اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الْعتْق)

(بَاب إِذا أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَهُوَ مُوسر لَا يقوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه إِلَّا بعد أَن يرغب عَن عتقه)

الطَّحَاوِيّ: عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: " كَانَ لنا غُلَام فَشهد الْقَادِسِيَّة فأبلى فِيهَا - وَكَانَ بيني وَبَين أُمِّي وَبَين أخي الْأسود - فأرادوا عتقه، وَكنت يَوْمئِذٍ صَغِيرا، فَذكر ذَلِك الْأسود لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أعتقوا أَنْتُم، فَإِذا بلغ عبد الرَّحْمَن فَإِن رغب فِيمَا رغبتم أعتق، وَإِلَّا (ضمنكم) ". (فَيحمل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " (قوم عَلَيْهِ) قيمَة الْعدْل على مَا إِذا) رغب الشَّرِيك عَن الْإِعْتَاق.

(2/609)


(بَاب إِذا أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ مُعسرا فلشريكه أَن يستسعي العَبْد)

البُخَارِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من أعتق نَصِيبا أَو شقيصا فِي مَمْلُوك فَعَلَيهِ خلاصه فِي مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال، وَإِلَّا قوم عَلَيْهِ فاستسعى بِهِ غير مشقوق عَلَيْهِ ".
(وَمن طَرِيق التِّرْمِذِيّ: " وَإِن لم يكن لَهُ مَال قوم عَلَيْهِ قيمَة عدل، ثمَّ يستسعى فِي نصيب الَّذِي لم يعْتق غير مشقوق عَلَيْهِ ") .

(2/610)


(بَاب من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ)

الطَّحَاوِيّ: عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ فَهُوَ حر ".
وَعنهُ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: " إِذا ملك الرجل عمته، أَو خَالَته، (أَو أَخَاهُ) ، أَو أُخْته، فقد عتقوا عَلَيْهِ ".
وَقد روى هَذَا عَن عمر، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الْحسن، وَجَابِر، وَالشعْبِيّ، وَالزهْرِيّ، وَالْحكم، وَحَمَّاد، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَأحمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
(بَاب إِذا قَالَ كاتبتك على كَذَا فَقبل صَحَّ، وَإِذا أدّى عتق)

قَالَ الله تَعَالَى: {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} ، فَظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي جَوَاز الْكِتَابَة من غير شَرط الْحُرِّيَّة، ويتضمن الْحُرِّيَّة لِأَن الله تَعَالَى لم يقل: فكاتبوهم

(2/611)


على شَرط الْحُرِّيَّة. فَدلَّ على أَن اللَّفْظ ينتظمها، كَلَفْظِ الْخلْع فِي تضمنه الطَّلَاق، وَلَفظ البيع فِيمَا يتَضَمَّن من التَّمْلِيك للمنافع، وَالنِّكَاح فِي اقتضائه تمْلِيك مَنَافِع الْبضْع.
(بَاب لَا يعْتق الْمكَاتب إِلَّا بأَدَاء جَمِيع الْكِتَابَة وَلَا يعْتق مِنْهُ شَيْء بأَدَاء بَعْضهَا)
" عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم ". /
(بَاب إِذا وطئ الْمولى أمته ثمَّ ولدت ولدا لَا يلْزمه مَا لم يعْتَرف بِهِ)

الطَّحَاوِيّ: عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ ابْن عَبَّاس يَأْتِي جَارِيَة لَهُ فَحملت فَقَالَ: لَيْسَ مني، إِنِّي أتيتها إتيانا لَا أُرِيد بِهِ الْوَلَد ".
وَعنهُ: عَن خَارِجَة بن زيد: " أَن أَبَاهُ كَانَ يعْزل عَن جَارِيَة فارسية، فَحملت

(2/612)


بِحمْل فَأنكرهُ وَقَالَ: إِنِّي لم أرد ولدك، وَإِنَّمَا استطيبت نَفسك، فجلدها وأعتقها وَأعْتق وَلَدهَا ".
وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث سعد: " هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة ". فقد يجوز أَن يكون أَرَادَ بقوله: " هُوَ لَك " هُوَ مَمْلُوك لَك، بِحَق مَا لَك عَلَيْهِ من الْيَد، وَلم يحكم فِي نسبه بِشَيْء. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد أَمر سَوْدَة بنت زَمعَة بالحجاب مِنْهُ. فَلَو كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد جعله ابْن زَمعَة إِذا لما احْتَجَبت (بنت زَمعَة) مِنْهُ، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم (يكن يَأْمر) بِقطع الْأَرْحَام، بل كَانَ يَأْمر بصلتها وَمن صلتها التزاور، فَكيف يجوز أَن يأمرها بالحجاب مِنْهُ وَقد جعله أخاها، هَذَا لَا يجوز وَكَيف يجوز ذَلِك (عَلَيْهِ) وَهُوَ يَأْمر عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن تَأذن لعهما من الرضَاعَة (بِالدُّخُولِ) عَلَيْهَا. ثمَّ تحتجب سَوْدَة مِمَّن قد جعله أخاها وَابْن أَبِيهَا. وَلَكِن وَجه ذَلِك عندنَا وَالله أعلم: " أَنه لم يكن حكم فِيهِ بِشَيْء غير الْيَد الَّتِي جعله بهَا لعبد ولسائر وَرَثَة زَمعَة دون سعد.
فَإِن قيل: فَمَا معنى قَوْله الَّذِي وَصله بِهَذَا: " الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر ".

(2/613)


قيل لَهُ: ذَلِك على التَّعْلِيم مِنْهُ لسعد أَي: (أَنْت) تَدعِي لأخيك وأخوك لم يكن لَهُ فرَاش، وَإِنَّمَا يثبت (النّسَب) مِنْهُ لَو كَانَ لَهُ فرَاش، فَإِذا لم يكن لَهُ فرَاش فَهُوَ عاهر وللعاهر الْحجر.
وَقد بَين هَذَا وكشفه مَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن عبد الله بن الزبير (عَن عبد الْعَزِيز) قَالَ: " كَانَت لزمعة جَارِيَة (يَطَأهَا) وَكَانَ يظنّ (رجلا آخر) يَقع عَلَيْهَا، فَمَاتَ زَمعَة وَهِي حُبْلَى، فَولدت غُلَاما يشبه الرجل الَّذِي كَانَ يظنّ بهَا، فَذَكرته سَوْدَة لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: أما الْمِيرَاث فَلهُ، وَأما أَنْت فاحتجبي مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخ ".
فَإِن قيل: فَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جعل الْمِيرَاث لَهُ، فَدلَّ على قَضَائِهِ بنسبه.
قيل لَهُ: مَا يدل، لِأَن عبد بن زَمعَة كَانَ ادَّعَاهُ وَزعم أَنه ابْن أَبِيه، لِأَن عَائِشَة قد أخْبرت / فِي حَدِيثهَا أَن عبدا قَالَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين نازعه سعد بن أبي وَقاص وَقَالَ: " أخي وَابْن وليدة أبي، ولد على فرَاشه ". فقد يجوز أَن تكون سَوْدَة قَالَت مثل ذَلِك، وهما (وارثان مَعَه) ، فَكَانَا بذلك مقرين لَهُ بِوُجُوب الْمِيرَاث مِمَّا ترك زَمعَة فَجَاز ذَلِك عَلَيْهِمَا فِي الْمِيرَاث الَّذِي يكون لَهما لَو لم يقرا بِمَا أقرا بِهِ من ذَلِك، وَلم يجب بذلك ثُبُوت نسب يجب لَهُ حكم فيخلي بَينه وَبَين النّظر إِلَى سَوْدَة.
فَإِن قيل: إِنَّمَا أمرهَا بالحجاب مِنْهُ لما رأى من شبهه (بِعتبَة) كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة.

(2/614)


قيل لَهُ: هَذَا لَا يجوز أَن يكون كَذَلِك، لِأَن وجود الشّبَه لَا يجب بِهِ ثُبُوت النّسَب، وَلَا يجب لعدمه انْتِفَاء النّسَب. أَلا ترى أَن الرجل الَّذِي قَالَ لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : هَل لَك إبل؟ فَقَالَ: نعم، قَالَ: فَمَا ألوانها؟ فَذكر كلَاما، قَالَ: هَل من أَوْرَق؟ فَقَالَ: إِن فِيهَا لورقا، (فَقَالَ: مِم ترى) ذَلِك جاءها، قَالَ: من عرق نَزعهَا، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : فَلَعَلَّ هَذَا عرق نَزعه ". فَلم يرخص لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي نَفْيه لبعد شبهه، وَلَا مَنعه من إِدْخَاله على بَنَاته وَحرمه، بل ضرب لَهُ مثلا أعلم أَن الشّبَه لَا يُوجب ثُبُوت الْأَنْسَاب، وَأَن (عَدمه) لَا يُوجب (بِهِ) انْتِفَاء الْأَنْسَاب، فَكَذَلِك ابْن وليدة زَمعَة، لَو كَانَ وَطْء زَمعَة (لأمته) يُوجب ثُبُوت نسبه إِذا لما كَانَ لبعد شبهه مِنْهُ معنى، وَلَو كَانَ نسبه مِنْهُ ثَابتا لدخل على بَنَاته كَمَا يدْخل عَلَيْهِم غَيره من بنيه.
وَأما مَا روى (مَالك فِي موطئِهِ) عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: " مَا بَال رجال يطأون ولائدهم ثمَّ (يعزلونهن لَا تأتين) وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا ألحقنا بِهِ وَلَدهَا، فاعزلوا أَو اتْرُكُوا ".

(2/615)


وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " من وطئ أمة ثمَّ ضيعها فأرسلها تخرج ثمَّ ولدت فَالْوَلَد مِنْهُ والضيعة عَلَيْهَا ".
فَإِنَّهُ قد خالفهما فِي ذَلِك عبد الله بن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت، على مَا روينَاهُ فِي أول (هَذَا) الْبَاب.
ذكر الْغَرِيب:)

العاهر: الزَّانِي، أَوْرَق: بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وواو سَاكِنة وَرَاء مَفْتُوحَة وقاف، حكى الْجَوْهَرِي، عَن الْأَصْمَعِي: " أَنه فِي الْإِبِل الَّذِي يضْرب لَونه من بَيَاض / إِلَى سَواد، وَلَيْسَ بمحمود عِنْدهم فِي الْعَمَل وَلَا فِي السّير. وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ الَّذِي يضْرب لَونه إِلَى خضرَة ".

(2/616)