من الثلث تسقط) ش: عنهم.
م: (وإن لم تخرج) ش: من الثلث م: (يسقط ثلثه) ش: أي ثلث ما زاد وعلى مهر
المثل إلى تمام الدية ويردون ما بقي إلى الورثة واعلم أن هذا كله من قوله:
وإذا قطعت المرأة يد رجل، إلى هنا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وأما قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: فهو ما أشار إليه بقوله: م:
(وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: فهو ما أشار إليه بقوله م: (كذلك
الجواب) ش: أي كجواب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما إذا تزوجها
على اليد) ش: أي موجب اليد م: (لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما،
فاتفق جوابهما في الفصلين) ش: أي فيما لو تزوجها على اليد إذا كان القطع
خطأ، وفيما إذا تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية، وعبر
"بالفصلين" باعتبار المتفق والمختلف وإلا فالفصول ثلاثة.
[قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات) ش: أي المقطوعة يده م: (فإنه يقتل
المقتص منه) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد،
وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن له
(13/142)
القود إذا استوفى طرف من عليه القود. وعن
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على
القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول: إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه
فيه، وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به.
قال: ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض
فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا
شيء عليه لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا لأنه استحق إتلاف النفس بجميع
أجزائها، ولهذا لو لم يعف لا يضمنه، وكذا إذا سرى وما برأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القود) ش: أي حق القصاص م: (إذا استوفى طرف من عليه القود) ش: فإنه لا يسقط
حقه من القصاص.
(وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم
على القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول) ش: أي في الجواب عما قاله أبو
يوسف م: (إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه) ش: يعني في حق اليد م:
(وبعد السراية) ش: أي بعد سراية القطع إلى الموت م: (تبين أنه) ش: أي أن
حقه م: (في القود فلم يكن مبرئا عنه) ش: أي عن القود م: (بدون العلم به) ش:
أي بدون حقه في القود.
[قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا]
م (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض: فعلى
قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد،
ولو قتله لا شيء عليه عنده. وعند أحمد: عليه الدية، وعند مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: عليه القصاص.
م (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش:
لا القصاص ولا الدية. وبه قال الشافعي م: (لأنه استوفى حقه فلا يضمنه،
وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه استحق إتلاف النفس بجميع أجزائها) ش: لأن
اليد كانت جميعا للولي تبعا للنفس فبطل حقه بالنفس مما بقي لا مما استوفى.
م (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه إتلاف النفس بجميع أجزائه م: (لو لم يعف لا
يضمنه) ش: أي لو لم يعف وسرى لا يجب الضمان عليه، هذا إلزام على أبي حنيفة
لا على أحمد ومالك؛ لأنهما قالا بضمان اليد بعد الاستيفاء، ويدل عليه أحكام
منها قوله:
م: (وكذا إذا سرى) ش: أي بعد العفو م: (وما برأ) ش: تأكيد لقوله: إذا سرى -
أي لم - يعف، وسرى.
(13/143)
أو ما عفا وما سرى، أو قطع ثم حز رقبته قبل
البرء أو بعده؛ وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا، لا
يضمن الأصابع. وله: أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا قطع وإبانة،
وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فإن له أن يتلفه تبعا، وإذا
سقط وجب المال، وإنما لا يجب في الحال؛ لأنه يحتمل أن يصير قتلا بالسراية
فيكون مستوفيا حقه، وملك القصاص في النفس ضروري لا يظهر إلا عند الاستيفاء
أو العفو أو الاعتياض لما أنه تصرف فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها قوله: م: (أو ما عفا) ش: يعني قطع وما عفا م: (وما سرى) ش: يعني ما
ظهر حاله بعد القطع.
ومنها قوله: م: (أو قطع ثم حز رقبته قبل البدء أو بعده) ش: لا يضمن م:
(وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا) ش: عن الكف م: (لا
يضمن الأصابع) ش: فكذا في الطرف مع النفس، وهذا لأن حقه ثابت في النفس، وكل
حق ظهر في النفس يظهر في حق الأطراف طبعا لأنهما من جملة النفس.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة: م: (أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا
قطع وإبانة) ش: القطع هو الإبانة، والقتل إزهاق بينهما مغايرة.
م: (وكان القياس أن يجب القصاص) ش: يعني في اليد م: (إلا أنه سقط للشبهة)
ش: أي غير أن القصاص سقط للشبهة، وعلل الشبهة بقوله: م: (فإن له أن يتلفه
تبعا) ش: أي يتلف الطرف تبعا للنفس.
م: (وإذا سقط) ش: أي القصاص م: (وجب المال، وإنما لا يجب) ش: أي المال م:
(في الحال) ش: هذا جواب عما يقال لما سقط القصاص ووجب المال كان ينبغي أن
يثبت المال في الحال، ولا يتوقف على البرء كما في الجنايات.
فأجاب بقوله: م: (لأنه يحتمل أن يصير قتلًا بالسراية فيكون مستوفيا حقه) ش:
فلا يبقى له شيء م: (وملك القصاص في النفس ضروري) ش: هذا جواب عن قولهما
إنه استوفى حقه فقال: ليس كذلك؛ لأن ثبوت القصاص لما كان ضروريا لثبوته مع
المنافي، وهو الحرمة لأن الآدمي بنيان الرب، فلا يحل تخريبه.
فإذا كان كذلك م: (لا يظهر) ش: إلا في أحوال ثلاثة، أشار إليها بقوله م:
(إلا عند الاستيفاء) ش: وهو استيفاء النفس بالقصاص. م: (أو العفو أو
الاعتياض) ش: عنه وهو عفو من وجه م: (لما أنه تصرف فيه) ش: أي لما أن كل
واحد من هذه الأشياء الثلاثة تصرف في القاتل، فلا يجوز التصرف بغيرها..
(13/144)
فأما قبل ذلك لم يظهر لعدم الضرورة بخلاف
ما إذا سرى لأنه استيفاء. وأما إذا لم يعف وما سرى. قلنا: إنما تبين كونه
قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا، وبرأ، الصحيح إنه على هذا الخلاف.
وإذا قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء، ولو حز بعد البرء فهو على هذا
الخلاف هو الصحيح، والأصابع وإن كانت تابعة قياما بالكف، فالكف تابعة لها
عرضا بخلاف الطرف لأنها تابعة للنفس من كل وجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فأما قبل ذلك) ش: أي قبل التصرف بهذه الأشياء الثلاثة م: (لم يظهر) ش:
أي ملك القصاص م: (لعدم الضرورة) ش: أي إظهاره. فإذا كان الملك عندما قبل
الاستيفاء في حق المحل، فلا يظهر في الأطراف قبل الاستيفاء. إذ القتل به
الاستيفاء بحكم، إلا أن بظهوره في حق الأطراف فلم يكن هذا الاستيفاء لحقه.
م: (بخلاف ما إذا سرى) ش: جواب عن قولهما: "وكذا إذا سرى" أي القطع.
م: (لأنه استيفاء وأما إذا لم يعف وما سرى) ش: جواب عن قولهما: أو ما عفا،
وما سرى.
م: (قلنا إنما تبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا وبرأ،
الصحيح أنه على هذا الخلاف) ش: فلا يكون مستشهدا به. وقال الإمام علاء
الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قطع وما عفا وبرأ اختلف المشايخ فيه،
والصحيح أنه على الخلاف.
م: (وإذا قطع ثم حز رقبته) ش: جواب عن قولهما: أو قطع ثم حز رقبته إلى
آخره، تقرير الجواب: أن حزه الرقبة إن كان م: (قبل البرء فهو استيفاء) ش:
فلا يضمن لأن الطرف صار مستحقا في حق القتل وهذا الفعل صار قتلًا. م: (ولو
حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح) ش: أي كونه على الخلاف هو
الصحيح فلا يكون مستشهدا به.
م: (والأصابع وإن كانت تابعة) ش: جواب عن قولهما: وصار كما إذا كان له قصاص
في الطرف. . . إلى آخره. تقديره: أن الأصابع وإن كانت تابعة، يعني للكف حال
كونها م: (قياما بالكف) ش: من حيث إنها تقوم بالكف م: (فالكف تابعة لها) ش:
أي للأصابع م: (عرضا) ش: أي من حيث العرض لأن منفعة البطش تقوم بالأصابع،
والكف كالشرط له. وهو اختيار بعض المشايخ، فإنهم تبرعوا بالفرق.
ومنعه صاحب " الأسرار " وقال: لا نسلم أنه لا يلزمه ضمان الأصابع، بل يلزمه
إذا عفي عن الكف.
م: (بخلاف الطرف) ش: مع النفس م: (لأنها تابعة للنفس من كل وجه) ش: فلم يكن
مستحقا أصلًا فكان قطع اليد قطعا بغير حق، فوجب الضمان.
(13/145)
قال: ومن له القصاص في الطرف إذا استوفاه
ثم سرى إلى النفس ومات، يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
-، وقالا: لا يضمن لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف
السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه،
فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور بقطع اليد. وله: أنه قتل بغير حق؛
لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلا، ولهذا الوقع ظلما كان قتلا. ولأنه جرح
أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة، وهو مسمى القتل. إلا أن القصاص سقط
للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛ لأنه مكلف فيها بالفعل
إما تقليدا كالإمام أو عقدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: أي في الأصل، لأن هذه من مسائل الأصل ذكرها تفريعًا، وليست بمذكورة في
البداية، فعلى هذا لم يقع لفظ.
[من له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى
النفس ومات]
م: (قال) ش: في أول المسألة مناسبًا م: (ومن له القصاص في الطرف إذا
استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن) ش:.
وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد؛ م: (لأنه استوفى حقه وهو
القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ
الاحتراز عن السراية ليس في وسعه، فصار كالإمام) ش: أي القاضي، إذا قطع يد
السارق ومات من ذلك.
م: (والبزاغ) ش: من بزغ البيطار الدابة شقها بالمبزغ، وهو مثل شرط الحجام
م: (والحجام) ش: هو الذي يحجم م: (والمأمور بقطع اليد) ش: إذا مات المقطوع،
لأن كل واحد من هؤلاء مأذون بما فعله فلا يوصف بالتعدي، فلا يضمن.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن
القاطع م: (قتل بغير حق؛ لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلًا، ولهذا الوقع
ظلمًا) ش: أي ولكونه قطعا بغير حق لو وقع هذا القطع ظلما من غير قصاص، وسرى
إلى النفس م: (كان قتلًا) ش: موجبا للقصاص أو الدية في حق النفس.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن هذا الفعل م: (جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى
العادة) ش: يعني أن الموت من الجرح ليس على خلاف العادة وهو مسمى القتل، أي
الجرح الذي يقضي فوات الحياة هو المسمى بالقتل، وكان القياس أن يكون فيه
القصاص.
م: (إلا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛
لأنه) ش: أي لأن الذي باشر فكان فيها أي في المسائل م: (مكلف فيها بالفعل
إما تقليدا) ش: أي من حيث التقلد م: (كالإمام) ش: فإنه إذا تقلد وجب عليه
أن يحكم. م: (أو عقدا) ش: أي من حيث العقد م:
(13/146)
كما في غيره منها، والواجبات لا تتقيد بوصف
السلامة كالرمي إلى الحربي. وفيما نحن فيه لا التزام ولا وجوب. إذ هو مندوب
إلى العفو فيكون من باب الإطلاق فأشبه الاصطياد والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(كما في غيره) ش: أي غير الإمام وهو البزاغ والحجام والختان م: (منها) ش:
أي المسائل م: (والواجبات) ش: أي الأمور التي يجب فعلها م: (لا تتقيد بوصف
السلامة كالرمي إلى الحربي) ش: فإنه إذا رمى إلى الحربي فأصاب أسيرا مسلما
لم يضمن.
م: (وفيما نحن فيه) ش: بأن الاستيفاء م: (لا التزام) ش: من الذي فعل م:
(ولا وجوب) ش: من حيث الشرع م: ((إذ هو مندوب إلى العفو) ش: قال الله
تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] .
م: (فيكون من باب الإطلاق) ش: أي الإباحة م: (فأشبه الاصطياد) ش: فإنه إذا
رمى إلى صيد فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا.
فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين المستعير والمستأجر، ويعلم ضرب الصبي بإذن
الأب، فمات. وقاطع يد حربي أو مرتد أسلم بعد القطع، فإنه لا يجب على
المستعير والمستأجر الركوب إذا نفقت الدابة منه، وعلى المعلم والقاطع ضمان
وهاهنا يجب إذا سرى؟ .
وأجيب: بأن في الثلاثة الأول حصل سبب الهلاك بإذن فنقل إلى الآذن، ولو أهلك
المالك دابته لم يجب عليه شيء، فكذا إذا أذن بسبب الهلاك.
والأب إذا قتل ابنه يجب عليه الدية، فكذلك هنا، بخلاف القصاص فإنه يقع
بالملك دون الإذن.
ولما قطع وسرى كان القطع قتلًا وليس له ملك القتل، فكان متصرفا في غير ملكه
وهو يوجب الضمان.
وأما الرابع: فلأن القطع مع السراية يصير قتلًا من الابتداء، ولو وقع
ابتداء وقع القتل قبل الإسلام في مباح الدم، وذلك لا يوجب الضمان، فكذا إذا
صار قتلًا في الانتهاء لأنه مستند إلى ابتداء القطع.
(13/147)
|