البناية شرح الهداية

باب في اعتبار حالة القتل قال: ومن رمى مسلما فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا شيء عليه؛ لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه، كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت، وله: أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده، فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها متقوم، ولهذا تعتبر حالة الرمي في حق الحل حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي.
وكذا في حق التكفير حتى جاز بعد الجرح قبل الموت والفعل وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب في اعتبار حالة القتل]
[رمى مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله ثم وقع به السهم]
م: (باب في اعتبار حالة القتل) ش: أي هذا باب في اعتبار حالة القتل والحالة من الصفات لزومها فلذلك ذكرها بعد ذكر نفس القتل وما يتعلق.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن رمى مسلمًا فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم) ش: هو مرتد م: (فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لورثة المرتد. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش: من الدية والقصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه) ش: أي عن موجب القتل سقوط عصمة نفسه م: (كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت) ش: أي كما أبرأ الرامي بعد جرحه إياه حقه أي بعد انعقاد سببه، وهو المرمي قبل أن يصيبه السهم كما لو أعتق المالك عبد المغصوب يصير مبرئًا الغاصب عن الضمان كذا ذكره صدر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده) ش: وما هو كذلك م: (فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها) ش: أي في حالة الرمي م: (متقوم) ش: ثم استوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار حالة الرمي م: (تعتبر حالة الرمي في حق الحل) ش: أي حل الصيد م: (حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي) ش: إيضاحه لو رمى مسلم إلى صيد قد ارتد - والعياذ بالله - وأصاب الصيد وهو مرتد فجرحه ومات: لا يحل أكله؛ لأن المعتبر وقت الرمي وذمة الرامي إن كان مجوسيًا وكذلك إرسال الكلب على هذا التفصيل.
م: (وكذا في حق التكفير) ش: يعني لو كانت الجناية خطأ فكفر بعد الرمي قبل الإصابة م: (حتى جاز) ش: أي التكفير م: (بعد الجرح قبل الموت) ش: لأن الاعتبار حالة الفعل م: (والفعل وإن

(13/156)


كان عمدا، فالقود سقط للشبهة ووجبت الدية. ولو رمى إليه وهو مرتد فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا، وكذا إذا رمى حربيا فأسلم؛ لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقلب موجبا لصيرورته متقوما بعد ذلك.
قال: وإن رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمى، وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان عمدا) ش: هذا جواب عما يقال إن كان ما ذكرتم صحيحًا بجميع مقدماته، والفعل عمد فالواجب القصاص.
وأجاب بقوله: والفعل وإن كان عمدًا يقع، وإن وقع على جهة العمد والقصد م: (فالقود سقط للشبهة) ش: الناشئة عن اعتبار حالة الإصابة م: (ووجبت الدية) ش: أي في ماله. م: (ولو رمى إليه وهو مرتد) ش: أي: والحال أنه مرتد وقت الرمي م: (فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي في قول أصحابنا، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجب عليه في المرتد، والحربي إذا أصابتهما الرمية بعد إسلامهما الدية، لأن الاعتبار لحالة الإصابة.
م: (وكذا إذا رمى حربيًا فأسلم) ش: ثم وقع به السهم لا يجب شيء م: (لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقل موجبًا لصيرورته متقومًا بعد ذلك) ش: لأن الفعل واحد.
فإن قلت: يشكل بما إذا رمى إلى صيد الحل فدخل الحرم ثم أصابه السهم فقتله يجب الجزاء على الرامي؟
قلت: جزاء صيد الحرم لا يختص بالفعل ولهذا يجب بدلالة المحرم وإشارته.

[رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: وإن رمى عبدًا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
ش: فقال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه دية حر لورثته لأن الاعتبار الضمان عندهما حالة الإصابة، وبقولهما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه فضل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي) .
ش: قالوا في تفسير قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه ينظر بكم يشترى لو لم يكن ذلك الرأي، وبكم يشترى في تلك الحالة فيجب فضل ما بينهما، بيانه: أن قيمته إن كانت قبل الرمي ألف درهم وبعد الرمي ثمانمائة درهم يلزمه مائتا درهم.
م: (وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه حسن، كذا قاله

(13/157)


له: أن العتق قاطع للسراية، وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك. ولهما: أنه يصير قاتلا من وقت الرمي؛ لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته، بخلاف القطع والجرح لأنه إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة للبداية. أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل. وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به ضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة، فالحجة عليه ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ".
م: (له) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن العتق قاطع للسراية) ش: لاشتباه من له الحق لأن المستحق حال ابتداء الجناية للمولى وحال الإصابة للعبد لحريته فصار العتق بمنزلة البرء م: (وإذا انقطعت) ش: أي السراية بالعتق م: (بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك) ش: أي فصل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي. ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (ولهما: أنه يصير قاتلًا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته) ش: وقت المرمى للمولى.
ألا ترى أن رجلا لو كان مولى لرجل بالموالاة فرمى رجلًا ثم تحول ولاؤه إلى غيره، فالضمان على مولاه الأول، ولا يجب على الآخر شيء، فكذلك هاهنا.
م: (بخلاف القطع والجرح) ش: جواب عما ذكر لمحمد من صورة القطع والجرح استشهادا على قطع السراية فأجاب بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من القطع والجرح م: (إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة البداية) ش: فيعتبر ذلك كتبدل المحل وعند تبدله لا تتحقق السراية كذا هاهنا.
م: (أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه) ش: أي من المرمي إليه، م: (لأنه) ش: الرمي م: (لا أثر له) ش: أي الرمي م: (في المحل) ش: لعدم إصابته إلى المحل م: (وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به الضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى) ش: بخلاف الجرح فإن هناك اتصل بالمحل ووجب الجرح للمولى في الحال وعند السراية لو قلنا بوجوب ضمان النفس كان ذلك للعبد الميت فخالفت النهاية البداية. فكذلك قطع العتق السراية.
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة) ش: وهو الجرح في تلك الحالة فتجب الدية عنده لا القيمة، م: (فالحجة عليه) ش: أي على زفر م: (ما

(13/158)


حققناه. قال: ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به السهم فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها. وإذا رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تم تمجس والعياذ بالله أكل لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها عنده، ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني حلال فلهذا افترقا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حققناه) ش: أراد به قوله من الدلائل لأصحابنا الثلاثة.

[قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها) ش: أي في حالة الرمي هكذا هو عند أبي حنيفة، ولكن يجب الضمان على الراجع إن رجعوا جميعا يجب عليهم الدية، وإن رجع واحد ترجع الدية، وأما عندهما فلأن هذا الفعل لما وقع هدرًا لم ينقلب معتبرا؛ لأن الأصل عندهما أنه إذا وقع معتبرا ثم طلب عصمته يبطل الضمان، وإذا وقع هدرًا ثم صار متقومًا لا ينقلب معتبرا.

[رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد] 1
م: (وإذا رمى المجوسي صيدًا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تمجس - والعياذ بالله - أكل؛ لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها) ش: أي سقوط الأهلية م: (عنده) ش: أي عند الرمي م: (ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدًا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول) ش: وهو رمي المحرم صيدًا م: (هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني) ش: وهو رمية حلالا هو م: (حلال فلهذا افترقا) ش: أي الوجهان بالتعليل المذكور وفي هذا الفعل اعتبر حالة الرمي بالإجماع م: (والله أعلم بالصواب) .

(13/159)