الحجة
على أهل المدينة // كتاب الصّيام
//
- بَاب الرجل يَصُوم يَوْم الْفطر وَهُوَ يظنّ انه من شهر رَمَضَان
-
قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ اذا صَامَ النَّاس يَوْم الْفطر وهم
يظنون انه من شهر رَمَضَان فَجَاءَهُمْ ثَبت بَان هِلَال شهر رَمَضَان قد
رؤى قبل ان يَصُومُوا بِيَوْم وان يومهم ذَلِك اُحْدُ وَثَلَاثُونَ فانهم
يفطرون ذَلِك الْيَوْم اية سَاعَة جَاءَهُم الْخَبَر فان كَانَ الْخَبَر
جَاءَهُم قبل زَوَال الشَّمْس افطروا وَخرج بهم امامهم فَيصَلي بهم الْعِيد
وان جَاءَهُم الْخَبَر بعد زَوَال الشَّمْس افطروا وَخَرجُوا من الْغَد
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة بقول ابي حنيفَة من الْفطر غير انهم قَالُوا لَا
يصلونَ صَلَاة الْعِيد ان جَاءَهُم ذَلِك بعد الزَّوَال
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن قد جَاءَ فِي هَذَا يُعينهُ اثر عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم روته الثِّقَات ان شُهُودًا اتوا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة فأخبروه انهم رَأَوْا الْهلَال بالامس
فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس ان يفطروا وان يخرجُوا
من الْغَد لعيدهم
(1/377)
اخبنرنا بذلك شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن ابي
بشر جَعْفَر بن اياس عَن ابي عُمَيْر ابْن انس بن مَالك عَن عمومة لَهُ من
اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان رهطا شهدُوا عِنْد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اخر النَّهَار انهم رَأَوْا الْهلَال بالامس
فَأمر النَّاس ان يفطروا وَقَالَ اغدوا غَدا إِلَى الْمصلى
- بَاب صَوْم رَمَضَان فِي السّفر
-
قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي صَوْم شهر رَمَضَان كل ذَلِك
وَالْحَمْد لله وَاسع ان شِئْت فَصم وان شِئْت فافطر واحب إِلَى فِي ذَلِك
الصّيام فِي السّفر لمن قوي عَلَيْهِ
وَقَالَ بعض اهل الْمَدِينَة مِنْهُم مَالك بن انس ذَلِك وَاسع واحب الى
فِي ذَلِك الصّيام فِي السّفر ان قوى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَمَضَان
(1/378)
وَقَالَ غَيره لَا يَصُوم فِي السّفر فان
صَامَ فَعَلَيهِ الْبَدَل لَان الله تَعَالَى يَقُول {فَعدَّة من أَيَّام
أخر} على وَجه الرّجْعَة
اما ان يَقُول يقْضِي من صَامَ فَلَيْسَ على هَذَا جَاءَت السّنة
بلغنَا ان حَمْزَة بن عَمْرو الاسلمي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ ان شِئْت فَصم وان شِئْت فَأفْطر
(1/379)
اُخْبُرْنَا عباد بن الْعَوام قَالَ
حَدثنَا عَاصِم بن سُلَيْمَان قَالَ سَأَلت انس
(1/380)
ابْن مَالك عَن الصَّوْم فِي السّفر قَالَ
ان افطرت فرخصة الله وان صمت فالصوم افضل وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين
قَالَ عُثْمَان بن ابي الْعَاصِ ان صمت فالصوم افضل
- بَاب الرجل يقدم من سَفَره وَهُوَ مفطر
-
قَالَ ابو حنيفَة فِي الرجل يقدم من سَفَره وَهُوَ مفطر وَامْرَأَته مفطرة
حِين طهرت من حَيْضهَا نَهَارا انه لَا يسْتَحبّ لَهُ ان يُجَامِعهَا
وَهُوَ فِي الْمصر لانهما مسلمان مقيمان فِي منزلهما فِي شهر رَمَضَان
وَالنَّاس صِيَام فَكَانَ يَقُول يسْتَحبّ لَهما ان يكفا عَمَّا يكف عَنهُ
الصَّائِم وان فعلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة لَا باس على زَوجهَا ان يُصِيبهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن قَول ابي حنيفَة احسن واشبه بالأثر
(1/381)
وَلَقَد بلغنَا فِي نَحْو مِنْهُ عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه بعث إِلَى اهل العوالي فِي يَوْم
عَاشُورَاء من لم يطعم فليصم وَمن كَانَ قد طعم فَليدع الطَّعَام وَالشرَاب
بَقِيَّة يَوْمه وَهَذَا فِيمَا يروي قبل ان ينزل صِيَام شهر رَمَضَان فاذا
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر ذَلِك يَوْم عَاشُورَاء
ان من طعم يدع الطَّعَام وَالشرَاب بَقِيَّة يَوْمه فنيبغي ان من قدم من
سَفَره فِي شهر رَمَضَان ان يدع الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع بَقِيَّة
يَوْمه فان الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان اوجب الصومين واحرى ان يُؤمر بِهَذَا
فِيهِ فَأَي شَيْء يكون اقبح من رجل اصبح مُقيما فِي اهله فِي شهر رَمَضَان
يَأْكُل وَيشْرب ويجامع نَهَارا
اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن ابان عَن حَمَّاد عَن ابراهيم انه كَانَ يكره اذا
قدم من سَفَره مُفطرا فِي رَمَضَان ان ياكل بَقِيَّة يَوْمه واذا تطهرت
الْحَائِض فِي رَمَضَان ان تَأْكُل بَقِيَّة يَوْمهَا
(1/382)
- بَاب الرجل ينسى صِيَام ثَلَاثَة ايام
فِي الْحَج وَقد وَجب عَلَيْهِ
-
وَقَالَ ابو حنيفَة فِي الَّذِي ينسى صِيَام ثَلَاثَة ايام فِي الْحَج قد
وَجب عَلَيْهِ اَوْ مرض فِيهَا وانه لم يصم الى الثَّلَاثَة ايام حَتَّى
يَوْم النَّحْر فلابد من هدي وَهُوَ دين عَلَيْهِ
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة يَصُوم ايام مني وان نَسِيَهَا ايضا فان كَانَ
بِمَكَّة فليصم الايام الثَّلَاثَة بهَا وليصم سبعا ذَا رَجَعَ قَالُوا وان
كَانَ قد رَجَعَ الى اهله فليصم ثَلَاثَة ايام فِي بَلَده وَسَبْعَة بعد
ذَلِك
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَكَيف يَصُوم ثَلَاثَة ايام بعد النَّحْر وَقد
قَالَ الله تَعَالَى {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج}
(1/383)
وَفَاتَ الصَّوْم وانما قَالَ الله
تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} فَفَسَّرَهَا الْمُفَسِّرُونَ
(1/384)
بِأَنَّهَا شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر
من ذِي الْحجَّة فَهَذِهِ اشهر الْحَج وَهِي
(1/385)
ايام الْحَج فاذا فَاتَ الصَّوْم فِي هَذِه
الايام فلابد من الدَّم قَالُوا وَهَذِه الايام يجب فِي اشهر الْحَج كَمَا
زعمتم وَلكنهَا اذا فَاتَت قضيت فِي غَيرهَا وَلَيْسَت بأعظم حُرْمَة من
شهر رَمَضَان فان شهر رَمَضَان يفوت فَيَقْضِي فِي غَيره
قيل لَهُم ان هَذِه لَيست كشهر رَمَضَان فان شهر رَمَضَان لم يجب فِيهِ الا
الصَّوْم فَلَمَّا فَاتَ قيل لَهُ اقْضِ مَا فَاتَ وان الْمُتَمَتّع انما
وَجب عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فَمن
تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم
يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم}
(1/386)
فَجعل الصَّوْم مَكَان الْهدى فَلَمَّا ضيع
مَوضِع الصَّوْم وَفَاته رَجَعَ الى الْكَفَّارَة الاولى لَان الْكَفَّارَة
الثَّانِيَة انما جعلت مَكَان الاولى فَلَمَّا لم يقضها فِي وَقتهَا صَارَت
الاولى هِيَ الْوَاجِبَة وَصَارَت دينا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيهَا لَان
الامرين جَمِيعًا قد صَارا دينا فَصَارَ الاول اولى ان يقْضِي من الاخر
لَان الاخر انما جعل لَو لم يجد الاول
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة اعْجَبْ من هَذَا زَعَمُوا انه يقْضِي ذَلِك فِي
ايام التَّشْرِيق وَهَذِه ايام نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن صَومهَا بِحَدِيث مَعْرُوف
(1/387)
ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعث غير وَاحِد فيهم عبد الله بن حذافة السَّهْمِي رَضِي الله عَنهُ
يُنَادي فِي النَّاس ايام منى انها ايام اكل وَشرب وَذكر الله يَعْنِي ايام
منى
(1/388)
اُخْبُرْنَا الرّبيع بن صبيح عَن يزِيد
الرقاشِي عَن انس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ
(1/389)
ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نهى عَن صَوْم خَمْسَة ايام يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر وايام
التَّشْرِيق فَكيف يصام مَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
صَوْمه لَئِن جَازَ للمتمتع ان يَصُوم ايام التَّشْرِيق ليجوزنه لَهُ ان
يَصُوم يَوْم النَّحْر وليجوزن للَّذي يقْضِي شهر رَمَضَان ان يَصُوم ذَلِك
فِي يَوْم النَّحْر فِي يَوْم الْفطر وايام التَّشْرِيق وَقد جَاءَ فِي
الْمُتَمَتّع بِعَيْنِه زِيَادَة اذا دخل يَوْم النَّحْر قبل ان يَصُوم
ثَلَاثَة ايام فلابد من دم
اُخْبُرْنَا خَالِد بن عبد الله عَن لَيْث بن ابي سليم عَن مُجَاهِد
وَعَطَاء بن ابي رَبَاح وَطَاوُس انهم قَالُوا فِي الْمُتَمَتّع اذا لم يصم
حَتَّى يمْضِي الْعشْر فلابد من دم يهريقه
اُخْبُرْنَا خَالِد بن عبد الله عَن يزِيد بن ابي زِيَاد عَن مُجَاهِد
قَالَ من لم يصم التَّرويَة وَيَوْما قبله وَيَوْم عَرَفَة فقد فَاتَهُ
الصَّوْم
اُخْبُرْنَا عباد بن الْعَوام قَالَ اُخْبُرْنَا الْحجَّاج بن ارطاة عَن
عَمْرو بن شُعَيْب عَن سعيد بن الْمسيب ان رجلا اتى عمر بن الْخطاب رَضِي
الله عَنهُ وَقد تمتّع
(1/390)
ففاته الصَّوْم فِي الْعشْر فَقَالَ اهد
هَديا فَقَالَ لَا اجد قَالَ سل فِي قَوْمك قَالَ لَيْسَ هَهُنَا من قومِي
من أساله قَالَ يَا معيقيب اعطه ثمن شَاة
اُخْبُرْنَا عباد بن الْعَوام قَالَ أخبرنَا سعيد ابْن أبي عرُوبَة عَن أبي
معشر عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ اذا فَاتَ الْمُتَمَتّع الصَّوْم اهراق
دَمًا وَلَو ان يَبِيع ثَوْبه اَوْ يسْأَل فِيهِ
اُخْبُرْنَا ابو حنيفَة قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن ابراهيم فِي الرجل
يفوتهُ صَوْم ثَلَاثَة ايام فِي الْحَج قَالَ عَلَيْهِ الْهَدْي ولابد
مِنْهُ وَلَو ان يَبِيع ثَوْبه
- بَاب الرجل يَأْكُل اَوْ يشرب نَاسِيا
-
قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ من اكل اَوْ شرب فِي رَمَضَان نَاسِيا
اَوْ فِي مَا كَانَ من صِيَام عَلَيْهِ اَوْ تطوع فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
فِي ذَلِك وَذَلِكَ يُجزئ عَنهُ
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة من اكل اَوْ شرب فِي رَمَضَان سَاهِيا اَوْ
نَاسِيا
(1/391)
اَوْ مَا كَانَ من صِيَام وَاجِب عَلَيْهِ
كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كَيفَ قَالَت اهل الْمَدِينَة هَذَا القَوْل
مَا سمعنَا ان احدا يزْعم انه من اكل اَوْ شرب نَاسِيا ان عَلَيْهِ
الْقَضَاء وَلَقَد جَاءَت الاثار فِي ذَلِك وَالنَّاس يجمعُونَ عَلَيْهَا
وان من اكل نَاسِيا اَوْ شرب نَاسِيا فانما ذَلِك طعمه اطعمها الله اياه
وسقاه وان اهل الْمَدِينَة ليعلمون ان هَذَا لَا يَنْبَغِي ان يُؤْخَذ
بِالرَّأْيِ للاثار الَّتِي جَاءَت مِمَّا لَا يقدر على رده اُحْدُ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَوْلَا مَا جَاءَ فِي هَذَا من الاثار لامرت
بِالْقضَاءِ
(1/392)
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة فَهَل رَأَيْتُمْ
شَيْئا يبطل الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان اذا تَعَمّده وَلَا يُبطلهُ اذا
كَانَ بِغَيْر تعمد قيل لَهُم نعم انتم تروون عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا انه قَالَ اذا ذرعه الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ اذا استقاء
مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء فانما يتبع فِي هَذَا الاثار وَكَذَلِكَ
الاول
اُخْبُرْنَا سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ عَن ابي اسحاق السبيعِي عَن كريم
عَن الْحَارِث عَن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي الرجل يَأْكُل
وَهُوَ صَائِم نَاسِيا
(1/393)
قَالَ لَا يفْطر فانما هِيَ طعمة اطعمها
الله اياه
اُخْبُرْنَا ابو مُعَاوِيَة المكفوف عَن الاعمش عَن ابراهيم النَّخعِيّ عَن
عَلْقَمَة ابْن قيس قَالَ اذا اكل الرجل الصَّائِم نَاسِيا فانما هُوَ رزق
الله سَاقه الله اليه واذا تقيأ الرجل وَهُوَ صَائِم فَعَلَيهِ الْقَضَاء
واذا ذرعه القئ فقاء وَهُوَ صَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء
اُخْبُرْنَا عبد الله بن الْمُبَارك عَن مُعْتَمر عَن ابْن ابي نجيح عَن
مُجَاهِد فِي
(1/394)
الصَّائِم يُجَامع نَاسِيا لَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْء
اُخْبُرْنَا الرّبيع بَين صبيح قَالَ حَدثنَا الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا اكل احدكم اَوْ شرب نَاسِيا
وَهُوَ صَائِم فِي شهر رَمَضَان اَوْ غير رَمَضَان فان الله اطعمه وسقاه
فليمض فِي صَوْمه
- بَاب الرجل يُصِيبهُ امْر يقطع صِيَامه
-
قَالَ ابو حنيفَة فِي من اصابه امْر يقطع صِيَامه وَهُوَ مُتَطَوّع من غير
عذر سَاهِيا اَوْ نَاسِيا ان عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الصّيام
(1/395)
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة ان اكل سَاهِيا
اَوْ نَاسِيا اَوْ شرب فِي صِيَام التَّطَوُّع فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وليتم
صِيَام يَوْمه ذَلِك الَّذِي اكل فِيهِ اَوْ شرب نَاسِيا فَهُوَ مُتَطَوّع
وَلَا يفْطر وَقَالُوا ايضا لَيْسَ على من اصابه امْر يقطع صِيَامه وَهُوَ
مُتَطَوّع قَضَاء اذا كَانَ انما افطر من اكل لامر اصابه وان كَانَ غير
نَاس
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن انما رخص فِي هَذَا للناسي شَيْء خاصته فاما من
اتى ذَلِك على ذكر مِنْهُ فان كَانَ فِي عذر فَهُوَ مفطر وَلَو كَانَ
كَذَلِك
(1/396)
مُفطرا نَاسِيا عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلكنه
يَقُول هُوَ صَائِم على حَاله فَلذَلِك جَوَّزنَا لَهُ صِيَامه وانما من
افطر لمَرض اَوْ عذر فقد صَار مُفطرا وَلَا يُقَال لَهُ اتم صيامك كَمَا
قيل لَهُ فِي النسْيَان فَلذَلِك امرناه بِالْقضَاءِ وَقد فرق اهل
الْمَدِينَة بَين النَّاس بَان يتم فِي التَّطَوُّع والمفطر من الْعذر
فأمروه فِي النسْيَان بَان يَصُوم يَوْمه ذَلِك وَلَا يفطره وجعلوه فِي
الافطار من الْعذر مُفطرا فَلذَلِك اخْتَلَفْنَا فِي هَذَا وَفِي الْوَاجِب
- بَاب الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يقدر على الصَّوْم
-
قَالَ ابو حنيفَة فِي الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يقدر على الصَّوْم
لكبر يَأْتِي عَلَيْهِ شهر رَمَضَان انه يطعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا نصف
صَاع من حِنْطَة
(1/397)
اَوْ صَاعا من شعير اَوْ تمر
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة لَا نرى الْفِدَاء وَاجِبا على الناسى واحب الينا
ان يَقْضِيه من قوي عَلَيْهِ فَمن فدى فانما يطعم مَكَان كل يَوْم مدا بِمد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن انما قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى فِي كِتَابه
{وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ} فَفَسَّرَهَا عبد الله بن عَبَّاس يطوقونه
فديَة طَعَام مِسْكين وَطَعَام الْمِسْكِين لَا يكون هَذَا الْقدر أَلَيْسَ
قد قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه فِي اطعام الْيَمين {إطْعَام عشرَة
مَسَاكِين} أفليس يطعم كل مِسْكين نصف صَاع من بر بِصَاع رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اَوْ يشْبع مرَّتَيْنِ لغدائه وعشائه فَكَذَلِك
يَنْبَغِي ان يطعم مَا يشبعه لغدائه وعشائه اَوْ يعْطى نصف صَاع من
(1/398)
بر اَوْ صَاعا من تمر اَوْ شعير
- بَاب الْمَرْأَة الْحَامِل تخَاف على وَلَدهَا فتفطر
-
قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي امْرَأَة خَافت على وَلَدهَا
وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان فلتفطر وَعَلَيْهَا
الْقَضَاء وَلَا صَدَقَة عَلَيْهَا وانما هَذَا مرض من الامراض فَلَيْسَتْ
فِيهِ صَدَقَة
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة اذا خَافت على وَلَدهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا
الصّيام فانها تفطر وَتطعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مدا من حِنْطَة بِمد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/399)
ويرون عَلَيْهَا الْقَضَاء مَعَ ذَلِك لانه
مرض من الامراض
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن اذا كَانَ ذَلِك عنْدكُمْ مرض من الامراض فلاي
شَيْء تطعم انما قَالَ الله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على
سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} وَلم يذكر مَعَ ذَلِك صَدَقَة فاذا عددتموه
مَرضا من الامراض ورأيتم فِيهِ الْقَضَاء فَلَا صَدَقَة فِيهِ
(1/400)
- بَاب الرجل يكون عَلَيْهِ صِيَام من شهر
رَمَضَان فيفرط فِيهِ
-
قَالَ ابو حنيفَة من كَانَ عَلَيْهِ صِيَام شهر رَمَضَان ففرط فِيهِ وَهُوَ
قوي على الصّيام حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان آخر صَامَ هَذَا
الدَّاخِل عَلَيْهِ وَقضى مَا عَلَيْهِ من الاول اذا صَامَ هَذَا الدَّاخِل
عَلَيْهِ وَلَا صَدَقَة عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء فان حَضرته وَفَاته قبل ان
يَصُوم مَا فطر فِيهِ امْر ان يقْضِي عَنهُ مَا فرط من الشَّهْر الاول
بِصَدقَة يطعم عَن كل يَوْم مِسْكينا نصف صَاع من بر اَوْ صَاع من شعير
اَوْ تمر
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة من كَانَ عَلَيْهِ صِيَام من رَمَضَان وفرط فِيهِ
وَهُوَ
(1/401)
قوي على الصّيام حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ
رَمَضَان اخر فدي مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مدا من حِنْطَة وَكَانَ
عَلَيْهِ الْقَضَاء قَالُوا وانما أطْعم عَن هَذَا الَّذِي فرط فِيهِ اذا
غشيه رَمَضَان اخر لانه يخَاف عَلَيْهِ الْمَوْت قبل ان يَقْضِيه
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَئِن كَانَ الطَّعَام يجب عَلَيْهِ قبل خُرُوج
هَذَا الشَّهْر الدَّاخِل عَلَيْهِ مَا يُبطلهُ وَلَئِن كَانَ لَا يجب
عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي ان مَا يُؤمر بذلك الا ان يَقُول قَائِل اسْتحبَّ
ذَلِك لَهُ من غير امْر وَاجِب عَلَيْهِ فَهَذَا مَا امْر بِهِ من طَاعَة
الله اذا خير صَاحبه انه غير فَرِيضَة عَلَيْهِ فَلَا باس بِهِ
ارايتم رجلا افطر شهر رَمَضَان من مرض اَوْ سفر ثمَّ صَحَّ بعد ذَلِك فَلم
يسْتَطع الصَّوْم أتأمرونه ان يتَصَدَّق عَن كل يَوْم كَمَا يتَصَدَّق
الَّذِي دخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان من قَابل لانه يخَاف على نَفسه الْمَوْت
قبل ان يَصُومهُ لانهم مَتى زَعَمُوا ان ذَلِك يجب عَلَيْهِ فَكَذَلِك ان
لم يمرض وَلكنه سَافر انه
(1/402)
يَنْبَغِي لكم ان تأمروه ان يتَصَدَّق عَن
كل يَوْم مَا دَامَ مُسَافِرًا فاذا اقام قضى وَمَا بَين هَذَا وَبَين
الَّذِي فرط فِي الصّيام مَا عَلَيْهِ من شهر رَمَضَان حَتَّى يدْخل
عَلَيْهِ شهر رَمَضَان اخر فرق
- بَاب الرجل يَصُوم الْيَوْم يشك فِيهِ
-
قَالَ ابو حنيفَة اكره ان يَصُوم الْيَوْم الَّذِي شكّ فِيهِ من شعْبَان
اذا نوى بِهِ صِيَام شهر رَمَضَان فان صَامَهُ صَائِم على غَيره رُؤْيَة
فقد اساء فان جَاءَ الْبَيِّنَة بعد ذَلِك انه من شهر رَمَضَان فَلَا
قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا ارى بصيامه تَطَوّعا باسا
(1/403)
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة يكره ان يَصُوم
الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ من شعْبَان فَنوى بِهِ شهر رَمَضَان ونرى ان
على من صَامَهُ على غير رُؤْيَة ثمَّ جَاءَ الْبَيِّنَة انه من شهر
رَمَضَان الْقَضَاء وَمَا نرى بصيامه تَطَوّعا بَأْسا
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فَكيف يقْضِي من صَامَ ذَلِك الْيَوْم ثمَّ علم
انه من شهر رَمَضَان أَلَيْسَ قد صَامَ يَوْمًا من شهر رَمَضَان فَكيف
يَقْضِيه انما يكره
(1/404)
لَهُ ان يتَقَدَّم النَّاس بصيامه فاما
إِذا صَامَهُ ثمَّ علم انه من شهر رَمَضَان اجزاه ذَلِك وَلكنه آثم بدوبه
يَوْمًا اترك الى شهر رَمَضَان من يَوْم هُوَ من شهر رَمَضَان فَكيف يقْضِي
يَوْمًا قد صَامَهُ من شهر رَمَضَان فِي يَوْم من غير شهر رَمَضَان
ارايتم رجلا ابصر هِلَال شهر رَمَضَان فَرد الامام شَهَادَته عَلَيْهِ
الْيَسْ يَنْبَغِي لَهُ ان يَصُوم قَالُوا بلَى قُلْنَا لَهُم فَإِن سمع
مقَالَته رجل
(1/405)
آخر فَأخذ بقوله وَخَالف الامام فصَام ثمَّ
جَاءَ الْبَيِّنَة انه من شهر رَمَضَان يُجزئ الَّذِي رَآهُ وَلَا يُجزئ
الاخر وَقد صَامَ يَوْم وَاحِدًا هَذَا كُله يُجزئ الا انه يكره ان
يتَقَدَّم الشَّهْر
(1/406)
- بَاب الرجل يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة
-
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ارى بصيام يَوْم الْجُمُعَة باسا فان تحراه رجل
وصامه تَطَوّعا مُفردا فَلَا بَأْس بِهِ وَقَالَ أهل الْمَدِينَة مثل ذَلِك
(1/407)
وَقَالَ أهل الْمَدِينَة يكره صِيَام
السِّتَّة الايام بعد الْفطر من شهر رَمَضَان
وَقَالَ مَالك بن انس مَا رايت احدا من اهل الْفِقْه وَالْعلم يصومها وَلم
يبلغَا ذَلِك عَن اُحْدُ من السّلف وان اهل الْعلم يكْرهُونَ وَيَخَافُونَ
بدعته وان يلْحق برمضان مَا لَيْسَ مِنْهُ اهل الْجفَاء والمجانة لَو
رَأَوْا فِي ذَلِك رخصَة عِنْد اهل الْعلم ورأوهم يَفْعَلُونَ ذَلِك
(1/408)
- بَاب السِّوَاك للصَّائِم
-
قَالَ ابو حنيفَة لَا باس بِالسِّوَاكِ للصَّائِم فِي اية سَاعَة من
سَاعَات النَّهَار فِي اوله وَفِي آخِره وَقَالَ اهل الْمَدِينَة بقول ابي
حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
(1/411)
- بَاب الِاعْتِكَاف
-
قَالَ ابو حنيفَة لَا يكون الْمُعْتَكف معتكفا حَتَّى يجْتَنب مَا يجتنبه
الْمُعْتَكف
(1/412)
وَلَا يخرج من الْمَسْجِد الا لغائط اَوْ
بَوْل اَوْ جُمُعَة يخرج عِنْد الزَّوَال وَلَا يَنْبَغِي لَهُ ان يخرج
لعيادة مَرِيض وَلَا لصَلَاة جَنَازَة
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة لَا يكون الْمُعْتَكف معتكفا حَتَّى يجْتَنب مَا
يجتنبه
(1/413)
المتعكف من عِيَادَة الْمَرِيض وَالصَّلَاة
على الْجِنَازَة واتباعها وَدخُول الْبَيْت الا لحَاجَة الانسان واشباه
ذَلِك وَذَلِكَ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ اذا اعْتكف
لم يدْخل الْبَيْت الا لحَاجَة الانسان
(1/414)
- بَاب الِاعْتِكَاف فِي كل مَسْجِد تجمع
فِيهِ الصَّلَاة
-
قَالَ ابو حنيفَة لَا باس بالاعتكاف فِي مَسْجِد تجمع فِيهِ الصَّلَاة
يصلونَ فِيهِ بامام ومؤذن وَكَانَ يكره ان يعْتَكف فِي مَسْجِد بَيته وَفِي
(1/415)
مَسْجِد لَيْسَ بِمَسْجِد جمَاعَة تُقَام
فِيهِ الصَّلَاة
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة لَا يعْتَكف الا فِي مَسْجِد فِيهِ جمَاعَة اذا
كَانَ فِي مَوضِع تجب فِيهِ الْجُمُعَة فَأَما اذا كَانَ فِي مَوضِع لست
فِيهِ جُمُعَة فَلَا باس بِأَن يعْتَكف فِي مَسْجِد يكون فِيهِ جمَاعَة
كَمَا قَالَ ابو حنيفَة
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا بَأْس بالاعتكاف فِي مَسَاجِد الْقَبَائِل
وَيخرج مِنْهَا إِلَى الْجُمُعَة لَان هَذِه فَرِيضَة لَا يَنْبَغِي
تَركهَا وَهُوَ يقدر على ذَلِك لانه لابد لَهُ مِنْهُ كَمَا لابد لَهُ ط
(1/416)
من الْخُرُوج لحَاجَة الانسان وبلغنا ذَلِك
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/417)
وَقَالَ ابْن مَسْعُود لِحُذَيْفَة بن
الْيَمَان لَا يصلح الِاعْتِكَاف الا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام
(1/418)
اَوْ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة بل كل مَسْجِد لَهُ امام يُقَام
فِيهِ الصَّلَاة فَفِيهِ الِاعْتِكَاف
- بَاب لَا اعْتِكَاف الا بِصَوْم
-
قَالَ ابو حنيفَة لَا اعْتِكَاف الا بِصَوْم وَكَذَلِكَ قَالَ اهل
الْمَدِينَة
- بَاب الرجل يعْتَكف تَطَوّعا
-
قَالَ ابو حنيفَة المتطوع فِي الِاعْتِكَاف يَنْبَغِي لَهُ ان يصنع فِي
اعْتِكَافه كَمَا يصنع الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِكَاف فِي ترك الْخُرُوج من
الْمَسْجِد وَالصَّوْم
(1/420)
وَغير ذَلِك
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة المتطوع فِي الِاعْتِكَاف وَالَّذِي عَلَيْهِ
الِاعْتِكَاف امرهما وَاحِد فِيمَا يحل لَهما وَيحرم عَلَيْهِمَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن هَكَذَا يَنْبَغِي ان يكون لَان رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ اعْتِكَافه فِيمَا نرى تَطَوّعا فاجتنب
فِيمَا روته الْفُقَهَاء فَيَنْبَغِي ان يجْتَنب فِي التَّطَوُّع مَا
يجْتَنب فِي الْفَرِيضَة (آخر كتاب الصَّوْم)
(1/421)
|