البناية شرح الهداية

باب القسامة
قال: وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله: استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب القسامة]
[تعريف القسامة]
م: (باب القسامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القسامة. وقال الكاكي: القسامة لغة: مصدر أقسم قسامة أو اسم وضع موضع الأقسام.
قلت: اسم وضع موضع الأقسام. وفي الشرع: أيمان يقسم بها على أهل محلة أو دار وجد فيها قتيل به أثر كل منهم ويقول ما فعلت ولا علمت له قاتلا. وقيل: القسامة الأيمان المتكررة في دعوى القتل على أهل محلة أو دار أو موضع قريب. كما يقال: رجل عدل، وأي الأمرين كان، هو من القسم الذي هو الحلف، وقسمها وجود القتيل في المحلة أو في معناها، وركنها قولهم بالله ما قتلناه وما علمنا له قاتلا.
وشرطها أن يكون المقسم رجلا بالغا عاقلا، والنساء لا يدخلن في القسامة عند أكثر أهل العلم إلا عند مالك، فإنه قال لمن يدخل في القسامة الخطأ دون العمد.
وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف، وسواء كانت الدعوى في القتل الخطأ أو العمد عند أكثر أهل العلم. وقال مالك والشافعي في القديم وأحمد: إن كانت الدعوى في القتل العمد إذا حلفوا الأولياء بعد يمين أهل المحلة يستحقون القود، ومحاسنها والحكمة فيها: تعظيم الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص المتهم بالقتل عن القصاص. ودليل شرعيتها الأحاديث المذكورة على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

[وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا) ش: بشرط أن يكون في القتيل أثر القتل من جراحة أو ضرب أو خنق أو نحوه. وأما إذا وجد ميتا لا أثر فيه فلا قسامة ولا دية، وهذا ميت.
- وقوله: "في محلة " ليس بقيد. وكذا لو وجد في دار رجل. وقوله لا يعلم من قتله لأنه إذا علم القاتل فلا قسامة، والحكم يتعلق به.
وقوله: "استحلف خمسون رجلا " قال الكرخي: ليس فيهم عبد ولا صبي لم يبلغ ولا امرأة. قوله: منهم أي من أهل المحلة.

(13/326)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي: وإن كان في أهل المحل الفاسق والصالح، فالخيار فيهم إلى الورثة يختارون أهل الصالح حتى يستحلفوهم، فإن كان أهل الصالح لا يتمون خمسين وأرادوا أن يردوا عليهم الأيمان فليس لهم ذلك، ولهم أن يتخيروا من الباقين تمام خمسين رجلا.
وذكر ابن الجلاب المالكي في كتابه " التفريع والأيمان ": القسامة مغلظة بخلافها في سائر الحقوق، ويحلف الحالف فيها في المسجد الأعظم بعد الصلاة عند اجتماع الناس فيه، ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس من وجبت عليه قسامة من أهلها، ولا يجلب إلى غيرها إلا المكان القريب.
وقوله: " بالله ما قتلناه " على طريق الحكاية عن الجمع. وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم: بالله ما قتلت، ولا يحلف بالله ما قتلنا؛ لجواز أنه باشر القتل بنفسه فيجترئ على اليمين " بالله ما قتلنا ".
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا) ش: قبل يمين أهل المحلة م: (ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ) ش: وقال الكاكي: استحلف الأولياء خمسين يمينا قبل يمين أهل المحلة يقضى بالدية على المدعى عليه عمدا كان أو خطأ، وهو قوله الجديد.
وقال مالك وأحمد والشافعي في القديم: إذا استحلف الأولياء وحلفوا واستحلفوا القود في دعوى العمد على المدعى عليه جماعة كان أو واحد أو شرطه اللوث عندهم، وعند عدم اللوث كسائر الدعاوى. وقال الغزالي في " وجيزه ": وكيفية القسامة: أن يحلفوا المدعي خمسين يمينا متوالية في مجلس واحد بقصد التحذير والتغليظ، ولو كان في مجلسين فوجهان. وقال ابن الجلاب المالكي: ويبدأ في القسامة بالمدعين دون المدعى عليهم، فيحلفون خمسين يمينا ويستحقون القود نفسا منهم.
وإذا كان ولاة الدم أكثر من خمسين رجلا ففيها روايتان، إحداهما يقتصر على خمسين منهم فيحلفون خمسين يمينا، والأخرى أنهم يحلفون كلهم وإن زادت عدة الأيمان على خمسين. وإذا نكل المدعون للدم عن القسامة وردت الأيمان على المدعى عليهم فنكلوا حبسوا حتى يحلفوا، فإن طال حبسهم تركوا على كل واحد منهم جلد مائة وحبس سنة، انتهى.

(13/327)


وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. واللوث عندهما: أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي. فإن حلفوا لا دية عليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الخرقي، من أصحاب أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وإذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها، وإن كان بينهم عداوة ولوث وادعى أولياؤه على واحد منهم وأنكر المدعى عليه ولم يكن للأولياء بينة حلف الأولياء خمسين يمينا على قاتله واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا.
فإن لم يحلف الأولياء حلف المدعى عليه خمسين يمينا، وبرئ، فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، فإن شهدت البينة العادلة أن المجروح قال: " دمي عند فلان " فليس يوجب القسامة ما لم يكن لوث.
م: (وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أن هذا هو القول القديم للشافعي م: (واللوث عندهما) ش: أي عند الشافعي ومالك - رحمهما الله -: م: (أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه) ش: أي فمذهب الشافعي م: (مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي، فإن حلفوا لا دية عليهم) ش: فنتكلم أولا في اللوث ثم نحرر مذهب الثلاثة.
فاللوث: من لوث الماء كدره، ولوث ثيابه الطين فتلوث، ومنه قولهم " لوث وعداوة " أي شر أو طلب بحقد، والمراد به عندهم قرينة ظاهرة توقع في القلب صدق المدعي بأن يكون هناك علامة القتل في واحد بعينه من أثر الدم على ثيابه وغيره كما ذكر في المتن.
وقال الغزالي في " وجيزه ": واللوث قرينة حال تغلب الظن كقتيل في محلة بينهم عداوة، أو قتيل دخل عليهم ضيفا، أو قتيل تفرق عنه جماعة معفرون، أو قتل في صف الخصم القاتل، أو قتيل في الصحراء وعلى رأسه رجل معه سكين.
وقول المجروح: " قتلني فلان " ليس بلوث، وقول واحد من أهل القتيل، روايتهم لوث. والقياس: أن قول واحد منهم لوث، وأما عدة من الصبية والفسقة ففيهم خلاف، انتهى.
وقال ابن الجلاب المالكي: واللوث شيئان الشاهد العدل، وقول المجروح: دمي عند فلان، وفي الثالث مذهبان يعني الذي يرى معه سيفه، وشهادة الواحد لوث توجب القسامة،

(13/328)


للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ؛ ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر. ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له كما في النكول، غير أن هذه دلالة فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها، والمال يجب معها، فلهذا وجبت الدية دون القصاص. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وفي رواية: على المدعى عليه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي شهادة النساء روايتان إحداهما: أنه لوث توجب القسامة، والأخرى أنها لا توجبها. وكذلك شهادة الواحد والجماعة إذا لم يكونوا عدولا، وفي شهادة العبد روايتان إحداهما: أنه لوث، وقيل: لا يكون لوثا. وإذا وجد رجل مقتول ووجد بقربه رجل معه سيف أو في يده شيء من آلة القتل وعليه آثار القتل، فهو لوث موجب القسامة والدية لولاته.
م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ، ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سهل بن أبي حثمة قال: «خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا ... الحديث مطولا.
وفيه فقال لهم - أي لأولياء القتيل -: " أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ". وجه الاستدلال به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ على من شهد له الظاهر، يعني كما في سائر الدعاوى، فإن الظاهر يشهد للمدعى عليه، لأن الأصل براءة ذمته. فأما في القسامة فالظاهر يشهد للمدعي عند قيام اللوث، فيكون اليمين حجة له.
م: (ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له) ش: أي للشافعي م: (كما في النكول) ش: يعني إذا نكل المدعى عليه عن اليمين رد على المدعي م: (غير أن هذه) ش: أشار به إلى الدعوى التي هنا م: (دلالة) ش: أي على الصدق م: (فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها) ش: أي لا يثبت القصاص مع الشبهة م: (والمال يجب معها) ش: أي مع الشبهة م: (فلهذا وجبت الدية دون القصاص) . م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وفي رواية: " على المدعى عليه» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته «البينة علي

(13/329)


وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المدعي واليمين على المدعى عليه» . انتهى.
فإن قلت: قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث في إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه، ضعفه ابن المبارك وغيره. وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب به. وقال صاحب " التنقيح ": وحجاج بن أرطاة ضعيف، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب، وإنما أخذه من العرزمي عنه، والعرزمي متروك؟
قلت: شطر الحديث في الكتب الستة من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولكنه مفرق، ففي لفظ مسلم: «ولكن اليمين على المدعى عليه» . وفي لفظ الباقين: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن اليمين على المدعى عليه» ، وبهذا يعلم أن وظيفة المدعى عليه اليمين، وليست هي وظيفة المدعي، وبهذا يقوى حديث الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ش: هذا رواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري «عن سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنهم قال: كانت القسامة في الجاهلية فأقرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتيل من الأنصار وجد في جب لليهود، قال: فبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باليهود، فكلفهم قسامة خمسين، فقالت اليهود: لن نحلف، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأنصار: أفتحلفون، فأبت الأنصار أن تحلف، فأغرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود ديته» لأنه قتل بين أظهرهم. ورواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا عبد الأعلى عن معمر به. وكذلك رواه الواقدي في " المغازي " في غزوة خيبر حدثني معمر به. وقال الأترازي: سعيد بن المسيب من أعلى طبقات التابعين، ولكن في ذكره نظر؛ لأنه لم يذكر روايته في كتب الحديث في هذا الباب مثل " الموطأ " و" الصحيح " والسنن " و" شرح الآثار " وغير ذلك نعم، فروي عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك في " شرح الآثار ".
وأشار به إلى ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدثنا أبو بشر الدرقي حدثنا أبو معاوية الضرير عن ابن أبي ذئب عن الزهري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قضى بالقسامة على المدعى عليهم» ، فدل ذلك أن القسامة على المدعى [عليهم] لا على المدعين على ما بين الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انتهى.
قلت: عدم الاطلاع في كتب الحديث يؤدي إلى هذه المقالة، فكيف ينكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا، وقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والواقدي عن

(13/330)


ولأن اليمين حجة للدفع دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة. وقوله " يتخيرهم الولي " إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي؛ لأن اليمين حقه، والظاهر أن يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة، لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز، فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح. ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سعيد بن المسيب به ولم يذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سعيدا، بل اقتصر على الزهري وفي كل منهما كفاية للحجة، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد. وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين.
وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب هشام بن شعبة بن عبد الله بن قيس القرشي العامري المدني. والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
م: (ولأن اليمين حجة للدفع) ش: قد مضى الدعوى أن اليمين ليست بحجة صالحة لاستحقاق بنفسه، فكيف يصلح حجة صالحة لاستحقاق بنفس محترمة خصوصا في موضع يتيقن بأن الحالف مجازف يحلف ما لم يعاينه بأمر مجهول وهو اللوث، وإنما شرعت اليمين لاتقاء ما كان، فلا يستحق بها ما لم يكن مستحقا، يشير إلى هذا بقوله: حجة الدفع م: (دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا) ش: أي ولكون حاجة الولي إلى الاستحقاق م: (لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا معنى قول مالك وأحمد وقول الشافعي - رحمهما الله - في إيجاب القصاص، وبقي قوله الآخر " يستحق بيمينه النفس "، أي القصاص، إلا أنه سقط باعتبار الشبهة، فصار إلى الدية بدلا عن القصاص.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (يتخيرهم الولي، إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي، لأن اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل) ش: مثل الفسقة والشبان، لأن تهمة القتل فيهم أكثر م: (أو يختار صالحي أهل المحلة) ش: أي يختار الصالحين من أهل المحلة م: (لما أن تحرزهم) ش: أي أن تحرز الصالحين م: (عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون) ش: أي القاتل م: (يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح) ش: بالطاء المهملة، وهو نقيض الصالح.
م: (ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة) ش: احترز به عن

(13/331)


قال وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ، ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرائا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوى. ولنا: أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم، وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما على وادعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللعان حيث لا يجوز اللعان منهما لما أن اللعان شهادة والأعمى أو المحدود في القذف ليسا من أهل أدائها.

[القسامة والدية على العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية) ش: أي على عاقلتهم في ثلاث سنين، لأن حالهم هنا دون حال من باشر بالقتل خطأ، والدية هناك على العاقلة في ثلاث سنين، فهنا أولى. وذكر اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله - قال زفر: القسامة والدية على العاقلة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة بل الدية عليهم، لأن التحمل يجري في الدية ولا يجري في اليمين م: (ولا يستحلف الولي) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية) ش: إذا حلف المدعى عليه، وبه قال مالك وأحمد وأبو الليث وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ش: هذا قطعة من حديث عبد الله بن سهل، وقد مرت قطعة منه عن قريب. وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رواه بشر بن الفضل ومالك عن يحيى بن سعيد فقال فيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» ".
م: (ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرئا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوي) ش: فكذا هنا ليكون موافقا للأصول.
م: (ولنا أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل) ش: ابن زيد، قد مر أنه أخرجه الأئمة الستة، وفيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، وفي آخره: «فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمائة من إبل الصدقة» ". قال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء. والمقتول كان عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وفي حديث زياد بن أبي مريم) ش: فقال المخرج: غريب، يعني لم يثبت م: (وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما) ش: أي بين الدية والقسامة م: (على وادعة) ش: وهي بطن من همدان، وذكره في " الجمهرة "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري عن مجالد

(13/332)


وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» محمول على الإبراء عن القصاص والحبس. وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بن سعيد وسليمان الشيباني عن الشعبي: أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر فأمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يقيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى وادعة أقرب، فحلفهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خمسين يمينا، كل رجل ما قتلت ولا علمت له قاتلا ثم غرمهم الدية. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال وجد قتيل بين وادعة وأرحب، فذكره بنحوه.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي بحديث عبد الله بن سهل المذكور أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تبرئكم اليهود» م: (محمول على الإبراء عن القصاص والحبس) ش: تقريره أن قول الخصم الحلف مبرئ. قلنا نحن نقول بموجبه ولكن يبرئ عما وجب لأجله الحلف وهو القصاص لا عن غيره، كما إذا كانت الدعوى على شيء فحلف المدعى عليه على ذلك الشيء انقطعت الخصومة عنه، وهنا فيما نحن فيه استحلف كل واحد منهم على دعوى القتل، فباليمين انقطعت الخصومة عن دعوى القتل، فلم يجب القصاص، ولكن وجب عليه شيء آخر لا لكونه قاتلا بل لتقصيرهم في صيانة المحلة عن فساد القتل، لأنه لولا تقصيرهم لما وقع هذا الأمر، والتسبيب في القتل بهذا الطريق موجب الدية في الشرع.
ألا ترى أن العاقلة يؤخذون بالدية وهم ما قتلوا ولكن قصروا في صيانة الدم عن الإهدار، هذا الذي قاله الأترازي وغيره، وأحسن منه في الجواب عنه ما قاله أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حديث سهل المذكور، رواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى بن سعيد قالا فيه «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى قيدا بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» وهو وهم من ابن عيينة.
م: (وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة، فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت

(13/333)


بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ. ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف؛ لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم، ولهذا يجمع بينه وبين الدية، بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين بدل عن أصل حقه، ولهذا يسقط ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط ببذل الدية، هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم والدعوى في العمد أو الخطأ، لأنهم لا يتميزون عن الباقي. ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدا أو خطأ، فكذالك الجواب يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ) ش: هذا جواب آخر عن حديث الخصم، وقد قررناه عن قريب.
م: (ومن أبي منهم اليمين) ش: أي ومن امتنع عن اليمين من الخمسين الذين اختارهم الولي م: (حبس حتى يحلف، لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم) ش: فمن نكل عن حق مستحق لذاته فقد ظلم، وجزاء الظالم الحبس، وإنما قال: مستحق لذاته ليسلم، لأنه بدل عن الدية م: (ولهذا يجمع بينه وبين الدية) ش: ولو كان بدلا عن الدية لما جاز [الجمع] بينهما.
م: (بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين) ش: في الأموال م: (بدل عن أصل حقه) ش: أي حق المدعي، وأصل حقه في المال م: (ولهذا) ش: أي ولكون أصل حقه في المال م: (يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل الدية) ش: بل تجب اليمين المكررة م: (هذا الذي ذكرنا) ش: أي من وجوب القسامة والدية م: (إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم، والدعوى في العمد أو في الخطأ لأنهم) ش: أي لأن البعض لا بأعيانهم م: (لا يتميزون عن الباقي) ش: فصار كما إذا ادعى على البعض.
م: (ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه) ش: سنذكره من بعد إن شاء الله، أي سنذكر حكم من ادعى على واحد من غير أهل المحلة بعد ورقتين عند قوله: وإن ادعى على واحد منهم سقط عنهم، هذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها وقع مثل ما ذكر هاهنا.
ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنهم قتلوا.... إلى آخره م: (عمدا أو خطأ فكذلك الجواب) ش: يعني تجب القسامة والدية م: (يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في كتاب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه قال: وإذا وجد قتيل في محلة لا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم.. إلى آخره.

(13/334)


وهكذا الجواب في " المبسوط " وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي: ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة. ووجهه: أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل في غيرهم، وإنما عرف بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه بقي على أصل القياس، وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم. وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فنوجبه بالنص لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأطلق وجوب القسامة والدية على أهل المحلة ولم يقيد الدعوى بالوقوع على الجميع أو على البعض بأعيانهم أو لا بأعيانهم م: (وهكذا الجواب في " المبسوط ") ش: يعني أوجب القسامة والدية مطلقا.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه على قتله يمينا واحدة. ووجهه) ش: أي وجه ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القياس يأباه) ش: أي يأبى الحلف.
م: (لاحتمال وجود القتل من غيرهم، وإنما عرف) ش: أي الحلف م: (بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه) ش: وهو ما إذا كان الدعوى على البعض بعينه م: (بقي على أصل القياس) ش: فلم تجب القسامة م: (وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم) ش: فإن فيه البينة من المدعي أو اليمين من المدعى عليه.
م: (وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى، ودعوى فنوجبه) ش: أي نوجب كل واحد من القسامة والدية.
وفي بعض النسخ: فنوجبها، أي القسامة والدية م: (بالنص) ش: الذي ذكر م: (لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما) ش: أي القسامة م: (لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك) ش: أي حكم ما إذا ادعى على واحد منهم من غيرهم م: (أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه) ش: أي المدعى عليه

(13/335)


يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس، ثم إن حلف برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به، وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى.
قال: وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية. وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتنع القياس، ثم إن حلف) ش: أي المدعى عليه م: (برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به) ش: أي بالنكول سواء كانت الدعوى في القتل خطأ أو في القتل عمدا فالمال يثبت.
م: (وإن كان) ش: أي الدعوى والتذكير على تأويل الادعاء م: (في القصاص فهو) ش: أي الحكم فيه م: (على اختلاف مضى في كتاب الدعوى) ش: في باب اليمين، بيانه أنه إذا ادعى قصاصا على غيره فجحد استحلف لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واليمين على من أنكر» فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فعندهما يجب الأرش، وقد مر هناك مفصلا.

[إن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين في القسامة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " بلفظ روى معنى ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن زيد الهذلي عن أبي مليح: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رد عليهم الأيمان حتى وفوا.
وروى الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى ابن الأعرج، قال حدثنا الحارث بن الأزمع: أنه كان فيمن حلف فأقسموا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، وكانوا تسعة وأربعين رجلا، فأخذ عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - منهم رجلا حتى أتموا خمسين، فقالوا: أيماننا وأموالنا.
قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فبم يبطل دم هذا؟ قول المصنف: حتى تتم الخمسين، أي حتى تتم القسامة خمسين رجلا، قوله وافى إليه، هكذا ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأهل اللغة، يقولون وافاه بدون الصلة، أي أتاه. م: (وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك) ش: أما حديث شريح القاضي فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن ابن سيرين بلغ عن شريح،

(13/336)


ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك؛ لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال.
قال: ولا قسامة على صبي ولا مجنون لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح. قال: ولا امرأة ولا عبد لأنهما ليسا من أهل النصرة، واليمين على أهلها. قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية، لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: جاءت قسامة فلم يوفوا خمسين فردت عليهم القسامة حتى أوفوا، وأما حديث إبراهيم النخعي فرواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: إذا لم تبلغ القسامة كرروا حتى يحلفوا خمسين يمينا.
م: (ولأن الخمسين واجب بالسنة فتجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيها الوقوف على الفائدة) ش: يعني لا يقال ما الفائدة في تعيين الخمسين ولا يطلب في الخمسين؟ والوقوف على الفائدة م: (لثبوتها بالسنة) ش: أي لثبوت الخمسين بالأحاديث الآثار.
م: (ثم فيه) ش: أي في الخمسين م: (استعظام أمر الدم) ش: ولهذا يكرر اليمين في اللعان وأمر الدم أقوى.
م: (فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم) ش: أي على أحد الخمسين لظنه فيه بالأمر الذي حصل م: (فليس له ذلك، لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال) ش: فإذا كان كاملا فلا ضرورة إلى الزيادة.

[لا قسامة على صبي ولا مجنون]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قسامة على صبي ولا مجنون؛ لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح، قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا امرأة ولا عبد) ش: أي ولا قسامة على امرأة ولا على عبد.
م: (لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها) ش: أي على أهل النصرة، ولأن هؤلاء أتباع وليسوا بأصول، وقد قال أحمد وربيعة والثوري والأوزاعي، وقال مالك: النساء يدخلن في قسامة الخطأ دون العمد. وقال ابن القاسم لا يقسم إلا اثنان فصاعدا، لما أنه لا يقبل إلا شاهدين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقسم كل وارث بالغ، لأنها يمين في دعوى فيشرع في حق النساء.
م: (قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية؛ لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه) ش: وبه قال أحمد في رواية وحماد والثوري.

(13/337)


والغرامة تتبع فعل العبد والقسامة تتبع احتمال القتل ثم يجب عليهم القسم فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه؛ لأنه لا يخرج منهما إلا بفعل من جهة الحي عادة. بخلاف ما إذا خرج من فيه أو دبره أو ذكره، لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد. ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالت الأئمة الثلاثة: الأثر ليس بشرطه بعد ثبوت اللوث م: (والغرامة تتبع فعل العبد) ش: يعني وجوب الغرامة، أي الدية إنما تكون بفعل العبد، ولا شيء هنا يدل على فعله م: (والقسامة تتبع احتمال القتل) ش: وهذا تحمل الموت حتف أنفه، بل الظاهر هذا عند عدم الأثر.
م: (ثم يجب عليهم القسم) ش: أي يجب على العبد واليمين م: (فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك) ش: أي الأثر الذي يدل على كونه قتيلا م: (بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صاحب " الهداية " لم يذكر فيها الأنف، والغالب أنه سهو القلم، لأنه ذكره في " البداية " كما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ".
قلت: لا سهو هناك، لأن الدم يخرج من الأنف غالبا، من الرعاف، فلا تصلح دليلا مع أن الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " شرحه ": وخروج الدم من موضع يخرج منه الدم عادة من غير ضرب لا يكون أثر القتل، كما إذا خرج من فمه أو أنفه، لأنه قد يكون ذلك من رعاف فلا يصلح أن يكون دليلا على وجود ضرب في المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الدم م: (لا يخرج منهما) ش: أي من العين والأذن م: (إلا بفعل من جهة الحي عادة) .
م: (بخلاف ما إذا خرج من فيه) ش: أي فمه م: (أو دبره أو ذكره؛ لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد) ش:، يعني في حال الصلاة في باب الشهيد، والدم الذي يخرج من الدبر لا يكون دليلا على القتل، فإنه قد يكون لعلة في الباطن وقد يكون أكل شيء غير موافق، وكذلك إذا خرج الدم من الإحليل لا يكون دليلا على القتل لأنه قد يكون ذلك لعرق انفجر في الباطن أو لضعف في الكلى، أو لضعف الكبد وقد يقع من شدة الحرق أيضًا.
م: (ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف) ش: أي أو وجد نصف البدن م: (ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية، وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من

(13/338)


النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم، لأن هذا حكم عرفناه بالنص، وقد ورد به في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي. بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان. والأصل فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم) ش: هذا كله من مسائل الأصل، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن هذا حكم) ش: أي لأن وجوب القسامة على أهل المحلة ووجوب الدية على عواقلهم م: (عرفناه بالنص) ش: بخلاف القياس.
م: (وقد ورد به) ش: أي ورد الحكم م: (في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إذا كان النص ورد في البدن كان ينبغي أن يقتصر الحكم على البدن فقط، فأجاب بأن لأكثر البدن حكم كله، لأن الأكثر في كثير من المواضع يقوم مقام الكل، ولا سيما هاهنا م: (تعظيما للآدمي) ش: في أمر دمه وما سواء على أصل القياس في عدم وجوب القسامة والدية.
م: (بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به، فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه) ش: أي الأقل م: (تتكرر القسامتان والديتان) ش: أي على تقدير أن يوجد الباقي في محلة أخرى م: (بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان) ش: أي القسامة والدية، لأنه إذا وجب بالأقل وجب بالأكثر إذا وجد، وكذلك لو وجب بالنصف الآخر فيتكرر القسامتان والديتان مقابل نفس واحدة، وذلك لا يجوز.
فإن قيل: ينبغي أن تجب القسامة إذا وجد الرأس، لأنه يعبر به عن جميع البدن.
أجيب: بأن ذلك بطريق المجاز، والمعتبر هو الحقيقة، ولأنه لو وجبت بالبدن بطريق الأولى، فلزم التكرار.
وقال الأكمل: وقيل كان ينبغي أن يقول بتكرر القسامة والدية بلفظ المفرد دون التثنية لأن غرضه ثبوت القسامة تكرر أو ثبوت الدين تكرر أو عبارة التثنية يستلزم أن يكون أكثر من القسامتين والديتين، انتهى. قلت القائل بهذا الأترازي في " شرحه "، وقيل الأكمل، ثم قال: ويجوز أن يكون مراده القسامتان والديتان على القطعتين يتكرران في خمسين نفسا.
م: (والأصل فيه) أي في وجوب القسامة والدية.

(13/339)


أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب، والمعنى ما أشرنا إليه، وصلاة الجنازة في هذا تنسحب على هذا الأصل؛ لأنها لا تتكرر. ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه لا يفوق الكبير حالا وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم؛ لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا. وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال تاج الشريعة: أي الأصل في جريان القسامة م: (أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي) ش: من البدن م: (لا تجري فيه القسامة) ش: والدية لا يجريان في الموجود أولا وإن كان الموجود بحال لو وجد الباقي لا يجريان في الباقي، ويجريان في الموجود أولا م: (تجب، والمعنى ما أشرنا إليه) ش: أي المعنى في وجوبهما وعدم وجوبهما تكرر القسامة، والدية وعدم تكررهما.
م: (وصلاة الجنازة في هذا) ش: أي في وجود بعض الميت م: (تنسحب على هذا الأصل) ش: يعني إذا وجد الأكثر لا يصلى عليه، وهذا أشار إلى أنه إذا كان معه الرأس يصلى عليه وإلا فلا، وإنما تنسحب على الأصل المذكور م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة الجنازة م: (لا تتكرر) ش: كما أن القسامة لا تتكرر.
وفي " الفتاوى ": إذا وجد من الميت أقل من النصف وليس فيه الرأس وحده لا يصلى عليه، ولو وجد يصلى عليه، ولو وجد النصف مشقوقا بنصفين مع كل نصف، نصف من الرأس لا يغسل ولا يصلى عليه، ولو وجد الكل إلا الرأس يصلى عليه، فكذا في القسامة إذا وجد الرأس وحده في المحلة لا تجب القسامة، وإذا وجد البدن كله إلا الرأس يجب. إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى ".
م: (ولو وجد فيهم) ش: أي في أهل المحلة م: (جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الجنين والسقط م: (لا يفوق الكبير حالا) ش: بتخفيف اللام، أي من حيث المال، يعني إذا وجد الكبير ولا أثر به لا يجب فيه شيء فكذا هذا.
م: (وإن كان به) ش: أي الجنين م: (أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم) أي: على أهل المحلة م: (لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا) .
ش: فإن قيل: الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق، ولهذا قلنا في عين الصبي وذكره

(13/340)


قال: وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره. وكذا إذا كان قائدها أو راكبها، فإن اجتمعوا فعليهم، لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم. قال: وإن مرت به دابة بين القريتين وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولسانه إذا لم يعلم صحته حكومة عدل عندنا.
وأجيب: بأن الجنين نفس من وجه عضو من وجه فاعتبر جهة النفس، إذا انفصل حيا،. فيستدل عليه بتمام الخلق، فكان الظاهر هنا بمنزلة القتيل الموجود في المحلة وله أثر الجراحة، وإن كان يحتمل أنه مات حتف أنفه لا بسبب الجراحة، أما الأعضاء يسلك مسلك الأموال ولا تعظيم للأموال كتعظيم النفس، فكان فيها شبه المالية فلم يوجب الدية التي لها خطر إلا عند اليقين م: (وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا) ش: وفي الميت لا يجب شيء.

[وجد القتيل على دابة يسوقها رجل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره) ش: ولا فرق بين أن تكون الدابة ملكا للسائق والقائد أو الراكب، لأن القتيل في يده، فكان أخص به من أهل المحلة.
ومن المشايخ من قال: هذا إذا لم يكن للدابة مالك معروف، والأصح إطلاق الجواب.
م: (وكذا إذا كان قائدها أو راكبها) ش: تكون الدية عليه مطلقا م: (فإن اجتمعوا فعليهم) ش: أي فإن اجتمع السائق والراكب والقائد فالدية عليهم م: (لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم) .
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع ": م: (وإن مرت به دابة بين القريتين) ش: فأمر أن يذرع، هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في " مسانيدهم " والبيهقي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في " سننه " عن أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقاس إلى أيهما أقرب» م: (وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين» ش: «فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر، قال أبو سعيد الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى ديته عليهم» .

(13/341)


فأمر أن يذرع» . وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب، كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة ".
قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت، لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا.
قال وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم.
قال: ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة، وهو قول محمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: هذا رواه ابن عدي والعقيلي في " كفايتهما " بلفظ: «فألقى ديته على أقربهما وأعلاه» أبي إسرائيل "، وضعفه ابن عدي عن قوم، وقال البزار: ليس بقوي في الحديث، وقال النسائي ليس ثقة، وكان يسب عثمان.
قلت: وثقه ابن معين، ووثقه أيضًا ابن عدي وقوم آخرين م: «فأمر أن يذرع» .
م: (وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب، فقضى عليهم بالقسامة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال: وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب، فكتب عامل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إليه فكتب إليه عمر أن قس ما بين الحيين، فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به.
قال: فقاسوا فوجدوه أقرب إلى وادعة فأخذنا، الحديث، قوله: وادعة وأرحب بالحاء المهملة حيان من همدان م: (قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت؛ لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا) ش: في النصرة مع إمكانها، فصار كأنهم قتلوه تقديرا، فيلزمهم القسامة والدية.

[وجد القتيل في دارإنسان]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه) ش: أي على صاحب الدار، وقال مالك: لا قسامة ولا غرامة في قتيل وجد في دار قوم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون تعمدا للوث م: (لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم) ش: أي بالعاقلة.

[السكان في القسامة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول محمد) ش: عند أبي حنيفة ليظهر [ ... ] خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد: مضطرب.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو) ش: أي القسامة، ذكر الضمير بالتذكير على تأويل

(13/342)


سهو عليهم جميعا لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر. ولهما: أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم على وجه الخراج.
قال: وهي على أهل الخطة دون المشترين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القسم أو الحلف قاله الأترازي، رأيت في بعض النسخ هي على الأصل فلا يحتاج إلى التكلف م: (عليهم جميعا) ش: أي على المذكورين في القسامة على السكان والملاك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان أبو يوسف يقول أولا كقولهما، ثم رجع م: (لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر) ش: في قصة عبد الله بن سهل لما وجد قتيلا في خيبر وقد كانوا سكانها، لأنها كانت للمسلمين، وكان اليهود عمالهم.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر) ش: هذا جواب عما تمسك أبو يوسف بما ذكره تقريره أن يقال: م: (فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم) ش: الذي يأخذه م: (على وجه الخراج) .
ش: وقد روى الطحاوي بإسناده إلى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد: أن خيبر يومئذ كانت صلحا، فإذا ثبت ذلك كانت خيبر ملكا لليهود، فعلم أن القتيل كان قبل الفتح، ولئن سلمنا أنه كان بعده فتقول: إن اليهود كانت لهم أملاك، ولهذا عوضهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما أجلاهم، كذا قاله القدوري في " التجريد ".

[القسامة والدية على أهل الخطة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهي) ش: أي القسامة والدية، وفي بعض النسخ وهو قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي المذكور من وجوب القسامة والدية م: (على أهل الخطة) ش: يريد ما خطه الإمام حين فتح البلد، والخطة المكان المحيط بناء دار أو غيرها من العمارات.
ومعناه على أصحاب الأملاك القديمة الذين كانوا يملكونها حين فتح الإمام البلد وقسمها بين الغانمين، فإنه يخط خطة لتمييز أنصبائهم م: (دون المشترين) ش: يعني ليس عليهم.

(13/343)


وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية باعتبار الملك وقد استووا فيه. ولهما: أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف. ولأنه أصيل، والمشتري دخيل وولاية التدبير إلى الأصيل. وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك على ما شاهد بالكوفة. قال: وإن بقي واحد منهم فكذلك، يعني من أهل الخطة لما بينا، وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم فهو على المشترين؛ لأن الولاية انتقلت إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (باعتبار الملك) ش: وفيما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف أسباب الملك كاستحقاق الشفعة، فإنه مبني على الملك ولا تفاوت فيه بين أهل الخطة والمشترين، فكذا هنا، فإذا كان كذلك م: (وقد استووا) ش: أي أهل الخطة والمشترين م: (فيه) ش: أي في الملك، لأنهم مالكون جميعا، ولهذا إذا تحول الملك من أهل الخطة جميعا ولم يبق واحد منهم كانت القسامة على المشترين.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف) ش: فإن العرف أن أصحاب الخطة يقومون بحفظ المحلة وتدبيرها دون المشترين م: (ولأنه) ش: أي ولأن صاحب الخطة م: (أصيل، والمشتري دخيل) ش: لأنه بمنزلة التبع.
م: (وولاية التدبير إلى الأصيل، وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك) ش: أي ما ذهب إليه م: (على ما شاهد بالكوفة) ش: أي من عادة أهل الكوفة في زمانه، وهو أن أصحاب الخطة في كل محلة كانوا هم الذين يقومون بتدبير المحلة، وأبو يوسف بنى على عادة بلده أن التدبير إلى الأشراف من أهل الخطة كانوا أولا، كذا في " التحفة ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن بقي واحد منهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فكذلك) ش: الحكم، وفسر المصنف يرجع الضمير في قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى واحد منهم بقوله م: (يعني من أهل الخطة) ش: وقوله: م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة، وإلى قوله ولأنه أصيل والمشتري دخيل.
م: (وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فهو) ش: أي المذكور من القسامة والدية م: (على المشترين، لأن الولاية انتقلت إليهم) ش: أي إلى المشترين،

(13/344)


أو خلصت لهم لزوال من يتقدمهم أو يزاحمهم.
وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا، وإن كانوا غيبا فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره فلا يشاركه غيره فيها كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم. ولهما: أن الحضور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد من أن المشترين لم يكن لهم ولاية مع وجود واحد من أهل الخطة عندهما، فإذا لم يبق أحد منهم بأن باع كلهم انتقلت الولاية إلى المشترين.
م: (أو خلصت لهم) ش: هذا على مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن الولاية كانت لأهل الخطة والمشترين جميعا، فإذا لم يبق من أهل الخطة أحد حصلت الولاية للمشترين م: (لزوال من يتقدمهم) ش: يتعلق بقوله: انتقلت إليهم م: (أو يزاحمهم) ش: يتعلق بقوله حصلت لهم بطريق اللف والنشر.

م: (وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا) ش: وهو جمع حاضر، لأن عاقلا إذا كان صفة يجوز جمعه على فعول كمفعول في جمع فاعل م: (وإن كانوا غيبا) ش: بضم الغين وتشديد الياء جمع غائب م: (فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان) .
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وجد القتيل في دار فالدية على صاحبها باتفاق الروايات، وفي القسامة روايتان ففي إحداهما يجب على صاحب الدار، وفي الأخرى: على عاقلته، ولهذا يندفع من التدافع بين قوله.
قيل: هذا وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، وبين قوله هنا فالقسامة على رب الدار، وعلى قومه يحمل ذلك على رواية، وهذا على رواية أخرى، وحكي عن الكرخي أنه كان يوافق بينهما، ويقول الرواية التي يوجبها على صاحبها: محمولة على ما إذا كان قومه غيبا والرواية التي يوجبها على قومه محمولة على ما إذا كانوا حضورا، كذا في " الذخيرة " م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) .
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتذكير الضمير في به على تأويل الموضع م: (فلا يشاركه غيره فيها) ش: أي في القسامة م: (كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الحضور) ش: أي

(13/345)


لزمتهم نصرة البقعة كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه في القسامة.
قال: وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو على رءوس الرجال؛ لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرءوس بمنزلة الشفعة.
قال: ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما فهو على عاقلة الذي في يده وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية تستفاد بالملك، ولهذا كانت الدية على عاقلة صاحب الدار دون المودع، والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحاضرين م: (لزمتهم نصرة البقعة، كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه) ش: أي صاحب الدار م: (في القسامة) .

[وجد القتيل في دار مشتركة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو) ش: أي العقل م: (على رءوس الرجال، لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير، فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرؤوس) ش: أي رءوس الرجال لا على عدد الأنصباء م: (بمنزلة الشفعة) ش: يكون على عدد الرؤوس.

[اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو) ش: أي المذكور وهو الدية م: (على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما) ش: أي للبائع والمشتري م: (فهو على عاقلة الذي) ش: أي الدار م: (في يده، وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه) ش: أي لأنه الذي يصير له الدار.
م: (إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (تستفاد بالملك ولهذا) ش: أي ولكون ولاية الحفظ تستفاد بالملك م: (كانت الدية) ش: في هذا الموضع م: (على عاقلة صاحب الدار دون المودع) ش: لعدم ملكه، وكذلك المستعير والمستأجر والغاصب والمرتهن حيث امتنع وجوب الدية على هؤلاء لهذا المعنى.
م: (والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك) ش:

(13/346)


كما في صدقة الفطر. وله: أن القدرة على الحفظ باليد لا بالملك. ألا يرى أنه يقتدر على الحفظ باليد دون الملك ولا يقتدر بالملك دون اليد، وفي البات اليد للبائع فبل القبض، وكذا فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض، لأنه دون البات. ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا. ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة كالمغصوب، فتعتبر يده، إذ بها يقدر على الحفظ. قال: ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إن كان الصادر من ذلك الملك عليه، بخلاف ما لو جنى العبد في الباب قبل القبض حيث يخير المشتري بين رد البيع وإمضائه، وهنا لا يخير، لأن الدار لم تصر مستحقة بوجود القتيل فيها، بخلاف العبد، لأنه يصير مستحقا بالجناية والاستحقاق من أفحش العيوب م: (كما في صدقة الفطر) ش: حيث يجب على من يحصل الملك فيه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القدرة على الحفظ) ش: تكون م: (باليد لا بالملك) ش: غير أن الملك سبب اليد، فإذا وجد الملك لأحدهما واليد للآخر كان اعتبار اليد أولى، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أن يقتدر على الحفظ باليد دون الملك) ش: كالمودع.
م: (ولا يقتدر بالملك دون اليد) ش: في المضمون، لأن الملك باق فيه لا قدرة عليه م: (وفي البات) ش: بتشديد التاء، أي البيع البات م: (اليد للبائع قبل القبض، وكذا) ش: أي وكذا الخيار للبائع م: (فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض؛ لأنه دون البات) ش: أي لأن فيما فيه الخيار دون البيع البات.
م: (ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا) ش: أي من حيث التصرف م: (ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة) ش: احترز به عن يد المودع فالقسامة على المشتري أيضًا، لأنه باليد يقوى الحفظ والتدبير م: (كالمغصوب) ش: فإنه مضمون بالقيمة.
م: (فتعتبر يده) ش: أي يد المشتري، فتكون الدية على عاقلة المشتري الذي في يده الدار، لأن القدرة على الحفظ باليد م: (إذ بها يقدر على الحفظ) ش: أي باليد والتذكير على اعتبار العضو، وفي بعض النسخ: إذ بها فلا حاجة إلى التأويل.

[كان في يده دار فوجد فيها قتيل] 1
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها) ش: أي أن الدار ملك م: (للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة) ش: بأن تكون

(13/347)


فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به في الدار المشفوعة فلا بد من إقامة البينة.
قال: وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين. لأنها في أيديهم، واللفظ يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين فيها وعلى السكان. وكذا على من يمدها، والمالك في ذلك وغير المالك سواء، وكذا العجلة. وهذا على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، والفرق لهما: أن السفينة تنقل وتحول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يده على طريق العارية أو الإجارة ونحوها.
وإن كان كذلك م: (فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به) ش: أي بالملك م: (في الدار المشفوعة) ش: لما عرف م: (فلا بد من إقامة البينة) ش: على الملك.
وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرحه ": يريد به إذا أنكرت العواقل أن تكون الدار له.
وقالوا: هي وديعة في يدك فأقول قولهم إلا أن يقيم بينة على الملك لما عرف أن الظاهر حجة للدفع لا للاستحقاق وقد احتجنا إلى الاستحقاق هاهنا، فوجب إثباته بالبينة كمن طلب شفعة بالجوار في دار بيعت فأنكر المشتري الدار التي في يد المدعي ملكا له فإنه لا يستحق الشفعة بيده عليها حتى يقيم البينة على الملك، فكذلك هاهنا.

[وجد قتيل في سفينة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين؛ لأنها) ش: أي لأن السفينة م: (في أيديهم واللفظ) ش: أي لفظ القدوري، وهو قوله: على من فيها م: (يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين كانوا فيها وعلى السكان) .
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض المشايخ: إنما يجب على الركاب إذا لم يكن للسفينة مالك معروف، فإذا كان لها مالك معروف فإن القسامة تجب على مالك السفينة ومنهم من يقول: يجب في الحالين على الذين كانت السفينة في أيديهم، ومثل هذا التفصيل مر في الدابة.
م: (وكذا على من يمدها) ش: أي السفينة م: (والمالك في ذلك وغير المالك سواء) ش: يعني مالك السفينة في وجوب القسامة على من فيها وغير مالكها سواء م: (وكذا العجلة) ش: أي وكذلك الحكم في العجلة إذا وجد فيها قتيل يجب القسامة والدية على من فيها من مالك العجلة وغيرها.
م: (وهذا) ش: أي كون المالك وغيرهم سواء في القسامة م: (على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر) ش: لأنه يجعل السكان والملاك في القتيل الموجود في المحلة سواء.
م: (والفرق لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السفينة تنقل وتحول

(13/348)


فيعتبر فيها اليد دون الملك كما في الدابة. بخلاف المحلة والدار؛ لأنها لا تنقل.
قال: وإن وجد في مسجد محلة فالقسامة على أهلها؛ لأن التدبير فيه إليهم. وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال. لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم. وكذلك الجسور للعامة ومال بيت المال مال عامة المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيعتبر اليد دون الملك، كما في الدابة) ش: يعني كما في القتيل الموجود على الدابة تعتبر اليد دون الملك، لأنها تنقل وتحول.
م: (بخلاف المحلة والدار، لأنها لا تنقل) ش: وفي " الذخيرة ": المعتبر في هذا الباب التصرف والرأي والتدبير، وكل ذلك يعرض إلى صاحب الخطة في الدار، لأن يده غير منقطع عنها ولهذا لا يتحقق الغصب فيها، بخلاف الدابة والسفينة فإن الرأي والتدبير إلى الكل.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في مسجد محلة فالقسامة على أهلها، لأن التدبير فيه) ش: أي في المسجد م: (إليهم) ش: أي إلى أهل المسجد م: (وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم) ش: وفي " المغرب ": الشارع هو الطريق الذي يشرع فيه الناس عامة على الإسناد المجازي، أي من قولهم شرع الطريق إذا تبين.
م: (فلا قسامة فيه) ش: لأن القسامة عرف وجوبها بالنص، والنص أوجبها في موضع خاص لا لأقوام معروفين.
م: (والدية على بيت المال؛ لأنه) ش: أي لأن بيت المال م: (للعامة لا يختص به واحد منهم) ش: فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيمن قتل بزحام الناس بعرفة فجاء أهله إلى عمر فقال: بينتكم على من قتل، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يا أمير المؤمنين لا يبطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله وإلا فأعط ديته من بيت المال، وكذا إذا وجد في زحام مسجد الجامع يوم الجمعة، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال مالك: دمه هدر ومثله عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعند الشافعي الزحام لوث. وفي " الذخيرة ": لو وجد في مسجد جماعة في السوق وهو لعامة المسلمين لا لأهل هذه السوق فهو كمسجد الجامع.
م: (وكذلك الجسور للعامة) ش: يعني إذا وجد القتيل فيها تكون الدية على بيت المال ولا قسامة فيه، كما إذا وجد في الشارع الأعظم م: (ومال بيت المال مال عامة المسلمين) ش: فالكل مشتركون فيها فلعنة الله تعالى على الظلمة الذين استولوا عليه وحرموا مستحقيه.

(13/349)


ولو وجد في السوق إن كان مملوك فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان، وعندهما على المالك وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن؛ لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم، وهما يقولان: إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة، ولأنه بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم. قالوا: وهذه فريعة المالك والساكن، وهي مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
قال: وإن وجد في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو وجد) ش: أي القتيل م: (في السوق إن كان) ش: أي السوق م: (مملوكا فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان) ش: سواء كانوا ملاكا أو لا م: (وعندهما) ش: تجب م: (على المالك، وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت) ش: أي السوق م: (فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن، لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم) ش: قالت الأئمة الثلاثة: إذا كان هناك لوث.
م: (وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة) ش: أي لأجل ترك النصرة م: (ولأنه) ش: أي ولأن السجن م: (بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (وهذه) ش: أي وهذه المسألة م: (فريعة المالك والساكن) ش: يعني وأصلها في اعتبار الساكن دون المالك فكأنهما جعلا عامة المسلمين كالملاك وأهل السجن بمنزلة السكان، كذا في " شرح الإرشاد ".
م: (وهي) ش: أي هذه القرينة م: (مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وذكر الكرخي قول محمد مع أبي حنيفة - رحمهما الله - وكذا ذكر القدوري في كتاب " التجريد " فقال: قال أبو حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا وجد القتيل في السجن فالدية على بيت المال. وقال أبو يوسف: على السجن.

[في برية ليس بقربها عمارة وجد قتيل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة إذا لم يكن لوث م: (وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت) ش: يعني الاعتبار في القرب أن يكون بحيث يسمع منه الصوت، لأن الصوت إذا

(13/350)


لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره فلا يوصف أحد بالتقصير، وهذا إذا لم تكن مملوكة لأحد، أما إذا كانت فالدية والقسامة على عاقلته. وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما، وقد بيناه وإن وجد في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر؛ لأنه ليس في يد أحد ولا في ملكه. وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم؛ لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه. ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سمع منه، والغوث يلحق تلك البقعة من العمارة في الغالب، فيتعلق بها الحكم، لأنه ينسب حينئذ أهل العمارة إلى التقصير، وإن لم يبلغ الصوت لا يلحق بالغوث فلا يجب شيء، وهو معنى قوله: م: (لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره، فلا يوصف أحد بالتقصير) ش: فلا يجب شيء م: (وهذا إذا لم تكن) ش: أي الحكم المذكور، وإذا لم تكن البرية م: (مملوكة لأحد، أما إذا كانت مملوكة لأحد فالدية والقسامة) ش: يجبان م: (على عاقلته) ش: أي على عاقلة المالك.
م: (وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما) ش: أي أقرب القريتين م: (وقد بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله: وإن مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل، ولكن هذا محمول على ما إذا كان يبلغ الصوت إليه.
م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر) ش: ذكر الفرات ليس للتحصيل، بل المراد به النهر العظيم يجري فيه الماء.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام " و" الذخيرة " هذا إذا كان منبع الماء في يد الكفار سواء كان يجري في وسطه أو شطه.
وأما إذا كان في يد المسلمين فاعتبرنا موضع انبعاث الماء وموضع ظهور القتيل م: (لأنه) ش: أي لأن الفرات م: (ليس في يد أحد ولا في ملكه، وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم) ش: أراد به قوله: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت.
م: (لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه) ش: أي من الشط، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة) ش: يعني إذا وجد القتيل في النهر الصغير يجب فيه القسامة والدية على عاقلة أرباب النهر ولا يكون هدرا لنسبة التقصير إليهم، لأنه في أيديهم م:

(13/351)


لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم.
قال: وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه. وذكرنا فيه القياس والاستحسان. قال: وإن ادعى على واحد من غيرهم سقط عنهم، ووجه الفرق قد بيناه من قبل وهو: أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر لأنه منهم، بخلاف ما إذا عين من غيرهم؛ لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم) .

[ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه) ش: أي في مسألة ولو ادعى على البعض م: (وذكرنا فيه) ش: أي في المذكور م: (القياس والاستحسان) ش: سقوط القسامة وهو القياس وهو رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة - رحمهما الله -.
وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي الاستحسان لا تسقط وهو رواية الأصل وقد مر تمام الكلام عند قوله هذا الذي ذكرنا: إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم.
م: (وقال: وإذا ادعى على واحد من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة بعينه م: (سقط) ش: أي سقط كل واحد من القسامة والدية م: (عنهم) ش: أي عن أهل المحلة ويحلف المدعى عليه يمينا واحدة.
وقالت الأئمة الثلاثة: إن كان هناك لوث تكرر اليمين عليه، وقد بيناه من قبل، يريد به قوله هذا الذي ذكرناه إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة م: (ووجه الفرق قد بيناه من قبل) ش: أي بين المسألتين م: (وهو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر) ش: أي ابتداء القسامة، لأن الشرع أوجب القسامة على أهل المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الواحد الذي عينه م: (منهم) ش.
م: (بخلاف ما إذا عين من غيرهم) ش: أي من غير أهل هذه المحلة م: (لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم) ش: فلا تسمع بعد ذلك دعواه للتناقض.

(13/352)


وسقط لفقد شرطه.
قال: وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه فلم يكن على أهل المحلة شيء؛ لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة. قال: ولا على أولئك حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه أما يسقط به الحق عن أهل المحلة، لأن قوله حجة على نفسه. ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لأحد فيها، فإن وجد في خباء أو فسطاط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وسقط) ش: أي الدعوى م: (لفقد شرطه) ش: أي شرط الدعوى، لأنه ادعى على غير أهل المحلة فقد أبرأهم عن ذلك فلا تسمع بعد ذلك دعواه واعلم أن قوله: وللفرق إلى قوله قال: وإذا التقى قوم بالسيوف لا يوجد في كثير من النسخ، ولهذا لم يشرحه أكثر الشراح.

[التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا) ش: بالجيم أي انكشفوا م: (عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم) ش: أي بينهم، لفظ الأظهر مقحم للتأكيد م: (والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه، فلم يكن على أهل المحلة شيء لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة) .
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ولا على أولئك) ش: أي أولئك القوم المتقاتلين أي لم تكن القسامة على أهل المحلة، ولا على المتقاتلين م: (حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه) ش: أي في أول باب القسامة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ولا يقال: الظاهر أنهم قتلوه، لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق.
م: (أما يسقط به الحق عن أهل المحلة؛ لأن قوله حجة على نفسه، ولو وجد قتيل في معسكر) ش: بفتح الكاف موضع العسكر، يقال: عسكر الرجل أي جعل عسكرا، وهو معسكر بكسر الكاف، والموضع معسكر.
وفي " ديوان الأدب " يقال: عسكر يعسكر عسكرة إذا هيأ العسكر، والعسكر هو الجند، قاله الأترازي، وكان من حق الكلام أن يقال: في عسكر م: (أقاموا بفلاة من الأرض) ش: أي نزلوا وسكنوا بها، لأن المعسكر بفتح الكاف منزل العسكر، وإلا أن يقال أراد العسكر المهيأ م: (لا ملك لأحد فيها) .
م: (فإن وجد في خباء) ش: وهي الخيمة من الصوف م: (أو فسطاط) ش: وهي الخيمة العظيمة، وعن ابن الكلبي: بيوت العرب ستة: قبة من أدم، ومظلة من شعر، وخباء من

(13/353)


فعلى من يسكنها الدية والقسامة، وإن كان خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية اعتبارا لليد عند انعدام الملك. وإن كان القوم لقوا قتالا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صوف، ولحاد من وبر، وخيمة من شجر، وفية وافية من هجر م: (فعلى من يسكنها الدية والقسامة) ش: أي على عاقلتهم.
م: (وإن كان) ش: أي القتيل م: (خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية) ش: القسامة والدية م: (اعتبارا لليد عند انعدام الملك) ش: وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد القتيل في العسكر، والعسكر في أرض فلاة فهو على القبيلة الذين وجد في رحالهم، لأنهم إذا نزلوا في فلاة صار كل قبيلة، كمحلة، على حدة، فيكون صيانة ذلك الموضع عليهم هذا إذا نزلوا قبيلة قبيلة، أما إذا نزلوا مختلطين تجب على أقرب أهل الأخبية على من في الخباء جميعا، لأنه يصير كدور متفرقة ليس في موضع قوم مجتمعين.
وإن كان العسكر في ملك رجل فعلى عاقلة رب الأرض القسامة والدية، لأن صاحب الملك أقدر على الصيانة بمنزلة دار مملوك لرجل وفيها ساكن، وإن كان العسكر في فلاة من الأرض فوجد قتيل في فسطاط رجل فعليه القسامة تكرر عليه الأيمان، وعلى عاقلته الدية، لأنه بمنزلة دار وجد فيها قتيل في المحلة، فإن القسامة تجب على صاحب الدار والدية على عاقلته، لأن أمر الصيانة إليه، فكذا هنا.
م: (وإن كان القوم لقوا قتالا) ش: قال الكاكي: انتصاب قتالا، على المفعولية أي لقي المسلمون مع المشركين قتالا، ويحتمل أن يكون على الحال، أي مقاتلين.
وقال الأكمل: قتالا يجوز أن يكون حالا، أي مقاتلين، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا، لأن لقوا في معنى المقاتلة، لأنهم لقوا له، أي القتال. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ملخصه أنه فيه وجوه أن يكون مفعولا به، وأن يكون حالا والمفعول به محذوف وأن يقع قتالا يعني مقاتلين مفعولا به أيضًا صفة لمحذوف، فإنه مقامه، أي لقوا عدوا مقاتلين مفعولا به أيضًا تقاتلوا مقاتلة، وأن يكون تمييزا، أي لقوا العدو من حيث المقاتلة، لأن في لقائهم أنه ما يجوز أن يكون ذلك بسبيل الصلح أو بسبيل العداوة والمقاتلة، وأن يقع مفعولا له، انتهى.
قلت: الأقرب من هذه الوجوه أن يكون مفعولا به أو حالا، والتمييز بعيد فليتأمل.

(13/354)


ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا، وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه. وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله - وقد ذكرناه. قال: وإذا قال المستحلف: قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل، فيحلف على ما ذكرنا؛ لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين، فبقي حكم من سواه فيحلف عليه. قال: وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة إذا عزل قبل الخصومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا) ش: لا شيء فيه م: (وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: إن القتيل إذا وجد في العسكر بفلاة، فإن وجد في الخباء فهو على ساكنه، وإن وجد خارج الخباء فعلى أقرب الأخبية.
م: (وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان، فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله -، وقد ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله ولا يدخل السكان مع الملاك في القسامة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجمعوا عليهم جميعا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا قال المستحلف) ش: بفتح اللام م: (قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل فيحلف على ما ذكرنا) ش: على أنه ما قتله ولا أعرف له قاتلا غير فلان م: (لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين فبقي حكم من سواه فيحلف عليه) ش: حاصله: أن لا يسقط عنه اليمين بقوله قتله فلان، لأن هذا لا يبقى أن يكون للمقر شريك معه في القتل، أو يكون غير شريك معه، فإن كان كذلك يحلف على أنه ما قتله ولا عرف قاتلا غيره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا شهد اثنان من أهل المحلة) ش: يعني إذا ادعى الولي م: على رجل من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة وشهد اثنان من أهل المحلة م: (أنه قتل لم تقبل شهادتهما، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة) ش: أي كشهادة الوكيل م: (إذا عزل قبل الخصومة) ش: عن الوكالة فشهد موكله، فإن شهادته تقبل

(13/355)


وله: أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية بعد ما قبلها ثم شهد. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس.
قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه، والشاهد يقطعها عن نفسه فكان متهما. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون على ذلك؛ لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو قياس الأئمة الثلاثة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم) ش: فإذا كان كذلك م: (فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية) ش: بأن بلغ الغلام أو عزله القاضي م: (بعد ما قبلها) ش: أي كالوصية م: (ثم شهد) ش: فلا تقبل. شهادته.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الأصلين هذين) ش: المجمع عليهما.
أحدهما: أن من انتصب خصما في حادثة لا تقبل شهادته في تلك الحادثة أبدا بالإجماع.
والثاني: أن من له العرضية أن يصير خصما ثم بطلت العرضية فشهد فتقبل بالإجماع م: (يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس) ش: منها الشفيعان إذا شهدا بالشراء على المشتري وهما لا يطلبان الشفعة تقبل شهادتهما، هذا على الأصل الثاني.
ومنها أن الوارثين شهدا بالدين على الميت وله وارث آخر لم يطلب الميراث قبلت الشهادة، لأن الوارث مع الدين لا يصير خصما والدين مقدم، ولكن بعرضية أن يصير خصما، ومن المسائل التي على الأصل الأول مسألة الوكيل، وقد مرت.

[ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه]
م: (قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه) ش: أشار إلى ما ذكر في مسألة، وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة في بيان الفرق م: (والشاهد يقطعها) ش: أي يقطع الخصومة م: (عن نفسه فكان متهما) ش: فلا تقبل شهادته.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون) ش: ولفظ زاد يجيء لازما ومتعديا، يقال: زاد الشيء يزيد، أي ازدادوا، فعلى هذا قوله: ولا يزدادون غير مستقيم وينبغي أن يقول: ولا يزيدون م: (على ذلك) ش: أي على قولهم: ما قتلناه م: (لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل) ش: وعن محمد: يحلفون ولا عينا له قاتلا غير الذي شهدنا عليه.

(13/356)


قال: ومن جرح في قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قسامة ولا دية؛ لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش. وله: أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش أضيف إليه، وإن لم يكن احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك.
قال: ولو أن رجلا معه جريح به رمق حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها، وقد ذكرنا وجهي القولين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[جرح في قبيلة]
م: (قال: ومن جرح في قبيلة) ش: ولم يعلم الجارح، لأنه لو علم سقطت القسامة، بل فيه القصاص على الجارح إن كان عمدا، والدية على العاقلة إذا كان خطأ م: (فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات) ش: يعني إذا صار صاحب فراش حين جر ح في تلك القبيلة ثم نقل إلى أهله فمات قيد به، لأنه لو كان صحيحا يجيء ويذهب حين جرح ثم مات في أهله فلا شيء فيه كذا في " المبسوط " م: (فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة ولا دية، لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش) ش: وبه قال ابن أبي ليلى.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش) ش: ومات بعده م: (أضيف إليه، وإن لم يكن) ش: صاحب فراش م: (احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك) ش: وعلى هذا الخلاف مسألة الجريح إذا وجد على ظهر إنسان يحمله إلى بيته فمات بعد يوم أو يومين، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالدية والقسامة على الذي حمله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لم يضمن.

[حمل رجلا جريح به رمق إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات]
م: (ولو أن رجلا معه جريح به رمق) ش: أي الرمق بقية الروح م: (حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس ابن أبي ليلى م: (وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها) ش: أي في المحلة م: (وقد ذكرنا وجهي القولين) ش:

(13/357)


فيما قبله من مسألة القبيلة.
ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه، لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا. وله: أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك، وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف - رحمهما الله - م: (فيما قبله من مسألة القبيلة) ش: وهو الذي ذكر هذا بقوله.

[وجد رجل قتيلا في دار نفسه]
ومن جرح في قبيلة م: (ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهذا قياس قول أحمد والأوزاعي، فإن عندهما: لو قتل نفسا خطأ يجب ديته على عاقلته خلافا لباقي العلماء.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه) ش: يعني يهدر دمه، وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا) ش: يعني لا شيء فيه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك) ش: أي قبل ظهور القتل م: (وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم) ش: أي عاقلة الورثة. قال الأكمل: قال المصنف: فديته على عاقلته. قال المصنف: قال في دليله: وحال ظهور القتل الدية للورثة فيجب على عاقلتهم، وفيه تناقض ظاهر مخالفة بين الدليل والمدلول، ودفع ذلك بأن يقال عاقلة الميت: إما أن يكون عاقلة الورثة أو غيرهم، فإن كان الأول: كانت الدية على عاقلة الميت وهم عاقلة الورثة ولا تنافي بينهما.
وإن كان الثاني: كانت الدية على عاقلة الورثة، ولما كان كل منهما ممكنا، أشار إلى الأول في حكم المسألة وإلى الثاني في دليلها، وعلى التقدير الثاني تعذر في قوله فالدية على عاقلته يضاف أي على عاقلة ورثته.
وقال الأترازي: فإن قلت: كيف يستقيم أن ينعقل عاقلة الورثة للورثة، وليس بمعقول أن يعقلوا عن أنفسهم لأنفسهم؟
قلت: العاقلة أعم من غير أن يكون ورثة أو غير ورثة فما وجب على غير الورثة من العاقلة يجب للورثة منهم، وهذا لأن عاقلة الرجل أهل ديوانه عندنا، وعند الشافعي

(13/358)


بخلاف المكاتب إذا وجد قتيلا في دار نفسه لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أقرباؤه.
م: (بخلاف المكاتب) ش: لما استشعر المصنف ورود مسألة المكاتب م: (إذا وجد قتيلا في دار نفسه) ش: كالنقض على ما ذكر، أشار إلى الجواب بقوله بخلاف المكاتب حيث يهدر دمه إذا وجد قتيلا في دار نفسه م: (لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه) ش: لأن الكتابة لا تنفسخ إذا مات وله مال، بل يقضى ما عليه منه، فإذا كانت الدار له حين ظهور قتله جعل قاتلا نفسه تقديرا لقيام ملكه والحر حال ظهور قتله انتقل منه ملكه إلى ورثته، فلم يجعل قاتلا نفسه تقديرا لزوال ملكه. وقال الكرخي: في " مختصره ": إذا وجد في دار المكاتب قتيل فهو عليه يسعى في الأقل من قيمته ومن الدية. وكذلك لو وجد مولاه في دار المكاتب قتيلا كان عليه الأقل من ديته والقيمة. ولو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه فعلى مولاه قيمته في ثلاث سنين ولا تحمله العاقلة.
وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا وجد المكاتب قتيلا في دار سيده فعلى السيد القيمة في ماله، وإن لم يترك وفاء ولا دين عليه فهو هدر، وإن كان عليه دين ولم يدع وفاء فعلى السيد الأقل من القيمة والدين لغرمائه.
وقال زفر: دمه هدر ترك وفاء أو لم يترك. وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا وجد في دار عبد مأذون له في التجارة وعليه دين أو لا دين عليه أو غير مأذون له وجد في داره قتيل فعلى عاقلة مولاه قتيل، فإن كان عليه دين فإن على الولي قيمته لغرمائه في ماله حالا، وكذلك لو قتله عمدا فعليه قيمته حالا. وكذلك لو كان العبد جنى جناية ثم وجد قتيلا في دار مولاه فعلى المولى قيمته حالا، وكذلك لو قتله المولى خطأ وهو لا يعلم بالجناية، فإن كان يعلم فعليه الدية وقال محمد: إذا وجد أبو الرجل أو أخوه قتيلا في داره فإن عاقلته تعقل دية أبيه ودية أخيه، وإن كان هو وارثه، لأن الدية لم تجب له، وإنما وجب كغيره. وقال بشر عن أبي يوسف: في العبد الرهن يوجد في دار الراهن أو المرتهن قتيلا فالدية على رب الدار دون العاقلة.
قال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد العبد أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد

(13/359)


ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه؛ لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا كما إذا وجد قتيل في محلة.
ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - عليها القسامة تكرر عليها الأيمان، والدية على عاقلتها أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي. ولهما: أن القسامة لنفي التهمة، وتهمة القتل من المرأة متحققة. قال المتأخرون: إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة؛ لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتيلا في محلة: وجبت القسامة والقيمة في ثلاث سنين.

[رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا]
م: (ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه، لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا) ش: يعني وقوع القتل من نفسه وهم لا يلتفت إليه م: (كما إذا وجد قتيل في محلة) ش: حيث يكون توهم قتل نفسه ساقطا، فكذا هذا.

م: (ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: عليها القسامة تكرر عليها الأيمان والدية على عاقلتها، أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضًا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي) ش: حيث لا يكون من أهل الصيانة، وإنما القسامة مخاطب بها على أهل الصيانة فالمرأة والصبي سواء.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: م: (أن القسامة لنفي التهمة وتهمة القتل في المرأة متحققة) ش: لأن في حق العاقلة، لأنهم لم يكونوا في القرية فيلزمها القسامة.
م: (قال المتأخرون) ش: أي من المشايخ لأصحابنا م: (إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة) ش: قيد بقوله " في هذه المسألة " لأنها لا تدخل في غير هذه المسألة على ما يجيء في العاقلة م: (لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة) ش: إنما أنزلوها قاتلة تقريرا حيث دخلت
في القسامة، فكما دخلت في العقد أيضًا، بخلاف غيرها من الصور، فإنها لا تدخل فيه في القسامة، بل يجب على الرجال، فلا تدخل في العقل أيضًا.

(13/360)


ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها، قال: هو على صاحب الأرض؛ لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها]
م: (ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها) ش: أي من أهل القرية م: (قال: هو على صاحب الأرض) ش: أي وجوب القسامة والدية على صاحب الأرض م: (لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية) ش: لأن الحفظ والتدبير في الأرض إلى صاحب الأرض لا إلى أهل القرية. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " القرية إذا كانت لرجل من أهل الذمة فإنه يكرر عليه الأيمان، لأنه من أهل القسامة، والقرية في صيانته، فيكون موجب التقصير عليهم، وعليه الدية، لأنه لا عاقلة له، حتى لو كانت له عاقلة يجب عليه. ولو كان الذمي نازلا في قبيلة من القبائل فوجد فيها قتيل لم يدخل الذمي في القسامة ولا في الغرم، لأنه تابع لأهل القرية، وكذلك السكان والنوازل فيها من غيرهم، لأنهم أتباع.
وقال شيخ الإسلام أيضًا: ولو وجد القتيل في قرية اليتامى وهم صغار ليس في تلك القرية من عشيرتهم أحد، فالقسامة والدية على عاقلة اليتامى، لأنهم ليسوا من أهل الصيانة فيلزم ذلك على عاقلتهم، وعاقلتهم أقرب القبائل إليهم إذا لم يكن في ذلك البلد عشيرتهم، وإن كان فيهم مدرك فعلى القسامة وتكرار اليمين، لأنه من أهل ذلك، على أقرب القبائل منهم الدية في الوجهين إذا لم يكن في تلك البلد عشيرتهم، م: (والله أعلم) .

(13/361)