الحجة على أهل المدينة

// كتاب الْمُسَاقَاة
//
مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يُجِيز الْمُزَارعَة

(4/138)


فِي الارض وَلَا الْمُعَامَلَة فِي النّخل بِالثُّلثِ وَلَا بِالربعِ وَلَا بَاقِل من ذَلِك

(4/139)


وَلَا باكثر وَكَانَ يَقُول هَذِه اجارة استوجرت بِبَعْض مَا يخرج من الارض وَالنَّخْل لَا يدْرِي ايخرج شَيْئا ام لَا يخرج
وَقَالَ مُحَمَّد هَذَا كُله جَائِز الْمُعَامَلَة فِي النّخل والمزارعة فِي الارض بِالثُّلثِ وَالرّبع وَغير ذَلِك وَهَذَا بِمَنْزِلَة مَال الْمُضَاربَة وَقَالَ اهل الْمَدِينَة

(4/141)


يجوز ذَلِك فِي النّخل وَهِي الْمُسَاقَاة عِنْدهم وَلَا يجوز ذَلِك فِي الارض

(4/142)


الْبَيْضَاء الَّتِي تستاجر بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير لانه فِي الارض غرر وَلَيْسَ ذَلِك فِي النّخل غررا
وَقَالَ مُحَمَّد هَذَا كُله شَيْء وَاحِد لَئِن جَازَ فِي النّخل ليجوزن فِي الأَرْض وَلَئِن بَطل فِي النّخل ليبطلن فِي الأَرْض

(4/143)


وَقَالَ مُحَمَّد فِي رجل ساقاه رجلا بِنَخْل لَهُ وفيهَا بَيَاض من

(4/144)


الأَرْض فَإِن الرجل مُسَاقَاة النّخل على مَا اشْترط وَلَا سَبِيل لَهُ على مَا كَانَ بَين النّخل من بَيَاض الارض وَذَلِكَ لصَاحب النّخل يصنع بِهِ مَا اجب ان شَاءَ زرعه وان شَاءَ تَركه وَقَالَ اهل الْمَدِينَة اذا ساقي الرجل النّخل وَفِيه الْبيَاض فَمَا ازدرع الرجل الدَّاخِل فِي الْبيَاض فَهُوَ لَهُ فَإِن اشْترط صَاحب الارض انه يزرع فِي الْبيَاض فَذَلِك لَا يصلح لَان الرجل الدَّاخِل يَسْتَقِي لرب الارض فَذَلِك زِيَادَة ازدادها عَلَيْهِ

(4/146)


وَقَالَ مُحَمَّد مَا سقى صَاحب الْمُسَاقَاة لصَاحب الارض شَيْئا (يزرع انما يسقى النّخل فاذا كَانَ ذَلِك ينفع مَا يزرع صَاحب الارض شَيْئا) فَلَيْسَ ذَلِك على رب الارض وَلَيْسَت الارض الْبَيْضَاء الا لصَاحب الارض هُوَ الَّذِي يزرع الارض وَلَا يَسْتَحِقهَا صَاحب الْمُسَاقَاة بمساقاة النّخل لنَفسِهِ خَاصَّة مَعَ الْمُسَاقَاة لَكَانَ ذَلِك فَاسِدا وَلَو اشْترط فِي الْمُسَاقَاة ان الزَّرْع بَينهمَا نِصْفَيْنِ فان كَانَت الْمُؤْنَة كلهَا على الدَّاخِل فِي المَال من الْبذر والسقي والغلام فان ذَلِك فَاسد لَا يجوز لَان رب الارض استاجر

(4/147)


المساق على ان يساقي نخله على ان اجرة ارضه بِنصْف مَا يخرج فَلَا يجوز الشَّرْط على هَذَا وَهَذَا فَاسد كُله
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة هَذَا جَائِز لَان الْبيَاض تبع للنخل
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كَيفَ بَطل الْبيَاض اذا كَانَ وَحده مَا شَرطه فِيهِ هَذَا وَيجوز ان كَانَ مَعَ النّخل لَئِن بَطل وَحده ليبطلن مَعَ غَيره فان كَانَ الَّذِي اشْترط عَلَيْهِ الْبذر رب النّخل فان ذَلِك جَائِز لَان هَذَا انما دفع ارضا وَنَخْلًا وبذرا على ان يفعل ذَلِك كُله لَهُ على النّصْف وَهَذَا جَائِز لَان المساقى اجير فِي ذَلِك كُله وَهُوَ فِي الْوَجْه الاول انما استاجر على النّخل على ان يستاجر الارض لَان من كَانَ الْبذر من قبله فَهُوَ المستاجر

(4/148)


وَصَاحب النّخل هُوَ المستاجر والمساقى يساقى نخله بِنصْف مَا يخرج فَذَلِك بَاطِل
وَقَالَ اهل الْمَدِينَة اذا اشْترط الْبذر على رب المَال فان ذَلِك غير جَائِز لانه اشْترط على رب المَال بِزِيَادَة يزدادها عَلَيْهِ

(4/149)


وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَيْسَ هَذَا بِزِيَادَة اشترطها انما هَذَا رجل دفع الى رجل نخلا لَهُ وارضا بَيْضَاء مَا بَين النّخل وبذرا على ان يعالج ذَلِك بِالنِّصْفِ فَهَذَا جَائِز كُله لَان المساقى اجير فِي ذَلِك
وَقَالَ مُحَمَّد الْمُسَاقَاة جَائِزَة عندنَا فِي كل اصل نخل وكرم اَوْ زيتون اَوْ تين اَوْ رمان اَوْ فرسك اَوْ مَا اشبه ذَلِك من الاصول الثَّابِتَة

(4/151)


قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ الزَّرْع اذا اخْرُج واسبل يعجز صَاحبه عَن سقيه وَعَمله وعلاجه فالمساقاة جَائِزَة فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ اهل الْمَدِينَة فِي ذَلِك كُله

(4/152)


قَالَ مُحَمَّد انما اخْتَلَفْنَا نَحن واهل الْمَدِينَة من هَذَا فِي الارض الْبيَاض يزارع عَلَيْهَا وَزَعَمُوا ان هَذَا لايجوز لَان اجارتها بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير جَائِزَة فَلذَلِك ابطلوها بِنصْف مَا يخرج مِنْهَا وَقَالَ مُحَمَّد وراينا نَحن ذَلِك جَائِزا وَالله اعْلَم

(4/153)


- بَاب الرجل يدْفع الى رجل ارضا بَيْضَاء وَيشْتَرط عَلَيْهِ ان يغرسها اصولا
-
سَمِعت مُحَمَّدًا رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي الرجل يدْفع الى الرجل ارضا بَيْضَاء وَيشْتَرط عَلَيْهِ ان يغرسها اصولا وَيشْتَرط اذابلغت تِلْكَ الاصول بَينهمَا نِصْفَانِ فَهَذَا جَائِز عندنَا لَا باس بِهِ وَقَالَ اهل الْمَدِينَة ايضا هَذَا جَائِز لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد قد ترك اهل الْمَدِينَة قَوْلهم فِي هذة المسالة يَنْبَغِي لمن ابطل الْمُزَارعَة فِي الارض لانها تستاجر ايضا عندنَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير السنين الْكَثِيرَة على ان يغْرس فِيهَا النّخل وَالشَّجر فَلَا يكون بذلك باس فَيَنْبَغِي ان يبطل هَذَا فِي قَوْلهم كَمَا يبطل الْمُزَارعَة فان قَالُوا لَا يصلح ان يكترى الارض سِنِين بِدَرَاهِم مَعْلُومَة وبدنانير فَهَذَا احرى ان لَا يُؤْخَذ بِهِ من قَوْلهم الاول لَان الْفُقَهَاء والعامة من الْمُسلمين يَجْتَمعُونَ على انه لَا باس باستئجار الارض عشر سِنِين وَعشْرين سنة واكثر من ذَلِك واقل بِدَرَاهِم مَعْلُومَة وبدنانير مَعْلُومَة مَا بَين النَّاس فِي هَذَا اخْتِلَاف
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن اذا بلغ ثَمَر النّخل وانْتهى عظمه وبدا صَلَاحه فاحمر اَوْ اصفر فَلَيْسَ يَنْبَغِي ان يساقى على هَذَا وَلَا يدْفع مُعَاملَة

(4/155)


لَان هَذَا قد بدا صَلَاحه وَلم يبْق فِيهِ عمل يعْمل وَكَذَلِكَ قَالَ اهل الْمَدِينَة ايضا

(4/156)


وَمن ساقى تَمرا فِي اصل وَهُوَ طلع اَوْ بسر اخضر لم يتناهى عظمها وَلم وَلم يبد صَلَاحه فَذَلِك جَائِز كُله وَكَذَلِكَ قَالَ اهل الْمَدِينَة
وَقَالَ مُحَمَّد وَلَا باس ان يُعْطي الرجل الارض الْبَيْضَاء مُسَاقَاة لما جَاءَت فِي ذَلِك من الْآثَار الْكَثِيرَة الَّتِي احلتها وَقَالَ اهل المدنية لَا يَنْبَغِي ان تساقى الارض الْبَيْضَاء من ايهما كَانَ الْبذر من رب الأَرْض اَوْ من الْعَامِل وَذَلِكَ أَنه يحل لصَاحِبهَا كراؤها بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَمَا أشبه

(4/157)


ذَلِك من الاثمان الْمَعْلُومَة فان الَّذِي اعطى ارضه الْبَيْضَاء بِالثُّلثِ اَوْ بِالربعِ مِمَّا يخرج مِنْهَا فَذَلِك مِمَّا يدْخلهُ الْغرَر لَان الزَّرْع يقل مرّة وَيكثر اخرى وَرُبمَا هلك راسا فَيكون صَاحب الارض قد ترك كِرَاء مَعْلُوما يصلح ان يكترى بِهِ ارضه واخذ غررا لَا يدْرِي ايتم ام لَا
قَالَ مُحَمَّد واذا حضر الرجل وساقى فَصَاحب النّخل على نخله فقد يدْخلهُ الْغرَر وَرُبمَا اخْرُج النّخل شَيْئا وَرُبمَا لم يخرج شَيْئا فَيصير الْعَامِل قد عمل بِغَيْر اجْرِ وَهُوَ لَو اجْرِ نَفسه على ان يقوم على النّخل اشهرا مَعْلُومَة بِدَرَاهِم مَعْلُومَة جَازَ ذَلِك فَصَارَ عمله بَاطِلا ان لم يخرج شَيْئا وَصَاحب المَال فِي الْمُعَامَلَة قد يعْمل بِهِ الْحِين وَلَا يربح شَيْئا فَيصير عمله بَاطِلا وَهُوَ فِي اول مَا عمل لَا يدْرِي ايربح شَيْئا ام لَا يربح فَهَذَا يَنْبَغِي ان يكون فِي قَوْلكُم غررا لانه لَو آجر نَفسه بِدَرَاهِم يعْمل اشهرا مَعْلُومَة جَازَت اجارته فاذا جَازَ هَذَا وَشبهه فَكَذَلِك يدْفع الرجل الى الرجل ارضا لَهُ وبذرا على ان يزرعه مَا بَقِي فَهَذَا جَائِز مُسْتَقِيم لانه شريك يدْفع مَا يخرج من الارض فاذا اخرجت الارض شَيْئا كَانَ لَهُ ريعه والا لم يكن لَهُ شَيْء وَهَذَا بِمَنْزِلَة مَال

(4/158)


الْمُفَاوضَة انما عمل لصَاحب الارض فِي ارضه وبذره كَمَا عمل فِي اموال الْمُفَاوضَة وكما عمل لصَاحب النّخل فِي نخله وكما قد عمل لصَاحب الزَّرْع

(4/159)


الَّذِي قد قطع فِي زرعه وَكَذَلِكَ الرجل دفع الى رجل ارضا على ان يبذرها وَيقوم على ذَلِك ويسقيه سنة هَذِه على ان لصَاحب الارض الرّبع وللاخر مَا بَقِي فَهَذَا جَائِز وَهَذَا بِمَنْزِلَة مَا وصفت لَك من الامر الاول وَقد جَاءَت فِي مُزَارعَة الارض الْبَيْضَاء اثار كَثِيرَة
اُخْبُرْنَا سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ ابو الاحوص قَالَ اُخْبُرْنَا ابراهيم بن

(4/160)


المُهَاجر عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ كَانَ ابْن مَسْعُود وَسعد بن مَالك

(4/161)


رَضِي الله عَنْهُمَا يزرعان بِالثُّلثِ وَالرّبع
اُخْبُرْنَا سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ قَالَ اُخْبُرْنَا كُلَيْب بن وَائِل قَالَ قلت

(4/162)


لعبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا رجل لَهُ ارْض وَلَيْسَ لَهُ بذر وَلَا بقر اعطاني ارضه بِالنِّصْفِ فزرعتها ببذرى وبقري ثمَّ قاسمته قَالَ حسن
اُخْبُرْنَا سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ قَالَ اُخْبُرْنَا زيد بن جُبَير قَالَ كنت

(4/163)


قَاعِدا عِنْد عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ رجل ارْض اتى رَبهَا فيعطيها اعْمَلْ فِيهَا على ان لي مِمَّا يخرج مِنْهَا نَصِيبا قَالَ ارى عَلَيْك فِي ذَلِك
اُخْبُرْنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحَارِث بن حصيرة عَن رجل قد

(4/164)


سَمَّاهُ عَن عَمْرو بن صليعٍ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لَا باس

(4/165)


بالمزارعة بِالثُّلثِ وَالرّبع
اُخْبُرْنَا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن لَيْث عَن طَاوس قَالَ

(4/166)


قدم معَاذ الْيمن وهم يُعْطون ارضهم بِالثُّلثِ وَالرّبع فَلم يعب عَلَيْهِم ذَلِك

(4/167)


اُخْبُرْنَا حَنْظَلَة بن ابي سُفْيَان الجُمَحِي قَالَ سَمِعت طاوسا سُئِلَ عَن المخابرة فِي الارض فَقَالَ لَهُم خابروا على الشّطْر وَالثلث وَالرّبع وَالْخمس وَلَا تخابروا على كيل مَعْلُوم
اُخْبُرْنَا عبد الْعَزِيز عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم ان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ

(4/168)


كَانَ يكترى الارض الجرز بِالثُّلثِ وَالرّبع وَكَانَ لَا يرى بذلك

(4/169)


بَأْسا وَنَحْو هَذَا
أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة بن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس قَالَ قلت

(4/170)


يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَو تركت المخابرة فانهم يَزْعمُونَ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهَا قَالَ أَخْبرنِي أعلمهم ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينْه عَنْهَا وَلكنه قَالَ لَان يمنح احدكم اخاه خير من أَن يَأْخُذ مِنْهُ خراجا مَعْلُوما
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار انه سمع ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول كُنَّا نخابر وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى زعم رَافع بن خديج ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ذَلِك فتركناه من اجل قَوْله
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار انه سمع سَالم بن عبد الله بن عمر

(4/171)


لكريها كِرَاء الابل
مُحَمَّد عَن ابي حنيفَة قَالَ أخبرنَا حَمَّاد أَنه سَأَلَ طاوسا وَسَالم بن عبد الله عَن الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ وَالرّبع فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ يكرى
أخبرنَا مُحَمَّد عَن بكير بن عَامر عَن عبد الرَّحْمَن بن الاسود

(4/172)


قَالَ كنت ازرع ثمَّ اجئ إِلَى عَلْقَمَة وَالْأسود فَلم ينهياني عَنهُ
- بَاب الْمُسَاقَاة والمعاملة أَيْضا
-
سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول إِذا ساقى الرجل الأَرْض فِيهَا النّخل وَالْكَرم وَمَا أشبه ذَلِك من الْأُصُول وَيكون فِيهَا أَرض بَيْضَاء تصلح للزَّرْع

(4/174)


فَاشْترط رب الأَرْض على الَّذِي يعامله مُسَاقَاة النّخل على أَن لِلْعَامِلِ الثُّلُث وَلِصَاحِب النّخل الثُّلُثَانِ وعَلى أَن يزرع الْعَامِل الأَرْض الْبَيْضَاء حِنْطَة من عِنْده فَمَا اخْرُج الله من ذَلِك من شَيْء فللعامل الثُّلُث وَلِصَاحِب النّخل الثُّلُثَانِ فان هَذَا عندنَا فَاسد لَا يجوز لَان الْعَامِل اسْتَأْجر صَاحب النّخل على ان يقوم فِي نخله بِثلث مَا تخرج الارض على ان أُجْرَة صَاحب النّخل بَيَاض الأَرْض على ان يزرعه ببذره على ان يكون لرب الارض ثلثا مَا يخرج فَلَمَّا قَالَ صَاحب النّخل لِلْعَامِلِ استأجرك على الْفضل على ان تستأجر منى الْبيَاض فَهَذَا لَا يصلح وَقَالَ اهل الْمَدِينَة اذا كَانَ الْبيَاض الثُّلُث اَوْ اقل وَكَانَ النّخل الثُّلثَيْنِ اَوْ اكثر وَكَانَ الْبيَاض تبعا للْأَصْل من النّخل وَالْكَرم وَمَا اشبه ذَلِك من الْأُصُول فَلَا باس بذلك فاذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك جَازَت الْمُسَاقَاة وَذَلِكَ ان الْبيَاض حِينَئِذٍ تبع للْأَصْل واذا كَانَت الأَرْض فِيهَا الأَصْل من النّخل وَالْكَرم وَمَا اشبه ذَلِك من الْأُصُول

(4/175)


فَيكون ذَلِك الثُّلُث أَو أقل وَيكون الْبيَاض الثُّلثَيْنِ اَوْ أَكثر لم تجز فِيهِ الْمُسَاقَاة وَكَانَ ذَلِك الْكِرَاء بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير

(4/176)


وَقَالَ مُحَمَّد وَكَيف يجوز الْمُسَاقَاة فِي الْبيَاض اذا كَانَ الثُّلُث اَوْ اقل وَيبْطل إِذا كَانَ أَكثر لَئِن جَازَ فِي الْقَلِيل ليجوزن فِي الْكثير وَمَا بَينهمَا فرق ثمَّ قولا قلتموه لم اكن ارى ان احدا يُجِيزهُ تَقولُونَ اذا كَانَ النّخل الثُّلُث اَوْ اقل وَالْبَيَاض الثُّلثَيْنِ اَوْ اكثر فَلَا بَأْس بذلك كُله بِالدَّرَاهِمِ اَوْ بِالدَّنَانِيرِ مَعَه النّخل وَالشَّجر ويستأجر وَالنَّخْل وَالشَّجر وَلم يخرج ثمره على ان تكون الثَّمَرَة لَهُ فَهَل اجاز هَذَا اُحْدُ مِمَّن مضى اَوْ رأى أَنه يصلح اَوْ جَاءَت فِيهِ سنة مَاضِيَة اَوْ اثر ان نخلا يسْتَأْجر مَعَ الارض بِدَرَاهِم على ان يكون ثمره للَّذي اسْتَأْجرهُ وَلَو كَانَ فِي هَذَا أثر لاحتججتم بِهِ فِيمَا نرى لَا يجوز اجارة النّخل وَلَا الشّجر بِدَرَاهِم وَلَا بِدَنَانِير وَلَا غير ذَلِك قَلِيلا كَانَ اَوْ كثيرا كَانَ مَعَه بَيَاض كثيرا اَوْ لم يكن للْحَدِيث الْمَعْرُوف ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع النّخل سنتَيْن اَوْ ثَلَاثًا وَلَيْسَ

(4/177)


فِي هَذَا بَين النَّاس اخْتِلَاف وَلم يذكرُوا فِي هَذَا قَلِيلا وَلَا كثيرا فَلَا يجوز قَلِيل هَذَا وَلَا كَثِيره بِدَرَاهِم وَلَا بِدَنَانِير حَتَّى يخرج فَيُبَاع بَعْدَمَا يخرج فاذا خرج فاحمر اَوْ اصفر بيع وَلَئِن جَازَت اجارته بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير قبل ان يخرج ليجوزن بَيْعه قبل ان يخرج وَمَا بَينهمَا افْتِرَاق لَيْسَ يجوز شَيْء من هَذَا قَلِيلا كَانَ وَلَا كثيرا كَانَ مَعَه بَيَاض اَوْ لم يكن فِي اجارة وَلَا بيع
- بَاب الْمُسَاقَاة وَمَا اشْترط الْمُسْتَأْجر من رَقِيق المؤاجر بأعيانهم
-
سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول اذا دفع الرجل إِلَى الرجل نخلا مُسَاقَاة وَاشْترط عَلَيْهِ ان رَقِيقا بأعيانهم مسمين معلومين يعْملُونَ مَعَه من رَقِيق صَاحب المَال كَانُوا يعْملُونَ فِي ذَلِك النّخل يَوْم ساقاه اَوْ كَانُوا يعْملُونَ فِي غَيره اَوْ لم يَكُونُوا يعْملُونَ فِي شَيْء فان هَذَا جَائِز كُله فِي جَمِيع مَا اشْترط لانه اشْترط

(4/178)


رَقِيقا مَعْلُوما مَعْرُوفا وَقَالَ أهل الْمَدِينَة ان كَانَ أُولَئِكَ الرَّقِيق الَّذِي اشترطهم

(4/179)


هم عُمَّال الأَرْض فَلَا بَأْس بذلك لانهم بِمَنْزِلَة المَال وَلَا يجوز للمساقي الْعَامِل ان يشْتَرط على رب المَال رَقِيقا يعْمل بهم فِي الْحَائِط لَيْسُوا فِيهِ حِين ساقاه اياه وَقَالُوا ايضا لَا يَنْبَغِي لرب المَال ان يشْتَرط على الَّذِي دخل فِي مَاله بمساقاة ان يَأْخُذ من رَقِيق المَال احدا يُخرجهُ من المَال وانما مُسَاقَاة المَال على حَاله الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فان كَانَ صَاحب المَال يُرِيد ان يخرج من رقيقها

(4/180)


احدا اَوْ يدْخل فِيهَا احدا فَلْيفْعَل ذَلِك قبل الْمُسَاقَاة ثمَّ يساقى ذَلِك
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن ارى رَقِيق المَال قد صَارُوا للمساقى فِي مساقاته وان لم يشترطهم فِي قَول اهل الْمَدِينَة وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا وانما الرَّقِيق شَيْء نَاب بِهِ عَن المَال فان اشتراطهم المساقى فِي مساقاته كَانَ ذَلِك لَهُ وَكَذَلِكَ ان اشْترط غَيرهم فَأَما ان يَكُونُوا لَهُ من غير ان يشترطهم فَهَذَا امْر لم اكن ارى احدا يَقُوله ان يساقى على نخل لَا يذكر رَقِيقا فَيكون لَهُ الرَّقِيق يساقون مَعَه وَلم يشترطهم مَا تَقولُونَ فِي تَاجر كَانَ لَهُ بَيت يَبِيع فِيهِ الْبَز وَكَانَ لَهُ غلْمَان يبيعون مَعَه فِيهِ الْبَز فَقضى لَهُ ان مرض فَدفع مَاله الى رجل مقارضة

(4/181)


فيشتري بِهِ الْبَز وَيبِيع أَيكُون للمقارض الْبَيْت وَالرَّقِيق يبيعون مَعَه فِي الْبَيْت كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الامر فِيمَا مضى اَوْ لَا يكون لَهُ فان قُلْتُمْ لَا يكون لَهُ فَأَي شَيْء يكون اقبح من هَذَا أَرَأَيْتُم لَو كَانَ مَكَان رَقِيق صَاحب المَال الَّذِي سقى عَلَيْهِ موَالٍ لصَاحب المَال كَانُوا يقومُونَ مَعَه فِي مَاله بِغَيْر اجْرِ أيلزمهم ان يعملوا مَعَ المساقى كَمَا يلْزم الرَّقِيق بِغَيْر اجْرِ أَرَأَيْتُم ان أَبَوا ذَلِك ايجبرون عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَلَيْسَ يلْزم الرَّقِيق الْمُسَاقَاة الا ان يشترطهم فِي مساقاته لَان الرَّقِيق لَيْسُوا من النّخل وَلَا من الأَرْض انما هُوَ قوم يعْملُونَ فِي الأَرْض والمساقى اذا أدخلهُ رب الأَرْض فِي الأَرْض انما يدْخلهُ ليكفيه السقى والعلاج والمؤنة فاذا كَانَ يجب على رب الأَرْض ان يسلم لَهُ غلمانه يسقون لَهُ فَمَا كَانَ رب الأَرْض يضيع بالمساقى حَظه مِمَّا يخرج من النّخل وَالشَّجر بقيامه وَعَمله وَنَفَقَته على سقى

(4/182)


الأَرْض وتلقيحه وَغير ذَلِك فاذا كَانَ رَقِيق رب المَال يكفونه فيسقون لَهُ ويلقحون ويكفونه الْمُؤْنَة فَأَي شَيْء لَهُ حَظّ من النّخل وَالشَّجر لَيْسَ يجب للمساقى شَيْء من رَقِيق رب المَال الا ان يشْتَرط ذَلِك فَيجوز لَهُ
- بَاب كِرَاء الأَرْض بِالْحِنْطَةِ
-
سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يَنْبَغِي ان يكرى الرجل ارضه بِمِائَة صَاع من حِنْطَة مِمَّا يخرج مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ اهل الْمَدِينَة ايضا
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا بَأْس بِأَن يكرى الرجل الأَرْض

(4/183)


الْبَيْضَاء بِمِائَة صَاع من حِنْطَة جَيِّدَة يوفيها اياه فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا وَلَا يذكر مِمَّا يخرج مِنْهَا وَلَا من غير ذَلِك وَقَالَ هَذَا بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير

(4/184)


وَقَالَ أهل الْمَدِينَة لَا خير فِي هَذِه الاجارة وَلَا يصلح لَان هَذَا مِمَّا يزرع فِي الأَرْض وَيخرج مِنْهَا وان لم يشْتَرط مِنْهَا وَلَا يشبه هَذِه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَان الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا تخرج من الأَرْض وَالْحِنْطَة تخرج من الأَرْض وكل شَيْء يخرج من الأَرْض لَا يصلح ان يسْتَأْجر بِهِ الأَرْض
وَقَالَ مُحَمَّد مَا بَأْس بذلك أَن يسْتَأْجر الرجل الارض الْبَيْضَاء بِشَيْء مَعْلُوم وان كَانَ مِمَّا تخرجه الأَرْض اذا لم يشْتَرط مِمَّا تخرجه الأَرْض انما يكره ان يشْتَرط مِمَّا تخرجه الأَرْض بِعَينهَا اَوْ ارْض غَيرهَا بِعَينهَا لَان ذَلِك غرر وَلَا يدْرِي ايكون أم لَا يكون وَلَا يدْرِي اتخرج شَيْئا ام لَا تخرجه فاما اذا لم يَشْتَرِطه مِمَّا تخرجه الأَرْض وَجعله مُرْسلا فَلَا بَأْس بِهِ
قَالُوا ان فِي هَذَا ذَرِيعَة الى ان يكرى مِمَّا تخرجه الأَرْض قُلْنَا مَا تَقولُونَ

(4/185)


فِي رجل اسْتَأْجر أَرضًا بَيْضَاء يرزعها الى وَقت مَعْلُوم على ان يكون اجرها هَذَا النّخل بأصوله اَوْ هَذَا الشّجر بأصوله اَوْ رَقَبَة هَذِه الأَرْض الاخرى ايكون اخرى للَّتِي تزرع قَالُوا لَا خير فِي هَذِه الاجارة قُلْنَا وَلم قَالُوا لَان هَذِه الارض الَّتِي صَارَت اجرا تزرع فَتخرج زرعا فَكَأَن هَذِه استوجرت بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض فَلَا يَنْبَغِي هَذَا قُلْنَا يَنْبَغِي ان يدْخل عَلَيْكُم بِشَيْء من الْقيَاس اقبح مِمَّا تأتون بِهِ رجل اسْتَأْجر ارضا يَزْرَعهَا بِرَقَبَة ارْض اخرى يَزْعمُونَ ان هَذَا فَاسد ثمَّ انهم رجعُوا بعد ذَلِك عَن الأَرْض خَاصَّة فَقَالُوا لَا بَأْس بِأَن يسْتَأْجر الأَرْض بزرع أُخْرَى
اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن ابان بن صَالح الْقرشِي عَن حَمَّاد عَن ابراهيم النَّخعِيّ

(4/186)


قَالَ لَا بَأْس باجاره الأَرْض بالورق الْمُسَمّى اَوْ بِالْكَيْلِ الْمُسَمّى
اُخْبُرْنَا زِيَاد بن مُسلم ابو عَمْرو الصَّنْعَانِيّ قَالَ سَمِعت سعيد بن جُبَير

(4/187)


لَا يرى بَأْسا باجارة الأَرْض بِدَرَاهِم اَوْ بِطَعَام مُسَمّى وَقَالَ هَل كَانَ الا مثل درا اَوْ بَيت

(4/188)


- بَاب الرجلَيْن يكون بَينهمَا الْعين اَوْ الْبِئْر فَيَنْقَطِع مَاؤُهَا
- قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي الرجلَيْن يكون بَينهمَا الْعين اَوْ الْبِئْر فَيَنْقَطِع مَاؤُهَا فيريد احدهما ان يعْمل فِي الْعين حَتَّى يخرج المَاء فَيَقُول الاخر مَا اجد مَا اعْمَلْ بِهِ قَالَ ان كَانَ للَّذي ابى يعْمل مَال اجبر على ان يعْمل مَعَه لَان فِي هَذَا اضرارا عَاما عَلَيْهِمَا وان لم يكن لَهُ مَال قيل للَّذي يُرِيد الْعَمَل انفق ان شِئْت يكون نصف نَفَقَتك دينا على شريكك وَيكون المَاء بَيْنكُمَا نِصْفَيْنِ وَلَيْسَ لَك ان تَسْقِي بمائه حق لم ياخذه وَقَالَ اهل المدنية يُقَال للَّذي يُرِيد ان يعْمل فِي الْعين اعْمَلْ وانفق وَيكون لَك المَاء

(4/189)


كُله تسقى بِهِ حَتَّى يَأْتِي شريكك بِنصْف مَالك الَّذِي انفقت وَيَأْخُذ حِصَّته من المَاء وانما يُعْطي الأول المَاء كُله لانه انفق وَلَو لم يدْرك شَيْئا يعمله لم يعلق الاخر شَيْئا من نَفَقَته
وَقَالَ مُحَمَّد ارى اهل الْمَدِينَة قد اجازوا لَهُ المَاء كُله بِالنَّفَقَةِ بِهِ يَنْبَغِي لمن اجاز هَذَا ان يُجِيز بيع المَاء فِي الْعُيُون والابار وَفِي الانهار هَذَا امْر لَا يصلح وَلَا يسلم لَهُ كُله وَلَكِن يُقَال للمنفق ان شِئْت فانفق وارجع عَلَيْهِ بِنصْف النَّفَقَة دينا عَلَيْهِ وَيكون المَاء بَيْنكُمَا كَمَا كَانَ والا فدع صَاحبك فينفقان جَمِيعًا
آخر كتاب الْمُسَاقَاة

(4/190)