اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب الْأَطْعِمَة)

(بَاب الرجل يمر بِالْحَائِطِ أيأكل مِنْهُ)

مَالك: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سمع رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (يَقُول) : " لَا يحتلبن (أحدكُم مَاشِيَة أَخِيه) بِغَيْر إِذْنه، أَيُحِبُّ أحدكُم (أَن) تُؤْتى مشْربَته، فتكسر خزانته، فَيحمل طَعَامه، فَإِنَّمَا تخزن لَهُم (ضروع) مَوَاشِيهمْ أطعمتهم، فَلَا يحتلبن أحد مَاشِيَة امْرِئ إِلَّا بِإِذْنِهِ ".
الطَّحَاوِيّ: عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ:

(2/639)


" لَا يحل لأحد (أَن) يَأْخُذ عَصا أَخِيه بِغَيْر طيب نَفسه ". قَالَ: وَذَلِكَ لشدَّة مَا حرم الله على الْمُسلمين (من) مَال الْمُسلم. وَمَا رُوِيَ خلاف هَذَا فَهُوَ مَحْمُول على حَالَة الضَّرُورَة.
(بَاب يجوز لبس الْخَاتم لغير ذِي سُلْطَان)

مَالك: عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يلبس خَاتمًا من ذهب، ثمَّ قَامَ فنبذه، وَقَالَ: لَا ألبسهُ أبدا، فنبذ النَّاس خواتيمهم ". وَهَذَا يدل على أَن الْعَامَّة كَانَت تلبس الخواتيم.
(بَاب التَّخَتُّم فِي الْيَسَار)

الطَّحَاوِيّ: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه: " (أَن) الْحسن وَالْحُسَيْن كَانَا يتختمان فِي يسارهما. وَابْن الْحَنَفِيَّة كَانَ يتختم فِي يسَاره ".

(2/640)


(بَاب إِذا تحركت سنه أُبِيح لَهُ أَن يشدها بِالذَّهَب)

لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبَاحَ لعرفجة بن أسعد (الْكلابِي) أَن يتَّخذ أنفًا من ذهب. فَكَانَ كَذَلِك السن لَا بَأْس أَن يشدها بِالذَّهَب إِذْ كَانَ لَا ينتن، فَيكون النتن الَّذِي (فِي الْفضة مبيحا لاستعمال الذَّهَب، كَمَا كَانَ النتن الَّذِي) يكون مِنْهَا فِي الْأنف مبيحا لاستعمال الذَّهَب مَكَانهَا.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد رُوِيَ عَن جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين شدّ الْأَسْنَان بِالذَّهَب، مِنْهُم الْحسن، والمغيرة بن عبد الله أَمِير الْكُوفَة، وَأَبُو التياح، وَأَبُو حَمْزَة، وَأَبُو نَوْفَل ابْن أبي عقرب، وَعبيد الله بن الْحُسَيْن قَاضِي الْبَصْرَة.

(2/641)


(بَاب قصّ الشَّارِب حسن وإحفاؤه وَأفضل)

الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يجز شَاربه ".
وَعنهُ: عَن ابْن عمر رَضِي الله، عَنهُ، عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: أحفوا الشَّارِب وَاعْفُوا اللحى ".
وَمن طَرِيق آخر: " وَلَا تشبهوا باليهود ". وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " خمس من الْفطْرَة: قصّ الشَّارِب ". فالفطرة (هِيَ) الَّتِي لَا بُد مِنْهَا وَهِي (قصّ الشَّارِب) وَمَا سوى ذَلِك فعل حسن، كَمَا أَن التَّقْصِير فِي الْحَج حسن، وَالْحلق أفضل.

(2/642)


وَمَا رُوِيَ: " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قصّ شَارِب إِنْسَان على عود السِّوَاك / يجوز أَن يكون فعله لِأَنَّهُ لم يكن بِحَضْرَتِهِ مقراض يقدر على إحفاء الشَّارِب بِهِ ".
الطَّحَاوِيّ: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: " رَأَيْت أنس بن مَالك وواثلة بن الْأَسْقَع يحفان شاربهما، ويعفيان لحاهما ويصفرانها ".
وَعَن عُثْمَان بن عبد الله بن رَافع الْمدنِي قَالَ: " رَأَيْت عبد الله بن عمر، وَأَبا هُرَيْرَة، وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبا أسيد السَّاعِدِيّ، وَرَافِع بن خديج، وَجَابِر بن عبد الله، وانس بن مَالك، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع، يَفْعَلُونَ ذَلِك "، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
(بَاب المعانقة مَكْرُوهَة)

التِّرْمِذِيّ: عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، (الرجل) منا يلقى أَخَاهُ، أَو صديقه، أينحني لَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أفيلتزمه ويقبله؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَيَأْخُذ يَده ويصافحه؟ قَالَ: نعم ". هَذَا حَدِيث حسن.

(2/643)


وَمن طَرِيق الطَّحَاوِيّ: " قَالُوا: أفيعانق بَعْضنَا بَعْضًا؟ قَالَ: (لَا، قَالُوا: أفيصافح بَعْضنَا بَعْضًا؟ قَالَ) : تصافحوا ".
فَإِن قيل: فقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قدم زيد بن حَارِثَة الْمَدِينَة وَرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ، فقرع الْبَاب، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عُريَانا يجر ثَوْبه، وَالله مَا رَأَيْته عُريَانا قبله وَلَا بعده، فاعتنقه وَقَبله ".
قيل لَهُ: الحَدِيث الأول مَخْصُوص بالتلقي فِي الْحَضَر، وَهَذَا مَخْصُوص بالتلقي عِنْد الْقدوم من السّفر.
يُؤَيّد هَذَا مَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن الشّعبِيّ: " أَن أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانُوا إِذا الْتَقَوْا تصافحوا، وَإِذا قدمُوا من سفر تعانقوا ".
(بَاب الْعَاطِس كَيفَ يشمت)

التِّرْمِذِيّ: عَن سَالم بن (عبيد الْأَشْجَعِيّ - كُوفِي لَهُ صُحْبَة وَكَانَ من أهل الصّفة) -: " أَنه كَانَ مَعَ الْقَوْم فِي سفر فعطس رجل من الْقَوْم، فَقَالَ: السَّلَام

(2/644)


عَلَيْكُم، فَقَالَ: (عَلَيْك) وعَلى أمك، فَكَأَن الرجل (وجد) فِي نَفسه، فَقَالَ: أما (إِنِّي) لم أقل إِلَّا مَا قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، عطس رجل عِنْد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : عَلَيْك وعَلى أمك، إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَليقل من يرد عَلَيْهِ: يَرْحَمك الله، وَليقل: يغْفر الله لي وَلكم ".
فَإِن قيل: فقد علم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْعَاطِس أَن يَقُول: " يهديكم الله وَيصْلح بالكم ". /
قيل لَهُ: فقد روى التِّرْمِذِيّ: عَن أبي مُوسَى قَالَ: " كَانَ الْيَهُود يتعاطسون عِنْد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يرجون أَن يَقُول لَهُم يَرْحَمكُمْ (الله، فَيَقُول) : يهديكم الله وَيصْلح بالكم ".
(بَاب يجوز إخصاء الْبَهَائِم)

لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ضحى بكبشين (أملحين) موجوءين، وهما: المرضوضان خصاهما، وَالْمَفْعُول بِهِ ذَلِك قد انْقَطع نَسْله. فَلَو كَانَ إخصاؤها مَكْرُوها إِذا لما ضحى

(2/645)


بهما رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لينتهي النَّاس عَن ذَلِك. وَكَذَا لَا بَأْس بإنزاء الْحمير على الْخَيل، لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَكْرُوها لَكَانَ ركُوب البغال مَكْرُوها، لِأَنَّهُ لَوْلَا رَغْبَة النَّاس فِي البغال وركوبهم إِيَّاهَا إِذا (لما) أنزأت الْحمير على الْخَيل. (وَإِنَّمَا نهى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بني هَاشم عَن إنزاء الْحمير على الْخَيل) ، لِأَن الْخَيل كَانَت قَليلَة فيهم، فَأحب أَن يكثر فيهم. هَكَذَا قَالَ: عبد الله بن الْحسن رَضِي الله عَنهُ.
(بَاب لَا يجوز نظر العَبْد إِلَى شُعُور الْحَرَائِر)

الطَّحَاوِيّ: عَن أبي إِسْحَاق (عَن أبي الْأَحْوَص) عَن عبد الله: {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الزِّينَة: القرط والقلادة (والسوار) والخلخال ".
وَعنهُ: عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم: " وَلَا يبدين زينتهن (إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا) ، قَالَ: " هُوَ مَا فَوق الذِّرَاع، أُبِيح للنَّاس أَن ينْظرُوا إِلَى مَا لَيْسَ بِمحرم عَلَيْهِم من

(2/646)


النِّسَاء إِلَى وجوههن وَإِلَى أكفهن، وَحرم عَلَيْهِم ذَلِك من أَزوَاج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما نزلت آيَة الْحجاب وَفَضْلهنَّ بذلك على سَائِر النَّاس ".
فَإِن قيل: فقد قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا يبدين زينتهن} ، إِلَى قَوْله: {أَو مَا ملكت أيمانهن} . (فَجعل مَا ملكت أيمانهن) كذي الْمحرم.
قيل لَهُ: الْجَواب عَن هَذَا من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن هَذَا مَحْمُول على الْإِمَاء، وَلَيْسَ فِيهِ إبِْطَال فَائِدَة ملك الْيَمين، لِأَنَّهُ قد ذكر النِّسَاء فِي الْآيَة بقوله: {أَو نسائهن} وَأَرَادَ بِهن الْحَرَائِر المسلمات، فَجَاز أَن (يظنّ) (ظان أَن) الْإِمَاء لَا يجوز لَهُنَّ النّظر إِلَى شُعُور مولاتهن وَإِلَى مَا يجوز النّظر إِلَيْهِ مِنْهَا. (فأبان الله تَعَالَى) أَن الْأمة والحرة فِي ذَلِك سَوَاء. وَإِنَّمَا خص نساءهن بِالذكر فِي هَذَا الْموضع، لِأَن جَمِيع من ذكر قبلهن هم الرِّجَال بقوله: {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن} إِلَى آخر مَا ذكر. فَكَانَ جَائِزا أَن يظنّ ظان أَن الرِّجَال مخصوصون بذلك إِذا كَانُوا ذووا محارم، فأبان الله تَعَالَى إِبَاحَة النّظر إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع من نسائهن سَوَاء كن ذَوَات محارم (أَو غير ذَوَات محارم) ، ثمَّ عطف على ذَلِك (الْإِمَاء بقوله: {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} ) لِئَلَّا يظنّ ظان أَن الْإِبَاحَة مَقْصُورَة على الْحَرَائِر من النِّسَاء / إِذْ كَانَ ظَاهر قَوْله: " أَو نسائهن " يَقْتَضِي الْحَرَائِر دون الْإِمَاء، كَمَا

(2/647)


فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} على الْحَرَائِر ((مِنْكُم) دون المماليك. وَقَوله: {شهيدين من رجالكم} الْأَحْرَار، لإضافتهم إِلَيْنَا. كَذَلِك قَوْله: {أَو نسائهن} على الْحَرَائِر) ، ثمَّ عطف عَلَيْهِنَّ الْإِمَاء فأباح لَهُنَّ مثل مَا أَبَاحَ فِي الْحَرَائِر.
الثَّانِي: أَنه ذكر جمَاعَة مستثنين من قَوْله عز وَجل: {وَلَا يبدين زينتهن} (فَذكر) البعول والآباء وَمن ذكر مَعَهم، مثل ذكره: {مَا ملكت أيمانهن} ، فَلم يكن جمعه بَينهم دَلِيلا على اسْتِوَاء أحكامهم، لأَنا قد رَأينَا البعل يجوز لَهُ أَن ينظر من امْرَأَته إِلَى مَا لَا ينظر إِلَيْهِ أَبوهَا مِنْهَا، ثمَّ قَالَ: {أَو مَا ملكت أيمانهن} ، فَلَا يكون ضم أُولَئِكَ مَعَ مَا قبلهم بِدَلِيل أَن حكمهم مثل حكمهم، وَلَكِن الَّذِي أَبَاحَ بِهَذِهِ الْآيَة للمملوكين من النّظر إِلَى النِّسَاء إِنَّمَا هُوَ مَا ظهر من الزِّينَة، وَهُوَ: الْوَجْه والكفان. وَفِي إِبَاحَته ذَلِك للمملوكين وَلَيْسوا بذوي أَرْحَام محرم، دَلِيل على أَن الْأَحْرَار الَّذين لَيْسُوا بذوي أَرْحَام محرم من النِّسَاء فِي ذَلِك كَذَلِك. وَقد بَين هَذَا الْمَعْنى مَا فِي حَدِيث ابْن زَمعَة من قَول رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لسودة: " احتجبي مِنْهُ "، فَأمرهَا بالحجاب وَهُوَ ابْن وليدة أَبِيهَا، وَلَيْسَ (يَخْلُو) من أَن يكون أخاها أَو ابْن وليدة أَبِيهَا، فَيكون مَمْلُوكا لَهَا ولسائر وَرَثَة أَبِيهَا. فَعلمنَا أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يحجبها مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخُوهَا، وَلَكِن لِأَنَّهُ غير أَخِيهَا. وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال مَمْلُوكا، فَلم يحل لَهُ النّظر - برقه - إِلَيْهَا.

(2/648)


وَقد ضاد هَذَا الحَدِيث قَول رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا كَانَ لإحداكن مكَاتب وَكَانَ عِنْده مَا يُؤَدِّي عَنهُ فلتحتجب مِنْهُ ".
وروى الطَّحَاوِيّ عَن الشّعبِيّ وَيُونُس، عَن الْحسن أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان أَن ينظر العَبْد إِلَى شعر مولاته.

(2/649)


فارغة

(2/650)