اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الْغَصْب)

(بَاب من سكن دَار غَيره بِغَيْر إِذْنه وَأخرج صَاحبهَا عَنْهَا أَو زرع (أرضه) بِغَيْر إِذْنه فقد أَثم وَوَجَب عَلَيْهِ رد الدَّار وتفريغ الأَرْض)

البُخَارِيّ وَغَيره: عَن سَالم، عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : / " من أَخذ من الأَرْض شَيْئا بِغَيْر حَقه خسف بِهِ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى سبع أَرضين ".
وَعَن سعيد بن زيد قَالَ: سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: " من ظلم من الأَرْض (شبْرًا) طوقه من سبع أَرضين ".
الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عُرْوَة: " أَن رجلَيْنِ من الْأَنْصَار اخْتَصمَا فِي أَرض غرس

(2/555)


أَحدهمَا فِيهَا نخلا وَالْأَرْض للْآخر، فَقضى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْأَرْضِ لصَاحِبهَا وَأمر صَاحب النّخل (أَن) يخرج نخله وَقَالَ: لَيْسَ لعرق ظَالِم حق ". وَقد أَخْبرنِي الَّذِي حَدثنِي بِهَذَا الحَدِيث أَنه رأى النّخل تقلع أُصُولهَا بالفؤوس. وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل وَفِي سَنَده ابْن إِسْحَاق.
فَإِن قيل: فقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن رَافع بن خديج أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من زرع فِي أَرض قوم بِغَيْر إذْنهمْ فَلَيْسَ لَهُ من الزَّرْع شَيْء وَله نَفَقَته ". وَهَذَا حَدِيث غَرِيب. وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد وَإِسْحَاق.
قيل لَهُ: روى (الطَّحَاوِيّ) : عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: " اشْترك أَرْبَعَة نفر على عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ أحدهم: عَليّ الْبذر، وَقَالَ الآخر: عَليّ الْعَمَل، وَقَالَ الآخر: عَليّ الأَرْض، وَقَالَ الآخر: عَليّ الفدان، فزرعوا ثمَّ حصدوا ثمَّ أَتَوا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَجعل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الزَّرْع لصَاحب الْبذر، وَجعل لصَاحب الْعَمَل أجرا مَعْلُوما، وَجعل لصَاحب الفدان فِي كل يَوْم دِرْهَم، وألغى الأَرْض ".

(2/556)


فقد أفسد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمُزَارعَة وَلم يَجْعَل الزَّرْع لصَاحب الأَرْض، بل جعل ذَلِك لصَاحب الْبذر.
وَعنهُ: عَن عَمْرو بن شُعَيْب: " أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي رجل بنى فِي دَار بِنَاء، ثمَّ جَاءَ أَهلهَا فاستحقوها، فَقَالَ: إِن كَانَ بنى بأمرهم فَلهُ نَفَقَته، وَإِن كَانَ إِنَّمَا بنى بِغَيْر أَمرهم فَلهُ نقض ذَلِك ". وَعَن عبد الله بن مَسْعُود وَشُرَيْح مثله. فقد جعلُوا النَّقْض لصَاحب الْبناء وَلم يجْعَلُوا ذَلِك لصَاحب الأَرْض.
وَمعنى حَدِيث التِّرْمِذِيّ: أَن الزَّارِع لَا شَيْء لَهُ فِي الزَّرْع يَأْخُذهُ لنَفسِهِ فَيملكهُ كَمَا يملك الزَّارِع (الزَّرْع) الَّذِي زرع فِي أَرض نَفسه، أَو فِي أَرض غَيره مِمَّن قد أَبَاحَ الزَّرْع فِيهَا، وَلكنه يَأْخُذ نَفَقَته وبذره وَيتَصَدَّق بِمَا بَقِي.
الطَّحَاوِيّ: عَن رَافع بن خديج: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مر بزرع فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: هُوَ زرعي، وَالْأَرْض / لآل فلَان، وَالْبذْر من قبلي بِنصْف مَا يخرج، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لقد أربيت خُذ نَفَقَتك، فَلم يكن ذَلِك على معنى خُذ نَفَقَتك من رب الأَرْض، لِأَن رب الأَرْض لم يَأْمُرهُ بِالْإِنْفَاقِ لنَفسِهِ، وَلَكِن معنى ذَلِك خُذ نَفَقَتك مِمَّا قد خرج من هَذَا الزَّرْع وَتصدق بِمَا بَقِي، وَالله أعلم ".

(2/557)


(بَاب إِذا تَغَيَّرت الْعين الْمَغْصُوبَة بِفعل الْغَاصِب حَتَّى زَالَ اسْمهَا وَعظم مَنَافِعهَا زَالَ ملك الْمَغْصُوب عَنْهَا وملكها الْغَاصِب وضمنها وَلم يجز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا حَتَّى يُؤَدِّي بدلهَا)

أَبُو دَاوُد: عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن رجل من الْأَنْصَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي جَنَازَة، فَرَأَيْت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على الْقَبْر يُوصي (الْحَافِر) أوسع من قبل رجلَيْهِ، أوسع من قبل رَأسه. فَلَمَّا رَجَعَ استقبله دَاعِي امْرَأَة، فجَاء وَجِيء بِالطَّعَامِ، فَوضع يَده ثمَّ وضع الْقَوْم، فَأَكَلُوا، فَنظر آبَاؤُنَا إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يلوك لقمته فِي فَمه ثمَّ قَالَ: (أجد) هَذَا لحم شَاة أخذت بِغَيْر إِذن أَهلهَا، فَأرْسلت الْمَرْأَة: (يَا رَسُول) الله، إِنِّي أرْسلت إِلَى البقيع يشترى لي شَاة فَلم أجد، فَأرْسلت إِلَى جَار لي قد اشْترى شَاة أَن أرسل إِلَيّ بهَا بِثمنِهَا، فَلم يُوجد، فَأرْسلت إِلَى امْرَأَته فَأرْسلت إِلَيّ بهَا، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أطعميه الْأُسَارَى ".
وَمن طَرِيق الطَّحَاوِيّ: عَن رجل - قَالَ حسبته من الْأَنْصَار - أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلَقِيَهُ رَسُول امْرَأَة من قُرَيْش تَدعُوهُ إِلَى طَعَام؛ فَجَلَسْنَا مجْلِس الغلمان من آبَائِهِم، فَنظر آبَاؤُنَا إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَفِي يَده أَكلَة فَقَالَ: (إِن) هَذَا لحم (شَاة) تُخبرنِي أَنَّهَا أخذت بِغَيْر حلهَا، فَقَامَتْ الْمَرْأَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله، لم يزل يُعجبنِي أَن تَأْكُل فِي بَيْتِي، وَإِنِّي أرْسلت إِلَى البقيع فَلم يُوجد فِيهِ شَاة، وَكَانَ أخي اشْترى شَاة بالْأَمْس فَأرْسلت إِلَى أَهله بِالثّمن، فَقَالَ: أطعموه الْأُسَارَى ".

(2/558)