البناية شرح الهداية

كتاب الديات قال: وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على القاتل وقد بيناه أول الجنايات.

قال: وكفارته عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بهذا النص ولا يجزئ فيه الإطعام لأنه لم يرد به نص، والمقادير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الديات]
[تعريف الديات]
م: (كتاب الديات) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الديات، وهي جمع دية، وأصلها ودية، لأنها من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته. وحذفت الواو تبعا ليدي لأن أصله يودي، فحذفت الواو منه لوقوعها بين الكسرة والياء، كما في يعدي ونحوه. ولما حذفت الواو من ودية عوضت عنها الهاء كما في عدة ونحوها. وإذا أمرت منه قلت: وديا، دوا.
وأما الدية اسم لضمان تجب بمقابلة الآدمي أو طرف منه، سمي بها لأنها يودى عادة لأنه قدر ما يجري فيه العفو العظيم حرمة الآدمي. ولم يسم قيمته لأن قيمة اسم لما يقام مقام الفائت. وفي قيامه مقام الفائت قصورًا لعدم المماثلة بينهما وضمان المال سمي قيمة، ولا يسمى دية، لأن معنى القيام فيه أكمل لوجود المماثلة المطلقة.
وأما وجه المناسبة في ذكر الديات بعد الجنايات: فطالما أن الدية إحدى موجبي الجناية لدفع الشر وعين الصيانة، لكن القصاص أشد صيانة فقدم.

[دية وكفارة شبه العمد] 1
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على العاقل وقد بيناه أول الجنايات) ش: وهي الكلام فيه مستوفيًا.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكفارته) ش: أي كفارة شبه العمد م: (عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية) ش: وشرط الإيمان في كفارة القتل دون سائر الكفارات؛ لأنه منصوص عليه بالآية المذكورة، وإن كان ورد في الخطأ، ولكن لما كان شبه فيه معنى الخطأ ثبت فيه حكم الخطأ م: (فإن لم يجد) ش: أي فإن لم يقدر على إعتاق الرقبة المؤمنة م: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ش: أي فعليه صوم شهرين على التتابع.
م: (بهذا النص) ش: أي النص المذكور م: (ولا يجزئ فيه) ش: أي في شبه العمد م: (الإطعام؛ لأنه لم يرد به نص) ش: قال الشافعي في قول وأحمد في رواية: فإن لم يقدر على الصيام يجب إطعام ستين مسكينا، عند عدمهما، م: (والمقادير) ش: أي المقدرات الشرعية م:

(13/160)


تعرف بالتوقيف، ولأنه جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء، أو لكونه كل المذكور على ما عرف ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم لأنه مسلم به، والظاهر سلامة أطرافه ولا يجزئ ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته. قال: وهو الكفارة في الخطأ لما تلوناه وديته عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(تعرف بالتوقيف) ش: على ورود النص بخلاف كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصوم، فإن النص ورد فيها بالإطعام، ولأن استدلاله من الآية بوجهين آخرين: أحدهما: هو قوله
: م: (ولأنه) ش: أي ولأن النص م: (جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء) ش: بيانه أن الواقع بعد فاء الجزاء يجب أن يكون كل الجزاء، إذ لو لم يكن كذلك للقياس، فلا يعلم أنه هو نحو الجزاء، وبقي منه شيء ومثله محل. ألا ترى أنه لو قال إن رمت الدار فأنت طالق، وفي نية أن يقول: وزينب طالق وعبده حر ولكن لم يقله يجعله قوله: فأنت طالق جزاء كاملًا من غير أن يقدر فيه وزينب طالق أيضًا، وعبدي حر أيضًا.
الوجه الثاني: هو قوله: م: (أو لكونه) ش: أي لكون الصيام م: (كل المذكور) ش: لا غير م: (على ما عرف) ش: يعني في أصول الفقه.
م: (ويجزئه) ش: أي يجزي الذي عليه عتق رقبة إعتاق م: (رضيع أحد أبويه مسلم) ش: قيد به لأنه لو كانا كافرين لم يجزه م: (لأنه) ش: أي لأن الرضيع م: (مسلم به) ش: أي بأحد أبويه؛ لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف، والأول: يحصل بإسلام أحد الأبوين، والثاني بالظاهر، وأشار إليه بقوله: م: (والظاهر سلامة أطرافه) ش: أي أطراف الصغير، لأن الأصل هو السلامة.
وتأويل المسألة أنه أعتق، ثم عاش حتى ظهرت سلامة أعضائه وأطرافه حتى إنه لو مات قبل أن يظهر ذلك لم تتأد به الكفارة. كذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ".
م: (ولا يجزئ) ش: أي لا يجزئ إعتاق م: (ما في البطن؛ لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته) ش: ظاهر.
م: (قال) ش: المصنف: م: (وهو الكفارة) ش: أي تحرير رقبة مؤمنة هو الكفارة م: (في الخطأ لما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] .
م: (وديته) ش: أي ودية شبه العمد م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كذا في نسخة شيخ العلاء " أبي يوسف " مذكور مع أبي حنيفة. وفي " الهداية ": فقال الأترازي:

(13/161)


مائة من الإبل أرباعا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ثنية كلها خلفات في بطونها أولادها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وغيره لم يذكر أبو يوسف سهو القلم عن صاحب " الهداية " أو عن الكاتب. وقال الكاكي: الاقتصار على قول أبي حنيفة مخالف لعامة روايات الكتب من " المباسيط " و" الجوامع " و" الأسرار " و" الإيضاح "، فإن المذكور فيها عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وثبت في بعض النسخ عند أبي حنيفة وأبي يوسف موافقًا لعامة الروايات.
م: (مائة من الإبل أرباعا) ش: أي من حيث الأرباع، وبين ذلك بقوله: م: (خمس وعشرون بنت مخاض) ش: بنت منصوب؛ لأنه مميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين يجيء منصوبًا. وبنت مخاض هي التي طعنت في السنة الثانية. سميت بها؛ لأن أمها صارت ذات مخاض بأخرى.
م: (وخمس وعشرون بنت لبون) ش: وهي التي طعنت في السنة الثالثة، سميت بها لأن أمها تلد أخرى، ولبون: ذات لبن.
م: (وخمس وعشرون حقة) ش: وهي التي طعنت في السنة الرابعة، وحق لها أن تركب وتحمل.
م: (وخمس وعشرون جذعة) ش: وهي التي طعنت في السنة الخامسة، سميت به لمعنى في أسنانها يعرفه أرباب الإبل، وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة.
م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة، وثلاثون حقة، وأربعون ثنية) ش: وهي التي طعنت في السادسة، والذكر ثني. م: (كلها) ش: أي كل الثنايا م: (خلفات) ش: جمع خلفة وهي الحامل من النوق. م: (في بطونها أولادها) ش: صفة كاملة، قاله الأكمل.
وقال الكاكي: الخلفة الحامل من النوق وجمعها مخاض من غير لفظها، وقد يقال خلفات. فعلى هذا التفسير يكون قوله: " في بطونها أولادها " صفة مقدرة، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما ألقته الفرائض فلأول رجل ذكر» ، وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أحمد في رواية، وبقول أبي حنيفة قال مالك وأحمد في رواية، وهو قول الزهري وربيعة وسليمان بن يسار م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة

(13/162)


من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة. ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا، ولهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» وما روياه غير ثابت لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال بالتغليظ أرباعا كما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» ، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاثون حقة وثلاثون جذعة) ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقد تقدم في الجنايات.
م: (ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا) ش: يعني أغلظ من حرمة الخطأ المحض، فإن الإبل يجب فيه أخماسًا، وذلك أي كونه أغلظ من دية الخطأ المحض؛ لأننا نقول: أثلاثا، وأنتم تقولون: أرباعًا.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» ش: تقدم في الزكاة في كتاب عمرو بن حزم قال: «وإن في نفس المؤمن مائة من الإبل في الزكاة» ، ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ووجه الاستدلال به: أن الثابت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ م: (وما روياه) ش: أي محمد والشافعي م: (غير ثابت) ش: احتج المصنف على عدم ثبوت هذا الحديث بقوله: م: (لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ) ش: فإن عمر وزيدا والمغيرة بن شعبة وأبا موسى الأشعري قالوا مثل ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف م: (وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وعبد الله بن مسعود م: (قال بالتغليظ أرباعًا كما ذكرنا) ش: يعني أرباعًا. وأخرج حديثه أبو داود عن علقمة والأسود قال: قال عبد الله: في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وسكت عنه أبو داود ثم المنذري بعده.
وروي مرفوعا أخرجه الأربعة عن حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الضبابي عن عبد الله بن مسعود قال: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بنو مخاض ذكر» .
قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقد روي عن عبد الله موقوفا.

(13/163)


وهو كالمرفوع فيعارض به.
قال: ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة لأن التوقيف فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه:
الأول: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح أنه قال: دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنو لبون. ولم يذكر فيه: بني مخاض.
الثاني: أن خشف بن مالك مجهول، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن جريد الحسبي.
وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بما ينفرد بروايته رجل غير معروف.
والثالث: أنه روي عن أحمد أن خبر خشف بن مالك لا يعلم أحد رواه زيد بن جبير إلا الحجاج بن أرطاة، وهو رجل مشهور بالتدليس.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فكيف جاز للدارقطني أن يسقط ذكر هذا؟
وخشف وثقه النسائي وابن حبان، وزيد بن جبير وثقه ابن معين وغيره، وأخرجا له في - الصحيحين ".
م: (وهو) ش: أي الذي قال ابن مسعود م: (كالمرفوع) ش: لأن الرأي لا مدخل له في المقادير م: (فيعارض) ش: ما روياه م: (به) ش: أي بقول ابن مسعود، فإذا تعارضا كان الأخذ بالمتيقن أولى.
ثم على قول محمد والشافعي: لو اختلف في حملها يرجع إلى أهل الخبرة كما يرجع في حمل المرأة إلى قول القوابل. ولو اختلف الولي والجاني بعد أخذ قول أهل الخبرة فقال الولي: لم يكن حوامل، وقال الجاني: ولدت عندك، فالقول للجاني، وإن أخذنا بغير قولهم فالقول للولي.

[التغليظ في الإبل في الدية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة) ش: يعني لا يزاد في الدراهم والدنانير على عشرة آلاف درهم وألف دينار.
وقال الثوري والحسن بن صالح: فيغلظ في النوعين الآخرين أي الدراهم والدنانير؛ بأن ينظر إلى قيمة أسنان الإبل في دية الخطأ فما زاد على أسنان دية الخطأ زاد على عشرة آلاف درهم إن كان الرجل من أهل الورق، وإن كان من أهل الذهب.
ونحن قلنا بما ذكر في الكتاب وهو: أن التغليظ في الإبل ثبت توقيفًا ولا يثبت في غيره قياسًا. م: (لأن التوقيف فيه) ش: أي لأن الشرع ورد فيه، وعليه الإجماع والمقدرات لا تعرف إلا سماعًا، فلم تتغلظ بغيره حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ قضاؤه.

(13/164)


فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا.
قال: وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل لما بينا من قبل. قال: والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض، وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما أخذنا نحن والشافعي به لروايته: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا» على نحو ما قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: "لأن التوقيف منه ".

[الدية في الخطأ والكفارة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة على القاتل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد في الظاهر، وهو قول الثوري وإسحاق والنخعي والحكم وحماد والشعبي. وقال ابن سيرين وابن شبرمة وأبو ثور وقتادة والزهري والحارث [. . .] وأحمد في رواية: على القاتل.
وهكذا يجب أن يكون قول مالك، لأن شبه العمد عنده من باب العمد م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في أول كتاب الجنايات.
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا) ش: قيل: هو منصوب بإضمار " كان "، وقال الأكمل: يجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في قوله: "في الخطأ ". قلت: يحمل أن يكون تمييزًا على ما لا يخفى.
م (عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) .
ش: أجمعت الصحابة على المائة ولكنهم اختلفوا في سنها: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون ابن لبون وخمس وعشرون ابنة مخاض.
وقال عثمان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنو لبون وعشرون بنات مخاض ذكر. ذكر ذلك كله أبو يوسف في كتاب " الخراج ".
م: (وإنما أخذنا نحن والشافعي به) ش: أي بقول ابن مسعود م: (لروايته) ش: أي لرواية ابن مسعود م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا، على نحو ما قال» ش: قد ذكرنا هذا عن الأربعة أصحاب " السنن " عن قريب. ولفظ النسائي وابن ماجه بلفظ المصنف على نحو ما قال ابن مسعود.

(13/165)


ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور. غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه ما رويناه.
قال: ومن العين ألف دينار ومن الورق عشرة آلاف درهم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور) ش: فيعذر في فعله. ولهذا لا تجب الدية الخطأ إلا على العاقلة.
م: (غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: استثناء من قوله أخذنا نحن والشافعي به. م: (يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقضاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن العين) ش: أي دية الخطأ من الذهب م: (ألف دينار ومن الورق) ش: أي الفضة م: (عشرة آلاف درهم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق م: (لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك) ش: أي باثني عشر ألفًا. خرج هذا أصحاب " السنن " الأربعة عن محمد بن مسلم عن عروة بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ديته اثني عشر ألفا» .
وقال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عكرمة، ولم يذكر ابن عباس.
وقال الترمذي: لا نعلم أحدًا يذكر في هذا الإسناد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير محمد بن مسلم، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن عمر عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
ورواه النسائي أخبرنا محمد بن ميمون المكي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة سمعناه مرة يقول عن ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى باثني عشر ألفًا في الدية» . قال: محمد بن ميمون ليس بقوي، وكذا رواه الدارقطني في " سننه " قال أبو حاتم: كان محمد بن ميمون أبو عبد المكي الخياط أمينًا نبيلًا. وذكره ابن حبان في " الثقات "، قال: وربما وهم. وقال النسائي: صالح. ومحمد بن مسلم هذا الطائفي أخرج له البخاري في المتابعة ومسلم في الاستشهاد، وضعفه أحمد. وقال النسائي: الصواب أنه مرسل، وقال ابن حبان: المرسل

(13/166)


ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ، وتأويل ما روى أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة، وقد كانت كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصح.
م: (ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ش: هذا الحديث غريب. وروى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم عن عامر الشعبي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: على أهل الورق من الدية عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار. وجه الاستدلال به: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير نكير، فحل بمحل الإجماع.
م: (وتأويل ما روى) ش: أي الشافعي م: (أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة) ش: أي وزن ستة مثاقيل. فإن في ابتداء عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان وزن الدراهم وزن ستة، ثم صار وزن سبعة.
م: (وقد كانت) ش: أي الدراهم. م: (كذلك) ش: أي وزن ستة إلى عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم صار وزن سبعة كما ذكرنا. وقال تاج الشريعة: وتأويل ما روى: أنه أوجب اثني عشر محمول على أنه أوجب من دراهم كانت توزن ستة واثني عشر بوزن ستة تبلغ عشرة آلاف بوزن سبعة. والدليل على صحة ما ذكرنا من التأويل: ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أنه أوجب في دية القتيل اثني عشر ألفًا ". وكانت الدراهم يومئذ وزن خمسة أو ستة.
فإن قيل: اثنا عشر بوزن الستة يكون أكثر من عشرة آلاف فكيف يفيد هذا التأويل؟ الجواب: أن شيخ الإسلام قال في "مبسوطه ": يحتمل أن الدراهم كانت وزن ستة إلا شيئا إلا أنه أضيف الوزن إلى ستة تقريبًا.
فإن قيل: احتج الشافعي ومن معه بما روى يزيد الرقاشي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لئن أحبس مع قوم يذكرون الله بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا»

(13/167)


قال: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: منها ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها، وله: أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية، ولهذا لا يقدر بها ضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قرأ بخمسمائة إلى الغاية أصبح وله قنطار في الآخرة، والقنطار دية أحدكم اثنا عشر ألف درهم» .
وأجيب بأن حديث الرقاشي ضعيف عند الثقات، وحديث الحسن مرسل، والعجب من الشافعي أنه لا يعمل بالمرسل ثم يحتج به.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة) ش: وهي الإبل، والذهب والفضة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد والشافعي في القديم، وقال الكاكي: اختلف العلماء في الأصل في الدية، فقال الشافعي، وأحمد في رواية محمد بن المنذر: الإبل فقط فتجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (منها) ش: أي من هذه الثلاثة. م: (ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان) ش: وبه قال أحمد في رواية وقال الكرخي في "مختصره ": والحلة ثوبان إزار ورداء والإزار المئزر، وقيل في زماننا قميص وسراويل.
وقال الإمام الأسبيجابي قيمة كل حلة خمسون درهمًا وقيمة كل بقرة خمسون درهما وقيمة كل شاة خمسة دراهم م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها) ش: أي من المذكورة.
وروى أبو يوسف في كتاب " الخراج " وقال: حدثنا ابن أبي ليلى عن الشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عبيدة السلماني قال: وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائة بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا لا يقدر بها ضمان) ش: أي ضمان العدوان. وفائدة هذا الخلاف في اختيار القاتل، فعند أبي حنيفة فله الخيار من أنواع الثلاثة، وفي الصلح فإن عنده يجوز الصلح على أكثر من مائتي بقرة في رواية، وفي رواية لا يجوز

(13/168)


والتقدير بالإبل عرف بالآثار المشهورة وعدمناها في غيرها، وذكر في المعاقل: أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك، ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف، وقيل: هو قولهما خاصة
قال: «ودية المرأة على النصف من دية الرجل» ، وقد ورد هذا اللفظ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، كقولهما: كما لو صالح على أكثر من مائة من الإبل وألف دينار.
م: (والتقدير بالإبل) ش: جواب عما يقال: فالإبل كذلك. وتقدير الجواب أن التقدير بالإبل ليس كذلك لأنه م: (عرف بالآثار المشهورة) ش: كما ذكرت فيما مضى. م: (وعدمناها في غيرها) ش: أي عدمها بالآثار المشهورة في غير الإبل.
م: (وذكر في المعاقل) ش: أي ذكر محمد في كتاب " معاقل المبسوط "، ورد هذا شبهة على ما روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأمور الثلاثة، ووجه وروده أن محمدًا ذكر في المعاقل م: (أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك) ش: أي وهذا الصلح علامة التقدير بذلك. وأجاب بوجهين أحدهما هو قوله م: (ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف) ش: أي قوله لا يجوز الصلح على الزيادة قول الكل لأنه ذكر في " المعاقل " أن الولي لو صالح على أكثر من مائة فالفضل باطل بالإجماع.
وقال الأكمل: وذكر الجواب على وجهين:
أحدهما: تقدير الشبهة ورفع الخلاف. ولا أرى صحته لأنه يناقض رواية كتاب الديات.
الوجه الثاني: هو قوله م: (وقيل: هو قولهما خاصة) ش: أي ما ذكر في كتاب " المعاقل " قولهما.
أما عند أبي حنيفة فينبغي أن يجوز الصلح على أكثر من ذلك وإليه ذهب شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ".
وقال تاج الشريعة: فكان الخلاف ثابتا. وقال الأكمل: والوجه الثاني برفع الشبهة يحمله رواية " المعاقل " على أنه قولهما، وحمل بعض مشايخنا على أن المسألة عنده روايتان.

[دية المرأة]
م: (قال) ش: أي محمد في الأصل، ولم يذكره في " الجامع " ولا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ودية المرأة على النصف من دية الرجل) ش: وقال ابن عبد البر وابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ديتها نصف دية الرجل.
وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: هما سواء م: (وقد ورد هذا اللفظ) ش: أي

(13/169)


موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما دون الثلث لا يتنصف وإمامه فيه زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله «دية المرأة على النصف من دية الرجل» م: (موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أما الموقوف فأخرجه البيهقي عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها.
قلت: هذا منقطع لأن إبراهيم لم يحدث عن أحد من الصحابة مع أنه أدرك جماعة منهم.
وأما المرفوع فأخرجه البيهقي أيضًا عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية المرأة على النصف من دية الرجل»
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما دون الثلث لا يتنصف) ش: يعني إذا كان جناية أرشها ما دون الثلث لا تنصف وفي غيره تنصف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الشافعي ما دون الثلث لا يتنصف وكذلك الثلث قاله في القدم وبه قال مالك وأحمد وهو قول الفقهاء السبعة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة والأعرج وربيعة، وهكذا روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت.
وعندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه واختاره ابن المنذر وأبو ثور: على التنصيف فيما قل وكثر، وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن سيرين. وفي " النهاية ". والصواب أن يقال: الثلث وما دونه لا يتنصف عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم كما ذكرنا.
م: (وإمامه فيه) ش: أي إمام الشافعي في هذا م: (زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) .
ش: أخرجه البيهقي عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال: جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث، فما زاد فعلى النصف. وهو منقطع.
وذكر الكاكي في " حجة الشافعي " ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عقل المرأة عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها» أخرجه النسائي.

(13/170)


والحجة عليه ما رويناه لعمومه، ولأن حالها أنقص من حال الرجل ومنفعتها أقل، وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارا بها وبالثلث وما فوقه.
قال: ودية المسلم والذمي سواء وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا رواه النسائي وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن ابن جريج.
قال صاحب " التنقيح ": ابن جريج حجازي وإسماعيل بن عياش ضعيف في رواية الحجازيين.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه لعمومه) ش: أشار به إلى قوله: وقد روي بهذا اللفظ موقوفًا على علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومرفوعًا م: (ولأن حالها أنقص من حال الرجل) ش: قال الله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] م: (ومنفعتها أقل) ش: لأنها لا تتمكن من التزوج ما دامت زوجت لرجل.
م: (وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارًا بها) ش: أي بالنفس م: (وبالثلث وما فوقه) ش: أي اعتبارًا بتنصيف الثلث وما فوقه لئلا يلزم مخالفة الفرع للأصل.

[دية اليهودي والنصراني والمجوسي]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ودية المسلم والذمي سواء) ش: وقال الكرخي في " مختصره ": والمسلم والذمي الكتابي وغير الكتابي والحربي المستأمن وكل من كانت نفسه محظورة فإن قدر دياتهم سواء. وفي الإناث في جميعهن على النصف مما يجب في المذكور.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم) ش: وبه قال أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو ابن دينار وإسحاق وأبي ثور، وروي عن عمر وعثمان أيضًا.
م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم) ش: وبه قال عمر بن عبد العزيز وعروة وعمرو بن شعيب م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو

(13/171)


والكل عنده اثنا عشر ألفا. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم» ، هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: «دية عقل الكافر نصف عقل المسلم» ، وقال حديث حسن. ولفظ النسائي: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين» ، وهم اليهود والنصارى.
م: (والكل عنده اثنا عشر ألفا) ش: أي كل الدية عند مالك اثنا عشر ألف درهم. فلذلك قال: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم.
م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم» ش: هذا ذكره عبد الرزاق في " مصنفه ". أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة آلاف» . لفظ [. . .] من أهل التخريج وقع هذا مفصلًا.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ش:
هذا أخرجه أبو داود في "المراسيل " عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ووقفه الشافعي في "مسنده " على سعيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني، أخبرنا محمد بن زيد، أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
م: (وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " قال أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» . قال محمد: وبهذا قالوا.
م: (وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث) ش: وفيه نظر لأنا ذكرنا عن عبد الرزاق أخرجه ورواه الدارقطني في " سننه " وأراد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل

(13/172)


وما رويناه أشهر مما رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عقل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على النصف من عقل المسلمين» . م: (وما رويناه) ش: وهو قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وكل ذي عهد في عهده ألف دينار» م: (أشهر مما رواه مالك) ش: وهو قوله: عقل الكافر نصف عقل المسلم م: (فإنه) ش: أي فإن الذي رويناه م: (ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم) ش: وقد ذكرنا عن محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن أبي الهيثم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» .
وروى عبد الرزاق في "مصنفه " عن مجاهد عن ابن مسعود قال: دية المعاهد مثل دية المسلم. وقال ذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضًا.
وروى عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتبة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: دية كل ذمي مثل دية المسلم. قال أبو حنيفة هو قولي.
وروى عبد الرزاق أيضًا عن ابن جريج عن يعقوب بن عتبة وإسماعيل بن محمد وصالح قالوا: «عقل كل معاهد من أهل الكفر كعقل المسلمين، جرت بذلك السنة في أهل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

(13/173)


فصل فيما دون النفس قال: وفي النفس الدية وقد ذكرناه. قال: وفي المارن الدية، وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية. والأصل فيه ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية وفي المارن الدية» . وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل فيما دون النفس]
[الدية في النفس]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الأحكام م: (وفيما دون النفس) ش: وأعقب ذكر النفس بذكر ما هو تبع لها وهو ما دون النفس.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي النفس الدية) ش: أي تجب الدية في النفس بسبب إتلافها كما يقال في النكاح حل وكلمة في يجيء النظر فيه فيما كان معناه الاحتواء ومعنى على في ما كان معناه الاستعلاء لقوله: في جذوع النخل. ومعنى السببية كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أربعين شاة، وهو قليل نادر م: (وقد ذكرناه) ش: أي في أول الجنايات بقوله: والدية متغلظة على القاتل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي المارن الدية) ش: وهو قصبة الأنف م: (وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية) ش: أي وتجب كما ذكرنا.
والأصل أن ما في الإنسان من الأعضاء إن كان واحدًا ففيه الدية كاملة، وإن كان اثنين ففيهما الدية وفي إحداهما نصف الدية، وإن كان أربعة ففيها الدية وفي أحدها ربع الدية، وإن كان عشرة ففيها الدية وفي أحد الدية، وما فوت جنس المنفعة ففيه الدية لأن بفواته يفوت الآدمي من وجه ذكره في" المبسوط "، ولا نعلم فيه خلافا.
وذكر الكرخي في " مختصره " الأعضاء التي يجب بكل عضو فيها دية هي ثلاثة أعضاء: اللسان والأنف والذكر. فإذا استوعب الأنف جذعًا أو قطع منه المارن وحده وهو ما لان من الأنف عن العظم ففيه الدية كاملة. وكذلك إذا استوعب اللسان أو قطع منه ما يذهب بالكلام كله. وكذلك الذكر إذا استوعب أو لم يستوعب بالكلام أي أو قطع الحشفة وحدها ففيه الدية م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية، وفي المارن الدية» ش: هذا غريب.
م: (وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:. هذا أخرجه النسائي في "سننه " وأبو داود في " مراسيله " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر ابن محمد بن حزم عن أبيه عن جده: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتابًا إلى أهل اليمن فيه

(13/174)


والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال
يجب كل الدية لإتلافه النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي، وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية كلها في اللسان والأنف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم المكنى أبا الضحاك استعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران اليمن وهو يومئذ ابن سبع عشرة سنة وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على نجران، وبقي إلى أن أدرك بيعة معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد. ومات بعد ذلك بالمدينة» .
م: (والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالًا مقصودًا في الآدمي على الكمال) ش: قيد بالكمال فيهما احترازًا مما ليس بكامل منهما حيث لا يجب كل الدية. فإن كان بفوت عضوًا مقصود كقطع لسان أخرس فإنه لا تجب فيه الدية لأنه لم يفت جنس منفعته ولا فوت جمالًا على الكمال. ذكره في " الذخيرة ".
وكذلك في آلة الخصي والعنين واليد الشلاء والرجل العرجاء والعين العوراء والسن السوداء لا يجب القصاص في العبد ولا في الدية في الخطأ وإنما فيه حكومة عدل.
فإن قيل: يشكل على قوله فوت جمالًا على الكمال كما لو سلخ جلد الوجه فإنه لا يجب كمال الدية وقد فوت جمالًا على الكمال؟ .
قلنا: ذكر شيخ الإسلام في " شرحه ": لا رواية في هذا ولكن مذهبنا وجوب الدية.
فإن قيل: يشكل بما لو قطع الأظفار حيث لا تجب الدية وقد فوت الجمال على الكمال.
قلت: لا رواية في هذا، فقد اختلف المشايخ فيه.

[الدية لإتلاف النفس]
م: (يجب كل الدية لإتلاف النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي) ش: والشرع ألحق الإتلاف من وجه بالإتلاف من كل وجه م: (وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي حكمه عرفنا هذا لقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بالدية كلها في اللسان والأنف) ش: فقسنا غيره عليه.

(13/175)


وعلى هذا تنسحب فروع كثيرة. فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود، وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة لما ذكرنا، ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد، وكذا اللسان لفوات منفعة مقصودة وهو النطق، وكذا في قطع بعضه إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وإن كانت الآلة قائمة، ولو قدر على التكلم ببعض الحروف، قيل: يقسم على عدد الحروف، وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان، فبقدر ما لا يقدر يجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا) ش: أي على هذا الأصل م: (تنسحب فروع كثيرة) ش: بين منها بقوله م: (فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود) ش: لأنه يعني مطلوب في الآدمي سواء قطع المارن دون القصبة أو قطع الأرنبة، ولو قطعهما لا يزاد على دية واحدة لأنهما عضو واحد م: (وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة) ش: أي أو قطع الأرنبة م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: وقد فوت الجمال على الكمال.
وقال الشافعي: في المارن الدية وفي القصبة حكومة عدل.
م: (ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد) ش: وقد ذكرناه، لو قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان لأن الشم في غير الأنف، فلا يدخل أحدهما في الآخر، كالسمع مع الأذن م: (وكذا اللسان) ش: يعني فيه الدية بلا خلاف لأحد م: (لفوات منفعة مقصودة وهو النطق) ش: والتكلم، والآدمي لا يفارق بهيميته إلا بالنطق. م: (وكذا في قطع بعضه) ش: يعني قيمة الدية. م: (إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة، وإن كانت الآلة قائمة) ش:، لأن الدية تجب بتفويت البعض فتجب الدية كاملة.
م: (ولو قدر على التكلم ببعض الحروف) ش: اختلف المشايخ فيه. م: (قيل: يقسم) ش: الدية م: (على عدد الحروف) ش: أي الحروف الثمانية والعشرين من حروف المعجم، وهو قول الأئمة الثلاثة. م: (وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان) ش: وهي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون. قيل كون الألف من ذلك فيه نظر لأنه من أقصى الحلق على ما عرف.
م: (فبقدر ما لا يقدر يجب) ش: أي فيقدر ما لا يمكنه إتيان حرف منها يلزمه ما يخصه من الدية. روي: أن رجلًا قطع طرف لسان رجل في زمن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأمره أن يقرأ ألف ب، ت، ث، فكلما قرأ حرفًا أسقط من الدية بقدر ذلك، وما لم يقرأ أوجب من الدية بحسابه.

(13/176)


وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة، وكذا في الحشفة الدية كاملة؛ لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له.
قال: وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية لفوات منفعة الإدراك إذ به ينتفع بنفسه في معاشه ومعاده. قال: وكذا إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منها منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة. ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[دية الذكر]
م: (وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر) ش: أي تجب فيه الدية بلا خلاف. م: (لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به) ش: أي رمي البول بالذكر م: (ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة) ش: قيد بالعادة أو قد يحصل الإعلاق بالسحق أيضًا، إلا أنه خلاف العادة، فإن البكر لو حملت بالسحق تعسر عليها الولادة فعلم أن بقطعه يفوت الإيلاد م: (وكذا في الحشفة) ش: أي وفي قطع الحشفة تجب م: (الدية كاملة لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له) ش: أي للحشفة والتذكير باعتبار المذكور. وفي " شرح الكافي ": وفي الأنثيين مع الذكر قالوا إذا قطع الكل بدفعة يجب ديتان، ولو قطعهما بدفعتين، أي قطع الذكر أولًا ثم الأنثيين تجب ديتان أيضًا، ولو قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب في الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل فصار كذكر الخصي والضعيف.

[دية العقل إذا ذهب بالضرب]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية) ش: يعني إذا ضرب رأسه فذهب عقله يجب فيه الدية م: (لفوات منفعة الإدراك إذ به) ش: أي بالعقل م: (ينتفع بنفسه في معاشه) ش: أي في دنياه، م: (ومعاده) ش: أي وفي آخرته إذ العقل من أعظم ما يختص به الآدمي، يدرك الأشياء وبه يمتاز عن البهائم، فكان فيه منفعة مقصودة.
م: (قال: وكذا) ش: أي وكذا تجب الدية م: (إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منهما منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر) ش: روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو خالد عن عوف الأعرابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت شيخًا في زمن الجماجم فعنت فعنة فقيل ذاك أبو مهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلًا بحجر في رأسه في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله

(13/177)


قال: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال: وفي شعر الرأس الدية لما قلنا، وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيهما حكومة عدل؛ لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها في بعض البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره فلم يضرب النساء، فقضى بها عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بأربع ديات، وهو حر، انتهى.
واختلف في طريق التفسير في معرفة ذهاب هذه الحواس فقيل: إذا صدقه الجاني. أو استحلف على الثبات ونكل ثبت فواتها وقيل: يعتبر فيه الدلائل الموصلة إلى ذلك، فإن لم يحصل العلم بذلك يعتبر فيه الدعوى والإنكار وطريق معرفة السمع أن يتغافل وينادى فإن أجاب علم أنه يسمع.
وحكى الناطفي عن أبي حازم القاضي والقدوري عن إسماعيل بن حماد أن رجلًا ضرب على رأس امرأته، فزعمت أن سمعها ذهب، فاشتغل إسماعيل بالقضاء ثم التفت إليها وهي غافلة فقال: استري عورتك، فجعلت تلم ثيابها فعلم أنها سامعة.
وقال أبو يوسف في " المنتقى ": لا نعرف ذهاب السمع والقول فيه للجاني، وأما طريق معرفة ذهاب البصر قال محمد بن مقاتل الرازي يستقبل الشمس مفتوح العين فإن دمعت عينه علم أن البصر باق فإن لم تدمع علم أن البصر ذاهب، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلقى بين يديه حية، فإن هرب من الحية علم أنه لم يذهب بصره، وقال محمد في الأصل: إن لم يعلم بما ذكرنا يعتبر فيه الدعوى والقول للجاني مع يمينه على الثبات.
وفي " شرح الكافي ": يدخل أرش الأمة في الدية لأن هذا جناية واحدة في موضع واحد فإذا وجب في العقل الدية لم يجب فيها شيء، وطريق معرفة ذهاب الشم أن يوضع بين يديه ما له رائحة كريهة، فإن اتقى من ذلك علم أنه لم يذهب شمه، قاله في " شرح الطحاوي ".

[دية اللحية إذا حلقت فلم تنبت]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت) ش: أي عرضها يجب م: (الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال وفي شعر الرأس الدية) ش: سواء كان شعر رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، ويؤجل سنة فإن نبت لم تجب الدية، وإن مات قبل مضي السنة لا شيء فيه، وبه قال الثوري وأحمد. م: (لما قلنا) ش: وهو أنه يفوت به الجمال. م: (وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيهما) ش: أي في اللحية وشعر الرأس، م: (حكومة عدل) ش: إذا حلقا ولم ينبتا م: (لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها) ش: أي يحلق بعض اللحية م: (في بعض البلاد) ش: لو كان جمالا لم يحلقوا. وقد يكون عدم اللحية جمالًا في بعض الأحوال، وأهل الجنة كلهم أمرد. فلو كان ذلك من جملة الجمال الأصلي

(13/178)


وصار كشعر الصدر والساق، ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة. ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية كما في الأذنين الشاخصتين، وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه خلقة يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال. وأما لحية العبد: فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة، والتخريج على الظاهر أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال بخلاف الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لكان أهل الجنة أولى به.
م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كشعر الصدر والساق) ش: إذا ليس فيه الجمال.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون شعر الرأس زيادة في الآدمي م: (يجب في شعر العبد نقصان القيمة) ش: يعني إذا حلق شعره يجب فيه ما ينقص من قيمته.
م: (ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية) ش: وروي: أن لله تعالى ملائكة يسبحون سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب، والدليل على أن اللحية جمال أن الرجل إذا بلغ حد الكهولة والشيخوخة ولم يثبت له لحية يسمج في الأعين، وإنما لا يسمج في حالة الطراوة والصغر، وأما في حالة الضمور والكبر فلا شك أنه يعد شيئًا.
والرأس إذا حلق ولم ينبت يظهر فيه القرع بعد زمن عليه، فإن القرع عيب في الناس ولهذا يتكلف الأقرع في ستر رأسه كما يتكلف بستر سائر عيوبه.
م: (كما في الأذنين الشاخصتين) ش: أي المرتفعتين من شخص بالفتح: ارتفع، فإن فيه تفويت منفعة الجمال مع بقاء السمع، وتجب الدية كاملة.
م: (وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه) ش: أي من عدم شعر الرأس م: (خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال) ش: أي وقد ذكرناه الآن م: (وأما لحية العبد فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة) .
وهي رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارًا بالدية في الحر لفوات الجمال.
م: (والتخريج على الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال) ش: فيجب نقصان القيمة م: (بخلاف الحر) ش: فإن المقصود فيه الجمال ولو حلق بعض اللحية ولم ينبت قيل يجب فيه حكومة عدل.
وفي " شرح الكافي ": والصحيح أنه يجب فيه كل الدية لأن هذا في الشين فوق ملا لحية له

(13/179)


قال: وفي الشارب حكومة عدل هو الأصح لأنه تابع للحية فصار كبعض أطرافها.
وقال: لحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل، لأن فيه بعض الجمال وإن كان متصلا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال، وهذا كله إذا فسد المنبت، فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء؛ لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل، وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب شيء في الحر لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصلا.
وكان أبو جعفر الهندواني يقول في اللحية: إنما يجب بها كمال الدية إذا كانت لحيته كاملة يتجمل بها، وأما إذا كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شيء فيها وإن كانت غير متوفرة، ولا يقع بها جمال كامل وليست مما يشين ففيها حكومة عدل، ولو حلق فنبت أبيض إن كان في أوانه لا يجب شيء، وإن كان في غير أوانه اختلف مشايخنا فيه. والصحيح أنه يجب فيه حكومة عدل.
وقال في " شرح الطحاوي ": ولو حلق رأسه فنبت أبيض والرجل شاب. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحر لا يجب شيء وفي العبد يجب النقصان، وقال: يجب حكومة العدل في الحر والعبد، وفي " الواقعات " رجل حلق لحية رجل، فإن كانت لحية متصلة أو خفيفة أو رقيقة أو كثيفة ففيه الدية إن لم تنبت، وإن كان كوسجًا فعليه فيها حكومة عدل بعدما ينتظر سنه فلم تنبت، فإن كان عمدًا ففي ماله لأن العاقلة لا تعقل العمد، وإن كان خطأ فعلى عاقلته كما في قتل الخطأ والعمد.
م: (قال) ش: أي المصنف م: (وفي الشارب حكومة عدل) ش: ناقله الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأجناس م: (هو الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ أنه يجب فيه كمال الدية لأنه عضو على حدة. قال المصنف: م: (لأنه) ش: أي لأن الشارب م: (تابع للحية فصار كبعض أطرافها) ش: أي كبعض أطراف اللحية فإذا حلق بعض أطراف اللحية يجب حكومة عدل فكذا هذا.

[دية حلق لحية الكوسج]
م: (قال: ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه، وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال، وإن كان متصلًا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال وهذا كله إذا فسد المنبت فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب) ش: أي الحالق م: (على ارتكابه ما لا يحل وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب شيء في الحر لأنه

(13/180)


يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل، لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ، على هذا الجمهور. وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما نصف الدية وعند مالك والشافعي - رحمهما الله - تجب حكومة عدل، وقد مر الكلام فيه في اللحية.
قال: وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية، كما روي في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية» وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل) ش: في الحر أيضا م: (لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ) ش: يعني في شعر الرأس واللحية، وكذا في شعر الحاجب.
م: (على هذا الجمهور) ش: احترز به عن رواية " النوادر "، وقاله الأترازي، وقال الكاكي: وقال بعض الناس وهم أصحاب الظاهر: يجب في شعر الحاجب واللحية في العمد القصاص.
قيل: صورة حلق شعر الرأس واللحية خطأ هي: أن يظنه مباح الدم فحلق ثم ظهر أنه غير مباح.
م: (وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما: نصف الدية) ش: يعني إذا حلق الحاجبين أو تبعا فلم ينبتا تجب الدية لأنه أزال الجمال على الكمال. م: (وعند مالك والشافعي - رحمهما الله -: تجب حكومة عدل) ش: لأنهما لا يوجبانه في الشعر ولا يجب القصاص بالاتفاق م: (وقد مر الكلام فيه وفي اللحية) ش: أي عند قوله: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية.

[دية العينين واليدين والرجلين والشفتين والأذنين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: «وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية» ، كما روى في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا غريب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية» ش: تقدير هذا في الفصل المذكور، وفيما كتب لعمرو بن حزم: «وفي العين الواحدة نصف الدية، وفي اليد الواحدة نصف الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية» .

(13/181)


ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية.
قال: وفي ثديي المرأة لما فيه من تفويت جنس المنفعة وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن وفي إحداهما نصفها لما بيناه.
قال: وفي أشفار العينين الدية، وفي إحداها ربع الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يحتمل أن مراده الأهداب مجازا كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال، فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية) .

[دية ثديي المرأة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي ثديي المرأة الدية لما فيه من تفويت جنس المنفعة، وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن تفويت الاثنين من هذه الأشياء إلى قوله: فيجب نصف الدية.
م: (بخلاف ثدي الرجل) ش: بضم الثاء المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي م: (حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال، وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الثوري ومالك: إن ذهب اللبن وجبت الدية وإلا تجب حكومة عدل.
م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى الحلمتين م: (نصفها) ش: أي نصف الدية م: (لما بيناه) ش: أي عند قوله: لأن في تفويت الاثنين إلى آخره.
وقال الكرخي: وإن قطع الحلمة من ثدي المرأة وحدها أو قطع الثدي وفيه الحلمة فيه نصف الدية للحلمة والثدي، وسواء كان ذلك بضربة أو ضربتين إذا كان ذلك قبل البرء من الأول.
وفي " الجمهرة ": حلمتا الثدي النابتتان في طرفه، وهما أول الحياة.

[دية أشفار العينين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي أشفار العينين) ش: الأشفار جمح الشفر بالضم وهو منبت الأهداب، وهو جمع هدب، وهو الشعر الذي على الأجفان م: (الدية) ش: أي تجب الدية، م: (وفي إحداهما) ش: أي في أحد الأشفار م: (ربع الدية) ش: هذا عند أكثر أهل العلم.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:) ش: أي المصنف م: (يحتمل أن مراده) ش: أي مراد القدوري من الأشفار م: (الأهداب مجازا) ش: أي من حيث المجاز م: (كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: حيث جعل الأشفار اسما للشعر الذي ينبت على حروف العين، وقد خطأه أهل

(13/182)


للمجاورة كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير، وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها، ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر والحكم فيه هكذا، ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة؛ لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة.
قال: وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في كل أصبع عشر من الإبل»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللغة في هذا كما لو استعار منابت الشعور والشعور تسمى أهدابا.
وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دفعا لتخطئتهم محمدا بقول: يحتمل أن يكون بطريق المجاز م: (للمجاورة) ش: من طريق إطلاق اسم المحل على الحال، والمجاز تتابع في كلام العرب لا ينكره إلا من لا معرفة له من العلوم.
وذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظيرا لهذا المجاز بقوله: م: (كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير) ش: أي الرواية حقيقة في البعير لأن البعير الذي يحمل عليه الماء الرواية وكثر ذلك حتى سموا القربة رواية مجازا للمجاورة كما سمي المطر سماء.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من وجوب الدية في أشفار العينين وفي أحدهما ربع الدية م: (لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى) ش: وهو الذي يقع في العين. م: (عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل) ش: أي في كل الأشفار م: (كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها) ش: أي ثلاثة أرباع الدية.
م: (ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر) ش: هذا عطف على قوله: يحتمل مراده الأهداب مجازا أي ويحتمل أن يكون مراد القدوري من الأشفار الحقيقة وهو منبت الشعر م: (والحكم فيه هكذا) ش: والحاصل كلام القدوري يحتمل الحقيقة والمجاز جميعا، والحكم في الكل واحد.
قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة) ش: أي قصبة الأنف، وفي " التحفة ": إذا قطع الأجفان التي لا أشفار لها تجب حكومة العدل.

[دية أصابع اليدين والرجلين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في كل أصبع عشر من الإبل» ش: هذا روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم أبو موسى الأشعري -

(13/183)


ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها. قال: والأصابع كلها سواء لإطلاق الحديث، ولأنها سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال، وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع سواء في كل أصبع عشر من الإبل» ومنهم ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه عنه الترمذي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل في كل أصبع» وقال: حديث حسن صحيح غريب.
ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع كلها سواء في كل أصبع واحد عشر من الإبل» م: (ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها) ش: أعشارا أي على الأصابع عشرا في كل أصبع عشر من الإبل
م: (قال) ش: أي القدوري م: (والأصابع كلها سواء) ش: أي أصابع اليدين وأصابع الرجلين كلها سواء م: (لإطلاق الحديث) ش: المذكور، وهو مذهب علي " وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ولا نعلم فيه خلافا إلا رواية عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى في الإبهام بثلاثة عشر إبلًا، وفي التي تليها اثني عشر، وفي الوسطى بعشرة وفي التي تليها تسعة وفي الخنصر ستة. وروي عنه كقول العامة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأصابع م: (سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه) ش: أي في البعض م: (كاليمين مع الشمال) ش: يعني هما سواء في إيجاب الحكم حيث تجب الدية فيهما على السواء، وإن كانت منفعة اليمين أكثر م: (وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما) ش: أي في الرجلين م: (عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا)

(13/184)


قال: وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصبع، وما فيها مفصلات ففي أحدهما نصف دية الأصبع وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع.
قال: وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا، ولما روي في بعض الروايات: والأسنان كلها سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي عشر في كل أصبع.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصابع، وما فيها مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع، وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع) ش: هذا ليس فيه خلاف إلا ما حكي عن مالك أنه قال: للإبهام أيضا ثلاثة أحدها بباطنه، وليس بصحيح لأن الاعتبار يقتضي وجوب العشر في الظاهر لا ما بطن منها، وأصابع اليدين والرجلين سواء بلا خلاف.

[دية الأسنان والأضراس]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» ش: وأخرج ابن ماجه من حديث عكرمة عن ابن عباس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في السن خمسا من الإبل» .
م: (والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا) ش: أشار به إلى حديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال فيه: «وفي السن خمس من الإبل» . م: (ولما روي في بعض الروايات: «والأسنان كلها سواء» ش: هذا رواه البزار في مسنده من حديث عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الثنية والضرس سواء والأسنان كلها سواء، وهذه سواء» . وقال الأترازي: قال القدوري: والأسنان والأضراس كلها سواء، وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء بلا ذكر الأضراس، ويقال: والأنياب والأضراس سواء، لأن الضرس دخل تحت السن لأن السن يشمله والعطف يوهم المغايرة بين السن والضرس. انتهى.

(13/185)


ولأن كلها في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع، وهذا إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات.
قال: ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوؤها لأن المتعلق تفويت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: قوله: والأسنان والأضراس كلها سواء، قالوا: فيه نظر، والصواب: وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء، ويقال: والأنياب والأضراس كلها سواء لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون أربع منها ثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان أسفل، ومثلها رباعيات، وهي ما يلي الثنايا ومثلها أنياب تلي الرباعيات، ومثلها أضراس تلي الأنياب، واثنتي عشرة سنا تسمى الطواحين من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل وبعدهن اثنان أخريان، وهي آخر الأسنان، وتسمى النواجذ، وهي في أقصى الأسنان وهي جمع ناجذ، وتسمى سن الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وقت كمال العقل، فلا يصح أن يقال: الأسنان والأضراس سواء لعوده إلى معنى الأسنان وبعضها سواء. انتهى.
قلت: يمكن منع النظر من حيث المغايرة بين الأضراس والأسنان حاصلة من جهة التسمية، لأن غير الضرس من الأسنان، فمن هذه الحيثية لا تتوهم المغايرة. وفي " الخلاصة ": لو ضرب سن رجل حتى تحولت وسقطت إن كان خطأ تجب خمسمائة على العاقلة، وإن كان عمدا يقتص وفي التساوي الصغير إذا قلع سن البالغ لا يستأني لأن النبات بعد البلوغ نادر، ولو قطع سن الصبي يستأنى حولًا لأن النبات ليس بنادر. ومع هذا لو قلع سن البالغ ثم نبت لا شيء عليه " وفي " الخلاصة ": إشارة إلى أنه يؤجل في البالغ. وفي نسخة الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستأنى حولًا في الكبير الذي لا يرجى نباته في الكسر والقطع " وهكذا في " شرح الشافي " وهكذا في" المنتقى " قال: وبالأول يقضي أنه لا يؤجل ولو قطع جميع أسنانه يجب ستة عشر ألفا، لأن أسنانه تكون ثمانية وعشرين.
حكي عن امرأة قالت لزوجها: يا كوسج " فقال: إن كنت كوسجا فأنت طالق. سئل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك فقال: تعد أسنانه إن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج م: (ولأن كلها) ش: أي كل الأسنان م: (في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع) ش: أي كما لا يعتبر التفاوت في الأيدي والأصابع لأن كلها سواء في جنس المنفعة.
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره كله م: (إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات) .

[دية من ضرب عضوا فأذهب منفعته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوؤها لأن التعلق) ش: أي الموضع الذي يتعلق به وجوب كل الدية م: (تفويت

(13/186)


جنس المنفعة لا فوات الصورة
ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة. وكذا لو أحدبه لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة فلو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جنس المنفعة لا فوات الصورة) ش: لأن الصورة قائمة.
فإن قيل: ذكر في " المبسوط " أن في اليد الشلاء وفقء العين العوراء حكومة عدل، وذكر هنا أن في إذهاب منفعة اليدين مع بقاء الصورة كمال الدية فعلم أن الصورة والمعنى كل واحد متعين يوجب شيئا يحق له. فينبغي أن يحب بقطع اليدين الصحيحتين الدية مع الحكومة، فالدية لإزالة المنفعة والحكومة لإزالة الصورة قلنا نعم، كذلك، إلا أنه أدخل الأقل في الأكثر كما لو شج فذهب العقل دخل أرش الموضحة في الدية.

م: (ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة) ش: وهو النسل م: (وكذا) ش: أي تجب الدية م: (لو أحدبة) ش: أي ضرب ظهره فحدث من ذلك م: (لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة، ولو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر) ش: ولو بقي أثر الضربة بعد زوال الحدبة، ويلزم حكومة عدل لأنه زال به النفع الذي تجب به كل الدية.

(13/187)


فصل في الشجاج قال: الشجاج عشرة: الحارصة: وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم. والدامعة: وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كالدمع في العين. والدامية: وهي التي تسيل الدم. والباضعة: وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه. والمتلاحمة: وهي التي تأخذ في اللحم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الشجاج]
[أنواع الشجاج]
م: (فصل في الشجاج) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشجاج وهو جمع شجة، ولما كان الشجاج نوعا من أنوع ما دون النفس وتكاثرت مسألة ذكرها في فصل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (الشجاج عشرة) ش: أي عشرة أنواع وجه انحصارها في العشرة يظهر بحسب على تعاقب آثارها الأولى م: (الحارصة) ش: بالحاء والصاد المهملتين ومنه قولهم: حرص القصار الثوب، إذا خرفه في الدق م: (وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه) ش: من الخدش بالخاء والشين المعجمتين وهو قطع الجلد م: (ولا تخرج) ش: أي الحاصرة لا يخرج م: (الدم، والدامعة) ش: أي الثانية من الشجاج هي التي تسمى بالدامعة م: (وهي التي تظهر الدم ولا تسيله) ش: بضم التاء من الإسالة فهي لا تسيل الدم ولكن يظهر م: (كالدمع في العين) ش: يظهر ولا يسيل.
م: (والدامية) ش: وهو بالتحريك.
وقال سيبويه: دمي بالتسكين، وقال المبرد: بالتحريك. وقال الجوهري:
يقال: دمى الشيء يدمي دمي ودميا فهو دم مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق. قلت: لم يقل " فهو دام " فدل على أن الفاعل منه لا يجيء إلا على وزن الصفة المشبهة وعلى ما ذكره الفقهاء يكون دام وأصله دامي فاعل إعلال ماض.
وللتأنيث يقال: دامية م: (وهي التي تسيل الدم) ش: بضم التاء من الإسالة م: (والباضعة) ش: أي الشجة الرابعة هي التي تسمى بالباضعة م: (وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه) ش: من البضع وهو الشق والقطع، وفي " المغرب ": الباضعة هي التي جرحت الجلد وشقت اللحم. م: (والمتلاحمة) ش: أي الشجة الخامسة التي تسمى بالمتلاحمة م: (وهي التي تأخذ في اللحم) ش: وفي " المغرب ": المتلاحمة من الشجاج التي تشق اللحم دون العظم ثم يتلاحم بعد شقها أي تتلاحم وتتلاصق.
وقال الأزهري: الوجه أن يقال: اللاحمة، أي القاطعة اللحم، وإنما سميت بذلك على التأول إليه، أي على التفاؤل، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي قبل الباضعة، وهي التي يتلاحم

(13/188)


والسمحاق: وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس. والموضحة: وهي التي توضح العظم أي تبينه. والهاشمة: وهي التي تهشم العظم. والمنقلة: وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله. والآمة: وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ.
قال: ففي الموضحة القصاص، إن كانت عمدا لما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى بالقصاص في الموضحة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها الأحمر الدم ويسود. ولا يبضع اللحم. م: (والسمحاق) ش: أي الشجة السادسة هي التي تسمى بالسمحاق م: (وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس) . ش: وفي " المغرب ": السمحاق، جلدة رقيقة فوق عظم الرأس إذا انتهت إليه الشجة يسمى سمحاق ومنه قيل للعظم الرقيق سماحيق م: (والموضحة) ش: أي الشجة السابعة تسمى بالموضحة م: (وهي التي توضح العظم أي تبينه) ش: وفي " المغرب ": يقال أوضحت الشجة في رأسه وأوضح فلان في رأس فلان إذا شج هذه الشجة، وإما قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أنه شجه فأوضحه " فلم أجده إلا في رسالته م: (والهاشمة) ش: أي الشجة الثامنة هي التي تسمى بالهاشمة م: (وهي التي تهشم العظم) ش: من الهشم، وهو كسر الشيء الرخو من باب ضرب. م: (والمنقلة) ش: أي الشجة التاسعة، هي التي تسمى بالمنقلة م: (وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله) ش: من وضع إلى موضع آخر.
م: (والآمة) ش: بالمد وتشديد الميم، وهي الشجة العاشرة م: (وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ) ش: وفي " المغرب " وإنما قيل للشجة: آمة، ومأمومة، على معنى ذات أم كعيشة راضية، وجمعهما: أوام ومأمومات.
وقال القدوري في "شرحه ": ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد وتصل إلى الدماغ. فهذه إحدى عشرة شجة. ولم يذكر فيها محل الحارصة ولا الدامية، لأن الحارصة لم يبق لها أثر في الغالب.
والشجة التي لا أثر لها في الغالب لا حكم لها. ولم يذكر الدامغة، لأن الإنسان لا يعيش معها، فلا معنى لإثبات حكم الشجاج فيها. وما سوى ذلك فالحكم فيه مختلف على ما يجيء، إن شاء الله تعالى.

[القصاص في الموضحة إن كانت عمدا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ففي الموضحة القصاص إن كانت عمدا لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «قضى بالقصاص في الموضحة» ش: هذا حديث غريب.

(13/189)


ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص.
قال: ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لا حد ينتهي السكين إليه، ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه. وهذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد في " الأصل " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ظاهر الرواية -: يجب القصاص فيما قبل الموضحة؛ لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار، ثم تتخذ حديدة بقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج البيهقي، عن عطاء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل ملك ولا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات» . وهو مرسل.
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن الحسن وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقض فيما دون الموضحة بشيء» ، م: (ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص) ش: لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق القصاص لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق الاستيفاء.

[القصاص فيما قبل الموضحة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها) ش: أي في بقية الشجاج م: (لأنه لا حد ينتهي السكين إليه) ش: فلا يوجد المساواة م: (ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه) ش: أي في العظم.
م: (وهذه) ش: أي المذكور. م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها الحسن عنه وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وهو ظاهر الرواية: يجب القصاص فيما قبل الموضحة) ش: أي دون الموضحة في الأثر كالسمحاق ونحوه.
وفي " الكافي ": هذا هو الصحيح، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . ويمكن اعتبار المساواة كما ذكره في المتن، وهو قول مالك م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار) .
ش: يقال: سبرت الجرح أسبره إذا نظرت ما غوره، والمسبار، بكسر الميم ما يسبر به الجرح، والتسبار مثله. وكل أمر رزوته فقد سبرته واستبرته. كذا في " الصحاح " قوله: رزوته بالراء ثم بالزاي قاله الجوهري رزوته أروزه روازة أي خبرته وخبرته م: (ثم تتخذ حديدة بقدر

(13/190)


ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص.
قال: وفيما دون الموضحة حكومة عدل؛ لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال: وفي الموضحة، إن كانت خطأ نصف عشر الدية، وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة: ثلث الدية» . وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في الجائفة ثلث الدية» . وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك، فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص) .

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفيما دون الموضحة حكومة عدل) ش: أي فيما دون الموضحة من حيث الأثر، وقيل: الموضحة من حيث الذكر " وهي من الخارصة إلى السمحاق.
م: (لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) .
ش: أما [أثر] إبراهيم النخعي، فرواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري، عن حماد عن إبراهيم، قال: فيما دون الموضحة حكومة. ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان به " وأما أثر عمر بن عبد العزيز فغريب

[في الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشروفي المنقلة خمسة عشر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي الموضحة، إن كانت خطأ، نصف عشر الدية. وفي الهاشمة عشر الدية. وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية. وفي الآمة ثلث الدية. وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان، ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة: خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة، ثلث الدية» ش: وقد تقدم هذا في كتاب عمرو بن حزم.
م: (وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في الجائفة ثلث الدية» ش: هذا أيضا تقدم في حديث عمرو بن حزم. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن أشعث عن الزهري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الجائفة بثلث الدية» .
م: (وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية)

(13/191)


ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين: إحداهما من جانب البطن، والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة، وقال: هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود، وما ذكرناه بدءا مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال: سمعت ابن المسيب قال: قضى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في الجائفة تكون نافذة بثلثي الدية. وقال: إنهما جائفتان.
قال سفيان: ولا تكون الجائفة إلا في الجوف.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الجائفة م: (إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين إحداهما من جانب البطن والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك.
وحكي عن بعض أصحاب الشافعي وعن أبي حنيفة في رواية أنه جائفة واحدة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة) ش: أي في الذكر م: (وقال) ش: أي محمد م: (هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود) ش: وقال تاج الشريعة: وليس معناه أنها قبل الباضعة من حيث إن تحته دونه، بل من حيث إن المتلاحمة عند محمد ما يظهر اللحم ولا تقطعه من قولهم: التحم السنان إذا اتصل أحدهما بالآخر، والباضعة بعدها. وفي ظاهر الرواية: المتلاحمة ما يعمل في قطع أكثر اللحم وهي بقدر الباضعة وهي تقطع بعض اللحم.
م: (وما ذكرناه بدءا) ش: أي أولا، قال الجوهري: البدء والبدء أيضا الأول، ومنه قولهم: أفعله بادي على وزن فاعل، وبادي بديء على وزن فعيل، أي أول شيء. م: (مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو ظاهر الرواية.
م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من رواية أبي يوسف ومحمد م: (اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم) ش: أي الذي روي عن محمد أن المتلاحمة قبل الباضعة، والذي روي عن أبي يوسف الباضعة قبل المتلاحمة، اختلاف في الاسم لا في المعنى والحكم؛ لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي ذهب فيه اللحم أرشها، وكذلك أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي قبل الباضعة أقل منها أرشا، وإنما الخلاف في الاسم.
قال محمد: المتلاحمة مأخوذة من الاجتماع، يقال: التحم الحيان إذا اجتمعا، وقال أبو يوسف: إنها مأخوذة من الذهاب في اللحم، كذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ".

(13/192)


وبعد هذا شجة أخرى تسمى الدامغة، وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها لأنها تقع قتلا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة، ثم هذه الشجاج تختص بالوجه والرأس لغة، وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح، حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر، وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف، وهو إنما ورد فيما يختص بهما؛ ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها في الغالب، وهو العضوان هذان لا سواهما، وأما اللحيان فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبعد هذا) ش: أي بعد ذكر الآمة التي هي عاشرة الشجاج م: (شجة أخرى تسمى الدامغة) ش: بالغين المعجمة م: (وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها) ش: يعني محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل م: (لأنها تقع قتلًا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة) ش: وقد مر بيان هذا عن قريب م: (ثم هذه الشجاج) ش: لما ذكر قبل هذا حكم الشجاج شرع بذكر مواضع الشجاج م: (تختص بالوجه والرأس لغة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم، وعلى ما ذكر في " الإيضاح " مختص بالوجنتين والرأس أيضا.
وقال أبو الليث: يثبت حكم هذه الشجاج في كل البدن. م: (وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة) ش: أي حكم الشجاج يثبت في الوجه والرأس على ما هو حقيقة اللغة م: (في الصحيح) ش: احترازا عن قول أبي الليث، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (حتى لو تحققت) .
ش: وقال تاج الشريعة: حتى لو تحققت الموضحة والهاشمة والمنقلة م: (في غيرهما) ش: أي في غير الرأس والوجه م: (نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر. وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف) ش: يعني لأن التقدير من أمرين والأمور لا تكون إلا بالتوقيف على الشرع م: (وهو) ش: أي التوقيف م: (إنما ورد فيما يختص بهما) ش: أي بالوجه والرأس م: (ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها) ش: أي من الأعضاء م: (في الغالب، وهو العضوان هذان) ش: أي الوجه والرأس. م: (لا سواهما) ش: أي لأن ما سواهما يغطى في العادة فلا يلحقه الشين كما يلحق في الوجه والرأس م: (وأما اللحيان) ش: بفتح اللام تثنية اللحي، وهو الذي عليه اللحية. م: (فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
ش: وقال صاحب: " الذخيرة ": والذقن من الوجه بلا خلاف، والعظم الذي تحت الذقن،

(13/193)


حتى لو وجد فيهما ما فيه أرش مقدر لا يجب المقدر، وهذا لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا، وقالوا: الجائفة تختص بالجوف - جوف الرأس أو جوف البطن - وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة يجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو اللحيان من الوجه عنده، حتى لو وجدت الشجاج الثلاث الموضحة والهاشمة والمنقلة في اللحيين كان لها أرش مقدر عندنا خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو معنى قوله: م: (حتى لو وجد فيهما) ش: أي في اللحيين م: (ما فيه أرش مقدر) ش: وهو الشجاج الثلاثة المذكورة م: (لا يجب المقدر، وهذا) ش: أي عدم الأرش المقدر فيهما م: (لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما) ش: أي في اللحيين.
م: (إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به) ش: أي لاتصال اللحيين بالوجه م: (من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا) ش: أي في اللحم يعني المواجهة أيضًا، فيكون من الوجه حقيقة، قيل عليه [. . .] أن يكون غسلهما فرضًا في الطهارة، وأجيب بأنه ترك هذه الحقيقة بالإجماع والإجماع هنا فبقيت العبرة للحقيقة.
م: (وقالوا) ش: أي المشايخ: م: (الجائفة تختص بالجوف، جوف الرأس أو جوف البطن) .
ش: وفي " الأجناس ": الجائفة وإن نفذت من رواية ففيها ثلث الدية إن كان عمدًا ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته. والجائفة تكون ما بين اللبة والعانة ولا يكون فوق الذقن، ولا يكون تحت العانة بين الفخذين والرجلين.
وقال الكرخي في " مختصره ": ولا تكون الجائفة في الرقبة ولا في الحلق، ولا تكون إلا فيما يصل إلى الجوف من الصدر والظهر والبطن والجبين، وكل ما وصل إلى الفم ففيه حكومة عدل وليس بجائفة، ولا يكون في اليدين ولا في الرجلين، ثم في الشجاج كلها إذا برأت ولم يبق لها أثر بعد البرء لا يجب شيء في العمد والخطأ، إلا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يجب مقدار أجر الطبيب. كذا في " شرح الطحاوي ". وأما إذا بقي لها أثر بعد البرء في الخطأ في الموضحة وما فوقها أروش مقدرة وقبلها حكومة عدل. أما في العمد فلا يجب القصاص إلا في الموضحة وفيما قبلها حكومة عدل، وفيما فوقها الأروش، م: (وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة

(13/194)


نصف عشر الدية، وإن كان ربع عشر فربع عشره، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة، فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية؛ لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب نصف عشر الدية، وإن كان ربع العشر فربع عشره) . م: (وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم) ش: بيان قوله: كم مقدار هذه الشجة أن هذه الشجة لو كانت باضعة مثلا فإنه ينظر كم مقدار الباضعة من الموضحة، فإن كان مقدارها ثلث الموضحة يجب ثلث أرش الموضحة وإن كان ربع الموضحة يجب ربع أرش الموضحة، وإن كان ثلاثة أرباع الموضحة يجب ثلاثة أرباع أرش الموضحة. قال شيخ الإسلام: هذا هو الأصح، وفي " فتاوى قاضي خان ": وعلى قول الطحاوي الفتوى، وبه أخذ الحلواني، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأهل العلم، وقال ابن المنذر: وهو قول كل من يحفظ عنه.

(13/195)


فصل قال: وفي أصابع اليد نصف الدية لأن في كل أصبع عشر الدية على ما روينا فكان في الخمس نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب على ما مر، فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية» ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها، وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس]
[في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس م: (قال: وفي أصابع اليد نصف الدية) ش: هذا قول القدوري في " مختصره " لما روينا، وفي بعض النسخ: على ما روينا في فصل الشجاج في حديث عمرو بن حزم: «في كل أصبع عشر من الإبل» فإذا وجب م: (لأن في كل أصبع عشر الدية) ش: من الإبل، وهو عشر الدية م: (على ما روينا) ش: يكون في أصابع اليد الواحدة إذا قطعت خطأ نصف الدية لأن فيها خمس أصابع م: (فكان في الخمس) ش: أي في خمس الأصابع م: (نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب) ش: أي الموجب للدية تفويت جنس المنفعة م: (على ما مر) ش: أي في فصل مما دون النفس م: (فإن قطعها) ش: أي الأصابع م: (مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وفي اليدين الدية» ش: تقدم من ذلك (ما) فيه الكفاية م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى اليدين م: (نصف الدية) ش: هو أيضا لفظ الحديث م: (ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها) ش: أي بالأصابع م: (وان قطعهما) ش: أي اليد م: (مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
وبه قال الشافعي - ظاهر مذهبه - والقاضي الحنبلي، م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف: م: (أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع) ش: وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأصحاب الشافعي وهو قول النخعي وقتادة وعطاء، لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب

(13/196)


ولهما: أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين، ولأن لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما عضوا كاملا ولا إلى أن يكون تبعا للكف لأنه تابع، ولا تبع للتابع. قال: وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية، وإن كان أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين لأن الكل شيء واحد، ولا إلى إهدار أحدهما؛ لأن كل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يزاد على تقدير الشرع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد: م: (أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين) ش: بيان هذا: أن اليد آلة باطشة بمعنى أرش اليد يجب باعتبار إزالة البطش.
والأصل في البطش الأصابع، والكف تبع لها، وأما الساعد فلا يتبعها لأنه غير متصل بها فلم يجعل تبعا لها في التضمين.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذراع م: (لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما) ش: أي بين الذراع والأصابع م: (عضوا كاملا) ش: وهو الكف م: (ولا إلى أن يكون) ش: أي لا وجه إلى أن يكون م: (تبعا للكف لأنه) ش: أي لأن الكف م: (تابع، ولا تبع للتابع) ش: بيانه: أن الذراع لا يجوز أن يتبع الأصابع لأنه يفصل بينهما عضو فلا يكون تبعا، ولا يجوز أن يستتبع الكف لأنه تبع في نفسه فلا يثبت له تبع. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه) ش: أي في الأصبع الواحدة م: (عشر الدية) .
ش: وفي بعض النسخ: ففيها، فالأصبع يذكر ويؤنث م: (وإن كان أصبعان فالخمس) ش: أي الواجب خمس الدية م: (ولا شيء في الكف وهذا) ش: أي وهذا الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع) ش: أي حكومة العدل في الكف والأصبع م: (فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين) ش: أي أرش الكف وأرش الأصبع يعني الجمع بين هذين الأرشين جمع اتفاق م: (لأن الكل شيء واحد) ش: لأن ضمان الأصابع ضمان الكف والأصابع، فهذا شيء واحد، م: (ولا إلى إهدار أحدهما) ش: أي ولا وجه أيضا إلى إهدار أحدهما م: (لأن كل واحد منهما) ش: من الكف والأصابع) م:

(13/197)


أصل من وجه فرجحنا بالكثرة، وله: أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة وشرعا لأن البطش يقوم بها. وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من حيث الذات والحكم أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب، ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أصل من وجه) ش: أما الأصابع فظاهر وأما الكف فأصل من حيث إن قيام الأصابع به م: (فرجحنا بالكثرة) ش: كما قلنا فيمن شج رأس شخص وتناثر بعض شعره حيث يدخل هناك الأقل في الأكثر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة م: (وشرعا) ش: أي من حيث الشرع وبين وجه الحقيقة بقوله: م: (لأن البطش يقوم بها) ش: أي بالأصابع.
وبين وجه الشرع بقوله: م: (وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من الذات والحكم) ش: أي من حيث الحقيقة والشرع م: (أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب) ش: كما أن التقدير الشرعي ثابت بالنص، وما لم يثبت فيه تقدير يكون تقديره بالرأي، والرأي لا يعارض النص، وأما قولهما: " إن بالكثرة أولى نقلنا " إنما يصار إلى الترجيح عند المساواة في القوة ولا مساواة بين النص والرأي.
وأما مسألة الشعر فلا يكون تبعا للآخر وفيما نحن فيه الكف تبع، كذا ذكره قاضي خان، فلما كان الاعتبار عند أبي حنيفة للنص وتقدير الشرع، لا يتفاوت بين أن يكون الباقي أصبعا أو أكثر، ولهذا قال أبو حنيفة: إذا لم يبق من الأصبع إلا مفصل واحد ففي ظاهر الرواية عنده أرش ذلك المفصل أو يجعل الكف تبعا له لأن أرش المفصل مقدر شرعا، وما بقي شيء من الأصل، وإن قل لا حكم للتبع كما إذا بقي واحد من أصحاب الخطر في المحل لا يعتبر المكان.
وروى الحسن عن أبي حنيفة: إذا كان الباقي دون أصبع يعتبر فيه الأقل والأكثر كقولهما فيدخل الأقل في الأكثر والأول أصح.
م: (ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها) ش: ثم قطعت مع الكف.

(13/198)


قال: وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمي لأنه جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة. وكذلك السن الشاغية لما قلنا وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيه دية كاملة لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن. ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويقال: هذا الشيء بأسره أي بجميعه، كما يقال يومئذ.
م: (قال: وفي الأصبع الزائدة) ش: أي وفي قطع الأصبع الزائدة م: (حكومة عدل) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، والثوري، ولا يعلم لهم مخالف، وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: فيها ثلث دية الأصبع.
وفي " الذخيرة ": فيها الحكومة سواء كان في العمد أو في الخطأ، وسواء كان للقاطع أصبع زائد أم لا.
م: (تشريفا للآدمي) ش: أي لأجل تشريفه لأنه مكرم م: (لأنه) ش: أي لأن الأصبع الزائدة م: (جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة) ش: أي ولا جمال فيه قيل عليه أنه منقوص بما إذا كان من ذقن رجل شعراته منفردة وأزالها رجل، ولم ينبت مثلها فإنه لم يجب فيه حكومة عدل، وإن كان الشعر جزءا من الآدمي بدليل أنه لا يحل الانتفاع به، وأجيب بأن إزالة جزء الآدمي إنما يوجب حكومة عدل إذا بقي من أثره ما يشينه كما في قطع الأصبع الزائدة، وإزالة الشعرات تزينه ولا تشينه، فلا يوجبها، كما لو قص ظفر غيره بغير إذنه.
م: (وكذلك السن الشاغية) ش: بالشين والغين المعجمة، أي الزائدة، يقال: شغيت أسنانه إذا اختلف بينها وتراكبت، وقيل: الشغى أن تقع الأسنان العليا على السفلى، ورجل أشغى وامرأة شغياء ومنه سميت العقاب شغياء لأن مقدم مسيرها مطبق على الآخر جزءا منها بكسر الميم لسباع الطير بمنزلة المستعار لغيرها م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: " لأنه جزء من يده "، يعني كما الأصبع الزائدة جزء من المجني عليه، كذلك السن الشاغية جزء فلا تجب الحكومة، فكذا هنا.
م: (وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه دية كاملة) ش: وبه قال أحمد، وهو قول الثوري م: (لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن) ش: من الصبي م: (ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب

(13/199)


الأرش الكامل بالشك والظاهر لا يصلح حجة للإلزام بخلاف المارن والأذن الشاخصة؛ لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال، وكذا لو استهل الصبي لأنه ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت ومعرفة الصحة فيه بالكلام، وفي الذكر بالحركة، وفي العين بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك حكمه حكم البالغ في العمد والخطأ.
قال: ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأرش الكامل بالشك) ش: لأن السلامة بالدليل وبالظاهر تثبت السلامة. م: (والظاهر لا يصلح حجة للإلزام) ش: إنما قيد بالإلزام لأن مثل هذا الظاهر يصلح حجة لغير الإلزام، حتى إنه لو أعتق صغيرا لا يعلم صحة هذه الأعضاء منه يقينا يخرج عن عهدة الكفارة لأن الغالب هو السلامة.
وقد تقدم من قبل في قوله: " ويجزيه رضيع "، وفي ذكر الخصى والعنين حكومة عدل عنده. وبه قال أحمد في رواية، قال الشافعي: فيها دية كاملة، وبه قال مالك وأحمد في رواية في ذكر الخصى مثل قولنا، وهو قول الثوري، وقتادة، وإسحاق م: (بخلاف المارن والأذن الشاخصة لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال) ش: ومعنى الشاخصة المرتفعة عن شخص بالفتح شخوصا، وقال في " الجمهرة ": شخص من مكان إلى مكان إذا سار في ارتفاع.
م: (وكذا لو استهل الصبي) ش: يعني يكون في لسان الصبي حكومة عدل ما لم يتكلم، وإن استهل م: (لأنه) ش: أي لأن استهلال الصبي م: (ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت) ش: بكاء م: (ومعرفة الصحة فيه بالكلام) ش: أي في الصوت.
م: (وفي الذكر بالحركة) ش: أي ومعرفة الصحة في الذكر بالحركة عند البول.
م: (وفي العين) ش: أي ومعرفة الصحة وفي العين م: (بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك) ش: أي بعد ما ذكر من الأشياء المذكورة م: (حكمه) ش: أي حكم الصبي م: (حكم البالغ في العمد والخطأ) ش: لأنه حينئذ يتبين أنه أتلف منفعة العضو كاملة فيترتب للصبي على الجاني مثل ما يترتب للبالغ في حالة العمد وحالة الخطأ.

[شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية) ش: وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد: لا يدخل، وبه قال مالك، وأحمد، والحسن، وزفر في رواية.
قال القدوري: فإن قيل: من أين يعرف ذهاب السمع والشم والبصر؟ قيل له: يعرف

(13/200)


لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط،
والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده. وقال زفر: لا يدخل لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه. قال: وإن ذهب سمعه وبصره، أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية. قالوا: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير ذلك من الوجوه، م: (لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) ش: لأنه يكون كالميت والملحق بالبهائم م: (فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط) ش: أي لو نبت الشعر في موضع الشجة يسقط الأرش.

[قطع أصبع رجل فشلت يده]
م: (والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد) ش: أي تعلق أرش الموضحة والدية جميعا بسبب واحد وهو فوات الشعر لكن سبب الموضحة البعض وسبب الدية الكل م: (فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده) ش: فيجب أرش اليد لا أرش الأصبع، والأصل فيه وما أشبه أن الجزء يدخل في الكل.
م: (وقال زفر: لا يدخل) ش: أرش الموضحة في الدية م: (لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه) ش: قيل: يعني به قوله لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، وقيل قوله: وقد تعلقا بسبب واحد، وهو أشمل من الأول.
م: (قال: وإن ذهب سمعه وبصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
ش: قال في " النهاية ": ذكر أبي يوسف مع أبي حنيفة وقع سهوا لكونه مخالفا لجميع روايات الكتب المتداولة فينبغي أن يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر) ش: روى هذه الرواية عن أبي يوسف الحسن بن زياد.
فإن قيل: من أين يعلم ذهاب البصر والسمع والكلام؟
قيل له: يعرف ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير

(13/201)


وجه الأول أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء على ما بينا، ووجه الثاني: أن السمع والكلام مبطن فيعتبر بالعقل والبصر ظاهر فلا يلحق به.
قال: وفي " الجامع الصغير ": ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قالوا: وينبغي أن تجب الدية فيهما. وقالا: في الموضحة القصاص. قالوا: وينبغي أن تجب الدية في العينين. قال: وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك من الوجوه في معرفة ذلك.
م: (وجه الأول) ش: هو: أن أرش الموضحة لا يدخل في الدية الواجبة بذهاب السمع والبصر والكلام م: (أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة) ش: فلا يدخل بعضه في بعض م: (بخلاف العقل) ش: يعني أن العقل ليس كذلك. م: (لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء) ش: فصار كالروح ولزوال الروح في الشجة دخل أرشها في دية الروح فكذا إذا ذهب العقل م: (على ما بينا) ش: أراد به قوله: لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء.
م: (ووجه الثاني) ش: يعني قوله: وعن أبي يوسف م: (أن السمع والكلام مبطن) ش: يعني كل واحد منهما باطن م: (فيعتبر بالعقل) ش: فيدخل أرش الموضحة في ديته م: (والبصر ظاهر فلا يلحق به) ش: أي بالعقل فلا يدخل أرش الموضحة فيه كاليد والرجل. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: والكلام مبطن، قيل: يريد به الكلام النفسي بحيث لا يفهم منها المعاني ولا يقدر على نظم المتكلم، وإن كان المراد ذلك كان الفرق بينه وبين ذهاب العقل عسير جدا وإن كان المراد به التكلم بالحروف والأصوات نفي جعله مبطنا وظاهرا.

[شج رجلا موضحة فذهبت عيناه]
م: (قال: وفي " الجامع الصغير ": من شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال أبو الليث: ولكن يجب عليه أرش الموضحة ودية العينين م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (وينبغي أن تجب الدية فيهما) ش: أي في الموضحة والعينين يعني أنه يجب أرش الموضحة ودية العينين. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (في الموضحة القصاص، قالوا) ش: أي المشايخ في شروحهم م: (وينبغي أن تجب الدية في العينين) ش: أي على قولهما، وإنما كرر لفظ " قالوا " لأن الأول في قول أبي حنيفة والثاني في قولهما.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها) ش: أي أو شلت اليد كلها، والشلل فساد في اليد

(13/202)


لا قصاص عليه في شيء من ذلك وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى وفيما بقي حكومة عدل، وكذلك لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي ولم يحك خلافا، وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال: اقطع المفصل واترك ما يبس أو اكسر القدر المكسور أو اترك الباقي لم يكن له ذلك لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار كما لو شجه منقلة فقال أشجه موضحة وأترك الزيادة لهما في الخلافية أن الفعل في محلين. فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما لا تتعدى إلى الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من باب علم م: (لا قصاص عليه في شيء من ذلك) ش: أي باتفاق أصحابنا.
وقال الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يسقط القود عن الأصبع لأنه عمد يمكن في الاعتبار المساواة فيه، ولا يجب القصاص في الثاني في قول عن الشافعي، وفي رواية عن أحمد م: (وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى، وفيما بقي حكومة عدل) ش: وإنما قال: " ينبغي " لأن محمدا لم يذكر هذا في " الجامع "، والمشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الشروح قالوا هذا.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم وهو عدم القصاص م: (لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي) ش: من السن المكسورة م: (ولم يحك) ش: أي محمد م: (خلافا) ش: في المسألتين وأحمد في رواية والشافعي في قول إن لم يذهب نفعها وهو المختار عند أصحاب الشافعي م: (وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال) ش: أي المجني عليه م: (اقطع المفصل واترك ما يبس) ش: من أرش اليد أو السن أو قال م: (أو اكسر القدر المكسور) ش: من السن م: (أو اترك الباقي لم يكن له ذلك؛ لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار) ش: حكم هذا م: (كما لو شجه) ش: أي كما إذا شج رجل رجلا شجة م: (منقلة فقال: أشجه) ش: شجة م: (موضحة وأترك الزيادة) ش: ليس له ذلك لأن الجناية الأولى كانت سارية وهي ليست في وسع المجنى عليه، والمماثلة شرط وجوب القصاص فلم تنعقد تلك الجناية موجبة القصاص في الابتداء، وإنما انعقدت موجبة للمال، ولا يكون له على القصاص سبيل م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية وهي: ما إذا شج موضحة فذهبت عيناه م: (أن الفعل) ش: وقع م: (في محلين) ش: مختلفين حقيقة.
م: (فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما) ش: أي في إحدى الجنايتين م: (لا تتعدى إلى الأخرى) ش: أي إلى الجناية الأخرى، والأصل في هذا أن الجناية إذا وقعت في مجلسين متباينين حقيقة فوجوب المال في أحدهما لا يمنع وجوب القود في الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة أيضا، ومتى وقعت في محل واحد وأتلف شيئين، أحدهما يوجب القود والآخر يوجب المال، يجب بلا خلاف بين أصحابنا خلافا للأئمة الثلاثة.

(13/203)


كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول. وله: أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال، ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة، وكذا المحل متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية، بخلاف النفسين، لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه. وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع لأنه ليس فعلا مقصودا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ) ش: أي رميه م: (منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول) ش: دون الثاني، وتجب الدية في الثاني، وكذا إذا قطع أصبعا فاضطرب السكين فأصاب أصبعا آخر خطأ منه فإنه يقتص في الأولى بالإجماع دون الثانية.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال) ش: لأن الجراحة التي يعمل القصاص قد لا تكون سارية، إذ ليس في وسعه، فعلى ذلك لا يكون مثلا للأولى ولا قصاص بدون المماثلة م: (ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة) ش: أي الثابتة حالة الشج م: (وكذا المحل) ش: أي محل الجنايتين م: (متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية) ش: والشبهة تعمل على الحقيقة فيما يندرئ بالشبهة أن لا يعمل في المال، لأنه يثبت مع الشبهة فكيف يسقط بها فيجب ديتان.
م: (بخلاف النفسين) ش: هذا جواب عن قولهما كمن رمى إلى رجل عمدا فأصابه ونفذت إلى غيره فقتله، ووجه ذلك هو قوله م: (لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه) ش: ولا تصور سراية الفعل من شخص إلى شخص ويتصور ذلك في شخص واحد.
م: (وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع) ش: هذا جواب عما قال: إذا قطع أصبع رجل عمدا فاضطرب السكين فوقع على أصبع آخر فقطعها يقتص للأولى دون الثانية، فما بال مسألتنا لم تكن كذلك، ووجهه أن القطع الثاني إنما لم يورث الشبهة في القصاص، لأنه فعل مقصود، وأما ذهاب العين بالسراية فليس بفعل مقصود، وهو معنى قوله: م: (لأنه ليس فعلا مقصودا) ش: في مسألتنا، وفيما إذا وقع سكين على الأصبع قد صار فعلا مقصودا.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضمير في لأنه عائد إلى ذهاب العين بالسراية، وبهذا التوجيه يندفع ما قال في " النهاية " أن في قوله لأنه ليس فعلا مقصودا نظر، وإن الصواب ما ذكره في " الذخيرة " أنه مقصود، ولكن ليس من أمره، فإنه رجع الضمير إلى الفعل الثاني

(13/204)


قال: وإن قطع إصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتص من الأولى، وفي الثانية أرشها، والوجه من الجانبين قد ذكرناه. وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاختل الكلام، وقد ذكر المصنف فرقين بناء على ما ذكر من الدليل الأول بالنسبة إلى الأول، والثاني إلى الثاني.
وقال الكاكي: قوله " وبخلاف السكين إذا اتصل بالأخرى " لأن القطع في الأصبع الأخرى ليس من أثر الفعل الأول، بل الفعل وقع عليه مقصودا، فيتقرر بحكمه، يعني أن القطع في الأصبع الأخرى لا يقصد من الأولى، إذ الخطأ لا تصل من العمد ولا يمكن أن يجعل القطع الثاني تتمة الأول، فلا يورث شبهة، وكذا قال فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح ".
وذكر في " النهاية " وبهذا يعلم أن فيما قاله في الكتاب ليس مقصودا نظر، وأن الصواب فيما ذكره فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح "، أجيب عن كلامه بما ذكره في الكتاب من حيث المعنى، والتأويل ما قالاه فيكون صحيحا لما قلنا أن الضمير في " لأنه " يرجع إلى القطع في أصبع أخرى.
وقال الأترازي: قوله " بخلاف السكين إذا انسل إلى الأصبع الأخرى فقطعها "، لأن قطع الأخرى حصل ابتداء بالانسلال لا بالسراية، فلم يكن ذلك شبهة بالأصبع الأولى لعدم اتحاد الفعل، وهذا هو الفرق الصحيح، وما قاله صاحب " الهداية " بقوله وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع؛ لأنه ليس فعلا مقصودا: فيه نظر، انتهى.
قلت: قد أجيب عن النظر فيما ذكرنا يعلم بالإمعان في التأمل.

[قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك) ش: وعليه دية الأصبعين م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: يعني ابن زياد نقله عنه الأكمل وقالا وزفر فكذلك قال، ولو قال: " وقالا فيها وزفر " كان صوابا، وذلك أنه لا يجوز أن يعطف على الضمير المرفوع إلا إذا أكد إلا في صورة الشعر م: (يقتص من الأولى) ش: في الأصبع الأولى م: (وفي الثانية) ش: أي وفي الأصبع الثانية يجب م: (أرشها، والوجه من الجانبين) ش: أي من جانب أبي حنيفة وجانب هؤلاء م: (قد ذكرناه) ش: يريد به قوله ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه. . . إلى آخره.
م: (وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه

(13/205)


يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة.
قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة. قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين.
يجب القصاص فيهما) ش: أي في الموضحة والبصر جميعا م: (لأن الحاصل بالسراية مباشرة) ش: يعني بمنزلة المباشرة ثم نظر ذلك بقوله م: (كما في النفس) ش: يعني ألا ترى أنه لو قطع يد إنسان فسرى إلى نفسه يجب القصاص م: (والبصر يجري فيه القصاص) ش: ألا ترى أنه لو شجه موضحة وباشر سبب ذهاب البصر يجب القصاص فيهما كذلك هنا.
م: (بخلاف الخلافية الأخيرة) ش: وهي قوله فإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى م: (لأن الشلل لا قصاص فيه) ش: ويجب الأرش م: (فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية) ش: أي رواية ابن سماعة: م: (أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كما لو آلت الجراحة ووصلت إلى النفس، فإن قطع أصبع رجل عمدا فسرى ومات يجب القصاص م: (وقد وقع الأول ظلما) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيكون موجبا للقصاص. م: (ووجه المشهور) ش: أي القول المشهور عن محمد: م: (أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب) ش: عندنا وأكثر أهل العلم إلا في رواية عن مالك، وعن الشافعي في قول م: (بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى) ش: أي لا تبقى الجناية الأولى معتبرة، فإذا كان كذلك م: (فانقلبت الثانية مباشرة) ش: أي فانقلبت الجناية الثانية بطريق المباشرة، فيجب القصاص.

[كسر بعض السن فسقطت]
م: (قال) ش: أي المصنف، ذكر هذه المسألة والتي تليها أيضا على سبيل التفريع: م: (ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلى على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين) ش: أي ولو شجه شجتين موضحتين م: (فتآكلتا) ش: أي صارتا واحدة بالأكل م: (فهو على الروايتين هاتين) ش: أي الرواية المشهورة ورواية ابن سماعة عن محمد، يعني لا قصاص على المشهور، وفيها القصاص على رواية ابن سماعة.

(13/206)


قال: ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه الأرش كاملا لأن الجناية قد تحققت، والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى. وله: أن الجناية انعدمت معنى، فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع؛ لأنه لم يفت عليه منفعة ولا زينة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ضربه بعضا فأوضحه ثم عاد فضربه إلى جانبها ثم تآكلتا حتى صارتا واحدة منهما موضحتان يقتص منه
وفي " السير " وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن ضرب سن رجل عمدا فكسر بعضها وحركت ما بقي فإنه يؤجل سنة، فإن سقطت أو اسودت فلا قصاص فيه، وقال أبو يوسف: إن سقطت فيه القصاص.

[قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش) ش: أي هاهنا لفظ القدوري، ولم يذكر خلاف أصحابنا عنه، وقال المصنف: سقط الأرش م: (في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وإن كان أخذها ردها، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في قول.
م: (وقالا عليه الأرش كاملا) ش: ولا يردها لو أخذها، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله - في قول م: (لأن الجناية قد تحققت) ش: والعادة عدم العود م: (والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى) ش: بخلاف سن الصبي، فإنها معرضة للنبات، ولهذا قيل يستأنى في سن الصبي حولا دون البالغ.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الجناية انعدمت معنى) ش: لأنه عاد مكانها مثل الذي تلفت فلم يجب شيء م: (فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع) ش: قيد بالأرش لأنه روى في " مختصر الكرخي " عن أبي يوسف أنه يجب فيه حكومة العدل وفي " الأجناس " عن " المجرد " قال أبو حنيفة: لو نزع سن رجل فنبت نصف السن كان عليه نصف قيمتها م: (لأنه لم يفت عليه) ش: أي على المنزوع سنة م: (منفعة ولا زينة) .
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا متعلق بقوله: وقالا عليه الأرش كاملا، أي روي عن أبي يوسف: م: (أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل) ش: أي يقوم بالألم وبدون الألم فيجب ما انتقص.

(13/207)


قال: ولو قلع سن غيره فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود، وكذا إذا قطع أذنه فألصقها فالتحمت لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه، قال: ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم لأنه تبين أنه استوفى بغير حق؛ لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأنى حولا بالإجماع، وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ولو قلع سن غيره، فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية القاضي، وقال أحمد في رواية: تجب الدية، وعليه الحكومة لنقصانها م: (لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود) ش: لأن هذا السن يكون في حكم الميت.
قال محمد: إن كانت أكثر من قدر الدرهم لم يجز الصلاة فيها ولم يكن عوضا عن الفائت، وقال أبو يوسف: إذا أعادها إلى موضعها يجوز الصلاة فيها، وفي سن غيره لا يجوز ذلك م: (وكذا) ش: أي وكذا يجب الأرش بكماله م: (إذا قطع أذنه) ش: أي أذن غيره م: (فألصقها) ش: بأن خاطها م: (فالتحمت) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: تجب الحكومة ولا تجب الدية م: (لأنها) ش: أي لأن الأذن م: (لا تعود إلى ما كانت عليه) ش: وهذا ظاهر.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم) ش: أي المنزوع منه م: (لأنه تبين أنه استوفى بغير حق) ش: وبه قال الشافعي في قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول هو هبة مبتدأة، فلا تجب عليه شيء، فهو قياس قول مالك في " جامع " المحبوبي.
هذا إذا نبت السن المنزوعة كالأول، فإن نبت معوجا يجب حكومة العدل م: (لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأني حولا) ش: أي يؤجل سنة لاستئناء الانتظار، يقال استيناء نبته، أي انتظرته، ومنه يستأن الجراحات، أي ينظر ما لها، وأصله من أنى يأني م: (بالإجماع) .
ش: قال الكاكي: قوله " بالإجماع " يخالفه رواية " التتمة "، فإنه ذكر فيها أن سن البالغ إذا سقط ينتظر حتى يبرأ موضع السن لا الحول، هو الصحيح؛ لأن نبات سن البالغ نادر فلا يقدر التأجيل إلا أن قبل البرء لا يقتص ولا يؤخذ الأرش لأنه لا يدري عاقبته.
م: (وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق،

(13/208)


فاكتفينا بالحول؛ لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه، والاستيفاء كان بغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة فيجب المال.
قال: ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني حولا ليظهر أثر فعله فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقطت سنه فاختلفا في السنة فيما سقط بضربه فالقول للمضروب ليكون التأجيل مفيدا " وهذا بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت منقلة فاختلفا حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاكتفينا بالحول) ش: لأنه مشتمل على الفصول الأربعة التي تشمل علي الطباع الأربعة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فلعل فصلا منها وافق طبع المجني عليه فتبرأ جراحته وتلتئم م: (لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه والاستيفاء كان لغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة) ش: لأن فعله في الظاهر حين استوفى القصاص كان حقا فصار ذلك شبهة في سقوط القصاص م: (فيجب المال) ش: حينئذ، وقول الناطفي في " الأجناس " من " نوادر أبي يوسف " رواية ابن سماعة.
قال أبو يوسف: رجل قلع سن رجل فانتظر بها حولا، أي انتظر بسن الصغير وقضى عليه بأرشها، وإلى هذه الرواية قال بعض أصحابنا مثل خواهر زاده وغيره.
وقال الناطفي أيضا: قال في " المجرد ": ولو قلع سن رجل ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع للمنزوع سنة، ويؤجل سنة منذ يوم نزع سنه، فإذا مضت سنة ولم تنبت اقتص له، وعلى هذه الرواية لم يفرق كثير من مشايخنا بين سن البالغ وسن الصغير، بل قالوا بالاستيناء فيهما جميعا، وإليه ذهب القدوري والسرخسي وغيرهما.

[ضرب إنسان سن إنسان فتحركت]
م: (قال) ش: أي المصنف: ذكره على سبيل التفريع وهو مسائل الأصل إلى قوله ومن شج رجلا فالتحمت: م: (ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني) ش: أي ينتظر م: (حولا ليظهر أثر فعله، فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقط سنه فاختلفا) ش: أي الضارب والمضروب م: (في السنة فيما سقط بضربه) ش: فقال الضارب سقطت بضربة غيري، وقال المجني عليه بضربك م: (فالقول للمضروب) ش: وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد م: (ليكون التأجيل مفيدا) ش: يعني لو لم يقبل قوله كان التأجيل وعدمه سواء، إذا التأجيل لظهور عاقبة الأمر.
م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت) ش: أي الموضحة م: (منقلة فاختلفا) ش: أي وقال المشجوج صارت منقلة من ضربك، وأنكر الضارب م: (حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة) ش: لأن الشجة

(13/209)


أما التحريك فيؤثر في السقوط فافترقا، وإن اختلفا في ذلك بعد السنة فالقول للضارب، لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم، وسنبين الوجهين بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولو لم تسقط ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص، لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه. وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص لما ذكرنا. وكذا لو احمر أو اخضر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموضحة بعدما وقعت موضحة لا يكون سببا لنقلة العظم عادة، بل يكون ذلك أثر بسب حادث فلا يبقى الظاهر شاهدا للمضروب، فلا يكون القول قوله.
م: (أما التحريك فيؤثر في السقوط) ش: أي أما تحريك السن فله تأثير في سقوطه فيكون القول قول المضروب " وبهذا حصل الفرق بين المسألتين، أشار إليه بقوله: م: (فافترقا) ، ش: أي الحكم المذكور في المسألة الأولى والحكم المذكور في المسألة الثانية، وكان القياس أن يكون القول للضارب فيهما، لأنه منكر، ولكن في " الاستحسان " فرق بينهما في الوجه الذي ذكره المصنف.
م: (وإن اختلفا في ذلك) ش: أي وإن اختلف الضارب والمضروب في سقوط السن م: (بعد السنة) ش: فقال المضروب: سقطت بضربك " وقال الضارب: بل سقطت بأمر حادث، (فالقول للضارب؛ لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط) ش: يعني إذا تحركت السن، ولو لم تسقط ولم يحصل فيها عيب كالاسوداد ونحوه م: (لا شيء على الضارب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم) ش: وفي بعض النسخ: وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف، والأول أصح، لأنه ذكر في " الذخيرة " وغيرها قول أبي يوسف في هذا الموضع م: (وسنبين الوجهين. بعد هذا إن شاء الله تعالى) ش: والوجهان هما قوله: ولا شيء على الضارب، وقوله: حكومة الألم والموعود فيما بعد هذا هو قوله: سقط الأرش عند أبي حنيفة. . . إلى آخره.
م: (ولو لم تسقط) ش: أي السن م: (ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص؛ لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه، وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص عليه لما ذكرنا) ش: أراد به قوله لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا يسود منه.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لا قصاص م: (لو احمر) ش: أي السن م: (أو اخضر) ش: بل يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله، وقالت الأئمة الثلاثة يجب الحكومة

(13/210)


ولو اصفر فيه روايتان
قال: ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لزوال الشين الموجب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين إن زال فالألم الحاصل ما زال فيجب تقويمه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه أجرة الطبيب وثمن الدواء، لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله، إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد أو بشبهة ولم يوجد في حق الجاني. فلا يغرم شيئا. قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الاصفرار وفي الاحمرار وفي الاخضرار كذلك عند الشافعي ومالك وأحمد، وفي رواية عن أحمد يكون كالاسوداد، م: (ولو اصفر فيه روايتان) ش: روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن فيه الحكومة.
وذكر هاشم عن محمد عن أبي حنيفة قال: لا يجب شيء، وفي المملوك يجب الحكومة، وقال محمد: ففيها إذا اصفرت حكومة حرا كان المضروب أو عبدا، وقال أبو يوسف أيضا: فيها حكومة، وقال أبو يوسف: إن كثرت الصفرة حتى يكون عيبا كعيب الخضرة والحمرة ففيها بمثلها تاما، وقال زفر: إذا اصفرت ففيها أرشها تاما، الكل ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لزوال الشين الموجب، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين) ش: أي لأن الشين الموجب م: (إن زال فالألم الحاصل ما زال، فيجب تقويمه) .
[......] م: (وقال محمد عليه أجرة الطبيب لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله) ش: أي من مال المجني عليه، لأنه ألجأه إلى هذا م: (إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد) ش: أي مطلق الشبهة العقد كالإجارة الصحيحة والمضاربة الصحيحة م: (أو بشبهة) ش: أي بشبهة العقد المطلق كالإجارة الفاسدة والمضاربة الفاسدة م: (ولم يوجد في حق الجاني) ش: عقد ولا شبهة م: (فلا يغرم شيئا) ش: كما لو لطمه وألهمه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب) ش: قال الأترازي: وقع بيانها مكررا في

(13/211)


فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة.
قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد، والموجب واحد وهو الدية، وأنها بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتل ابتداء.

قال: ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس، وهذا لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يستأنى في الجراحات سنة» ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الهداية " لأنه استوفى بيانها في فصل قبل الشهادة في القتل، وأراد بالأرش أرش الضرب وهو حكومة العدل.
قال الصدر الشهيد: هذا إذا بقي أثر الضرب م: (فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة) ش: والذي مضى هناك أنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجب أرش الألم عند أبي يوسف وأجرة الطبيب عند محمد، وإنما قيد بقوله " جرحه " لأنه إذا لم يجرحه في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق.

[قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء) ش: أي قتله خطأ أيضا، لأنه إذا كان القتل عمدا يؤخذ بالأمرين جميعا، وقيد بما قبل البرء، لأنه بعد البرء يؤخذ بالأمرين جميعا م: (فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد) ش: لأن الجنايات المتفقة بمنزلة الجناية الواحدة، لأن كل واحد منها خطأ م: (والموجب واحد وهو الدية، وأنها) ش: أي وأن الدية م: (بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتله ابتداء) ش: فلو قتله ابتداء لم يكن الواجب إلا دية لا غير، فكذا هذا، ولا شبهة هنا إذا قطع يده خطأ ثم قتله عمدا، لأنهما جنايتان مختلفتان، واختلاف الجنايتين كاختلاف الجانيين.

[جرح رجلا جراحة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص) ش: من الجارح حتى يبرأ، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، م: (منه حتى يبرأ) ش: وقال ابن المنذر: كل من يحفظ العلم يرى الانتظار م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس) ش: أي قياسا عليه م: (وهذا) ش: أي وجوب القصاص في الحال م (لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل) ش: أي بعد التحقق.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يستأنى في الجراحات سنة» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " يزيد عن ابن عياض عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة، ثم يقضى فيها بقدر ما

(13/212)


ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها؛ لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء.
قال: وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تعقل العواقل عمدا» الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبهت» قال الدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف متروك، وأخرجه البيهقي عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وأعله بابن لهيعة، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن جابر، ثم ذكر الحديث الذي ذكره المصنف.
قلت: الخصم لا يرضى بهذا وهو يعلم بذلك، لكنه كان لم يقف على من أخرجه.
م: (ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها) ش: أي لا يعتبر حالها م: (لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس، فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء) ش: أو بالسراية، فإذا استوفينا القصاص في الحال استوفينا ما ليس يستقر فلا يجوز ذلك. وقوله: إن العلة تحققت فلا نسلم ذلك، لأن الجراحة علة لوجوب القصاص فيما دون النفس بعد البرء أو علة لوجوب القصاص في النفس بعد السراية إلى النفس فلا ينعقد علة لأحد الأمرين قبل أن يظهر الحال أنه قيل لم يقطع، فينبغي أن ينتظر ليعلم الواجب فيه.

[دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تعقل العواقل عمدا» ، الحديث) ش: هذا الحديث غريب مرفوع. وأخرجه البيهقي عن الشعبي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تفعله العاقلة» . وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في آخر كتابه " غريب الحديث " كذلك من قول الشعبي.
واختلفوا في تأويل العبد فقال محمد بن الحسن الشيباني: معناه أن يقتل العبد حرا فليس على عاقلة مولاه شيء من جنايته، وإنما هي في رقبته، وقال ابن أبي ليلى: معناه أن يكون العبد مجني عليه فيقتله حر أو جرحه فليس على عاقلة الجاني إنما عنه في ماله خاصة م: (الحديث) ش: أي الحديث بتمامه، وأقر الحديث. . . إلى آخره، وتمامه «لا تفعل العواقل عمدا ولا عبدا

(13/213)


وهذا عمد غير أن الأول يجب في ثلاث سنين؛ لأنه مال وجب بالقتل ابتداء فأشبه شبه العمد، والثاني يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد فأشبه الثمن في البيع.
قال: وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب حالة؛ لأن الأصل: أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه، ولأن المال وجب جبرا لحقه. وحقه في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل. ولنا أنه مال واجب بالقتل، فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد، وهذا لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا صلحا ولا اعترافا» م: (وهذا عمد) ش: أشار به إلى قوله: أو كل عمد سقط فيه القصاص. . . إلى آخره.
م: (غير أن الأول) ش: أراد به دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة م: (يجب في ثلاث سنين، لأنه مال وجب بالقتل ابتداء) ش: يعني لا يفعل يحدث بعد القتل كالصلح م: (فأشبه شبه العمد، والثاني) ش: أي الأرش الواجب بالصلح م: (يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد) ش: أي بالصلح فأشبه الثمن في البيع.
فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا، وإن لم يشترط كان حالا م: (فأشبه الثمن في البيع) ش: فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا وإن لم يشترط كان حالا. والحاصل أن كل ذلك في مال العاقل في الوجهين، غير أن في الأول مؤجل في ثلاث سنين وفي الثاني حال في مال العاقل أيضا.

[قتل الأب ابنه عمدا فالدية هل تجب حالة أم مؤجلة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب حالة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الأصل أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه) ش: أي فلا يستحق التخفيف م: (ولأن المال) ش: دليل آخر للشافعي، أي ولأن المال فيما ذكر م: (وجب جبرا لحقه) ش: أي لحق المقتول الجبر إن لم يسمع، بل المسموع الجبر.
قال الجوهري: الجبر أن يبني الرجل من نقر أو يصلح عظمها من كسر وقال جبرت العظم جبرا وجبر العظم بنفسه جبورا، أي يجبر م: (وحقه) ش: أي وحق المقتول م: (في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل) ش: أي فلا ينجبر الحال بالمؤجل لعدم المماثلة.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المال الذي وجب بقتل الأب ابنه م: (مال واجب بالقتل) ش: أي بنفسه اختل ابتداء م: (فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد) ش: حيث يجب مؤجلا م: (وهذا) ش: يشير به إلى بيان هذا بقوله م: (لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل) ش: أي

(13/214)


والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة، ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا لا يجوز وصفا. وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله ولا يصدق على عاقلته لما روينا. ولأن الإقرار لا يتعدى المقر لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة.
قال: وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا، والمعتوه كالمجنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآدمي والمال م: (والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة) ش: حيث سقط القصاص بشبهة الأبوة، وليس في الإسلام دم هدر، والمال إن وجب ابتداء وجب من حيث الوصف في المالية م: (ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا) ش: أي من حيث القدر م: (لا يجوز وصفا) ش: أي من حيث الوصف.
بيانه: لم يجز العدول في التغليظ بزيادة القدر بأن يزاد على مائة بعير، فكذلك لا يجوز العدول فيه بزيادة الوصف وهو صفة الحلول، لأن وجوب المال بخلاف القياس، فيقتصر على ما ورد الشرع به وهو التأجيل، ثم اعلم أنه لا يجب القصاص على الأب لا يجب أيضا على الأجداد والجدات في قتل الولد وجرحه، ولكن تجب الدية عليهم في مالهم في ثلاث سنين، وفي الخطأ الدية على العاقلة وعلى القاتل الكفارة، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ".
م: (وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله) ش: أراد بقوله: " كل جناية " ما يوجب الدية، لأنه إذا اعترف العمد يقتص به إذا لم يكن ثمة ما يمنع القصاص م: (ولا يصدق على عاقلته) ش: لأنه يصدق على نفسه غيره معترف على عاقلته، فإذا لم يصدق عليهم بقيت الدية في ذمته كما كانت، وتكون مؤجلة يؤدي عنه انقضاء كل سنة ثلثها، لأنه مال يؤجل بالحول كالدين يؤجل والزكاة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعقل العاقلة عمدا. . .» الحديث. وفيه: ولا اعترافا.
م: (ولأن الإقرار لا يتعدى المقر) ش: لأنه حجة قاصرة م: (لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة) ش: لعدم ما يجاوزه عنه.

[عمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا) ش: وهو منصوب على الحال والحال محذوف، تقديره: ولو زاد خمسمائة حال كونه الزائد فصاعدا م: (والمعتوه كالمجنون) ش: أي حكمهما واحد. وفي " المغرب ": المعتوه الناقص العاقل، وقيل: المدهوش من غير جنون، وقرئ عتاهية وعتاهية وعتها.

(13/215)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة " إذ العمد هو القصد، غير أنه تخلف عنه أحد حكميه وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله " ولهذا تجب الكفارة به ويحرم من الميراث على أصله: لأنهما يتعلقان بالقتل. ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء، ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر أولى بهذا التخفيف، ولا نسلم تحقق العمدية فإنها تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد، وصار كالنائم. وحرمان الميراث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده) ش: أي عمد كل واحد من الصبي والمجنون والمعتوه م: (عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة، إذ العمد هو القصد) ش: أي لأن العمد في اللغة القصد، فمن تحقق منه الخطأ ويتحقق منه القصد وقصده معتبر شرعا في الجملة، ولهذا يؤدب ويعذر م: (غير أنه تخلف عنه أحد حكميه) ش: أي أحد حكمي القتل وهما القصاص ووجوب المال م: (وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تجب الكفارة به) ش: أي بالمال، قيد به لأنه يجب الصوم بالإجماع، ووجوب الكفارة على الصبي والمجنون على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك م: (ويحرم من الميراث على أصله) ش: أي على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهما) ش: أي لأن وجوب الكفارة بالمال والحرمان من الميراث م: (يتعلقان بالقتل) ش: ومذهب مالك وأحمد كمذهبنا، وفي قول للشافعي أيضا كقولنا.
م: (ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء) ش: هذا أخرجه البيهقي، قال: روي أن مجنونا سعى على رجل بسيف وضربه فبلغ ذلك إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فجعل عقله على عاقلته وقال عمده وخطؤه سواء م: (ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر) ش: أي والحال أن الصبي أقوى عذرا م: (أولى بهذا التخفيف ولا نسلم) ش:
جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه عمدا حقيقة، أي يمنع م: (تحقق العمدية فإنها) ش: أي فالعمدية م: (تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد) ش: أي من أين يتحقق من المجنون والصبي القصد م: (وصار كالنائم) ش: الذي يرفع عنه القلم ما دام نائما.
م: (وحرمان الميراث) ش: جواب عن قوله: ويحرم الميراث، بيانه: أن حرمان الميراث من

(13/216)


عقوبة وهما ليسا من أهل العقوبة والكفارة كاسمها ستارة ولا ذنب تستره لأنهما مرفوعا عنهما القلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مورثهما م: (عقوبة) ش: أي للصبي والمجنون م: (وهما ليسا من أهل العقوبة) ش: فلا يحرمان م: (والكفارة) ش: جواب عن قوله والكفارة به، بيانه: أن الكفارة م: (كاسمها ستارة) ش: لأنها مشتقة من الكفر وهو الستر م: (ولا ذنب تستره) ش: أي ولا ذنب لهما حتى تسترهما الكفارة م: (لأنهما مرفوعا عنهما القلم) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رفع القلم عن ثلاث. .» الحديث.

(13/217)


فصل في الجنين
قال: وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة وهي نصف عشر الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر، وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم، والقياس: أن لا يجب شيء لأنه لم يتيقن بحياته، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الجنين]
[تعريف الجنين]
م: (فصل في الجنين) ش: أي هذا فصل في أحكام الجنين هو على وزن فعيل بمعنى مفعول مجنون، أي مستور من جنه إذا ستره من باب طلب، والجنين اسم الولد في بطن الأم ما دام فيه، والجمع أجنة، فإذا ولد يسمى ولدا ثم رضيعا، إلى غير ذلك على ما عرف في موضعه، ولما ذكر أحكام القتل المتعلقة بالآدمي من كل وجه شرع في بيانها في الآدمي من وجه دون وجه وهو الجنين.
وقال السرخسي: الجنين ما دام في بطن أمه ليست له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الأم، ولكنه منفرد بالحياة بعد ليكون نفسا له ذمة، فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية ولا اعتبار للوجه الأول يكون أصلا لوجوب الحق عليه، فأما بعدما يولد فله ذمة صالحة، ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه كان ضامنا له ويلزمه مهر امرأته بعقد الولي عليه.

[ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا: ففيه غرة وهي نصف عشر الدية) ش: إلى هنا لفظ القدوري.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر) ش: أي في الجنين الذكر م: (وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم) ش: لأن كل واحد من نصف عشر دية الرجل ومن عشر دية المرأة خمسمائة درهم أو بغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهو خيار المال كالفرس والبعير النجيب والعبد والأمة الفارهة، كذا في " المغرب ". وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": سمي بدل الجنين غرة لأن الواجب عبد والعبد يسمى غرة. وقيل: لأنه أول مقدار ظهر في باب الدية، وغرة الشيء أوله كما سمي أول الشهر غرة، وسمي وجه الإنسان غرة؛ لأن أول شيء يظهر منه الوجه.
م: (والقياس أن لا يجب شيء) ش: أي في الجنين م: (لأنه لم يتيقن بحياته) ش: لأنه يحتمل أنه مات في بطن أمه بفعله، ويحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك فلا يجب الضمان بالشك، ولهذا لا يجب شيء في أجنة البهائم، ألا ترى أنه من ضرب شاة فزلقت جنينا ميتا كان عليه نقصانها ولا شيء عليه في الجنين م: (والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق) ش: هذا جواب عما يقال:

(13/218)


وجه الاستحسان: ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ويروى " أو خمسمائة " فتركنا القياس بالأثر، وهو حجة على من قدرهما بستمائة نحو مالك والشافعي وهي على العاقلة عندنا إذا كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظاهر أنه حي أو معد للحياة، فأجاب بقوله: والظاهر لا يصلح أن يكون حجة لاستحقاق شيء كما في جنين البهيمة كما ذكره، يعني لا يصلح حجة للإلزام على الغير، وإنما قيد به لأن الظاهر يعتبر إذا لم يكن فيه إلزام الغير كما في رضيع أحد أبويه مسلم أعتقه عن كفارة القتل، فأجاب: لأن الظاهر به سلامة الأعضاء من ذلك في أول كتاب الديات، وبالقياس قال زفر، ذكره في " الذخيرة ".
م: (وجه الاستحسان ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ،) ش: هذا غريب م: (ويروى أو خمسمائة) ش: هذا رواه الطبراني في معجمه، من حديث أبي المليح عن أبيه مطولا وفيه: «غرة عبد أو أمة أو خمسمائة» . والحديث في " الصحيحين " عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة وليس فيه ذكر الخمسمائة» . وروى محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا استهل ومثل ذلك، بطل؟ ! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما هذا من إخوان الكهان» ، قوله: غرة عبد أو أمة بالرفع، لأنه صفة الغرة وتغيرها، ويروى بالإضافة، والأول أحسن م: (فتركنا القياس بالأثر) ش: أي بالحديث من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالأثر من غيره.
وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوم الغرة خمسمائة دينار. وأخرج أبو داود في " سننه - عن إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: الغرة خمسمائة، يعني درهما.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على من قدرهما) ش: عشر الدية لا اختلاف فيه بيننا وبينهم في ذلك بحسب الاختلاف في الدية، فعندهم أن الدية اثنا عشر ألفا، فالغرة م: (بستمائة نحو مالك والشافعي) ش: عندنا عشرة آلاف بغرة خمسمائة.
م: (وهي) ش: أي الغرة م: (على العاقلة) ش: أي على عاقلة الضارب م: (عندنا إذا كانت

(13/219)


خمسمائة درهم. وقال مالك تجب في ماله لأنه بدل الجزء. ولنا: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قضى بالغرة على العاقلة» ، ولأنه بدل النفس، ولهذا سماه، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دية، حيث قال: " دوه " وقالوا: «أندي من لا صاح ولا استهل» . الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خمسمائة درهم) ش: يحترز به عن جنين الأمة إذا كان لا يبلغ خمسمائة، ولكن هذا لا يصلح لأنها تجب في جنين الأمة في مال الضارب، ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة " وغيرهما. وقال الأترازي: وقوله إذا كان خمسمائة كأنه سهو القلم، وينبغي أن يكون إذ بسكون الذال بلا ألف بعدها، يعني أنها إنما تجب على العاقلة، لأنها مقدرة بخمسمائة، والعاقلة تعقل بخمسمائة ولا تعقل ما دونها، ثم قال: ويكلف بعضهم في توجيه ذلك، وقال: إنه احتراز عن جنين الأمة إذا لم يبلغ خمسمائة فذاك ليس بشيء، لأن ما يجب في جنين الأمة فهو في مال الضارب حالا ولا تتحمله العاقلة، وبه صرح الكرخي في " مختصره " وقال الكرخي أيضا: ولا كفارة على الضارب والغرة ورثة الجنين ولا يرث الضارب منها شيئا إن كان من ورثة الجنين، ونقل الأكمل كلام الاثنين في " شرحه " م: (وقال مالك تجب) ش: أي الغرة م: (في ماله لأنه بدل الجزء) ش: أي الجزء الآدمي، فصار كقطع أصبع من أصابعه.
م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قضى بالغرة على العاقلة» ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حكم بوجوب الغرة على عاقلة الضارب» ، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث الشعبي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الجنين غرة على عاقلة القاتل» ، م: (ولأنه بدل النفس) ش: أي، ولأن الغرة بدل النفس، وذكر الضمير باعتبار المذكور م: (ولهذا) ش: أي ولكونه بدل النفس م: (سماه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، دية حيث قال: " دوه ") ش: أي أدوا ديته، وهو أمر للجماعة، وأصله أرديوه، لأنه من راده يدية إذا أدى ديته، وأصل بديه يوديه، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة كما حذف في يعد، أصله يوعد حذفت منه الواو، ولذلك حذفت من الأمر تبعا لفعله، فلما حذفت استغنت عن الهمزة، فحذفت منها فصار دون على وزن غرة.
م: «وقالوا: أندي» ش: أي قال الذي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية أندي م: «من لا صاح ولا استهل. . .» الحديث) ش: أي أقر الحديث بتمامه، وتمامه ما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن أبي عبد الله بن ليلى حدثني ابن أبي ليلى عن الحكم عن

(13/220)


إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة وتجب في سنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين لأنه بدل النفس، ولهذا يكون موروثا بين ورثته. ولنا ما روي عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل على العاقلة في سنة. ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مجاهد عن «حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: أنه كانت عنده امرأة فتزوج عليها أخرى فتغايرتا، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فطرحت ولدا ميتا، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دوه "، فجاء وليها فقال: أندي من لا شرب ولا أكل ولا استهل، فمثل ذلك بطل، فقال: " رجز الأعراب؛ نعم دوه، فيه غرة عبد أو أمة أو وليدة» ، انتهى. وحمل بفتح الحاء المهملة وبفتح الميم واللام اسم إحدى المرأتين: مليكة، والأخرى: أم غطيف، وقال أبو موسى المدني الحافظ في كتاب " الأمالي " في باب الغين المعجمة: أم غطيف الهذلية هي التي ضربتها أم مليكة فأسقطت.
م: (إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة) ش: قال الأترازي: هذا يتعلق بقوله: " وهي على العاقلة عندنا إذا كانت خمسمائة "، وكأنه يقول إذا كانت الغرة أقل من خمسمائة درهم لا تعقل العاقلة كما في جنين الأمة، وقال الأكمل: قوله: " إلا أن العواقل " جواب عما يقال الحديث يدل على أن الدية على العاقلة قليلة كانت أو كثيرة، وأنتم قيدتم بقولكم: "إذا كان خمسمائة درهم "، وقد علمتم ما يرد عليه من النظر، انتهى.
قلت: أراد به ما نقلناه عن الكاكي وعن الأترازي: أنها م: (وتجب في سنة) ش: أي تجب الغرة على العاقلة في سنته.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين) ش: أي تجب في ثلاث سنين.
فإن قلت: ذكر في " وجيزهم ": أن غرة الجنين تجب في سنته كمذهبنا. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان فليتأمل م: (لأنه) ش: أي لأن الغرة م: (بدل النفس) ش: أي نفس الجنين، وما وجب في قتل النفس مؤجل إلى ثلاث سنين م: (ولهذا) ش: أي ولكونها بدل النفس م: (يكون موروثا بين ورثته) ش: أي ورثة الجنين سوى الضارب. م: (ولنا ما روى عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جعل على العاقلة في سنة» ش: هذا غريب م: (ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس

(13/221)


على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم، فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة، بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين. ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق ما روينا، ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية، ولا تفاوت في الجنينين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم) ش: حاصل الكلام: أن الجنين له شبهان بالنفس وبالعضو من حيث إنه حي بحياة ونفسه نفس على حدة، ومن حيث إنه متصل بالأم فهو كعضو من أعضائها م: (فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني) ش: أي وعملنا بالشبه الثاني م: (في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة) ش: أي تجب الغرة في سنة واحدة، وقوله: بدون الواو العاطفة في أوله هو الصحيح من النسخ، وفي بعضها أو أكثر وكلاهما غير صحيح، لأن المراد أن يكون الأقل من ثلث الدية أكثر من نصف العشر، وإنما يكون إذا كان أكثر صفة لأقل أو بدلا منه.
وقال الأكمل: وهل العطف بالواو يقيد ذلك أيضا؟ ولكن لم يبين وجهه. وقال الأترازي: ولنا التقييد بالأكثر فيه نظر، لأنه إذا لم يكن أكثر من نصف عشر الدية بل كانت قدر نصف عشر الدية تجب في سنة، وكان ينبغي أن يقول: إذا كان بدل العضو نصف عشر الدية، أي ثلثها تجب في سنة.
م: (بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين) ش: صورته: أن يشترك عشرون رجلا في قتل رجل خطأ، فإنه يجب على كل واحد منهم نصف عشر الدية في ثلاث سنين م: (ويستوي فيه) ش: أي في وجوب قدر الغرة م: (الذكر والأنثى) ش: ولا يفضل الذكر على الأنثى في إيجاب الغرة م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في الجنين غرة عبد أو أمة» ، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم.
م: (ولأن في الحيين) ش: هذا دليل معقول على التساوي بين الذكر والأنثى في الغرة، وقوله: " الحيين " بالحاء المهملة تثنية حي وإرادتهما للذكرين المنفصلين الحيين أو أحدهما ذكر والأخرى أنثى م: (إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية) ش: بأن كان دية الذكر ألف دينار، ودية الأنثى خمسمائة دينار م: (ولا تفاوت في الجنينين) ش: تثنية جنين بالجيم ومالكية التصرفات والشهادة وغيرها في الذكر ولا وجود هذا في الجنين حتى يتصور فيه معنى التفضيل، فينبغي وصف الآدمية فحسب، فإذا كان كذلك م: (فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة) ش: لأنهما سواء في وصف الآدمية فقط به.

(13/222)


فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة؛ لأنه أتلف حيا بالضرب السابق وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها وقد صح: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة» . وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين؛ لأنه قاتل شخصين. وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين. وقال الشافعي: تجب الغرة في الجنين؛ لأن الظاهر موته بالضرب فصار كما إذا ألقته ميتا وهي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات]
قال أي القدوري: م: (فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة لأنه) ش: أي لأن الضارب م: (أتلف حيا بالضرب السابق) ش: ولا خلاف لأهل العلم فيه، قاله ابن المنذر، ولكنهم اختلفوا في هذه المسألة في ثلاثة فصول، أحدها: أنه أثبتت جناية بكل أمارة تدل عليها من الاستهلال والإرضاع أو النفس أو العطاس أو غيره، وهو قولنا وقول الشافعي واحد.
وقال مالك وأحمد في رواية والزهري وقتادة وإسحاق: ولا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال وهو الصياح وهو قول ابن عباس والحسن بن علي وجابر وعمر في رواية عنه للشافعي.
وقال أحمد والمزني: لو كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا تجب الدية الثالثة، قال أحمد إنما تجب دية إذا علم موته بسبب الضربة لسقوطه في الحال وبقائه سالما إلى أن يموت أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه.
م: (وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها) ش: هذا أيضا من القدوري م: (وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة) ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث، حتى قال المخرج: نظرت في الكتب الستة فلم أجد بهذا المعنى، والذي فيها: عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لها ولزوجها، وأن العقل على عصمتها» .
م: (وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري م: (لأنه قاتل شخصين) ش: وذلك لأنه لما انفصل عنها حيا اعتبر حكمه بنفسه بدلالة أنه يجب فيه أرش كامل فصار قاتلا للاثنين، م: (وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الغرة في الجنين) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن الظاهر موته) ش: أي موت الجنين م: (بالضرب فصار كما إذا ألقته) ش: حال كونه م: (ميتا وهي

(13/223)


حية. ولنا أن موت الأم أحد سببي موته؛ لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك.
قال: وما يجب في الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها لأنه قاتل بغير حق مباشرة ولا ميراث للقاتل.

قال: وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم؛ لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حية) ش: أي والحال أن الأم بالحياة.
م: (ولنا أن موت الأم أحد سببي موته) ش: أي موت الجنين، والسبب الآخر الضرب م: (لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها) ش: فيتمكن الاشتباه م: (فلا يجب الضمان بالشك) ش: في سبب هلاكه حين الانفصال، وقال تاج الشريعة:
فإن قلت: عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غرة عبد أو أمة» يتناول المتنازع فيه. قلت: لا بد من إضماره كأنه قال في إتلاف الجنين والشك وقع في ذلك.

[غرة الجنين بين ورثته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما يجب في الجنين موروث عنه) ش: يعني غرة الجنين بين ورثته. وقال الليث: غرة الجنين لأم الجنين م: (لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها) ش: أي ولا يرث الأب من الغرة م: (لأنه قاتل بغير حق مباشرة) ش: أي من حيث المباشرة لا من حيث التسبب م: (ولا ميراث للقاتل) ش: بالنص.

[دية جنين الأمة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى) ش: بيانه: أنه يقوم الجنين بعد انفصاله ميتا على لونه وهيئته لو كان حيا ينظر كم قيمته بهذا المكان، فإذا ظهر فيعد هذا إذا كان ذكرا أوجب نصف عشر قيمته. وإن كان أنثى وجب عشر قيمته، ولو لم يعلم ذكورة الجنين ولا أنوثته يؤخذ بالمتيقن كالخنثى المشكل كمن قتل عمدا خطأ والمقتول خنثى مشكل فإنه يجب المتيقن، كذا هاهنا.
ولو ضاع الجنين ولا يمكننا تقويمه باعتبار لونه وهيئته لو كان حيا ووقع التنازع في قيمته كان القول للضارب؛ لأنه منكر للزيادة كما لو قتل عبدا خطأ ووقع في قيمته التنازع وعجز القاضي عن تقويمه باعتبار حاله وهيئته لو كان حيا كان القول للقاتل مع اليمين، كذا هنا، الكل من " الذخيرة ".
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل) ش: لأنه جنين مات بالجناية في بطن الأم فلم يختلف ضمانه بالذكورة

(13/224)


ولنا أنه بدل نفسه؛ لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين، فكان بدل نفسه فيقدر بها. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم، وهذا لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - فصح الاعتبار على أصله. قال: فإن ضربت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأنوثة كجنين الحرة لإطلاق النصوص، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر، وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة وإسحاق. وعن بعض أصحاب الشافعي: يعتبر قيمته يوم أسقطت.
م: (ولنا أنه بدل نفسه) ش: أي أن الغرة بدل نفس الجنين، ويذكر الضمير على معنى وجوب الغرة م: (لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان) ش: حتى لو قطع سنا ثم نبت مكانه أخرى لم يجب شيء م: (ولا معتبر به) ش: أي بظهور النقصان في الأم م: (في ضمان الجنين، فكان) ش: أي ضمان الجنين م: (بدل نفسه فيقدر بها) ش: أي بقيمة نفس الجنين ولا بقيمة الأم، لأن وجوبه باعتبار معنى النفسية الخبرية.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان) ش: أي ضمان نقصان الأم م: (لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم) ش: أي قياسا على جنين البهائم، فإن النقصان يجب فيها بلا خلاف لأحد، هذا غير ظاهر الرواية عن أبي يوسف، قال في " المبسوط ": ثم وجوب البدن في وجوب الأمة قول أبي حنيفة ومحمد، وهو ظاهر من قول أبي يوسف. وعن أبي يوسف في رواية أنه لا يجب القصاص في الأم إن تمكن فيها نقص، وإن لم يتمكن لا يجب شيء كما في البهيمة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما ضمان الجنايات م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب: جنايات المملوك في أول الفصل الذي بعده في مسألة قتل العبد خطر بقوله لها إن الضمان بدل المالية.
وقال الكاكي: وهذا بناء على اختلافهم في ضمان الجناية على المماليك، فعند أبي يوسف هو بمنزلة ضمان المال حتى يجب بالغا ما بلغ، وعندهما بدل النفس. ولهذا لا يزاد على مقدار المالية، كذا في المبسوط م: (فصح الاعتبار على أصله) ش: أي صح اعتبار البهائم على أصل أبي يوسف.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن ضربت) ش: أي فإن ضرب بطن أمة.

(13/225)


فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق؛ لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف. وقيل: هذا عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تحب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب، لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى.
قال: ولا كفارة في الجنين وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي بعض النسخ: فإن ضربت بصيغة المجهول، أي الأمة. وكذا في نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف) ش: يعني أوجبنا القيمة دون الدية اعتبارا لحالة الضرب، وأوجبنا قيمته حيا لا مشكوكا في حياته اعتبارا بحالة التلف، ولا يقال: إن هذا اعتبار بحالة الضرب فحسب، لأن الواجب في تلك الحال قيمته حيا أيضا، لأن نقول جاز أن يكون حيا فلا يجب قيمته حيا هناك، بل تجب الغرة.
م: (وقيل: هذا عندهما) ش: يعني قول محمد في " الجامع الصغير ": ضمنه قيمته حيا عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب) ش: أي تجب تفاوت ما بينهما، حتى لو كانت قيمته غير مضروب ألف درهم وقيمته مضروبا ثمانمائة تجب على الضارب مائتا درهم م: (لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب جناية المملوك في مسألة من قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك.

[كفارة قتل الجنين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا كفارة في الجنين) ش: قال الكرخي في " مختصره ": ولا كفارة على الضارب وإن سقط كامل الخلق ميتا لا كفارة فيه، إلا إن شاء ذلك، فإن فعل ذلك فهو فصل وليس ذلك عليه عندنا بواجب وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من خير وليستغفر الله تعالى مما صنع.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب) ش: الكفارة، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة) ش: أي الكاملة، والشرع قدر بإيجابها فيها م: (فلا تتعداها) ش: أي فلا يتعدى وجوبها النفوس المطلقة، ولأن الجنين جزء من وجه، بدليل أنه يعتق بعتق الأم يتغذى

(13/226)


ولهذا لم يجب كل البدل، قالوا: إلا أن يشاء ذلك لأنه ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع. والجنين الذي قد استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام لإطلاق ما روينا. ولأنه ولد حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك. فكذا في حق هذا الحكم. ولأن بهذا القدر يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بغذائها، ويتنفس بنفسها، ولا يكمل أرشه كسائر الأعضاء، حيث لا يجب فيه دية كاملة، أشار إليه بقوله: م: (ولهذا لم يجب كل البدل قالوا) ش: أي المشايخ م: (إلا أن يشاء ذلك) ش: أي الضارب إذا شاء إعطاء الكفارة م: (لأنه ش: أي لأن الضارب م: (ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع) ش: وقد ذكرنا هذا عن الكرخي عن قريب.
م: (والجنين الذي قد استبان بعض خلقه) ش: قيد به لأنه لو لم يستبن شيء من خلقه لا يكون بمنزلة الولد وهو إن كان علقة فلا حكم لها في حق هذه الأحكام ولا يعلم فيه خلاف.
أما لو ألقت مضغة ولم يبن فيه شيء من خلقه فشهدت ثقاة من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، ولو بقي التصور فلا غرة فيه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في رواية لأنه كالعلقة، والنطفة، وعندنا فيه حكومة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد في رواية: فيه الغرة، وبه قال مالك م: (بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام) ش: نحو انقضاء العمد، وكون المرأة نفساء، وكون الأمة أم ولد إذا ادعاه المولى وانقطاع الرجعة وعدم جواز الوطء في نفاسها م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الغرة في الجنين ولم يفصل» حيث قال: «وفي الجنين غرة» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجنين م: (ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك) ش: مما ذكرنا الآن م: (فكذا في حق هذا الحكم) ش: أي في وجوب العدة.
م: (ولأن بهذا القدر) ش: أي باستبانة بعض خلقه م: (يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا والله أعلم) ش: لأنه ليس بعد العلقة إلا أن يكون نفسا. وفي " الفتاوى الصغرى ": المرأة إذا ضربت بطن نفسها متعمدة أو شربت دواء يسقط ولدها فسقط يضمن عاقلتها الغرة، ونقله عن " الزيادات " وفي " الواقعات ": على عاقلتها الدية في ثلاث سنين، أما إن كانت لها عاقلة وإن لم تكن فذاك من مالها ولا ترث منها شيئا وعليها الكفارة. ولو ألقت جنينا ميتا تجب الغرة على العاقلة في سنة واحدة. ولو كان الشرب لإصلاح البدن فلا شيء عليها فلا ترث منه شيئا.

(13/227)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الذخيرة ": شربت أو حملت حملا ثقيلا أو وضعت في قبلها شيئا حتى ألقت جنينا فعلى عاقلتها الغرة خمسمائة في سنة، أو قبلت متعمدة بغير إذن الزوج، وإن قبلت بإذنه فلا ضمان، وعند الأئمة الثلاثة، وأكثر أهل العلم تجب الغرة على عاقلتها بالإذن وبغير الإذن، ويجب الكفارة أيضا كما في غيره. وفي " الذخيرة ": اشترى جارية فحبلت منه ثم ضربت بطن نفسها أو شربت دواء أو عالجت قبلها متعمدة فسقط الجنين ميتا ثم استحقت وقضى المستحق بالجارية وعقرها على المشتري. ويقال للمستحق لقد قتلت ولدها وإنه ولد هذا المشتري لأنه ولد المغرور جريا بالقيمة فالجنين مضمون بالغرة فادفع أمتك أو ردها الغرة الجنين الحر، ولا يعلم فيه خلاف.

(13/228)