البناية
شرح الهداية باب الشهادة في القتل قال: ومن قتل وله
ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يعيد
البينة عند أبي حنيفة. وقالا: لا يعيد وإن كان خطأ لم يعدها بالإجماع وكذلك
الدين يكون لأبيهما على آخر. لهما في الخلافية: أن القصاص طريقه طريق
الوارثة كالدين وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في
المعوض كما في الدية. ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت، ولهذا يسقط بعفوه
بعد الجرح قبل الموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الشهادة في القتل]
[قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة
على القتل ثم قدم الغائب]
م: (باب الشهادة في القتل) ش: أي: هذا باب في بيان حكم الشهادة في القتل،
ولما كانت الشهادة فيه متعلقا بالقتل ذكرها بعد ذكر حكم القتل، لأنه لما
تعلق به صار كالتابع له.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب
فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة) ش: يعني إذا أقام الحاضر البينة أنه قتل
أباه عمدًا، قبلت البينة وحبس القاتل، فإذا حضر الغائب كلفا جميعا إعادة
البينة.
م: (وقالا لا يعيد) ش: وهو قياس الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م:
(وإن كان) ش: أي القتل م: (خطأ لم يعدها) ش: أي البينة م: (بالإجماع. وكذلك
الدين يكون لأبيهما على آخر) ش: لا يكلف بإقامة البينة بالإجماع، ويكون
الحاضر خصمًا عن نفسه وعن أخيه الغائب.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: أي
في المسألة الخلافية: م: (أن القصاص طريقه طريق الوراثة) ش: أي على معنى
أنه يثبت للميت أولًا، ثم ينتقل عنه إلى الوارث فصار م: (كالدين) ش: وثمة
أحد الورثة ينتصب خصمًا عن الميت في إثباته. ولهذا يحبس القاتل بهذه
البينة، لأن الوارث خصم في إثباته.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله، أي كونه بطريق الوراثة م: (لأنه) ش: أي لأن
القصاص م: (عوض عن نفسه) ش: أي نفس الميت، لأن النفس نفس م: (فيكون الملك
فيه) ش: أي في العوض م: (لمن له الملك في المعوض) ش: وهو النفس. م: (كما في
الدية) ش: إذا ادعى الحاضر الدية لم يكلف إعادة البينة بالاتفاق وإذا حضر
الغائب.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون طريق القصاص طريق الوراثة م: (لو انقلب) ش: أي
القصاص م: (مالا يكون للميت) ش: يقضى به دينه وينفذ منه وصاياه. م: (ولهذا)
ش: أي ولأجل ذلك م: (يسقط) ش: أي القصاص م: (بعفوه) ش: أي بعفو المجروح م:
(بعد الجرح قبل الموت) ش:
(13/148)
فينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين، وله:
أن القصاص طريقه طريق الخلافة دون الوراثة، ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد
الموت، والميت ليس من أهله بخلاف الدين والدية: لأنه من أهل الملك في
الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه. وإذا كان
طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد
حضوره. فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم ويسقط
القصاص، لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته
إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصما عن الغائب. وكذلك عبد بين
رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا لما بيناه.
قال: فإن كان الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا كان كذلك م: (فينتصب أحد الورثة خصمًا عن الباقين) ش: لأنهم كالوكلاء
عن الميت فينفر كل منهم بإثبات حقوقه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القصاص طريقه
طريق الخلافة دون الوراثة) ش: وهو أن يثبت الملك ابتداء للوارث دون المورث
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن
ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله) ش: أي من أهل القصاص، لأنه
شرع للتشفي ودرك الثأر كالعبد إذا نصب فإنه يثبت الملك للمولى ابتداء بطريق
الخلافة لأن العبد ليس بأهل للملك.
م: (بخلاف الدين والدية) ش: هذا جواب عن قولهما "كالدين " م: (لأنه) ش: أي
لأن الميت م: (من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد
بعد موته فإنه يملكه وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن
الباقين فيعيد) ش: أي الغائب م: (البينة بعد حضوره، فإن كان أقام القاتل
البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم) ش: أي الحاضر خصم في ذلك.
م: (ويسقط القصاص؛ لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا
يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب،
وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا) ش: الحكم
المذكور م: (لما بيناه) ش: وهو: أن القود مشترك بينهما، فالقاتل يدعي بطلان
حق الحاضر واتباعًا له، ولا يمكنه إثبات ذلك إلا بإثبات العفو عن الغائب،
فصار الغائب مقضيا عليه، ويحتمل أن يكون قوله: "على ما بيناه" من أن ملك
القود يثبت عندهما بطريق الوراثة؛ لأن العفو تبقى في حق الدم على أصل
الحرية وعنده بطريق الخلافة.
[الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه
قد عفا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (فإن كان
الأولياء ثلاثة) ش: أي وإن كان أولياء المقتول عمدًا ثلاثة النفس. م: (فشهد
اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا) ش: أي عن
(13/149)
فشهادتهما باطلة وهو عفو منهما لأنهما
يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما، وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما
القاتل فالدية بينهم أثلاثا. معناه إذا صدقهما وحده، لأنه لما صدقهما فقد
أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعى سقوط حق المشهود عليه، وهو
ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه، وإن كذبهما فلا شيء لهما وللآخر ثلث الدية
ومعناه إذا كذبهما القاتل أيضا، وهذا لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص
فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود
عليه مالا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في
حق المشهود عليه؛ لأن سقوط القود مضاف إليهما، وإن صدقهما المشهود عليه
وحده غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القصاص م: (فشهادتهما باطلة وهو عفو) ش: لأنهما زعما أن القود قد سقط
وزعمهما معتبر فيه.
م: (منهما لأنهما يجران) ش: هذا تعليل لقوله (فشهادتهما باطلة) ولم يذكر
تعليل قوله: وزعمهما معتبر في حقهما، ونحن ذكرناه الآن: أن الوليين من
الأولياء الثلاثة يجران م: (بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما وهو انقلاب القود
مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في " الجامع الصغير " أن جميع الدية للأولياء الثلاثة أثلاثًا
وتتأتى فيه القسمة الفعلية؛ لأنه إما أن يصدقهم القاتل، والمشهود عليه
جميعا أو يكذبهما أو يصدقهما القاتل دون المشهود عليه أو بالعكس، والمذكور
في الكتاب أولا: أن يصدقهما القاتل وحده وفيه الدية بينهم أثلاثًا.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه: إذا صدقهما وحده) ش: يعني إذا
صدق القاتل الشاهدين وحده ولم يصدق المشهود عليه بل كذبهما قيد به لأنه إذا
صدق المشهود عليه مع القاتل أيضًا سقط حقه في الدية لإقراره بالعفو. م:
(لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعي سقوط
حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه. وإن كذبهما) ش: أي وإن
كذبهما القاتل م: (فلا شيء لهما) ش: أي للشاهدين م: (وللآخر) ش: وهو
المشهود عليه م: (ثلث الدية، ومعناه إذا كذبهما القاتل) ش: والمشهود عليه
م: (أيضا) .
ش: وفي بعض النسخ: معناه: إذا كذبهما القاتل أيضًا، فعلى تلك النسخة يكون
تقدير قوله: "وإن كذبهما " أي المشهود عليه والأول أصح.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص
فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالًا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود
عليه مالًا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في
حق المشهود عليه، لأن سقوط القود مضاف إليهما وإن صدقهما المشهود عليه
وحده) ش: يعني وكذبهما القاتل م: (غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه
لإقراره له بذلك) ش:
(13/150)
بذلك. قال: وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم
يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القود إذا كان عمدا: لأن الثابت بالشهادة
كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه، والشهادة على قتل العمد
تتحقق على هذا الوجه، لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب
فراش حتى مات، وتأويله إذا شهدوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي لإقرار القاتل للمشهود عليه بذلك: أي بثلث الدية إذا أنكر عفو المشهود
عليه بعد انقلاب القصاص مالًا بشهادة صاحبه، ولكنه يصرف إلى الشاهد، وفي
بعض النسخ: ولكنه يصرف ذلك إلى الشاهدين وهذا استحسان.
والقياس: أن لا يلزمه شيء، لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت
لإنكاره، وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بتكذيبه، أي بتكذيب
المشهود عليه القاتل في إنكاره العفو، يعني لما صدق المشهود عليه الشاهدين،
صار تصديقه تكذيبًا منه للقاتل في إنكاره العفو بعدد بالقياس.
قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه الاستحسان أن القاتل بتكذيبه الشاهدين
أقر للمشهود عليه بثلث الدية، لزعمه أن القصاص سقط بدعواهما العفو على
الغائب، وانقلب نصيبه مالا. والغائب لما صدق الشاهدين في العفو فقد زعم أن
نصيبهما انقلب مالًا فصار مقرًا لهما، أو صار الغائب وهو المشهود عليه
بالعفو مقرًا للشاهدين بما أقر به القاتل، وهو ثلث الدية له، أي للغائب،
فيجوز إقراره بذلك بمنزلة ما لو أقر رجل لرجل بألف درهم، فقال المقر له هذه
الألف ليست لي ولكنها لفلان، جاز وصار الألف لفلان، وكذا هذا حاصله: أن من
أقر لإنسان بشيء فأقر المقر له لغيره لا يصير ردًا للإقرار، ولكن يتحول
الحق إلى المقر له الثاني.
[شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى
مات]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل) ش: أي المضروب م: (صاحب فراش) ش: يعني لم
يحصل له البرء أصلًا م: (حتى مات فعليه القود) ش: أي القصاص، إلى هنا لفظ
محمد في " الجامع ".
وقال المصنف م: (إذا كان عمدا) ش: احترز به عن الخطأ وتفسير العمد أن يضربه
عمدًا فيموت بسبب ذلك الضرب، حتى لو كان يوم ويذهب في حوائجه بعد الضرب لا
يقبل، وإن كان صاحب فراش بذلك الضرب ومات، فقد مات بذلك السبب فوجب الحكم
به.
م: لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه) ش:
في القتل العمد م: (والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه؛ لأن الموت
بسبب الضرب إنما يعرفه إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات. وتأويله) ش: أي
وتأويل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذا شهدوا) ش:
(13/151)
أنه ضربه بشيء جارح.
قال: وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام أو في البلد أو في الذي كان به
القتل فهو باطل لأن القتل لا يعاد ولا يكرر، والقتل في زمان أو في مكان غير
القتل في زمان أو في مكان آخر، والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني
عمد والأول شبه العمد ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل شهادة فرد. وكذا
إذا قال أحدهما: قتله بعصا، وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل؛
لأن المطلق يغاير المقيد. قال: وإن شهدا أنه قتله وقالا: لا ندري بأي شيء
قتله ففيه الدية استحسانا. والقياس أن لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهود أنه ضربه إلى آخره م: (أنه ضربه بشيء جارح) ش: يعني مثل السيف وما
يجري مجراه في تفريق الأجزاء لأن في غير ذلك لا يجب القود عند أبي حنيفة.
وإنما أول بذلك لتكون المسألة مجمعًا عليها، لا يقال: الضرب بسلاح قد يكون
خطأ، فكيف يجب القود) لأنا نقول: لما شهدوا أنه ضربه بسلاح ثبت العمد لا
محالة؛ لأنه كان خطأ لقالوا إنه قصد غيره فأصابه.
[اختلف شاهدا القتل في الأيام]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اختلف شاهدا القتل
في الأيام) ش: بأن قال أحد الشاهدين إنه قتل يوم الخميس، وقال الآخر: يوم
الجمعة م: (أو في البلد) ش: بأن قال أحدهما: (اقتله بالبصرة، وقال الآخر:
بالكوفة م: (أو في الذي كان به القتل) ش: أي واختلف في شيء الذي كان به
القتل أحدهما بالعصا. وقال الآخر: بالسيف م: (فهو باطل) ش: أي لا تسمع هذه
الشهادة م: (لأن القتل لا يعاد ولا يكرر) ش: (وهذا ظاهر.
م: (والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو في مكان آخر. والقتل
بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني) ش: أي القتل بالسلاح م: (عمد،
والأول) ش: أي القتل بالعصا م: (شبه عمد، ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل
شهادة فرد) ش: ولم يوجد الاتفاق من الشاهدين على قتل واحد فلم تقبل
شهادتهما.
م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا قال أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: (قتله بعصا،
وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل لأن المطلق يغاير المقيد) ش:
لأن المقضي به إن كان القتل بعصا فالدية على العاقلة، وإن كان المقضي به لا
يعلم فالدية في ماله. كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ
-.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهدا أنه قتله، وقالا:
لا ندري بأي شيء قتله، ففيه الدية) ش: لأن أحدهما - شهد بقتل معلوم لا يوجب
القصاص، والآخر بقتل محمول فلم يتفقا على قتل واحد، فإذا كان كذلك فعليه
الدية، م: استحسانا، والقياس: أن لا
(13/152)
تقبل هذه الشهادة، لأن القتل يختلف باختلاف
الآلة، فجهل المشهود به. وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس
بمجمل، فيجب أقل موجبيه وهو الدية، ولأنه يحمل إجمالهم في الشهادة على
إجمالهم بالمشهود عليه سترا عليه. وأولوا كذبهم في نفي العلم بظاهر ما ورد
بإطلاقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقبل هذه الشهادة؛ لأن القتل يختلف باختلاف الآلة فجهل المشهود به) ش: لأنه
غفلة من الشاهدين م: (وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس
بمجمل) .
ش: ولهذا وجب التحرير في التكثير بقوله: "فتحرير رقبة "، ولو كان مجملًا
لما وجب الكل فإذا كان كذلك م: (فيجب أقل موجبيه) ش: أي أقل موجبي القتل
وهو القصاص والدية. قال شيخنا العلاء أدنى موجبيه وفيه صفة التجنيس التام
كما في قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] .
الأول: بمعنى الإبهام، والثاني: بمعنى الإحسان. وصرح في المبسوط بأحد
موجبيه م: (وهو: الدية، ولأنه يحمل إجمالهم) ش: أي إجمال المشهود م: (في
الشهادة على إجمالهم) ش: أي إحسانهم م: (بالمشهود عليه سترًا عليه) ش:، أي
لأجل الستر عليه حتى لا يجب عليه القصاص. وهذا في الحقيقة جواب عما يرد على
وجه الاستحسان، وهو أن يقول المشهود في قولهم: لا ندري بأي شيء قتله. إما
صادقون وإما كاذبون لعدم الواسطة بين الصدق والكذب. وعلى كل التقدير يجب أن
لا تقبل شهادتهم؛ لأنهم إن صدقوا امتنع العصابة لاختلاف موجب السيف والعصا.
وإن كذبوا فكذلك، لأنهم صاروا فسقة. وقال في جوابه: جعلوا عالمين بأنه قتله
بالسيف لكنهم بقولهم لا ندري ستروا عليه. م: (وأولوا كذبهم) ش: أي المشائخ
أولوا كذب الشهود م: (في نفي العلم) ش: أي في قولهم: لا ندري م: (بظاهر ما
ورد) ش: نصب بنزع الخافض، أي بظاهر ما ورد م: (بإطلاقه) ش: أي بإطلاق الكذب
أي تجويزه على ما ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ليس بكذاب من أصلح الوصل وأنهى البين الوصل» ، قاله الجوهري،
والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث ولم يتعرض أحد منهم من أخرجه ولا من رواه عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: الحديث رواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظه: حدثنا يزيد بن
هارون حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري، عن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم يكذب من قال خيرا أو أصلح
بين اثنين»
(13/153)
في إصلاح ذات البين، وهذا في معناه فلا
يثبت الاختلاف بالشك، وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا
يلزم العاقلة.
قال: وإذا أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي: قتلتماه
جميعا، فله أن يقتلهما، وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانا وشهد آخرون على
آخر بقتله، وقال الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار
والشهادة يتناول كل واحد منهما وجود كل القتل ووجوب القصاص، وقد حصل
التكذيب في الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو داود والترمذي - رحمهما الله - من حديث أبي الدرداء - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ " قالوا: بلى. قال:
"إصلاح ذات البين» .
وروى البيهقي في " شعب الإيمان " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما عمل ابن
آدم شيئا أفضل من الصلاة» .
م: (في إصلاح ذات البين وهذا في معناه) ش: أي ستر الشاهد على المشهود عليه
ما يوجب القتل في معنى إصلاح ذات البين، لأن العفو مندوب هنا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] . كما أن
الإصلاح مندوب ثمة فكان تجويز الكذب ثمة تجويزًا هنا.
م: (فلا يثبت الاختلاف بالشك) ش: يعني إذا احتمل أن يكونوا عالمين وأجملوا،
واحتمل أن لا يكونوا كذلك وقع الشك، والاختلاف لا يثبت بالشك.
م: (وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة) ش:
لأن العاقلة لا تتحمل العمد.
[أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا فقال
الولي قتلتماه جميعا]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر رجلان كل واحد
منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي قتلتماه جميعا، فله أن يقتلهما) ش: أما لو
قال صدقتهما في هذه الصورة لا يقتل واحد منهما. ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -.
م: (وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانًا وشهد آخرون على آخر بقتله، وقال
الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل
واحد منهما) ش: أي من الإقرار والشهادة، م: (وجود كل القتل ووجوب القصاص،
وقد حصل التكذيب في الأولى) ش: أي في الوجه الأول م:
(13/154)
من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير
أن تكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به لا يبطل إقراره في الباقي،
وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلا؛ لأن التكذيب
تفسيق، وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا يمنع صحة الإقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير أن تكذيب المقر له المقر في
بعض ما أقر به) ش: قيد به لأن تكذيب المقر له في كل ما أقر به المقر بطل
لإقراره م: (لا يبطل إقراره في الباقي) ش: فإن من أقر بألف درهم فصدق المقر
له في النصف وكذبه في النصف صح الإقرار فيما صدقه.
م: (وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلًا، لأن
التكذيب تفسيق) ش: للشاهد م: (وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا
يمنع صحة الإقرار) ش: فافترقا أي الوجهان المذكوران.
(13/155)
|