البناية شرح الهداية

باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك قال: ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه. والفرق أن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع، فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني، فكانت السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا، كيف وأنه استولى عليه وهو استرداد فيبرأ الغاصب عن الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]
[قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع]
م: (باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام غصب المدبر إلى آخره، قوله: م: (في ذلك) ش: أي في العبد والمدبر، ولما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما، لأن الفرد قبل المركب، ثم جر كلامه إلى بيان غصب الصبي.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه، والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الغصب قاطع للسراية، لأنه) ش: أي لأن الغصب م: (سبب الملك) ش: لأن المضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى أول الغصب.
ولما كان الغصب من أسباب الملك كان محلل الغصب بين الجناية والسراية قاطعا للسراية م: (كالبيع) ش: إذا تحلل م: (فيصير) ش: أي العبد المغصوب م: (كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع) ش: أي حال كونه مقطوع اليد م: (ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني) ش: أي ولم يوجد قاطع السراية في المسألة الثانية م: (فكانت السراية مضافة إلى البداية) ش: أي إلى أول الأمر م: (فصار المولى متلفا، فيصير مستردا، وكيف) ش: أي وكيف لا يكون مستردا.
م: (وأنه استولى عليه) ش: أي والحال أن المولى استولى على العبد بالقطع م: (وهو استرداد) ش: أي الاستيلاء عليه استردادا، فإذا كان كذلك م: (فيبرأ الغاصب عن الضمان) ش: واعترض الإمام قاضي خان بأن هذا مخالف مذهبنا، فإن الغصب لا يقطع السراية، ولم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضاء.
لأن السراية إنما يقطع به باعتبار تبدل الملك إذا ملك البدل على الغاصب، أما قبله فلا نص عليه في آخر وهذا الجامع، إلا أنه يضمن الغاصب هنا قيمة عبد أقطع، لأن السراية وإن لم تقطع بالغصب ورد على مال متقوم فانعقد سبب الضمان فلا يبرأ الغاصب عنه، إلا إذا ارتفع الغصب ولم يرفع، لأن الشيء إنما يرتفع بما فوقه أو بمثله، ويد الغاصب ثابتة عليه حقيقة

(13/316)


قال: وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن؛ لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله.
قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء، فيصير مبطلا حق أولياء الجناية، إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها، ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب.
قال: ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحكما، ويد المالك الغاصب باعتبار السراية ثبتت عليه حكما، والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما، فلم يرتفع الغصب باتصال السراية إلى فعل المولى فيقرر عليه الضمان، بخلاف ما لو جنى عليه بعد الغصب، لأن الغصب يرتفع بها. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر، لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما، فإن يد المولى ثابتة عليه حكما، ولا تثبت على الشيء الواحد يدان حكما بكمالهما، واليد الحقيقية واجبة الدفع لكونها عدوانا محضا لا يصلح معارضا ولا مرجحا.

[غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن) ش: هذا إذا كان الغصب ظاهرا فيضمن في الحال يباع فيه، لأن أفعال العبد معتبرة.
ولو كان الغصب ظهر بإقراره لا يجب إلا بالعتق، كذا قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذلك لأن الرق يوجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، وإن أقر العبد المحجور بحد أو قصاص لزمه في الحال، لأنه يبقى في ذلك على أصل الحرية م: (لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله) ش: أي في حال رقه، أما الأقوال فمؤاخذ بها بعد العتق، فكان ذكر المحجور احترازا عن المأذون، فإنه يؤاخذ بالأقوال أيضًا عندنا.

[غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما) ش: أي بين ولي الجنايتين م: (نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء) ش: لعدم علمه وقت التدبير بجنايته يحدث عنده في المستقبل م: (فيصير مبطلا حق أولياء الجناية إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها) ش: أي على قيمة الرقبة م: (ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب) ش: أي في المستحق من الجناية.
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف

(13/317)


البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب. قال: ويدفعه إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له؛ لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق. ولهما: أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا يأخذه ليتم حقه، فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب) ش: أي بسبب كان في يد الغاصب إذا غصب عبدا فجنى في يده فرده إلى المولى فجنى جناية فدفع إلى ولي الجناية، لأن للمولى أن يأخذ من الغاصب نصف قيمته، كذا هذا.

[جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويدفعه) ش: أي النصف المأخوذ من الغاصب م: (إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك) ش: أي بالمدفوع إلى ولي الجناية م: (على الغاصب، وهذا) ش: أي وهذا الدفع الثاني والرجوع الثاني. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له) ش: أي للمولى، أي لا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى وهو قياس قول الأئمة الثلاثة.
م: (لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق) ش: يدفعه إلى ولي الجناية عند المولى بأن كانت الجناية الأولى عند المولى ثم غصبه غاصب فجنى عنده جناية أخرى، فإن المولى يدفع قيمته إلى وليي الجنايتين نصفين ثم يرجع به على الغاصب بنصف القيمة ويدفع إلى ولي الجناية الأولى، ولا يرجع به على الغاصب مرة أخرى، وهذا بالإجماع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص) ش: أي حقه م: (باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد) ش: أي إذا وجد ولي الجناية الأولى م: (شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا) ش: أي من غير مزاحمة ولي الجناية الثانية م: (يأخذه) ش: لأنه يتقدم على المولى م: (ليتم حقه) ش: أي لأجل إتمام حقه م: (فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب) ش: فلهذا رجع عليه ثانيا.

(13/318)


قال: وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول، غير أن استحقاق النصف حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع. ثم وضع المسألة في العبد فقال: ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى، فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبى يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به. والجواب في العبد كالجواب في المدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول) ش: أي فيما إذا جنى المدبر في يد الغاصب ثم في يد المولى م: (غير أن استحقاق النصف) ش: ذكر هذا الاستثناء لبيان الفرق بين المسألة الأولى والثانية عندهما حيث لا يرجع عندهما أيضًا.
بيانه: أن استحقاق النصف إذا استحق النصف الذي أخذ المولى من الغاصب م: (حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع) ش: أي رجوع المولى على الغاصب في المسألة الثانية بالإجماع. بخلاف المسألة الأولى. فإن ثم كان يرجع المولى عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - مرة ثانية. وذكر القدوري في كتاب " التقريب " قول أبي حنيفة وحده، وقول زفر وأبي يوسف مع محمد.
(ثم وضع المسألة في العبد) ش: أي وضع محمد هذه المسألة في " الجامع الصغير " في العبد فقال " القن " بعدما وضعها في المدبر م: (فقال) ش: أي محمد م: (ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.)
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به، والجواب في العبد) ش: أي في العبد القن م: (كالجواب في المدبر) ش: أي في العبد المدبر في الاختلاف

(13/319)


في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول يدفع القيمة.
قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب. لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول لأنه استحق كل القيمة؛ لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد. قال: ويرجع به على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده ويسلم له ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه. ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى. وقيل: على الاتفاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والاتفاق سواء م: (في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول) ش: أي في المدبر م: (يدفع القيمة) ش: لأنه لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك، وفي العبد يدفع نفس العبد لعدم المانع.

[غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب؛ لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول) ش: أي نصف القيمة إلى ولي الجناية الأولى م: (لأنه استحق كل القيمة لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد) ش: أي مزاحمة الثاني.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويرجع به) ش: أي بالنصف م: (على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده) ش: أي عند الغاصب م: (ويسلم له) ش: أي يسلم النصف للمولى م: (ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له) ش: أي لولي الجناية الثانية م: (إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه) ش: أي وصل النصف إلى ولي الجناية الثانية.
م: (ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى) ش: يعني قال بعض المشايخ: يتحقق في هذه المسألة خلاف محمد أيضًا كما في المسألة الأولى، حيث يسلم للمولى ما رجع به من القيمة على الغاصب ولا يؤخذ ولي الجناية الأولى ( ... ،)
م: (وقيل: على الاتفاق) ش: يعني لا خلاف لمحمد في هذه المسألة بل يأخذ ولي الجناية الأولى تمام حقه وهو نصف القيمة من الولي إذا رجع على الغاصب، وهذا هو الصحيح، لأن محمدا ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " بلا خلاف، وهكذا أفرد هذه المسألة فخر الإسلام وغيره في شرح " الجامع الصغير ".

(13/320)


والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى الذي يرجع به عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق. فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه.
قال: ومن غصب صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية. وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى. وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا؛ لأنه نقله إلى أرض مسبعة أو إلى مكان الصواعق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعلى هذا يحتاج محمد إلى الفرق بين المسألتين، أشار إليه المصنف بقوله: م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى) ش: وهي ما إذا كانت الجناية الأولى عند الغاصب، والثانية عند المالك م: (الذي يرجع به) ش: أي الولي م: (عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق) ش: لأن هذا بدل ما وقع إليه وبدل الشيء يقوم مقامه، فلو استحق البدل بعدما استحق المبدل يتكرر الاستحقاق.
م: (فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه) ش: أي إلى تكرار الاستحقاق.
قال الأكمل: قوله: " أما في هذه المسألة " فيه نظر، فإن الجناية الثانية وإن حصلت في يد الغاصب، لكن أخذ الولي منه حقها أول مرة ولم يبق لوليها استحقاق، حتى يجعل المأخوذ من الغاصب ثانيا في مقابلة ما أخذه.

[غصب صبيا حرا فمات فجأة]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب صبيا حرا) ش: أي ذهب به بغير إذن وليه فيكون ذكر الغصب في هذا الموضع بطريق المشاكلة، وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في زمنه م: (فمات في يده فجاة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية، وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر يدا، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى) .
م: (وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا) ش: أي من حيث السببية م: (لأنه نقله إلى أرض مسبعة) ش: أي إلى أرض تأوي إليها السباع م: (أو إلى مكان الصواعق) ش: أي إلى مكان تنزل فيه الصواعق عادة وهو جمع صاعقة معروف.

(13/321)


وهذا لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه فهو متعد فيه، وقد أزال حفظ الولي فيضاف إليه؛ لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى؛ لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا.
قال: وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية، وإن أودع طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي كونه إتلافا م: (لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه) ش: أي إلى موضع تكون فيه الأشياء المذكورة م: (فهو متعد فيه) ش: الواو فيه للحال أو في نقله م: (وقد أزال حفظ الولي) ش: الواو فيه أيضًا للحال.
وقوله: م: (فيضاف إليه) ش: جواب الشرط، أي يضاف الإتلاف إلى القاتل م: (لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى، لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا) ش: أي من حيث السببية.

[أودع صبي عبدا فقتله]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية) ش: أي على عاقلة الصبي الدية. قيل المراد القيمة وبها صرح فخر الإسلام والصدر الشهيد - رحمهما الله - وأثر لفظ الدية لأنها بإزالة الآدمية والقيمة بإزالة المالية، وفي العبد بإزالة الآدمية عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -.
م: (وإن أودع) ش: أي الصبي م: (طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله -، وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا) ش: وبه قال مالك وأحمد. وفي " شرح الطحاوي ": أودع عند صبي مالا فهلك في يده فلا ضمان عليه بالإجماع، وإذا استهلك الصبي إن كان الصبي مأذونا له في التجارة يضمن الصبي بالإجماع، وإن كان محجورا قبل الوديعة بإذن وليه ضمن بالإجماع. وإن قيل: بغير إذن وليه فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد -، لا في الحال ولا بعد الإدراك. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الحال، وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير بلا وديعة يضمن في الحال بالإجماع.

(13/322)


وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ بالضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض والإعارة في العبد والصبي.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير " وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق؛ لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر. ولهما: أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا لمالكه، فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا، وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع. ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ الضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض) ش: يعني إذا أقرض الصبي شيئا وسلم إليه واستهلكه لا يضمن عندهما. خلافا لأبي يوسف م: (والإعارة) ش: يعني إذا أعار الصبي شيئا فاستهلكه لا يضمن م: (في العبد والصبي) ش: يعني حكمهما واحد والمراد من المحجور.
وقال فخر الإسلام: الاختلاف في الإيداع والإعارة والقرض والبيع وكل وجه من وجوه التسليم واحد.

م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير ". وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق) ش: فساعده فيه فخر الإسلام حيث ذكر في "جامعه " هكذا.
وأما غيره من شروح " الجامع الصغير " " كجامع أبي اليسر " و" قاضي خان " و" التمرتاشي " فالحكم على خلاف هذا، حيث قال: هذا الخلاف فيما إذا كان الصبي عاقلا، وإن لم يكن عاقلا فلا يضمن في قولهم جميعا م: (لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر) ش: لأن تسليط الصبي غير العاقل هدر وفعله معتبر فيؤاخذ به.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: م: (أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا) ش: قوله: حقا " متعلق بقوله: "معصوما "، أي معصوما لأجل المالك م: (لمالكه) ش: بغير إذنه م: (فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا) ش: فأتلفه يجب عليه الضمان بالاتفاق م: (وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع) ش: فيجب الضمان على المتلف، فعلم أن المال معصوم في يد الصبي.
م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم) ش: لأنه سلطه على

(13/323)


فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا لأن العصمة تثبت حقا له وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة فلا يبقى مستحقا للنظر إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا؛ لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه، بخلاف البائع والمأذون له؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما. وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه، إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم. وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي، لأنه سقطت العصمة بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال دون غيره.
قال: وإن استهلك مالا ضمن، يريد به من غير إيداع لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإتلاف م: (فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا) ش: أي عدم وجوب الضمان م: (لأن العصمة تثبت حقا له) ش: أي للمالك م: (وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة) ش: أي من الإيداع والإعارة ومن فعل ذلك م: (فلا يبقى مستحق للنظر) ش: لأنه أوقع ماله في يد يمنع يد غيره عليه باختياره م: (إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا، لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه) ش: فكان تعينا من جهة.
م: (بخلاف البالغ والمأذون له، لأن لهما ولاية على أنفسهما) ش: فصح الإيداع عندهما، فيضمنان بالإجماع م: (وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه) ش: أي لأن عصمة العبد لحق العبد لا باعتبار أن المالك لعصمته م: (إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم) ش: فلا يوجد التسليط في حقه، فإذا لم يوجد يضمن سواء كان صغيرا أو كبيرا. بخلاف سائر الأموال، فإن للمالك أن يستهلكها فيجوز تمكين غيره من استهلاكها بالتسليط.
م: (وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي) ش: يعني إذا أتلف الوديعة والتذكير باعتبار المودع غير الصبي المودع حال كونه في يد الصبي حيث يضمنها العصمة م: (لأنه سقطت العصمة) ش: أي عصمة الوديعة م: (بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال) ش: المودع فحسب ولا يسقط في حق غيره، وهو معنى قوله م: (دون غيره) ش: حاصله: أن المالك بالإيداع عند الصبي إنما سقط عصمة ماله عن الصبي لا عن غيره وماله معصوم في حق غيره كما كان، فصار مال الوديعة عند الصبي بمنزلة من له القصاص فإنه غير معصوم الدم في حق من له القصاص، ومعصوم في حق غيره، فكذا هنا.

[استهلك الصبي مالا لرجل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن استهلك مالا ضمن) ش: أي فإن استهلك الصبي مالا لرجل ضمن، وهذا في غير الوديعة وهو معنى قوله: م: (يريد به من غير إيداع) ش: أي يريد محمد بقوله: لا ضمن، في غير الوديعة، وفيه اتفاق. وفي الوديعة إذا استهلكها خلاف سبق آنفا م: (لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله) ش: فإن قلت:

(13/324)


وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رفع القلم عن الصبي بالحديث، فكيف وجب عليه الضمان؟
قلت: رفع القلم يدل على رفع الإثم، ولا يلزم من رفع الإثم نفي الضمان كما في النائم إذا انفلت على شيء فأتلفه. م: (وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب) ش: هذا كله جواب عما يقال: إن الصبي ليس له قصد صحيح، فكان ينبغي أن لا يضمن فقال: لا اعتبار لصحة العقد في حق العباد. ألا ترى أن البالغ أيضًا إذا استهلك مالا لإنسان فيضمن، سواء كان له قصد صحيح في ذلك أو لم يكن، فعلى أي وجه كان يلزمه الضمان.

(13/325)