البناية شرح الهداية

باب جناية المملوك والجناية عليه قال: وإذا جنى العبد جناية خطأ، قيل لمولاه: إما أن تدفعه بها أو تفديه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش، وفائدة الاختلاف في اتباع الجاني بعد العتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب جناية المملوك والجناية عليه]
[جنى العبد على غيره خطأ]
م: (باب جناية المملوك والجناية عليه) ش: أي هذا باب في بيان جناية المملوك على غيره وفي بيان جناية شخص على المملوك ولما فرغ من جناية الحر وهو المالك شرع في بيان العبد الذي هو المملوك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا جنى العبد) ش: على حر أو على عبد م: (جناية خطأ قيل لمولاه إما أن تدفعه) ش: أي العبد إلى ولي الجاني م: (بها) ش: أي بالجناية م: (أو تفديه) ش: إنما قيد بالخطأ لأن في العمد في النفس يجب القصاص عليه، وفيما دون النفس تجب الدية خطأ أو عمدا، لأن القصاص لا يجري فيه بين العبد والعبيد ولا بين العبيد والأحرار فيما دون النفس م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش) ش: وذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك، وقال مالك: يجب ذلك في عتق العبد يباع فيه إلا أن يقضي السيد " وقال الخرقي في " مختصره " وإذا جنى العبد على سيده أن يدفعه، أو يفديه فإن كانت الجناية أكثر من قيمة العبد لم يكن على سيده أن يطالب بأكثر من قيمته م: (وفائدة الاختلاف) ش: أي الخلاف بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تظهر م: (في اتباع الجاني بعد العتق) ش: يعني أن المجني عليه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتبع العبد بعد العتق، يعني إذا كانت قيمته غير معادلة للأرش تبعه بعد العتق، أما لو كان الأرش بقدر القيمة يكون على الولي والمولى يختار الفداء بعد العتق " وعندنا الوجوب على المولى دون العبد فلا يتبعه بعد العتق لأنه بعد العتق صار مختارا للفداء في " مبسوط " بكر و" الأسرار "، حاصل الخلاف أن موجب جناية العبد على الآدمي على العبد عند الشافعي. وعندنا يجب على المولى الدفع والفداء إلا أن الموجب الأصلي الدفع، وله أن يختار الفداء حتى لو هلك العبد قالوا: برئ المولى، ولو كان الواجب أحد الشيئين والخيار إليه ينبغي أن يتعين الأرش بعد هلاكه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية عليه كموجب جناية على المال ومن حكم الدين إذا وجب على العبد يخير المولى بين البيع والدفع في الدين وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، فعلى هذا لو كان قيمة قدر الأرش أو دونه فالسيد يخير بين الفداء والدفع، وهو قول الحسن والثوري والشعبي وعطاء ومجاهد والزهري وحماد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يلزم السيد دفعه، وهو قول مالك والشافعي في قول إلا أن

(13/276)


والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، له أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه، ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين، ويتعلق برقبته، يباع فيه كما في الجناية على المال. ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يفديه بالأرش بالغا ما بلغ.
م: (والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مثل مذهبنا قال: إذا جنى العبد إن شاء دفعه وإن شاء فداه، وهكذا روي عن علي ومعاذ بن جبل وغيرهما وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مثل مذهبه، قال: عبيد الناس أموالهم جنايتهم في قيمتهم أي في أثمانهم لأن الثمن قيمة العبد، وقال الكاكي: والمسألة مختلفة بين الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: عبيد الناس أموالهم جزاء جنايتهم في رقاب الناس كمذهبنا، هكذا روي عن ابن عباس ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مثل مذهبه نذكره مثل ما ذكرنا، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره عن ابن عباس أنه قال: عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في قيمتهم، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله قلت مخرج الأحاديث - لم يذكر إلا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقط فقال: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الشعبي عن الحارثي عن علي قال: إذا جنى العبد ففي رقبته، ويخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه م: (وله) ش: أي الشافعي م: (أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه) ش: أي عن الجاني م: (ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين) ش: وهو ظاهر كما قلنا، وفي بعض النسخ: كما في الذمي، يعني إذا قتل الذمي خطأ يجب دية المقتول في ذمته لا على عاقلته كما في إتلاف المال.
وقوله بعد هذا: بخلاف الذمي الذي يدل على صحة هذه النسخة م: (ويتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (يباع فيه كما في الجناية على المال) ش: أي كما في الضمان لاستهلاك الأموال م: (ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني) ش: لكونه معذورا، والخطأ موضوع شرعا، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قوله: ولنا أن الأصل ثبت وهو أن الحكم في مسألة مختلف، فإن حكمها عندنا الوجوب على المولى وعندهم الوجوب على العبد لما ذكر، وهو بناء على الأصل، ونحن على أصل فمن أين يقوم لأحدنا حجة على الآخر؟

(13/277)


تحرزا عن استئصاله والإجحاف به إذ هو معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته لأن العبد يستنصر به. والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان بخلاف الذمي؛ لأنهم لا يتعاقلون فيما بينهم فلا عاقلة فتجب في ذمته صيانة للدم عن الهدر. وبخلاف الجناية على المال؛ لأن العواقل لا تعقل المال إلا أنه يخير بين الدفع والفداء لأنه واحد، وفي إثبات الخيرة نوع تخفيف في حقه كي لا يستأصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويمكن أن يقال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل وجوب موجب جنايته في ذمته وكوجوب الجناية على المال " فنحن إذا بينا الفرق بينهم فبقي أصله، بلا أصل فيبطل. وقد بين المصنف ذلك بقوله: بخلاف الذمي إلى آخره م: (تحرزا عن استئصاله) ش: أي لأجل التحرز عن انقطاعه بالكلية م: (والإجحاف به إذ هو) ش: أي الإضرار به إذ هو أي الجاني في حالة الخطأ م: (معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية) ش: ولكن لما وجب دفعا لوحشة القتل عند الأولياء وصونا للدم عن الهدر فلا يهدر م: (وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته) ش: أي عاقلة العبد م: (لأن العبد يستنصر به) ش: أي بالمولى م: (والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان) ش: وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان على ما يجيء بيانه في كتاب " المعاقل " إن شاء الله تعالى م: (بخلاف الذمي) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب موجب جناية العبد عليه قياسا على الذمي حيث يجب عليه، بيانه أن الذمي لا يصح أن يقاس عليه م: (لأنهم) ش: أي لأن أهل الذمة م: (لا يتعاقلون فيما بينهم) ش: أي لا يتناصرون م: (فلا عاقلة فتجب في ذمته) ش: أي في ذمة الذمي م: (صيانة للدم عن الهدر) ش: لأنه إذا لم يجب عليه ولا عاقلة له فيجب عليها لكون الدم هدرا فلا يجوز إهداره. م: (وبخلاف الجناية على المال) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية العبد عليه قياسا على الجناية في المال، بيانه: أن هذا القياس أيضا غير صحيح م: (لأن العواقل لا تعقل المال) ش: كما مر بيانه م: (إلا أنه) ش: أي أن المولى، هذا استثناء من قوله " والمولى عاقلة " لأن العبد يستنصر به فإذا كان عاقلة م: (يخير بين الدفع والفداء) ش: يعني إن شاء دفع العبد وان شاء فداه. فإن قيل: إذا كان المولى عاقلته ينبغي أن لا يخير بين الدفع والفداء، كما لا يثبت الخيار في سائر العواقل، فالجواب عنه ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأنه واحد) ش: أي لأن المولى واحد هاهنا في كونه عاقلته. م: (وفي إثبات الخيرة) ش: للمولى م: (نوع تخفيف في حقه) ش: بخلاف سائر العواقل؛ لأن فيهم كثرة ويثبت التخفيف بالتوزيع عليهم فلا يثبت الخيار لهم م: (كي لا يستأصل) ش:

(13/278)


غير أن الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح، ولهذا يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب، وإن كان له حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة بخلاف موت الجاني الحر لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء فصار كالعبد في صدقة الفطر.
قال: فإن دفعه ملكه ولي الجناية، وإن فداه فداه بأرشها وكل ذلك يلزمه حالا، أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل وعند اختياره الواجب عين، وأما الفداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موجب الجناية م: (غير أن الواجب الأصلي) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لو كان موجب جناية على ذمة المولى ينبغي أن لا يسقط بموت العبد كما في الحر الجاني إذا مات لا يسقط العقل عن عاقلته.
تقرير الجواب: أن الواجب الأصلي في جناية العبد م: (هو الدفع) ش: أي دفعه إلى ولي الجناية وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: أي لخلاف فيه، فإن البعض قالوا: الواجب الأصلي هو الفداء، واختاره شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " لأن الأصل هو ضمان المتلف، ولكن الدافع خلص عنه، وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الأصل هو الدفع واختاره أيضا.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الواجب الأصلي هو الدفع م: (يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب وإن كان له) ش: أي للمولى م: (حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة) ش: فإن الموجب الأصلي فيه جزء من النصاب وللمالك أن ينتقل إلى القيمة م: (بخلاف موت الجاني الحر) ش: هذا جواب عما يذكر هاهنا مستشهدا به كما ذكرناه آنفا كما في الحر الجاني، بيانه أن الواجب لا يسقط بموت الجاني الحر م: (لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء بخلاف العبد الجاني حيث يسقط الموجب بموته؛ لأن الواجب يتعلق به استيفاء حيث يدفع في الجناية م: (فصار) ش: أي الحر م: (كالعبد في صدقة الفطر) ش: أنها تجب عن العبد على المولى ولا يسقط بموت العبد.

[دفع المولى العبد في جناية خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن دفعه ملكه ولي الجناية) ش: أي فإن دفع المولى العبد في جناية خطأ ملكه أي ملك العبد ولي الجناية وسقطت المطالبة عن المولى م: (وإن فداه فداه بأرشها) ش: أي بأرش الجناية م: (وكل ذلك) ش: أي الدفع والفداء م: (يلزمه حالا) ش: أي يلزم المولى على وجه الحلول م: (أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل) ش: لأن التأجيل إنما شرع للتحصيل [....] وتحصيل الحاصل محال م: (وعند اختياره) ش: أي اختيار المولى الدفع م: (الواجب عين) ش: أي عين العبد م: (وأما الفداء) ش: عطف على

(13/279)


فلأنه جعل بدلا عن العبد في الشرع، وإن كان مقدر. بالمتلف، ولهذا سمي فداء يقوم مقامه، ويأخذ حكمه فلهذا وجب حالا كالمبدل وأيهما اختاره وفعله لا شيء لولي الجناية غيره، أما الدفع فلأن حقه متعلق به، فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حقه، وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش، فإذا أوفاه حقه سلم العبد له " فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه على ما بيناه، وإن مات بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى.
قال: فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى، معناه: بعد الفداء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله أما الدفع م: (فلأنه) ش: أي فلأن الفداء م: (جعل بدلا عن العبد في الشرع) ش: فكان قائما مقامه فإذا كان كذلك يأخذ حكمه فلم: يصح التأجيل كما لا يصح في الدفع. م: (وإن كان مقدرا بالمتلف) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها يعني وإن كان الفداء مقدرا بالأرش قليلا كان أو كثيرا وهذا لا يمنع أن يكون بدلا عن العبد قائما مقامه م: (ولهذا) ش: أي لكونه بدلا عن العبد م: (سمي فداء يقوم مقامه) ش: أي مقام العبد م: (ويأخذ حكمه) ش: أي حكم العبد إذا وقع فيكون حالا مثله م: (فلهذا) ش: أي فلكونه قائما مقامه ويأخذ حكمه م: (وجب حالا كالمبدل) ش: في كونه واجبا حالا م: (وأيهما) ش: أي الواحد من الدفع والفداء م: (اختاره) ش: أي المولى م: (وفعله) ش: إما الدفع وإما الفداء م: (لا شيء لولي الجناية غيره) ش: أي غير الذي اختاره المولى م: (أما الدفع فلأن حقه متعلق به) ش: أي بالدفع م: (فإذا خلى) ش: أي فإذا خلى المولى بين ولي الجناية م: (بينه وبين الرقبة) ش: أي رقبة العبد م: (سقط حقه) ش: أي حقه لوصوله إليه م: (وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش فإذا أوفاه، حقه سلم العبد له) ش: أي للمولى م: (فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه) ش: لأن حقه كان في الرقبة فإذا تلفت سقط ما لزمه بالهلاك كهلاك المال بعد وجوب الزكاة فيه ولا الجناية من العبد تسقط بموته كما في العبد م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: الواجب الأصلي الدفع م: (وإن مات) ش: أي العبد م: (بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى) ش: فإذا مات العبد لم يسقط ما في ذمة المولى من الدين كسائر ديونه.

[فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (معناه: بعد الفداء) ش: يعني إذا فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ كان حكمها حكم الأول، يعني يخاطب المولى بالدفع أو الفداء، وإنما فسره المصنف بهذا لأنه إذا جنى ثانيا قبل الفداء كانت هي مثل

(13/280)


لأنه لما طهر من الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا ابتداء جناية.
قال: وإن جنى جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، وإما أن تفديه بأرش كل واحد منهما لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالديون المتلاحقة، ألا ترى أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع. ومعنى قوله: على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما، وإن كانوا جماعة يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم وإن فداه فداه بجميع أروشهم لما ذكرنا، ولو قتل واحدا وفقأ عين آخر يقتسمانه أثلاثا، لأن أرش العين على النصف من أرش النفس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسألة التي قبلها م: (لأنه لما طهر) ش: بالطاء المهملة م: (عن الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا) ش: أي الذي وقع ثانيا م: (ابتداء جناية) ش: فحكمه حكم الجناية التي وقعت أولا
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جنى) ش: أي العبد م: (جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، أما أن تفديه بأرش كل واحد منهما) ش: أي من حقه كاملا أي بالرقبة م: (لأن تعلق الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (لا يمنع تعلق الثانية) ش: أي الجناية الثانية م: (بها) ش: أي بالرقبة والتذكير باعتبار العتق أو باعتبار المذكور م: (كالديوان المتلاحقة) ش: فإن الدين الذي يلحق الدين لا يمانع أحدهما الآخر، وبه قالت الثلاثة الحسن وحماد وربيعة، وعن شريح: يدفع إلى ولي الجناية الأولى إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع إلى الثاني والثالث وبه قال الشعبي وقتادة م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع) ش: لأن الملك أقوى من الحق م: (ومعنى) ش: أي معنى م: (قوله) ش: (أي:) القدوري: م: (على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما) ش: لأن المستحق يستحقه عوضا عما فات فلا بد أن يقسم على قدر العوض كذا في " الإيضاح " م: (وإن كانوا جماعة) ش: يعني إن كان أولياء القتيل جماعة م: (يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم، وإن فداه) ش: أي وإن فدى المولى عبده لهم م: (فداه بجميع أروشهم) ش: أي مقابلا لجميع أروشهم م: (لما ذكرنا) ش: يعني قوله لأن تعلق الأول برقبته لا يمنع تعلق الثاني م: (ولو قتل) ش: أي العبد م: (واحدا وفقأ عين آخر) ش: أي شخص آخر م: (يقتسمانه) ش: أي ولي القتيل، والذي فقئ عينه يقتسمان العبد م: (أثلاثا) ش: بيانه: قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر ثم اجتمعا، واختار الولي الدفع فإنه يدفع العبد إليهما أثلاثا م: (لأن أرش العين) ش: أي العين الواحدة م: (على النصف من أرش النفس) ش: لأن ولي المقتول ثبت في الدية وهي عشرة آلاف، وثبت حق المفقوء عينه في نصف الدية وكل واحد منهما يدلي بسبب صحيح، فيصرف بجميع حقه، فيقتسمان أثلاثا.

(13/281)


وعلى هذا حكم الشجات. وللمولى أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد؛ لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة، بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة، والحق يجب للمقتول، ثم للوارث خلافة عنه فلا يملك التفريق في موجبها.
قال: فإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا حكم الشجات) ش: جمع شجة، وفي بعض النسخ: حكم الشجات فالأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة، بيانه: شج رجلا موضحة وآخر هاشمة، وآخر منقلة، ثم اختار الولي الدفع يدفع إلى صاحب الموضحة سدس العبد، لأن له خمسمائة، وإلى صاحب الهاشمة ثلثه، لأن له ألفا وإلى صاحب المنقلة نصفه، لأن له ألفا وخمسمائة فيقتسمون الرقبة هكذا م: (وللولي أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد) ش: أشار لهذا إلى أن للمولى أن يخالف في الاختيار، فيفدي من بعضهم إلى آخر ما ذكره م: (لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة) ش: لأن كل واحد منهم لا يتعلق حقه بحق صاحبه " فجاز أن يختار في أحدهم خلاف ما يختار في حق الآخر، كما لو انفرد كل واحد منهم.
م: (بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له) ش: أي للمولى م: (أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة) ش: أي جناية واحدة خير فيها بين الدفع فلم يملكه ببعض موجبها م: (والحق يجب للمقتول) ش: أو قيل: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: الحق إن كان متحدا بالنظر إلى سببه فهو متعدد بالنظر إلى المستحقين " فينبغي أن يكون حكم هذه المسألة مثل المسألة الأولى، فأجاب بقوله: أن الحق يجب للمقتول أولا م: (ثم للوارث خلافة عنه) ش: أي عن الميت، لأن الأصل في الاستحقاق الميت، وهو واحد والوارثان خلف عنه، فكان الاعتبار (في) الاتحاد الأصل، فإذا كان كذلك م: (فلا يملك التفريق في موجبها) ش: أي في موجب الجناية المتحدة.

[أعتق العبد الجاني مولاه وهو لا يعلم]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أعتقه المولى) ش: أي فإن أعتق العبد الجاني مولاه م: (وهو لا يعلم بالجناية) ش: أي والحال أنه ما علم بالجناية م: (ضمن الأقل من قيمة ومن أرشها) ش: أي ضمن المولى الأقل من قيمة العبد الجاني ومن أرش جناية أيهما كان أقل من الآخر يلزمه ذلك، وبه قال الشافعي، وفي قول مالك: يلزمه تمام الأرش، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول مالك.

(13/282)


وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش؛ لأن في الأول فوت حقه، فيضمنه وحقه في أقلهما ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم " وفي الثاني: صار مختارا؛ لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه اختيار منه للآخر " وعلى هذين الوجهين البيع والهبة والتدبير والاستيلاد؛ لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به. بخلاف الإقرار على رواية الأصل، لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش) ش: قليلا كان أو كثيرا، وقال الكرخي: وإذا قتل عبد قتيلا خطأ فأخرجه المولى من ملكه ببيع إلى غيره أو عتقه، أو دبره، أو كانت أمة فاستولدها أو أقر به لرجل وهو يعلم فعليه أرش الجناية م: (لأن في الأول) ش: أي فيما أعتقه الولي وهو لا يعلم بالجناية م: (فوت حقه) ش: أي حق المجني عليه م: (فيضمنه وحقه في أقلهما) ش: أي من الأقل من القيمة ومن الأرش م: (ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم، وفي الثاني) ش: أي فيما إذا أعتقه بعد العلم بالجناية م: (صار مختارا، لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه) ش: أي على العتق م: (اختيار منه للآخر) ش: أي الفداء.
م: (وعلى هذين الوجهين) ش: وهو العلم بالجناية وعدم العلم بها م: (البيع) ش: بأن باع العبد الجاني م: (والهبة) ش: بأن وهبه لأحد م: (والتدبير) ش: بأن دبره م: (والاستيلاد) ش: بأن كانت أمة فاستولدها م: (لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به) ش: أي بالمذكور من هذه الأشياء م: (بخلاف الإقرار على رواية الأصل) ش: يعني إذا أقر في يده العبد الجاني بأن العبد لفلان لا يصير مختارا للفداء.
توضيحه: إذا جنى العبد جناية يقال لوليه: هو عبدك فادفعه أو افده فقال: هو لفلان الغائب وديعة عندي أو جارية أو أجير أو رهن لا يصير مختارا للفداء م: (لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية، فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك؛ لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر) ش: ولم يندفع عنه الخصومة حتى يقيم على ذلك بينة، فإن أقامها آخر الأمر إلى قدوم الغائب، وان لم يقمها خوطب بالدفع أو الفداء ولا يصير مختارا للدية مع تمكينه من الدفع. وقال القدوري في " شرحه ": فإن اختار الفداء ثم حضر الغائب وصدقه فهو مقطوع في الفداء، لأنه أقر ملك غيره بغير أمره، وقد كان يمكنه أن يتخلص من الفداء بالدفع.
فإذا اختاره كان متبرعا، وإن اختار الدفع ثم حضر الغائب فصدقه قيل له: إن شئت فأفسخ الدفع، لأن التصديق استند إلى الإقرار الأول، فصار ملكا للعبد من ذلك الوقت وقد دفعه من ليس بمالك " فإن شاء اختار دفعه، وإن شاء فسخ وفدى.

(13/283)


وألحقه الكرخي بالبيع وأخواته؛ لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقراره فأشبه البيع، وإطلاق الجواب في الكتاب ينتظم النفس وما دونها، وكذا المعنى لا يختلف، وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع؛ لأن الملك ما زال.
ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به بخلاف الكتابة الفاسدة؛ لأن موجبه يثبت قبل قبض البدل " فيصير بنفسه مختارا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وألحقه الكرخي) ش: أي ألحق الإقرار أبو الحسن الكرخي م: (بالبيع وأخواته) ش: الهبة والتدبير والاستيلاد، يعني في صيرورته مختارا م: (لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقرار، فأشبه البيع) ش: وفي " الإيضاح ": رواية الكرخي خارجة عن الأصول وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإطلاق الجواب في الكتاب) ش: وهو قوله: ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها، وأراد بالكتاب القدوري م: (ينتظم النفس وما دونها) .
ش: لأن الجناية أعم من أن يكون على النفس أو على ما دونها فيكون مختارا للفداء من هذه الأشياء بعد العلم بالجناية على النفس أو على ما دونها، فإن فعل قبل العلم يلزم الأقل من قيمة الجاني والأرش.
م: (وكذا المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الذي يكون به مختارا للفداء أو لا يكون مختارا في النفس وما دونه لأنه لا يصح الاختيار بدون العلم، فإذا علم فعل ذلك بعد الإعتاق ونحوه كان مختارا. وإن فعل ويعلم لم يكن مختارا ويلزمه الأقل، لأنه لا حق لولي الجناية فيما زاد على الأرش إذا كان الأرش أقل، وإذا كان تقيمة الجاني أقل يلزم المولى ذلك، لأنه لم يفوت بفعله غير ذلك.
م: (وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك) ش: البيع بشرط الاختيار للمشتري ملك البائع بالإجماع، وإن كانوا اختلفوا في ثبوت الملك للمشتري م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع) ش: يعني لا يكون مختارا به م: (لأن الملك ما زال) ش: فبقي الدفع ممكنا كما كان. وقال القدوري في (شرحه) : وقال زفر: العوض اختيار لأنه يدل على سعة الملك.

[كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير]
م: (ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به، بخلاف الكتابة الفاسدة) ش: يعني إذا كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير حيث يكون مختارا م: (لأن موجبه) ش: وهو استحقاق العتق عند أداء العوض المشروط م: (يثبت قبل قبض البدل) ش: أي بدل الكتابة م: (فيصير بنفسه) ش: أي بنفس العقد م: (مختارا) ش: وفي " الإيضاح "

(13/284)


ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه؛ لأن المستحق له أخذه بغير عوض وهو متحقق في الهبة دون البيع، وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا؛ لأن فعل المأمور مضاف إليه، ولو ضربه، فنقصه فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه حبس جزءا منه، وكذا إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا، بخلاف التزويج لأنه عيب من حيث الحكم " وبخلاف وطء الثيب على ظاهر الرواية؛ لأنه لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام لأنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كاتبه وهو يعلم بالجناية ثم عجز. فإن كان خوصم قبل أن يعجز وقضى بالدية ثم عجز لم يرتفع القضاء، لأن وجوب البدل استحكم بالقضاء، وإن لم يحكم فيه حتى عجز كان له أن يدفعه، لأن الدفع بالعجز. وعن أبي يوسف: يصير مختارا بالعقد لتعذر الدفع باعتبار فوات اليد.
م: (ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه) ش: أي من المجني عليه م: (لأن المستحق له أخذه بغير عوض، وهو متحقق في الهبة دون البيع) ش: حيث لا يكون إلا بعوض، لأنه تمليك بعوض. م: (وإعتاق المجني عليه) ش: يعني إذا أعتق المجني عليه العبد الجاني م: (بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا) ش: أي في العلم بالجناية وعدمه م: (لأن فعل المأمور مضاف إليه) ش: أي إلى الآمر، فكأنه أعتقه بنفسه.
م: (ولو ضربه) ش: أي ولو ضرب عبده الجاني م: (فنقصه) ش: بأن أثر الضرب فيه حتى صار مهزولا، وقلت قيمته بتغير أثر الضرب م: (فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه) ش: أي لأن المولى م: (حبس جزءا منه) ش: أي من العبد، فصار كما لو حبس الكل م: (وكذا) ش: أي يكون مختارا م: (إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا) ش: من الإعلاق، وقيد به لإثبات الفرق بين وطء البكر والثيب، حيث توطأ بدون الإعلاق لا يصير مختارا للفداء في ظاهر الرواية، قاله الكاكي.
م: (بخلاف التزويج) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بالتزويج م: (لأنه عيب من حيث الحكم) ش: ولكنه ليس ينقص حقيقة وحكما، وهو ظاهر م: (وبخلاف وطء الثيب) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بوطء الثيب م: (على ظاهر الرواية) ش: وروي عن أبي يوسف: أن الوطء اختيار كالثيب، وبه قال زفر م: (لأنه) ش: أي لأن وطء الثيب م: (لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام) ش: أي لا يكون مختارا للفداء أيضا م: (لأنه) ش: أي لأن الاستخدام م: (لا

(13/285)


يختص بالملك، ولهذا لا يسقط به خيار الشرط، ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات. وكذا بالإذن في التجارة وإن ركبه دين " لأن الإذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته.
قال: ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا للفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك، كذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يختص بالملك) ش: فلا يدل على اختيار الملك.
م: (ولهذا) ش: أي: ولكون الاستخدام لا يختص بالملك م: (لا يسقط به خيار الشرط) ش: فيما إذا كان العبد المشروط فيه الخيار استخدمه المشتري فخياره باق، حتى لو هلك في الخدمة لا ضمان عليه، وكذا لو كان عليه دين في استخدامه فهلك لا يضمن للغرماء.
م: (ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات) ش: لأن الإجارة تنقص بالأعذار " فيكون قيام حق ولي الجناية فيه عذرا في نقص الإجارة والرهن يمكن من قضاء الدين واسترداد الرهن متى شاء، فلم يتحقق عجزه دون الدفع، وقوله " في الأظهر " احتراز عما ذكر، ذكر في بعض نسخ الأصل: أنه يكون مختارا في الإجارة والرهن، لأنه أثبت عليه يدا مستحقة، وصار كالبيع.
م: (وكذا بالإذن في التجارة) ش: يعني لا يكون مختارا لأنه لا يعجزه عن الدفع م: (وإن ركبه دين) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (لأن الإذن لا يفوت الدفع) ش: لقيام ملكه م: (ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته) ش: لأنه لما أبطل الدفع من حين اختياره توجبت القيمة.

[قال لعبده إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر]
م: (قال) ش: أي محمد في، الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك) ش: تلك الأفعال م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا لفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا، ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك) ش: أي اليمين الموجودة بعد تعليق العتاق والطلاق بالشرط م: (كذا هذا) .

(13/286)


ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فوالله لا أقربك، يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول. وكذا إذا قال لها: إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض، بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه، ولأنه حرضه على مباشرة الشرط بتعليق أقوى الدواعي إليه، والظاهر أنه يفعله، فهذا دلالة الاختيار.
قال: وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من قطع اليد فالعبد صلح بالجناية " وإن كان لم يعتقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز) ش: عند وجوده م: (فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية) ش: أي فصار كأن العبد قتل رجلا خطأ،....) المعلق المولى. فأعتقه بعد ذلك يكون مختارا للفداء " فكذا هذا.
ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فوالله لا أقربك يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول) ش: لأن من وقت القول، فكذا هنا يصير كأنه أعتقه بعد الجناية وهو يعلم بذلك.
م: (وكذا إذا قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا) ش: فترث المرأة م: (لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض) ش: لأنه لما أضاف الطلاق إلى المرض صار كأنه طلقها بعد مرضه م: (بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع) ش: لأنه غرض أراد من يمينه المنع م: (فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه) ش: لأنه لا يقدر على الامتناع مما علقه قبل الحلف، فلم يكن ذلك داخلا تحت يمينه، ولم يكن ذلك مرادا بيمينهم، بل كان المراد منها ما يمكن الامتناع عنه مما يحدث في المستقبل فلم يرد ذلك علينا.
م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن المولى م: (حرضه) ش: أي حرض العبد م: (على مباشرة الشرط) ش: وهو القتل أو الرمي أو الشج م: (بتعليق أقوى الدواعي إليه) ش. أي الشرط وهو الحرية م: (والظاهر أنه يفعله) ش: رغبة منه في الحرية م: (فهذا دلالة الاختيار) .

[قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من اليد]
م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع) : م: (وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه) ش: أي المجني عليه م: (ثم مات من اليد فالعبد صلح بالجناية، وإن كان لم يعتقه

(13/287)


رده على المولى، وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك، وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح وقع باطلا؛ لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها. وبين أطراف الحر " فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود، فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه فوجب القصاص بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر أن من أقدم على تصرف يقصد تصحيحه، ولا صحة له إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها. ولهذا لو نص عليه ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير، فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رده على المولى " وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك) ش: يريد به بيان الفرق بينهما إذا أعتق وبينهما إذا لم يعتق م: (وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح) ش: أي الدفع م: (وقع باطلا) ش: وسماه صلحا بناء على ما اختاره بعض المشايخ، أن الموجب الأصلي هو الفداء " فكان الدفع بمنزلة الصلح لسقوط موجب الجناية به، وإنما وقع باطلا م: (لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها وبين أطراف الحر، فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود) ش: أي القصاص م: (فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل) ش: لأن الذي كان وقع الصلح عنه وهو المال قد زال، والذي وجد من القتل لم يكن وقت الصلح فبطل م: (والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه) ش: فإنه لا يصير شبهة لدرء الحد م: (فوجب القصاص) .
م: (بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر) ش: من حال المعقد له م: (أن من أقدم منهم على تصرف يقصد تصحيحه) ش: لإظهار الصحيح قرارا من الباطل م: (ولا صحة له) ش: لهذا الصلح م: (إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها) ش: فيجعل مصالحا عن ذلك فبقي الإقدام على الإعتاق.
م: (ولهذا لو نص عليه) ش: أي على أن يكون العبد صلحا عن الجناية وما يحدث منها م: (ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل) ش: وهو اليد م: (يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير) ش: وهو السراية إلى النفس م: (فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد

(13/288)


العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل. وذكر في بعض النسخ رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال: العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية، وهذا الوضع يرد إشكالا فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك، وهاهنا قال يجب " قيل: ما ذكر هاهنا جواب القياس فيكون الوضعان جميعا - على القياس والاستحسان، وقيل: بينهما فرق، ووجهه أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا، فبعد ذلك وإن بطل حكما يبقى موجودا حقيقة فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل وذكر في بعض النسخ) ش: أي: نسخ " الجامع الصغير "، وبه صرح فخر الإسلام في " جامعه " وصاحب " الكافي " فيه: م: (رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال) ش: أي المصنف: م: (العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية) ش: يعني وإن لم يعتقه رد إلى مولاه، ويجعل الأولياء على خيرتهم بين القتل والعفو م: (وهذا الوضع) ش: قيل: إن الموضع الثاني وهو النسخة الغير المعروفة. وقال الأترازي: أي وضع " الجامع الصغير " في النسخة المعروفة، وفي النسخة الأخرى جميعا م: (يرد إشكالا) ش: في هذه المسألة وهي قوله: م: (فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك) ش: يعني ثمة هل تجب الدية لكون العفو عن اليد شبهة؟
م: (وهاهنا) ش: أي في هذه المسألة م: (قال يجب) ش: أي القصاص، وهذا وجه الإشكال، ثم أشار المصنف إلى وجه دفع هذا الإشكال بقوله: م: (قيل: ما ذكر هاهنا) ش: من وجوب القصاص م: (جواب القياس) ش: وما ذكر هناك جواب الاستحسان م: (فيكون الوضعان جميعا على القياس) ش: في الأول م: (والاستحسان) ش: في الثاني فاندفع التدافع، وحصل التوافق.
م: (وقيل: بينهما فرق) ش: أي بين الوضعين فرق ظاهر، يعني: بين هذه المسألة ومسألة العفو عن اليد حيث وجب القصاص هنا ولم يجب ثمة، بل وجبت الدية.
م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا) ش: ويبطل به الجناية، لأن العفو عنها يبطله م: (فبعد ذلك وإن بطل حكما) ش: أي حكم العفو بالسراية م: (يبقى موجودا حقيقة، فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال) ش: وجب القصاص،

(13/289)


فإذا لم يبطل الجناية لم تمتنع العقوبة، هذا إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل.
قال: وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية فعليه قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية لأنه أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذا عند الاجتماع ويمكن الجمع بين الحقين إيفاء من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء فيضمنهما بالإتلاف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومعنى قوله م: (فإذا لم تبطل الجناية لم تمتنع العقوبة) ش: يعني القصاص.
م: (هذا) ش: الذي ذكرناه م: (إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل) ش: وهو قوله لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح.

[جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية) ش: قيد بعدم العلم ليبني عليه م: (فعليه) ش: أي فعلى المولى م: (قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية ومالك م: (لأنه) ش: أي لأن المأذون م: (أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذلك عند الاجتماع) ش: أي اجتماع الحقين م: (ويمكن الجمع بين الحقين) ش: هذا جواب عما يقال: لا يلزم من كون كل واحد منهما مضمونا بكل القيمة على الانفراد كونه كذلك عند الاجتماع يجوز أن يكونا متنافيين فلا يجتمعان ليكون الإتلاف وارد عليهما.
وتقرير الجواب: الجمع بينهما ممكن م: (إيفاء) ش: أي من حيث الإيفاء م: (من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية تم يباع للغرماء فيضمنهما) ش: أي يضمن المولى القيمتين م: (بالإتلاف) ش: والأصل أن العبد إذا جنى وعليه دين يخير المولى بين الدفع والفداء، فإن دفع في دين الغرماء، فإن فضل شيء كان لأصحاب الجناية، وإنما بدأنا بالدفع لأنه به يوفى الحقين، فإن حق ولي الجناية يصير وفي بالدفع، ثم يباع بعده لأرباب الديون، ومتى بدأنا يبيعه في الدين تعذر الدفع بالجناية، لأنه تجدد للمشتري الملك ولم يوجد في مدة جنايته.
فقيل: ما فائدة الدفع إذا كان البيع بالدين بعده واجبا) وأجيب: بأنها إثبات حق الاستخلاص لولي الجناية بالفداء بالدين، فإن للناس في الأعيان أغراضا، وإنما لم يبطل الدين لحدوث الجناية، لأن موجبها صيرورته حرا، فإذا كان مشغولا وجب دفعه مشغولا، ثم إذا بيع وفضل من ثمنه شيء صرف إلى أولياء الجناية، لأنه بيع على ملكهم، فإن لم يثبت بالدين تأخر إلى حال الحرية كما لو بيع على ملك المولى الأول، وإنما قيد المسألة بعدم العلم

(13/290)


بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه. وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران فيضمنهما.
قال: وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت، فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها، والفرق أن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء، فيسري إلى الولد كولد المرهون، بخلاف الجناية؛ لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها، وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليبني عليه كما قلنا، وهو قول المصنف فعليه قيمتان، لأنه لو أعتقه وهو عالم بالجناية كان عليه الدية إذا كانت الجناية في النفس لأوليائها وقيمة العبد لصاحب الدين، لأن الإعتاق بعد العلم بالجناية يوجب الأرش دون القيمة.
م: (بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي) ش: أي إذا أتلف العبد المأذون أجنبي لا يضمن للغرماء م: (حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه) ش: أي لأن الحق دون الملك، يعني لا يضمن الأجنبي سوى قيمة العبد.
م: (وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران) ش: أي فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأن حقهما مرجوع بالنسبة إلى ملك المولى، فلا يظهر حكمهما م: (فيضمنهما) ش: أي فيضمن الولي الإعتاق لصاحب الدين وولي الجناية، لأنه أتلف حقهما.

[استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت) ش: أي من زوجها م: (فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها) ش: أي مع الأم الأمة م: (والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الدين وصف حكمي فيها) ش: أي في الأمة م: (واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء، يعني صار المولى ممنوعا من التصرف في رقبتها ببيع أو غيرهما، فكانت من الأوصاف الشرعية إلقاء في الأم م: (فيسري إلى الولد كولد المرهون) ش: أي كولد الجارية المرهونة، فإنه يباع مع أمه.
م: (بخلاف الجناية) ش: حيث لم يدفع الولد معها م: (لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها) ش: أي في ذمة الأمة ورقبتها خالية عن الحق فلا يتعلق بالولد م: (وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي) ش: الحسي.

(13/291)


وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية
قال: وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له؛ لأنه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى، إلا أنه لا يصدق على العاقلة من غير حجة.
قال: وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء، وصار كما إذا قال البالغ العاقل: طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون، أو بعت داري وأنا مجنون وقد كان جنونه معروفا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية) ش: أي سراية الحكم من الأم إلى الولد في الوصف الشرعي لا الحقيقي من وجوب الدفع أثر الفعل الحقيقي، فلذلك لم يسر إلى الولد " ولهذا لو كانت الأمة سوداء لا يلزم أن يكون ولدها أسود.

[العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له) ش: أي الذي زعم أنه أعتقه لا قليل ولا كثير م: (لأنه لما زعم أن مولاه، أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى) ش: أي وادعى أيضا إبراء العبد وإبراء المولى، لأن الإنسان مؤاخذ بزعمه م: (إلا أنه) ش: أي غير أن هذا الزاعم م: (لا يصدق على العاقلة من غير حجة) ش: فلا يكون له شيء أصلا.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد) ش:، أي مع يمينه بالإجماع. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: فيه وجهان، أحدهما وهو نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القول للمولى مع يمينه، والثاني: أن القول للجاني م: (لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة) ش: أي معلومة م: (منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء) ش: أي من حيث الدفع إلى ولي الجناية، ومن حيث الفداء " واعترض بأن العبد قد ادعى تاريخا سابقا في إقراره والمقر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله.
وأجيب: بأن اعتبار التاريخ للترجيح بعد وجود أصل الإقرار، وهاهنا هو منكر لأصله، فصار كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن تخلق أو أخلق. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون أو بعت داري وأنا مجنون، وقد كان جنونه معروفا

(13/292)


كان القول قوله لما ذكرنا.
قال: ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها " وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة استحسانا وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه يؤمر برده عليها لأنه منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما: أنه أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان القول قوله لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله " لما أنه أسنده " إلى حالة معهودة منافية للضمان، لأن الصبي والمجنون ينافي ذلك. وكذا إذا قال: أقررت بهذا المال لفلان وأنا صبي، وقال المقر له: بل أقررت وأنت بالغ فالقول قول المقر، لأن الصبي ينافي وجوب الإقرار.

[أعتق جارية ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي وقالت قطعتها وأنا حرة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها، وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة) ش: بأن قال جامعتك وأنت أمتي، أو قال: أخذت منك غلة عملك وأنت أمتي، فقالت: بل كان ذلك بعد العتق فإن القول للمولى م: (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (وهذا) ش: أي كون القول للمولى م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه) ش: أي لا يضمن المولى إلا إذا أقر بأخذ شيء بعينه والمأخوذ قائم في يده، واختلف فيه على هذا الوجه أجمعوا فيه م: (يؤمر برده عليها) ش: وبقول محمد قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى) ش: أشار بها إلى قوله: وإذا أعتق العبد فقال للرجل: قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر فالقول قول العبد.
م: (وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن المولى م: (أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت) ش: يريد به براءته عن ضمان العين قصاصا وأرشا م: (وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة) ش: يدعي وجوب نصف الدية عليه لما أن العضو التالف إن كان صحيحا ثم سقط يسقط القصاص

(13/293)


فإن القول قول المقر له، وهذا لأنه ما أسنده إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها لو قطعها وهي مديونة، وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن، بخلاف الوطء والغلة؛ لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر. وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان.
قال: وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يدخل حق التلف إلى الأرش لأنه حقه ابتداء في القصاص من غير تخير عندنا خلافا للأئمة الثلاثة، لكن ذكر في " الإيضاح " و" الذخيرة ": لا قصاص في العين إذا فقئت عمدا أو خطأ، وإنما يجب القصاص إذا كانت قائمة وذهب ضوؤها.
وفي " المستصفى ": لا قصاص في الحدقة، إنما القصاص إذا ضربها وذهب ضوؤها، ولكن ذكر في " الذخيرة " بعد ذكر هذه الروايات إلى " الأجناس ": أنه لو ضرب غير إنسان بإصبع ضربة حقيقة فذهب ضوؤها وجد بعد ذلك ففيه القصاص، يحمل ما ذكر في الكتاب على تلك الرواية م: (فإن القول قول المقر له، وهذا) ش: يشير به إلى قوله أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه، فلا يكون القول له م: (لأنه) ش: أي لأن المقر م: (ما أسنده) ش: أي ما أسند سبب الضمان وهو الأخذ أو القطع م: (إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها) ش: أي يد الأمة م: (لو قطعها وهي مديونة) ش: أي والحال أنها مديونة.
م: (وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن) ش: أي والحال أنه مستأمن. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا ليس له تعلق مما نحن فيه من مسألة القطع، لكنه ذكره بيانا لمسألة أخرى، صورتها: مسلم دخل دار الحرب بأمان وأخذ مال حربي ثم أخرجا إلينا، فقال له المسلم أخذت منك مالا وأنت حربي فقال: لا بل أخذت مني وأنا مسلم فإنها على الخلاف.
م: (بخلاف الوطء والغلة) ش: هذا يتصل بقوله: " كما في الوطء والغلة " وهو جواب عما قاسه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر) ش: وكذا وطء الأمة المرهونة لا يوجب العقر م: (وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: أي للضمان.

[أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في: (الجامع الصغير) .: و: (وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل) ش: وسواء كان أيضا مأذونا أو مكاتبا، وقيد بأن يكون الصبي حرا؛ لأنه لو كان عبدا فمولاه مخير بين الدفع والفداء

(13/294)


ولا شيء على الآمر. وكذا إذا كان الآمر صبيا لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخذة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية العبد، بخلاف الصبي؛ لأنه قاصر الأهلية.
قال: وكذلك إن أمر عبدا، معناه: أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة، وهذا إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذا كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم بعد الدفع والفداء يرجع مولاه على المحجور الآمر بعد الإعتاق بقيمة عبده، إشارة إلى ما ذكره قبيل فصل الجنين م: (ولا شيء على الآمر، وكذا إذا كان الآمر؛ لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخدة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر) ش: أي الشرع م: (قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا، ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق) .
وفي" النهاية ": وفي هذه الرواية ضعف، لأنه ذكر في " الجامع المحبوبي " و" التمرتاشي ": ولا رجوع لهم على العبد لا في الحال، ولا بعد العتق. وإذا كان العبد المأذون في التجارة، لأن هذا الضمان ليس بضمان الغصب؛ لأن الحر لا يغصب، وإنما هو ضمان جناية، وجناية العبد لا تلزمه بعد العتق، وكذا ذكر في" المغني " محالا إلى [....] لذا نعلم أن ما ذكر في الكتاب نوع ضعف لمحالة هذه الروايات.
م: (لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية) ش: أي لأن عدم الاعتبار لحق الولي، وقد زال لنقصان أهلية: م: (العبد بخلاف الصبي لأنه قاصر الأهلية) ش: وقد زال حق المولى بعد العتق فيؤخذ لزوال المانع، وفي الصبي لم يعتبر قوله لقصور أهليته.

م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (وكذلك إن أمر عبدا) ش: أي وكذلك الحكم إن أمر العبد المحجور عليه، أشار إليه المصنف بقوله: م: (معناه أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء، ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة) ش: أي لا ضرورة في إعطاء الزيادة لأنه يتخلص عن عهدة الضمان باعتبار الأقل من الفداء وقيمة العبد لأنه إنما أتلف بأمره ما هو الأقل منها م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا م: (إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل) ش: أي وكذا الحكم إذا كان القتل عمدا والحال أن العبد هو القاتل، وكان م: (صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذ كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر والعبد) .

(13/295)


والعبد. قال: وإذا قتل العبد رجلين عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا فصار كما لو وجب المال من الابتداء، وهذا لأن حقهم في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين وهو النصف وبقي النصف. فإن كان قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لوليي الخطأ وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تعالى -. وقالا: يدفعه أرباعا ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة، واستوت منازعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامح الصغير ": م: (وإذا قتل العبد رجلين عمدا، ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا، فصار كما لو وجب المال من الابتداء) ش: ولو وجب المال في بداية الأمر بسبب القتيلين لكان بالنصف فكذا هنا.
م: (وهذا لأن حقهم) ش: أي حق الأولياء م: (في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين) ش: من الأولياء الأربعة م: (وهو النصف وبقي النصف، فإن كان قتل أحدهما عمدا) ش: أي فإن قتل أحد الرجلين عمدا م: (والآخر) ش: أي وقتل الرجل الآخر.
م: (خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد، وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء) ش: لأنه يجب في الذمة، والذمة صالحة أن يثبت فيها أموال كثيرة م: (فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لولي الخطأ، وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) .
م: (وقالا: يدفعه أرباعا، ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ، وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة) ش: وبقي النصف الآخر م: (واستوت منازعة

(13/296)


الفريقين في النصف الآخر، فيتنصف، فلهذا يقسم أرباعا، وعنده: يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا؛ لأن الحق تعلق بالرقبة أصله التركة المستغرقة بالديون، فيضرب هذان بالكل، وذلك بالنصف، ولهذه المسألة نظائر وأضداد ذكرناها في " الزيادات ".
قال: وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما أي قريبا لهما فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفريقين في النصف الآخر) ش: وكل واحد من ولي الخطأ وشريك العافي يدعيه م: (فيتنصف) ش: أي فيجعل هذا النصف بينهما نصفين.
م: (فلهذا يقسم أرباعا) ش: أي فلأجل هذا كانت القسمة بينهما بطريق المنازعة أرباعا، ومعنى المنازعة أن كل جزء وقع من دعوى قد سلم للآخر بلا منازعة. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": وفي قول زفر: لصاحب الخطأ النصف، ولصاحب العمد الذي لم يبق الربع، وبقي الربع للمولى.
م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة: م: (يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا) ش: ومعنى العول أن يضرب كل واحد منهم بسهمه فيجمع السهام كلها ويقسم السهام على مبلغ السهام ألفين.
م: (لأن الحق تعلق بالرقبة) ش: لأن أصل حقها ليس في غير العبد، بل في أرش الذي هو بدل المتلف، والقسمة في غير العين تكون بطريق العول والمضاربة، ولهذا لأن حق ولي الخطأ في عشرة آلاف وحق الشريك العافي في خمسة فيضرب كل واحد منهما بحصته.
م: (أصله) ش: أي أصل أبي حنيفة: م: (التركة المستغرقة بالديون) ش: كما لو كانت ألفا ولرجلين على الميت ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف والآخر ألفان، فإن التركة تقسم بينهما بطريق العول المضاربة أثلاثا فثلثا التركة لصاحب الألفين، وثلثها لصاحب الألف م: (فيضرب هذان) ش: أي ولي الخطأ.
م: (بالكل وذلك) ش: أي ولي العمد م: (بالنصف) ش: أي يضرب بالنصف م: (ولهذه المسألة نظائر) ش: أي أمثال م: (وأضداد) ش: يعني خلافها م: (ذكرناها في " الزيادات ") ش: أي في كتاب " الزيادات " [من] تصنيفه، وقد مضى في كتاب " الدعوى " بشيء مما ذكر في " الزيادات " في باب ما يدعيه رجلان.

[عبد بين رجلين فقتل مولى لهما]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما، أي قريبا لهما) ش: كأخيهما أو عمهما م: (فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بطل الدم كله عنده م: (وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع

(13/297)


الدية، وذكر في بعض النسخ قتل وليا لهما، والمراد القريب أيضا. وذكر في بعض النسخ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر في " الزيادات " عبد قتل مولاه وله ابنان فعفا أحد الابنين بطل ذلك كله عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب فيه كالجواب في مسألة الكتاب ولم يذكر اختلاف الرواية. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق القصاص ثبت في العبد على سبيل الشيوع لأن ملك المولى لا يمنع استحقاق القصاص له، فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في الكل فيكون نصفه في نصيبه، والنصف في نصيب صاحبه فما يكون في نصيبه سقط ضرورة أن المولى لا يستوجب على عبده مالا، وما كان في نصيب صاحبه بقي ونصف النصف هو الربع، فلهذا يقال: ادفع نصف نصيبك أو افتده بربع الدية. ولهما: أن ما يجب من المال يكون حق المقتول، لأنه بدل دمه، ولهذا تقضى منه ديونه وتنفذ به وصاياه، ثم الورثة يخلفونه فيه عند الفراغ من حاجته والمولى لا يستوجب على عبده دينا فلا تخلفه الورثة فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدية وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير ".
م: (قتل وليا لهما) ش: والولي القريب والمولى م: (والمراد القريب أيضا) ش: وقال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (سورة مريم: الآية 5) ، والمولى ابن العم والعصبة، والجمع موالي، كذا في التفسير. وقال الأترازي: ويحتمل أنه أراد به المعتق الذي أعتقاه، فصارا عصبة له بالولاء، وقد ذكره فخر الإسلام.
م: (وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير " م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأشهر) ش: ذكر في بعض النسخ أي نسخ " الجامع " قول محمد مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله - وقال القدوري في كتاب " التقريب ": ويراد الصحيح أنه مع أبي حنيفة، لا قول محمد مع أبي حنيفة.
[.....]

(13/298)


فصل ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية خمسة آلاف إلا عشرة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - تجب قيمته بالغة ما بلغت. ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع. لهما: أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية. ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل ومن قتل عبدا خطأ]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في أحكام الجناية على العبد. ولما فرغ من جنايته على غيره شرع في حكم الجناية عليه، وقدم الأول لأن الفاعل متقدم على المفعول.
م: (ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة، وفي الأمة إذا زادت قيمتها علي الدية خمسة آلاف إلا عشرة) ش: أي هنا لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال النخعي والشعبي والثوري وأحمد في رواية.
م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: تجب قيمته بالغة ما بلغت) ش: وبه قال مالك وأحمد، وهو قول سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز والزهري وإسحاق ومكحول وإياس بن معاوية والحسن. وقال الكرخي: وروي عن علي وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: فيه القيمة بالغا ما بلغ م: (ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع) .
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي: م: (أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية) ش: لا من حيث الآدمية، فلو كان الضمان بدل الدم لوجب الضمان للعبد، لأنه في حق الدم مبني على أصل الحرية.
م: (ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد) ش: ذكرت هذا أيضا على سبيل الإيضاح عطفا على قوله: " يجب للمولى "، يعني أن بقاء العقد باعتبار المالية لا باعتبار الآدمية، دل على أن الضمان بدل المالية. بيان هذه المسألة كما قاله القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا قتل المبيع في يد البائع فاختار المشتري إجازة للبيع كان له القصاص، وكذلك إذا

(13/299)


وبقاؤه ببقاء المالية أصلا أو بدلا، وصار كقليل القيمة وكالغصب. ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا وهي اسم للواجب بمقابلة الآدمية ولأن فيه معنى الآدمية متى كان مكلفا وفيه معنى المالية، والآدمية أعلاهما، فيجب اعتبارها بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اختار فسخ البيع كان للبائع القصاص، وهذا حفظ عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: ليس للبائع القصاص.
وروى ابن زياد عنه: لا قصاص للمشتري أيضًا م: (وبقاؤه) ش: أي بقاء العقد م: (ببقاء المالية أصلا) ش: يعني إن بقي العين م: (أو بدلا) ش: يعني إن هلكت م: (وصار) ش: أي العبد م: (كقليل القيمة) ش: يعني لو كان العبد قليل القيمة يجب ذلك القدر ولا يبلغ إلى الدية، م: (وكالغصب) ش: أي وكان كالغصب يعني في الغصب كذلك لا يجب إلا قدر القيمة لا يبلغ إلى الدية.
م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92)) ش: وجه الاستدلال به أن الله تعالى م: (أوجبها) ش: أي الدية م: (مطلقا) ش: من غير فصل بين الحر والعبد من قتل خطأ م: (وهي) ش: أي الدية م: (اسم للواجب بمقابلة الآدمية) ش: تقريره: أن الله تعالى رتب في قتل الخطأ حكمين الكفارة والدية والعبد داخل في حقوق وجوب الكفارة بالإجماع، فيجب أن يكون في حق الدية كذلك، لأنه قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: 93] والعبد مؤمن فيكون ما وجب بقتله الدية، ولا يجوز الزيادة على النص بالرأي أن المراد حر مؤمن.
م: (ولأن فيه) ش: أي في العبد م: (معنى الآدمية متى كان مكلفا) ش: بالإيمان والشرائع التي تجب عليه من الصلاة والصوم والعقوبات م: (وفيه) ش: أي في العبد م: (معنى المالية) ش: حتى ورد عليه الملك بلا خلاف م: (والآدمية أعلاهما) ش: لا محالة.
م: (فيجب اعتبارها) ش: أي اعتبار الآدمية م: (بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما) ش: أي بين معنى المالية ومعنى الآدمية، لأنهم أجمعوا على: أن الضمان إما بدل المالية أو بدل الآدمية، والعكس يعني إلى إهدارهما جميعا، لأن الآدمية أصل لقيام المالية بها، في إهداره الأصل إهدار للبائع وإهدار أحدهما أولى من إهدارهما.
فإن قيل: لا نسلم أن الجمع بينهما متعدد، بإيجاب القيمة بالغة ما بلغت لوجود الجمع بينهما.

(13/300)


وضمان الغصب بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال، وبقاء العقد يتبع الفائدة حتى يبقى بعد قتله عمدا، وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية، فكذلك أمر الدية وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية، إلا أنه لا سمع فيه فقدرناه بقيمته رأيا بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا لانحطاط رتبته وتعيين العشرة بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن الجمع إنما يوجد بإيجاب الدية مع كمال القيمة وذلك لا يجوز [....] لخروجه عن الإجماع. م: (وضمان الغصب) ش: هذا جواب عن قولهما وكان كالغصب، بيانه: أن ضمان الغصب لا يجب إلا م: (بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال) ش: وهو ظافر م: (وبقاء العقد) ش: هذا جواب عن قولهما: لو قتل العبد المبيع، بيانه: أن بقاء العقد في قتل العبد المبيع م: (يتبع الفائدة) ش: وهي انقلاب القصاص مالا بالعقد والصلح، فبقاؤه يدل على أنه يبقى لأجل الفائدة أو هي تمكن المشتري من الصلح والعقر، وجوب العفو عليه.
م: (حتى يبقى) ش: العقد إيضاح لبيان بقاء العقد لأجل الفائدة، أي حتى يبقى العقد م: (بعد قتله عمدا وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية) ش: أي في حق المشتري م: (فكذلك أمر الدية) ش: أي الدية يبقى لفائدة المشتري م: (وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية) ش: يعني أن الواجب في قليل القيمة بدل الآدمية م: (إلا أن لا سمع فيه) ش: أي في قليل القيمة، لأنه لم يرد فيه شيء.
فإن قيل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد» مطلق يتناول الحر والعبد، فيكون السماع فيه موجودا؟. قلنا: خص من ذلك الحديث المرأة، لأنه لا يجب بقتلها مائة من الإبل فيخص العبد منه، لأن المعنى المخصوص موجود فيه وهو التفاوت في المالية كالتفاوت بين الرجل والمرأة.
م: (فقدرناه بقيمته رأيا) ش: مقدر بالقليل بقيمة العبد من حيث الرأي، لأنه يمكن معرفة نقصان بدل نفسه من بدل نفس الحر بالرجوع إلى تقويم المالية، ولا كذلك في كثير القيمة لأنه تعذر ذلك فيه.
ومعنى قوله م: (بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا) ش: أي لأجل الإظهار م: (لانحطاط رتبته) ش: أي رتبة العبد عن رتبة الحر م: (وتعيين العشرة) ش: كأنه جواب عما يقال لما قدرتم القليل بالقيمة رأيا فيم قدرتم العشرة في قيمة الحر؟ فأجاب بأن تعيين العشرة في ذلك م: (بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: قال

(13/301)


قال: وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المخرج: هذا ضعيف.
وقال الأترازي روى القدوري في " شرح مختصر الكرخي " عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في قيمة العبد لا يزاد على عشرة آلاف إلا عشرة.
وقال الأكمل وغيره: وقع في بعض النسخ " ابن عباس " وهو ما روي عنه لا يبلغ قيمة العبد دية الحر، وينقص منه عشرة دراهم وهو الأصح لموافقته لأكثر النسخ.
وقال الأترازي: ذكر ابن عباس موضع ابن مسعود غير صحيح، لأن مذهب ابن عباس مثل قول أبي يوسف رواه الكرخي كذلك.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعترض بما روي: أن عمرو وعليا وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أوجبوا في العبد قيمته بالغة ما بلغت.
وأجيب: بأن المروي عن ابن مسعود راجح، لأن فيه ذكر المقدار وهو ما لا يهتدي إليه العقل، وليس فيما روي عنه غير ذلك، بل في قياس سائر الأموال من تبلغ قيمته بالغة ما بلغت، فكان محمولا على أنهم قالوا بالرأي ومثله لا يعارض ما هو بمنزلة السمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى.
قلت: روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " عن النخعي والشعبي قالا: لا يبلغ قيمة العبد دية الحر.

[في يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة) ش: أي لا يزاد نصف الحر قيمة العبد في تضمين الجاني على خمسة آلاف درهم منقوصا منه خمسة دراهم.
وفي " النهاية " هذا خلاف ظاهر الرواية، لأنه ذكر في " المبسوط " ففي طرف المملوك يعتبر قيمة المالية فقط. وبهذا لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة إلا أن محمدا قال في بعض الروايات القول بهذا يروى إلى أنه يجب بقطع طرفه ما يجب بقتله الجاني. قال: فلهذا لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب فيه خمسة آلاف إلا خمسة. وذكر في " الأسرار ": أن جانب المالية أغلب.
وفي " فتاوى الظهيرية " و" جامع المحبوبي " ما يوافق رواية المتن حيث قالا: موضحة العبد مثل موضحة الحر يقضي بخمسمائة درهم إلا نصف درهم. ولو قطع إصبع عبد عمدا أو خطأ

(13/302)


لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد؛ لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا.
وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا أن ضمان الغصب ضمان المالية.
قال: ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك، فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه وإلا اقتص منه، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل، وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول لاشتباه من له الحق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيمته عشرة آلاف أو أكثر فعليه عشر الدية إلا درهما، فكأن الشيخ اختار رواية محمد، وبه قال الكاكي.
م: (لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد) ش: يعني إذا وجب في الحر كل الدية يجب في العبد كل القيمة، وكل شيء من الحر يجب فيه نصف الدية ففيه من العبد القيمة.
م: (لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (سورة النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا، وهو اسم للواجب بمقابلة الآدمية إلى آخر ما قال.

[غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده]
م: (وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا) ش: فيما مضى م: (أن ضمان الغصب ضمان المالية) ش: لأن الغصب يرد عليه من حيث أنه مال لا من حيث إنه آدمي فتعتبر المالية بالغا قيمتها ما بلغت.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه) ش: على القاطع، أي وإن لم يكن له ورثة غير المولى م: (وإلا اقتص منه) ش: أي من القاتل م: (وهذا) ش: أي المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل) ش: أي ما في القيمة، وبه قالت الأئمة الثلاثة، إلا أن عندهم تجب قيمته بالغة ما بلغت للسيد، وعن أحمد في رواية يجب دية الحر اعتبارا بحالة الموت م: (وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى م: (لاشتباه من له الحق) ش: يعنى المستوفى، وجهالته تمنع القصاص.

(13/303)


لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى، وفيه الكلام واجتماعهما لا يزيل الاشتباه؛ لأن الملكين في الحالين بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه، ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية) ش: وهي حالة الموت م: (يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى) ش: الاشتباه من له الحق م: (وفيه الكلام) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى.
وقيل: أي في رجوعه يستوفى، ولا كلام في أصل الوجوب لإفادة الاستيفاء، وإذا فات مقصوده سقط اعتباره. وقيل: أي في تعذر الاستيفاء. وقيل: أي في تحقق الاشتباه من له القصاص. وقال شيخي العلاء: ووصل شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخطه الضمير في " فيه "، أي تعذر الاستيفاء، وشيخه بهاء الدين الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (واجتماعهما لا يزيل الاشتباه) ش: هذا جواب عما يقال سلمناه، أي من له الحق مشتبه، لكن يزول الاشتباه باجتماعهما. فأجاب: اجتماعهما أي اجتماع المولى والورثة لا يزيل الاشتباه المذكور.
م: (لأن الملكين) ش: أي ملك المولى للقصاص، فالنظر إلى حالة الجرح وملك الورثة فالنظر إلى حالة الموت م: (في الحالين) ش: أي في حال الجرح وحال الموت مختلف، فإن الملك للمولى وقت الجرح دون الموت وللورثة بالعكس، وعند الاجتماع لا يثبت الملك لكل واحد منهما على الدوام في الحالين فلا يفيد الاجتماع.
م: (بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه) ش: حاصله: أن الموصى له بالخدمة لا ملك له في الرقبة، والموصى له بالرقبة إذا استوفى القصاص سقط حق الموصى له بالخدمة، لأن الرقبة ثابتة لا إلى بدل، فلا يملك إبطال حق عليه، ولكن إذا اجتمعا فقد رضي الموصى له بالخدمة بفوات حقه، فيستوفي الآخر لزوال الاشتباه.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية) ش: أي في المسألة المختلف فيها م: (وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك) ش: أي لأن سبب الولاية الملك م:

(13/304)


على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى، فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه، كما إذا قال لآخر: بعتني هذه الجارية بكذا، فقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها، ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص. ولهما: أنا تيقنا بثبوت الولاية للمولى فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم، والحكم متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول؛ لأن المقضي له مجهول ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا، لأن الحكم لا يختلف بخلاف تلك المسألة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى) ش: أراد بها حالة الموت م: (فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه) ش: أي في الأمر الذي لا يثبت الشبهات، يعني القصاص ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا قال لآخر بعتني هذه الجارية بكذا؛ فقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها) ش: لأن في التزوج يبالي بها باختلاف السبب ولا يبالى به في الأموال، كما لو أقر بألف من قرض، وقال المقرض له: من ثمن مبيع فإنه يقضى بالألف وإن اختلف السبب، لأن في الأموال يجري البدل والإباحة فلا يبالى باختلاف السبب.
م: (ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص) ش: بين هذا بها دليل آخر، حاصله أنه كما تلف بآفة سماوية.
فإن قيل: ينبغي أن يجب أرش اليد للمولى لكونه جرحا بلا سراية؟
أجيب: بأنه لا يجب نظرا إلى حقيقة الجناية وهو القتل، لأنه إذا سرى تبين أن الجناية قتل لا قطع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنا تيقنا بثبوت الولاية للولي فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم) ش: وهو الولي لأنه لا وارث للعبد غيره م: (والحكم) ش: وهو القصاص م: (متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول) ش: يعني إذا كان له ورثة غير المولى حيث لم يجب القصاص بالاتفاق م: (لأن المقضي له مجهول) ش: لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح كان المقضي له هو الولي، ولو اعتبرنا حالة الموت كان للورثة.
م: (ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له ورثة غير المولى م: (لأن الحكم) ش: وهو استيفاء القصاص م: (لا يختلف) ش: لأنه في الحالين لواحد وهو المولى.
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها المسألة التي قاس عليها محمد، وهي ما إذا قال: بعني

(13/305)


لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما، والإعتاق لا يقطع السراية لذاته بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضي منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه، وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل. وعندهما الجواب في الفصل الأول كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني.
قال: ومن قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها م: (لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما) ش: لأن ملك النكاح يثبت الحل مقصودا، وملك اليمين لا يثبته، ولو أثبته لم يكن مقصودا فاختلف الحكم كما اختلف السبب. م: (والإعتاق لا يقطع السراية لذاته) ش: هذا جواب عن قول محمد: الإعتاق قاطع للسراية معناه: الإعتاق قاطع للسراية في صورة الخطأ دون العمد، وذلك لأنه لا يقطع السراية لذاته. م: (بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال) ش: فيكون الحق حالة الجرح للمولى لكونه قبل العتق م: (فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضى منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه) ش: ولهذا لم يكن لمولاه أن يسفك دمه بلا حق.
م: (وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث - له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الفصلين، أي فيما إذا كان له ورثة عند المولى أو لم يكن له ورثة غيره م: (يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل) ش: من بقية القيمة.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (الجواب في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا كان العبد وارث غير المولى م: (كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له وارث.

[قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع العتق على أحدهما]
م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر ثم شجا فأوقع

(13/306)


العتق على أحدهما فأرشهما للمولى، لأن العتق غير نازل في المعين، والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة، ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد، والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف، وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك، ولأن القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة، وإنما صححناه ضرورة صحة التصرف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العتق على أحدهما فأرشهما للمولى) ش: أي بين العتق إليهم بالتعيين في أحدهما، وإنما قال: " فأوقع " - ليدل به على أن العتق لم ينزل على أحدهما في حق الأرش، وإن كان ظهر وقوع العتق على أحدهما في بعض الصور كما في الموت والقتل وغيرهما، فإنه يتعين العتق في الحي بالموت والعبد لخروج الميت عن محل إيقاع العتق عليه، والعتق لهم في حق العتق كالنازل عنه البيان، فلا بد من بقاء المحل.
م: (لأن العتق غير نازل في المعين) ش: لأنه أوقع في المنكر والعتق في المنكر فلا يكون بالعتق نازلا في المعين م: (والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة) ش: فيكون أرشها للمملوكين.
م: (ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد) ش: لا قيمة عبدين ولا دية حرين م: (والفرق) ش: أي بين قتلهما وشجهما م: (أن البيان إنشاء من وجه) ش: أي في حق المحل م: (وإظهار من وجه على ما عرف) ش: في أصول الفقه أن البيان إنشاء من وجه حتى يشترط صلاحية المحل للإنشاء، فلو فات أحدهما وبين المعتق ففيه لا يصلح، وإظهار من وجه حتى يجبر عليه.
ولو كان إنشاء من كل وجه لما أجبر عليه، لأن الولي لا يجبر على إنشاء العتق م: (وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك) ش: أي من القاتلين ينكر ذلك، أي ينكر أنه قتل الحر.
م: (ولأن القياس) ش: عطف على قوله: (إن البيان) إنشاء من وجه يريد به الفرق ثانيا بين الشجة والقتل، يعني أن القياس م: (يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة) ش: أي فائدة العتق وهي أهلية الولاية من القضاء والشهادات.
م: (وإنما صححناه) ش: أي العتق نازلا في أحدهما م: (ضرورة صحة التصرف) ش: أي

(13/307)


وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم، فيتقدر بقدر الضرورة وهي في النفس دون الأطراف فبقي مملوكا في حقها.
قال: ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة ويمسك الجثة؛ لأنه يجعل الضمان مقابلا بالفائت فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه. ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها في حق الذات قصرا عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تصرف العتق لئلا يلغو كلامه الذي امتاز عن سائر الحيوانات م: (وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم) ش: بطريق البيان تعينا للواقع بأن يظهر ذلك العتق المبهم في أحدهما في واحد منها بعينه، فإذا كان ثبوت العتق في المنكر ثابتا بالضرورة.
م: (فيتقدر بقدر الضرورة وهي) ش: أي الضرورة م: (في النفس) ش: أي في حق النفس م: (دون الأطراف) ش: أي دون حق الأطراف.
لأن محل العتق هو النفس لا الأطراف، إنما يثبث العتق في الأطراف تبعا للنفس لا مقصودا م: (فبقي) ش: أي العبد م: (مملوكا في حقها) ش: أي في حق الأطراف التي وقعت عليها الشجة على أصل القياس فكان أرشها للمولى.

[فقأ عيني عبد]
م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع الصغير) : م: (ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة) ش: أي يضمن المالك الفاقئ كل القيمة م: (ويمسك الجثة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجعل الضمان مقابلا بالفائت) ش: وهو العينان، وقدر الشافعي الضمان مثل القيمة م: (فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه) ش: فإنه يأخذ كل الدية له.
م: (ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار الأطراف م: (في حق الذات قصرا عليه) ش: أي اعتبارها في جميع البدن وحده مقتصرا عليه ساقطا بالإجماع، فإن الشرع قد أوجب كمال الدية بتفويت الأطراف. حاصل الكلام: لا يقال: إن اعتبار المالية مقصودا على الذات فحسب، بل المالية في الذات والأطراف جميعا.

(13/308)


وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف من وجه بتفويت جنس المنفعة، والضمان يتقدر بقيمة الكل فوجب أن يتملك الجثة دفعا للضرر ورعاية للمماثلة، بخلاف ما إذا فقأ عيني حر لأنه ليس فيه معنى المالية. وبخلاف عيني المدبر لأنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وفي قطع إحدى اليدين وفقء إحدى العينين لم يوجل فيه تفويت جنس المنفعة. ولهما: أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا، إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته، وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان. وله: أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف النفس من وجه) ش: استحقاق ضمان الجناية بالمالية وجب في تفويت اليدين، أي المعنيين م: (بتفويت جنس المنفعة) ش: وذلك يستدعي الجاني م: (والضمان يتقدر بقيمة الكل) ش: أي الذات والأطراف، فإذا كان كذلك م: (فوجب أن يتملك) ش: أي الجاني م: (الجثة دفعا للضرر) ش: لئلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد، لأنه لا نظير له في الشرع م: (ورعاية للمماثلة) ش: أي ولأجل رعاية المماثلة في دفع الجثة للجاني.
: (بخلاف ما إذا فقأ عيني حر) ش: هذا جواب عما يقال من جهة الخصم لا يراعون ما قلتم في المالك فقأ عيني حر، فأجاب بقوله: م: (لأنه ليس فيه معنى المالية) ش: إذ لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد، وليس فيه إلا ضمان الجناية.
م: (وبخلاف عيني المدبر) ش: إذا فقأهما ليس فيه تسلم الجثة م: (لأنه) ش: أي لأن المدبر م: (لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك) ش: لأنه ملك نفسه من وجه م: (وفي قطع إحدى اليدين) ش: هذا جواب قياس الشافعي المسألة المتنازع فيها على قطع إحدى يدي العبد.
م: (وفقء إحدى العينين) ش: أي أحد عينيه، فقال: القياس غير صحيح، لأن في قطع إحدى اليدين. أي إحدى يدي العبد وفقأ، إحدى العينين، أي إحدى عينيه م: (لم يوجد فيه تفويت جنس المنفعة) ش: لأن الفائت وهو النصف، والباقي هو النصف. ولما فرغ من الاستدلال على الشافعي شرع في بيان استدلال أصحابنا، اختلفوا فيها فقال: م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه) ش: وهو قوله وقالا: إن شاء أمسك العبد إلى آخره، وبين الملازمة فيه بقوله: م: (كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان) ش: أي نقصان الثوب بحسب التخريق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية

(13/309)


غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا. ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها، ثم من أحكام الأولى أن لا ينقسم على الأجزاء، ولا يتملك الجثة. ومن أحكام الثانية أن ينقسم ويتملك الجثة فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا) ش: أي غير مهدرة، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا) ش: أي الدفع أو الفداء م: (من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها) ش: أي في الجناية م: (ثم من أحكام الأولى) ش: أي من أحكام الآدمية م: (أن لا ينقسم على الأجزاء) ش: أي لا يوزع الضمان على الفائت وعلى الباقي، بل يكون المولى بمقابلته م: (ولا يتملك الجثة) ش: حكما في عين الحر.
م: (ومن أحكام الثانية) ش: أي ومن أحكام المالية: م: (أن ينقسم) ش: أي الضمان على الفائت والباقي م: (ويتملك) ش: أي المولى م: (الجثة) ش: كما في تخريق الثوب. وقال الأترازي: فإن قلت: كيف أراد صاحب " الدراية " بالأولى والآدمية مذكورة بعد المالية، وكيف أراد بالثانية المالية والمالية مذكورة قبل الآدمية،. ثم قلت: إنما فعل ذلك لأنه دليل الشافعي أولا، وهو اعتبر معنى الآدمية، ثم ذكره دليل أبي يوسف ومحمد وهما اعتبرا المالية، فكان دفع الأولى والثانية في غير موضعهما.
وقال الكاكي: وإنما قال "الأولى" اعتبارا بالابتداء لا بوضع الكتاب م: (فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم) ش: يعني بالنظر إلى المالية ليس له أن يأخذ كل بدل العين مع إمساك الجثة، كما أنه ليس له ذلك في المال.
وفيما قالا الفاء بجانب الآدمية، حيث جعلاه كالثوب المحروق، وفيما قاله الشافعي الفاء بجانب المالية أصلا حيث جعله كحر فقأ عينيه موقوفا في الشبهين حظهما. وقلنا: إن شاء المولى دفع عبده وأخذ ثمنه نظرا إلى المالية، وإن شاء أمسكه ولا شيء نظرا إلى آدميته، والوسط العدل ما قاله أبو حنيفة، لأن فيه رعاية الجانبين وتوفير الشبهين.

[فصل في جناية المدبر وأم الولد]
3 -

(13/310)


فصل في جناية المدبر وأم الولد قال: وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها، لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى بجناية المدبر على مولاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فصل في جناية المدبر وأم الولد) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام جناية المدبر وأم الولد، ولما ذكر جناية الكامل في المملوكية، شرع يذكر في جناية من هو نقص فيها وقدم الأول لكماله.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها) ش: وعند الشافعي المدبر كالمعتق في الجناية، فكان في رقبته، والمولى يتخير بين أن يدفعه فيباع بالجناية وبين أن يفديه، فلو أراد الفداء ففيه قولان، أحدهما: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، وهو قول مالك في القن ورواية عن أحمد، والثاني: يفديه بأقل من قيمته من أرش الجناية.
وقال مالك في المدبر لم يبع في جناية فيستحقه المجني عليه من يقدر جنايته إن شاء السيد وإن شاء أفدى خدمته بقدر أرش الجناية، ولو استوفى المجني عليه من خدمته بقدر أرش جنايته رجع إلى سيده مدبرا.
وقال الكرخي في "مختصره ": وجناية المدبر على سيده في ماله دون عاقلته حالة، ولا يلزم المولى بجناية المدبر أكثر من قيمة واحدة مرة واحدة، وإن كثرت الأرش وجاوزت إلى مائة ألف فيشترك من جنى عليه المدبر أولا وآخرا ففاوت ما بين الجنايات أو تفاوت سواء كانت على المولى لم يقبض منه، أو كانت قبضت منه فيضاربون بالقيمة بقدر كل واحد منهم من أرش جنايته.
م: (لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قضى بجناية المدبر على مولاه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن ابن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن السلولي عن معاذ بن جبل عن أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جناية المدبر على مولاه. وأخرج نحوه عن النخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذكر محمد في الجنايات: أن أبا عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بجناية المدبر على مولاه، وذلك بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير خلاف، وقد كان أبو عبيدة أمير الشام، وقضاياه تظهر بين الصحابة فكان إجماعا. وعند الشافعي ومالك وأحمد في جناية الولد: ضمن المولى الأقل من قيمتها ومن الأرش كمذهبنا لتعذر دفعها وبيعها بالإجماع.

(13/311)


ولأنه صار مانعا عن تسليمه في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء، فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة ولا تخيير بين الأقل والأكثر؛ لأنه لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن؛ لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء. وجنايات المدبر وإن توالت لا توجب إلا قيمة واحدة؛ لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة، ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك لا يتكرر، فهذا كذلك ويتضاربون بالحصص فيها، وتعتبر قيمته لكل واحد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المولى م: (صار مانعا عن تسليمه) ش: أي تسليم كل واحد من المدبر وأم الولد م: (في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء) ش: لأن عند التدبير والاستيلاد ما كان علم أنه يجني.
م: (فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة) ش: وقال القدوري في " التقريب ": قال أبو يوسف: يضمن الولي قيمة المدبر بالجناية مدبرا. وقال زفر: يضمن قيمته عبدا، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله.
م: (ولا تخيير بين الأقل والأكثر) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يخير المولى بين الأقل والأكثر كما أنه يخير في الضمن بين الدفع والفداء، والقيمة في المدبر بمنزلة الدفع، فقال: لا يخير بين الأقل والأكثر م: (لأنه) ش: أي لأن التخيير م: (لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن) ش: أي العبد القن، يعني أن المولى يتخير في جناية القن بين الدفع والفداء وإن كان الأرش أكثر م: (لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء) ش: لأجل الرغبة في الأعيان م: (وجنايات المدبر وإن توالت) ش: يعني وإن كثرت م: (لا توجب إلا قيمة واحدة) ش: وعند الأئمة الثلاثة: هو كالقن.
وكذا في أم الولد عندنا، وبه قال الشافعي في قول، وفي قول بعيد: كالأخت، وهو اختيار المزني م: (لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة) ش: أي ولأن المولى لا منع منه إلا في رقبة واحدة فلا يمنع فيها.
م: (ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك) ش: أي دفع القيمة م: (لا يتكرر، فهذا كذلك) ش: أيضًا، أي والمدبر كذلك في عدم التكرر، فكأن الجنايات منه اجتمعت ثم دبره م: (ويتضاربون) ش: أي أصحاب الجنايات يتنازعون م: (بالحصص فيها) ش: أي في القيمة.
م: (وتعتبر قيمته) ش: أي وقيمة المدبر م: (لكل واحد) ش: من أصحاب الجنايات م: (في

(13/312)


حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق.
قال: فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه؛ لأنه مجبور على الدفع.
قال: فإن كان المولى دفع القيمة بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا شيء على المولى؛ لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق) ش: ومن صورتها: ما ذكر في " المبسوط ".
وقال: وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ازدادت قيمته إلى ألفين ثم قتل آخر ثم أصابه عيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر، فعلى مولاه ألفا درهم، لأنه جنى على الثاني وقيمته ألفان. ولو لم يكن منه إلا تلك الجناية لكان المولى ضامنا قيمته ألفان فسلم الألف من هذين، ولي القتل الأوسط خاصة، لأن لولي الجناية الأولى حقه في الألفين، لأن قيمته يوم جنايته ألف، خمسمائة من هذا الألف، أي الألف الأولى، والباقي لولي الجناية الأول والأوسط خاصا.
لأن لولي القتل الثالث حقه في خمسمائة، لأن قيمته يوم جنايته خمسمائة، ثم الأول والأوسط يضربان في الخمسمائة التي بينهما، فيضرب الأول بعشرة آلاف، والأوسط بتسعة آلاف، لأنه وصل إليه من حقه ألف فيجعل خمسمائة سعرا منهما فيضرب الأول بعشرة، والأوسط بتسعة، والخمس الباقية بينهم جميعا، يضرب الأول بعشر الآلاف إلا بما أخذ، لأنه وصل إليه شيء من حقه فلا يضرب به. وكذا الأوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين.
وإنما يضرب بما بقي من حقه، والثالث يضرب بعشرة آلاف.

[جنى العبد جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء]
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه) ش: أي على المولى م: (لأنه مجبور على الدفع) ش: فلم يبق عليه شيء.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان المولى دفع القيمة) ش: إلى ولي الجناية الأولى م: (بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية) ش: أي ولي الجناية الثانية فتخير، إن شاء رجع على المولى بنصف قيمته، ثم المولى يرجع على ولي القتيل الأول بما دفع لولي الثاني م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: لا شيء على المولى لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء) ش: لأنه فعل عين ما يفعله القاضي فيكون القضاء وعدمه

(13/313)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق وولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما فيتخير، وهذا لأن الثانية مقارنة حكما من وجه، ولهذا يشارك ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، فجعلت كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله ما تعلق به من حق ولي الثانية عملا بالشبهين، وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة. لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير. وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سواء كما في الرجوع في الهبة وأخذ الدار بالشفعة بعد وجوبها.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق ولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما) ش: لأنه انقلب بسبب المزاحم والرجوع على الجاني جائز م: (فيتخير، وهذا) ش: في الرجوع، وبين ذلك قوله م: (لأن الثانية مقارنة) ش: أي للجناية الأولى م: (حكما من وجه) ش: بسبب المراجعة م: (ولهذا يشارك) ش: أي ولأجل مقارنة الثاني للأول يشارك.
م: (ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها) ش: أي في حق الجناية الثانية م: (فجعلت) ش: أي الثانية م: (كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله) ش: أي إبطال الولي م: (ما تعلق به من حق ولي الثانية) ش: وذلك لأنه تجب عليه الضمان باعتبار منع الرقبة بالتدبير السابق، وذلك في حق أولياء الجنايتين سواء، فجعل كأن الدفع كان بعد وجود الجنايتين جميعا، وهناك لو دفع إلى أحدهما جميع القيمة بغير قضاء كان للآخر الخيار فلذلك هنا.
م: (عملا بالشبهين) ش: يعني كما عملنا بشبهة التأخر في ضمان الجناية حتى اعتبرنا قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، وجب أن يعمل بشبهة المقارنة في حق تضمين الجناية نصف المدفوع، وقيل: جعلت الثانية كالمقارنة في التضمين إذا دفع بغير قضاء، لأنه يبطل ما تعلق به حق الثاني ولم يجعل كالمقارنة إذا دفع بقضاء، لأنه يجوز بالدفع عملا بشبهي المقارنة والتأخر.
م: (وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة؛ لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة) ش: وعند الأئمة الثلاثة الإعتاق في القن وإعتاق أم الولد كإعتاق المدبر عندنا والشافعي في قول. أشار إليه بقوله م: (وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير) ش: لأن المولى منع من تسليمهما بالاستيلاد السابق من غير اختيار م: (وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء

(13/314)


عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم) ش: ولا يعلم فيه خلاف.

(13/315)