البناية شرح الهداية

باب ما يحدثه الرجل في الطريق قال: ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو بنى دكانا فلرجل من عرض الناس أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له حق النقض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب ما يحدثه الرجل في الطريق]
[أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أوميزابا]
م: (باب ما يحدثه الرجل في الطريق) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما يحدثه الرجل في طريق الناس من أنواع الأشياء التي ذكرها المصنف.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا) ش: وهو المستراح وهو بيت الماء م: (أو ميزابا) ش: ذكره الجوهري في مادة وزب، وقال الميزاب: الثعب فارسي معرب، وقد عرب بالهمز وربما لم يهمز، والجمع المآزيب إذا همزت، وميازيب إذا لم تهمز. وذكر أيضا في باب أزب وقال: الميزاب، وربما لم يهمز. وقال في مادة رزب بالراء ثم الزاي: المرزاب لغة في الميزاب، وليست بالفصيحة. وقال: الثعب بالفتح واحد مثاعب الحياض، والمثعب بالميم مسيل الماء في الوادي، وجمعه ثعبان.
م: (أو جرصنا) ش: بضم الجيم وسكون الراء وضم الصاد وبالنون الخفيفة. وفي " المغرب " الجرصن دخيل، أي ليس بعربي أصلي وهو الجذع يخرجه الإنسان من الحائط إلى الطريق ليبني عليه، وفسره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالبرج الذي يكون في الحائط. وقال فخر الإسلام اختلف فيه فقال بعضهم: هو البرج. وقال بعضهم: هو مجرى ماء مركب في الحائط فكيف ما كان فهو بعد حق المسلمين، وهو فارسي معرب، إذ ليس في العربية كلام على هذا التركيب، أعني الجيم والراء والصاد، بل مهمل في كلامهم.
م: (أو بنى دكانا) ش: قال الجوهري: الدكان واحد الدكاكين وهي الحوانيت فارسي معرب م: (فلرجل من عرض الناس) ش: العرض بالضم الجانب وفلان من عرض العشيرة أي من شقها لا من صميمها. وقيل: المراد من العرض هنا أبعد الناس منزلة، أي أضعفهم وأرذلهم م: (أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له) ش: أي لعرض الناس م: (حق النقض) ش: سواء كان فيه ضررا أو لا، إذا وضع بغير إذن الإمام، لأن اليد فيما يكون للعامة للإمام، وله ولاية المنع قبل الوضع أيضا.
وقال أبو يوسف: لكل أحد المنع قبل الوضع. وقال محمد: ليس له أن يمنع ابتداء ولا أن يخاصم بالدفع بعد الوضع إذا لم يكن فيه ضرر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والنخعي والأوزاعي وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيما يضر لا يجوز بلا خلاف أذن الإمام أو لم يأذن.

(13/229)


كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك. قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين؛ لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق ما في معناه به، إذ المانع متعنت. فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف فيما لا يضر قيل: إن كان شارعا يمر فيه الجيوش والأحمال فيكون بحيث إذا سار فيه الفارس ورمحه منصوب لا يبلغه. وقال الأكثرون: لا يقدر بذلك، بل يكون لا يضر بالعمارات والمحامل. وفي " المبسوط ": لا يقضي عليه بالهدم بخصومة العبيد والصبيان والمهجورين وينقض لمخاصمته الذمي فإن له حقا في الطريق، فإن بنى مشعبا للعامة لا يضر المسلمين لا ينقض، كذا روي عن محمد. وكذا لو قعد بالبيع والشراء لا يضر بالمسلمين لا يمنع، وإن كان يضر يمنع. وأما الضمان فالذي أخرجه ضامن لما تلف به، لكن المتلف إن كان آدميا فالضمان على عاقلته.
م: (كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك) ش: لكل واحد منعه م: (قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين، لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق) ش: أي بالمرور م: (ما في معناه به) ش: أي فيلحق ما في معنى المرور، قال الأترازي: يعني يجوز له الانتفاع بالجرصن ونحوه ما لم يضر بغيره كالمرور م: (إذ المانع متعنت) ش: أي المانع من الانتفاع بما لا ضرر فيه لأحد متعنت وهو الذي يخاصم فيما لا ضرر فيه لنفسه أو لغيره.
م: (فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وروى حديثه الطبراني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، ومنهم عبادة بن الصامت روى حديثه ابن ماجه عن عبادة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن لا ضرر ولا ضرار» . ومنهم ابن عباس روى حديثه ابن ماجه أيضا. ومنهم أبو سعيد الخدري روى حديثه الحاكم في " المستدرك " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرار، من ضر ضره الله، ومن شق شق الله عليه» . ومنهم أبو هريرة روى حديثه الدارقطني في " سننه " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرورة» -. ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وروى حديثها الدارقطني نحو لفظ المصنف.

(13/230)


قال: وليس لأحد من أهل الدرب الذي ليس بنافذ أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال، فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ، لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما.
قال: وإذا أشرع في الطريق روشنا أو ميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا من أسباب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال ابن الأثير الضر ضد النفع ضره يضره أو أضر به يضره إضرارا. معنى قوله لا ضرر، أي لا يضر الرجل أخاه فينقص من حقه شيئا، والضرار فعال من الضرر أي يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك، وتنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع.
وقيل هما بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد. وقيل الضرر يكون من واحد، والضرار بمعنى المضارة وهو يكون من اثنين م: (قال: وليس لأحد من أهل الدرب) ش: وهو الباب الواسع، والمراد هنا السكة الواسعة م: (الذي ليس بنافذ) ش: قال فخر الإسلام: والمراد بغير النافذة المملوكة وليس ذلك بعلة الملك.
وقد تنفذ وهي المملوكة وقد يسيل منفذها، وهي للعامة، لكن ذلك دليل على الملك غالبا، فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يقوم الدليل على خلافه م: (أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم؛ لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال) ش: يعني سواء كانوا متلازقين أو لم يكونوا م: (فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ؛ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما) ش: أي من حيث الحقيقة والحكم، وهو ظاهر.

[أشرع بابا في الطريق أوميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أشرع) ش: يقال أشرع بابا في الطريق، أي فتحه، وأشرع رمحه أي رفعه م: (في الطريق روشنا) ش: هو الممر على العلو، وقيل هو مثل الرف، وقيل: الروشن هو أن يضع الخشبة على جداري السطحين ليتمكن من المرور. وقال الجوهري: الروشن الكرة، ذكره في باب روشن فيدل على أن الواو زائدة م: (أو ميزابا أو نحوه) ش: مثل إن وضع جزعا أو صخرة شاخصة أو وضع جناحا م: (فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا) ش: أي التسبب بطريق التعدي م: (من أسباب

(13/231)


الضمان وهو الأصل. وكذلك إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب وكذا إذا تعثر بنقضه إنسان أو عطبت به دابة، وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما؛ لأنه يصير كالدافع إياه عليه.
وإن سقط الميزاب نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه. وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة. ولو أصابه الطرفان جميعا وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف، كما إذا جرحه سبع وإنسان ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان) ش: ولا خلاف لأحد فيه م: (وهو الأصل) ش: أي التعدي أصل في باب الضمان. م: (وكذلك) ش: أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب) ش: وهي الكنيف والميزاب والجرصن والدكان المبني على الطريق (وكذا) أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا تعثر بنقضه) ش: بضم النون، وسكون القاف، وهو اسم البناء المنقوض، وكذا في " ديوان الأدب "، وروي عن بعضهم بكسر النون م: (إنسان أو عطبت به دابة) ش: ففي عطوب الدابة يجب ضمانها في ماله م: (وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما) ش: أي في الرجلين، يعني ضمان الرجلين، يعني ضمان الرجلين على المحدث في الطريق م: (لأنه يصير كالدافع إياه عليه) ش: وإذا نحى رجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب به آخر فالضمان على الذي نحاه وقد خرج الأول من الضمان.
فإن قيل: إذا احتسب حيث أماط الأذى عن الطريق. أجيب: بلى ولكنه أخطأ الحسنة حيث شغل موضعا آخر من الطريق.

[ميزاب رجل سقط على رجل فقتله]
م: (وإن سقط الميزاب) ش: أي ميزاب رجل سقط على رجل فقتله م: (نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه، وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه) ش: أي على محدث الميزاب، ويضره في الطريق إذا مات به إنسان م: (ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة) ش: وتندفع الضرورة من غير شغل طريق المسلمين، والكفارة وحرمان الميراث مسببان بالقتل حقيقة ولم يوجد.
م: (ولو أصابه الطرفان جميعا) ش: أي الطرفان الداخل في الحائط والخارج عنه م: (وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف) ش: أي سقط النصف م: (كما إذا جرحه سبع وإنسان) ش: يجب النصف ويهدر النصف م: (ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال) ش:

(13/232)


ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب. ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه. ولو حركته الريح إلى موضع آخر، ثم أحرق شيئا لم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل: إذا كان اليوم ريحا؛ يضمنه لأنه فعله مع علمه بعاقبته وقد أفضى إليها فجعل كمباشرته. ولو استأجر رب الدار الفعلة لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم؛ لأن التلف بفعلهم وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا لأنه انقلب فعلهم قتلا حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده، فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني يضمن في حال بالنظر إلى الخارج عن الحائط ولا يضمن في حال بالنظر إلى الداخل فيضمن نصف الضمان.
م: (ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها) ش: أي برئ البائع بتسليمه للمشتري مما يحدث من الخشبة م: (فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله) ش: أي فعل الواضع م: (وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب) ش: أي الموجب الضمان هو الوضع.
م: (ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه، ولو حركته الريح إلى موضع آخر ثم أحرق شيئا فلم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل إذا كان اليوم ريحا يضمنه) ش: يعني إذا كانت الريح متحركة حين وضع الجمر على الطريق ثم حركت الريح الجمر يضمنه م: (لأنه فعله مع علمه بعاقبته) ش: وهي الحريق بواسطة الريح م: (وقد أفضى إليها) ش: أي إلى العاقبة م: (فجعل كمباشرته) ش: أي كمباشرة ذلك بنفسه، وهو اختيار الإمام السرخسي، وكان شمس الأئمة الحلواني لا يقول بالضمان إذا حركته الريح عن مكانه من غير تفصيل وهو قياس قول الأئمة الثلاثة.
م: (ولو استأجر رب الدار الفعلة) ش: وهو جمع فاعل كالقتلة جمع قاتل م: (لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم) ش: أي على الفعلة لا على المستأجر الذي هو رب الدار م: (لأن التلف بفعلهم، وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الفعلة م: (لأنه انقلب فعلهم) ش: أي فعل الفعلة م: (قتلا) ش: حقيقة لظهور أثر فعلهم وهو التلف بالسقوط عليه م: (حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده) ش: أي في عقد المستأجر م: (فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر) ش: أي

(13/233)


عليهم. وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه. وكذا إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ؛ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة. بخلاف ما إذا فعل ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة. قالوا: هذا إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن. ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه صاحب علة، وقيل: هذا إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه مضطر في المرور،.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان م: (عليهم) ش: أي على الفعلة. م: (وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا) ش: أي الفعلة م: (الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه) ش: أي رب الدار استحسانا للأثر الذي جاء في مثله عن شريح: أنه قضى بالضمان على رب الدار.
م: (وكذا) ش: يضمن الفاعل م: (إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة، بخلاف ما إذا فعل ذلك) ش: أي صب الماء أو رشه أو وضعوه م: (في سكة غير نافذة) ش: فإنه لا يضمن م: (وهو من أهلها) ش: أي والحال أنه من أهل السكة م: (أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة) ش: فإن لكل واحد من الشركاء أن يفعل ذلك.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي وجوب الضمان م: (إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن) ش: لأنه إذا زلق يكون ذلك من خوفه م: (ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه) ش: أي لأن الذي تعمد المرور م: (صاحب علة) ش: لأن السقوط من فعله وهو متعمد، كالذي رش الماء، وإضافة الحكم إلى العلة المحضة أولا فلا يجود به صاحب الشرط.
م: (وقيل: هذا) ش: أي عدم وجوب الضمان على الراش م: (إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه) ش: أي لأن الماء م: (مضطر في المرور) ش:

(13/234)


وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق في أخذها جميعه أو بعضه.
ولو رش فناء حانوت بإذن صاحبه. فضمان ما عطب على الآمر استحسانا، وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق فالضمان على الأجير لفساد الأمر
قال: ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الواقعات " وإذا رأى سائق الدابة أن الماء قد رش في الطريق فساق وكذلك فعطب به فلا ضمان على الذي رش، وإن لم يره بأن كان ذلك في الليل فالراش ضامن.
م: (وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق) ش: أي مثل حكم رش الماء في بعض الطريق وحكم رشه في كل الطريق م: (في أخذها) ش: أي في أخذ الخشبة م: (جميعه) ش: أي جميع الطريق م: (أو بعضه) ش: أي في أخذها بعض الطريق، فإن كانت موضوعة في جميع الطريق ففيه الضمان، وإن كانت في بعض الطريق فلا ضمان فيه، لأن المار يجد موضعا للمرور.

[استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات]
م: (ولو رش فناء حانوت) ش: الفناء بكسر الفاء أعد لحوائج الدار كربط الدابة وكسر الحنطة، وهو سعة أمام الدار م: (بإذن صاحبه، فضمان ما عطب على الآمر استحسانا) ش: لأن أمره قد صح لما له من زيادة انتقال الفعل إليه. . وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو أمر الأجير فرش فناء وكان الآمر ضمن الآمر دون الراش، والحارض يضمن كيفما كان إذا رش الماء، وفي " الخلاصة ": لو أمره بالوضع في الطريق فتوضأ في الطريق فالضمان على المتوضئ.
م: (وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به) ش: أي تشبك وتعقل ويكن بالبناء م: (إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق) ش: وفي " الجامع المحبوبي ": والذي ذكره في الكتاب فيما إذا لم يعلم الأجير أن الفناء للغير، أما إذا علم فالضمان على الأجير، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وقال شيخ الإسلام: إن كان الطريق معروفا للعامة م: (فالضمان على الأجير لفساد الأمر) ش: لأنه لا حق للآمر في وسط الطريق نفسه أمره، فلذلك لم ينقل فعل الأجير إليه، فكان الأجير هو المتعدي في البناء فوجب عليه ضمان.

[حفر بئرا في طريق المسلمين فتلف بذلك إنسان فعلى من تكون ديته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا. فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير

(13/235)


أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله، وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة لما ذكرنا، بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد ورفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان كان ضامنا لتعديه بشغله.
ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر. وفي " الجامع الصغير " في البالوعة يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه لم يضمن؛ لأنه غير متعد حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله) ش: وقال الحاكم في " الكافي ": الحر والعبد سواء فالضمان على عاقلة الحافر، ولا كفارة عليه ولا يحرم من الميراث.
م: (وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة) ش: يعني في وجوب الضمان م: (لما ذكرنا) ش: أي لأنه متعد فيه م: (بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد رفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان) ش: أي تعلق به م: (كان ضامنا لتعديه بشغله) ش: لأنه شغل طريق المسلمين.

[وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فمن يضمن]
م: (ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر) .
م: (وفي الجامع الصغير: في البالوعة) ش: وهو ما يحفر في وسط الدار ليجمع ماء الوضوء وماء المطر، وفي " الصحاح ": البالوعة نقب في وسط الدار م: (يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه) ش: أي على حفر البالوعة م: (لم يضمن؛ لأنه غير متعد، حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على رأي الإمام) ش: وهو الاستعداء بالرأي، وهو افتعال من الفوت وهو السبق م: (أو هو) ش: أي حفر البالوعة م: (مباح مقيد بشرط السلامة) ش: قال في " شرح الأقطع ": وقالوا: لو تعدى في الطريق يستريح أو لمرض أو ضعف فعثر به إنسان يضمن، لأن المشي في الطريق مباح بشرط السلامة، كما أن الله تعالى أباح الرمي إلى الصيد، لو رمى صيدا أو أصاب إنسانا أو شاة ضمن، واعتبر فيه السلامة، فكذلك هاهنا.

(13/236)


وكذلك الجواب على هذا التفصيل في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه وغيره؛ لأن المعنى لا يختلف. وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن لأنه غير متعد. وكذا إذا حفره، في فناء داره، لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه، وقيل: هذا إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا أو غما لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذلك الجواب على هذا التفصيل) ش: وهو أنه لو فعله بأمر من له الولاية في الأمر لا يضمن وبغير أمره ضمن، ويحل للإمام أن يأمر بذلك إذا لم يضر بالعامة إذا كان الطريق واسعا، وإن كان الطريق ضيقا لا يحل له ذلك م: (في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه) ش: أي من أول الباب إلى هاهنا من شراع الجناح وإحداث الكنيف أو الميزاب والجرصن أو حفر البئر في طريق المسلمين م: (وغيره) ش - كبناء الظلة وغرس الأشجار ورمي الثلج والجلوس للبيع م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي فصار هالك م: (وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن؛ لأنه غير متعد، وكذا إذا حفره في فناء داره؛ لأن له ذلك لمصلحة داره، والفناء في تصرفه، وقيل. هذا) ش. أي عدم الضمان م. (إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا) ش: أي أو كان البناء مشتركا م. (بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح) ش. أي التفصيل صحيح.
وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق مكة أو غير ذلك من الفيافي فلا ضمان عليه في ذلك، وليس هذا كالأمصار، لأنه غير متعد فيما فعل، ألا ترى أنه لو ضرب هناك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز فيه، أو ربط دابة لم يضمن ما أصابه ذلك، ولو قالوا هذا إذا حفر في غير ممر المسلمين، أما إذا حفر في ممرهم ينبغي أن يضمن لأنه متعد فيه.
م. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا) ش: أي من أجل الجوع م. (أو غما) ش: أي اختناقا من العفونة. قال الجوهري: يوم غم إذا كان يأخذ النفس من شدة الحر م. (لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك) ش: أي لأن

(13/237)


وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه. قال: وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه لأنهم كانوا مغرورين، فصار كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره، إلا أن هناك يضمن المأمور ويرجع على الآمر؛ لأن الذابح مباشر، والأمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء؛ لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد والمستأجر متعد فيرجح جانبه. وإن علموا ذلك فالضمان على الأجراء، لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضاف إليهم. وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان على الحافر م: (وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه) ش: أي الوقوع م: (لكان الطعام قريبا منه) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولا يتوهم من تقديم قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عادة تأخر الراجح، فإن الفقه معه، ألا ترى أنه لو حبس رجلا في بئر حتى مات غما فإنه لا ضمان عليه، بخلاف ما لو مات فيه من الوقوع، لأن أثر فعله وهو العمل أثر في نفس الواقع فلا بد من أثر الوقوع لوجوب الضمان.
م: (قال) ش: أي المصنف وليس لفظة: (قال) في غالب النسخ: م: (وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه) ش: أي فنقل فعل الأجر إلى المستأجر م: (لأنهم كانوا مغرورين، فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره) ش: أي لا يغير الأمر.
م: (إلا أن هناك) ش: أي في الأمر بذبح الشاة م: (يضمن المأمور ويرجع على الآمر، لأن الذابح مباشر، والآمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور، ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد، والمستأجر متعد فيرجح جانبه) ش: في التعدي. (وعلى) المستأجر فيه الضمان.
م: (وإن علموا بذلك فالضمان على الأجراء؛ لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضافا إليهم، وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان

(13/238)


فالضمان على الأجراء قياسا؛ لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان: الضمان على المستأجر لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا، فكفى ذلك لنقل الفعل إليه.

قال: ومن جعل قنطرة بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل القنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول تعد هو تسبيب، والثاني تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشر أولى، ولأن تخلل فعل فاعل مختار يقطع النسبة كما في الحافر مع الملقي. قال: ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين،.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالضمان على الأجراء قياسا، لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان الضمان على المستأجر، لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا) ش: أي باعتبار ظاهر اليد من إلقاء الطين ونحوه م: (فكفى ذلك لنقل الفعل إليه) ش: أي إلى المستأجر.

[جعل قنطرة بغير إذن الإمام فتعمد رجل المرور عليها فعطب]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن جعل قنطرة) ش: القنطرة ما أحكم بناؤه ولا يرفع، والجسر ما يوضع ويرفع م: (بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل قنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول) ش: يعني جعل القنطرة م: (تعد هو تسبيب، والثاني) ش: يعني وضع الخشبة م: (تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشرة أولى) ش: لأن الحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب إذا لم يكن صاحب العلة صالحا لإضافة الحكم إليه إن كانت مباحة، فأما إذا استويا في العدوانية فالإضافة إلى صاحب العلة، لأنها بالإضافة أولى لكونها أقوى.
م: (ولأن تخلل فعل فاعل مختار) ش: بين السبب والحكم م: (يقطع النسبة) ش: أي نسبة الحكم إلى السبب م: (كما في الحافر مع الملقي) ش: أي كما في حافر البئر على قارعة الطريق مع الذي ألقاه، أي دفعه إلى البئر حيث يضاف الضمان إلى الدافع لا إلى الحافر.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط) ش: أي من الحامل شيء م: (فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين) ش: وهما تلف الإنسان بسقوط اللباس عليه أو بعثوره عليه.

(13/239)


والفرق أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة، واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه فجعلناه مباحا مطلقا. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة فهو كالحامل لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
قال: وإذا كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا أو جعل فيه بواري أو حصاة فعطب به رجل لم يضمن، وإن كان فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والفرق) ش: أي بين الشيء المحمول حيث يجب الضمان به فيما إذا هلك إنسان وبين الثوب الملبوس حيث لا يجب الضمان فيه وإن هلك إنسان بوقوعه عليه: م: (أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة) ش: فإذا أضيف إليه التلف كان ضامنا م: (واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه) ش: يعني وصف السلامة م: (فجعلناه مباحا مطلقا) ش: يعني من غير شرط السلامة.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة) ش: للبدو والجوالق ودرع الحرب في غير موضع الحرب، والثوب الذي لا يحتاج إليه من حيث الزينة، أو من حيث دفع الحر والبرد م: (فهو كالحامل) ش: شيئا في الطريق حيث يضمن إذا سقط على إنسان فعطب به م: (لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه) ش: وذكر المحبوبي: لو لبس ثوبا زيادة على قدر الحاجة لم يذكره محمد في الكتاب. وروى ابن سماعة أنه قال: يضمن إذا سقط وعطب به إنسان لأنه لا يعلم به البلوى، وقياس قول الأئمة الثلاثة: لا يضمن بعدم التعدي.

[كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا فعطب به رجل]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان المسجد للعشيرة) ش: العشيرة: القبيلة ذكره في " الصحاح "، والمراد هاهنا أهل المسجد م: (فعلق رجل منهم) ش: أي من العشيرة م: (فيه قنديلا) ش: أي في المسجد م: (أو جعل فيه بواري) ش: جمع بوريا قال الأصمعي: البوريا بالفارسية وهو بالعربية جاري وبوري. وقال الجوهري:
الباريا والبوريا التي من القصب وكذلك السبارية م: (أو حصاة) ش: أي أو جعل فيه حصاة م: (فعطب به) ش: أي بواحد من هذه الأشياء م: (رجل لم يضمن) ش: يعني وإن كان بغير إذن الإمام وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه وقال الشافعي في وجه: بغير إذن الإمام يضمن.
وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا حفر أهل المسجد فيه بئرا لماء المطر ووضعوا فيه جبا نضب فيه الماء أو طرحوا فيه بواري أو حصا أو ركبوا بابا وعلقوا فيه قنديلا أو ظللوه فلا ضمان فيمن عطب بذلك عليهم م: (وإن كان الذي فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا) ش: أي

(13/240)


هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين جميعا؛ لأن هذه من القرب وكل أحد مأذون في إقامتها فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق: أن التدبير فيما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم كنصب الإمام واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها غير أهله فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة إذا أخطأ الطريق كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشايخ م: (هذا) ش: يعني هذا التفصيل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين) ش: وهما إذن الإمام أو إذن العشيرة أو عدم إذنهما، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه.
وقال الحلواني: أكثر مشايخنا أخذوا بقولهما في هذه المسألة وعليه الفتوى كذا في " الذخيرة "، وفيها وضع الجب لشرب الماء على هذا الاختلاف م: (لأن هذه) ش: أي المذكور من الأشياء م: (من القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة.
م: (وكل أحد) ش: من أهل المسجد م: (مأذون في إقامتها) ش: أي بإقامة هذه الأشياء م: (فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد) ش: بإذن واحد من أهل المسجد حيث لا يضمن.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق) ش: بين الوجهين: م: (إن التدبير فما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم) ش: أي غير أهل المسجد م: (كنصب الإمام) ش: أي غير أهل المسجد يعني لو صلى فيه غير أهل المسجد بجماعة لا يكون لغير أهله أن يصلوا فيه بجماعة.
م: (واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها) ش: أي بالصلاة بالجماعة م: (غير أهله) ش: يعني: إذا لم يكن الثاني موجودا، وأما إذا كان موجودا فنصب الإمام إليه وهو مختار " الإسكاف ".
قال أبو الليث: وبه نأخذ إلا أن ينصب الإمام شخصا والقوم يريدون من هو أصلح منه فيجوز أن يكون المنصف اختار قول ابن سلام أن القوم أولى بنصب إمام، والمؤذن والباني، أولى بالعمارة م: (فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة) .
ش: هذا جواب عن قولهما " لأن هذا من القرب " بيانه: أن قصد القربة لا ينافي الضمان م: (إذا أخطأ الطريق) ش: أي في طريق القربة م: (كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا) .

(13/241)


فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله. قال: وإن جلس فيه رجل منهم فعطب به رجل لم يضمن إن كان في الصلاة، وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمن على كل حال، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني إذا شهد وحده بالزنا يحد حد القذف، وإن كان بأداء شهادته حسبة لله تعالى متقربا ولكن لما لم يكن نصاب الشهادة في الزنا، وهي شهادة الأربعة اعتبر ذلك قذفا م: (فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله) ش: أي من أهل المسجد لأنه لا يمنع أن يكون المسجد لجماعة المسلمين، ويختص تدبيره بأهله.
ألا ترى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ مفاتيح الكعبة من بني شيبة فأمره الله تعالى بردها عليهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] » والكعبة حق لجميع المسلمين وإن اختص قوم بتدبيره، وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله لأهله أن يمنعوا من ليس من أهله الصلاة فيه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن جلس فيه رجل منهم) ش: أي من أهل المسجد م: (فعطب به) ش: أي بالجالس م: (رجل لم يضمن إن كان في الصلاة) ش: سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. ذكر شيخ الإسلام م: (وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا التفصيل الذي ذكرنا، وكونه في غير الصلاة يضمن عنده، مطلقا ليس بصحيح على إطلاقه، فإن شمس الأئمة قال في " جامعه ": لو جلس لانتظار الصلاة لا يضمن لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المنتظر الصلاة في صلاة» ، وإنما الخلاف فيمن جلس لعمل ليس له اختصاص بالمسجد كدرس وقراءة القرآن، وفي " الذخيرة ": لو جلس للدرس أو لقراءة القرآن أو للذكر والتسبيح أو لاعتكاف لا رواية لهذا في الكتاب. واختلف المتأخرون قال أبو بكر الرازي: يضمن عنده، وقال أبو بكر البلخي: إن جلس لقراءة القرآن أو معتكف في المسجد لا يضمن بالإجماع، وذكر فخر الإسلام والصدر الشهيد: لو جلس للحديث يضمن بالإجماع لأنه غير مباح له، وفي " النهاية ": هذا ما ذكره في المتن، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو التعليم أو للصلاة إلى قوله فهو على اختلاف مخالف لهذه الروايات، أجيب: يمكن أن يكون مختار أبي بكر الرازي، ولكن فيه بعد كما ترى.
م: (وقالا: لا يضمن على كل حال) ش: وبه قالت الثلاثة م: (ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم) ش: أي تعليم الفقه والحديث م: (أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير

(13/242)


الصلاة أو مر فيه مار أو قعد فيه لحديث، فهو على هذا الاختلاف. وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق. لهما: أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر، ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة، وله: أن المسجد إنما بني للصلاة، وهذه الأشياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة أو مر فيه مار) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأول خاص، والثاني عام: يعني حال كونه مارا لأجل أمر آخر سوى أمر الصلاة بأن مر لأخذ الماء من غير بئر المسجد.
م: (أو قعد فيه لحديث فهو على هذا الاختلاف) ش: وهو اختيار بعض أصحابنا، واختاره أبو بكر الرازي.
وقال بعضهم: وهو اختيار أبي عبد الله الجرجاني ليس فيها خلاف بل لا ضمان فيه بالاتفاق، ولقائل أن يقول: في عبارة الكتاب تكرار، لأنه قال: وإن كان في غير الصلاة ضمن، وغير الصلاة يشمل هذا المذكور كله. والجواب: أن قوله: وإن كان في غير الصلاة ضمن لفظ " الجامع الصغير ". وقوله: ولو كان حال قراءة القرآن من لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان كذلك، لكن قوله: " فهو على هذا الاختلاف " يفيد اتفاق المشايخ على ذلك وليس كذلك، بل هو على الاختلاف، كما رأيت وكان من حق الكلام أن يقول: فقد قيد على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بلا خلاف كما قال في الاعتكاف.
م: (وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق) .
ش: وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": وإن قعد معتكفا قال مشايخنا: اختلفوا فيه، فقال بعضهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن لأنه جلس لغير الصلاة، وقال بعضهم: لا يضمن لأنه متقرب به، وم: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله -: م: (أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر) .
قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ} [النور: 37] . وقال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] م: (ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها، فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث) ش: وقد مر الحديث عن قريب م: (فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة. وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن المسجد إنما بني للصلاة وهذه الأشياء) ش: أشار به إلى ما ذكره من

(13/243)


ملحقة بها فلا بد من إظهار التفاوت فجعلنا الجلوس للأصل مباحا مطلقا، والجلوس لما يلحق به مباحا مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد، والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره، والنوم فيه إذا انقلب على غيره، وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان ينبغي ألا يضمن لأن المسجد بني للصلاة، وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد فلكل واحد من المسلمين أن يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله كقراءة القرآن إلى آخره م: (ملحقة بها) ش: أي بالصلاة، يعني يؤتى بها في المسجد بطريق التبعية للصلاة هي المقصودة في بناء المسجد.
م: (فلا بد من إظهار التفاوت) ش: بين الملحق والملحق به م: (فجعلنا الجلوس للأصل) ش: الذي هو الصلاة م: (مباحا مطلقا) ش: يعني من غير قيد بشرط السلامة، ألا ترى أن المسجد إذا ضاق على المصلي كان له إزعاج القاعد فيه المشتغل بالذكر والقراءة والتدريس، لأنه يطلب موضعه الأصلي.
وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله (فلهم) أن يمنعوا من ليس بأهله عن الصلاة فيه م: (والجلوس لما يلحق به) ش: أي جعلنا الجلوس لما يلحق به م: (مباحا، مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو) ش: أي ولا عجب، قال القائل:
ولا غرو إن حرق نار الهوى كبدي ... فالنار حق على من يعبد الوثنا
م: (أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة) ش: أي والحال أنه مقيد بشرط السلامة ونظر لذلك بقوله: م: (كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد؛ والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره والنوم فيه إذا انقلب على غيره) ش: فكل ذلك يقيد بشرط السلامة.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: " كالرمي إلى الكافر "، نظير المندوب، وإلى الصيد نظير المباح، ومع ذلك، إذا أصاب مسلما يضمن م: (وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان) ش: أي فنشب به وتعلق م: (ينبغي أن لا يضمن؛ لأن المسجد بني للصلاة وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد، فلكل واحد من المسلمين أنه يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم) .
ش: وقال فخر الإسلام: وإن كان الرجل الجالس رجلا من غير العشيرة فقوله " لهما فيه " لا يشكل، لأنه بمنزلة الرجل من العشيرة، قالا: فيه بسط البواري والحصا، فأما في قول أبي حنيفة فيحتمل أن يضمن بكل حال وقال بعضهم: بل هو عنده في الصلاة بمنزلة العشيرة، لأن

(13/244)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المساجد أعدت للصلاة العامة من غير خصوص، وإنما الخصوص فيما يرجع إلى الرأي والتدبير، ولذلك لم يكن لغيرهم حق إقامة الجماعة لأنه مما يفتقر إلى الرأي والتدبير، وأما نفس الصلاة فيستغنى عن ذلك، بخلاف تعليق القناديل وبسط البواري والبساط والحصا. قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا القول أشبه.

(13/245)


فصل في الحائط المائل قال: وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط؛ ضمن ما تلف به من نفس أو مال. والقياس أن لا يضمن لأنه لا صنع منه مباشرة ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الحائط المائل]
م: (فصل في الحائط المائل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحائط المائل، ولما فرغ من بيان الأحكام التي تتعلق بمباشرة الإنسان وثنيه، شرع في بيان أحكام القتل الذي يتعلق بالجماد الذي لا اعتبار له أصلا وهو الحائط المائل، وإنما ذكره بالفصل لأنه يلحق بالباب الذي قبله.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط ضمن ما تلف به من نفس أو مال) ش: هذا كلام القدوري في " مختصره ". وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا مال حائط من دار رجل على طريق نافذ أو دار رجل فلم يطالب بنقضه ولم يشهد عليه فيه حتى سقط على رجل فقتله أو على متاع فأفسده أو على حيوان فعطب به، فلا ضمان على صاحب الحائط في شيء من ذلك، وإن تقدم إليه في هدمه وأشهد عليه ثم سقط في مدة قد أمكنه نقضه فيها بعد الإشهاد فهو ضامن، وإن كان لم يفرط في نقضه وذهب يطلب من يهدمه فكان في طلبه ذلك حتى استأجر من يهدمه فسقط الحائط فقتل إنسانا أو عقر دابة أو أفسد متاعا فلا ضمان عليه.
قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والإشهاد، أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، فإذا فعل فقد لزمه نقضه على حال الإمكان، فإن أخر ذلك وفرط عما وصفت لك ضمن ما جنى عليه الحائط فإن كانت جنايته على إنسان، فهو على العاقلة إذا كانت نفسا أو دونها إذا بلغ من دية الرجل نصف عشر دية إذا كان المجني عليه رجلا.
وإن كان المجني عليه امرأة، فإذا بلغ أرش جنايتها عشر ديتها، وما كان أقل من ذلك فهو في ماله. وما كان في غير بني آدم فهو في ماله حال.
م: (والقياس أن لا يضمن) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في المنصوص عنه، لأنه بناه في ملكه ولا تعدي منه م: (لأنه لا صنع منه مباشرة، ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد) ش: أي في صنعته مباشرة، أما كونه لا صنع فيه فظاهر، وأما كونه لا مباشرة وهو القتل بسبب كحفر

(13/246)


وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب؛ ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله تعلق بالحائط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البئر، ونحوه قوله: " هو متعد فيه " جملة وقعت صفة كمباشرة شرط المسألة مصورة فيما إذا بناه مستويا. ثم صار مائلا. وأوضح ذلك تاج الشريعة. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قبله، والقياس أن لا يضمن لأن ضمان الجناية بالمباشرة أو التسبب، ولم يوجد شيء منها.
أما المباشرة: فلأنه لم يتصل بالمؤلف فعل من صاحب الحائط. ألا ترى أنه لم يجب عليه الكفارة، ولا يحرم عن الميراث وإن شهد عليه. وأما التسبب: فلأنه أبطل أثر فعل، وهو يعد من المتلف كحفر للبئر والحائط.
وإن كان أثر فعل إلا أنه مباح. لأنه إن فعل حصل في ملكه، وفعل الإنسان في ملكه مباح وأثر فعله المباح لا يصلح سببا للضمان كحفر البئر في ملكه، غاية ما في الباب أنه ترك معروفا وأنه لا يوجب الضمان، كما لو أرسل إنسان دابته في مراع فدخل في زرع إنسان فأخبر بذلك فلم يخرجه حتى أفسد زرعه لم يضمن لهذا المعنى كذا هذا.
م: (وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم) ش: على صيغة المجهول م: (إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا) ش: وتوجه الاستحسان.
قال مالك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من أئمة التابعين كشريح والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به) ش: حتى يضمن إذا ملك في يده م: (كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد) ش: فإنه لا يضمن بالإجماع.
وعن بعض أصحاب أحمد وجه: أنه يضمن قبل الإشهاد أيضا، وبه قال ابن أبي ليلى، وأبو ثور وإسحاق م: (لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب، ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله) ش: أي ولصحاب الحائط م: (تعلق بالحائط) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: الهواء حق العامة، وقد اشتغل بهذا الحائط فينبغي أن يكون تفريغه عليهم، فأجاب بقوله: وله تعلق بالحائط يعني

(13/247)


فيتعين لدفع هذا الضرر، وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه، ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال والشرط التقدم إليه، وطلب النقض منه دون الإشهاد. وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره، فكان من باب الاحتياط. وصورة الإشهاد أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نقضا وإبقاء فكأنه هو أولى بذلك م: (فيتعين لدفع هذا الضرر) ش: لتعلق الحائط به على الوجه الذي ذكرناه م: (وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه) ش: أي من الضرر. هذا أيضا جواب عما يقال لو وجب عليه نقض الجدار لدفع الضرر العام يتضرر صاحب الجدار أيضا.
فأجاب بقوله: وكم من ضرر. . . إلى آخره، كالحجر على المفتي المتاجر والمتطبب الجاهل، والمكاري المفلس، فإنهم يحجرون لدفع الضرر العام، وإن كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى الحجر على البالغ العاقل الحر. م: (ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله) ش: أي انقطاعه بالكلية.
م: (والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال، والشرط التقدم إليه) ش: أي بشرط الضمان يقدم الطالب إلى صاحب الحائط وهو أن يقول له: إن حائطك هذا مخوف. أو يقول: مائل فانقضه أو اهدمه حتى لا يسقط ولا يتلف شيئا، ولو قال: ينبغي أن تهدمه فذاك مشهود، ويشترط أن يكون المتقدم من صاحب حق لواحد من العامة مسلما كان أو ذميا أو صبيا أو امرأة إن مال إلى طريقهم وواحد من أصحاب السكة الخاصة إن مال إليها وصاحب الدار أو سكانها إن مال إليها، وأن يكون إلى من له الولاية التفريغ حتى لو تقدم إلى من يسكن الدار بإجارة أو إعارة، فلم ينقض حتى سقط على إنسان، فلا ضمان على أحد م: (وطلب النقض منه) ش: أي وطلب نقض الحائط من صاحبه م: (دون الإشهاد) ش: أي ليس بشرط.
م: (وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره) ش: أي إنكار المطلوب بالهدم م: (فكان) ش: أي الإشهاد م: (من باب الاحتياط) ش: ولهذا لو اعترف صاحبه أي طولب بنقضه، وجب عليه الضمان وإن لم يشهد عليه ذكره في " التحفة " م: (وصورة الإشهاد: أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط) ش: أي

(13/248)


لانعدام التعدي. قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء. . . قالوا: يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء كما في إشراع الجناح. قال: وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم لأن هذه ليست بشهادة على القتل. وشرط الترك في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا، ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا. ويصح التقدم إليه عند السلطان وغيره؛ لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به
قال: وإن مال إلى دار رجل فالمطالبة إلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قبل أن يميل الحائط إلى السقوط وهو من وهي يهي، أصله يوهي فحذفت الواو فصار يهي، وذلك لوقوع الواو بين الياء والكسرة كما في يعد أصله يوعد م: (لانعدام التعدي) .
ش: أي قيل: وهي الحائط إلى السقوط م: (قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء قالوا) ش: أي المشايخ م: (يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (كما في إشراع الجناح) ش: أي لا يعد فيه ابتداء م: (قال وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم؛ لأن هذه ليست بشهادة على القتل) ش: يعني لو كانت شهادة على نفس القتل لم يقبل شهادة النساء بشبهة البدلية بل هي شهادة على ميلان الحائط فتقبل شهادة رجل وامرأتين.
م: (وشرط الترك) ش: أي بشرط القدوري ترك النقض م: (في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا) ش: لأنه ربما لا يتمكن من النقض إما لجهله بذلك أو لعدم الآلة، فلا بد من زمان يقدر فيه على النقض حتى يكون بتركه بعد ذلك متعديا م: (ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا) .
ش: وقال الأقطع في " شرحه ": وكذلك لو طالبت به امرأة أو صبي أو غريب من بلد آخر؛ لأن جميع هؤلاء لهم المرور في الطريق فصحت مطالبتهم.
وفي " شرح الطحاوي ": والخصومة إلى كل واحد من الناس، مسلما كان أو ذميا بعد أن يكون حرا بالغا عاقلا، أو كان صغيرا أذن له وليه في الخصومة أو كان عبدا أذن له مولاه. م: (ويصح التقدم إليه) ش: أي إلى صاحب الحائط م: (عند السلطان وغيره) ش: أي وغير السلطان م: (لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به) ش: أي بالطلب حتى إذا لم يأخذ في نقضه عند ذلك فهو ضامن لما أصاب.

[أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن مال) ش: أي الحائط م: (إلى دار رجل فالمطالبة إلى

(13/249)


مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها سكان لهم أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار، فكذا بإزالة ما شغل هواءها ولو أجله صاحب الدار أو أبرأه منها أو فعل ذلك ساكنوها فذلك جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم، ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ من ضمانه؛ لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا، ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه، ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعدما طولب به، والأصل: أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء، ومن لا يتمكن منه لا يصح التقدم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار. ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها) ش: أي في الدار م: (سكان لهم) ش: كالمستأجر والمستعير لهم م: (أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار فكذا بإزالة ما شغل هواءها، ولو أجله صاحب الدار) ش: يعني إذا كان الميلان إلى دار رجل فأجله صاحب الدار م: (أو أبرأه منها) ش: أي من الجناية م: (أو فعل ذلك) ش: أي التأجيل م: (ساكنوها فذلك) ش: أي التأجيل أو الإبراء م: (جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم) ش: أي حق جماعة المسلمين.
م: (ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ) ش: أي البائع م: (من ضمانه لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله في باب ما يحدثه الرجل في الطريق: ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فالضمان على البائع.
م: (ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه. ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعد ما طولب به، والأصل) ش: في هذا الباب م: (أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء ومن لا يتمكن منه لا يصح التقديم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار) ش: وفي بعض النسخ وسكان الدار م: (ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك) ش: أي فكاك الرهن.

(13/250)


وإلى الوصي وإلى أب اليتيم أو أمه في حفظ الصبي لقيام الولاية، وذكر الأم في الزيادات
والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء كفعله، وإلى المكاتب لأن الولاية له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: لو كان الراهن مفلسا لا يقدر على قضاء الدين؟
قلت: يبيع الدار ويقضي الدين من ثمنها حتى ينقضه المشتري.
فإن قلت: من لم يجد من يشتري؟
قلت: سئل الجصاص عن هذه المسألة بعينها؛ قال: يكون التقدم إليه وإلى الأجنبي سواء، ويجوز أن يتقدم إليه برفع الأمر إلى القاضي بأمر المرتهن بتمكنه من النقض إن كان المرتهن حاضرا وإن كان غائبا يأذن له بالنقض.
وإذا ترك ذلك فأمكنه النقض بهذا الطريق يكون متعديا، الكل من تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإلى الوصي) ش: أي ويصح التقدم أيضا إلى الوصي م: (وإلى أب اليتيم) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المراد من اليتيم الصبي لأن اليتيم لا أب له والمراد من الأب الجد، لأن الجد يسمى الأب عند عدم الأب م: (أو أمه) ش: أي أو الصبي م: (في حفظ الصبي لقيام الولاية) ش: للوصي والأب والأم م: (وذكر الأم في الزيادات) ش: يعني إذا تقدم إلى أم الصبي في حائط مال لصغير لزم الضمان.
قال الأترازي: وفيه نظر لأنه لم يذكر في الزيادات الأم، بل ذكر الأب، والوصي كما ذكر في الأصل. فقال في " الزيادات ": حائط الصبي أشهد على أبيه أو على وصيه، فالضمان على أبيه أو عاقلة الصبي، فإن لم يسقط حتى كبر أو مات من أشهد عليه لم يكن فيه ضمان حتى يستأنف الإشهاد. وإن أشهد على صحيح في حائط ثم جزأ وارتد ولحق بدار الحرب بطل الإشهاد، إلى هنا لفظ زيادات محمد برواية الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا]
م: (والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء) ش: أي فعل الوصي والأب والأم م: (كفعله) ش: أي كفعل الصبي والتقدم إليهم كالتقدم إلى الصبي م: (وإلى المكاتب) ش: أي يصح التقدم إلى المكاتب في حائط له مائل م: (لأن الولاية له) ش: أي للمكاتب.
قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الزيادات ": مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا. فعلى المكاتب الأقل من قيمته ومن دية المقتول، فإن أدى المكاتب فعتق ثم سقط فأتلف إنسانا ففيه دية القتل على عاقلة مولاه. وقال: وإذا عجز المكاتب ثم سقط الحائط المائل فأتلف إنسانا فدمه هدر ولا شيء على المولى لعدم الإشهاد عليه م:

(13/251)


وإلى العبد التاجر سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد، وإن كان نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى وضمان المال أليق بالعبد، وضمان النفس بالمولى
ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي، ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب لا يضمنه لأن التفريغ عنه إلى الأولياء، لا إليه. قال: وإن عطب بالنقض ضمنه لأن التفريغ إليه، إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط إشهاد على النقض، لأن المقصود امتناع الشغل، قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه وهي ملكه ضمنه لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإلى العبد التاجر) ش: أي يصح التقدم إلى العبد التاجر في الحائط المائل م: (سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد) ش: حتى يباع فيه كديون التجارة م: (وإن كان) ش: أي التالف م: (نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى) ش: لأن الحائط مملوك المولى والعبد متصرف للمولى م: (وضمان المال أليق بالعبد) ش: لأنه ملحق بالأموال م: (وضمان النفس) ش: أليق م: (بالمولى) ش: لأن دية العبد غير قابلة لموجب جناية الدم لأنه يشبه الصلاة والعبد ليس بأهل لذلك.

[سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب]
م: (ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي) ش: بمطالبة شركائه، وحيث لم يفعل ذلك صار مفرطا فوجب الضمان بقسطه م: (ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب، لا يضمنه) ش: أي لا يضمن صاحب الحائط الذي تعثر فهلك م: (لأن التفريغ عنه إلى الأولياء لا إليه) ش: أي التفريغ عن القتيل الأول مفوض إلى الأولياء لأنهم الذين يتولون دفنه لا إلى صاحب الحائط.
م: (قال: وإن عطب النقض ضمنه) ش: أي صاحب الحائط م: (لأن التفريغ إليه) ش: أي لأن تفريغ الطريق عن نقض الحائط إلى صاحب الحائط م: (إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط.
إشهاد على النقض؛ لأن المقصود امتناع الشغل) ش: عن الهواء.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يضمن صاحب الحائط إلا إذا تقدم إليه بعد سقوط النقض بالتفريغ.
وروي عن محمد أنه يضمن، وإن لم يتقدم إليه التفريغ م: (قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه) ش: أي بسقوط الحائط م: (وهي) ش: أي الجرة م: (ملكه ضمنه لأن

(13/252)


التفريغ إليه، وإن كان ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها.
قال: وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية، ويكون ذلك على عاقلته، وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهم فيها بئرا والحفر كان بغير رضا الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين، لهما أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر، فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل. وله أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر والعمق المقدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التفريغ إليه وإن كان) ش: أي الجرة م: (ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها) . ش: وفي بعض النسخ: إذا كانت الجرة على تأويل المسمى، قوله: لا يضمنه، أي لا يضمن صاحب الحائط لو عثر إنسان على الجرة، ولا يضمن صاحب الجرة لأنه لم يوجد الإشهاد عليه حتى لو كانت الجرة لصاحب الحائط يضمن لقدرته على رفعها كالنقض.
وفي " المبسوط ": وضع شيئا على حائطه فدفع ذلك الشيء فأصاب إنسانا، فلا ضمان عليه لأنه وضعه في ملكه فلا يكون معتديا فيما يحدثه سواء كان الحائط مائلا أو لم يكن؛ لأن في الوضعين لا يكون ممنوعا من وضع متاعه على ملكه، ولكن ذكر في " المبسوط " سقوط الجرة فقط. وفي رواية الكتاب ذكر سقوط الحائط مع سقوط الجرة.

[الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية ويكون ذلك على عاقلته وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهما فيها بئرا والحفر كان بغير رضاء الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا، فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين) ش: أي في فصل الحائط المشترك بين خمسة وفصل دار بين ثلاثة نفر، وبه قال أحمد.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد: م: (أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل) .
ش: فإنه يكون نصفين النصف على الخارج والنصف هدر م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر) ش: أراد بالقتل المهلك م: (والعمق المقدر) ش: المهلك لا مجرد الثقل، ومجرد العمق لأن اليسير من ذلك لا يصلح علة للتلف.

(13/253)


لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل، وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت) ش: أي الجراحة م: (أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية) ش: في الإضافة إلى البعض.

(13/254)