البناية شرح الهداية

باب الوصية بثلث المال قال: ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه عند عدم الإجازة على ما تقدم، وقد تساويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما. وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل، وسهمان لصاحب الأكثر. وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الوصية بثلث المال]
[أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجزالورثة]
م: (باب الوصية بثلث المال)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية بثلث المال.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه) ش: أي على الثلث م: (عند عدم الإجازة على ما تقدم) ش: من عدم الجواز بأكثر من الثلث م: (وقد تساويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو الإيصاء فالثلث بينهما م: (فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما) ش: أي بين الموصى لهما بالثلث.
م: (وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي) ش: من أدليت الدلو في البئر إذا أرخيته فيها م: (بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل) ش: أي لصاحب القليل.
م: (وسهمان لصاحب الأكثر، وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما) ش: اعتبارا لعدم حالة الإجازة بحالة الإجازة، وفيها تصح المسألة من أربعة؛ لأنهما يقولان بطريق القول.
وفي المسألة الثلث ولكل واحد يخرج له ثلث صحيح ثلاثة، وكذا عما يدعي عليه. وهو واحد والموصى له بالكل يدعي جميع الثلاثة فتؤول إلى أربعة. وكذا إذا لم يجيزوا يجعل الثلث لجميع المال في حق القسمة، وإذا صار الثلث إلى أربعة فجميع المال اثنا عشر.

(13/416)


وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة. لهما في الخلافية: أن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفضيل، وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث) ش: الحاصل أن عند أبي حنيفة: لا يضرب الموصى له عند عدم الإجازة بأكثر من الثلث، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وعندهما: يضربون بعدد سهامهما في الثلث عند عدم الإجازة، وبه قالت الأئمة الثلاثة والحسن الثوري والنخعي وابن أبي ليلى وإسحاق.
م: (إلا في المحاباة) ش: صورتها عبدان لرجل قيمة أحدهما ألف ومائة، وقيمة الآخر ستمائة وأوصى بأن يباع أحدهما لفلان بمائة، والآخر لفلان بمائة، فإن حصلت المحاباة لأحدهما بألف وللآخر بخمسمائة والكل وصية؛ لأنه في حال المرض، فإن لم يكن غيرهما ولم يجز الورثة جازت المحاباة بقدر الثلث، فتكون بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بألف بحسب وصيته وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته وهي بخمسمائة، فلو كان هذا كسائر الوصايا - على قول أبي حنيفة -: وجب أن لا يضرب الموصى له بألف في أكثر من خمسمائة.
م: (والسعاية) ش: صورتها أن يوصى بعتق عبدين قيمة أحدهما ألف، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرها إذا أجازت الورثة عتقا جميعا، وإن لم يجيزوا من الثلث وثلث ماله ألف فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان ويسعى في الباقي، والثلث للذي قيمته ألف ويسعى في الباقي.
م: (والدراهم المرسلة) ش: أي المطلقة هي أن يوصى لرجل بألفين ولآخر بألف درهم وثلث ماله ألف درهم ولم يجز الورثة، فإنه يكون بينهما أثلاثا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لجواز أن يكون له مال آخر يخرج هذا القدر من الثلث، ولا كذلك فيما إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصف ماله، أو بجميع ماله لأن اللفظ في مخرجه لم يصح؛ لأن ماله أكثر وخرج له مال آخر يدخل فيه تلك الوصية ولا مخرج من الثلث.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية م: (أن الوصي قصد شيئين الاستحقاق) ش: فيما زاد على الثلث على الورثة م: (والتفضيل) ش: أي تفضيل بعض أهل الوصايا على بعض م: (وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها) ش: وهما السعاية والدراهم المرسلة.

(13/417)


وله: أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال، فتبطل أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع. بخلاف مواضع الإجماع؛ لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة، فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه. وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته وقيمته تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق تعلق بعين التركة، بدليل أنه لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال) ش: لأن الوصية فيما زاد على الثلث؛ لأنه لا يملك ذلك عند عدم إجازة الورثة.
م: (فتبطل) ش: أي الوصية م: (أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه) ش: أي يبطل الفضل ببطلان الاستحقاق؛ لأنه إذا بطل الاستحقاق بطل فيما ضمنه م: (كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع) ش: إذا صح البيع صحت المحاباة وإذا بطلت بطلت م: (بخلاف مواضع الإجماع) ش: يعني المحاباة وصية.
م: (لأن لها) ش: أي الوصية م: (نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة) ش: فيجوز خروج الألف من الثلث يكون المال كثيرا بالاكتساب قبل الموت، فيخرج هذه الوصايا من الثلث، وهو معنى قوله، م: (فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه) ش: وهو ما إذا أوصى بجميع المال لواحد والآخر بالثلث حيث لا يصح؛ لأن ماله وإن كثر لا يخرج ذلك من الثلث، فعلم أن الوصية لم تصح في مخرجه.
م: (وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته) ش: هذا صورة نقض ترد على المسائل المجمع عليها، وهو أنه إذا أوصى بعين من التركة مثل عبد أو فرس له أو ثوب مثلا م: (وقيمته تزيد على الثلث فإنه) ش: أي فإن الموصى له م: (يضرب بالثلث) ش: ولا يضرب بأكثر منه.
م: (وإن احتمل أن يزيد المال) ش: باكتساب هذا العبد مالا فتصير رقبته مساوية لثلث المال، أو يظهر له مال بحيث يصير العبد ثلث المال م: (فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق) ش: أي حق الموصى له م: (تعلق بعين التركة؛ بدليل أنه) ش: أي عين التركة م: (لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة) ش: وحق الورثة أيضًا يتعلق بعين التركة فيما زاد

(13/418)


تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة. قال: وإذا أوصى بنصيب ابنه فالوصية باطلة. ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز؛ لأن الأول وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت، والثاني وصية بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الأول أيضا، فنظر إلى الحال، والكل ماله فيه. وجوابه ما قلنا.
قال: ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الثلث، فتبطل التركة م: (تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين مات تعلق به حق الورثة) ش: فلا يلزم بطلانه؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة، ولهذا ضرب الموصى له في الثلث بما زاد على الثلثين.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أوصى بنصيب ابنه) ش: أي وإن أوصى م: (فالوصية باطلة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي وأحمد، وهذا إذا كان الابن موجودا، وإن لم يكن له ابن صحت م: (ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز) ش: وفي بعض النسخ وإن أوصى م: (لأن الأول) ش: وهو الذي أوصى بنصيب ابنه م: (وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت) ش: أي بعد موت الموصي.
م: (والثاني) ش: وهو الوصية بمثل نصيب ابنه م: (وصيته بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز) ش: سواء كان له ابن أو لم يكن.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز في الأول أيضًا) ش: رواه الحسن بن زياد عنه م: (فنظر إلى الحال) ش: أي بالنظر إلى حال الوصية. وفي بعض النسخ: ينظر إلى الحال، أي حال الوصية، فإن المال سهم في ذلك الحال لكونه حيا بعد، وهو معنى قوله: م: (والكل ماله فيه) ش: أي مال الموصي، فينصرف فيه كيف شاء م: (وجوابه) ش: أي جواب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قلنا) ش: وهو قوله: لأن الأول وصيته بمال الغير.

[أوصى بسهم من ماله]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة) ش: المراد بأخس الأنصباء أقلها م: (إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه) ش: أي على السدس م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية، ومالك في قول. وقال بعض أصحاب مالك: يعطى له الثمن. وقال أحمد في رواية: يعطى لهم سهم مما يصح منه الفريضة، وهذا قول شريح.
م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (له) ش: أي للموصى له

(13/419)


مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا، لا سيما في الوصية والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالسهم من ماله م: (مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة) ش: وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاء، ولأن ذلك يقع عليه السهم، كما لو أوصى بخبز أو حنطة م: (لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا لا سيما في الوصية) ش: لأن الوصية أخت الميراث م: (والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة) .
ش: قال الكاكي: اعلم أن نسخ شروح " الجامع الصغير " و" المبسوط " لم يذكر قوله: إلا أن ينقص عن الثلث فيتم له، بل قال فيها: فله أحسن سهام الورثة، ولا يزاد على السدس إلا أن يجيزه الورثة، فكذا في غيره.
وعلى رواية " شروح الجامع ": ينقص عن السدس ولا يزاد على السهم، فعلم أن هذا سهو وقع من المكاتب وجعل حكم الأفضل حكم الجامع، وعن هذا ألحق لهذا الوضع الإمام جلال الدين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد طول الأترازي هنا بالنقل عن الكتب، فقال محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة قال: إذا أوصى لرجل بسهم من ماله ثم يموت فله مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون ذلك أكثر من السدس فيكون له السدس.
وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون أكثر من الثلث ولا يجوز له إلا الثلث إلا أن يسلم الورثة، هذا لفظ محمد في أصل " الجامع الصغير ". وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو حنيفة: إذا أوصى بسهم من ماله فإنه يزاد على سهام الورثة أحسن أنصبائهم، فيعطى الموصى له ما لم يجاوز السدس، فإن جاوزه لم يزد عليه، قال هذا رواية الأصل. وفي " الجامع الصغير ": لم ينقص عن السدس إلى هنا لفظ: " التقريب ".
وقال الطحاوي في "مختصره ": ومن أوصى لرجل بسهم من ماله فإن أبا حنيفة كان يقول: إن كانت الفريضة أقل من ستة أسهم كان له السدس، وإن كانت الفريضة أكثر من ستة أسهم كان له أحسن سهام الورثة.
وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل أحسن سهام الورثة في هذه الوجوه كلها ما لم يجاوز ذلك الثلث، فإن جاوز الثلث جاز له منه الثلث، ولم يجز له سواه، انتهى. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو أوصى بسهم من ماله فعند أبي حنيفة ينظر إلى سدس جميع المال، وإلى آخر بسهام الورثة أيهما كان أقل فله ذلك.

(13/420)


وله: أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيان هذا إذا كانت الفريضة من أربعة أو من ثلاثة فالسدس أقل من أخس سهام الورثة فيعطى إياه. ولو كانت الفريضة أكثر من ستة فلا يعطى له السدس، وإنما يعطى له أخس سهام الورثة.
وعند أبي يوسف ومحمد: يعطى أخس سهام الورثة في الأحوال كلها إلا إذا جاوز أخس سهام الثلث، فحينئذ يعطى له الثلث ولا يعطى الأخس. وكذلك هذا الاختلاف فيمن أقر بسهم من داره لفلان عند أبي حنيفة يقع ذلك على سدس داره. وعندهما السير إلى المقر، وكذلك لو أعتق سهما من عبده عند أبي حنيفة يعتق سدسه.
وعندهما: يعتق كله؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ، كذا في " شرح الطحاوي ". وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ": وحامله أن السهم اسم السدس عند السدس عند أبي حنيفة وعندهما اسم للجزاء من حصة الورثة من غير تقدير بالسدس، انتهى.
وقال الأكمل: واعلم أن عبارة المشايخ والشارحين في هذا الموضع اختلفت اختلافا كثيرا لا نكاد نعلم منه شيئا. وسبب ذلك اختلاف رواية " المبسوط " و" الجامع الصغير ". وفي " الكافي ": فعلى رواية " الجامع الصغير " جوز أبو حنيفة النقصان من السدس ولم تجز الزيادة على السدس ولم يجز النقصان عن السدس.
ورواية المصنف مخالف كل واحد منها؛ لأن قوله إلا أن ينقص من السدس فيتم له السدس ليس في رواية " المبسوط ". وقوله: ولا يزاد عليه ليس في رواية " الجامع الصغير "، فإما أنه اطلع على رواية غيرهما، وإما أنه جمع بينهما، انتهى.
قلت: وبهذا يجاب عن قولة الكاكي: إن هذا سهو وقع من الكاتب كما ذكرناه الآن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه محمد في الأصل عن عبد الله بن مسعود: أنه سئل عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال: له السدس.
م: (وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي) ش: أي وقد رفع هذا الحديث عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفيما يروي وهو على بناء الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى ابن مسعود، وقد رفع المرفوع البزار في " مسنده " والطبراني في "معجمه الأوسط " عن محمد بن عبد الله العرزمي عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود «أن رجلا

(13/421)


ولأنه يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس، ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا. قالوا: هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء. قال: ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم البيان.
قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس، أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة فله ثلث المال ويدخل السدس فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أوصى لرجل بسهم من ماله فجعل له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس.» وقال: أبو قيس ليس بالقوي، وقد روى عنه شعبة والثوري والأعمش وغيرهم، واسم أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، وذكره، عبد الحق في "أحكامه " من جهة البزار، وقال: العرزمي متروك.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن السهم م: (يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس) ش: وإياس هو ابن معاوية بن قرة القاضي بالبصرة، ولاه عمر بن العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومات سنة اثنين وعشرين ومائة، وهو من كبار التابعين، وهكذا قال الحسن والثوري. م: (ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا) ش: وهو السدس. م: (قالوا) ش: أي المشايخ في شروح " الجامع الصغير " م: (هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء) ش: لأنه لا يراد به نصيب أحد الورثة ولا السدس. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة) ش: أي جهالة الموصى به م: (لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم) ش: أي فإلى الورثة م: (البيان) ش: وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " نكت الوصايا ": وإذا أوصى بجزء من ماله أو بنقص من ماله فللورثة أن يعطوا ما شاءوا. وكذا إذا أوصى بحظ من ماله.

م: (قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة، فله ثلث المال ويدخل السدس فيه) ش: أي في الثلث؛ لأن الكلام الثاني يحتمل أنه أراد به زيادة السدس على الأول حتى يتم له الثلث، ويحتمل أنه أراد إيجاب ثلث على السدس، فيجعل كلامه في السدس. تكرارا حملا لكلامه على المتيقن وعلى ما يملك الإيصاء به

(13/422)


ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة.
قال: ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما مشترك بينهم، والمال المشترك يتوى ما توي منه على الشركة، ويبقى ما بقي عليها. وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة. ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد، ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو الثلث.
وقيل: إنما قال: وجازت الورثة لدفع وهم، وهو أن يقال: ينبغي للموصى له نصف المال؛ لأن الثلث مع السدس، نصف المال، وفيه نوع تأمل.
م: (ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة) ش: أي كون المال غير الأول معلوم في استعمال أهل اللغة، يقال جاءني زيد، ثم يقال: أكرمت زيدا، أي ذلك بعينه، وهذا البحث قرر كما ينبغي في موضعه.

[أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي) ش: ومعنى قوله: وهو يخرج من ثلث ماله، أي ثلث الباقي بعد هلاك الثلثين يخرج من ثلث بقية مال الموصي.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهالك والباقي م: (مشترك بينهم) ش: أي بين الورثة وبين الموصى له م: (والمال المشترك يتوى ما توي منه) ش: أي ما هلك من مال مشترك م: (على الشركة، ويبقى ما بقي عليها) ش: أي على الشركة. م: (وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة) ش: فهلك بعضها فالذي يبقى على الشركة، وهو القياس، وبه قال أبو ثور وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو قياس قول مالك؛ لأنه يعتبر قدر المال حال الوصية لا الموت، وبقولنا قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال الأترازي: وبقول زفر نأخذ.
م: (ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد) ش: أي يمكن جمع حق شائع لكل واحد في فرد م: (ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع) ش: أي والحال أن فيه

(13/423)


والوصية مقدمة، فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم، بخلاف الأجناس المختلفة؛ لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا. فكذا تقديما.
قال: ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب. قالوا: هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم. وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها؛ لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة. ولو أوصى بثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي. وكذا الدور المختلفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجمع، أي في القسمة على تأويل الأقسام م: (والوصية مقدمة) ش: أي على الميراث م: (فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم) ش: يعني إذا أوصى بالدرهم الواحد، وله ثلاث دراهم فهلك اثنان فله الدرهم الباقي بالاتفاق.
م: (بخلاف الأجناس المختلفة) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا كانت الشركة أجناسا مختلفة، ووجهه ما قاله م: (لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا) ش: يعني من حيث الجبر، فإنه إذا تركها يطلب بعض الورثة القسمة، وأبى الباقون، فإن القاضي لا يجبرهم على القسمة.
م: (فكذا تقديما) ش: أي فكذا لا يمكن من حيث تقديم الوصية على الميراث؛ لأنه إذا قدر الجمع قدر التقديم؛ لأن فيه الجمع فيبقى الكل مشتركا بين الورثة والموصى أثلاثا، فما هلك هلك على الشركة، وما بقي بقي عليها أثلاثا.

[أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم) ش: يعني يستحق جميع الثوب الباقي إذا كان يخرج من الثلث كالدرهم الباقي م: (وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها) ش: أي بمنزلة الدراهم، فيكون له جمع الباقي. م: (لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة) ش: أي من حيث إن القاضي يجبر فيه بالقسمة. م: (ولو أوصى ثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي) ش: لكثرة التفاوت، ولهذا لا يصح التوكيل بشراء عبد بغير عينه إذا لم يبين الثمن م: (وكذا الدور المختلفة) ش: لأنها كالأجناس المختلفة لكثرة التفاوت بين الدارين في المنفعة في الضيق وفي السعة قريب الماء وبعيده والأمن وجنس الجيران ونحو ذلك، فكانت ملحقة بالأجناس المختلفة، فكان للموصي له ثلث الباقي، هكذا أجاب محمد في " الجامع الصغير " في الدور والرقيق بلا خلاف.

(13/424)


وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده لأنه لا يرى الجبر على القسمة فيها. وقيل: هو قول الكل؛ لأن عندهما للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك يتعذر الجمع، والأول أشبه للفقه المذكور. قال: ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس، فيصار إليه. وإن لم يخرج دفع إليه ثلث الدين، وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن للعين فضلا عن الدين؛ ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده) ش: أي هذا الجواب في الرقيق والدور المختلفة إذا بقي واحد وهو أن يقال: لا يكون له ثلث الباقي، وهو قول أبي حنيفة خاصة. وعندهما: له جميع الباقي م: (لأنه) ش: أي لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يرى الجبر على القسمة فيها) ش: أي في الدور والرقيق.
م: (وقيل: هو قول الكل) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك) ش: أي بدون اجتهاد القاضي وجمعه م: (يتعذر الجمع) ش: أي جمع نصيب أحدهم في العبد الواحد والدار الواحدة، وإذا هلك لم يكن لذلك فعل من القاضي، فكان المال على الشركة يأتي وما هلك م: (والأول) ش: وهو أن يكون في المسألة اختلاف م: (أشبه للفقه المذكور) ش: وهو أن أبا حنيفة لا يرى الجبر على القسمة في الرقيق والدور المختلفة؛ لأنه يجعلها أجناسا مختلفة، وهما بزمان ذلك؛ لأنهما يجعلانها جنسا واحدا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين ودفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس) ش: أي نقصان م: (فيصار إليه) ش: لأن الأصل في الشركاء أن يوفى حق كل واحد من غير إيقاع بخس في حق الآخر م: (وإن لم يخرج) ش: أي الألف من ثلث العين م: (دفع إليه ثلث الدين وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن العين فضلا عن الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال) ش: ولهذا لو حلف لا مال له وله ديون على الناس لا يحنث؛ لأن الدين م: (إنما يصير مالا عند الاستيفاء) ش: لأنه وصف ثابت في الذمة م: (فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه) ش: أي النظر في حق الموصى له والورثة بإيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس في حق الآخر، وهو أن لا

(13/425)


قال: ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها، كما إذا أوصى لزيد جدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم بموته فله نصف الثلث؛ لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو، فكان راضيا بكل الثلث للحي.
وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو وزيد ميت كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل واحد منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم، ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث.
ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث، قال: ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يختص الموصى له بالعين إذا لم يخرج الثلث من العين.

[أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد) ش: سواء علم بموت عمرو أو لم يعلم،. وبه قال الشافعي في قول، وأحمد وإسحاق والبصريون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (كما إذا أوصى لزيد جدار) ش: أو حمار يكون الوصية لزيد، والإضافة إلى الحمار أو الجدار لغو.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم) ش: أي الموصي م: (بموته) ش: أي بموت عمرو م: (فله) ش: أي فلزيد الذي هو حي م: (نصف الثلث) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، ومالك؛ لأن بين الاشتراك فلا يصرف إلى الحي إلا نصف الثلث.
م: (لأن الوصية عنده) ش: أي عند الموصي م: (صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو فكان راضيا بكل الثلث للحي، وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو، وزيد ميت، كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم) ش: حيث يستحق الموصى له جميع الثلث لعدم المزاحمة م: (ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث، ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث) .
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له) ش: أي والحال أن لا مال له وقت الوصية م: (واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد

(13/426)


استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا، ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه إيجاب بعد الموت، فيعتبر قيامه حينئذ. وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح؛ لأنها لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه، وهذا لأن وجوده قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت. ولو قال: له شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة، إذ ماليتها توجد في مطلق المال. ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله ولا غنم له قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها تعتبر صورة الشاة ومعناها، وقيل: تصح لأنه لما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت ويثبت حكمه بعد) ش: أي بعد الموت م: (فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك الحكم إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن الوصية عقد استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت.
م: (ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه) ش: أي أن الوصية على تأويل الإيصاء م: (إيجاب بعد الموت فيعتبر قيامه حينئذ) ش: أي قيام ما أوصى به عند الموت م: (وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ: وإن الوصية باطلة.
وقال الفقيه أبو الليث: هذا القول ليس بصحيح عندنا؛ لأنه أضاف الوصية إلى غنم مرسل بغير تعيين، فصار بمنزلة إضافته إلى ثلث المال م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه) ش: أي نوع المال.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن وجوده) ش: أي وجود المال م: (قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت) ش: لما مر غير مرة م: (ولو قال: له) ش: أي لفلان م: (شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه) ش: أي لأن الموصي م: (لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة؛ إذ ماليتها توجد في مطلق المال) .
م: (ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله) ش: بأن لم يقل: من مالي م: (ولا غنم له، قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها) ش: أي بدون الإضافة إلى المال م: (تعتبر صورة الشاة ومعناها) ش: لأن الشاة اسم للصورة والمعنى، ولم يوجد فلا يصح م: (وقيل: تصح لأنه لما

(13/427)


ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية. ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم؛ بخلاف ما إذا أضافه إلى المال، وعلى هذا يخرج كثير من المسائل. قال: ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق سهمان، وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة، لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان نجد ذلك في القرآن، فكان من كل فريق اثنان، وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية) ش: أي مطلق المالية، فيعطى له شاة أو قيمة شاة.
م: (ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم، بخلاف ما إذا أضافه إلى المال) ش: بأن قال: له شاة من مالي ولا غنم له حيث يعطى شاة لما مر م: (وعلى هذا يخرج كثير من المسائل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط " بقوله: لو قال له قفيز حنطة من مالي أو ثوب من مالي فإنه يصح الإيجاب، وإن لم يكن ذلك في ماله، بخلاف ما إذا قال: من حنطتي أو من ثيابي، فإنه إذا لم يوجد ذلك في ملكه أو هلك قبل موته فلا شيء للموصى له، وعلى هذا كله عرض من ماله.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق) ش: يعني من الفقراء والمساكين م: (سهمان، وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة) ش: أي في كتاب الزكاة.
ثم أوضح الأصل المذكور بإيراد تعليل محمد وتعليل صاحبيه فقال: م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان) ش: أي أدنى الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين فصاعدا م: (نجد ذلك) ش: أي عدد أدنى الجمع اثنان منهم م: (في القرآن) ش: ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] (النساء: الآية 11) ، ويحجب الاثنان منهم فصاعدا الإم من الثلث إلى السدس فعلم أن الاثنين لهما حكم الجمع م: (فكان من كل فريق اثنان) ش: أي من الفقراء والمساكين اثنان م: (وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على

(13/428)


سبعة. ولهما أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاثة للثلاث. قال: ولو أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده: لا يصرف إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه. قال: ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة، ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان الإشراك؛ لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين، فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبعة) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاث للثلاث) ش: أي أمهات الأولاد. م: (قال: ولو أوصى بثلثه لفلان) ش: أي بثلث ماله لفلان م: (وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الأصل لو أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين يكون نصفه لفلان وثلثاه للمساكين، يصير الثلث أثلاثا.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده) ش: أي وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يصرفه إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه) ش: يعني في المسألة المتقدمة، وهو أن الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين إلى آخره. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه) ش: من اقتضاء الشركة والمساواة م: (لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان) ش: أي الاشتراك، أي ثم قال: للثالث م: (الإشراك) ش: معهما فيما أوصيت بهما كان له النصف من كل واحد منهما جميعا م: (لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين) ش: ولا بد من العمل بمفهوم لفظ الاشتراك بقدر الإمكان م: (فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا

(13/429)


باللفظ بقدر الإمكان.
قال: ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه، معناه: قال ذلك لورثته فإنه يصدق إلى الثلث وهذا استحسان، وفي القياس لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول وإن كان صحيحا، لكنه لا يحكم به إلا بالبيان. وقوله: "فصدقوه " صدر مخالف للشرع؛ لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر إثباته إقرارا مطلقا، فلا يعتبر، وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره سعيا منه في تفريغ ذمته، فيجعلها وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له، كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه معتبرة من الثلث، فلهذا يصدق على الثلث دون الزيادة. قال: وإن أوصى بوصايا غير ذلك يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم، وكذا الوصايا معلومة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باللفظ) ش: أي بقوله: أشركتك م: (بقدر الإمكان) .

[قال لفلان علي دين فصدقوه]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه) ش: أي قال لورثته، وبينه المصنف بقوله م: (معناه قال ذلك لورثته، فإنه يصدق إلى الثلث) ش: أي إذا ادعى الدين بأكثر من الثلث، وكذبه الورثة، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا استحسان. وفي القياس: لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لكنه لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله: "فصدقوه" صدر مخالفا للشرع: لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة) ش: وهو قد أمرهم بتصديقه بلا حجة، فإذا كان كذلك م: (فتعذر إثباته إقرارا مطلقا) ش: يعني من كل وجه م: (فلا يعتبر وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة) ش: وهو مالك للكل في الثلث م: (وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية) ش: فيتقيد، وقد يحتاج جواب عما يقال: لو كان قصده الوصية لصرح بها، وتقرير الجواب بأن يقال: م: (وقد يحتاج إليه) ش: إلى مثل هذا الكلام م: (من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره) ش: يعني يعلم أصل الحق ولا يعلم مقداره م: (سعيا منه) ش: أي لأصل السعي منه، م: (في تفريغ ذمته فيجعلها) ش: أي فيجعل هذه الوصية م: (وصية جعل التقدير فيها) ش: أي في هذه الوصية م: (إلى الموصى له كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه) ش: أي هذه الوصية م: (معتبرة من الثلث، فلهذا) ش:، أي فلكونها معتبرة من الثلث م: (يصدق على الثلث دون الزيادة) ش: على الثلث؛ لأن جواز الوصية من الثلث.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن أوصى بوصايا غير ذلك) ش: أي غير الدين المجهول م: (يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم) ش: وهو الثلثان م: (وكذا الوصايا معلومة) ش: وهي الثلث.

(13/430)


وهذا مجهول فلا يزاحم المعلوم، فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به، والآخر ألد خصاما وعساهم يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة. وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم، ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره. قال: ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول وبطل في الثاني. بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي دين فلان م: (مجهول فلا يزاحم المعلوم فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به) ش: أي هذا الحق م: (والآخر) ش: أي الفريق الآخر م: (ألد خصاما) ش: أي شديد بين في الخصومة م: (وعساهم) ش: أي لعلهم، أي الفريق الورثة وأصحاب الوصايا م: (يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة) .
م: (وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق) ش: أي المقر له م: (وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا، والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره) ش: أي بين المقر له وبين غيره، وهو الميت.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول) ش: أي فيما يملك م: (وبطل في الثاني) ش: أي فيما لا يملك، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا) ش:

(13/431)


وعلى هذا إذا أوصى للقاتل وللأجنبي. وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف والشركة تثبت حكما له، فتصح في حق من يستحقه منهما. وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي، ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف؛ لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل في ذلك القدر، ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء وبطلانا.
قال: ومن كان له ثلاثة أثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي حكما الصورتين م: (وعلى هذا) ش: أي على الحكم المذكور م: (إذا أوصى للقاتل وللأجنبي) ش: حيث تبطل وصيته للقاتل؛ لأنها فيمن لا يستحقها، ولا تبطل في حق الأجنبي؛ لأنها في حقه جائزة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الإيصاء م: (بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف) ش: أي ابتداء تمليك م: (والشركة تثبت حكما له) ش: أي للإنشاء م: (فتصح في حق من يستحقه منهما) ش: أي من الوارث والأجنبي.
م: (وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي) ش: فيستدعي مخبرا، والمخبر به للوالدين المشترك م: (ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف) ش: وهو الاشتراك م: (لأنه خلاف ما أخبر به) ش: المقرون لا إلى إثبات الوصف، أي لا وجه أيضا م: (ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا) ش: فيؤدي إلى إضرار بعض الورثة، فيرد أصلا كيلا يحتال الناس في إضرار الورثة بهذا الطريق.
م: (ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل) ش: أي يبطل الإقرار م: (في ذلك القدر) ش: المقبوض حمل في نصيبهما معا؛ لأنه لما كان للوارث أن يشاركه فيه، فإذا شارك كان لبقية الورثة أن يأخذوا ذلك القدر منه.
ثم يرجع هو على الأجنبي؛ لأن ما قبض لم يسلم له ثم إلى أن ينتهي فيبطل أصلا، وهو قوله م: (ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل) ش: فإذا بطل الكل م: (فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء) ش: أي في حق الأجنبي م: (وبطلانا) ش: أي في حق الوارث.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان له ثلاثة أثواب

(13/432)


جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة، ومعنى جحودهم: أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه: الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء وتحصيل المقصود، فبطل. قال: إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين، فإن سلموا زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما، وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد) ش: من هذه الثياب م: (لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة) ش: صورة المسألة في " الجامع " عن محمد ويعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل أوصى لثلاثة نفر فقال: لفلان هذا الثوب الجيد ولفلان رجل آخر هذا الثوب الوسط ولفلان رجل آخر هذا الثوب الرديء ثم مات الموصي ثم هلك واحد من الثلاثة أثواب لا يدري أيها هلك، والورثة تجحد فالوصية باطلة.
قال المصنف: م: (ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء) ش: كما إذا أوصى لأحد هذين الرجلين، فإن الوصية باطلة؛ لأن المستحق مجهول.
م: (وتحصيل المقصود) ش: بالنصب، أي ويمنع أيضًا تحصيل المقصود، أي مقصود الوصي، وهو إتمام غرضه، فإذا كان كذلك م: (فبطل) ش: أي الإيصاء.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين) ش: وهذا استثناء من قوله: " فالوصية باطلة " م: (فإن سلموا) ش: أي الورثة إن قالوا: سلمنا لكم هذين الثوبين فاقتسموا فيما بينكما م: (زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد، لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه) ش: أي لأن الرديء م: (إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما) ش: أي لا حق لصاحب الجيد في الوسط والرديء م: (وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا، ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي) ش: إذ الهالك إذا كان رديئا فالثاني يكون جيدا، فيكون هو الرديء الأصلي.

(13/433)


فيعطى من محل الاحتمال. وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء، فيتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة. قال: وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم، فإن وقع البيت، في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعند محمد نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له: أنه أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول ويوقف الثاني، وهو أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السالفة، كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه، ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيعطى من محل الاحتمال) ش: لأنه يحتمل أن يكون هذا وسطا ويحتمل أن يكون في الرديء الحالي بأن يكون الضائع الرديء، فيكون هذا وسطا، فيكون هذا تنفيذ وصية في محل يحتمل أن يكون حقه، كذا في " شرح الجامع " لصاحب " الهداية " م: (وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء فتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم) ش: أي فإن الدار تقسم م: (فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وعند محمد: نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له) ش: أي لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن الموصي م: (أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول) ش: وهو الوصية فيما يملكه وهو نصيبه م: (ويوقف الثاني، وهو) ش: وهو نصيب صاحبه فيتوقف على إجازة شريكه م: (أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة) ش: لأنه أخذ البيت بدلا عن نصيبه بما في يد صاحبه م: (لا تنفذ الوصية السالفة) ش: بالملك الحادث بعد الوصية في الموصى به.
م: (كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه) ش: حيث لا تصح الوصية، فكذا هذا م: (ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية

(13/434)


الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه، ولا تبطل بالقسمة. ولهما: أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك يكون بالقسمة؛ لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع، وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه، وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه، أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد) ش: أي عند فوات الأصل بالحالة م: (الموصى به، حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل باب الوصية بثلث المال عند قوله وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا م: (ولا تبطل) ش: أي الوصية م: (بالقسمة) ش: لأن القسمة لتكميل المنفعة، بخلاف البيع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه) ش: أي أن الموصي م: (يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك) ش: أي الملك المنتفع به عن كل وجه م: (يكون بالقسمة) ش: لأن ملكه على اعتبار القسمة هو الملك التام المنتفع به م: (لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع) ش: وإن كان معنى المبادلة في قسمة العروض والحيوانات أصل، والدارين عروض، ذكره المصنف في كتاب القسمة.
م: (وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه) ش: هذا إيضاح لقوله، وإنما المقصود الإقرار؛ لأن في الدار الواحدة المختلفة البيوت تقسم قسمة واحدة؛ لأن في تفريقها إضرارا، بخلاف الدور حيث تقسم كل واحدة على حدة، لا قسمة واحدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد مر في القسمة. م: (وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه) ش: أي في الجارية الموصى بها م: (أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت) .

(13/435)


إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك. وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين والتمليك بعينه على اعتبار الوجه الآخر كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته، فالمراد في جزاء الطلاق مطلق الولد وفي العتق ولد حي. ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي، والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع: يقسم نصيبه بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها للورثة، وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت وهم بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما، فيصير عشرة. وعندهما يقسم على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: قال تاج الشريعة: " إلا أنه يتعين " هذا جواب [عن] إشكال، وهو أن يقال: ذكر البيت لما كان التقدير به ينبغي أن لا يجب وقع البيت نفسه إذا وقع في نصيب الموصي م: (إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين) ش: إحداهما: م: (التقدير) ش: وهي فيما إذا وقع البيت في نصيب شريكه، والأخرى هي قوله م: (والتمليك) ش: يعني البيت.
م: (وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه) ش: أي أو لأن الموصي م: (أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين) ش: يعني في وقوعه في نصيب الشريك م: (والتمليك) ش: أي وأراد التمليك م: (بعينه على اعتبار الوجه الآخر) ش: يعني في وقوعه في نصيب الموصي، ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته) ش: بأن قال: إذا ولدت أمتي فهو حر وأنت طالق م: (فالمراد في جزاء الطلاق) ش: أي في جزاء الطلاق م: (مطلق الولد) ش: حتى تطلق المرأة بولادة الولد كيف كان حيا أو ميتا.
م: (وفي العتق) ش: أي المراد في العتق م: (ولد حي) ش: لأن الميت ليس بمحل للطلاق، حتى إذا ولدت ميتا ثم ولدت حيا يعتق الحي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خلافا لهما.
م: (ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي والدار مائة ذراع والبيت عشرة أذرع، يقسم نصيبه) ش: أي نصيب الموصي، وهو خمسون ذراعا م: (بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها) ش: أي من العشرة م: (للورثة) ش: أي لورثة البيت م: (وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت، وهم) ش: أي الورثة يضربون م: (بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما فيصير عشرة) .
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (يقسم) ش: أي نصيب الموصي بين الموصى له والورثة م: (على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب

(13/436)


بالعشرة وهم بخمسة وأربعين، فتصير السهام أحد عشر، للموصى لها سهمان، ولهم تسعة. ولو كان مكان الوصية إقرار، قيل هو على الخلاف وقيل لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق له: أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح، حتى لو ملكه بوجه من الوجوه ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ. قال: ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضا فله أن يمتنع من التسليم. بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه والامتناع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالعشرة وهم) ش: أي الورثة م: (بخمسة وأربعين فتصير السهام أحد عشر للموصى له سهمان، ولهم تسعة) ش: كذا قال فخر الإسلام البزدوي وغيره وفي " شرح الجامع الصغير ".
م: (ولو كان مكان الوصية إقرار) ش: يعني لو كان الدار بين شريكين فأقر أحدهما ببيت بعينه لواحد فيقسم الدار أولا، فإن وقع البيت في نصيب المقر يسلم إلى المقر له. وإن وقع في نصيب الشريك يضرب المقر له فيما وقع في يد المقر مثل ذرع البيت. وكذلك لو أقر بطريق أو حائط. كذا في " الشامل ". وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضرب المقر له بنصف ذرع البيت.
م: (قيل: هو على الخلاف) ش: أي حكم الإقرار على الخلاف المذكور بين محمد وصاحبيه.
م: (وقيل: لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في حكم الإقرار، بل قول محمد فيه كقولهما. وجعل فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " عدم الخلاف، وهو الأصح م: (والفرق له) ش: أي الفرق بين الوصية والإقرار لمحمد م: (أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكه بوجه من الوجوه) ش: مثل الشراء والهبة والتمليك م: (ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ) .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه إليه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير، فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضًا فله أن يمتنع من التسليم) ش: أي: ولصاحب المال أن يمتنع مما أجازه الموصي ولا يسلم؛ لأن هذا هبة من صاحب المال والهبة لا تتم بدون التسليم، فإن وقع تمت الهبة وإلا فلا.
م: (بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة) ش: ثم أرادوا أن يمتنعوا من التسليم لا يكون لهم ذلك م: (لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه، والامتناع

(13/437)


لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي. قال: وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده وهذا استحسان، والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره؛ لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه. أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضا، فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث. قال: ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي) .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده) ش: وهو سدس المال م: (وهذا استحسان) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: يلزمه جميع ما في يده وخرجه صاحب " الحاوي " من القولين في الدين ليس شيء، كذا في " الحلية ".
م: (والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما) ش: أي في أيدي الابنين م: (فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره) ش: حيث يعطي جميع ما في يده م: (لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه) ش: وبه قال الشافعي في وجه. وقال الشافعي في الأصح: يلزمه في نصيبه ما يخصه وهو قول مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن إقراره بهذه الجهة.
م: (أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضًا فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث) ش: فيكون شريك الورثة بالنصف لا بالثلث.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا وكلاهما) ش: أي الأم والولد م: (يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية

(13/438)


أصالة، والولد تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل في الوصية، فيكونان للموصى له. وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي" الجامع الصغير " عين صورة، وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة، فللموصى له الأم وثلث الولد عنده، وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما. لهما: ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها بالانفصال كما في البيع والعتق، فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصالة، والولد) ش: دخل فيها م: (تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل) ش: أي الولد م: (في الوصية، فيكونان للموصى له) ش: يعني تكون الأم والولد للموصى له إذا ولد له قبل قسمة التركة.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إن كانت حاملا به حين الوصية، ويعلم ذلك بأن قلده لأقل من ستة أشهر منذ أوصى يدخل الولد في الوصية، ويكون للموصى له مع الأم. وقالا في وجه: لا حكم للحل في الوصية بكل حال فلا يدخل فيها على كل حال.
م: (وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي " الجامع الصغير " عين صورة) ش: أي عين محمد صورة بهذه المسألة.
م: (وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة) ش: أي الموصي فولدت ولدا أي وله أمة م: (تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات) ش: أي الموصي م: (فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة) ش: أي قبل قسمة التركة م: (فللموصى له الأم وثلث الولد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما) ش: أي من الأم والولد.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها) ش: أي عن الوصية م: (بالانفصال كما في البيع) ش: بأن باع الأمة الحامل م: (والعتق) ش: بأن أعتقها يدخل الحمل ويدخل الولد في البيع والعتق، ولا يخرج عنها بالانفصال، فإذا كان كذلك م: (فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم) ش: في الأصالة وفي الولد تبعا لاتصاله بالأم.

(13/439)


وله: أن الأم أصل والولد تبع فيه، والتبع لا يزاحم الأصل، فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع؛ لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض، ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا إذا ولدت قبل القسمة، فإن ولدت بعد القسمة فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (أن الأم أصل والولد تبع فيه) ش: أي في الوصية على تأويل الإيصاء م: (والتبع لا يزاحم الأصل) ش: لأن الإيجاب تناول الأم قصدا، ثم سرى حكم الإيجاب إلى الولد فلا يزاحم التبع الأصل، لعدم المساواة بينهما م: (فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع) ش: لأن فيه إبطال الأصل بالتبع، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن، هذا جواب عما يقال: لا نسلم م: (لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه) ش: لا يقابله وفي ذلك نقص له بحصته، ووجهه إنما م: (لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض) ش: فإن العوض الواحد لا يقابل بعوضين، لكن لا يوجب ذلك النقض في البيع أصلا.
م: (ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا) ش: أي دخول الولد في الوصية تبعا م: (إذا ولدت قبل القسمة) ش: قبل قبول الموصى له م: (فإن ولدت بعد القسمة) ش: وبعد القبول م: (فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة) ش: وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة وبعد القبول فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة.
وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة، ذكر القدوري: أنه لا يصير موصى له، ولا يعتبر خروجه في الثلث كما لو ولدت بعد القسمة. ومشايخنا قالوا: يصير موصى به ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو ولدت قبل القبول، ولو ولدت قبل موت الموصي لم يدخل تحت الوصية وبقي على حكم ملك الميت؛ لأنه لم يدخل تحت الوصية قصدا ولا سراية، والكسب والولد في جميع ما ذكرنا. كذا في " الكافي ". وعند الشافعي وأحمد: لو انفصل قبل موت الموصي ومن حين الوصية إلى الانفصال أقل من ستة أشهر يدخل في الوصية من وجه.

(13/440)


فصل في اعتبار حالة الوصية قال: وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه وهي أجنبية عند صدوره. ولهذا يعتبر من جميع المال ولا يبطل الدين إذا كان في حالة الصحة أو في حالة المرض، إلا أن الثاني يؤخر عنه. بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك ولا وصية للوارث، والهبة وإن كانت منجزة صورة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في اعتبار حالة الوصية]
م: (فصل في اعتبار حالة الوصية)
ش: أي: هذا فصل في بيان اعتبار حالة الوصية، ولما ذكر الحكم الكلي في الوصية شرع في بيان أحكام ما يتعلق بالأحوال المتغيرة من وصف إلى وصف، أن الأحوال بمنزلة العوارض والأحكام المتعلقة بثلث المال بمنزلة الأصول، والأصلي مقدم على العارض.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه) ش: فلا يتوقف على شرط زائد كتوقف الوصية إلى الموت، فصح إقراره بالدين؛ لأن إقراره حصل لأجنبية وهو معنى قوله م: (وهي أجنبية عند صدوره) ش: أي صدور الإقرار م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقرار ملزم بنفسه من غير توقف على شرط م: (يعتبر من جميع المال ولا يبطل بالدين) ش: بخلاف الوصية فإنها تمليك مضاف إلى الموت والمرأة عند الموت وارثة ولا وصية للوارث، فالحديث على ما يأتي م: (إذا كان) ش: أي الإقرار م: (في حالة الصحة أو في حالة المرض) ش: يعني الإقرار لا يبطل بسبب الدين سواء كان في الصحة أو في المرض.
م: (إلا أن الثاني) ش: وهو الإقرار الواقع في المرض م: (يؤخر عنه) ش: أي عن الإقرار الواقع في الصحة، حتى إن المال يصرف إلى ما أقر به في حالة الصحة، فإن فضل منه شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض وإلا فلا. وعند ابن أبي ليلى والشافعي: الإقراران يستويان وقد مر في إقرار المريض.
م: (بخلاف الوصية) ش: بيان لقوله: وبطلت الوصية م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية. وفي بعض النسخ: " لأنه "، أي لأن الإيصاء م: (إيجاب عند الموت وهي) ش: أي المرأة م: (وارثة عند ذلك) ش: أي عند موت الموصي م: (ولا وصية للوارث) ش: بالحديث المذكور، وفيما مضى م: (والهبة) ش: بالجر عطف على قوله: بخلاف الوصية، أي بخلاف الهبة الواقعة من المريض المذكور يعني لأنها لا تبطل م: (وإن كانت منجزة) ش: واصلة بما قبلها م: (صورة) ش: أي من

(13/441)


فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت. ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث. قال: وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله، أما الهبة والوصية فلما قلنا: إنه وارث عند الموت. وهما إيجابان عنده أو بعده، والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر، ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فيعتبر في إيراث تهمة الإيثار. بخلاف ما تقدم؛ لأن سبب الإرث الزوجية وهي طارئة، حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب حال صدوره. قال: وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث الصورة، يعني لا تتوقف على شيء بحسب الصورة م: (فهي) ش: أي الهبة م: (كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (لأن حكمها يتقرر عند الموت) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الهبة م: (تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث) ش: لأنها تبرع بتقرر حكمه عند الموت ألا ترى أن من وهب عبدا في مرض موته لأجنبي وما له غيره وسلم صحت الهبة وصارت للموهوب له، فإذا مات من ذلك المرض وجب الفسخ من الثلثين للورثة. وفي الكل حقا للغرماء أو صارت كالمتعلق بالموت.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله) ش: أي الإقرار م: (أما الهبة والوصية فلما قلنا) ش: يعني في المسألة الأولى م: (إنه) ش: أي أن الابن م: (وارث عند الموت، وهما) ش: أي الهبة والوصية م: (إيجابان عنده) ش: أي عند الموت م: (أو بعده) ش: أي بعد الموت م: (والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر. ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فتعتبر في إيراث تهمة الإيثار) ش: يعني صار باعتبار التهمة ملحقا بالوصايا.
م: (بخلاف ما تقدم) ش: من الإقرار والهبة والوصية لامرأة م: (لأن سبب الإرث الزوجية كانت الزوجية وهي طارئة) ش: لأن الزوجية حصلت بعد الإقرار لها بدين فلا يبطل الإقرار م: (حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب) ش: وهو الزوجية وقت الإقرار م: (حال صدوره) ش: أي صدور الإقرار ونظيرها من أقر لأخي وله ابن ثم هلك الابن ثم هلك المقر له وإرثه يبطل الإقرار للأخ لقيام سبب الإرث وهو الأخوة وقت الإقرار.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكذا) ش: يبطل الإقرار م: (لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق) ش: قبل الموت م: (لما ذكرنا) ش: وهو قيام المسبب للإرث وقت الإقرار

(13/442)


وذكر في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه دين يصح؛ لأنه أقر لمولاه وهو أجنبي، وإن كان عليه دين لا يصح؛ لأنه إقرار له وهو ابنه، والوصية باطلة لما ذكرنا أن المعتبر فيها وقت الموت. وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق. وفي عامة الروايات هي في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح. قال: والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إذا تطاول ذلك ولم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه. ولهذا لا يشتغل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه) ش: أي على العبد م: (دين يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه أقر لمولاه) ش: يعني يكون الإقرار لمولاه م: (وهو أجنبي) ش: أي والحال أنه أجنبي.
م: (وإن كان عليه) ش: أي على العبد م: (دين لا يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه إقرار له) ش: أي العبد م: (وهو ابنه) ش: أي والحال أنه ابنه م: (والوصية باطلة لما ذكرنا) ش: والذي ذكره فيما مضى ذكره هنا بقوله م: (أن المعتبر فيها) ش: أي في الوصية م: (وقت الموت) ش: لأنها تمليك مضاف إلى بعد الموت والعبد حينئذ وارث ولا وصية للوارث.
م: (وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق) ش: فتكون الهبة للمولى فتصح م: (وفي عامة الروايات هي) ش: أي الهبة م: (في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح) ش: والتفصيل المذكور في العبد لا يتأتى في المكاتب؛ لأن المولى لا يملك كسبه في الحالين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والمقعد والمفلوج) ش: من فلجت الشيء فلجين أي شققته نصفين، كذا في " المغرب "، ومنه المفلوج لأنه ذهاب النصف. والفالج ذهاب الحس والحركة من أحد شقي البدن وسلامة الشق الآخر م: (والأشل) ش: من الشلل بالشين المعجمة وهو فساد في اليد يقال: شلت يده فشل، ورجل أشل م: (والمسلول) ش: بالسين المهملة.
قال الجوهري: السلال بالضم السل، يقال: أسله الله فهو مسلول من السول. وقال المطرزي: المسلول الذي سل أنثياه، أي نزعت خصيتاه، وهذا لا يناسب هنا؛ لأن الكلام فيما إذا تطاول المرض ولم يحل منه موت، والذي نزعت خصيتاه بعد تطاول الزمان لا يسمى مريضا، وقال الأكمل: المسلول الذي به مرض السل، وهو عبارة عن اجتماع المرة في الصدر وبعثها، وقال الكاكي: قيل السل نوع من الدق م: (إذا تطاول ذلك فلم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه، ولهذا) ش: أي وأجل ذلك م: (لا يشتغل

(13/443)


بالتداوي. ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث. وإن وهبه عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت. والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالتداوي) ش: ولأنه صار طبيعة فلا يحتاج إلى الدواء فكان حكمه حكم الأصحاء، فيعتبر تصرفه في جميع المال، ويصح إقراره للوارث.
م: (ولو صار صاحب فراش بعد ذلك المال فهو كمرض حادث) ش: إذا مات في أيامه يكون حكمه حكم المريض يعتبر تصرفه في ثلث المال ولا يصح إقراره للوارث م: (وإن وهبه) ش: أي الذي صار صاحب فراش بعد المال م: (عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت) ش: يكون حكمه حكم المريض الذي مات فيه. والحامل إذا ضربها المخاض وهو الطلق يكون تبرعها من الثلث، وبه قال الشافعي والنخعي والأوزاعي والثوري ويحيى الأنصاري ومكحول وابن المنذر. وقال مالك وأحمد: إذا صار لها ستة أشهر عطيتها من الثلث، وبه قال ابن المسيب وعطاء وقتادة. قال الحسن والزهري: عطيتها كعطية الصحيح، وبه قال الشافعي في قول.
ولو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما غير كافية للأخرى أو مقهورة في حكم مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والثوري، ونحوه عن مكحول إذا لم يختلطوا سواء كان بينهما رمي بالسهام أو لا. وعن الشافعي قولان: أحدهما: كقول الجماعة، والثاني: ليس مخوف؛ لأنه ليس بمرض.
وراكب البحر فإن كان ساكنا فليس مخوف، وإن هبت الريح أو اضطرب البحر فهو مخوف. والأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف وإلا فلا، وبه مالك وأحمد والشافعي في قول.
والمجذوم وصاحب حمى الربع، وحمى العنب إذا صار صاحب فراش يكون في حكم المريض مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي والثوري. وقال الشافعي: الأمراض الممتدة عطية من كل المال؛ لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ كالمهر م: (والله أعلم بالصواب) .

(13/444)