البناية شرح الهداية

كتاب المعاقل المعاقل جمع معقلة وهي الدية، وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك
قال: والدية في شبه العمد والخطأ، وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المعاقل]
[تعريف المعاقل]
م: (كتاب المعاقل) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام المعاقل.
م: (المعاقل جمع معقلة) ش: بفتح الميم وضم القاف كالمكارم جمع مكرمة بضم الراء م: (وهي الدية) ش: أي المعقلة هي الدية في الاصطلاح. وأما في اللغة فمعنى العقل: المنع م: (وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك) ش: وقيل: إنما سميت الدية عقلا ومعقلة باعتبار أن إبل الديات كانت تعقل بفناء دار المقتول، ثم عم هذا الاسم فسميت الدية معقلة وإن كانت دراهم أو دنانير أو البقر أو الغنم أو الجبل وغيرها على الخلاف الذي يأتي. ومعاقل الجبال المواضع المنيعة فيها العقل من الجبل، حيث يمتنع منه. ويقال: عقل الدواء بطنه يعقله عقلا إذا أمسكه، وعقل الوعل في الجبل إذا علا فيه وامتنع يعقل عقولا، وسميت آلة الإدراك عقلا لهذا المعنى أيضًا، لأنه يمنع من السفه والهوى والمعنى الجامع اللغوي: المنع.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": طعن بعض الملحدين من مبطلي الرسل على هذا. وقال لا جناية من العاقلة وجوب الدية باعتبارها، فيكون في مال القاتل. وحكي ذلك عن أبي بكر الأصم والخوارج أنهم قالوا: تجب الدية في مال القاتل، يؤيد ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] ألا ترى أن من أتلف دابة قيمتها تجحف مال المتلف كثرة لا يجب الضمان.
قلنا: إيجاب الدية على العاقلة مشهورة ثبتت بالأحاديث المشهورة وعليه عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين من بعدهم فيزاد على كتاب الله تعالى، فدل على أنه لا يحمل وازرة وزر أخرى، وإنما ذكر هذا الكتاب في آخر كتاب الجنايات والأبواب والفصول، لأنه لم يبق شيء من أحكام هذه الكتب إلا بيان أحكام المعاقل فيها على الترتيب.

[وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والدية في شبه العمد والخطأ) ش: أي وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ م: (وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة) ش: كل دية مرفوع، لأنه مبتدأ، وخبره قوله على العاقلة، وإنما قال: بنفس القتل، أي ابتداء واحترز على ما وجبت الدية في

(13/362)


والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات. والأصل في وجوبها على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» . ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار، والخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظرا إلى الآلة فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه واستئصاله فيصير عقوبة، فضم إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثاني الحال لا ابتداء، كما إذا قتل الأب ابنه حيث يكون موجب القتل القصاص ابتداء، ولكنه يسقط ذلك إلى الدية بشبهة الأبوة فتجب الدية في مال الأب لا على العاقلة. وكذا إذا وجبت الدية صلحا من العمد يجب ذلك في مال القاتل حالة إلا إذا اشترط التأجيل، بخلاف ما يجب على الأب فإنه يجب في ثلاث سنين. م: (والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات) ش: أي ذكرنا الدية على تأويل العقل في حديث حمل بن مالك وقد مر قصته في فصل الجنين.
م: (والأصل في وجوبها) ش: أي في وجوب الدية م: (على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» ش:، وحمل بالحاء المهملة والميم المفتوحتين ابن مالك بن النابغة الهذلي. قوله: فدوه بضم الدال وسكون الواو، أي أدوا ديته من يدي، وقد مر الكلام فيه مستقصى فيما مضى.
م: (ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار) ش: أي إلى الإسقاط لأنه ليس في الإسلام دم مهدر م: (والخاطئ معذور) ش: لأنه لم يقصد القتل م: (وكذا الذي تولى شبه العمد) ش: وهو الذي ضربه بالسوط الصغير حتى قتله م: (نظرا إلى الآلة) ش: لأن آلته ليست بموضوعة للقتل، فكان في معنى الخطأ م: (فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه) ش: أي إجحاف الخاطئ، يقال أجحف بالشيء إذا ذهب به م: (واستئصاله) .
قال الأكمل: فيه الإجحاف بقوله: " واستئصاله ".
قلت: ليس كذلك، لأن الإجحاف الذهاب بالشيء كما ذكرنا، ومنه سيل جحاف إذا ذهب بكل شيء، والاستئصال قلع الشيء من أصله، ومادته همزة وصاد، ولام، وأصل واستئصال بكسر التاء وسكون الهمزة فقلبت الهمزة ياء للتخفيف م: (فيصير عقوبة) ش: إذا وجب هذا المال العظيم كله على القاتل يكون عقوبة فلا يستحق هذه العقوبة م: (فضم إليه

(13/363)


العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا بالضم؛ لأنه إنما قصر لقوة فيه، وتلك بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به،
قال: والعاقلة أهل الديوان إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين، وأهل الديوان: أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية على أهل العشيرة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا) ش: أي العاقلة م: (بالضم) دون غيرهم.
م: (لأنه إنما قصر لقوة فيه) ش: أي لأن القاتل إنما قصر حالة الرمي في التثبت والتوثق بقوته م: (وتلك) ش: أي تلك القوة حاصلة م: (بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به) ش: أي بالضم.

[العاقلة أهل الديوان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعاقلة أهل الديوان) ش: الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها، لأنه قطع من القراطيس مجموعة م: (إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين) ش: العطايا جمع أعطية، والأعطية جمع عطاء، والعطاء اسم ما يعطى.
وقيل: العطاء ما يخرج للجندي من بيت المال سنة مرة أو مرتين، والرزق ما يخرج له كل شهر. وعن الحلواني كل ستة أشهر. وقيل كل يوم م: (وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان) ش: وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وعاقلة الرجل أهل نصرته، وكان عاقلة الرجل في ابتداء الإسلام أهل عشيرته وأهل نسبه، فلما دون عمر الدواوين فوض ذلك على أهل الديوان، وهم أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان، فمن كان من أهل الديوان فعقله عليهم إذا جنى.
ومن لم يكن من أهل ذلك إن كان من أهل البادية فعقله على أقرب القبائل إليه نسبا، وإن كان من أهل المصر إن كان له أقرباء وعشيرة يقضى عليهم، وإن لم يكن اختلف المشايخ فيه فبعضهم قالوا: يجب في ماله، وبعضهم قالوا: يجب على أهل حرفته. وبعضهم قالوا: يجب على جيرانه، وبعضهم قالوا: على أهل الدية لأنه من ظهر نسبهم م: (وهذا) ش: أي وهذا الحكم الذي ذكرنا م: (عندنا) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدية على أهل العشيرة) ش: وهم العصبات، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وكل من عدا العصبة ليس من العاقلة. واختلف: في الآباء

(13/364)


لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده. ولأنه صلة والأولى بها الأقارب. ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والبنين، فقال الشافعي وأحمد في رواية ليس آباؤه وأبناؤه وإن علوا أو سفلوا من العاقلة. قال مالك وأحمد في رواية: يدخل في العاقلة أب القاتل وابنه وهو قولنا عند عدم أهل الديوان.
وعن بعض مشايخنا لا يدخلون كما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: لما روى أبو هريرة: «أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما بحجر فقتلت الأخرى، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بديتها على عاقلتها، وميراثها لابنها» رواه أبو داود والنسائي، وإذا ثبت هذا في الأولاد ألحق الوالد به، لأنه في معناه م: (ولا نسخ بعده) ش: أي بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه لا يكون إلا بوحي على لسان نبي، ولا نبي بعده.
م: (ولأنه صلة) ش: أي ولأن الدية صلة على تأويل العقل م: (والأولى بها) ش: أي بالصلة م: (الأقارب) ش: والصلة عبارة عن مال يجب ابتداء لا بمقابلة مال، ولهذا سميت الزكاة وشفقة الأقارب صلة.
م: (ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن مطرف عن الحكم قال: عمر أول من جعل الدية عشرة عشرة في أعطيات المقاتلة دون الناس.
وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن الشعبي عن الحكم عن إبراهيم قال: أول من فرض العطايا عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين. وحدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد عن أبي نصرة عن جابر قال: أول من فرض الفرائض ودون الدواوين وعرف العرفاء عمر بن الخطاب.
فإن قيل: قوله: من غير نكير منهم إجماع، فهذا إجماع على خلاف ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يظن بهم؟ قلنا: هذا إجماع على وفاق ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما قضى على العشيرة باعتبار النصرة، ولهذا لا يوجب من النسوان والصبيان من عشيرته، لأنهم ليسوا من أهل النصرة، ثم لما دون عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الدواوين صارت النصرة بالديوان فقضى بالدية على

(13/365)


وليس ذلك بنسخ، بل هو تقرير معنى؛ لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع بالقرابة والحلف والولاء والعدد، وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعا للمعنى. ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلف فأهله والدية صلة كما قال، لكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء أولى منه في أصول أموالهم، والتقدير بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. ومحكي عن - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أهل الديوان. م: (وليس ذلك بنسخ) ش: جواب عن قول الشافعي ولا نسخ بعده م: (بل هو تقرير معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت) ش: أي النصرة م: (بأنواع بالقرابة والحلف) ش: بكسر الحاء، وهو العهد بين القوم، ومنه قولهم: تحالفوا على التناصر، والمراد به ولاء الموالاة م: (والولاء) ش: أي ولاء العتاق م: (والعدد) ش: في بعض النسخ والعدد هو أن يعد منهم يقال فلان عديد، قال: أي يعددهم.
م: (وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت) ش: أي النصرة م: (بالديوان فجعلها) ش: أي الدية م: (على أهله) ش: أي أهل الديوان م: (اتباعا للمعنى) ش: أي النصرة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاتباع للنصرة.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة) ش: وفي " شرح الطحاوي ": إذا لم يكن القاتل من أهل الديوان فعاقلته أنصاره. فإن كان نصرته بالمحال والدروب يحمل عليهم، وإن كان نصرته بالحرف فعاقلته المحترفون الذين هم أنصاره كالقصارين والصفارين بسمرقند والأساكفة بأسبيجاب.
م: (وإذا كان بالحلف) ش: أي وإن كانت نصرته بالحلف بالكسر م: (فأهله) ش: أي فأهل الحلف، أي فعاقلته أهل الحلف م: (والدية صلة كما قال) ش: أي الشافعي: م: (لكن إيجابها) ش: أي إيجاب الدية م: (فيما هو صلة وهو العطاء) ش: وهو الذي يخرج له من بيت المال الذي هو صلة م: (أولى منه) ش: أي من الإيجاب م: (في أصول أموالهم) ش: نظرا في حاله وتخفيفا عليه. م: (والتقدير) ش: أي تقدير الدية في الخطأ بالتأجيل م: (بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ومحكي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: تقدم كلاهما فيما مضى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، وأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

(13/366)


ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة. فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذ منها لحصول المقصود. وتأويله: إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء، حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء على ما نبين إن شاء الله تعالى. ولو خرج للقاتل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرض كذلك م: (ولأن الأخذ) ش: أي أخذ الدية م: (من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة واحدة) ش: فتؤخذ في ثلاث سنين.
م: (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل منها أخذ منها) ش: هذا لفظ القدوري، يعني إن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين تؤخذ الدية منهم في أكثر من ثلاث سنين، حتى إذا خرجت عطاياهم الثلاث في ست سنين تؤخذ منهم الدية في كل سنة السدس.
وإذا خرجت عطاياهم الثلاث في سنة واحدة تؤخذ جميع الدية في سنة واحدة، لأن وجوبها في العطايا وقد حصلت م: (لحصول المقصود) ش: يعني أن المقصود أن يكون المأخوذ منهم من الأعطية، وذلك يحصل بالأخذ من عطاياهم سواء كانت في أكثر من ثلاث سنين أو في أقل منها.
م: (وتأويله) ش: أي وتأويل كلام القدوري م: (إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء) ش: أي بعد قضاء القاضي. فالدية على العاقلة م: (حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء) ش: بالدية م: (ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء) ش: لأن من عليه الدية قبل القضاء غير معلوم لكونه مجتهدا فيه، لأن في العاقلة كلاما فبعضهم يقول: أهل الديوان، وبعضهم يقول: أهل العشيرة فلا يحكم إلا بالقضاء.
وكذا الواجب في نفسه غير معلوم، فإن ولاية التعيين منه إلى القاضي إن شاء قضى بالإبل، وإن شاء قضى بالدراهم أو الدنانير، لأن من الناس من قال: الواجب الإبل فحسب. وقال قوم: الإبل والأثمان جميعا. وزاد قوم على هذا: البقر والغنم والخيل، وإنما قال المصنف: تأويله لأن القدوري أطلق ذكر السنين، وإنما تؤخذ منهم في ثلاث سنين بعد القضاء، فيكون المراد ثلاث سنين في المستقبل، فلا بد من التأويل م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكر بعد عشرة خطوط بقوله لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء.
م: (ولو خرج للقاتل) ش: أي للعامل القاتل، وفي النسخ للعامل، والأول هو الأصح

(13/367)


ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا.
وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة، وإن كان الواجب بالعقل ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال؛ لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض. ولنا: أن القياس يأباه، والشرع ورد به مؤجلا فلا يتعداه، ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل، إذ هو بدل النفس، وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا) ش: أشار به. إلى قوله: لأن الوجوب بالقضاء.

[كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة]
م: (وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة) ش: أي فيؤخذ كل ثلث من الدية في سنة واحدة م: (وإن كان الواجب بالعقل) ش: أي من الجنايات فيما دون النفس م: (ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل) ش: أي أوجب على القاتل م: (بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال) ش: وبه قال مالك وأحمد، وقد مرت المسألة م: (لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض) ش:.
م: (ولنا: أن القياس يأباه) ش: أي يأبى وجوب المال لانعدام المماثلة بين المال والتالف.
م: (والشرع ورد به) ش: أي بإيجاب المال م: (مؤجلا) ش: في الخطأ م: (فلا يتعداه) ش: أي فلا يتعدى الذي يوجب الشرع. فإن قيل: هذا ليس في معنى الخطأ فلا يلحق به.
قلنا: هو في معناه من حيث كونه مالا وجب بالقتل ابتداء، والمساواة من جميع الوجوه غير ملتزمة، وكون التأجيل للتخفيف حكمه لا يترتب الحكم عليه.
م: (ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل) ش: أي جزء الدية بكل الدية م: (إذ هو بدل النفس) ش: أي لأن الدية بدل النفس، والتذكير باعتبار العقل م: (وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل،

(13/368)


والتحول إلى القيمة بالقضاء، فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور.
قال: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في التعاقل. قال: وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكره القدوري في "مختصره "، وهذا إشارة إلى: أنه يزاد على أربعة من جميع الدية، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على: أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم، وهو الأصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتحول إلى القيمة بالقضاء) ش: هذا هو الموعود قبله، وقالت الأئمة الثلاثة: من وقت القتل م: (فيعتبر ابتداؤها) ش: أي ابتداء الدية م: (من وقته) ش: أي من وقت القضاء م: (كما في ولد المغرور) ش: وهو الذي وطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فولدت ولدا ثم استحقت حيث يكون ولدها حرا بالقيمة يوم الخصومة، وهو يوم القضاء.

[من لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته؛ لأن نصرته بهم، وهي) ش: أي النصرة م: (المعتبرة في التعاقل) ش: لأن الدية كانت على القبيلة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما فعلها عمر إلى أهل الديوان لمعنى التناصر، فلما لم يكن الجاني من أهل الديوان أقر الحكم على الأصل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد منهم على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها) ش: أي من الأربعة، هذا إشارة على أنه يزاد على الأربعة في السنين الثلاث، لأنه قد نفى الزيادة بسنة واحدة، وجوز الأربعة على الواحد من العاقلة في السنة الواحدة، فإذا كان ما يصيب الواحد في السنة الواحدة أربعة دراهم كان ما يصيبه في السنين الثلاث اثني عشر درهما لا محالة، فكان ما يصيبه من جميع الدية زيادة على الأربعة، وقد نص محمد في " كتاب المعاقل " بخلاف ذلك.
أشار إليه المصنف بقوله: م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذا ذكره القدوري في " مختصره "، وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية) ش: أي المصنف م: (وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم وهو الأصح) ش: أي الذي قاله محمد هو الأصح.
وقال الأكمل: قوله: " وهو الأصح " احتراز عما ذهب إليه بعض مشايخنا بما فهم منهم

(13/369)


قال: وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل معناه نسبا كل ذلك بمعنى التخفيف، ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم. وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إشارة كلام القدوري. وذكر في " المبسوط " قال: وذلك غلط: وقال الأترازي: رواية القدوري هي المشهورة، وقد أثبت في " شرح الأقطع " روايته بقوله: لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة درهم ودانقان، وينقص منها. وعلى شرح ذلك فلا يفرق بين نص محمد وبين رواية القدوري، ويدل على صحة رواية " شرح الأقطع " ما ذكره القدوري، ففي " مختصر الكرخي " في باب أروش الجنايات على الرقيق: ولا يغرم كل رجل من العاقلة إلا ثلاثة دراهم أو أربعة في الثلاث سنين، وذلك كل ما يغرم، ولا يغرم أكثر من ذلك، انتهى.
ثم أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة أربعة دراهم وأقله لا يتقدر، وعند الشافعي على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار، وكذا في " مختصر الأسرار ". قال مالك وأحمد - رحمهما الله -: لا تقدير فيه فيحملون ما يطيقون إذ التقدير لا يثبت إلا بالتوفيق ولا نص فيه فيفوض إلى رأي الحاكم. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور.

[إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري أقرب القبائل إليهم يعني م: (نسبا) ش: أي من حيث النسب على الترتيب المذكور في العصبات م: (كل ذلك بمعنى التخفيف) ش: يعني طلبا للتخفيف في حقهم، هذا الجواب إنما يستقيم في حق العربي، لأن العرب حفظت أنسابها فأمكننا إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل.
م: (ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم) ش: هذا إذا كان له عاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فعقله في بيت مال المسلمين. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه في مال الجاني.
م: (وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات) ش: يعني إذا كان القاتل من أهل الديوان فعاقلته من أهل

(13/370)


إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر، الأقرب فالأقرب، ويفوض ذلك إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به ثم هذا كله عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار فيسوى بين الكل؛ لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها. ألا ترى أنه لا تؤخذ من أصل المال فينتقص منها تحقيقا لزيادة التخفيف. ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الراية م: (إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر الأقرب) ش: لأهل الراية الأولى يقال: حزبه أمر إذا أصابه.
م: (فالأقرب) ش: يعني يقدم الأقرب فالأقرب م: (ويفوض ذلك) ش: يعني تقديم الأقرب فالأقرب م: (إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به) ش: أي بالأقرب م: (ثم هذا) ش: الذي ذكرنا م: (كله عندنا) .
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار) ش: قال أحمد: في " وجيز الشافعية ": ولا يضرب على فقير وإن كان مقملا، ويضرب على الغني نصف دينار وهو الذي ملك عشرين دينارا بعد المسكن وما يحتاج إليه، وعلى المتوسط ربع وهو الذي يملك أقل من ذلك، ولكن ملك ما فضل عن حاجته. وينظر إلى اليسار في آخر السنة، فلو طرأ اليسار قبلها أو بعدها فلا التفات إليه.
م: (فيسوى بين الكل) ش: يعني الآباء والأبناء وغيرهم م: (لأنه) ش: أي الدية على تأويل العقل م: (صلة) ش: لأنه يجب على العاقلة بسبيل المواساة من غير أن يوجد منهم جناية م: (فيعتبر) ش: أي فيعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القتل م: (بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم) ش: أي وأدنى الزكاة م: (نصف دينار) ش: لأنه كان ذلك في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها) ش: أي من الدية.
وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لا تؤخذ) ش: أي العقل م: (من أصل المال فينتقص منها) ش: أي من الزكاة، والزكاة تؤخذ من أصل المال والعقل يؤخذ من نصف المال من العطاء، وذلك م: (تحقيقا لزيادة التخفيف) ش: في حق العاقلة فلم يكن تعليله حجة علينا.
م: (ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق) ش: يأخذون كل شهر م: (يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء) ش: وقد مر الفرق

(13/371)


قائم مقامه، إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر، حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث. وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة فيتيسر عليهم.
قال: وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم، لأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل في النفي عنه. والجامع كونه معذورا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرزق والعطاء عن قريب م: (قائم مقامه) ش: أي مقام العطاء م: (إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء) ش: أي بعد حكم القاضي بذلك.
م: (يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث، وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات) ش: والأخذ منه يكون إضرارا بهم، والأعطيات ليست كذلك م: (ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة) يعني متى احتيج إليها م: (فيتيسر عليهم) ش: لأنه لا يحصل الضرر لهم بذلك. وأدخل القاتل، وفي أكثر النسخ.

[القاتل مع العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم: لأنه) ش: أي لأن القاتل م: (هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل) ش: لأن الحكم حول إلى العاقلة فلا تبقى عليه، ولهذا لا يجب الكل عليه فلا يجب الجزء أيضًا اعتبارا للجزء بالكل م: (في النفي عنه) ش: أي في نفي الوجوب عن القاتل م: (والجامع كونه معذورا) ش: أي وجه الجمع في اعتبار الجزء بالكل هو كون القاتل معذورا.

(13/372)


قلنا: إيجاب الكل إجحاف به، ولا كذلك إيجاب الجزء. ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى. قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ،
وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة. ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية. وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا: إيجاب الكل إجحاف به) ش: أي إذهاب بالكلية م: (ولا كذلك إيجاب الجزء، ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى) ش: لأن العاقلة لم يتلوثوا بالدم، لأنهم براء عن الجناية، وكان الوجوب على غير البريء أولى م: (قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ش: ولأنها دية وجبت بالقتل فلا تخلو ذمة القاتل عنها، كما إذا لم تتسع العاقلة ولا مال في بيت المال.

[ليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل]
م: (وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل) ش: أراد بالذرية من لم يبلغ، والذرية أولاد الأولاد في اللغة مأخوذة من الذر وهو صغار النمل.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة والصبي لا يعقلان مع العاقلة، وكذا على الفقير وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الظواهر، وحكى بعض أصحابنا عن مالك وأبي حنيفة: أن الفقير يدخل في التحمل، وهو رواية عن أحمد أنه من أهل النصرة، فكان كالغني، والصحيح الأول م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة) ش: هذا غريب. وقال الأترازي: وقد روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة، كذا في " شرح الكافي ".
م: (ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته) ش: أي الجاني م: (والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية) ش: يعني في نساء أهل الذمة وصبيانهم م: (وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية) ش: وفي " فتاوى قاضي خان ": لو كان القاتل امرأة أو صبيا هل يجب عليهما شيء؟ اختلف المشايخ فيه. والصحيح: أن القاتل يشارك العاقلة سواء كان صبيا أو امرأة أو مجنونا، وكذا أبو القاتل وابنه من العاقلة؛ والزوج لا يكون عاقلة المرأة. وكذا المرأة لا تكون عاقلة الزوج، وفي الأب والابن خلاف للشافعي.

(13/373)


بخلاف الرجل؛ لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه، وهذا لا يوجد فيهما، والفرض لهما من العطاء للمعونة لا للنصرة كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن.
ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر، يريد به أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوانه على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان باعتبار القرب في السكنى. فأهل مصره أقرب إليه من أهل مصر آخر ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: وهذه المسألة مخالفة لما مر قبل كتاب المعاقل: أنه لو وجد قتيل في دار امرأة تشارك العاقلة عند المتأخرين يمكن أن يكون هذا على رواية المتقدمين أن المرأة لا تدخل بالعواقل في صورة من الصور. م: (بخلاف الرجل) ش: حيث يجب عليه مع العاقلة م: (لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه) ش: أي لأن الرجل ينصر نفسه، أي يمنح عنه غيره م: (وهذا) ش: أي نصر النفس أو منعه من غيره م: (لا يوجد فيهما) ش: أي من الصبي والمرأة لعجزهما عنه.
م: (والفرض لهما) ش: هذا جواب عما يقال: يفرض الإمام لنساء العراية وذرياتهم من العطاء وهو يمنح النصرة، فأجاب بقوله: والفرض لهما، أي للصبي، والمرأة م: (من العطاء للمعونة) ش: أي لمعونة الجد بالطبخ والخياطة وحفظ المنزل ونحو ذلك م: (لا للنصرة) ش: لضعفهما م: (كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن) ش: فإنه فرض لهن للمعونة لا للنصرة.

[لا يعقل أهل مصر عن مصر آخر]
م: (ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر) ش: هذه من مسائل " الأصل "، أوضحها المصنف بقوله: م: (يريد به) ش: أي بهذا الذي ذكره م: (أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوان على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان) ش: أي التناصر، م: (باعتبار القرب في السكنى فأهل مصر أقرب إليه من أهل مصره آخر، ويعقل أهل كل مصره من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم) ش: أي فإن أهل السواق أي القرى.
م: (إذا حزبهم) ش: أي إذا أصابهم م: (أمر) ش: من الأمور المزعجة م: (استنصروا بهم) ش: أي: بأهل المصر م: (فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه) ش: أي لأن من كان بمنزله بالبصرة م:

(13/374)


يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه. والحاصل أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره، وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه، وعلى هذا يخرج كثير من صور مسائل المعاقل.
ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو صحيح؛ لأن الذين يذبون عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر ولا يخصون به أهل العطاء. وقيل: تأويله إذا كان قريبا لهم، وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه) .
م: (والحاصل أن الاستنصار) ش: أي طلب النصرة م: (بالديوان أظهر) ش: عندنا خلافا للأئمة الثلاثة. وعن هذا قال في " المبسوط ": لو أن أخوين لأب وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الآخر بالبصرة لم يعقل أحدهما صاحبه، وإنما يعقل عن كل واحد أهل ديوانه م: (فلا يظهر معه) ش: أي مع الاستنصار بالديوان م: (حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره) ش: هو الحلف والعدد م: (وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الأصل م: (يخرج كثير من صور مسائل المعاقل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط ": ولو أن قوما من أهل خراسان من ديوان واحد مختلفين في أنسابهم منهم من له ولاء، ومنهم من له القرب جنى بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته، وإن كان غيره أقرب إليه في النسب لأنه أمر لا يرجع في الاستنصار إلى عشيرته عادة.

[جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه]
م: (ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه) ش: أي قرابة ونسبا م: (ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو) ش: أي عدم الاشتراط م: (صحيح؛ لأن الذين يذبون) ش: أي يدفعون م: (عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر) ش: مرفوع لأنه خبر لأن، أعني قوله: لأن الذين م: (ولا يخصون به أهل العطاء) ش: أي لا يخصون بالذنب أهل العطاء.
م: (وقيل: تأويله) ش: أي تأويل قول من قال بعدم الاشتراط المذكور م: (إذا كان قريبا لهم) ش: أي ذا قرابة لهم م: (وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل

(13/375)


المصر وهذا لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم، وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة.
ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه لا يعقله أهل المصر؛ لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه، كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه لا ينتصر بهم. وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار، ومعنى التناصر موجود في حقهم. وإن لم تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه، كما في حق المسلم، لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المصر) ش: أي أقرب إليه نسبا من أهل المصر.
م: (وهذا) ش: أي اشتراط القرابة م: (لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم) ش: لأنه إذا كان هكذا استقام الوجوب على أهل الديوان باعتبار القرابة في النسب وإن لم يكن له عطاء فيهم، وذلك لأنهم أقرب مكانا فكانوا أقدر على النصرة، وإن كان أهل البادية أقرب نسبا.
م: (وصار) ش: في بعض النسخ: وصارت أي هذه المسألة م: (نظير مسألة الغيبة المنقطعة) ش: يعني أن للولي الأبعد أن يزوج إذا كان الولي الأقرب غائبا غيبة منقطعة، لأنه أقدر على إقامة مصالحها، فهذا نظير ذلك.

[البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه]
م: (ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر م: (لا يعقله أهل المصر، لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر لا يعقله أهل المصر م: (كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه) ش: أي لأن النازل فيهم م: (لا ينتصر بهم) ش: أي إذا لم يكن مسكنه فيهم.
م: (وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار) ش: كحد السرقة والقذف والقصاص ووجوب الدية م: (ومعنى التناصر موجود في حقهم، وإن لم تكن لهم) ش: أي لأهل الذمة م: (عاقلة معروفة فالدية في ماله) ش: أي في مال الذمي.
م: (في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت، فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار الحرب

(13/376)


الحرب قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه، وتمكنه من هذا القتل ليس بنصرتهم،
ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر، والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا: هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لانقطاع التناصر.
ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقضي على عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الموجب هو الجناية وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة، وصار كما إذا حول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه) ش: وإنما أطلق القتيل ليشمل العمد والخطأ، لأن الدية تجب في ماله سواء كان القتل عمدا أو خطأ، لأن العاقلة لا تعقل جناية وقعت في دار الحرب، وبه صرح الكرخي في " مختصره " في كتاب " السير ".
م: (وتمكنه) ش: أي تمكن أحد التاجرين الداخلين في دار الحرب م: (من هذا القتل) ش: أي من قتل صاحبه م: (ليس بنصرتهم) ش: أي بنصرة أهل الإسلام فلا يعقل عنه أهل الإسلام، بل يجب في ماله.

[لا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافرلعدم التناصر]
م: (ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر) ش: لأن بناء العقل على التناصر، ولا تناصر مع اختلاف الدين م: (والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هكذا عن أبي يوسف م: (لانقطاع التناصر) ش: عند ظهور المعاداة فيما بينهم.

م: (ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة) ش: وفي بعض النسخ: جعل ديوانه، أي بعد القتل م: (ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقضي علي عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية) ش: أي قول زفر رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة م: (لأن الموجب هو الجناية، وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة) ش: الواو للحال م: (وصار كما إذا حول بعد

(13/377)


بعد القضاء ولنا أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة. بخلاف ما إذا قلت العاقلة بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب؛ لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليهم، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء، فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة. ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتلى قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم. وهذا بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضى بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القضاء) .
م: (ولنا: أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء) ش: يعني بخلاف إذا قضي بالدية على عاقلته من أهل الكوفة ثم حول عطاؤه إلى ديوان البصرة كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة لا ينتقل عنهم. م: (لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها) ش: أي لأن الدية م: (تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة) .
م: (بخلاف ما إذا قلت العاقلة) ش: أي العاقلة بموت بعضهم م: (بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب، لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليه، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا) ش: أي على هذا الحكم المذكور م: (لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتل قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم) ش: أي أهل الديوان.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من عدم انتقال العقل عن أهل الكوفة بعد القضاء عليهم إلى أهل البصرة م: (بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضي بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث

(13/378)


سنين ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضى بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضى بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى في أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضى به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء لأنه أيسر.
قال: وعاقلة المعتق قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مولى القوم منهم» .
قال: ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته: لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقد مر في كتاب الولاء:
قال: ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، وتتحمل نصف العشر فصاعدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سنين، ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضي بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضي بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى من أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضي به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء) ش: عليهم، لكن يقضى ذلك إلى الإبل من مال العطايا م: (لأنه أيسر) ش: أي لأن الأداء منه أيسر.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعاقلة المعتق) ش: بفتح التاء م: (قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم) ش: وهذا الاختلاف فيه، ولا يعقل مولى الأسفل من الأعلى، وبه قال أصحاب مالك وأحمد والشافعي في قول: يعقل م: (يؤيد ذلك) ش: أي كون عاقلة المعتق مولاه م: (قوله: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «مولى القوم منهم» ش: هذا الحديث تقدم في الزكاة.

[مولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته؛ لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وأحمد أيضًا، وقال مالك: إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين معهم م: (وقد مر في كتاب الولاء) ش: يعني إذ عقد الموالاة ليس بشيء عند الشافعي.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية وتتحمل نصف العشر فصاعدا) ش: وفي بعض النسخ: وتعقل نصف العشر فصاعدا، وذلك لما قال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن إبراهيم قال: لا تعقل العاقلة في أدنى من الموضحة وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس.

(13/379)


والأصل فيه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» . وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع
قال: وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني، والقياس: فيه التسوية بين القليل والكثير، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء، إلا أنا تركناه بما روينا، وبما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أوجب أرش الجنين على العاقلة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» ") ش: ذكر الأترازي هذا بقوله: وذكر أصحابنا في كتبهم عن ابن عباس إلى آخره. ثم قال: ذكر أبو عبيد هذا الحديث بإسناده إلى الشعبي وجعله من كلامه ولم يذكر قوله ولا ما دون أرش الموضحة، انتهى.
قلت: الموقوف ما ذكر محمد بن الحسن الشيباني فقال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك. وأما المرفوع فغريب وليس في الحديث أرش الموضحة. ولكن أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن النخعي قال: لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، ولا يعقل العمد ولا الصلح ولا الاعتراف.

[أرش الموضحة نصف عشر بدل النفس] 1
م: (وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع) ش: أراد بالفاصل هو الفصل بين أرش الموضحة وبين ما دونه في التحمل وعدمه، وهو عرف بالنص، وهو الذي ذكره ابن عباس، وإبراهيم النخعي والشعبي.

[أرش الجنين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني) ش: أي ما نقص من نصف عشر الدية يكون ذلك في مال الجاني م: (والقياس فيه) ش: أي في العقل م: (التسوية بين القليل والكثير في التحمل، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء) ش: بعدم صدور الجناية عنهم م: (إلا أنا تركناه) ش: أي القياس م: (بما رويناه) ش: أشار به إلى أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرناها في كتاب الجنايات وغيره م: (وبما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أوجب أرش الجنين على العاقلة» ش: وقد تقدم.

(13/380)


وهو نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم، فلهذا كان في مال الجاني أخذا بالقياس.
قال: ولا تعقل العاقلة جناية العبد، ولا ما لزم بالصلح أو باعتراف الجاني لما روينا. ولأنه لا تناصر بالعبد، والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم.
قال: إلا أن يصدقوه؛ لأنه ثبت بتصادقهم، والامتناع كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم. ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا في الجنين أن الأئمة الستة أخرجوه.
م: (وهو) ش: أي فيما دون م: (نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه) ش: أي فيما دون أرش الجنين م: (يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم) ش: أي ضمان المال المتلف بتقويم المقومين م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (كان في مال الجاني أخذا بالقياس) ش: لأن الأصل وجوب ضمان الجناية على الجاني.

[لا تعقل العاقلة جناية العبد]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة جناية العبد) ش: أي جناية العبد بنفسه، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل م: (ولا ما لزم بالصلح) ش: أي في صلح أولياء الجاني مع الجاني لقصور ولاية المصالح م: (أو باعتراف الجاني) ش: أي ولا يلزم العاقلة أيضًا ما يلزم بإقرار الجاني لقصور ولاية المقر عن العاقلة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى ما ذكره محمد بن الحسن عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وقد مر عن قريب. م: (ولأنه) ش: دليل معقول، أي ولأن الشأن م: (لا تناصر بالعبد) ش: لعجزه م: (والإقرار) ش: أي إقرار الجاني م: (والصلح) ش: أي صلح الجاني م: (لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم) ش: أي عن العبد والمقر بالجناية والمصالح.

[أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يصدقوه) ش: العاقلة المقر في إقراره فحينئذ يلزمهم تحمل العقل م: (لأنه ثبت بتصادقهم) ش: أي بتصادق العاقلة م: (والامتناع) ش: أي امتناع الوجوب عليهم م: (كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم) ش: فيصح تصديقهم ويلزمهم.
م: (ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه) ش: أي على المقر م: (بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى) ش: يعني أن البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة فعلى هذا تكون

(13/381)


ولو تصادقا القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم، ولم يكن عليه شيء في ماله؛ لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول، إلا أن يكون له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم.
قال: وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته؛ لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا، وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله؛ لأنه بدل المال عنده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البينة أقوى من الإقرار، ثم الدية في القتل الثابت بالبينة إذا كان خطأ يجب مؤجلة من وقت القضاء لا من وقت الموت، ففي الثابت بالإقرار أولى، لأن الإقرار أدنى من البينة.
م: (ولو تصادقا القاتل وولي الجناية) ش: كذا وقع في بعض النسخ: تصادقا بذكر البينة، وهذا لا يجيء إلا على لغة الحلوى العواصب، وفي عامة النسخ: ولو تصادق القاتل وولي الجناية م: (على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على العاقلة بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم) ش: أي على العاقلة.
م: (ولم يكن عليه شيء في ماله) ش: أي لم يكن على القاتل شيء أيضًا بهذا التصادق م: (لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول) ش: أراد به ما إذا أقر بقتل خطأ حيث يقضى عليه بالدية في ماله، لأن إقراره حجة على نفسه، ويدعي ولي القتيل عليه أيضًا.
وهاهنا فيما نحن فيه لا يدعي ولي القتيل عليه، لأنه تصادق مع القاتل أن الدية على العاقلة وقد قضى بها القاضي عليهم فلا يكون على القاتل شيء م: (إلا أن يكون) ش: استثناء من قوله: ولم يكن عليه شيء. أي إلا أن يكون م: (له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم) ش: فيؤخذ بما أقر على نفسه.

[جنى الحر على العبد فقتله خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته) ش: أي كان العقل وهو الدية. وفي بعض النسخ: كانت أي الدية على عاقلته م: (لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا) ش: أن الوجوب على العاقلة إذا كان القتيل خطأ.
م: (وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله) ش: وبه قال مالك. وفي قوله الثاني: تجب على عاقلته كقولنا، وهو اختيار المزني وقول أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الواجب في القتل م: (بدل المال عنده) ش: أي عند الشافعي.

(13/382)


ولهذا يوجب قيمته بالغة ما بلغت، وما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة؛ لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه: العاقلة تتحمله كما في الحر، وقد مر من قبل. قال أصحابنا: إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال؛ لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله، ووجهه: أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر. وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل.
وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب. فإن عقلوا عنه ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يوجب) ش: أي الشافعي م: (قيمته بالغة ما بلغت) ش: ونحن نقول الواجب فيه الدية لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، م: (وما دون النفس من العبد) ش: إلى آخر كتاب المعاقل، ذكره على سبيل التفريع م: (لا تتحمله العاقلة لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه) ش: أي أحد قولي الشافعي م: (العاقلة تتحمله) ش: أي العاقلة م: (كما في الحر، وقد مر من قبل) ش: أي في أول فصل بعد باب جناية المملوك.
م: (قال أصحابنا: أن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال) ش: بأن كان لقيطا ونحوه وكان مسلما بدليل قوله: م: (لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات) ش: أي القاتل الذي ليس له عاقلة م: (كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال) ش: لأن الغرم بالغنم.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله) ش: روى هذه الرواية محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة وهي رواية أحمد أيضًا، وبالأول قالت الثلاثة م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكر من الرواية الشاذة م: (أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر) ش: عند قوله: وإن كان لأهل الذمة عواقل ... إلى آخره م: (وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب المال على الجاني.

[ابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه]
م: (وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب، فإن عقلوا عنه) ش: أي عن ابن الملاعنة م: (ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم

(13/383)


يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك. وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة، لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته، فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم. وكذلك رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الأمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر أو على عاقلته؛ لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير.
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هاهنا عدة مسائل ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب، فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك) ش: أي يرجعون في ثلاث سنين، وفي " المحيط ": هذا عندهما، وعند أبي حنيفة: يرجعون حالا بما أدوا.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (وإن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة؛ لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم) ش: في ثلاث سنين؛ لأنهم مضطرون، وبقولنا: قال مالك. وعند الشافعي وأحمد: يبطل فلا يحول الولاء.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم إذا كان م: (رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الآمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر) ش: أي إذا ثبت بإقراره (أو على عاقلته) ش: أي إذا ثبت بالبينة م: (لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير) ش: لأن الأصل في وجوب الديات هو الأجل للتيسير إلا إذا ثبتت الدية بالصلح فذلك لا أجل له إلا إذا اشترط.

م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هاهنا عدة مسائل) ش: أي في المعاقل مسائل عديدة م: (ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة) ش: في مواضع لا في موضع

(13/384)


والأصل الذي يخرج عليه أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى قضى بها أو لم يقض، وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك لوقت القضاء، فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية. وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية،
وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحد م: (والأصل الذي يخرج عليه) ش: أي الأصل [الذي] يخرج عليه تلك المسائل م: (أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى) ش: أي عن الجناية الأولى.
م: (قضى بها أو لم يقض) ش: هذا هو الأصل الأول، والأصل الثاني هو قوله: م: (وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني) ش: هذا هو الأصل الثالث م: (ولكن العاقلة تبدلت) ش: بأن كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ثم نقل ديوانه إلى البصرة م: (كان الاعتبار في ذلك) ش: أي في التبدل م: (لوقت القضاء) .
م: (فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية، وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية) ش: نظير الفصل الأول: مولود بين حرة وعبد جنى ثم أعتق أبوه لا تتحول الجناية عن عاقلة الأم. ومن نظيره: إذا أسلم حربي ووالى مسلما ثم جنى جناية عقلت عنه العاقلة التي ولاه، فإن عقلوه عنه أو لم يقض بها حتى أمر به أبوه من دار الحرب فاشتراه رجل فأعتقه فهو حر ولاء أبيه، فصار مولى الموالي ابنه، ولكن لا ترجع عاقلة الذي كان ولاؤه على عاقلة مولى الأب لأنه أمر حادث.
وصورة الفصل الثاني: قتل ابن الملاعنة رجلا خطأ تعقل عنه عاقلة الأم؛ لأن نسبه ثابت من الأم، فإن عقلوا عنه ثم أعاده الأب رجعت عاقلة الأم بما ادعت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب.
ومن نظير الفصل الثالث: ما إذا كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ولم يقض بالدية على عاقلته حتى حول ديوانه إلى البصرة، فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة، وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[العاقلة واحدة فلحقها زيادة أونقصان]
م: (وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده،

(13/385)


إلا فيما سبق أداؤه، فمن أحكم هذا الأصل متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلا فيما سبق أداؤه) ش: يعني لا يشتركون فيه بل يقع ذلك من الذين أدوا أولا قبل ضم أقرب القبائل إليهم م: (فمن أحكم هذا الأصل) ش: حال كونه م: (متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد) ش: أي ومن أضداد هذه المسائل م: (والله أعلم بالصواب) .

(13/386)