البناية شرح الهداية

باب الوصية للأقارب وغيرهم قال: ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة. وهذا استحسان، وقوله قياس؛ لأن الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة ولهذا يستحق الشفعة بهذا الجوار، ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الوصية للأقارب وغيرهم]
[الوصية للجيران]
م: (باب الوصية للأقارب وغيرهم)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام حكم الوصية للأقارب وغيرهم، إنما أخر هذا الباب عما تقدمه؛ لأن في هذا الباب ذكر أحكام الوصية لقوم مخصوصين. وفيما تقدمه ذكر أحكامها على العموم والخصوص يتلو العموم.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة وهذا استحسان) ش: أي القدوري لم يذكر خلاف أبي يوسف ومحمد، وقد ذكر في (التقريب) قال: قال محمد في " الإملاء ": إذا أوصى لجيرانه فالوصية للملاصقين قربت الأبواب أو بعدت عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقالا: لمن يجمعهم مسجد في الجماعة، وذكر ابن شجاع عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبار أهل المحلة الذين يصلون في مسجد واحد. قال: هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وروى بشر عن أبي يوسف، أن الجيران الذين يجمعهم محلة واحدة وإن تفرقوا في مسجدين متقاربين، وإن تباعدوا وكان واحدا عظيما جامعا لكل أهل مسجد جيران دون الآخرين، وإن كان في المصر قبائل فالجيران الأقحاء دون القبائل، إلى هنا لفظ " التقريب ".
م: (وقوله) ش: أي وقول أبي حنيفة م: (قياس) ش: وبه قال زفر م: (لأنه الجار من المجاورة، وهي الملاصقة حقيقة. ولهذا) ش: أي ولكون الجار هو الملاصق م: (يستحق الشفعة بهذا الجوار) ش: أي بجوار الملاصق.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (لما تعذر صرفه) ش: أي صرف ما أوصى لجيرانه م: (إلى الجميع) ش: الجيران م: (يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق) ش: وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: هم أهل أربعين دارا من كل جانب. وفي الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الجار أربعون دارا هكذا وهكذا» . وفي " المغني " لابن قدامة: وهذا نص إن صح وإلا فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك

(13/461)


وجه الاستحسان: أن هؤلاء كلهم يسمون جيرانا عرفا؛ وقد تأيد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".» وفسره بكل من سمع النداء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى العرف.
م: (وجه الاستحسان أن هؤلاء) ش: أي الملاصقون وغيرهم م: (كلهم يسمون جيرانا عرفا) ش: أي من حيث عرف الناس م: (وقد تأيد ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ش: هذا الحديث رواه الحاكم والدارقطني عن أبي هريرة مرفوعا ورواه الدارقطني أيضا عن جابر مرفوعا، ورواه ابن عباس عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مرفوعا بأسانيد ضعيفة. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال ابن حزم: هذا حديث ضعيف، الحديث، وهو صحيح من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
قلت: رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن هشيم وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه قرأته عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " قيل: ومن جار المسجد؟ قال: " من أسمعه المنادي ".» قال القدوري في " التهذيب ": وقد قال هلال الرأي أن الجار من أسمعه المنادي لأنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا صلاة لجار المسجد ... إلى آخره.
م: (وفسره بكل من سمع النداء) ش: قال تاج الشريعة: وفسره، أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «هم الذين يجمعهم مسجد واحد» . انتهى.
قلت: هذا غريب منه، وكيف يقال وفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولئن سلمنا أنه صح ولم يفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، وإنما فسره علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيما روي عنه موقوفا عليه كما ذكرنا الآن.
فإن قلت: يمكن أن يقال وفسره علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟.
قلت: نعم، علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فسره هكذا، ولكن فسر حديث نفسه حين سئل كما ذكرنا، والمصنف ما أسند الحديث إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى يصح أن يقال: وفسره علي، ولو قال: وفسره على صيغة المجهول لكان أصوب على ما لا يخفى.
م: (ولأن القصد بر الجيران) ش: أي المقصود من وصية الشخص لجيرانه وحول إحسانه

(13/462)


ولأن القصد بر الجيران، واستحبابه ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه لا بد من الاختلاط، وذلك عند اتحاد المسجد. وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد. وما يروى فيه ضعيف. قالوا: ويستوي فيه الساكن والمالك، والذكر والأنثى، والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إليهم م: (واستحبابه) ش: أي استحباب البر م: (ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه) ش: أي جيرانه م: (لا بد من الاختلاط) ش: وهذا جواب من قال: ينبغي أن يستحق غير من يجمعه المسجد فأجاب بأنه لا بد من الاختلاط م: (وذلك) ش: أي الاختلاط م: (عند اتحاد المسجد) ش: قيل: حتى لو كان في المحلة مسجدان صغيران متقاربان فالجمع جيران.
م: (وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد) ش: باعتبار العرف م: (وما يروى فيه ضعيف) ش: أي الذي روي في أن الجار إلى أربعين دارا حديث ضعيف لم يثبت. أما الحديث فقد رواه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالجار إلى أربعين دارا عشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا» انتهى.
وقال: في إسناده ضعف.
ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حق الجوار إلى أربعين دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقدام وخلف» . وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بعبد السلام بن أبي الجنوب، وقال: إنه منكر الحديث. أما قول من قال: هذا حديث لا نعرف رواته فغير صحيح، ذكره الأكمل بقوله: قيل: هذا خبر لا نعرف رواته، وكيف يقال هذا وقد عين البيهقي وأبو يعلى رواته، ولكن لم يصح لما ذكرنا؟! م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (ويستوي فيه) ش: أي فيما أوصى به رجل فجيرانه م: (الساكن) ش: بالإجارة والعارية م: (والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم) ش: وفي " الزيادات ": قال محمد: وأما أنا فإني أحسن أن جعل الوصية لجيرانه الملازقين للساكن ممن يملك تلك الدور وغيرهم ممن لا يملكها، ومن يجمعه مسجد تلك المحلة الذي فيهم الموصي من الملازقين وغيرهم، والسكان من تلك المحلة وغيرهم سواء في الوصية الأقربون والأبعدون، والكافر والمسلم، والصبي والمرأة في ذلك سواء، وليس للمالكين والمدبرين وأمهات الأولاد في ذلك شيء.

(13/463)


ويدخل فيه العبد الساكن عنده لإطلاقه. ولا يدخل عندهما؛ لأن الوصية له وصية لمولاه وهو غير ساكن.
قال: ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته، لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها. وكانوا يسمون أصهار النبي» - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويدخل فيه) ش: أي فيما أوصى به لجيرانه م: (العبد الساكن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لإطلاقه) ش: أي لإطلاق اسم الجار على المملوك وغيرهم م: (ولا يدخل عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لأن الوصية له) ش: أي للعبد م: (وصية لمولاه، وهو) ش: أي مولاه م: (غير ساكن) ش: فلا يتناوله.

[الوصية للأصهار]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأصهاره) ش: أي لأقرباء امرأته م: (فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته) ش: أي فالوصية تكون لكل ذي رحم محرم مجرور؛ لأنه صفة ذي رحم محرم م: (لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها؛ إكراما لها، وكانوا يسمون أصهار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: قوله صفية وهم، وصوابه جويرية.
أخرجه أبو داود في " سننه في العتاق " عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له، فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذ العين. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فجاءت تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابتها، فلما قامت على الباب رأيتها فكرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيرى منها سبيل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله: أنا جويرية بنت الحارث، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي فجئت أسألك في كتابتي فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فهل لك إلى ما هو خير منه؟ " قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما هو؟ قال: " أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك "، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت. قالت: فتسامع الناس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تزوج جويرية فأرسلوا ما بأيديهم - يعني من السبي - فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت: فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سبيلها مائة أهل بيت من بني المصطلق» انتهى.

(13/464)


وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيدة - رحمهما الله -. وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه الواقدي من طريق أخرى وفيه: وكان الحارث بن أبي ضرار رأس بني المصطلق وسيدهم، وكانت ابنته جويرية اسمها برة فسماها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " جويرية " لأنه كان يكره أن يقال: خرج من بيت برة، ويقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق. ويقال: جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صداقها عتق أربعين من قومها.
م: (وهذا التفسير) ش: أشار به إلى التفسير المذكور؛ وإنما قيل بهذا؛ لأن الذي يجيء في اللغة بمعنى الختن أيضا م: (اختيار محمد وأبي عبيد - رحمهما الله -) ش: محمد هو ابن الحسن وأبو عبيد القاسم بن سلام؛ قال الأترازي: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حجة في اللغة استشهد بقوله أبو عبيد في غريب الحديث.
وقال في " مجمل اللغة ": قال الخليل: لا يقال لأهل بيت المرأة الأصهار، وكذا قال الجوهري وقد نظم نجم الدين هو - النسفي - في نظمه لكتاب " الزيادات " يشتمل على معنى الصهر والختن، فقال: أصهار من يوصي أقارب عرسه، ويزول ذاك ببائن وحرام أختانه أزواج كل محارم، ومحارم الأزواج بالأرحام. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الزيادات " أما الصهر فقد ينطلق على الختن، لكن الغالب ما ذكره محمد، قال عاصم بن عدي:
ولو كنت صهرا لابن مروان قربة ... وكأني إلى المعروف والطعن الرحب
ولكنني صهرا لآل محمد ... وخال بني العباس والخال كالأب
سمى نفسه صهرا وكان أخا لامرأة العباس ثم قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه: ومن شرط بقاء هذا الاسم أن يموت الموصي وهذه نساؤه أو في خصمه من طلاق رجعي، أما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة، وإنما تعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي. أو كانت معتدة من طلاق رجعي، فأما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة وإنما يعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي، أو كانت معتدة من طلاق رجعي يستحق أقرباء المرأة الوصية باسم الصهر.
وإذا كانت مبانة يوم موته لا يستحق بها؛ لانقطاع المصاهرة بالإبانة وعدم الانقطاع فيما لم يكن مبانة م: (وكذا يدخل فيه) ش: أي فيما أوصى لجيرانه م: (كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار) ش: لما مر من حديث جويرية.

(13/465)


ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة من طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت.
قال: ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم منه، وكذا محارم الأزواج؛ لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم، ويستوي فيه الحر والعبد والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل. قال: ومن أوصى لأقاربه فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته) ش: أي أو كانت المرأة في عدة م: (من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة عن طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت) ش: وقد شرح هذا فخر الإسلام، وقد ذكرناه آنفا.

[الوصية للأختان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم محرم منه، وكذا محارم الأزواج) ش: أي المحارم أزواج كل ذي رحم محرم من الموصي.
وفي شرح " الكافي ": الأختان أزواج البنات والأخوات والعمات والخالات، وكذا زوج كل ذي رحم محرم من أزواج هؤلاء، هكذا ذكره محمد م: (لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم) ش: قال؛ أي الأترازي: إنما كان هذا في قوله بعد أن قال: وكذا محارم الأزواج؛ لأن ذاك رواية " الزيادات " المذكورة ثمة في عرفهم، لا على عرفنا؛ لأن أزواج المحارم لا يسمون أختانا وفي عرفهم يسمى الكل أختانا.
وقال الكرخي في " الزيادات ": إذا أوصى الرجل لأختانه بثلث ماله ثم مات فالأختان أزواج البنات، والأخوات والعمات والخالات وكل امرأة ذات رحم محرم للموصي فزوجها من أختانه، وكل ذي رحم محرم من زوجها من ذكر وأنثى فهو أيضا من أختانه، ولا تكون الأزواج ذات رحم محرم. ومن كان من قبلهم من ذي الرحم المحرم ولا يكون الأختان ما كان من قبل نساء الموصي م: (ويستوي فيه الحر والعبد، والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل) ش: أي لفظ الأختان يتناول الكل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأقاربه فهي) ش: أي الوصية م: (للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " الكافي ": وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لذوي أرحامه أو لذوي أنسبائه فهم عند أبي حنيفة الأقرب فالأقرب، ومن كل ذي رحم محرم منه. ويدخل فيه

(13/466)


وقال صاحباه: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام، وهو: أول أب أسلم أو أول أب أدرك الإسلام، وإن لم يسلم على حسب ما اختلف فيه المشايخ، وفائدة الاختلاف ظهر في أولاد أبي طالب فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم. لهما: أن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به، فينتظم بحقيقة مواضع الخلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجد والجدة. وكذا ولد الولد في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أن الجد وولد الولد لا يدخل.
م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام) ش: يعني لجميع قرابته من قبل الرجال والنساء إلى أقصى أب له في الإسلام؛ لأن الطرفين جميعا يشتركون في الثلث الأقرب منهم والأبعد، والذكر والأنثى فيه سواء م: (وهو أول أب أسلم، أو أول أب أدرك الإسلام) ش: سواء أسلم أو لا.
واختلف المشايخ في اشتراط إسلام أقصى الأب، قيل: يشترط، وقيل: لا يشترط، وهو معنى قوله م: (وإن لم يسلم) ش: أي أقصى الأب م: (على حسب ما اختلف فيه المشايخ) .
م: (وفائدة الاختلاف تظهر في أولاد أبي طالب، فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم) ش: قال: أقصى أب أدرك الإسلام أبو طالب فيدخل في الوصية أولاد علي وعقيل وجعفر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ومن شرط إسلام أقصى أب - هو علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.؛ فيدخل تحت الوصية أولاد علي دون عقيل وجعفر، وقال الشافعي وأحمد في رواية قرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينسبون إلى الأدنى، والأدنى ينسب إليه، ويستوي فيه القريب والبعيد؛ لأنهم قرابته عرفا.
وقال مالك: قريبه بالاجتهاد، وقال محمد في رواية: قريبه أولاده، وأولاد ابنه وأولاد جده وأولاد جداته؛ لأن من هو أبعد منهم، ويستوي فيه الذكر والأنثى، حتى لو أوصى لقرابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى أولاده أولاد عبد المطلب وأولاد هاشم، ولم يعط بني هاشم وبني نوفل ولم يسلم.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد. رحمهما الله -: م: (أن القريب مشتق من القرابة، فيكون) ش: أي القريب م: (اسما لمن قامت) ش: أي لمن قامت القرابة م: (به فينتظم) ش: أي يشتمل اسم القريب م: (بحقيقة مواضع الخلاف) ش: وهو ذو الرحم المحرم والرحم الأبعد.

(13/467)


وله: أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب، والمراد بالجمع المذكور فيه اثنان، فكذا في الوصية والمقصد من هذه الوصية تلافي ما تفرط في إقامة واجب الصلة، وهو يختص بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه قرابة الولاد، فإنهم لا يسمون أقرباء، ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا، وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه، فعنده يقيد بما ذكرناه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب) ش: فكذلك في الوصية م: (والمراد بالجمع المذكور فيه) ش: أي في الأقرب م: (اثنان) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] فإن المراد من الإخوة اثنان م: (فكذا في الوصية) ش: اثنان؛ لأن المثنى كالجمع في باب الميراث، فكذلك في باب الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث م: (والمقصد من هذه الوصية) ش: أي المقصود منها م: (تلافي ما تفرط) ش: أي استدراك ما قصر م: (في إقامة واجب الصلة) ش: لأن صلة ذي الرحم المحرم واجبة دون غيره بالإجماع، ولهذا لا يجوز الرجوع في هبته ويستحق النفقة دون غيره م: (وهو يختص) ش: أي تلافي ما فرط في وجوب الصلة مختص م: (بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه) ش: أي في الإيصاء على ذوي قرابته م: (قرابة الولاد) ش: وهو الوالد والولد م: (فإنهم) ش: أي فإن الآباء والأولاد م: (لا يسمون أقرباء) ش: لأنهم أقرب من القرابة.
وأوضح هذا المعنى بقوله: م: (ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا) ش: من حيث العرف يدل عليه قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 80) ، عطف الأقربين على الوالدين، والعطف يقتضي المغايرة، فلا يكون الوالد قريبا، ولا يكون الولد قريبا أيضا؛ لأنه يلزم من قرب أحدهما إلى الآخر قرب الآخر إليه وإلا لا يثبت القرب أصلا.
م: (وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره) ش: إذ لا واسطة بينهما م: (ولا معتبر بظاهر اللفظ) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به.
وتقدير الجواب: أن ظاهر اللفظ لا اعتبار به م: (بعد انعقاد الإجماع على تركه) ش: أي ترك ظاهر اللفظ، يعني أن ظاهر اللفظ وإن اقتضى صحة إطلاق اسم القريب على الوالد والولد، لكن الإجماع انعقد على ترك هذا الظاهر، وبين ذلك بقوله: م: (فعنده) ش: أي فعند أبي حنيفة م: (يقيد بما ذكرناه) ش: من الأقرب فالأقرب، فالقيود الخمسة وهي كونه ذا رحم محرم، واثنين فصاعدا، وذلك ما سوى الوالد والولد من لا يرث، والأقرب فالأقرب.

(13/468)


وعندهما بأقصى الأب في الإسلام، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بالأب الأدنى.
قال: ومن أوصى لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث. وعندهما بينهم أرباعا إذ هما لا يعتبران الأقرب. ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث. بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته حيث يكون للعم كل الوصية: لأن اللفظ للمفرد، فيحرز والواحد كلها إذ هو الأقرب. ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث لما بيناه. ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى، والعمة إن لم تكن وارثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعندهما بأقصى الأب في الإسلام) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد يقيد بكل من يجمعه وأباه أقصى أب في الإسلام م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالأب الأدنى) ش: الذي ينسب إليه، وهو قول محمد أيضا.

[أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى) ش: هذا إلى آخره تفصيل ما أجمله من القيود على مذهب أبي حنيفة، يعني وإذا أوصى أحد م: (لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث) ش: فإنه يكون لعميه في الإرث دون خاليه، هذا إذا أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان والوصية لعميه عند أبي حنيفة.
م: (وعندهما بينهم أرباعا إذ هما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يعتبران الأقرب، ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية، والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع، وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث، بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته، حيث يكون للعم كل الوصية؛ لأن اللفظ للمفرد) ش: وهو قوله: لذي قرابته م: (فيحرز الواحد كلها) ش: أي كل الوصية م: (إذ هو الأقرب) ش: أي لأنه هو الأقرب، فلا يستحق الأبعد عند وجوده.
م: (ولو كان له عم واحد) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه وله عم واحد ولم يكن هو وارث كله، نصف الثلث؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان ولم يوجد م: (فله نصف الثلث) ش: والنصف الباقي يرد على الورثة م: (لما بيناه) ش: أراد به قوله لأنه: لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان.. إلى آخره.
م: (ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه م: (فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى) ش: أي قرابة العمومة أقوى من قرابة الخؤولة م: (والعمة وإن لم تكن وارثة) ش: هذا جواب عما يقال: العمة لا تستحق العصوبة وتقوم الأخوات بسببهما فلم يكن قرابتهما أقرب.

(13/469)


فهي مستحقة للوصية. كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا. وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه في جميع ما ذكرنا؛ لأن كل ذلك لفظ جمع. ولو انعدم المحرم بطلت الوصية؛ لأنها مقيدة بهذا الوصف. قال: ومن أوصى لأهل فلان فهي على زوجته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: يتناول كل من يعولهم وتضمنهم نفقته اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية 93) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أن العمة وإن لم تكن وارثة في هذه الصورة م: (فهي مستحقة للوصية) ش: مساوية للعم في الدرجة وعدم استحقاقها العصوبة بوصف قائما بها وهو الوراثة لا يخرجها عن مساواتها للعم في استحقاقها هذه الوصية.
م: (كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا) ش: لما أن عدم جريان الميراث لوصف قائما بهما لا يضعف في القرابة م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه) ش: أو هو جمع نسيب على وزن فعيل، وهو القريب كالأنصباء في جمع النصيب م: (في جميع ما ذكرنا) ش: يعني من القيود المذكورة على قول أبي حنيفة خلافا لهما م: (لأن كل ذلك لفظ جمع) ش: والمعتبر في كل جمع اثنان.
م: (ولو انعدم المحرم) ش: يعني إن لم يكن الوصي محرم في هذه المسائل م: (بطلت الوصية) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الوصية عنده لذي الرحم، فإذا لم يكن للموصي قريب محرم كانت الوصية للمعدوم وهي باطلة، وهي معنى قوله: م: (لأنها مقيدة بهذا الوصف) ش: أي لأن الوصية مقيدة بوصف المحرمية.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " قال " لم يقع مناسبا؛ لأن عادة المصنف أنه لم يذكر لفظ " قال " إلا إذا كانت مسألة القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كانت مذكورة في " البداية "، وهذه مع ما بعدها، أي قوله ومن أوصى لولد فلان ليست من تلك الجملة، وكل هذه المسائل مذكورة في " مختصر الكرخي "، انتهى.
قلت: يمكن أن يقال: إن فاعل " قال " هذا المصنف؛ لأن من عادته في مواضع يقول " قال " ويكون المراد به قال المصنف، ولما أخذ هذه المسألة " مختصر الكرخي " نقل كلامه بقوله: م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ومن أوصى لأهل فلان فهي) ش: أي الوصية م: (على زوجته) ش: أي زوجة فلان م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقال يتناول كل من يعولهم) ش: يعني فلان م: (وتضمنهم نفقته) ش: أي يجمعهم نفقته م: (اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية

(13/470)


وله: أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ، ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة. قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته؛ لأن الآل القبيلة التي ينسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
93 -) ش: فإنه ليس المراد به الزوجة فقط، وكذا قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] (النمل: الآية 57) لكن لا يدخل مماليكه وإن كان يضمنه نفقته؛ لأن الأهل لا يطلق عليهم في العرف.
وفي " مختصر الكرخي ": قال أبو يوسف ومحمد: هذا على جميع من يعوله فلان ممن يضمنه نفقته غريبا كان أو غيره، الزوجة واليتيم في حجره، والولد إذا كان يعوله فإن كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كانت بنتا قد تزوجت فليس من أهله. وفي " الزيادات ": ولا يدخل في ذلك مماليكه ولا وارث للموصي، ولا يدخل فلان الموصى له أهله في معنى من هذه الوصية.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ش: قاله الأترازي: وفي الاستدلال بقوله نظر؛ لأنه لم يرد في الآية الزوجة خاصة؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] بلفظ الجمع، والآية في سورة القصص، وكذلك خاطب في سورة طه: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10] وقال الأكمل: الجواب أنه لم ينقل أنه كان معه أحد من أقاربه أو أقاربها ممن ضمتهم نفقته، فإن كان معه أحد من الأقارب لم يدخل فيه بالاتفاق على أن الحقائق لا يستدل عليها؛ لأن طريق معرفتها السماع كما عرف في الأصول.
وإنما استشهد بالآية قياسا، فإن ثبت إنما في الآية ليس على معنى الحقيقة لا ينافي مطلوبه، كالآيات التي استدل بها الأترازي، فإنه قال: وجه قولهما أن اسم الأهل ينطلق على كل من يعوله ويضمنه نفقته بدليل قَوْله تَعَالَى في قصة يوسف: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وقَوْله تَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] وقَوْله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] ولم يرد في هذه المواضع الزوجة خاصة، فيحمل على الكل.
م: (ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا) ش: أي تزوج م: (والمطلق ينصرف إلى الحقيقة) ش: يعني لغة وعرفا، فلا يعدل عنهما م: (قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته: لأن الآل القبيلة التي ينسب إليها) ش: فيدخل فيه كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام الأقرب والأبعد، والذكر والأنثى، والمسلم والكافر، والصغير والكبير فيه سواء، ولا يدخل فيه أولاد البنات وأولاد الأخوات ولا أحد من مراتب أمه؛ لأنهم ينسبون إليه لأن النسب يعتبر من الآباء.

(13/471)


إليها. ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت. ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه. بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب. ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة، فجاز حمله على الفقراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت) ش: وعن أحمد أن أهل البيت بمنزلة قوة القرابة م: (ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه) ش: أي يتخذ الجنس من أبيه إذ الجنس عبارة عن النسب، والنسب من جانب الأب لا من جانب الأم، فإن إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان من هاجر، وكان من جنس قوم أبيه، وإبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من جنس قريش، وكذا أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة م: (بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب) ش: فيدخل في الوصية لقرابة كل من الجانبين.
م: (ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء، منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة، وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة فجاز حمله على الفقراء) ش: والأيتام جمع يتيم، وهو اسم لمن كان دون البلوغ ولا أب له، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يتم بعد احتلام» ، رواه أصحاب السنن عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والعميان جمع أعمى، والزمني جمع زمن، والأرامل جمع أرمل، والأرمل هو الذي لا يقدر على شيء سواء كان رجلا أو امرأة من أرمل إذا افتقر من الرمل كالرفع من الرفعا وهي الثواب، ومن الناس من قال: الأرمل في النساء خاصة، والمختار عند المصنف هو الأول حيث قال: ذكورهم وإناثهم وهو اختيار الشعبي. وقال: أرمل القوم إذا فقدوا زادهم وصاروا محتاجين.
ومن لا زوجة له من الرجال هل يدخل فيه؟ قال الشافعي - في وجه - وإسحاق: يدخل وهو قول الشعبي، وعند أكثر أهل العلم.: لا يدخل. قال الشعبي: هذا اللفظ يطلق على الذكر

(13/472)


بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه ليس في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لغة قال الشاعر:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
قلنا: المعروف في كلام الناس بأنه النساء، وفي الشعر إطلاقه يجوز ولهذا وضعه بالذكر والأنثى والشيء لا يوصف بنفسه، ولئن كان حقيقة فقد هجرت الحقيقة بالعرف كما في سائر الحقائق العرفية.
ثم حد الإحصاء عند أبي يوسف أن لا يحصون بكتاب ولا حساب فهم لا يحصون.
وقيل: بحيث يحصى بهم الحصى حتى يلد فيهم مولودا ويموت فيهم، وهو قول محمد إذا كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون. وقال بعضهم: هو مفوض إلى رأي القاضي، وعليه الفتوى، وما قال محمد هو الأيسر، كذا في " فتاوى قاضي خان -. وعند الأئمة الثلاثة أن الوصية للكل سواء كانوا يحصون أو لا، ويدخل فيهم الأغنياء والفقراء.
وقال الكرخي في " مختصره ": قال أبو يوسف ومحمد: إذا أوصى بثلث ماله لأيتام بني فلان، فإن كانوا يحصون دخل فيهم الغني والفقير، فكان الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء وإن كانوا لا يحصون فالثلث للفقراء منهم كأنه قال أوصيت للمساكين فيعطي الموصي من شاء منهم، وكذلك لو قال: أوصيت بثلث مالي لعميان بني فلان أو لزمنى بني فلان , فإن كانوا لا يحصون فالثلث بينهم للغني والفقير كلهم بالسوية، وإن كانوا يحصون فالثلث للفقراء منهم على ما وصفت لك، وإذا أوصى لأرامل بني فلان فالوصية بينهن لكل امرأة محتاجة لأن لها زوج طلقها أو مات عنها فهذه الأرملة قد أرملت من زوجها ومالها، ولا يدخل في ذلك ذكر محتاج ولا غني، ولا يدخل في ذلك امرأة غنية، فإن لم يمكن الإحصاء قسم ذلك بينهن بالسوية، وإن كن لا يحصين فهذا على ما وصفت لك من أمر المساكين.
م: (بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى) ش: أي أوصى لأيامى م: (بني فلان) ش: الأيامى جمع أيم، وهي التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا م: (وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس في اللفظ) ش: أي لفظ الشأن والأيامى م: (ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء، ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم) ش: وفي - المبسوط -: فإذا لم يكن فيه ما ينبئ عن الحاجة كان

(13/473)


وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر. ولو أوصى لبني فلان يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور يتناول الإناث، ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المقصود هو التمليك، وجهالة التمليك مانعة لصحة التمليك إذ الصرف إلى الكل غير ممكن، وليس بعضهم أولى من بعض، فكانت الوصية باطلة.
في " الإيضاح ": الشاب من خمسة عشر إلى خمس وعشرين سنة إلى أن يبلغ عليه الشمط. والكهل من ثلاثين سنة إلى أن يغلب عليه النمط إلى آخر عمره. والشيخ ما زاد على خمسين سنه فجعل أبو يوسف الشيخ والكهل سواء فما زاد على خمسين.
وعن محمد: الغلام ما كان له أقل من خمسة عشر سنة، والفتى من بلغ خمسة عشر وفوق ذلك والكهل إذا بلغ أربعين فزاد عليه ما بين خمسين إلى ستين إلى أن يغلب عليه الشيب حتى يكون شيخا. وعند أكثر أهل العلم: الكهل ابن ثلاثين حتى يبلغ خمسين، فإذا جاوز خمسين يكون شيخا إلى أن يموت.

[الوصية للفقراء والمساكين]
م. (وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر) ش: ولم يذكر المصنف فيه الخلاف، فينبغي أن يكون هذا على قول محمد؛ لأنه لا يجوز إلا الدفع إلى اثنين فصاعدا، وعندهما: يجوز أن يدفع كله إلى فقير واحد؛ لأن الكلام يصرف إلى الجنس والجنس إلى ثلاثة؛ لأنه أقل الجمع، وعن أحمد: يكفي الواحد كما في الزكاة، ولو أوصى لبني فلانة يدخل فيه الإناث في قول أبي حنيفة أول قوليه، وهو قولهما: لأن جمع الذكور يتناول الإناث ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة. إيضاح هذا م: (ولو أوصى لبني فلان) ش: فلا يخلو إما أن يريد لعمومه الإضافي، أو يكون اسم قبيلة أو فخذ، فإن كان الأول م: (يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رجع إليه، وكان يقول أولا: يدخل م: (أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور) ش: والخلاف عند الاختلاط بما إذا كن في بيت الإناث مفردات فلا يدخل بالاتفاق إلا أن يذكره المصنف؛ لأن حقيقة الاسم للذكور، وانتظامه الإناث يجوز، والكلام بحقيقته ألا ترى أنه يصح أن يبقى اسم البنين على البنات، ولا يصح في الذكور. فلو تناولهما يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز.
فإن قيل: خطاب الذكور م: (يتناول الإناث ثم رجع، وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة

(13/474)


لاسم للذكور، وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته. بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاسم للذكور وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته) ش: بالإجماع، مع أن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان؟ .
قلنا: خطاب المكلف دل على أن المراد العقلاء، إذ التكليف يبنى على العقل، فيتناولهم عموم المجاز، أما هاهنا لم يدخل على العموم دليل، بل دل على الخصوص، وهو أن الموصي لم يقل: لأولاد فلان، بل قال: لبني فلان.
م: (بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ) ش: القبيلة واحدة القبائل، وهو بنو أب واحد، والفخذ بفتح الفاء وكسر الخاء في العشائر أقل من البطن، وبيانه أن العرب على ست طبقات، وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، والشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمارة، والعمارة تجمع البطون، والبطون تجمع القبائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: إذا أوصى لبني كنانة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر؛ لأنه فوقهم، ويدخل أولاد كنانة إلى الفصيلة. وإذا أوصى لبني قريش وهو عمارة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر وكنانة لأنهم فوقهم، ويدخل أولاد قريش وقصي وأولاده والعباس وأولاده؛ لأن هؤلاء دونهم، وإذا أوصى بثلث ماله لبني فلان وهو قبيلة فالثلث بينهم على السوية إذا كانوا يحصون.
م: (حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم، إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم) ش: وهو جمع حليف، وهو اسم من يأتي قبيلة فيحلف لهم ويحلفون لهم على التناصر. وقال الكرخي في " مختصره -: وإذا قال لبني فلان وبنو فلان أولئك قبيلة لا تحصى مواليهم في الوصية مولى الموالاة الذين أسلموا على أيديهم ووالوهم ومولى العتاقة وحلفاؤهم وأعدادهم معهم.
وإن كان أوصى لبني فلان وهم بنو أب وليسوا بقبيلة ولا فخذ كانت الوصية لبني فلان من العرب خاصة دون الموالي والحلفاء انتهى.

(13/475)


قال: ومن أوصى لولد فلان فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا. ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لما نص على لفظ الورثة آذن ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث. ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه: إن الوصية لهم جميعا، وذكر في موضع آخر: أنه يوقف حتى يصالحوا. له: أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى، فصار كالإخوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأعداد جمع عدد، يقال: فلان عديد بني فلان، أي يعد منهم.

[أوصى لولد فلان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لولد فلان) ش: وفي بعض النسخ: وإذا أوصى لولد فلان م: (فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا) ش: يعني بطريق الحقيقة؛ لأنه يتناول أحدهما حقيقة، والآخر مجازا. وقال الفقيه أبو الليث في كتاب (نكت الوصايا -: ولو أوصى لولد فلان وليس لفلان ولد صلب فالوصية لولد ولده. وإذا كان له ولد واحد من ولد الصلب فالوصية كلها له وليس لولد الولد شيء.
وقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": لو كان له ولد واحد ذكرا أو أنثى فجميع الوصية له، وذكر الكرخي في " مختصره " بخلاف ذلك، فإذا قال: وصيت بثلث مالي لولد فلان وله ولد لصلبه ذكور وإناث كان الثلث لهم بعد أن يكونوا اثنين فصاعدا ولم يكن لولد ولده شيء، وإن كان لصلبه واحد وله ولد كان للذي لصلبه نصف الثلث ذكرا كان أو أنثى، وكان ما بقي لولد وده من سفل منهم ومن قرب بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء، وهذا كله على قياس أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولأنه لما نص على لفظ الورثة آذن) ش: أي أعلم م: (ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث) ش: ولا يعلم منه خلاف م: (ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة) ش: هذه من مسائل " الجامع الكبير، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في بعض كتبه: أن الوصية لهم جميعا) ش: وبه قال أحمد وزفر م: (وذكر في موضع آخر أنه يوقف حتى يصالحوا) ش: أي حتى يصطلح، وله في قول آخر الوصية للأعلى لأنه أقوى. وقال أبو ثور: الكل يدخلون في الوصية، ولكن يقرع بينهما؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى فصار كالأخوة) ش: أي كما إذا أوصى لأخوة فلان وهم متفرقون لأب وأم

(13/476)


ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة، والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات. بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي، ولا تنافي فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولأب ولأم فالوصية لهم جميعا ولا يكون البعض أولى من البعض.
م: (ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات) ش: احترز به عن موضع النفي، مبنى هذا الكلام على جواز عموم المشترك وعدم جوازه، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيزه، فأجاز هذا، وأصحابنا ما جوزوه، فكذلك هذا. والمروي عن الشافعي رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لكن لا على جواز عموم المشترك بل على أن لفظ المولى على الأعلى والأسفل، كالأخوة على بني الأعيان وبني فلان وبني الأضياف، وليس بظاهر؛ لأن معنى الأخوة في الجمع واحد وهو اشتمال صلب الأب أو الرحم عليهم، ومعنى المولى ليس كذلك فإن معنى الأعلى منعم وهو معنى الأسفل منعم عليه، فكان في أحدهما معنى الفاعل، وفي الآخر معنى المفعول واليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: إن الجهة مختلفة، فصار مشتركا فلا يشتملها معنى واحد في موضع الاثنان، هذا اختيار شمس الأئمة وعامة أصحابنا على أن لا عموم للمشترك لا في النفي ولا في الإثبات، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى ما قال شمس الأئمة قال: فلا ينتظم اللفظ واحد في موضع الإثبات.
ثم أجاب عن مسألة الحلف بقوله: م: (بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي) ش: أي لأن قوله لا نكلم مقام النفي م: (ولا تنافي فيه) ش: أي في عموم النفي في المختلفين، أي نفي المختلفين في محل واحد لا يستحيل، وفي الإثبات يستحيل قال الأترازي: أن اجتماع الحنطة والشعير في معنى واحد يستحيل في حالة واحدة، ولا يستحيل انتفاؤهما، وكذا في اليوم الواحد يستحيل اجتماع صومين مختلفين لا يستحيل فيصح أن يقال: لا يوجد فيه صوم فرض ولا نفل.
والجواب عن مسألة، ما ذهب إليه شمس الأئمة، وهو أن عموم المشترك لا يجوز في موضع الإثبات إذ ترك الكلام مع الموالي مطلقا ليس لوقوعه في النفي بل لأن الحامل على اليمين بعضه وهو غير مختلف بذلك المعنى كالشيء.
فإن قيل: سلمنا أن لفظ المولى مشترك لكن حكمه التوقف، - قال: فالوصية باطلة

(13/477)


ويدخل في هذه، الوصية من أعتقه في الصحة والمرض ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت، والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم ويدخل فيه عبد، قال له مولاه: إن لم أضربك فأنت حر؛ لأن العتق يثبت قبيل الموت عند تحقق عجزه. ولو كان له موال وأولاد موال وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم دون موالي الموالاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن الكلام فيما إذا مات الموصي قبل البيان والتوقف في مثله لا يعتد.
فإن قيل: الترجيح من جهة أخرى ممكن، وهو أن يصرف الوصية إلى المولى الذي أعتقه؛ لأن شكر المنعم واجب، وأما فضل الإنعام في حق المنعم عليه فمندوب، والصرف إلى الواجب أولى منه إلى المندوب، كما هو المروي عن أبي يوسف لهذا المعنى؟
أجيب: بأنها معاوضة من جهة أخرى، وهو أن العرف جاز بوصية الثلث من المال للفقهاء والغالب في المولى الأسفل الفقراء وفي الأعلى الغني، والمعروف عرفا كالمشروط شرعا كما هو المروي عن أبي يوسف، بهذا المعنى.
م: (ويدخل في هذه الوصية من أعتقه في الصحة والمرض) ش: أي يدخل فيما إذا أوصى إلى مواليه المعتق في الصحة والمرض جميعا م: (ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله) ش: أي من تحقق الاسم المولى قبل الموت ولم يتحقق؛ لأن اسم المولى لا يتم إلا بعد عتقهم وعتقهم بعد الموت.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم) ش: أي استحقاق الولاء لازم، وهو التدبير والاستيلاد، وهذه الرواية ذكرها الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع ") م: (ويدخل فيه) ش: أي في الإيصاء لمواليه م: (عبد قال له مولاه إن لم أضربك فأنت حر لأن العتق يثبت قبل الموت عند تحقق عجزه) ش: صورته: قال مولى العبد له: إن لم أضربك فأنت حر فمات قبل أن يضربه عتق قبل موته ودخل في الوصية؛ لأنه من مواليه؛ لأنه يعتق في آخر جزء من أجزاء الحياة لتحقق عدم الضرب منه في تلك الحالة ووقوع اليأس من حصوله، فيصير مولى له ثم يتعقبه الموت، ثم تنفذ الوصية فيكون مولى له وقت نفوذ الوصية وجوبها.
م: (ولو كان له موال وأولاد موالي وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم) ش: لأنهم مواليه حقيقة، ولهذا لا يصح، ففي ولاء أولاد الموالي عنه م: (دون موالي الموالاة) ش: أي لا يدخل، وبه قالت الأئمة الثلاثة.

(13/478)


وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا , والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام , وفي الموالي عقد الالتزام، والإعتاق لازم، فكان الاسم له أحق، ولا يدخل فيهم موالي الموالي؛ لأنهم موالي غيره حقيقة. بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه بإعتاق وجد منه؛ وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي؛ لأن اللفظ لهم مجاز , فيصرف إليه عند تعذر اعتبار الحقيقة. ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة , لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا، والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء) ش: لأنه باشر سبب ولاء كل وحكي عن الكرخي: أن الوصية باطلة؛ لأن الاسم يتناول كل فريق بطريق الحقيقة فلا يصح لمكان الجهالة.
م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام وفي الموالي عقد الالتزام) ش: بين اختلاف الجهة بقوله في المعتق - بكسر التاء - الإنعام، وفي الموالي عقد الالتزام وهو ظاهر م: (والإعتاق لازم) ش: هذا جواب عما يقال: لما كانت الجهة مختلفة في المعتقين وموالي الموالاة في أحدهما الإنعام، وفي الآخر عند الالتزام كان ينبغي أن يبطل الوصية، فأجاب عنه بقوله: والإعتاق لازم لا يحتمل الفسخ م: (فكان الاسم له أحق) ش: وولاء الموالاة يحتمل الفسخ، فكان اسم المولى للمعتق أولى وأحق من مولى الموالاة.
م: (ولا يدخل فيهم موالي الموالي) ش: أي في الوصية للموالي م: (لأنهم موالي غيره حقيقة) ش: وليسوا بموالي الموصي حقيقة؛ لأن مولاه حقيقة هو الذي باشر العتق، وإنما أضيفوا إليه بطريق التسبيب مجازا؛ لأنه باشر سبب ما هو سبب ولائهم عتاقة للموالي الأولين، ولهذا يصح نفي الاسم عنهم بالاتفاق لأن هؤلاء ليسوا بمواليه، وإنما هم موالي مواليه، واللفظ إذا عمل بحقيقته لا ينصرف إلى المجاز.
م: (بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه) ش: أي إلى المولى م: (بإعتاق وجد منه) ش: أي من المولى م: (وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي) ش: يعني إذا لم يكن للموصي موالي أعتقهم، ولا أولادهم تكون الوصية لموالي الموالي م: (لأن اللفظ لهم مجاز) ش: يعني إن اللفظ يتناولهم مجازا م: (فيصرف إليه) ش: أي فينصرف اللفظ إلى المجاز م: (عند تعذر اعتبار الحقيقة) ش: لأن الحقيقة إذا لم تكن وجب العمل بالمجاز صونا لكلام العاقل عن الإلغاء.
م: (ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز) ش: لأن الحقيقة موجودة فينتفي المجاز. وقال العتابي في " شرح الجامع ": فإن

(13/479)


ولا يدخل فيه موال أعتقهم ابنه أو أبوه؛ لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة، ولا مجازا، وإنما يحرز ميراثهم بالعصوبة، بخلاف معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان من مواليه أو من أولادهم اثنان استحقا جميع الثلث لأن الاثنين جمع في باب الوصية كما في الميراث، وإن كان واحدا فله النصف، أي نصف الثلث؛ لأنه نصف أدنى الجمع، والنصف الآخر يصرف إلى ورثة الموصي لا إلى موالى المولى لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن لم يكن أحد من الموالي ولا من أولادهم فحينئذ يصرف إلى موالي الموالي.
م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في الموالي في قوله ثلث مالي للموالي م: (موال أعتقهم) ش: هكذا في النسخ، ولكن الصواب أعتقهم م: (ابنه أو أبوه) ش: كما ذكر في " الإيضاح " و " الجامع الكبير " للصدر حميد و " الكافي "، وغيرها؛ لأن التعليل الذي ذكره لا يطابق ما ذكره، وإنما يصح فيمن أعتقهم أبوه أو ابنه، ذكر في " الإيضاح ":
ولو كان له ابن وموالى أعتقه ابنه فأوصى بالثلث لمواليه لم يكن لموالي ابنه شيء م: (لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة ولا مجازا) ش: فلم يدخلوا تحت اللفظ وفي نسخته: " ألا ترى " بخطه، ولا يدخل فيه بموالي قد أعتقهم ابنه م: (وإنما يجوز ميراثهم بالعصوبة) ش: هذا جواب عما روي عن أبي يوسف أن موالي ابنه تدخل إذا مات أبوه وورث ولاءه؛ لأنهم مواليه حكما، ولهذا يجوز ميراثهم.
وبيانه أن احترازه الميراث ما كان لكونه مولى له، لكن كشرع أقام عصبة المعتق مقام المعتق في حق الميراث؛ لأن الولاء كالنسب لا يورث نص عليه صاحب الشرع قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث» ، وهو نص صريح في عدم الانتقال، فكان بطريق العصوبة.
م: (بخلافه معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب) ش: قال تاج الشريعة: قيل: الصواب المعتق، وهكذا في " المبسوط " و (الإيضاح) يريد به إذا لم يكن موالي أولاد الموالي، وقال السغناقي: هكذا وقع في النسخ وليس بصواب، والصواب أن يقول: بخلاف معتق المعتق، كما هو المذكور في " الإيضاح "؛ لأنه يثبت بهذا الفرق بين موالي الموالي، وبين موال أعتقهم أبوه أو ابنه على ما ذكرنا في النسخة الصحيحة.
وقال الأترازي: قوله: " بخلاف معتق البعض " يرتبط بقوله: " ولا يدخل فيه موال قد أعتقهم ابنه " يعني أن معتق البعض يدخل تحت الوصية للموالي؛ لأنه مولاه حقيقة. بخلاف موالي الابن؛ لأنهم ليسوا مواليه أصلا، ولكن يبقى أن يكون هذا على مذهبهما؛ لأن معتق

(13/480)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البعض عند أبي حنيفة كالمكاتب، والمكاتب لا يدخل تحت الوصية للمولى، فكذا معتق البعض فعن هذا غير بعضهم لفظ الكتاب وقال بخلاف معتق المعتق، يعني أن معتق المعتق يدخل تحت الوصية للموالي إذا لم يكن الموالي ولا أولادهم لأن ولاء المعتق ينسب إلى الموصي مجازا، بخلاف معتق الابن، فإنه لا ينسب إليه لا حقيقة ولا مجازا.
انتهى. وقال الأكمل: وذكر بعض الشارحين أو النسخة في قوله: " ولا يدخل موالي أعتقهم بإثبات لفظ ابنه وهاهنا بخلاف معتق البعض، وجعله مرتبطا بقوله: ولا يدخل فيه موالي أعتقهم أبيه ثم ساق الأكمل كلام الأترازي إلى آخر ما ذكرنا عنه؛ لأنه أراد بقوله " بعض الشارحين " الأترازي، ثم قال الأكمل في آخر كلامه: وفيه تصحيح نسخة الكتاب في الموضعين وإن كان فيه بعد من حديث الإيراد على مذهبهما. انتهى.
قلت: لا بعد فيه على ما لا يخفى.

(13/481)