البناية شرح الهداية

كتاب الوصايا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الوصايا]
[تعريف الوصايا ومشروعيتها]
م: (كتاب الوصايا)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوصايا ذكرها في آخر الكتاب لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، والموت آخر أحوال الآدمي فناسب ذكرها في آخر الكتب وهو جمع وصية، والوصية والوصايا يقصر اسمان بمعنى المصدر.
وسمي الموصى به وصية أيضًا، قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: 12] (النساء: الآية 12) ، والوصاية بالكسر مصدر لأوصى والإيصاء طلب شيء من غيره ليعقل على عيب منه حال حياته وبعد وفاته. ومعناها في الشرع: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت سواء كان في المنافع أو في الأعيان وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وشرطها: كون الموصي أهلا للتمليك والموصى به من يعد مالا قابلا للتمليك. وشرائطها: كثيرة تأتي في أثناء المسائل.
وركنها: قوله: أوصيت بكذا لفلان وما يجري مجراه من الألفاظ المستعملة فيها. وحكمها: أن يملك موصى له الموصي به ملكا جديدا كما يملك بالهبة، وسببها: سبب التبرعات، والله أعلم.

(13/387)


باب في صفة الوصية ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه قال: الوصية غير واجبة، وهي مستحبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب في صفة الوصية]
[حكم الوصية]
م: (باب في صفة الوصية) م: (ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه) ش: لما كان الكتاب مشتملا على الأبواب، والأبواب مشتملة على الفصول، ذكرها واحدا بعد واحد، أي هذا باب في بيان صفة الوصية إلى آخره.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الوصية غير واجبة وهي مستحبة) ش: إنما قال: مستحبة بعد نفي الوجوب ردا لقول البعض: إنها واجبة لأنه لا يلزم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة وذلك لأن الوصية مشروعة لنا لا علينا، لما روى الطحاوي بإسناده إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله قد جعل لكم ثلث أموالكم، في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم» .
والمشروع لنا لا يكون فرضا ولا واجبا، بل يكون مندوبا. وقال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن الوصية غير واجبة إلا من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد إلا طائفة شاذة فأوجبتها. روي عن الزهري أنه قال: جعل الوصية حقا مما قل أو كثر.
وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية؟ قال: نعم إن ترك خيرا. وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون، وهو قول أصحاب الظواهر. وحكي ذلك عن مسروق [....] وقتادة وابن جريج. وقول بعضهم: هي واجبة في حق الوالدين والأقربين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية: 80) .
قلنا: الآية منسوخة بقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] (النساء: الآية 7) ، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال ابن عمر: نسختها آية المواريث، وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وأكثر أئمة التفسير.

(13/388)


والقياس يأبى جوازها؛ لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف إلى حال قيامها بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك فشرعناه، ومثله في الإجارة بيناه، وقد تبقى المالكية بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز والدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أكثر أصحابنا: نسخت بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» ، هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناده إليه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خطب فقال: «إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» .
وقال الترمذي: حديث حسن، وهو حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول، وقال الأترازي: ونسخ الكتاب بمثله جائز عندنا، وهو حجة على الشافعي حيث يعتقد عدم جواز نسخ الكتاب بالسنة وقد انتسخ بها.
م: (والقياس يأبى جوازها) ش: أي جواز الوصية م: (لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف) ش: أي التمليك م: (إلى حال قيامها) ش: إلى قيام المالكية م: (بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها) ش: أي الوصية م: (لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور أمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات) ش: أي الهلاك والموت، والبيات اسم يعني البيت، وهو أن يأتي العدو ليلا م: (يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط) ش: أي إلى تدارك بعض ما سبق منه من التقصير م: (بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك) ش: أي تلافي بعض ما فرط منه م: (فشرعناه) ش: الشارع شرعها م: (ومثله في الإجارة بيناه) ش: يعني كما أن الوصية لا تجوز في القياس، وتجوز في الاستحسان، فكذلك الإجارة لا تجوز في القياس؛ لأنها تمليك منفعة معدومة، ولكنها جوزت استحسانا دفعا لحاجة الناس.
م: (وقد تبقى المالكية) ش: جواب عن وجه القياس، أي قد تبقى بعض المالكية م: (بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز) ش: أي في تجهيز الميت، فإن قدر تجهيزه على ملك الميت تقدير الحاجة إليه م: (والدين) ش: كذلك؛ لأن قدر ما عليه من الدين لا يملكه الورثة م:

(13/389)


وقد نطق به الكتاب، وهو قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11) . والسنة وهو قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن «الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال حيث أحببتم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وقد نطق به الكتاب) ش: أي وقد نطق بجواز الوصية القرآن م: (وهو قول الله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11)) ش: وكذلك قوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 180) .
م: (والسنة) ش: أي وقد نطقت به السنة أيضًا م: (وهو قول النبي عليه الصلاة السلام: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال: حيث أحببتم» ش: قد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه الطحاوي وأخرجه ابن ماجه أيضًا ولفظه: «تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم» .
وروى الدارقطني بإسناده إلى أبي أمامة عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم» .
وروى أحمد في " مسنده " عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» .
وروى ابن عدي والعقيلي في كتابيهما عن مكحول عن الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله عز وجل قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم زيادة في أعمالكم» ، وإسناده ضعيف.
وروى الطبراني في " معجمه " بإسناده إلى خالد بن عبيد السلمي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله عز وجل أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في

(13/390)


وعليه إجماع الأمة. ثم تصح للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا، وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى. قال: ولا تجوز بما زاد على الثلث لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث، والثلث كثير» ، بعدما نفى وصيته بالكل والنصف، ولأنه حق الورثة، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أعمالكم» ، انتهى.
وانظر التفاوت بين الحديث - الذي ذكره المصنف وبين هذه الأحاديث م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على كونه مشروعا أجمعت الأمة.

[قدر الوصية] 1
م: (ثم تصح) ش: أي الوصية في الثلث م: (للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا) ش: أشار إلى وجه الاستحسان من المنقول والمعقول م: (وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى) ش: أي في فعل الوصية أو في قدر الوصية، أشار بذلك إلى ما قال بعد ورقة بقوله: ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: أي الوصية م: (بما زاد على الثلث) ش: وهذا عند وجود الورثة بإجماع أهل العلم عند عدم إجازة الورثة، ويجوز عند إجازتهم م: (لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث والثلث كثير» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن أبي وقاص قال: «قلت: يا رسول الله: إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالثلثين؟، قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير» .
م: (بعدما نفى) ش: أي بعدما نفى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وصيته) ش: أي وصية سعد م: (بالكل) ش: أي بكل المال م: (والنصف) ش: أي ونصف المال. يدل هذا على عدم الجواز بأكثر من الثلث، وإذا لم يكن له وارث تجوز الوصية بالكل، وبه قال الحسن البصري وشريك القاضي وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعي ومالك وأحمد وابن شبرمة والأوزاعي والحسن بن حي وأبو سليمان وأصحاب الظاهر: ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزائد على الثلث م: (حق الورثة، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه انعقد سبب الزوال إليهم) ش: أي انعقد سبب زوال الملك عنه إلى الورثة؛ لأن المرض

(13/391)


وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به، إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه وأظهره في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما ينفق من الإيثار على ما نبينه. وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبب الموت م: (وهو استغناؤه عن المال) ش: يعني أن الميت لما استغنى عن المال تعلق حق الورثة به ليعود نفعه إلى أقرب الناس منه، وهو معنى قوله: م: (فأوجب تعلق حقهم به) ش: أي بالمال م: (إلا أن الشرع) ش: أي غير أن الشرع م: (لم يظهره) ش: أي لم يظهر الاستغناء م: (في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في وجه الاستحسان.
م: (وأظهره) ش: أي وأظهر الاستغناء م: (في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم) ش: أي على الورثة م: (تحرزا) ش: أي احترازا م: (عما ينفق من الإيثار) ش: أي من إيثار الموصي بعض الورثة على البعض في الوصية لأنه حينئذ يتأذى البعض الآخر فيفضي ذلك إلى قطع الرحم وهو حرام بالنص م: (على ما نبينه) ش: إشارة إلى قوله عند قوله: " بعد هذا " ولا يجوز لوارثه، ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض م: (وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» ش: قال الأترازي: ولنا في صحة هذا الحديث نظر ومع هذا يروى الحيف بالحاء المهملة المفتوحة وبالياء الساكنة يعني الجور. ويروى بالجيم والنون المفتوحتين يعني الميل، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] (البقرة: الآية 182) . وفي الحديث إنما يرد من جنف الظالم ما ... انتهى.
قلت: ذكر الكاكي هذا الحديث وسكت عنه، ولكن قال: روى الجيف بالجيم، وكذلك الأكمل ذكره، ولم أر أحدا منهم حرر هذا الموضع، والحديث لم يثبت، ولهذا قال المخرج: هذا غريب، يعني لم يثبت، ثم أخرج عن الدارقطني من حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الإضرار في الوصية من الكبائر» وأخرجه النسائي موقوفا. وأخرجه عن ابن عدي بلفظ: «الحيف في الوصية من الكبائر» .

(13/392)


وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث. قال: إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه. ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته؛ لأنها قبل ثبوت الحق إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته بخلاف ما بعد الموت؛ لأنه بعد ثبوت الحق، فليس لهم أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش. غاية الأمر أنه يستند عند الإجازة، لكن الاستناد يظهر في حق القائم، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفسروه) ش: أي فسروا الحديث م: (بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث) ش: يعني كون الحيف من الكبائر في هذين الشيئين.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع) ش: استثناء من قوله: ولا يجوز بما زاد على الثلث، أي إلا أن يجيز الوصية بأكثر من الثلث م: (لحقهم) ش: أي لحق الورثة م: (وهم أسقطوه) ش: أي الورثة أسقطوا حقهم عند الإجازة م: (ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته) ش: أي حياة الوصي م: (لأنها) ش: أي لأن الإجازة م: (قبل ثبوت الحق، إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والحسن بن صالح وشريح وطاوس والحكم وأصحاب الظاهر، وروي ذلك عن ابن مسعود، قال ابن أبي ليلى والزهري وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى وربيعة: ليس لهم أن يرجعوا عن الإجازة سواء كان قبل الموت أو بعده.
م: (بخلاف ما بعد الموت) ش: أي بخلاف ما إذا كانت الإجازة بعد الموت حيث لا يكون لهم الرد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع م: (بعد ثبوت الحق فليس لهم) ش: أي الرجوع والنسخة الصحيحة فليس لهم م: (أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش) ش: قال الأترازي: قوله: لأن الساقط مثلا متعلق بقوله فكان لهم أن يردوه. وقال الأكمل: هذا دليل قوله: فكان لهم أن يردوه بعد وفاته، وتقديره لأن إجازتهم في ذلك الوقت كانت ساقطة لعدم مصادفتها محلها، والساقط متلاش، فإجازتهم مثلا شبهة فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازه في حال حياة المورث.
م: (غاية الأمر أنه يستند) ش: هذا جواب عن شبهة ترد على هذا التقرير بأن يقال: كيف تكون إجازتهم في غير محله، مع أن موت الورثة قد تعلق بماله من أول المرض على سبيل التوقف فلما مات ظهر م: (عند الإجازة) ش: صادفت محلها فكانت إجازتهم في حياته سبب الاستناد، وكإجازتهم بعد موته بسبب الاستناد فأجاب بقوله غاية الأمر أنه يستند عند الاستغناء وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند الإجازة قول: يغني ويتلاشى.
م: (لكن الاستناد يظهر في حق القائم) ش: لا التساقط المتلاشي، وهو معنى قوله: م:

(13/393)


قد مضى وتلاشى، ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق. فلو استند من كل وجه ينقلب حقيقة قبله، والرضا ببطلان الحق لا يكون رضا ببطلان الحقيقة، وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه، وكلما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث، والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وهذا قد مضى وتلاشى) ش: فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازوه في حال حياة المورث.
م: (ولأن الحقيقة) ش: دليل آخر أن حقيقة الملك للوارث م: (تثبت عند الموت) ش: أي عند موت المورث م: (وقبله) ش: أي وقبل الموت م: (يثبت مجرد الحق) ش: أي مجرد حق الملك م: (فلو استند) ش: ملكه إلى أول المرض م: (من كل وجه ينقلب) ش: أي الحق م: (حقيقة قبله) ش: أي قبل الموت، وذلك باطل لوقوع الحكم قبل السبب وهو مرض الموت.
وإنما قيد بقوله: من كل وجه دفعا لوهم من يقول: حق الوارث يتعلق بمال المورث من أول المرض حتى يمنع ذلك التعلق تصرف المورث في الثلثين بالمرض ببطلان الحق، هذا جواب عما يقال: الإجازة إسقاط من الوارث لحقه برضاه، فصار كسائر الإسقاطات، وفيها لا رجوع، فكذا هذا.
وتقرير الجواب أن يقال أن: م: (الرضا ببطلان الحق) ش: بعد أن عرف أن ثمة حقا وحقيقة م: (لا يكون رضا ببطلان الحقيقة) ش: لأنه رضي ببطلان الحق لا ببطلان الحقيقة، والرضا ببطلانها يستلزم وجودها، ولا وجود لها قبل التثبت وهو مرض الموت.
م: (وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه) ش: وهو أن لا يجوز إجازة الوارث قبل موت الموصي وتجوز بعده م: (وكل ما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي) ش: بكسر القاف وفتح الباء م: (عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، إيضاحه: إذا أوصى بجميع ماله، فأجازت الورثة كان تمليكا من الميت، كذلك الوصية للوارث وعند الشافعي يكون هبة من الوارث إن بقيت وإلا بطلت، وبه قال أحمد في رواية، واختاره المزني، وبه قال بعض أصحابنا: مالك وأصحاب الظاهر، ولكن الصحيح من مذهب الشافعي وأحمد ومالك كقولنا، وهو قول جمهور العلماء.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": ثمرة الخلاف تظهر في اشتراط القبول والقبض والتسليم من الوارث لملك المجاز له عندهم شرط كالهبة المبتدأة، وعندنا ليس بشرط.
م: (والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي) ش: وهو أنه عقد على ملك نفسه مع

(13/394)


والإجازة رفع المانع وليس من شرطه القبض. فصار كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن. قال: ولا تجوز للقاتل عامدا كان أو خاطئا بعد أن كان مباشرا. لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا وصية للقاتل» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعلق حق الغير ما إذا أسقط الغير حقه بعد العقد من جهته كما لو أوصى وعليه دين فأبرأه الغريم م: (والإجازة رفع المانع) ش: هذا جواب عن جعل الإجازة خارجا عن الملك، يعني أن الإجازة ليست بسبب للخروج عن الملك، وإنما هو رفع المنافع عن ثبوت الملك، والحكم يضاف إلى السبب لا لإزالة المانع.
م: (وليس من شرطه) ش: أي من شرط إزالة المانع م: (القبض) ش: وهذا رد لكونها هبة كما قال الشافعي، فكأنه يقول: لو كان هبة لكان القبض شرطا وهو ممنوع م: (فصار) ش: ما نحن فيه م: (كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن) ش: في كون السبب صدر من الراهن والملك للمشتري يثبت من قبله وإجازة المرتهن رفع المانع وكالمؤجر يبيع المستأجر فيجيره المستأجر.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: الوصية م: للقاتل) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهو قول الثوري أيضًا. وقال الشافعي في الأظهر ومالك وأبو ثور وأحمد في المنصوص: فيصح.
وقال الأترازي: وعن الشافعي ثلاثة أقوال: في قول: لا يصح، وفي قول: فرق بين الوصية للخارج وبين الخارج بعد الوصية له، فإنه مستعجل لحقه كالإرث كذا في " وجيزهم " م: (عامدا كان أو خاطئا) ش: يعني سواء كان قتل القاتل عمدا كان أو خطأ. وفي بعض النسخ: عامدا أو خاطئا، وكذا في نسخة شيخي العلاء م: (بعد أن كان مباشرا) ش: إنما قيد بالمباشرة؛ لأنه إذا لم يكن مباشرا لا يتعلق به حرمان الميراث وبطلان الوصية كما في حافر البئر وواضع الجمر في غير ملكه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ولا وصية للقاتل» .
ش: قال الأترازي: ولنا ما قال محمد في الأصل: بلغنا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه لم يجعل للقاتل ميراثا، وعن عمر مثله، وعن علي في " الأسرار " وغيره أنه قال: لا وصية لقاتل، ولا مخالف له فحل محل الإجماع. وروي عن عبيدة السلماني في كتب التفاسير أنه قال: لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة.
فإن قلت: المصنف ذكر الحديث مرفوعا فما للأترازي ذكره عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - موقوفا.

(13/395)


ولأنه استعجل ما أخره الله تعالى فيحرم الوصية كما يحرم الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز للقاتل، وعلى هذا الخلاف إذا أوصى لرجل ثم إنه قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده: لا تبطل. والحجة عليه في الفصلين ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: روى الدارقطني في " سننه " عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للقاتل وصية» . ثم قال الدارقطني: مبشر متروك يضع الحديث. وقال صاحب " التنقيح ": قال أحمد: مبشر بن عبيد أحاديثه موضوعة كذاب.
قلت: فكذلك اقتصر الأترازي على الموقوف.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القاتل م: (استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية) ش: فيحرم على صيغة المجهول، والوصية منصوب؛ لأنه مفعول ثابت بقي على حاله، فالأول: قام مقام الفاعل. وكذلك الميراث منصوب في قوله: م: (كما يحرم الميراث) ش: أي كما يحرم القاتل عن ميراث الذي قتله.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز) ش: أي الوصية م: (للقاتل) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ذكرنا م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي م: (إذا أوصى لرجل ثم إنه) ش: أي إن الرجل الموصى له م: (قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده) ش: أي عند الشافعي م: (لا تبطل والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (في الفصلين) ش: أي فيما كان القتل قبل الوصية أو بعدها.
م: (ما بيناه) ش: وفي بعض النسخ: ما قلناه، وهكذا في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي من الحديث المذكور، فإنه بإطلاقه لا يفصل بين تقدم الجرح على الوصية وتأخره عنها، وما قاله عن المعقول الذي ذكره واعترفوا عليه بأنه صحيح إذا كان القتل بعد الوصية، فأما إذا كان الجرح قبلها فلا استعجال ثمة.
وأجيب: يجعل الجارح مستعجلا وإن تقدم جرحه على الوصية كما ذكر شيخ الإسلام أن المعتبر في كون الموصي له قاتلا أو غير قاتل لجواز الوصية وفسادها يوم الموت لا يوم الوصية، فالنظر إلى وقت الموت كان الوقت مؤخرا عن الوصية. وقال الأكمل: واعترض نقض

(13/396)


ولو أجازتها الورثة جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنات باقية والامتناع لأجلها. ولهما: أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها للقاتل كما لا يرضونها لأحدهم. قال: ولا تجوز لوارثه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه؛ ألا لا وصية لوارث» ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم. ولأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إجمالي بأن ما ذكرتم لو صح بجميع مقدماته لما أعتق المدبر إذا قتل مولاه أن التدبير وصية، ولكن لا يصح للقاتل.
أجيب: بأن عتقه من حيث إن موته جعل شرطا لعتقه، وقد وجد ذلك. ولكن يسعى المدبر في جميع قيمته؛ لأن تعذر الرد من حيث الصورة لوجود شرط العتق الذي لا يقبل الرد، فيرد من حيث المعنى بإيجاب السعاية.
م: (ولو أجازتها الورثة) ش: أي ولو أجاز الورثة الوصية للقاتل م: (جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنايته باقية، والامتناع) ش: أي الامتناع من الجواز م: (لأجلها) ش: أي لأجل الجناية.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها) ش: أي المرتد تل كما لا يرضونها لأحدهم) ش: أي لأحد الورثة، وهي الوصية لأحدهم إذا أجاز البقية نفذت. وكذا القاتل.
فإن قيل: ما الفرق بينهما وبين الميراث إذا جازت الوصية حيث صحت الوصية دون الميراث؟
أجيب: بأن الإجازات تصرف من العبد فيعمل فيما كان من جهة العبد والوصية من جهة العبد فيعمل بخلاف الميراث، فإنه من جهة الشرع لا منع للعبد فيه فلا يعمل فيه فلا تصرف للعبد.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز لوارثه) ش: أي لا تجوز الوصية من المورث لوارث م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي وقد ذكرناه في أوائل الكتاب.
م: (ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم، ولأنه) ش: أي باختيار

(13/397)


حيف بالحديث الذي رويناه، ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت.
والهبة من المريض للوارث في هذا نظير الوصية: لأنها وصية حكما حتى تنفذ من الثلث، وإقرار المريض للوارث على عكسه؛ لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البعض في الإيصاء له بشيء م: (حيف) ش: أي جور م: (بالحديث الذي رويناه) ش: وهو قوله فيما مضى عن قريب قد جاء في الحديث «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» م: (ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت) ش: وفائدته تظهر فيمن أوصى لأخيه، ولا ابن له، ثم ولد له ابن فمات الموصي تصح الوصية، ومن أوصى لأخيه وله ابن ثم مات الابن فمات الموصي تبطل الوصية.
وفي " قاضي خان ": أوصى لثلاث إخوة متفرقين وله ابن جازت الوصية لهم بالسوية لأنهم لا يرثون مع الابن، وإن كان له بنت مكان الابن جازت الوصية لأخ لأب ولأخ لأم، ولا تجوز لأخ لأب وأم لأنه يرث مع البنت، وإن لم يكن له ابن ولا بنت الوصية كلها للأخ لأب؛ لأنه لا يرثه وتبطل الوصية لأخ لأب وأم، ولأخ لأم لأنهما يرثانه، وكذا لو مات الابن والبنت.

[الهبة من المريض للوارث]
م: (والهبة من المريض للوارث في هذا) ش: أي في هذا الحكم م: (نظير الوصية) ش: أي لأن الهبة والتذكير باعتبار الوصية م: (لأنها وصية حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (حتى تنفذ من الثلث) ش: يعني كما أن في الوصية للوارث يعتبر كونه وارثا وقت الموت فكذلك في هبة المرتهن مرض الموت للورثة يعتبر كونه وارثا بعد الموت؛ لأن هبته جعلت وصية من حيث الحكم بدليل أنها تنفذ من الثلث إذا كانت للأجنبي فالوصية للأجنبي فنفذ من الثلث، فكانت الهبة تمليكا مضافا إلى بعد الموت.
م: (وإقرار المريض للوارث على عكسه) ش: أي على عكس الحكم في الهبة، يعني يعبر كونه وارثا عند الإقرار لا عند الموت م: (لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار) ش: لا وقت الموت، ولهذا لو أقر في مرض الموت لأجنبي بدين يصح من جميع المال، وذكر في " النهاية " أن اعتبار وقت الإقرار دون الموت ليس على إطلاقه، بل ذلك إذا كان كونه وارثا بسبب حادث، وأما إذا كان كونه وارثا بسبب كان وقت الإقرار فيعتبر كونه وارثا وقت الموت أيضًا، ثم بين ذلك في مريض أقر لابنه العبد فأعتق فمات الأب صح الإقرار؛ لأن وراثته تثبت بسبب حادث وهو الإعتاق، وقبله كان عبدا أو كسب العبد لمولاه، فهذا إقرار في المعنى حصل للمولى وهو أجنبي فلا تبطل بصيرورة الابن وارثا بسبب حادث. ولو أقر لأخيه وله

(13/398)


قال: إلا أن يجيزها الورثة. ويروى هذا الاستثناء فيما رويناه. ولأن الامتناع لحقهم فتجوز بإجازتهم. ولو أجاز بعض، ورد بعض تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد.
قال: ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الأخ وارثا بطل إقراره عندنا لأنه لما كان وارثا بسبب قائم وقت الإقرار تبين أن إقراره حصل لوارثه، وذلك باطل، انتهى.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أرى أن إطلاق المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغني عن ذلك التطويل وذلك لأنه قال: يعتبر إقرار المريض كونه وارثا عند الإقرار، والعبد ليس بوارث عند الإقرار لكونه محروما فلا يكون إقرارا للوارث وكلامه منافيا والأخ ليس بمحروم، فيكون وارثا عند الإقرار، وإن كان محجوبا والإقرار للوارث باطل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة) ش: هذا استثناء من قوله: ولا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها الإيصاء للورثة، فحينئذ يصح.
وقال المصنف: م: (ويروى هذا الاستثناء) ش: أي الاستثناء الذي ذكره القدوري م: (فيما رويناه) ش: أي في الحديث الذي رويناه، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث إلا أن يجيزها» .. " رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا. قال الكاكي: ورواه عن ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، أي رواه الدارقطني أيضًا هكذا عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال الأترازي: وفيه نظر، وسكت، ولم يبين وجه النظر، فكأنه رأى في موضع أن هذا ضعيف فاقتصر على ما قاله.
قلت: لفظ الدارقطني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: في خطبة يوم النحر: «لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة» ، وفي إسناده حبيب بن الشهيد، قال ابن عدي بعده: أرجو أن حبيب بن الشهيد مستقيم الرواية.
م: (ولأن الامتناع لحقهم) ش: أي امتناع الوصية لحق الورثة م: (فتجوز بإجازتهم) ش: لعدم المانع م: (ولو أجاز بعض) ش: أي بعض الورثة م: (ورد بعض) ش: أي لم يجز م: (تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد) ش: لعدم رضاه.

[وصية المسلم للكافر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم) ش: أراد بالكافر الذمي لا الحربي؛ لأن الحربي لا يجوز له الوصية على ما يأتي.

(13/399)


فالأول لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] [الممتحنة: الآية 8] . والثاني: لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات. وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] .
قال: وقبول الوصية بعد الموت فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالأول:) ش: هو وصية المسلم للكافر م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] م: [الممتحنة: الآية 8] ) ش: لأنهم إذا لم يخرجوكم من دياركم ولم يؤذوكم فهذا بر منهم، فالعدل معهم أن تبروهم أنتم أيضًا بحسن المعاشرة والصلة بالمال، كذا في التفسير، والوصية لهم بالمال من العين، فكانت جائزة.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " نكت الوصايا ": وروي عن صفية بنت حيي زوجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصت بثلث مالها لأخيها وهو يهودي، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروا عليها.
م: (والثاني:) ش: وهو وصية الكافر للمسلم م: (لأنهم) ش: أي أن أهل الذمة م: (بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات) ش: وهذا لا خلاف فيه لأهل العلم. وأما وصية المسلم لأهل الحرب فقد أشار إليه بقوله: م: (وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال مالك وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي: يجوز م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] ) ش: {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] قالوا في " شرح الجامع الصغير ": ما يدل على الجواز. وذكر محمد في " السير الكبير " ما يدل على جواز الوصية لهم.
ووجه التوفيق بين الروايتين: أنه لا ينبغي أن يفعل، وإن فعل ثبت الملك لهم لأنهم من أهل الملك، وأما وصية الحربي بعدما دخل دارنا بأمان فإنها جائزة؛ لأن له ولاية تمليك ماله في حياته، فكذا بعد وفاته على أنه لا فرق بين وصيته بالثلث وبجميع ماله؛ لأن منع المسلم في ذلك منهي عما زاد على الثلث لحق ورثة المسلمين؛ لأنه معصوم عن الإبطال، وورثة الحربي ليس كذلك.

[الوصية بعد الموت]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وقبول الوصية بعد الموت، فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو

(13/400)


ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد. قال: ويستحب أن يوصي الإنسان دون الثلث، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء؛ لأن في التنقيص صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة. ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا: إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد) ش: ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق غدا على ألف فالقول والرد منها يعتبر بعد مجيء الغد.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث -، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء) ش: ولا يعلم فيه خلاف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لأن تدع ورثتك أغنياء» ... ) الحديث.
وعن أبي بكر وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنهما قالا: لأن يوصى بالخمس أحب إلي من أن يوصى بالربع، ولأن يوصى بالربع أحب إلي من أن يوصى بالثلث م: (لأن في التنقيص) ش: أي من الثلث م: (صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة) ش: لأن الموصي إذا استوفى تمام حقه الذي هو الثلث لا يبقى له منة على ورثته، ولا إيثار بالصلة.
م: (ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا:) ش: أي المشايخ م: (إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ش: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولفظه: - «إن أفضل الصدقة» .... ".

(13/401)


ولأن فيه رعاية حق الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم، فالوصية أولى: لأنه يكون صدقة على الأجنبي، والترك هبة من القريب، والأولى أولى لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى. وقيل في هذا الوجه: يخير الموصي لاشتمال كل منهما على فضيلة، وهو الصدقة والصلة فيخير بين الخيرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال " عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال: "الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ، انتهى.
والكاشح الذي يخفي عدوانه في كشحه، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع، وإنما الصدقة عليه أفضل لما فيه من مخالفة النفس وقهرها. وكذلك في ذي الرحم الصديق. ثم اعلم أن الأفضل أن يجعل وصية لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء، وعليه أهل العلم.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف فيه بين العلماء. وعن طاوس والضحاك: تنتزع من الغير وترد إلى قرابته. وعن الحسن وجابر بن زيد: يعطى الثلث للغير ويرد الباقي إلى قرابته.
م: (ولأن فيه) ش: أي في ترك الوصية إذا كانت الورثة فقراء م: (رعاية حق) ش: النفس م: (الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم) ش: من الإرث م: (فالوصية أولى؛ لأنه يكون صدقة) ش: أي لأن الإيصاء بالثلث حينئذ بمنزلة الصدقة م: (على الأجنبي، والترك) ش: أي ترك الوصية بالثلث يكون م: (هبة من القريب، والأولى أولى) ش: أي الصدقة على الأجنبي أفضل م: (لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى) ش: لأنها صدقة في حياته.
م: (وقيل في هذا الوجه:) ش: وهو ما إذا كانت الورثة أغنياء يستغنون بنصيبهم م: (يخير الموصي لاشتمال كل منهما) ش: أي من الوصية والترك م: (على فضيلة وهو) ش: أي اشتمال الفضيلة م: (الصدقة) ش: في حق الأجنبي م: (والصلة) ش: في حق الورثة، فإذا كان كذلك م: (فيخير بين الخيرين) ش: بكسر الخاء، يعني بين الخيارين. وفي " شرح الطحاوي " الأفضل لمن كان له مال قليل أن لا يوصي بشيء إذا كانت له ورثة، والأفضل لمن كان له مال كثير أن لا يجاوز الثلث فيما لا معصية فيه.
وفي " خلاصة الفتاوى " عن الإمام الفضلي: إذا كانت الورثة صغارا فترك الوصية أفضل، قال: هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن كانوا بالغين إن كانوا فقراء ويستغنون بثلثي التركة فالوصية أفضل.
وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة

(13/402)


قال: والموصى به يملك بالقبول، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة لما أنه انتقال ثم الإرث يثبت من غير قبول، فكذلك الوصية. ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله. أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام، فثبت جبرا من الشرع من غير قبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آلاف. وفي الموضع الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالقرابة، فإن كانوا أغنياء فالجيران.

[الموصى به يملك بالقبول]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الموصى به يملك بالقبول) ش: يملك على صيغة المجهول، وبه قال جمهور العلماء: إذا كانوا بالغين يمكن القبول منه.
أما إذا كان لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصره كبني هاشم أو على مصلحة مسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت؛ لأن الوصية لهم كالوقف عليهم م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: فإن عنده لا يتوقف على القبول م: (وهو) ش: أي قول زفر م: (أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول غير مشهور عنه.
م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة) ش: أي لأن كل واحد من الوصية والميراث خلافة بعد الموت م: (لما أنه انتقال) ش: أي لما أن كل واحد من الإرث والوصية انتقال المال م: (ثم الإرث يثبت من غير قبول) ش: فلا يرتد بالرد م: (فكذلك الوصية) .
م: (ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب) ش: يعني لو أوصى بجميع ماله لإنسان ثم باع شيئا من التركة ووجد المشتري به عيبا لا يرده على الموصى له. ولو كان ثبوت الملك للموصى له بطريق الخلافة لثبتت ولاية الرد في الصورتين جميعا، كما في الوارث م: (ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله) ش: ورضاه.
ألا ترى أنه لو أوصى بثلث تراب في داره، فلو ملكه الموصى له من غير رضاه للحقه ضرر بفعل الموصي؛ لأنه يلزمه نقله من بيته وهو لا يجوز؛ وذلك لأن نفوذ الوصية لمنفعة الموصى له ولو أثبتنا الملك له قبل قبوله لربما تضرر، فإنه لو أوصى له بعبد أعمى وجب عليه نفقة بلا منفعة تعود إليه، وأمثال هذا كثيرة.
م: (أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام) ش: أشار به إلى قوله: ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد بالعيب م: (فثبت) ش: أي الخلافة في الميراث م: (جبرا من الشرع من غير قبول) ش: الوارث، أي من غير اختيار منه شيئا أو أبى، وفي الوصية للموصى له الخيار

(13/403)


قال: إلا في مسألة واحدة وهي: أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصى به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك موقوف على القبول. فصار كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع. وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة. قال: ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه فرض والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء؛ لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية على الحد المشروع لحاجته إليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، ولهذا يرتد بالرد، ولما ارتدت بالرد وافقت على القبول كالبيع والهبة. ثم القبول على ضربين قبول بالصريح وقبول بالدليل، فالصريح أن يقول بعد موت الموصي: قبلت، والدليل أن يموت الموصى له قبل القبول والرد بعد موت الموصي، فيكون موته قبولا لوصيته، ويكون ذلك ميراثا لورثته.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا في مسألة واحدة) ش: هذا استثناء من قوله: "والموصى به يملك بالقبول " يعني في المسألة المستثناة يملك بدون القبول م: (وهي أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصي به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك) ش: أي ملك الموصي م: (موقوف على القبول) ش: وقد فات القبول بالموت فبطلت الوصية م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع) .
م: (وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه) ش: لأن موته بلا رد دليل القبول، نظيره م: (كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة) ش: فإن البيع يتم وتكون السلعة موروثة عن المشتري، فكذا هنا يكون الوصية موروثة عن الموصى له.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه) ش: أي فإن الدين م: (فرض) ش: أي أداؤه م: (والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء) ش: أي أصحاب الديون م: (لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية) ش: حينئذ م: (على الحد المشروع) ش: وهو الوجه الذي ذكره، وهو أن الورثة إما أن يكونوا فقراء أو أغنياء م: (لحاجته إليها) ش: أي لحاجة الموصي الميت إلى الوصية.
وقال الزمخشري: إنما قدم الوصية على الدين في قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]

(13/404)


قال: ولا تصح وصية الصبي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح إذا كان في وجوه الخير؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(النساء: الآية 11) ، مع أن الدين مقدم شرعا، لما أن الوصية مشابهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، فكان إخراجها مما يشق على الورثة ولا يطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط. بخلاف الدين، وإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فكذلك قدمت على الدين بعثا على المسارعة إلى إخراجها ووجوبها مع الدين، وكذلك جنى بكلمة أو لتسوية بينهما في الوجوب.

[الوصية من المجنون والصبي]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية الصبي) ش: سواء مات قبل الإدراك أو بعده وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: وأصحاب الظواهر، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح) ش: أي وصية الصبي م: (إذا كان في وجوه الخير) ش: وبه قال مالك وأحمد وهو قول الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عيينة. وقال ابن الجلاب البصري المالكي في كتاب " التفريع ": وصية الصبي المميز جائزة، وقال الغزالي في "وجيزه ": ولا تصح الوصية من المجنون والصبي الذي لا يميز، وفي الصبي المميز قولان.
م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم) ش: روى مالك في " الموطأ " عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أنه قيل لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن هاهنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال، وليس له هاهنا إلا ابنة عم له فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فليوص لها، فأوصى لها بماء يقال له: بئر جشم، قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فبيعت بثلاثين ألف درهم. وابنة عمه هي: أم عمرو بن سليم.
ورواه عبد الرزاق في " مصنفه"، - أخبر سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن عمرو بن سليم الغساني أوصى وهو ابن عشر أو ثنتي عشرة ببئر له قومت بثلاثين ألفا فأجاز عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصيته. وقال البيهقي: عمرو بن سليم لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إلا أنه منتسب لصاحب القصة.
قوله: " يفاع " بفتح الياء آخر الحروف وبالفاء المخففة وبعد الألف عين مهملة. وفي " الجمهرة ": غلام يفع ويافع ويفعة وقد أيفع يوفع إيفاعا إذا تحرك وشب. والجمع أيفاع، ويفاع

(13/405)


ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى. ولو لم تنفذ يبقى على غيره. ولنا: أنه تبرع، والصبي ليس من أهله، ولأن قوله غير ملزم، وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله، والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا، أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته كما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قطعة من الجبل والعلة إيفاء فوقع عما حولها. وقال الكاكي: غلام يفاع بمعنى يافع، وجمعه يفعان، ولا يقال: صبي ولا يوفع، وهو من النوادر.
قلت: ذكر في كتاب " خلق الإنسان " عن أبي عبيد: قال بعضهم: الحرور واليافع والمترعرع واحد. وإذا لم يبلغ الصبي الحلم قيل: غلام يافع وجمعه أيفاع. وقال أبو عبيد: قال الكسائي: وهو على غير قياس، والقياس أن يقال: يوفع، ويقال: غلام يفعه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن إيصاء الصبي م: (نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى) ش: أي القرب إلى الله تعالى والدرجة العليا م: (ولو لم تنفذ) ش: إيصاؤه م: (يبقى) ش: ماله م: (على غيره) ش: أي على غير الصبي، ولو نفذت يبقى ماله على نفسه حيث يكون له الثواب بالوصية بماله فكانت الوصية أولى.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن إيصاءه م: (تبرع، والصبي ليس من أهله) ش: أي من أهل التبرع، ولهذا لا يملك التبرع بماله في حال الحياة بالإجماع بالهبة أو الصدقة، فكذلك لا يملكه بطريق الوصية أيضًا قياسا على الإعتاق.
م: (ولأن قوله غير ملزم. وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله) ش: لأن الوصية لازمة بعد الموت م: (والأثر) ش: أي الأثر الذي روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا) ش: أي: من حيث المجاز، يعني: كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير مثله يسمى بالغا مجازا تسمية للشيء باسم ما كان عليه م: (أو كانت وصيته) ش: جواب ثان عن الأثر المذكور، أي: أو كانت وصية يفاع المذكور م: (في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته) ش: هذا جواب عن قوله: ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى م: (كما بيناه) ش: أي عن قريب من قوله: وإن كانت الورثة فقراء ... إلى آخره.
وقال الأترازي: وفي الجواب عن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تخبيط جواب المشايخ، وبين ذلك بالجوابين اللذين ذكرهما المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وفيهما نظر عندي؛ لأنه صرح الراوي بأنه أوصى لابنة عم له بمال، فكيف يسمي ذلك وصيته تجهيز نفسه. وكيف

(13/406)


والمعتبر في النفع والضرر النظر إلى أوضاع التصرفات لا إلى ما يتفق بحكم الحال اعتبره بالطلاق فإنه لا يملكه ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال: يحتمل أنه كان أدرك، لكن سمي غلاما مجازا لأنه صح في رواية الحديث: أنه كان غلاما محتلم، انتهى.
قلت: نسبة التخبيط في هذا إلى نفس الأمر إلى المصنف؛ لأن الوجهين المذكورين هو الذي ذكرهما. وأجاب الأكمل عنه بقوله: بأن قوله: "كان غلاما محتلم "، يعني اليافع حقيقة، فيجوز أن يكون الراوي نقله بمعناه. وقوله: " أنه أوصى لابنة عم له بماله " لا ينافي أن يكون فيما يتعلق بتجهيزه ودفنه، انتهى.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجواب الصحيح - وطول فيه -، وملخصه: أن من أدرك عصر الصحابة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي يعتد بخلافه في إجماع الصحابة حتى لا يتم إجماعهم مع خلافه، ثم روى أصحابنا في كتبهم عن الشعبي والنخعي والحسن أنهم قالوا: لا تجوز وصية المراهق، فبطل الاحتجاج بالإجماع؛ لأنه لا إجماع للصحابة مع خلافهم، فبقي تعليل الصحابي، وهو ليس بواجب عند الخصم فكيف يحتج به على غيره، انتهى.
والجواب الصحيح ما قاله الطحاوي، والاحتجاج بهذا الأثر لا يصح من الشافعي لأنه مرسل؛ لأن رواية عمرو بن سليم وهو ممن لم يلق عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبلغ من هذا ما قاله ابن حزم أن هذا الأثر لم يصح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وخالفه - ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو أيضًا مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الآية، فإنها تدل على أن الصبي ممنوع من ماله. وفي " المبسوط ": والمرسل وإن كان مقبولا عندنا لكنه خالف عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث» ... " الحديث، قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن المراد بالقلم التكليف، وما نحن فيه فليس منه، فليتأمل. م: (والمعتبر في النفع والضرر) ش: هذا تنزل في الجواب كأنه يقول: سلمنا أن الوصية يحصل الثواب دون تركها، لكن المعتبر به في النفع والضرر م: (النظر إلى أوضاع التصرفات) ش: يعني يعتبر في التصرفات أصل الوضع لا الأحوال، والوصية في أصل الوضع مزيل للملك، وقد يقع النفع فيها في بعض الأحوال، وقد لا يكون فيه نفع كأن أوصى لفاسق ينفق ذاك المال في الفسق، وهذا إعانة على المعصية لا ينبغي في نيل الزلفى م: (لا إلى ما ينفق بحكم الحال) ش: يعني لا النظر إلى ما يتفق بحكم الحال من العوارض اللاحقة م: (اعتبره) ش: أي اعتبر ما ذكرنا م: (بالطلاق؛ فإنه) ش: أي فإن الصبي م: (لا يملكه) ش: أي لا يملك طلاقه وإن طلق م: (ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال) ش: أي: ولا يملك وصيته أيضًا وإن نصب مانعا

(13/407)


وكذا إذا أوصى ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة. وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان، وصية لقصور أهليته، فلا يملكه تنجيزا وتعليقا كما في الطلاق والعتاق. بخلاف العبد والمكاتب؛ لأن أهليتهما مستتمة، والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه.
قال: ولا تصح وصية الكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع. وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في بعض الأحوال بأن يطلق امرأة معسرة شرعا ويتزوج بأختها الموسرة الحسنى، أو يطلقها بأن كانت زانية سليطة ويتزوج بالصالحة؛ لأن ذلك من العوارض والوصية في الأصل تبرع، والصبي ليس من أهله.
م: (وكذا إذا أوصى) ش: أي الصبي بوصية م: (ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة) ش: أي وقت مباشرة الوصية م: (وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان وصية) ش: لا يجوز م: (لقصور أهليته، فلا يملكه) ش: أي الإيصاء م: (تنجيزا وتعليقا) ش: أي: من حيث التنجيز كما في الوجه الأول، ومن حيث التعليق كما في الوجه الثاني م: (كما في الطلاق والعتاق) ش: حيث لا يملكهما تنجيزا ولا تعليقا.
م: (بخلاف العبد والمكاتب) ش: يعني: إذا قال العبد أو المكاتب: إذا أعتقت فثلث مالي وصية يصح م: (لأن أهليتهما مستتمة) ش: أي تامة م: (والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه) ش: أي سقوط المانع.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية المكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع) ش: ولهذا لا يصح عتقه وهبته م: (وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها) ش: أي: قياسا لهذه المسألة م: (إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما أستقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه) ش: أي: من باب الحنث في تملك المكاتب والمأذون في أيمان " الجامع الكبير " وما عرف ثمة هو أن المكاتب إذا قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فعتق فملك لم يعتق عند أبي حنيفة، وعتق عندهما.
لهما: أن ذكر الملك إلى ملك الظاهر للإعتاق، وهو ما بعد الحرية، ولأبي حنيفة أن للمكاتب وعين من الملك أحدهما إلى ظاهر، وهو ما قبل العتاق، والثاني: غير ظاهر وهو ما بعد العتاق فيضرب اليمين الظاهر دون غير الظاهر.

(13/408)


قال: وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية. أما الأول فلأن الوصية استخلاف من وجه؛ لأنه يجعله خليفة في بعض ماله، والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته، إلا أنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك. بخلاف الهبة لأنها تمليك محض ولا ولاية لأحد عليه ليملكه شيئا. وأما الثاني: فلأنه بعرض الوجود إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية، وبابها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الوصية للحمل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية للحمل) ش: مثل أن يقول: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة م: (وبالحمل) ش: كما إذا أوصى بما في بطن جاريته ولم يكن من المولى م: (إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية) ش: أراد أنه إذا علم أنه ثابت موجود في البطن وقت الوصية له أو به، ومعرفة ذلك بأن جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية على ما ذكره الطحاوي واختاره المصنف وصححه الأسبيجابي في " شرح الكافي " من وقت موت الموصي على ما ذهب إليه الفقيه أبو الليث - رحمة الله عليهم -، واختاره " صاحب النهاية ".
م: (أما الأول) ش: وهو الوصية للحمل م: (فلأن الوصية استخلاف من وجه) ش: دون وجه م: (لأنه يجعله خليفة في بعض ماله) ش: بعد موته إلا أنه يملكه في الحال م: (والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته) ش: أي لأن الوصية أخت الإرث إلا أنه جواب عما يقال: لو كانا أختين لما جاز ردها كما لم يجز رده، وتقرير الجواب هو قوله: م: (إلا أنه) ش: أي أن فعل عقد الوصية أو الإيصاء م: (يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك) ش: دون الميراث تقدم ذلك فيه. م: (بخلاف الهبة) ش: متصل بقوله: وتجوز الوصية بالحمل، يعني: أن الهبة بالحمل لا تصح م: (لأنها) ش: أي لأن الهبة م: (تمليك محض) ش: والجنين ليس بصالح لذلك م: (ولا ولاية لأحد عليه) ش: أي على الجنين م: (ليملكه شيئا) ش: لأنه لا حاجة له قبل الانفصال.
م: (وأما الثاني) ش: وهو الوصية به م: (فلأنه) ش: أي الحمل م: (بعرض الوجود) ش: أي بعرضية الوجود م: (إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية) ش: فإن وضع المسألة فيما إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو الموت، وبذلك يعلم وجوده وقت الوصية لا محالة، ولقائل أن يقول: في كلام المصنف تناقض ظاهر؛ لأنه لا يعلم وجود شيء إلا بعد أن يصير موجودا، وإذا كان موجودا، لا يكون بعرض الوجود.
والجواب: أن معنى قوله "بعرض الوجود": بعرض وجود يصلح الورود القبض عليه، ومعنى قوله: إذا علم وجوده حقيقة، وكونه في بطن الأم فاندفع التناقض م: (وبابها) ش: أي

(13/409)


أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا تصح في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى. قال: ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء؛ لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا، فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها. ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه، إذ لا فرق بينهما، وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه وقد مر في البيوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باب الوصية م: (أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تصح) ش: أي الوصية م: (في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى) ش: إيضاح ذلك فيما قاله الكرخي في "مختصره " في رجل أوصى له بثمرة بستان وهو يخرج من الثلث ثم مات، فإن أبا حنيفة قال في ذلك: إن كان فيه ثمرة فليس له إلا تلك الثمرة، وإن لم يكن فيه ثمرة [ ... ] ثمرته أبدا من الثلث.
إن أوصى بغلته فله غلته أبدا من الثلث؛ لأن الغلة على الأبد والثمرة على القائمة بعينها ليس له غيرها. وإن كان البستان ليس له مال غيره وأوصى بغلته لرجل أبدا وفيه ثمرة أو ليس له فيه ثمرة فهو سواء، له ثلث الثمرة التي فيه، وثلث ما يستقبل من ثمره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء) ش: يعني تكون الجارية للموصى له بها، ويكون الحمل للورثة م: (لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا) ش: أي من حيث اللفظ، ومن حيث اللغة؛ لأنه لا يفهم منها فإذا كان كذلك صح إقرار الأم بالإيصاء باستثناء الحمل م: (ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم أن اسم الجارية لا يتناول الحمل، فإنه لو لم يبين استحقه للوصي له. ولو لم يتناول لما استحقه كغيره من أمواله.
وتقرير الجواب بأنه يستحق الحمل بالإطلاق، يعني لم يتناول بالعموم، بل يستحق إذا أطلق الموصي عن قيد الإفراد.
م: (فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها) ش: يعني إذا أفرد الأم لم يبق مطلقا بل تقيدت الأم بالإفراد فصحت الوصية بها لا مفردة م: (ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه) ش: ولهذا لو قال: لفلان علي ألف درهم إلا قفيز حنطة صح الاستثناء وإن كان صدر الكلام لا يتناولها م: (إذ لا فرق بينهما) ش: أي بين صحة إفراد العقد عليه، وبين الاستثناء؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بكونه معلوما م: (وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه) ش: كما في شراء جارية وإلا حملها م: (وقد مر في البيوع) ش: أي في باب البيع الفاسد.

(13/410)


قال: ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه تبرع لم يتم فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة. ولأن القبول يتوقف على الموت، والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع. قال: وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الرجوع عن الوصية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء. وفي بعض النسخ: لأنها، فلا يحتاج إلى التأويل م: (تبرع لم يتم) ش: لأنه مضاف إلى ما بعد الموت، والتبرع النافذ وهو الهبة يحتمل الرجوع، فالمضاف أولى واجتمع أهل العلم على جواز الرجوع للموصي في جميع ما أوصى كله أو بعضه م: (فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة) ش: أي قد حققنا هذا في كتاب الهبة، إلا أن الكلام في الإعتاق إذا أوصى به فالأكثرون على جواز الرجوع في الوصية، وهو قول الأئمة الأربعة وعطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة وإسحاق وأبي ثور. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يعين الرجل ما شاء من وصيته، ولم يعلم له مخالف حل الإجماع. وعن الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي: يعين منها ما شاء إلا العتق.
م: (ولأن القبول) ش: في الوصية م: (يتوقف على الموت) ش: أي موت الموصي م: (والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع) ش: فإنه يجوز فيه رجوع البائع قبل قبول المشتري.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صرح بالرجوع) ش: بأن قال: رجعت من وصيتي لفلان م: (أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا) .
ش: وفي " الذخيرة ": الرجوع ثلاثة أنوع: أحدهما استهلاك الموصي به حقيقة أو حكما كما أوصى بثوب فقطعه وخاطه قميصا أو بقطن فغزله ونسجه، أو بحديدة فصنعها سيفا فهذه التصرفات، استهلاك حكما، ألا ترى أن حق المغصوب منه ينقطع بهذه التصرفات ونوع من ذلك أن يخلطه بغيره خلطا، أي لا يمكن التمييز أصلا كالسويق إذا لته بسمن ونوع من ذلك أن يحدث نقصانا فيه حتى خرج عن هيئة الادخار والبقاء إلى يوم الموت بأن كان شاة فذبحها.
وأما الرجوع ضرورة بأن يتغير الموصى به ويتميز اسمه؛ لأنه لا يبقى بهذا موصى به بذلك إلى يوم الموت، كما لو أوصى بحنطة فهبت الريح في طاحونة فصارت دقيقا قبل موت الموصي بطلب الوصية أو أوصى بالكفوى في نخلة فصارت رطبا، أو أوصى بعنب فصار زبيبا، أو أوصى ببيض فحضنت دجاجة عليها فأخرجت فراريج بطلت الوصية.
ولو كان التغير في هذه المسألة بعد موت الموصي قبل قبول الوصية أو بعده لا تبطل الوصية؛ لأن التغير حصل بعد تمام الوصية فلا يوجب بطلانها.

(13/411)


أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار، فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة. ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك، فإذا فعله الموصي كان رجوعا وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب، وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به ولا يمكن تسليم العين إلا بها فهو رجوع إذا فعله، مثل السويق يلته بالسمن، والدار يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به، والبطانة يبطن بها، والظهارة يظهر بها؛ لأنه لا يمكنه تسليمه بدون الزيادة ولا يمكنه نقضها؛ لأنه حصل في ملك الموصي من جهته، بخلاف تجصيص الدار الموصى بها وهدم بنائها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة) ش: أي وكذا الرجوع بالدلالة م: (لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله: قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار) ش: للمشتري، فإنه إذا فعل فعلا مما يدل على إبطال خياره تبطل.
م: (فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة) ش: كما يبطل بالصريح م: (ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك) ش: نحو قطع الثوب وخياطته بعد قصه، فإنه يضمن قيمته وينقطع حق المالك عنه م: (فإذا فعله الموصي) ش: أي فإن فعل هذا الفعل الذي ينقطع به حق المالك م: (كان) ش: فعله هذا م: (رجوعًا) ش: عن الوصية.
م: (وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب) ش: الأفاعيل جمع فعل على غير القياس. وكأنه جمع أفعولة كأنه كالأباطيل جمع باطل. وفي الحقيقة كأنه جمع أبطولة.
م: (وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به) ش: بحيث لا يمكن تمييزها م: (ولا يمكن تسليم العين إلا بها) ش: أي إلا بتلك الزيادة م: (فهو رجوع) ش: عن الوصية م: (إذا فعله) ش: أي إذا فعل ذلك الفعل ثم ذكر لها صور بقوله م: (مثل السويق يلته بالسمن) ش: أي يخلطه.
م: (والدار) ش: أي ومثل الدار الموصى بها م: (يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به) ش: أي مثل قطن الموصي به يحشو به جبة ونحوها م: (والبطانة) ش: أي ومثل البطانة الموصى بها م: (يبطن بها , والظهارة) ش: أي ومثل الظهارة الموصى بها م: (يظهر بها) ش: أي يجعلها تحت الظهارة م: (لأنه لا يمكنه) ش: أي لا يمكن م: (تسليمه) ش: أي تسليم شيء من هذه الأشياء.
م: (بدون الزيادة) ش: وهو ظاهر م: (ولا يمكنه نقضها) ش: أي ولا يمكن نقض هذه الأشياء م: (لأنه حصل في ملك الموصي) ش: وتصرف في ملكه م: (من جهته) ش: لا من جهة غيره.
م: (بخلاف تجصيص الدار الموصى بها) ش: أي تبيضها بالجص م: (وهدم بنائها) ش: حيث

(13/412)


لأنه تصرف في التابع، وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع. كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه؛ لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضا. وغسل الثوب الموصى به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا. قال: وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا. كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك. وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، لا يكون رجوعا عندنا، وعند الأئمة الثلاثة يكون رجوعا؛ لأنه تصرف أوجب بغير الموصى به، ودليلنا هو قوله: م: (لأنه تصرف في التابع) ش: وهو البناء والتصرف في التابع لا يدل على إسقاط الحق على الأصل في التجصيص؛ لأنه بناء، والبناء تبع.
وكذا لو غسل الثوب الموصي به م: (وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع) ش: عن الوصية. م: (كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه) ش: أي فيما وهبه؛ لأن البيع والهبة أوجبا زوال ملكه، فمحال أن تبقى الوصية معه م: (لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه) ش: أي لأن ذبحه م: (للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضًا) ش: أراد بهذا المعنى هو التصرف لحاجته.
م: (وغسل الثوب الموصي به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا) ش: أي فكان تقريرا، أي فكان غسل الثوب الموصى به تقريرا للوصية. وفي وجه للشافعية يكون رجوعا، وهذا هو الأقرب؛ لأن التعليل المذكور ضعيف؛ لأن من أراد أن يوصي ثوبا جديدا ويعطي الآخر ثوبا جديدا لا يغسله عادة على ما لا يخفى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا، كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال.
م: (والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك) ش: يعني أن الجحود لما كان نفيا في الماضي والانتفاء في الحال ضروري، فيكون النفي في الماضي تضمنا للانتفاء في الحال ضرورة م: (وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا) ش: لكونه كاذبا جحوده أن الفرض أنه أوصى ثم جحد وكان النفي في الماضي باطلا، فيبطل ما هو من ضرورة وهو الانتفاء في الحال. فكان الجحود لغوا.

(13/413)


أو لأن الرجوع إثبات في الماضي ونفي في الحال، والجحود نفي في الماضي والحال فلا يكون رجوعا حقيقة، ولهذا لا يكون جحود النكاح فرقة. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا. لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل. بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة. لأنه الذاهب المتلاشي ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا: لأن التأخير ليس للسقوط كتأخير الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعلم أن القدوري لم يذكر الخلاف في " مختصره" في هذا المسألة ولم يذكر خلاف محمد أيضًا في كتبه، ولكن جعل الجحود رجوعا في كتاب الوصايا ولم يجعله رجوعا في " الجامع الكبير "، فمن هذا اختلف المشايخ فيه، فمنهم من قال: في المسألة روايتان، ومنهم من قال: ما ذكره في " الجامع " جواب القياس.
وما ذكره في كتاب الوصايا جواب الاستحسان " كذا ذكر الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير ".
م: (أو لأن الرجوع) ش: دليل آخر، أي ولأن الرجوع عن الوصية م: (إثبات في الماضي) ش: أي إثبات الوصية في الماضي م: (ونفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال م: (والجحود نفي في الماضي والحال جميعا فلا يكون رجوعا حقيقة) ش: للمنافاة بين الإثبات والنفي م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الجحود نفيا في الماضي والحال.
م: (لا يكون جحود النكاح فرقة) ش: أي طلاقا؛ لأن الطلاق يعني في الحال دون الماضي. وقال الأكمل: لا يكون جحود النكاح فرقة يعني مستعارا للطلاق، لأن الجحود يقتضي عدم النكاح في الماضي، والطلاق يقتضي وجوده فكانا متقابلين فلا يجوز استعارة أحدهما للآخر.
م: (ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا) ش: هذه المسألة مع ما بعدها إلى الباب من مسائل " الجامع الكبير " لا مسألة تأخير الوصية م: (لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل) ش: يعني وصف الوصية بأنها حرام اقتضى ربا يقتضي كون أصل الوصية باقيا؛ لأنه لا وجود للصفة بدون قيامها بالموصوف، فلما اقتضى الوصف بقاء الأصل لم يكن الوصف بالحرمة أو الربا دليل الرجوع.
م: (بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي باطلة دليل الرجوع م: (لأنه الذاهب المتلاشي. ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا) ش: أي ولو قال: كل وصية أوصيت بها أخرتها لا يكون رجوعا عن الوصية م: (لأن التأخير ليس للسقوط) ش: يعني لا يدل على السقوط م: (كتأخير الدين) ش: فإنه لا يسقط به.

(13/414)


بخلاف ما إذا قال: تركت؛ لأنه إسقاط. ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان، فهو لفلان كان رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة. بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر؛ لأن المحل يحتمل الشركة واللفظ صالح لها. وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول لما بينا. ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه. ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها؛ لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قال: تركت) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها تركت م: (لأنه) ش: أي لأن الترك م: (إسقاط) ش: ألا ترى أنك لو قلت لرجل لك عليه دين: تركت عليك ديني كان تركا م: (ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان، كانت رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة) ش: قيل لأنه لم يذكر بينها حرف الاشتراك، وإنما جعل تلك الوصية بعينها لغيره.
م: (بخلاف ما إذا أوصى به لرجل، ثم أوصى به لآخر) ش: بأن قال: أوصيت بهذا العبد لهذا الرجل. ثم قال: أوصيت به لهذا الرجل ولرجل آخر لا يكون رجوعا م: (لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها) ش: لأنه يجوز أن يجتمع حقان في عبد واحد.
م: (وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي م: (يكون رجوعا عن الأول لما بينا) ش: أشار به إلى التعلل المذكور بقوله لأن اللفظ يدل على قطع الشركة إلى آخره م: (ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه) ش: وهو أن يكون للوارث إذا أجازها الورثة، وإن لم تجز الورثة يكون ميراثا.
م: (ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها) ش: يعني لو قال كل وصية أوصيت بها لفلان الآخر حين أوصى له ميتا لم يصح الرجوع؛ لأنه لم يصح النقل عن الوصية الأولى لأن الوصية للميت باطلة، فصار كأنه لم يوص لأحد بعد الوصية الأولى م: (لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة) ش: أي لورثة الموصي م: (لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع) ش: أي برجوع الوصي عنها م: (والثانية بالموت) ش: أي بموت الموصى له الثاني قبل موت الموصي م: (والله أعلم بالصواب) .

(13/415)