البناية
شرح الهداية باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة قال:
وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز بذلك أبدا؛ لأن
المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل وغير بدل، فكذا بعد الممات
لحاجته، كما في الأعيان ويكون محبوسا على ملكه في حق المنفعة حتى يتملكها
الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك
الواقف، وتجوز مؤقتا ومؤبدا كما في العارية، فإنها تمليك على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة]
[الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة]
م: (باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية
بسكنى داره وبخدمة عبده وثمرة بستانه، ولما فرغ من بيان وصية الأعيان شرع
في بيان وصية المنافع التي هي الأعراض وأخرجها عن الأعيان؛ لأنها بعد
الأعيان وجودا فأخرها عنها.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين
معلومة، وتجوز) ش: الوصية بالمنفعة مؤقتا ومؤبدا " عند أكثر أهل العلم،
وكذا بالعلة إلا عند ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا تصح؛ لأن المنفعة معدومة،
ولا تصح بالمعدوم.
ولو وجد المنفعة والعلة بعد موت الموصي يكون ملكا للوارث واعتبارا لوصيته
بعد الموت وتجوز م: (بذلك) ش: أي بإيصاء الأشياء المذكورة م: (أبدا؛ لأن
المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل) ش: كما في الإجارة م: (وغير بدل)
ش: كما في الإعارة م: (فكذا بعد الممات لحاجته) ش: وهي تلاقي بعض ما فرط
منه من التفريط م: (كما في الأعيان) ش: أي كما يصح تمليك المنافع في الحياة
في الأعيان نحو الإجارة والإعارة.
م: (ويكون) ش: أي العين م: (محبوسا على ملكه) ش: أي ملك الموصي م: (في حق
المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع
الوقف على حكم ملك الواقف) ش: وجه التشبيه بينهما من حيث أن كلا منهما
استيفاء المنافع الحادثة على حكم ملك الموصي والواقف، وقد عرفت أن الواقف
جنس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة وكذلك هذه الوصية حبس العين على
ملك الموصي والوصية بالمنفعة إلا أن هذه إذا كانت مؤقتة تعود إلى ملك
الورثة بعد انقضاء الوقت.
م: (وتجوز) ش: أي الإيصاء بهذه الأشياء المذكورة حال كونه م: (مؤقتا) ش:
بأن عين مؤقتا من الأيام أو الأشهر أو السنين م: (ومؤبدا) ش: أي وحال كونه
مؤبدا م: (كما في العارية) ش: فإنها تجوز مؤقتة بوقت، ويجوز بغير وقت م:
(فإنها) ش: أي فإن العارية م: (تمليك على
(13/482)
أصلنا بخلاف الميراث؛ لأنه خلافة فيما
يتملكه المورث، وذلك في عين تبقى، والمنفعة عرض لا يبقى، وكذا الوصية بغلة
العبد والدار؛ لأنه بدل المنفعة، فأخذ حكمها، والمعنى يشملهما.
قال: فإن خرجت رقبة العبد من الثلث يسلم إليه ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في
الثلث لا يزاحمه الورثة. وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى
له يوما؛ لأن حقه في الثلث وحقهم في الثلثين، كما في الوصية في العين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصلنا) ش: احترز به عن أصل الشافعي، فإن أصلها عنده إباحة المنافع وهو قول
الكرخي أيضا، حتى لا يملك المستعير إجارة ما استعاره ولو كان تمليكا لها
لملك إجارتها.
ونحن نقول: إنما لم يجز إجارتها لأنها أقوى وألزم من الإعارة، والشيء لا
يستتبع مثله فبالأحرى أن لا يستتبع الأقوى، وإذا كانت الإعارة تمليك
المنافع فيجوز للمستعير إعارتها لغيره، ولو كانت إباحة لما جازت وقد مر
مستوفى في كتاب العارية.
م: (بخلاف الميراث) ش: أراد بهذا أن الوصية تخالف الميراث حيث لا يجري
الميراث في المنفعة وهي الخدمة دون الرقبة م: (لأنه) ش: أي لأن الميراث، أي
الإرث م: (خلافة) ش: وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث م: (فيما يتملكه
المورث) ش: يعني فيما كان ملكا له، وهذا لا يتصور إلا فيما لا يبقى وقتين،
وهو معنى قوله: م: (وذلك في عين تبقى والمنفعة عرض لا يبقى) ش: فيما يبقى
وقتين، بخلاف الوصية، فإنها إيجاب ملك العقل بمنزلة الإجارة والإعارة.
م (وكذا) ش: أي وكذلك تجوز م: (الوصية بغلة العبد والدار) ش: كما تجوز
الوصية بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الإيصاء بغلة م: (بدل
المنفعة، فأخذ حكمها) ش: أي حكم المنفعة م: (والمعنى) ش: وهو جماعة الوصي
م: (يشملهما) ش: أي يشمل جواز الوصية بغلة العبد وجوازها بخدمته، وكذلك في
الدار.
[أوصى بخدمة العبد مؤبدا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن خرجت رقبة العبد من الثلث) ش: يعني إذا
أوصى بخدمة العبد مؤبدا م: (يسلم إليه) ش: أي يسلم العبد إلى الموصي له م:
(ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة) ش: لأنهم لا حق لهم
في الثلث.
م: (وإن كان لا مال له) ش: أي للموصي م: (غيره) ش: أي غير العبد الموصى
بخدمته م: (خدم الورثة يومين والموصى له) ش: أي خدم الموصى له م: (يوما؛
لأن حقه) ش: أي حق الموصى له م: (في الثلث وحقهم) ش: أي وحق الورثة م: (في
الثلثين، كما في الوصية في العين) ش: أي كما أنهم يقسمون مع الموصى له
بالثلث والثلثين فيما إذا أوصى بثلث في عين ولا مال له غيره.
(13/483)
ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ،
فصرنا إلى المهايأة إيفاء للحقين بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا
تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة
بالأجزاء، وهو أعدل للتسوية بينهما زمانا وذاتا، وفي المهايأة تقديم أحدهما
زمانا، ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن الحق لهم
إلا أن الأول وهو الأعدل أولى، وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي
الدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لهم ذلك؛ لأنه خالص ملكهم.
وجه الأول: أن حق الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال
آخر، وتخرج الدار من الثلث. وكذا له حق المزاحمة فيما في أيديهم إذا خرب ما
في يده، والبيع يتضمن إبطال ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ، فصرنا إلى المهايأة إيفاء
للحقين) ش: أي حق الموصى له وحق الورثة، والمهايأة المشار به في المدة من
حيث الزمان.
م: (بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين
الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة بالأجزاء وهو) ش: أي قسم عين
الدار م: (أعدل للتسوية بينهما) ش: أي بين الموصى له وبين الورثة لأنه يحصل
التسوية بينهم.
أي بين الموصى له والورثة م: (زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن كل واحد
يستوفي نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفي صاحبه م: (وذاتا) ش: أي من
حيث الذات وهو ظاهر.
م: (وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن فيهما
تقديم أحدهما على الآخر زمانا، فلا يصار إليها إلا عند تعذر القسمة
بالأجزاء، ولكن مع هذا تهاتر على القسمة من حيث الزمان جاز أيضا، وإليه
أشار بقوله: م: (ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن
الحق لهم، إلا أن الأول وهو الأعدل أولى) ش: لما ذكرنا أن كل واحد يستوفي
نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفيه صاحبه م: (وليس للورثة أن يبيعوا ما
في أيديهم من ثلثي الدار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - في رواية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لهم ذلك؛
لأنه خالص ملكهم) ش: وبه قال أحمد في المنصوص عنه م: (وجه الأول أن حق
الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال آخر، وتخرج الدار من
الثلث) ش: وكان هو أحق بسكنى جميعها م: (وكذا له) ش: أي إلى الموصى له م:
(حق المزاحمة) ش: مع الورثة م: (فيما في أيديهم إذا خرب ما في يده) ش: أي
في يد الموصى له م: (والبيع) ش: أي بيع الورثة فيما في أيديهم م: (يتضمن
إبطال ذلك) ش: أي حق المزاحمة م:
(13/484)
فمنعوا عنه.
قال: فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة. لأن الموصي أوجب الحق للموصى
له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها
ابتداء من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في
حياة الموصي بطلت الوصية؛ لأن إيجابها تعلق بالموت على ما بيناه من قبل.
ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه بنفسه أو سكنها بنفسه، قيل: يجوز ذلك؛
لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود، والأصح: أنه لا يجوز؛ لأن الغلة
دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها، وهذا استيفاء المنافع، وهما متغايران
ومتفاوتان في حق الورثة، فإنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد
منه بعد استغلالها، ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها، وليس
للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فمنعوا عنه) ش: أي منع الورثة عن البيع.
[مات الموصى له في حياة الموصي]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة؛ لأن
الموصى أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى
وارث الموصى له استحقها ابتداء) ش: أي في الابتداء م: (من ملك الموصي من
غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية؛
لأن إيجابها تعلق بالموت) ش: أي لأن إيجاب الوصية يتعلق بموت الموصي م:
(على ما بيناه من قبل) ش: اعتبار حالة الوصية في بيان الفرق بين جواز
الإقرار وبطلان الوصية؛ لأنها إيجاب عند الموت.
م: (ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه) ش: أي فاستخدم الموصى له العبد
م: (بنفسه أو سكنها) ش: أي الدار م: (بنفسه قيل: يجوز ذلك) ش: قال
الأسبيجابي: لم يذكر هذا في ظاهر الرواية، واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم:
يجوز ذلك، وبه قال أبو بكر الإسكاف م: (لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل
المقصود) ش: وهو الانتفاع بالعبد أو الدار م: (والأصح: أنه لا يجوز) ش: وبه
قال أبو بكر بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأن الغلة دراهم أو دنانير
وقد وجبت الوصية بها) ش: أي بالغلة م: (وهذا) ش: أي الاستخدام بنفسه
والسكنى بنفسه م: (استيفاء المنافع) ش: من العبد والدار م: (وهما) ش: أي
الغلة والمنافع م: (متغايران) ش: وهو ظاهر م: (ومتفاوتان في حق الورثة،
فإنه لو ظهر دين) ش: على الميت م: (يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه)
ش: أي من الموصى له م: (بعد استغلالها ولا يمكنهم) ش: أي الاسترداد م: (من
المنافع بعد استيفائها بعينها) ش: أي بعين المنافع.
م: (وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -:
(13/485)
له ذلك؛ لأنه بالوصية ملك المنفعة فيملك
تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل لأنها كالأعيان عنده. بخلاف العارية لأنها
إباحة على أصله وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما
بعد الموت فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة، فإنها تمليك بغير بدل في
حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا
هذا، وتحقيقه: أن التمليك ببدل لازم وبغير بدل غير لازم، ولا يملك الأقوى
بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا
لغيره، والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع، فلهذا انقطع ما هو في وضعه
فغير لازم، ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها بالمال إحداث
صفة المالية فيها تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية
لمن يملكها تبعا لملك الرقبة، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
له ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن الموصى
له م: (بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل؛ لأنها
كالأعيان) ش: لأن المنفعة كالأعيان وفي العين يصح الاعتياض عنه سواء بملك
العين ببدل أو بغير بدل، فكذلك يصح الاعتياض عن المنفعة إذا تملكها م:
(عنده) ش: أي عند الشافعي.
م: (بخلاف العارية) ش: حيث لا يجوز م: (لأنها) ش: أي لأن العارية م: (إباحة
على أصله) ش: أي على أصل الشافعي م: (وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك
بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت، فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة،
فإنها تمليك بغير بدل) ش: ولهذا تنعقد بلفظ التمليك، حتى لو قال: ملكتك
منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة م: (في حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك
المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا هذا. وتحقيقه: أن التمليك ببدل
لازم، وبغير بدل غير لازم، فلا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية
تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره) ش: هذا جواب عما يقال
الوصية وإن كانت غير لازمة ابتداء، لكن تصير لازمة بعد الموت لعدم قبولها
الرجوع حينئذ، فأجاب بقوله: إن الرجوع إنما يكون للمتبرع لا بغيره، أي لا
يكون.
م: (والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع) ش: بعد الموت م: (فلهذا انقطع ما
هو) ش: أي الوصية على تأويل الإيصاء م: (في وضعه فغير لازم) ش: والاعتبار
للموضوعات الأصلية م: (ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها
بالمال إحداث صفة المالية فيها) ش: أي في المنفعة م: (تحقيقا للمساواة في
عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية) ش: يعني ولاية إحداث صفة المالية في
المنافع م: (لمن يملكها) ش: أي لمن تملك المنافع م: (تبعا لملك الرقبة) ش:
أي في ضمن ملكها م: (أو
(13/486)
لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا
لها بالصفة التي تملكها، أما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان
مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز.
وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في
غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث؛ لأن
الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا في مصره فمقصوده
أن يمكنه من خدمته فيه بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإذا كانوا في غيره
فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم. ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره
يجوز أيضا؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمن يملكها) ش: أي المنافع م: (بعقد المعاوضة) ش: كالإجارة، فإنه يجوز
للمستأجر أن يؤاجر العين، ويملك منفعتها من غيره إذا كانت العين مما يختلف
باختلاف المستعمل م: (حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها، أما إذا
تملكها) ش: أي المنافع م: (مقصودة بغير عوض) ش: لا في ضمن شيء آخر م: (ثم
ملكها بعوض) ش: بالإجارة م: (كان مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز)
ش: يعني بناء على ما قال لا يملك الأقوى بالأضعف.
واعترض عليه بإجارة الحر نفسه، فإنه لا يملك منفعته تبعا لملك رقبته ولا
بعقد المعاوضة. ويجوز له أن يملكها ببدل.
وأجيب بأن: كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوصية مراده بالنفقة
منفعة يجوز الوصية بها، ومنفعة الحر ليست كذلك فلا يكون واردا عليه.
[أوصى بغلة عبده أو بغلة داره]
م: (وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة) ش: يعني إذا أوصى رجل من أهل
الكوفة بخدمة عبده لزيد مثلا فليس لزيد أن يخرج هذا العبد الموصى بخدمته من
الكوفة إلى موضع آخر يستخدمه فيه م: (إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير
الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك) ش: وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: له إخراجه مطلقا م: (إذا كان يخرج من الثلث) ش:
احترز به عما إذا لم يخرج من الثلث فإنه ليس له الإخراج إلى أهله إلا
بإجازة الورثة م: (لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا
كانوا) ش: أي الموصى له وأهله م: (في مصره) ش: أي في مصر الموصي م:
(فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه) ش: أي في مصره م: (بدون أن يلزمه مشقة
السفر، وإن كانوا في غيره) ش: مصره، أي في غير مصر الموصي م: (فمقصوده أن
يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم) ش: وهذا معلوم بدلالة الحال.
م: (ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره يجوز أيضا) ش: أي كما يجوز أن يوصي
بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الغلة على تأويل المال، أو
ذكره بذكر الحر وهو المال، ولا
(13/487)
بدل المنفعة فأخذ حكم المنفعة في جواز
الوصية به، كيف وأنه عين حقيقة؛ لأنه دراهم أو دنانير فكان بالجواز أولى.
ولو لم يكن له مال غيره كان له ثلث غلة تلك السنة، لأنه عين مال يحتمل
القسمة بالأجزاء فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو
الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، فإنه يقول: الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك، فكذلك للموصى له
إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما يلاقيه
القسمة، إذ هو المطالب. ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة فلا
يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر برقبته، وهو يخرج
من الثلث، فالرقبة لصاحب الرقبة والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه أوجب لكل
واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر فتعتبر هذه الحالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نعلم فيه خلافا م: (بدل المنفعة، فأخذ حكم المنفعة في جواز الوصية به كيف)
ش: أي كيف لا يجوز م: (وأنه عين حقيقة) ش: أي والحال أن الغلة على تأويل
المال م: (لأنه دراهم أو دنانير، فكان بالجواز أولى) ش: أي فكان الإيصاء
بالغلة أقرب إلى الجواز من الإيصاء بالخدمة؛ لأن الخدمة منفعة بحصة ليست
فيها العينية، ولهذا لم يجز على قول ابن أبي ليلى، فإذا جاز الإيصاء
بالخدمة جاز الإيصاء بالغلة بالطريق الأولى؛ لأنها عبارة عن مال عين وهي
الدراهم أو الدنانير.
م: (ولو لم يكن له مال غيره) ش: أي غير الغلة، والتذكير في الضمائر على
التأويل كما ذكرنا م: (كان له) ش: أي للموصى له م: (ثلث غلة تلك السنة) ش:
يعني إذا لم يجز الورثة فكانت الوصية بغلة عبده م: (لأنه عين مال يحتمل
القسمة بالأجزاء، فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو
الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي " م: (فإنه) ش: أي
فإن أبا يوسف م: (يقول الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك) ش: أي طلب
القسمة م: (فكذلك) ش: يجوز للموصى (له) ش: طلب القسمة.
م: (إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما
يلاقيه القسمة، إذ هو المطالب، ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة
فلا يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر) ش: أي أوصى
لشخص آخر م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (وهو يخرج من الثلث) ش: الواو
فيه للحال م: (فالرقبة لصاحب الرقبة، والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه
أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر) ش: معناه أنه
عطف قوله: لآخر برقبته بالراء، وعلى قوله: أوصى له بخدمة عبده م: (فتعتبر
هذه الحالة) ش: أي حال
(13/488)
بحالة الانفراد، ثم لما صحت الوصية لصاحب
الخدمة فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون
الخدمة للموصى له، فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر إذ الوصية أخت الميراث
من حيث إن الملك يثبت فيهما بعد الموت. ولها نظائر، وهو ما إذا أوصى بأمة
لرجل وبما في بطنها وهي تخرج من الثلث، أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه، أو
قال: هذه القوصرة لفلان وما فيها من الثمر لفلان، كان كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العطف م: (بحالة الانفراد) ش: إحدى الوصيتين عن الأخرى، فلا تتحقق المشاركة
بينهما فيما أوجب لكل واحد منهما.
وقوله: م: (ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة) ش: كالبيان والتفسير لما قبله
من حالة الانفراد م: (فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا
للورثة مع كون الخدمة للموصى له) ش: من غير اشتراك م: (فكذا إذا أوصى
بالرقبة لإنسان آخر) ش: يكون الرقبة للموصى له بالرقبة خاصة، فكذا إذا أوصى
بالرقبة لإنسان آخر م: (إذ الوصية أخت الميراث من حيث إن الملك يثبت فيهما
بعد الموت) ش: ثم العبد الموصى بخدمة الشخص وبرقبته لآخر إما أن يكون أدرك
حق الخدمة أو لا، فإن كان للثاني منفعة على الموصى له بالرقبة إلى أن يدرك
الخدمة؛ لأن بالاتفاق عليه تنمو العين، وذلك منفعة لصاحب الرقبة.
فإذا أدرك الخدمة صار كالكبير. والمنفعة في الكبير على من له الخدمة؛ لأنه
إنما يتمكن من استخدامه بالاتفاق عليه إذ العبد لا يقوى على الخدمة إلا به
وإن كان الاتفاق عليه رده إلى من له الرقبة كالمستعير مع المعير.
وفي " المبسوط " و " الجامع " للتمرتاشي نفقة العبد الموصى لخدمته وكسوته
على صاحب الخدمة، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي وأحمد - رحمهما الله -
في رواية. وقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما: على صاحب الرقبة، وفي قول
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في كسبه، فإن لم يف ففي بيت المال.
وإن جنى جناية فالفداء على من له الخدمة. وفي " المحيط ": لو أبى صاحب
الخدمة أن يفديه فداه صاحب الرقبة أو يدفعه ويطلب الوصية.
م: (ولها) ش: أي وبهذه المسألة م: (نظائر) ش: ذكرها المصنف واضحة م: (وهو
ما إذا أوصى بأمة لرجل وبما في بطنها) ش: أي أوصى بما في بطنها لآخر م:
(وهي) ش: أي الأمة م: (تخرج من الثلث أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه أو
قال: هذه القوصرة) ش: بالتشديد والتخفيف، وهي التمر يتخذ من القضب م:
(لفلان وما فيها من الثمر لفلان كان كما أوصى ولا
(13/489)
أوصى ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف في
هذه المسائل كلها، أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها فكذلك الجواب
عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى قول محمد: الأمة للموصى له بها،
والولد بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة
للموصى له بها دون الولد وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية
لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي، فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء
كما في وصية الرقبة والخدمة. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن اسم الخاتم
يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم
القوصرة كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيء لصاحب الظرف في المظروف في هذه المسائل كلها) ش: المظروف هو الولد
والفص والتمر، هذا إذا كان أحد الإيجابين موصولا بالآخر.
م: (أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها) ش: أي في هذه المسائل م:
(فكذلك الجواب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كان كما أوصى، ولا
شيء لصاحب الظرف في المظروف م: (وعلى قول محمد الأمة للموصى له بها والولد
بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها) ش: والصواب في أختيها وهو الخاتم مع الفص،
والقوصرة مع التمر كذلك، قاله الكاكي.
وقال الأترازي: أي أخوات مسألة الوصية بالأمة لرجل وبما في بطنها لآخر،
وأراد بأخواتها مسألة الخاتم مع الفص، ومسألة القوصرة مع التمر، ومسألة
الشاة مع الصوف، ومسألة الدار مع البناء، ومسألة السيف مع الحلية، والبستان
والتمر مثل ذلك، والأرض والنخل مثل ذلك.
م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن
مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة للموصى له بها دون الولد، وهذا البيان
منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي،
فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء، كما في وصية الرقبة والخدمة) ش:
فإن هناك الموصول والمفصول سواء في الحكم.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) ش: تأخير تعليل محمد، والجواب عما استدل
به أبو يوسف في الكتاب. وفي " المبسوط " دليل على أن المعمول على قول محمد:
م: (أن اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في
بطنها، واسم القوصرة كذلك) ش: يعني يطلق على التمر والظرف جميعا.
(13/490)
ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم
على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص فقد اجتمع في الفص وصيتان وكل منهما وصية
بإيجاب على حدة، فيجعل الفص بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه
للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أوصى للثاني بالخاتم بخلاف الخدمة مع
الرقبة؛ لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له بحكم أن
المنفعة حصلت على ملكه، فإذا أوجب الخدمة لغيره لا يبقى للموصى له فيه حق
بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء، فتبين
أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص.
قال: ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم على سبيل الإحاطة بمنزلة
الخاص) ش: في أنه يوجب الحكم فيما يتناوله على وجه القطع، فإذا كان كذلك م:
(فقد اجتمع في الفص وصيتان، وكل منهما وصية بإيجاب على حدة، فيجعل الفص
بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا
أوصى للثاني بالخاتم) ش: لا يكون ذلك رجوعا عن الأول بل يكون الفص بينهما.
م: (بخلاف الخدمة مع الرقبة) ش: بأن أوصى برقبة العبد لإنسان وبرقبته لآخر
يكون ذلك كما أوصى، ولا تكون الخدمة مشتركة بينهما م: (لأن اسم الرقبة لا
يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له) ش: بالرقبة م: (بحكم أن المنفعة
حصلت على ملكه) ش: ولا حق للغير فيه م: (فإذا أوجب الخدمة لغيره) ش: أي إذا
أوصى بالخدمة لغيره م: (لا يبقى للموصى له فيه حق) ش: في الخدمة، فكان
الموصى له أخص بالخدمة.
م: (بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء) ش:
ذلك بيان تغير، فيصح بشرط الوصي م: (فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة
خاصة دون الفص) .
فإن قيل: الذي أوصى له بالخاتم فقد أوصى له بالفص أيضا فلم لا يكون الفص
بينهما؟.
أجيب بأن وصية صاحب الفص أقوى؛ لأنه مقصود إليه، ووصيته للآخر على وجه
التبع، فصار وصية صاحب الفص أولى وأقوى؛ لأنه مقصود إليه، فوجب أن يكون
أولى؛ لأن في الوصايا يعتبر الأقوى فالأقوى، ولهذا كان العتق في المرض أقوى
من سائر الوصايا.
[أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه
ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها) ش: أي في الثمرة الموجودة وقت
الموت، وإنما قيد بقوله وفيه ثمرة لأنه إذا لم يكن فيها ثمرة والمسألة
بحالها، فمسألة الثمرة كمسألة الغلة في أنه يتناول المعدوم ما عاش، ذكره في
" المبسوط "، ثم سقى البستان وخراجه وما فيه صلاحه على
(13/491)
وإن قال: له ثمرة بستاني أبدا فله هذه
الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش. وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة
القائمة وغلته فيما يستقبل، والفرق: أن الثمرة اسم للموجود عرفا، فلا
يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا
بتناول المعدوم، والمعدوم مذكور وإن لم يكن شيئا. أما الغلة فتنتظم الموجود
وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال: فلان يأكل من غلة بستانه ومن
غلة أرضه وداره، فإذا أطلقته يتناولهما عرفا غير موقوف على دلالة أخرى، أما
الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل
زائد. قال: ومن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله
ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على ظهورها من الصوف يوم
يموت الموصي سواء قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحب الغلة؛ لأنه هو المنتفع به كما في النفقة. والخلاف فيه كالخلاف في
النفقة.
م: (وإن قال له ثمرة بستاني أبدا فله هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما
عاش، وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة وغلته فيما يستقبل،
والفرق) ش: بين الغلة والثمرة م: (أن الثمرة اسم للموجود عرفا) ش: وفي "
المبسوط " الثمرة اسم للموجود حقيقة م: (فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة
زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا بتناول المعدوم والمعدوم
مذكور وإن لم يكن شيئا) ش: يعني إذا نص على الأبد تدخل الثمار الموجودة
باعتبار أنه مذكور لا باعتبار أن المعدوم شيء، كما إذا أوصى بثلث ماله لزيد
ولا مال له ثم اكتسب مالا عند الموت يستحق ثلثه باعتبار أن المعدوم مذكور،
لا باعتبار أن المعدوم شيء، وهذا بقي كقول المعتزلة واستدلالهم لهذه
المسألة على أن المعدوم شيء.
م: (أما الغلة فتنتظر الموجود وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال:
فلان يأكل من غلة بستانه ومن غلة أرضه وداره، فإذا أطلقت) ش: أي الغلة م:
(يتناولهما عرفا) ش: أي الموجود والحادث م: (غير موقوف على دلالة أخرى، أما
الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل
زائد) ش: مثل ما إذا قال: أبدا، وما عاش، علمنا أنه أراد به الموجود
والحادث جميعا، فيصرف إليهما وإن لم يكن في البستان ثمرة وقت الموت فإن في
القياس لا شيء له. وفي الاستحسان لو لم يدخل فيه ثمرة البستان [....] كلام
الموصى، ولو دخل فيه صح كلامه، والكلام إذا احتمل الصحة والفساد حمل على
الصحة كما قالوا فيمن أوصى لولد فلان وليس له ولد جاز منه الوصية لولد
ولده، فكذا هذا.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله) ش: أي فللرجل
الذي أوصى له م: (ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على
ظهورها من الصوف يوم يموت الموصي سواء قال
(13/492)
أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت،
فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ، وهذا بخلاف ما تقدم. والفرق: أن القياس
يأبى تمليك المعدوم؛ لأنه لا يقبل الملك إلا أن في الثمرة والغلة المعدومة
جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة فاقتضى ذلك جوازه في
الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع، أما الولد المعدوم وأختاه فلا يجوز
إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما، فكذلك لا يدخل تحت الوصية بخلاف
الموجود منها لأنه يجوز استحقاقها بعقد البيع تبعا، وبعقد الخلع مقصودا،
فكذا بالوصية، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ،
وهذا) ش: أي الإيصاء بصوف الغنم على ظهورها أو نحوه م: (بخلاف ما تقدم) ش:
من المذكور من الوصية بثمرة البستان والوصية بالغلة.
م: (والفرق) ش: بين هذا وبين ما تقدم م: (أن القياس يأبى تمليك المعدوم) ش:
من هذه الأشياء م: (لأنه) ش: المعدوم م: (لا يقبل الملك) ش: والحادث فيها
متولد من أصل مملوك للوارث م: (إلا أن في الثمرة) ش: أي إلا أن في استحقاق
الثمرة م: (والغلة المعدومة) ش: أي في استحقاق الغلة المعدومة م: (جاء
الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة) ش: وفي بعض النسخ: كالإجارة
والمعاملة م: (فاقتضى ذلك) ش: أي ورود الشرع فيما ذكر م: (جوازه) ش: أي
جواز العقد م: (في الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع) ش: لأن باب
الوصية أوسع من غيرها.
م: (أما الولد المعدوم وأختاه) ش: أي أختا الولد المعدوم، وهما الصوف
المعدوم واللبن المعدوم م: (فلا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق
بعقد ما) ش: أي لا يصح استحقاقها أصلا بعقد من العقود م: (فكذلك لا يدخل
تحت الوصية) ش: ولا يصح استحقاقها بعقد الوصية أيضا.
م: (بخلاف الموجود منها) ش: أي من الأشياء المذكورة م: (لأنه يجوز
استحقاقها بعقد البيع تبعا) ش: حيث يدخل الصوف في بيع الغنم واللبن لذلك م:
(وبعقد الخلع) ش: أي يدخل بعقد الخلع م: (مقصودا) ش: صورته: قالت لزوجها
خالعني على ما في بطن جاريتي أو غنمي صح وله ما في بطنها وإن لم يكن في
البطن شيء له فلا شيء له وما حدث بعده للمرأة؛ لأن ما في البطن قد يكون له
قيمة وقد لا يكون، فلم تغرم، حتى لو قالت: على حمل جاريتي وليس في بطنها
حمل يرد المهر، كذا قال في التعامل م: (فكذا بالوصية) ش: أي فكذا تجوز بها
م: (والله أعلم بالصواب) .
(13/493)
|