البناية شرح الهداية

باب وصية الذمي قال: وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة في صحته ثم مات فهو ميراث؛ لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم، فكذا هذا. وأما عندهما: فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما. قال: ولو أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك، وله ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب وصية الذمي]
م: (باب وصية الذمي) ش: هذا باب في بيان حكم وصية الذمي.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة) ش: للنصارى، والأصح أن البيعة للنصارى والكنيسة لليهود م: (في صحته ثم مات فهو ميراث) ش: بالاتفاق بين أصحابنا على اختلاف التخريج، أشار بقوله م: (لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم) ش: إلا بحكم الحاكم لما عرف في كتاب الوقف م: (فكذا هذا) ش: يعني الوقف إذا كان لمسلم يورث، فكذا إذا كان لذمي، لكن إذا لم يكن. فإن كان مسجدا لا يورث ولا يقال البيعة في حقهم كالمسجد في حقنا والمسلم لو جعل داره مسجدا لا يورث، فينبغي أن تكون البيعة كذلك؛ لأنا نقول: المسجد محرز عن حقوق العباد فيصير لله تعالى خالصا فلا يورث، ولا كذلك البيعة؛ لأن البيع عندهم للمنافع، فإن أساقفتهم تسكن فيها وتدفن فيها موتاهم، كذا في " جامع قاضي خان " وغيره.
م: (وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما) ش: أي فلا تصح الوصية بالمعصية، وهو قول الأئمة الثلاثة، فإذا كان كذلك فيورث بالاتفاق بلا خلاف بين العلماء، والخلاف في التخريج كما رأته.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو أوصى) ش: أي الذمي م: (بذلك) ش: أي محمد في " الجامع الصغير "، أي كنيسة على ما فسره المصنف الآن م: (لقوم مسمين) ش: أي معلومين يحصى عددهم جاز بالاتفاق، وفيه خلاف الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (فهو من الثلث) ش: أي فهو جائز من ثلثه، قال المصنف: م: (معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك وله) ش: أي وللذمي م: (ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين) ش: أي معنى الاستحقاق ومعنى التمليك.

(13/494)


قال: وإن أوصى بداره كنسية لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة والوصية بالمعصية باطلة لما في تنفيذها من تقرير المعصية. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ فتجوز بناء على اعتقادهم، ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه. ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به: أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني، وإنما يزول ملكه بأن يصير محرزا خالصا لله تعالى، كما في مساجد المسلمين، والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة. فتبقى ملكا للباني فتورث عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة، والوصية بالمعصية باطلة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لما في تنفيذها) ش: أي لتنفيذ هذه الوصية م: (من تقرير المعصية) ش: وهو لا يجوز.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون) ش: وفي بعض النسخ: وما يعتقدون م: (فتجوز بناء على اعتقادهم) ش: ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه) ش: الأصل في هذا الاعتبار المعتقد، فإنهم لو أوصوا بالحج لم يعتبر، وإن كان عبادة عندنا بلا خلاف. فكذا إذا أوصوا بما هو في اعتقادهم عبادة صح، وإن كان عندنا معصية لأنا أمرنا بتركهم وما يدينون كما في الخمر والخنزير، حيث يجوز بينهم فيما بينهم؛ لأنهم يدينون جواز ذلك وهم يدينون جواز الإيصاء ببناء البيعة والكنيسة فيجوز ذلك فيما على اعتقادهم قالوا: هذا الاختلاف إذا أوصى ببناء بيعة أو كنيسة في القرى، أما في المصر فلا يجوز باتفاق؛ لأنهم لا يمكنون من إحداث ذلك في الإيصاء.
م: (ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به) ش: أي ببناء ذلك ثم مات يورث، وإذا أوصى ببناء ذلك ثم مات لا تورث: م: (أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني وإما يزول ملكه بأن يصير محرز. خالصا لله تعالى كما في مساجد المسلمين والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة) ش: ألا ترى أن أساقفتهم ورهبانهم يسكنون فيها في الحجرات ويدفنون فيها موتاهم، والمسمى أيضا إذا لم يكن خالصا لله تعالى يورث، كما إذا جعل داره مسجدا وتحته سرداب وفوقه بيت، وإذا كان الأمر كذلك م: (فتبقى ملكا للباني فتورث عنه) .

(13/495)


ولأنهم يبنون فيها الحجرات ويسكنونها، فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية؛ لأنه وضع لإزالة الملك، إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه في غير ما هو قربة عندهم، فبقي فيما هو قربة على مقتضاه فيزول ملكه فلا يورث. ثم الحاصل أن وصايا الذمي على أربعة أقسام منها: أن تكون قربة في معتقدهم، ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه. وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه، والوجه ما بيناه. ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنهم يبنون فيها) ش: دليلا آخر، أي في البيع والكنائس م: (الحجرات) ش: وهي جمع حجرة م: (ويسكنونها فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية) ش: متصل بقوله: إن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني م: (لأنه وضع لإزالة الملك) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء أيضا لإزالة الملك م: (إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه) ش: أي مقتضى الوصية على التأويل أيضا م: (في غير ما هو قربة عندهم فبقي) ش: أي الوصية على التأويل المذكور م: (فيما هو قربة على مقتضاه، فيزول ملكه فلا يورث) .
م: (ثم الحاصل) ش: في هذه: م: (أن وصايا الذمي على أربعة أقسام، منها أن تكون قربة في معتقدهم ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه) ش: أراد به الوصية ببناء البيعة والكنيسة م: (وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه) ش: وهو قوله: وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلخ.
م: (والوجه ما بيناه) ش: أي من الجانبين وهو المعتبر عنده اعتقادهم وعندهما: أنها وصية بمعصية.
م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم) ش: فإنها تصح م: (لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة) ش: يعني أن كلامه في صرف المال الموصى به أي استضاءة المسجد وغيرها مخرج منه على الطريق المشهورة لا على طريق الإلزام.
قال قاضي خان: ولو كان لقوم بأعيانهم صحت، ويكون تمليكا منهم وتبطل الجهة التي

(13/496)


ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو من الروم، وهذا جائز سواء كانت لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة وفي معتقدهم أيضا. ومنها إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وفي المرتدة، الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عينها، إن شاء فعلوا وإن شاء تركوا، وإن كانوا لا يحصون لا تصح الوصية؛ لأنه لا يمكن تصحيحه تمليكا، وأنها ليست بقربة في اعتقادهم.
ومنها: إذا أوصى بأن يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج، أو بأن يعني مسجد المسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، وهذه الوصية باطلة بالإجماع إخبارا، لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة.
م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو) ش: الذي أوصى م: (من الروم وهذا جائز، سواء كان لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة، وفي معتقدهم أيضا) ش: أن الديانة متفقة من الكل على ذلك؛ لأن هذا، مما يتقرب به المسلمون وأهل الذمة جميعا.
م: (ومنها: إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات، فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته) ش: إلا أن يكون لقوم بأعيانهم؛ لأنه وصية، فتصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر، وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد، فيكون على الخلاف المعروف م: (بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو: أن ملكه لا يزول عنده خلافا لهما.
م: (وفي المرتدة: الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة) ش: ولا تقتل فصارت

(13/497)


بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم. قال: وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا تنفذ إجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب، إذ هم أموات في حقنا، ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان، والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم، وذلك من حق المستأمن أيضا. ولو أعتق عبده عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا. وكذلك لو أوصى له مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالذمية في صحة الوصية م: (بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم) ش: وذكر المصنف في " زياداته " على خلاف هذا.
وقال: قال بعضهم: لا يكون بمنزلة الذمية، وهو الصحيح، حتى لا يصح منها وصية. والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها، أما المرتدة لا تقر على اعتقادها؛ لأنها تجبر على الإسلام بالحبس ولا منافاة بين كلاميه؛ لأنه قال هناك: " الصحيح " وهاهنا " الأصح "، وهما مصدقان.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا ينفذ بإجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب إذ هم أموات في حقنا) ش: أي حكمهم كحكم الأموات.
م: (ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم) ش: وإليه الإشارة في الكتاب بقوله: وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب م: (وذلك من حق المستأمن أيضا) ش: هذا جواب عما يرد على قوله: ورد الباقي على ورثته، وهو أن يقال: قد قلت: ليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب فكيف يرد عليهم الباقي؟ ووجهه: أن ذلك المرد على الورثة أيضا مراعاة لحق المستأمن لا من حقه تسليم ماله إلى ورثته عند الفراغ من حاجته، والزيادة على مقدار ما أوصى به فارغ عن ذلك.
م: (ولو أعتق عبده) ش: أي عبد الحربي م: (عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة إلى آخره م: (وكذلك لو أوصى له مسلم) ش: أي وكذا الحكم لو أوصى للحربي

(13/498)


أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته؛ فكذا بعد مماته، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه ولا يمكن من زيادة المقام على السنة إلا بالجزية. ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة. ولو أوصى لحربي في دار الإسلام لا يجوز؛ لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذمي دخل بأمان مسلم م: (أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته، فكذا بعد مماته) .
م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب، إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه) ش: أي من الرجوع م: (ولا يمكن من زيادة المقام) ش: أي الإقامة م: (على السنة إلا بالجزية) . م: (ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته) ش: أو أوصى بعض ورثته بوصية م: (لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته) ش: بأن أوصى نصراني أو يهودي أو بالعكس م: (جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة) .
م: (ولو أوصى) ش: الذمي في دار الإسلام م: (لحربي) ش: في دار الحرب، وقوله م: (في دار الإسلام) ش: ظرف لقوله: " أوصى " لا لقوله " حربي " لأن الذمي تجوز وصيته كمتسأمن في دار الإسلام قوله: م (لا يجوز) ش: جواب م: (لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته) ش: أي أخت الإرث، وعند مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز م: (والله أعلم بالصواب) .

(13/499)