اللباب في شرح الكتاب

كتاب الحج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويكره له الصمت) إن اعتقده قربة: لأنه ليس قربة في شريعتنا؛ أما حفظ اللسان عما لا يعني الإنسان فإنه من حسن الإيمان.
(فإن جامع المعتكف ليلاً أو نهاراً) عامداً أو ناسياً أنزل أو لا (بطل اعتكافه) ؛ لأن حالة المعتكف مذكرة فلا يعذر بالنسيان، ولو جامع فيما دون الفرج، أو قبل، أو لمس فأنزل - بطل اعتكافه؛ لأنه في معنى الجماع حتى يفسد به الصوم، ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرماً؛ لأنه ليس في معنى الجماع، ولهذا لا يفسد به الصوم. هداية.
(ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام) يومين فأكثر (لزمه اعتكافها بلياليها) لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي (وكانت متتابعة وإن لم يشترط التتابع) ؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع؛ لأن الأوقات كلها قابلة له، بخلاف الصوم، لأن مبناه على التفرق؛ لأن الليالي غير قابلة للصوم؛ فيجب على التفريق حتى ينص على التتابع، وإن نوى الأيام خاصة صح؛ لأنه نوى الحقيقة. هداية.
كتاب الحج
ختم به العبادات الخالصة اقتداء بحديث: "بني الإسلام على خمس"
(الحج) بفتح الحاء وكسرها - لغة: القصد مطلقاً، كما في الجوهرة وغيرها تبعاً لإطلاق كثير من كتب اللغة، ونقل في الفتح عن ابن السكيت تقييده بالمعظم، وكذا

(1/177)


- الحج واجبٌ على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة، فاضلاً عن مسكنه وما لا بد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده، وكان الطريق آمناً، ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قيده به السيد الشريف في تعريفاته. وشرعاً: زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص. وهو (واجب) (1) : أي فرض في العمر مرة (على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد) ذهاباً وإياباً (والراحلة) من زاملة أو شق محمل (فاضلاً) : أي زائداً ذلك (عن مسكنه وما لا بد) له (منه) كالثياب وأثاث المنزل والخادم ونحو ذلك؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية (و) زائداً أيضاً (عن نفقة عياله) ممن تلزمه نفقته (إلى حين عوده) لتقدم حق العبد لحاجته (وكان الطريق آمناً) بغلبة السلامة؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه، ثم قيل: هو شرط الوجوب حتى لا يجب عليه الإيصاء، وهو مروى عن أبي حنيفة، وقيل شرط الأداء دون الوجوب. هداية. (ويعتبر في المرأة) ولو عجوزاً (أن يكون لها محرم) بالغ
_________
(1) والحج رياضة روحية وعقلية وبدنية كريمة وهو جهاد مكرم مشكور وفيه من الآيات والآثار ما يشهد بمكانته العليا وآثاره الجليلة وحسبك ما نواه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه ليس له جزاء إلا الجنة ومن ذاق لذة الحج عرف ما يصنع من تجديد الإيمان واستئناف الحياة السعيدة الموفقة وينبغي لمن أراد الحج أن يبدأ بالتوبة وإخلاص النية ورد المظالم وأن يلتمس النفقة من الحلال ويطلب الرفيق الصالح ليذكره إذا نسي ويعينه إذا عجز ويثبته إذا جزع ويستحب أن يجعل خروجه يوم الخميس اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وإلا فيوم الإثنين ورد في أن السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلفه استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه)

(1/178)


يحج بها أو زوجٌ، ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيامٍ ولياليها، وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم أو أعتق العبد فمضيا على ذلك لم يجزهما عن حجة الإسلام.
والمواقيت التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان إلا محرماً: لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل العراق ذات عرقٍ، ولأهل الشأم الجحفة، ولأهل نجدٍ قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عاقل غير فاسق، برحم أو صهرته (يحج بها، أو زوج؛ ولا يجوز لها) : أي يكره تحريماً على المرأة (أن تحج بغيرهما) : أي المحرم والزوج (إذا كان بينها وبين مكة) مدة سفر، ويجوز حجها، وهي (مسيرة ثلاثة أيام ولياليها) فصاعداً، وقد اختلفوا في أن المحرم شرط الوجوب أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق (وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم أو أعتق العبد فمضيا على) إحرامهما (ذلك لم يجزهما عن حجة الإسلام) لأن إحرامهما انعقد لأداء النفل، فلا ينقلب لأداء الفرض، ولو جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف ونوى حجة الإسلام جاز، والعبد لو فعل ذلك لم يجز؛ لأن إحرام الصبي غير لازم؛ لعدم الأهلية، أما إحرام العبد فلازم؛ فلا يمكنه الخروج منه بالشروع في غيره. هداية.
(والمواقيت) : أي المواضع (التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان) مريداً مكة (إلا محرماً) يأخذ النسكين خمسة: (لأهل المدينة ذو الحليفة) بضم ففتح - موضع على ستة أميال من المدينة، وعشر مراحل من مكة، وتعرف الآن بآبار علي (ولأهل العراق ذات عرق) بكسر فسكون - على مرحلتين من مكة (ولأهل الشام الجحفة) على ثلاث مراحل من مكة بقرب رلغ (ولأهل نجد قرن المنازل) - بسكون الراء - مغرب، على مرحلتين من مكة (ولأهل اليمن يلملم) جبل على

(1/179)


فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز، ومن كان منزله بعد المواقيت فميقاته الحل، ومن كان بمكة فميقاته في الحج الحرم وفي العمرة الحل.
وإذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ - والغسل أفضل - ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين إزاراً ورداءً ومس طيباً إن كان له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مرحلتين أيضاً. وكذا لمن مر بها من غير أهلها: كأهل الشام الآن، فإنهم يمرون بميقات أهل المدينة فهي ميقاتهم، لكنهم يمرون بالميقات الآخر، فيخيرون بالإحرام منهما، لأن الواجب على من مر بميقاتين لا يتجاوز آخرهما إلا محرماً، ومن الأول أفضل، وإن لم يمر بميقات تحرى وأحرم إذا حاذى أحدها، وإن لم يكن بحيث يحاذي أحدها فعلى مرحلتين (فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز) وهو أفضل إن أمن مواقعة المحظورات (ومن كان منزله بعد المواقيت) أي داخلها وخارج الحرم (فوقته) للحج والعمرة (الحل) ويجوز لهم دخول مكة لحاجة من غير إحرام (ومن كان بمكة فميقاته في الحج الحرم وفي العمرة الحل) ليتحقق وقوع السفر؛ لأن أداء الحج في عرفة وهي في الحل، فيكون الإحرام من الحرم وأداء العمرة في الحرم، فيكون الإحرام من الحل، إلا أن التنعيم أفضل، لورود الأثر به. هداية.
(وإذا أراد) الرجل (الإحرام) بحج أو عمرة (اغتسل وتوضأ، والغسل أفضل) : لأنه أتم نظافة، وهو للنظافة لا للطهارة، ولذا تؤمر به الحائض والنفساء (ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين طاهرين أبيضين ككفن الميت (إزاراً) من السرة إلى تحت الركبتين (ورداء) على ظهره لأنه ممنوع عن لبس المخيط، ولابد من ستر العورة ودفع الحر والبرد، وذلك فيما عيناه، والجديد أفضل، لأنه أقرب إلى الطهارة. هداية (ومس طيباً) استحباباً (إن كان) : أي وجد

(1/180)


طيبٌ وصلى ركعتين وقال: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقيب صلاته، فإن كان مفرداً في الحج نوى بتلبيته الحج، والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ولا ينبغي أن يخل بشيءٍ من هذه الكلمات، فإن زاد فيها جاز، فإذا لبى فقد أحرم، فليتق ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(له طيب) وقص أظافره وشاربه، وأزال عانته، وحلق رأسه إن اعتاده، وإلا سرحه (وصلى ركعتين) في غير وقت مكروه (وقال: اللهم) إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني) ، لأن أداءه في أزمنة متفرقة، وأماكن متباينة، فلا يعرى عن المشقة، فيسأل الله تعالى التيسير، بخلاف الصلاة، لأن مدتها يسيرة، وأداؤها عادة ميسر (ثم يلبي عقيب الصلاة) ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (لبى في دبر صلاته) وإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز، ولكن الأول أفضل. هداية (فإن كان مفرداً) الإحرام (بالحج نوى بتلبيته الحج) ؛ لأنه عبادة، والأعمال بالنيات (والتلبية أن يقول؛ لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد) بكسر الهمزة، وتفتح (والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وهي المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات) ؛ لأنه هو المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه (فإن زاد فيها) : أي عليها بعد الإتيان بها (جاز) بلا كراهة، أما في خلالها فيكره، كما في الدر وغيره.
(وإذا لبى) ناوياً (فقد أحرم) ولا يصير شارعاً في الإحرام بمجرد النية، ما لم يأت بالتلبية (فليتق ما نهى الله تعالى عنه من الرفث) وهو الجماع، أو الكلام الفاحش؛ أو ذكر الجماع بحضرة النساء (والفسوق) : أي المعاصي، وهي في حال

(1/181)


والجدال، ولا يقتل صيداً، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا عمامةً ولا قلنسوةً ولا قباءً ولا خفين إلا أن لا يجد النعلين فيقطعهما أسفل الكعبين، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا يحلق رأسه، ولا شعر بدنه، ولا يقص لحيته، ولا من ظفره، ولا يلبس ثوباً مصبوغاً بورسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإحرام أشد حرمة (والجدال) : أي الخصام مع الرفقة والخدم والمكارين. بحر (ولا يقتل صيداً) برياً (ولا يشير إليه) حاضراً (ولا يدل عليه) غائباً (ولا يلبس قميصاً ولا سراويل) يعني اللبس المعتاد، أما إذا اتزر بالقميص أو ارتدى بالسراويل فلا شيء عليه. جوهرة (ولا) يلبس (عمامة ولا قلنسوة) - بفتح القاف - ما تدار عليها العمامة (ولا قباء) - بالفتح والمد - كساء منفرج من أمام يلبس فوق الثياب، والمراد اللبس المعتاد كما تقدم - حتى لو اتزر أو ارتدى بعمامته وألقى القباء على كتفيه من غير إدخال يديه في كميه ولا زره جاز ولا شيء عليه، غير أنهم قالوا: إن إلقاء القباء والعياء ونحوهما على الكتفين مكروه؛ قال شيخنا: ولعل وجهه أنه كثيراً ما يلبس كذلك تأمل. اهـ. (ولا) يلبس (خفين إلا أن لا يجد النعلين فيقطعهما) : أي الخفين (أسفل الكعبين) والكعب هنا: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك. هداية (ولا يغطي رأسه ولا وجهه) يعني التغطية المعهودة، أما لو حمل على رأسه عدل برو شبهه فلا شيء عليه، لأن ذلك لا يحصل به المقصود من الإرتفاق، جوهرة (ولا يمس طيباً) بحيث لزق منه بثوبه أو بدنه كاستعمال ماء الورد والمسك وغيرهما (ولا يحلق رأسه ولا شعر بدنه) ويستوي في ذلك إزالته بالموسى وغيره (ولا يقص) شيئاً (من لحيته) ، لأنه في معنى الحلق (ولا من ظفره) ، لما فيه من إزالة الشعث، (ولا يلبس ثوباً مصبوغاً بورس) بوزن فلس - نبت أصفر يزرع في اليمن

(1/182)


ولازعفرانٍ ولا عصفرٍ، إلا أن يكون غسلاً لا ينفض، ولا بأس أن يغتسل، ويدخل الحمام، ويستظل بالبيت، والمحمل، ويشد في وسطه الهميان، ولا يغسل رأسه ولا ليته بالخطمى ويكثر من التلبية عقب الصلوات، وكلما علا شرفاً، أو هبط وادياً، أو لقي ركباناً، وبالأسحار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويصنع به، مصباح (ولا زعفران ولا عصفر) لأن لها رائحة طيبة (إلا أن يكون) ما صنع بها (غسيلاً لا ينقض) : أي لا تفوح رائحته؛ وهو الأصح، جوهرة، لأن المنع للطيب لا للون. هداية.
(ولا بأس أن يغتسل) المحرم (ويدخل الحمام) لأنه طهارة فلا يمنع منها (ويستظل بالبيت) والفسطاط (والمحمل) بوزن مجلس - واحد محامل الحاج صحاح (ويشد في وسطه الهميان) بالكسر - وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط، ومثله المنطقة.
(ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمى) بكسر الخاء - لأنه نوع طيب، ولأنه يقتل هوام الرأس. هداية.
(ويكثر من التلبية) ندباً رافعاً بها صوته من غير مبالغة (عقيب الصلوات) ولو نفلاً (وكلما علا شرفاً) : أي مكاناً مرتفعاً (أو هبط وادياً أو لقي ركباناً) : أي جماعة ولو مشاة (وبالأسحار) ، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبون في هذه الأحوال، والتلبية في الإحرام على مثال التكبير في الصلاة، فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال. هداية

(1/183)


فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام (1) ، فإذا عاين البيت كبر وهلل ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ورفع يديه واستلمه وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام) بعدما يأمن على أمتعته، داخلاً من باب السلام خاشعاً متواضعاً ملاحظاً عظمة البيت وشرفه (فإذا عاين البيت كبر) الله تعالى الأكبر من كل كبير؛ ثلاثاً (وهلل) كذلك ثلاثاً ومعناه التبري عن عبادة غيره تعالى ويلزمه التبري عن عبادة البيت المشاهد، ودعا بما أحب؛ فإنه من أرجى مواضع الإجابة، ثم أخذ بالطواف، لأنه تحية البيت، مالم يخف فوت المكتوبة أو الجماعة (ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل ورفع يديه) كرفعهما للصلاة (واستلمه) بباطن كفيه (وقبله) بينهما (إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً) ، لأنه سنة، وترك الإيذاء واجب،
_________
(1) في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت وروى أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة لم يلو على شيء ولم يعرج ولا بلغنا أنه دخل بيتاً ولا نها بشيء حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به ويستحب أن يقول عند دخوله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ويستحب أن يفعل لدخول مكة لحديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم لا يقدم مكة إلا يأت بذى طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويستحب للحائض والنفساء كما في غسل الإحرام ويستحب أن يكون الدخول من ثنية كفراء ولا نصرة أن يدخلها ليلاً أو نهاراً وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كلا منهما وما روى أن ابن عمر نهى عن الدخول ليلاً فإنما كان شفقة على الحجاج من السراق. وينبغي أن يقول عند دخوله هذا الدعاء المأثور اللهم أنت ربي وأنا عبدك جئت لأؤدي فرضك وأطلب رحمتك وألتمس رضاك متبعاً لأمرك راضياً بقضائك. أسألك مسألة المضطرين المشفعين من عذابك أن تستقبلني اليوم بعفوك وتحفظني برحمتك وتتجاوز عني بمغفرتك وتعينني على أداء فرضك. اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم. كتب الله لنا زيارة البيت دائماً

(1/184)


ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب، وقد اضطبع رداءه قبل ذلك، فيطوف بالبيت سبعة أشواطٍ، ويجعل طوافه من وراء الحطيم، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأول، ويمشي فيما بقي على هينته، ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، ويختم الطواف بالاستلام، ثم يأتي المقام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن لم يقدر يضعها ثم يقبلهما أو إحداهما، وإلا يمكنه يمسه شيئاً في يده ثم يقبله، وإلا أشار إليه بباطن كفيه كأنه وضعهما عليه وقبلهما (ثم أخذ) يطوف (عن يمينه) : أي جهة يمين الطائف. وهي (مما يلي) الملتزم و (الباب، وقد اظطبع رداءه) بأن جعله تحت إبطه الأيمن. ويلقيه على كتفه الأيسر (قبل ذلك) ؛ أي قبل الشروع، وهو سنة (فيطوف بالبيت سبعة أشواط) كل واحد من الحجر إلى الحجر (ويجعل طوافه من وراء الحطيم) وجوباً، ويقال له "الحجر" أيضاً، لأنه حطم من البيت وحجر عنه: أي منع، لأنه ستة أذرع منه من البيت، فلو طاف من الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز احتياطاً، ويأتي (ويرمل) بأن يسرع مشيه مع تقارب الخطا وهو الكتفين (في الأشواط الثلاثة الأول) من الحجر إلى الحجر، فإذا زحمه الناس قام، فإذا وجد مسلكاً رمل، لأنه لا بدل له فيقف حتى يقيمه على وجه السنة. هداية (ويمشي فيما بقي من الأشواط (على هينته) بسكينة ووقار (ويستلم الحجر كلما مر به) ، لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير يفتتح كل شوط باستلام الحجر. جوهرة (إن استطاع) كما مر، ويستلم الركن اليماني أيضاً (1) . (ويختتم الطواف بالاستلام) كما ابتدأ به، (ثم يأتي مقام إبراهيم) عليه السلام
_________
(1) في الهداية إن ذلك حسن في ظاهر الرواية وعن محمد أنه سنة ولا يستلم غيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم هذين الركعتين ولا يستلم غيرهما

(1/185)


فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسر من المسجد، وهذا الطواف طواف القدوم، وهو سنةٌ وليس بواجب، وليس على أهل مكة طواف القدوم، ثم يخرج إلى الصفا فيصعد عليه ويستقبل البيت، ويكبر ويهلل، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله تعالى بحاجته، ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هينته، فإذا بلغ إلى بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سبعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو حجر كان يقوم عليه عند بناء البيت ظاهر فيه أثر قدمه الشريف (فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسر من المسجد) وهي واجبة لكل إسبوع (1) ، ولا تصلى إلا في وقت مباح (وهذا الطواف) يقال له: (طواف القدوم) وطواف التحية (2) . (وهو سنته) للآفاقي (وليس بواجب) .
(وليس على أهل مكة طواف القدوم) ، لانعدام القدوم في حقهم (ثم يعود إلى الحجر فيستلمه و (يخرج) ندباً من باب بنى مخزوم المسمى بباب الصفا، اقتداء بخروج سيدنا المصطفى (إلى الصفا فيصعد عليه) بحيث يرى الكعبة من الباب (ويستقبل البيت ويكبر ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله تعالى بحاجته) رافعاً يديه نحو السماء (ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هينته) بالسكينة والوقار (فإذا بلغ إلى بطن الوادي) قديماً، أما الآن فقد ارتدم من السيول حتى استوى مع أعلاه (سعى) : أي عدا في مشيه (بين الميلين الأخضرين) ، المتخذين في جدار المسجد علماً لموضع بطن الوادي فوضعوا الميلين علامة لموضع الهرولة فيسعى (سعياً) من أول بطن الوادي عند
_________
(1) المراد بالاسبوع السبعة الأشواط أي كل طواف تام ومذهب الشافعي أنها سنة لانعدام دليل الوجوب.
(2) ويسمى أيضاً طواف اللقاء وطواف أول العهد

(1/186)


حتى يأتي المروى فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا، وهذا شوطٌ، فيطوف سبعة أشواطٍ، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ثم يقيم بمكة حراماً يطوف بالبيت كلما بدا له، فإذا كان قبل يوم التروية بيوم خطب الإمام خطبةً يعلم الناس فيها الخروج إلى منىً والصلاة بعرفاتٍ والوقوف والإفاضة (1) ، فإذا صلى الفجر (2) يوم التروية بمكة خرج إلى منىً فأقام بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أول ميل إلى منتهى بطن الوادي عند الميل الثاني، ثم يمشي على هينته (حتى يأتي المروى فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا (من استقبال البيت والتكبير والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (وهذا شوط واحد؛ فيطوف) ستة أشواط أخر مثله حتى تصير (سبعة أشواط: يبدأ بالصفا) وجوباً (ويختم بالمروة) ويسعى في بطن الوادي في كل شوط، قال في التصحيح: السعي بين الصفا والمروة واجب باتفاقهم، اهـ، (ثم يقيم بمكة حراماً) إلى تمام نسكه (يطوف بالبيت) تطوعاً (كلما بدا له) وهو أفضل من تطوع الصلاة للآفاقي (فإذا كان قبل يوم التروية بيوم) وهو سابع ذي الحجة (خطب الإمام) بعد الزوال وصلاة الظهر (خطبة يعلم الناس فيها الخروج إلى منى والصلاة بعرفات والوقوف) بها (والإفاضة) منها (فإذا صلى الفجر يوم التروية) وهو ثامن ذي الحجة (بمكة خرج إلى منى) قرية من الحل، على فرسخ من مكة، وفرسخين أو أكثر من عرفات (فأقام بها)
_________
(1) وهذه إحدى خطب الحج الثلاث والثانية بعرفات يوم عرفة والثالثة بمنى يوم الحادي عشر.
(2) قال الرغيناني أن الخروج بعد طلوع الشمس وصححه الكمال لما عين ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر يوم التروية بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبالصبح يوم عرفة ويستحب أن يدعو بالمأثور عند خروجه إلى منى ومن ذلك: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو وإليك أرغب. اللهم بلغني صالح عملي وأصلح لي في ذريتي فإذا وصل منى قال: اللهم هذا مني وهذا ما دللتنا عليه من المناسك فمن علينا بجوامع الخيرات وبما مننت به على إبراهيم خليلك ومحمد حبيبك وبما مننت به على أهل طاعتك فإني عبدك وناصيتي بيدك طالباً مرضاتك ويستحب أن ينزل عند مسجد الخيف إن استطاع ذلك

(1/187)


حتى يصلي الفجر يوم عرفة، ثم يتوجه إلى عرفاتٍ فيقيم بها، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة صلى الإمام بالناس الظهر والعصر يبتدئ فيخطب خطبةً يعلم الناس فيها الوقوف بعرفة والمزدلفة، ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة، ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بآذانٍ وإقامتين، ومن صلى في رحله وحده صلى كل واحدةٍ منهما في وقتها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبات (حتى يصلي) بها (الفجر يوم عرفة، ثم) بعد طلوع الشمس (يتوجه إلى عرفات) على طريق ضب (فيقيم بها) إلى الزوال.
(فإذا زالت الشمس من يوم عرفة صلى الإمام بالناس الظهر والعصر) وذلك بعدما (يبتدئ) الإمام (فيخطب خطبة قبل الصلاة يعلم الناس فيها الصلاة والوقوف بعرفة و) الوقوف (بالمزدلفة ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة) ونحو ذلك (ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان) واحد (وإقامتين) لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود فيفرد بالإقامة إعلاماً للناس، ولا يتطوع بين الصلاتين تحصيلاً لمقصود الوقوف؛ ولهذا قدم العصر على وقته. هداية (ومن صلى في رحله وحده) أو مع جماعة بغير الإمام الأعظم (صلى كل واحدة منهما في وقتها) المعهود (عند أبي حنيفة) ؛ لأن

(1/188)


وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: يجمع بينهما المنفرد، ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقفٌ إلا بطن عرفة. وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته ويدعو ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف ويجتهد في الدعاء، فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم حتى يأتوا المزدلفة فينزلوا بها، والمستحب أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المحافظة على الوقت فرض بالنصوص فلا يجوز تركه إلا فيما ورد الشرع به، وهو الجمع بالجماعة مع الإمام. هداية (وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع بينهما المنفرد) أيضاً: لأن جوازه للحاجة إلى امتداد الوقوف، والمنفرد محتاج إليه، قال الإسبيجاني الصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده برهان الشريعة والنسفي تصحيح (ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل) المعروف بجبل الرحمة (وعرفات كلها موقف إلا بطن عرفة) كرطبة، وبضمتين لغة: واد بحذاء عرفات (وينبغي للإمام أن يقف بعرفة) عند الصخرات الكبار (على راحلته) مستقبل القبلة (ويدعو) بما شاء، وإن تبرك بالمأثور كان حسناً (ويعلم الناس المناسك) وينبغي للناس أن يقفوا بقرب الإمام ليؤمتوا على دعائه ويتعلموا بتعليمه، ويقفون وراءه ليكونوا مستقبلين القبلة (ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف) ، لأنه يوم اجتماع كالجمعة والعيدين (ويجتهد في الدعاء) لأنه من أرجى مواضع الإجابة (فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم) على طريق المأزمين (حتى يأتوا المزدلفة فينزلوا بها وحدها من مأزمى عرفة إلى مأزمى محسر (والمستحب أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة) : موضع كانت الخلفاء توقد فيه النار

(1/189)


يقال له قزح، ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذانٍ وإقامةٍ، ومن صلى المغرب في الطريق لم يجز عند أبي حنيفة ومحمدٍ، فإذا طلع الفجر صلى الإمام بالناس الفجر بغلسلٍ ثم وقف ووقف الناس معه، فدعا: والمزدلفة كلها موقفٌ إلا بطن محسرٍ، ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصياتٍ مثل حصى الخذف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في تلك الليلة ليهتدي بها، يقال لها: كانون آدم، و (يقال له) : أي لذلك الجبل. (قزح) بضم ففتح - وهو المشعر الحرام على الأصح. نهر.
(ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء) في وقت العشاء (بأذان) واحد (وإقامة) واحدة؛ لأن العشاء في وقتها فلم تحتج للإعلام كما لا احتياج هنا للإمام (ومن صلى المغرب في الطريق لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد) وعليه إعادتها، مالم يطلع الفجر. هداية، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي، وقال أبو يوسف؛ يجزئه وقد أساء اهـ. (فإذا طلع الفجر) يوم النحر (صلى الإمام بالناس الفجر بغلس) ، لأجل الوقوف (ثم وقف) بمزدلفة وجوباً، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولو لحظة كما مر في عرفة (ووقف الناس معه فدعا) وكبر وهلل ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم (والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر) وهو واد بين منى ومزدلفة (ثم) إذا أسفر جداً (أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس) مهللين مكبرين ملبين (حتى يأتوا منى فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي) جاعلاً مكة عن يساره ومنى عن يمينه (بسبع حصيات مثل حصى الخذف) بوزن فلس - صغار الحصى، قيل: مقدار الحمصة؛ وقيل: النواة، وقيل: الأنملة، ولو رمى بأكبر أو أصغر أجزأه، إلا أنه لا يرمي بالكبار خشية أن يؤذي أحداً، ولو رمى من فوق العقبة أجزأه، لأن ما حولها موضع النسك،

(1/190)


ويكبر مع كل حصاةٍ ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع أول حصاةٍ، ثم يذبح إن أحب، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، وقد حل له كل شيء إلا النساء، ثم يأتي مكة من يومه ذلك أو من الغد أو من بعد الغد، فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواطٍ، فإن كان سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والأفضل أن يكون من بطن الوادي. هداية. ولو وقعت على ظهر رجل أو جمل: إن وقعت بنفسها بقرب الجمرة جاز، وإلا لا، وثلاثة أذرع بعيد، وما دونه قريب، جوهرة (يكبر مع كل حصاة) ولو سبح أجزأه، لحصول الذكر وهو من آداب الرمي. هداية (ولا يقف عندها) لأنه لا رمي بعدها، والأصل أن كل رمي بعده رمي يقف عنده، ويدعو، وما ليس بعده رمي لا يقف عنده، والأصل في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم (ويقطع التلبية مع أول حصاة) إن رمى قبل الحلق، وإن حلق قبل الرمي قطع التلبية، لأنها لا تثبت مع التحلل (ثم يذبح) تطوعاً (إن أحب) ؛ لأنه مفرد (ثم يحلق) جميع رأسه ويكفي ربعه (أو يقصر) أن يأخذ منه مقدار الأنملة، ويكفي التقصير من ربعه أيضاً (والحلق أفضل) من التقصير؛ لأن الحلق أكمل في قضاء التفث، وهو المقصود، فأشبه الاغتسال مع الوضوء (وقد حل له) : أي بعد الحلق أو التقصير (كل شيء) من محظورات الإحرام (إلا النساء) : أي جماعهن ودواعيه (ثم يأتي مكة من يومه ذلك) : أي أول أيام النحر (أو من الغد أو من بعد الغد) وأفضلها أولها (فيطوف بالبيت طواف الزيارة) ويسمى طواف الإفاضة؛ وطواف الفرض (سبعة أشواط) وجوباً، والفرض منها أربعة (فإن كان سعى بين الصفا والمروة) سابقاً (عقب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف) : لأن الرمل في طواف

(1/191)


ولا سعى عليه وإن لم يكن قدم السعي رمل في هذا الطواف وسعى بعده على ما قدمناه، وقد حل له النساء، وهذا الطواف هو المفروض في الحج، ويكره تأخيره عن هذه الأيام، فإن أخره عنها لزمه دمٌ عند أبي حنيفة، ثم يعود إلى منىً فيقيم بها، فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من النحر رمى الجمار الثلاث يبتدئ بالتي تلي المسجد فيرميها بسبعٍ حصياتٍ يكبر مع كل حصاةٍ ويقف ويدعو عندها، ثم يرمي التي تليها مثل ذلك ويقف عندها، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعده سعى (ولا سعي عليه) : لأن تكراره غير مشروع (فإن لم يكن قدم السعي) بعد طواف القدوم (رمل في هذا الطواف) استناناً (وسعى بعده) وجوباً؛ على ما قدمناه (وقد حل له النساء أيضا) ولكن بالحلق السابق؛ إذ هو المحلل، لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء. هداية.
(وهذا الطواف هو المفروض في الحج) وهو ركن فيه، إذ هو المأمور به في قوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} (1) . (ويكره) تحريماً (تأخيره عن هذه الأيام) الثلاثة (فإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة) قال في التصحيح: وهو المعول عليه عند النسفي والمحبوبي (ثم يعود إلى منى) من يومه (فيقيم بها) لأجل الرمي (فإذا زالت الشمس في اليوم الثاني من) أيام (النحر رمى الجمار الثلاث) والسنة أنه (يبتدئ بالتي تلي المسجد) مسجد الخيف (فيرميها بسبع حصيات) ويسن أنه (يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ويدعو) ، لأنه بعده رمى (ثم يرمي التي تليها مثل ذلك) الرمي الذي ذكر في الأولى: من كونه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة (ويقف عندها) ويدعو (ثم يرمي جمرة العقبة كذلك، و) لكنه (لا يقف عندها) ،
_________
(1) من الآية 39 من سورة الحج

(1/192)


فإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس كذلك، فإذا أراد أن يتعجل النفر نفر إلى مكة، وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث في يوم الرابع بعد زوال الشمس، فإن قدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة، ويكره أن يقدم الإنسان ثقله إلى مكة ويقيم بها حتى يرمي، فإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب، ثم طاف بالبيت سبعة أشواطٍ لا يرمل فيها، وهذا طواف الصدر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه ليس بعده رمي (فإذا كان من الغد) وهو الثالث من أيام النحر (رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس) أيضاً (كذلك) : أي مثل الرمي في اليوم الثاني (فإذا أراد أن يتعجل النفر) في اليوم الثالث (نفر إلى مكة) قبل طلوع فجر الرابع، لا بعده، لدخول وقت الرمي (وإذا أراد أن يقيم) إلى الرابع وهو الأفضل (رمى الجمار الثلاث يوم الرابع بعد زوال الشمس) أيضاً (فإن قدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة) قال في الهداية: وهذا استحسان، واختاره برهان الشريعة والنسفي وصدر الشريعة. تصحيح (ويكره أن يقدم الإنسان ثقله) بفتحتين - متاعه وخدمه (إلى مكة ويقيم) بمنى (حتى يرمي) ، لأنه يوجب شغل قلبه (فإذا نفر إلى مكة نزل) ندباً (بالمحصب) بضم فتحتين - الأبطح، ويقال له؛ البطحاء، وخيف بني كنانة، قال في الفتح: وهو فناء مكة، وحده: ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعداً في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعاً عن بطن الوادي (ثم) إذا أراد السفر (طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها، وهذا) يقال له (طواف الصدر) وطواف الوداع، وطواف آخر عهد بالبيت، لأنه يودع

(1/193)


وهو واجبٌ (1) إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله.
فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفاتٍ ووقف بها على ما قدمناه فقد سقط عنه طواف القدوم ولا شيء عليه لتركه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البيت ويصدر به (وهو واجب إلا على أهل مكة) ومن في حكمهم ممن كان داخل الميقات، لأنهم لا يصدرون ولا يودعون (2) ، ويصلي بعده ركعتي الطواف، ويأتي زمزم فيشرب من مائها، ثم يأتي الملتزم (3) فيضع صدره ووجهه عليه. ويتشبث بالأستار، ويدعو بما أحب، ويرجع قهقرى حتى يخرج من المسجد وبصره ملاحظ للبيت متباكياً متحاسراً على فراقه، ويخرج من باب حزورة المعروف بباب الوداع (ثم يعود إلى أهله) لفراغه من أفعال حجه.
(فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها على ما قدمناه فقد سقط عنه طواف القدوم) ؛ لأنه تحية البيت ولم يدخل (ولا شيء عليه لتركه) ؛ لأنه سنة ولا شيء بتركها.
_________
(1) وهو سنة عند الشافعي بمنزلة طواف القدوم ويستدل الحنفية بما أخرجه الترمذي من حديث "من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت" إلا الحيض فرخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حسن صحيح وبين مثله في الصحيحين عن ابن عباس والأصل في الأمر الوجوب ويؤيده قوله رخص لهن فهو يشعر بعدم الترخيص لغيرهن ونبغي أن يعيده إذا اشتغل بشيء بعده.
(2) وقال أبو يوسف أحب إلى أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج كما في البدائع.
(3) الملتزم ما بين الركن والباب معروف وهو من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء نقله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال فوالله ما دعوت قط إلا أجابني وفي رسالة الحسن البصري إن الدعاء يستجاب هناك في خمسة عشر موضعاً منها الطواف والملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وخلف المقام وعلى الصفا وعلى المروة وفي المسعى وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى وعند الجمرات

(1/194)


ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج، ومن اجتاز بعرفة وهو نائمٌ أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة أجزأه ذلك عن الوقوف.
والمرأة في جميع ذلك كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها، وتكشف وجهها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمل في الطواف، ولا تسعى بين الميلين، ولا تحلق رأسها، ولكن تقصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن أدرك الوقوف بعرفة) ولو لحظة في وقته، وهو ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج) : أي أمن من فساده، وإلا فقد بقي عليه الركن الثاني، وهو طواف الزيارة (ومن اجتازه) : أي مر (بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة أجزأه ذلك عن الوقوف) لأن الركن - وهو الوقوف - قد وجد، والجهل يخل بالنية، وهي ليست بشرط فيه.
(والمرأة في جميع ذلك) المار (كالرجل) لعموم الخطاب (غير أنها لا تكشف رأسها) : لأنها عورة (وتكشف وجهها) ولو سدلت شيئاً عليه وجافته عنه جاز؛ لأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل (ولا ترفع صوتها بالتلبية) بل تسمع نفسها دفعا للفتنة (ولا ترمل في الطواف) ولا تضطبع، ولا تسعى بين الميلين (ولا تحلق رأسها، ولكن تقصر) من ربع شعرها كما مر، وتلبس المخيط والخفين، والخنثى كالمرأة فيما ذكر احتياطاً

(1/195)


باب القران.
- القران عندنا أفضل من التمتع والإفراد.
وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معاً من الميقات، ويقول عقيب صلاته: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواطٍ يرمل في الثلاث الأول منها ويسعى بعدها بين الصفا والمروة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب القران
مصدر قرن، من باب ضرب ونصر.
(القران) لغة؛ الجمع بين الشيئين مطلقاً، وشرعاً: الجمع بين إحرام العمرة والحج في سفر واحد، وهو (عندنا أفضل من التمتع والإفراد) ؛ لأن فيه استدامة الإحرام بهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع، فكان القران أولى منه. هداية.
(وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معا من الميقات) ؛ حقيقة، أو حكماً بأن أحرم بالعمرة أولا ثم بالحج قبل أن يطوف لها أكثر الطواف، لأن الجمع قد تحقق، لأن الأكثر منها قائم، وكذا عكسه، لكنه مكروه، وإذا عزم على أدائهما يسن له سؤال التيسير فيهما، ويقدم ذكر العمرة على الحج فيه، ولذا قال (ويقول عقيب الصلاة: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني) وفي بعض النسخ تقديم ذكر الحج على العمرة. والأولى أولى، وكذلك يقدمها في التلبية، لأنه يبدأ بأفعال العمرة، فكذلك يبدأ بذكرها. هداية (فإذا دخل مكة ابتدأ) بأفعال العمرة (فطاف بالبيت سبعة أشواط) وجوباً، والفرض منها أكثر، ويسن أنه (يرمل في الثلاث الأول منها، وسعى بعدها بين الصفا والمروة) وجوباً

(1/196)


وهذه أفعال العمرة، ثم يطوف بعد السعي طواف القدوم ويسعى بين الصفا والمروة كما بينا في المفرد، فإذا رمى الجمرة يوم النحر ذبح شاةً أو بقرةً أو بدنةً أو سبع بدنةٍ، فهذا دم القران، فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيامٍ في الحج وآخرها يوم عرفة، فإن فاته الصوم حتى جاء يوم النحر لم يجزه إلا الدم، ثم يصوم سبعة أيامٍ إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز.
وإن لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفاتٍ فقد صار رافضاً لعمرته بالوقوف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وهذه أفعال العمرة) ولا يحلق؛ لأنه بقي عليه أفعال الحج، ولو حلق لم يحل من عمرته ولزمه دمان (ثم) يشرع بأفعال الحج كالمفرد: (يطوف بعد) فراغه من (السعي) للعمرة (طواف القدوم) ويرمل في الثلاثة الأول ويسعى بين الصفا والمروة كما) بينا ذلك (في المفرد) آنفاً (وإذا رمى الجمرة) الأولى (يوم النحر ذبح) وجوباً (شاة أو بقرة أو بدنة أو سبع بدنة، فهذا دم القران) وهو دم شكر فيأكل منه (فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج) ولو متفرقة (آخرها يوم عرفة، فإن فاته الصوم) : أي صوم الثلاثة الأيام في أيام الحج (حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدم) فلو لم يقدر تحلل وعليه دمان: دم القران، ودم التحلل قبل الذبح (ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من) أفعال (الحج جاز) ؛ لأن المراد من الرجوع الفراغ من أعمال الحج.
(وإن لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفات) ووقف بها في وقته، وإلا فلا عبرة به (فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف) ؛ لأنه تعذر عليه أداؤها؛ لأنه يصير

(1/197)


وبطل عنه دم القران، وعليه دمٌ لرفض عمرته، وعليه قضاؤها.

باب التمتع.
- التمتع أفضل من الإفراد عندنا.
والتمتع على وجهين: متمتعٌ يسوق الهدي، ومتمتعٌ لا يسوق الهدي.
وصفة التمتع: أن يبتدئ من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك خلاف المشروع، ولا يصير رافضاً بمجرد التوجه، وهو الصحيح. هداية. (و) إذا ارتفضت عمرته (بطل) . أي سقط (عنه دم القران) ؛ لأنه لم يوفق لأداء النسكين (و) وجب (عليه دم لرفض عمرته) وهو دم جبر لا يجوز أكله منه (و) وجب (عليه قضاؤها) ؛ لأنه بشروعه فيها أوجبها على نفسه، ولم يوجد منه الأداء؛ فلزمه القضاء.
باب التمتع
مناسبته للقران أن في كل منهما جمعا بين النسكين، وقدم القران لمزيد فضله. نهر.
(التمتع) لغة: الانتفاع، وشرعاً الجمع بين إحرام العمرة وأفعالها أو أكثرها وإحرام الحج وأفعاله في أشهر الحج من غير إلمام صحيح بأهله. جوهرة، وهو (أفضل من الإفراد عندنا) ؛ لأن فيه جمعاً بين العبادتين، فأشبه القران، ثم فيه زيادة نسك، وهو إراقة الدم. هداية.
(والمتمتع على وجهين: متمتع يسوق الهدى) معه (ومتمتع لا يسوق الهدي) وحكمهما مختلف، كما عليه ستقف.
(وصفة المتمتع) الذي لم يسق معه الهدي (أن يبتدئ) بالإحرام (من

(1/198)


الميقات فيحرم بعمرةٍ ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته، ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، ويقيم بمكة حلالاً، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد، وفعل ما فعله الحاج، المفرد وعليه دم التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةُ إذا رجع.
وإذا أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم وساق هديه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الميقات فيحرم بعمرة) فقط (ويدخل مكة فيطوف لها) : أي للعمرة، ويرمل في الثلاث الأول (ويسعى ويحلق أو يقصر. قد حل من عمرته) وهذا تفسير العمرة، وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكر. هداية، وليس عليه طواف قدوم، لتمكنه بقدومه من الطواف الذي هو ركن في نسكه، فلا يشتغل عنه بغيره، بخلاف الحج: فإنه عند قدومه لا يتمكن من الطواف الذي هو ركن الحج، فيأتي بالمسنون تحية للبيت إلى أن يجئ وقت الذي هو ركن (ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف) ؛ لأنه المقصود من العمرة، فيقطعها عند ابتدائه (ويقيم بمكة حلالاً) لأنه حل من العمرة (فإذا كان يوم التروية) وقبله وأفضل، وجاز بعده ولو يوم عرفة (أحرم بالحج من المسجد) ندباً، والشرط: أن يحرم من الحرم، لأنه في المكي، وميقات المكي في الحج الحرم كما تقدم (وفعل ما يفعله الحاج المفرد) لأنه مؤد للحج إلا أنه يرمل في طواف الزيارة، ويسعى بعده، لأن هذا أول طواف له في الحج، بخلاف المفرد، لأنه قد سعى مرة، ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة، ولا يسعى بعده، لأنه قد أتى بذلك مرة. هداية (و) وجب (عليه دم التمتع) وهو دم شكر فيأكل منه) فإن لم يجد) الدم (صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) : أي فرغ من أداء نسكه ولو قبل وصوله إلى أهله.
(وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي) معه وهو أفضل (أحرم وساق هديه

(1/199)


فإذا كانت بدنةً قلدها بمزادةٍ أو نعلٍ وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمدٍ، وهو: أن يشق سنامها من الجانب الأيمن، ولا يشعرها عند أبي حنيفة، فإذا دخل مكة طاف وسعى ولم يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية، وإن قدم الإحرام قبله جاز وعليه دمٌ، فإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين.
وليس لأهل مكة تمتعٌ ولا قرانٌ، وإنما لهم الإفراد خاصةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن كانت بدنة) وهي من الإبل خاصة، وتقع على الذكر والأنثى، والجمع البدن مغرب (قلدها بمزادة) بالفتح - الرواية، والمراد أن يعلق في عنفها قطعة من أدم من مزادة وغيرها (أو نعل) وهو أولى من التجليل (وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمد، وهو) أي الإشعار (أن يشق سنامها من الجانب الأيمن) وفي الهداية قالوا: والأشبه الأيسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طعن في جانب اليسار مقصوداً، وفي جانب اليمين اتفاقاً، (ولا يشعر عند أبي حنيفة) ويكره، قال في الهداية: وقيل: إن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية، وقال في الشرح؛ وعلى هذا حمله الطحاوي، وهو أولى، تصحيح (فإذا دخل مكة طاف وسعى) كما تقدم (ولم يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه، وذلك يوم النحر، فيستمر حراماً (حتى يحرم بالحج يوم التروية) كما سبق فيمن لم يسق (وإن قدم الإحرام قبله) أي: قبل يوم التروية (جاز) وتقدم أنه أفضل؛ لما فيه من المسارعة وزيادة المشقة، وكذا جاز بعده كما مر (و) وجب (عليه دم) للتمتع كما ذكر (فإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين جميعاً؛ لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل به عنهما. هداية.
(وليس لأهل مكة) ومن في حكمهم ممن كان داخل الميقات (تمتع ولا قران) مشروع (وإنما) المشروع (لهم الإفراد خاصة) ، غير أن تمتعهم غير متصور؛

(1/200)


وإذا عاد المتمتع إلى أهله بعد فراغه من العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لما صرحوا به من أن عدم الإلمام شرط لصحة التمتع دون القران، وأن الإلمام الصحيح مبطل للتمتع دون القران قال شيخنا في حاشيته على الدر: ومقتضى هذا أن. تمتع المكي باطل؛ لوجود الإلمام الصحيح بين إحراميه، سواء ساق الهدي أو لا؛ لأن الآفاقي إنما يصح إلمامه إذا لم يسق الهدي وحلق؛ لأنه لا يبقي العود إلى مكة مستحقاً عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة مستحقاً عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة؛ لكونه فيها كما صرح به في العناية، وغيرها، وفي النهاية والمعراج عن المحيط: أن الإلمام الصحيح أن يرجع إلى أهله بعد العمرة، ولا يكون العود إلى العمرة مستحقاً عليه، ومن هذا قلنا: لا تمتع لأهل مكة وأهل المواقيت. اهـ: أي بخلاف القران؛ فإنه يتصور منهم؛ لأن عدم الإلمام فيه ليس بشرط، وأما قوله في الشرنبلالية و"إنه خاص فيمن لم يسق الهدى وحلق، دون من ساقه، أو لم يسقه ولم يحلق؛ لأن إلمامه غير صحيح" فغير صحيح، لما علمت من التصريح بأن إلمامه صحيح ساق الهدي أو لا، وعلى هذا فقول المتون "ولا تمتع ولا قران لمكي" معناه نفي المشروعية والحل، ولا ينافي عدم التصور في إحدهما دون الآخر. اهـ باختصار، وتمامه فيها.
(وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة) وحلق (ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه) لأنه ألم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحاً، وبه يبطل التمتع، وإذا كان ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحاً، ولا يبطل تمتعه عندهما، وقال محمد: يبطل تمتعه؛ لأنه أداهما بسفرين، ولأنه ألم بأهله، ولهما أن العود مستحق عليه لأجل الحلق؛ لأنه مؤقت بالحرم: وجوباً عند أبي حنيفة، واستحباباً عند أبي يوسف: والعود يمنع صحة الإلمام. جوهرة. ثم قال: وقيد بالتمتع إذ القارن لا يبطل قرانه بالعود إلى بلده في قولهم جميعاً

(1/201)


ومن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواطٍ ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعاً، وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواطٍ فصاعداً ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعاً.
وأشهر الحج: شوالٌ، وذو القعدة، وعشرٌ من ذي الحجة، فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجاً.
وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها) أي لعمرته (أقل من أربعة أشواط ثم) لم يتمها حتى (دخلت أشهر الحج فتممها) في أشهره (وأحرم بالحج كان متمتعاً) لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج، وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل هداية (وإن) كان طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعداً ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعاً؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج؛ فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج، والأصل في المناسك أن الأكثر له حكم الكل؛ فإذا حصل الأكثر قبل أشهر الحج فكأنها حصلت كلها، وقد ذكرنا أن المتمتع هو الذي يتم العمرة والحج في أشهر الحج. جوهرة.
(وأشهر الحج شوال وذو القعدة) بفتح الكاف وتكسر (وعشر من ذي الحجة) بكسر الحاء وتفتح (فإن قدم الإحرام بالحج عليها) أي الأشهر المذكورة (جاز إحرامه) لأنه شرط، وكره لشبهه بالركن (وانعقد حجاً) إلا أنه لا يجوز له شيء من أفعاله إلا فغي الأشهر. (وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت) للإحرام، وهو للنظافة (وأحرمت

(1/202)


وصنعت كما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر.

باب الجنايات.
- إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة، فإن طيب عضواً كاملاً فما زاد فعليه دمٌ، وإن طيب أقل من عضوٍ فعليه صدقةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصنعت) إذا جاء وقت الأفعال (كما يصنعه الحاج) من الموقفين ورمي الجمار وغيرها (غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر) لأنها منهية عن دخول المسجد (وإذا حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة) وأرادت الانصراف (انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للنساء الحيض في ترك طواف الصدر، فإن طهرت قبل أن تخرج من مكة لزمها طواف الصدر.
[ش (باب الجنايات) .
لما فرغ من بيان أحكام المحرمين شرع في بيان حكم ما يعتريهم من العوارض؛ من الجنايات، والإحصار، والفوات، وقدم الجنايات لما أن الآداء القاصر خير من العدم. والجنايات: جمع جناية، والمراد بها هنا ارتكاب محظور في الإحرام.
(إذا تطيب المحرم فعليه الكفارة) لما أطلق في الطيب أجمل في الكفارة ثم شرع في بيان ما أجمله بقوله: (فإن طيب عضوا كاملاً) كالرأس واليد والرجل (فما زاد) مع اتحاد المجلس (فعليه دم) لأن الجنايات تتكامل بتكامل الارتفاق وذلك في العضو الكامل؛ فيترتب عليه كمال الموجب (وإن طيب أقل من عضو) كربعه ونحوه (فعليه صدقة) في ظاهر الرواية؛ لقصور الجناية، وقال محمد: يجب تقديره من الدم؛ اعتبارا للجزء بالكل. قال الإسبيجاني: الصحيح جواب ظاهر الرواية تصحيح

(1/203)


وإن لبس ثوباً مخيطاً أو غطى رأسه يوماً كاملاً فعليه دمٌ، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقةٌ، وإن حلق ربع رأسه فصاعداً فعليه دمٌ، وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقةٌ.
وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دمٌ عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: عليه صدقةٌ، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دمٌ.
وإن قص يداً أو رجلاً فعليه دمٌ، وإن قص أقل من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن لبس ثوباً مخيطاً) اللبس المعتاد، حتى لو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو اتزر بالسراويل فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط، وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين، خلافا لزفر، لأنه لم يلبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه. هداية. (أو غطى رأسه) بمعتادة؛ بخلاف نحو إجانة وعدل بر (يوماً كاملاً) أو ليلة كاملة (فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة) لما تقدم.
(وإن حلق) أي: أزال (ربع) شعر (رأسه) أو ربع لحيته (فصاعداً فعليه دم وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة) لأن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل لأنه معتاد فتكامل به الجناية ويتقاصر فيما دونه، كذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب، وكذا لو حلق إبطيه أو أحدهما أو عانته أو رقبته كلها هداية (وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة) قال في التصحيح؛ واعتمد قوله المحبوبي والنسفي (وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة) لأنه غير مقصود في ذاته (وإن قص أظافير يديه ورجليه) في مجلس واحد (فعليه دم) واحد؛ لأنه إزالة الأذى من نوع واحد، وقيدنا بالمجلس الواحد لأنه إذا تعدد المجلس تعدد الدم (وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم) لأن الربع حكم الكل (وإن قص أقل من

(1/204)


خمسة أظافير متفرقةً من يديه ورجليه فعليه صدقةٌ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: عليه دمٌ.
وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذرٍ فهو مخيرٌ: إن شاء ذبح شاةً، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من طعامٍ، وإن شاء صام ثلاثة أيامٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه) لكل ظفر (صدقة عندهما) : أي أبي حنيفة وأبي يوسف، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي (وقال محمد: عليه دم) اعتبارا بما لو قصها من كف واحد، وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة. هداية.
(وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذر فهو مخير: إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع) بوزن أفلس - جمع صاع في القلة، وفي الكثرة على صيعان، ونقل المطرزي عن الفارسي أنه يجمع أيضاً على آصع بالقلب كما قبل أدوار وآدر بالقلب، وهذا الذي نقله جعله أبو حاتم من خطأ العوام. مصباح. (من طعام) على كل مسكين بنصف صاع) وإن شاء صام ثلاثة أيام) لقوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (1) } . وكلمة "أو" للتخيير، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور، ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، وكذا الصدقة، لما بينا، وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان، وهذا لم يختص بزمان؛ فتعين اختصاصه بالمكان. هداية.
_________
(1) من الآية 196 من سورة البقرة

(1/205)


وإن قبل أو لمس بشهوةٍ فعليه دمٌ، ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاةٌ، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد حجه، وعليه القضاء، وليس عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنةٌ، فإن جامع بعد الحلق فعليه شاةٌ، ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواطٍ أفسدها ومضى فغيها وقضاها وعليه شاةٌ، وإن وطئ بعدما طاف أربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن قبل أو لمس بشهوة) أنزل أو لم ينزل، هداية (فعليه دم) وكذا أطلق في المبسوط والكافي والبدائع وشرح المجمع تبعاً للأصل، ورجحه في البحر بأن الدواعي محرمة لأجل الإحرام مطلقا؛ فيجب الدم مطلقا، واشترط في الجامع الصغير الإنزال، وصححه قاضيخان في شرحه (ومن جامع في أحد السبيلين) من آدمي (قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، و) وجب (عليه شاة) أو سبع بدنة (ويمضي) وجوباً (في) فاسد (الحج كما يمضي من لم يفسد الحج، و) وجب (عليه القضاء) فوراً ولو حجه نفلا، لوجوبه بالشروع، ولم يقع موقعه، فبقي الوجوب بحاله (وليس) بواجب (عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء) وندب له ذلك إن خاف الوقاع (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة) قبل الحلق (لم يفسد حجه، و) وجب (عليه بدنة) لأنه أعلى أنواع الجناية فغلظ موجبها، وإن جامع ثانيا فعليه شاة، لأنه وقع في إحرام مهتوك. نهاية (وإن) كان (جامع بعد) الوقوف و (الحلق فعليه شاة) لبقاء إحرامه في حق النساء فقط، فخفت الجناية، فاكتفى بالشاة (ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف) لها أربعة أشواط أفسدها) لأن الطواف في العمرة بمنزلة الوقوف في الحج، ومضى فيها كما يمضي في صحيحها (وقضاها) فورا (و) وجب (عليه شاة) لأنها سنة، فكانت أحط رتبة من الحج، فاكتفى بالشاة (وإن وطئ بعد ما طاف) لها (أربعة

(1/206)


أشواطٍ فعليه شاةٌ ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها، ومن جامع ناسياً كمن جامع عامداً.
ومن طاف طواف القدوم محدثاً فعليه صدقةٌ، وإن طاف جنباً فعليه شاةٌ، ومن طاف طواف الزيارة محدثاً فعليه شاةٌ، وإن طاف جنباً فعليه بدنة، والأفضل أن يعيد الطواف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أشواط فعليه شاة، ولا تفسد عمرته، ولا يلزمه قضاؤها) لكن بشرط كونه قبل الحلق وتركه المعلم به؛ لأنه بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية، بخلاف إحرام الحج كما مر (ومن جامع ناسياً) أو جاهلاً أو نائماً أو مكرهاً (كمن جامع عامداً) ؛ لاستواء الكل في الارتفاق. نهر.
(ومن طاف طواف القدوم محدثاً فعليه صدقة) وكذا في كل طواف تطوع، جبراً لما دخله من النقص بترك الطهارة، وهو وإن وجب بالشروع اكتفي فيه بالصدقة إظهاراً لدون رتبته عما وجب بايجاب الله تعالى (1)
(وإن) كان (طاف جنباً فعليه شاة) لغلظ الجناية (ومن طاف طواف الزيارة) أو أكثره (محدثاً فعليه شاة) ؛ لأنه أدخل النقص في الركن، فكان أفحش من الأول؛ فيجبر بالدم (وإن) كان (طافه) أو أكثره (جنبا فعليه بدنة) لغلظ الجناية؛ فتجبر بالبدنة، إظهاراً للتفاوت بين الركن وغيره (والأفضل أن يعيد الطواف) طاهراً؛ ليكون
_________
(1) يقول الشافعي باشتراط الوضوء في الطواف لحديث الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه من تكلم لا يتكلم إلا بخير فالسياق يدل على أنه من الصلاة في حكمها إلا في جواز الكلام وفي سوى الكلام يستويان فيه ومنه الطهارة وهي شرط. وقال الحنفية إن خبر الواحد لا تثبت به الفريضة وقد أطلق القرآن الطوافين من هذا الشرط في قوله {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهو يقتضي الخروج عن العهدة بالدوران حول البيت وإن لم تكن طهارة ونقل ذلك في فتاوى بعض الصحابة والتابعين لم يروا بأساً بالطواف للمحرم وينبغي أن يلاحظ أن الطواف مع الجنابة حرام ومأثم بلا كلام بل قد علم من أوليات الفقه حرمة دخوله المسجد أي مسجد كان مع الجنابة

(1/207)


ما دام بمكة ولا ذبح عليه، ومن طاف طواف الصدر محدثاً فعليه صدقةٌ، وإن طاف جنباً، فعليه شاةٌ.
ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواطٍ فما دونها فعليه شاةٌ، وإن ترك أربعة أشواطٍ بقي محرماً أبداً حتى يطوفها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
آتياً به على وجه الكمال (ما دام بمكة) لإمكانه من غير عسر، قال في الهداية: وفي بعض النسخ "وعليه أن يعيد" والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحباباً وفي الجنابة إيجاباً؛ لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. اهـ. (ولا ذبح عليه) إن أعاده للحدث ولو بعد أيام النحر، وكذا للجنابة إن كان في أيام النحر، وإن بعده لزمه بالتأخير (ومن طاف طواف الصدر محدثاً فعليه صدقة) ؛ لأنه دون طواف الزيارة وإن كان واجباً فلابد من إظهار التفاوت، وعن أبي حنيفة أنه يجب شاة، إلا أن الأول أصح. هداية (وإن) كان (طاف جنباً فعليه شاة) ، لأنه نقص كثير، ثم هو دون طواف الزيادة، فيكتفي بالشاة. هداية، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: وهذا في رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص أوجب الدم فيهما والأصح الأول.
(ومن ترك طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها) ولم يطف بعده غيره (فعليه شاة) ، لأن النقصان بترك الأقل يسير؛ فأشبه النقصان بسبب الحدث، فإن طاف بعده انتقل إلى الفرض ما يكمله، فإن كان ما بعده للصدر وكان الباقي - بعد إكمال الفرض - هو أكثره فعليه صدقة، وإلا فدم (وإن ترك أربعة أشواط بقي محرماً أبداً) في حق النساء (حتى يطوفها) فكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس؛ إلا أن يقصد الرفض. فتح: أي فلا يلزمه بالثاني شيء وإن تعدد المجلس،

(1/208)


ومن ترك ثلاثة أشواطٍ من طواف الصدر فعليه صدقةٌ، وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواطٍ منه فعليه شاةٌ.
ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه شاةٌ، وحجه تامٌ.
ومن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه دمٌ.
ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع أن نية الرفض باطلة؛ لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال، لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد - وهو تعجيل الإحلال - كانت متحدة، فكفاه دم واحد. بحر. (ومن ترك ثلاثة أشواط) فما دونها (من طواف الصدر فعليه) لكل شوط (صدقة) إلا أن تبلغ الدم كما تقدم (وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة) ، لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه، وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته. هداية.
(ومن ترك السعي بين الصفا والمروة) أو أكثره، أو ركب فيه بلا عذر أو ابتدأه من المروة (فعليه شاة وحجه تام) لأنها واجبات، فيلزم بتركها الدم دون الفساد.
(ومن أفاض من عرفة قبل الإمام) والغرب (فعليه دم) ويسقط بالعودة قبل الغروب، لا بعده، في ظاهر الرواية، وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط. وصححها القدوري. نهر عن الدراية، ومثله في البحر. در، لكن في البدائع ما نصه: ولو عاد إلى عرفة قبل غروب الشمس وقبل أن يدفع الإمام ثم دفع منها بعد الغروب مع الإمام سقط عنه الدم، لأنه استدراك المتروك، وإن عاد قبل الغروب بعد ما خرج الإمام من عرفة ذكر الكرخي أنه يسقط عنه الدم أيضاً، لأنه وهكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط عنه الدم أيضا استدرك المتروك، إذ المتروك هو الدفع بعد الغروب وقد استدركه، والقدوري اعتمد هذه الرواية، وقال: هي الصحيحة، والمذكور في الأصل مضطرب، ولو عاد إلى عرفة بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بلا خلاف، لأنه لما غربت الشمس قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب ولا يحتمل السقوط بالعود. انتهى. وقيدنا

(1/209)


ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فهليه دمٌ، وإن ترك رمي يومٍ واحدٍ فعليه دمٌ، وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه صدقةٌ، وإن ترك رمي جمرة، العقبة في يوم النحر فعليه دمٌ.
ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دمٌ عند أبي حنيفة، وكذلك لو أخر طواف الزيارة عند أبي حنيفة رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله "قبل الإمام" بقولنا "والغروب" لأنه المراد، حتى لو أفاض بعد الغروب قبل الإمام لا يجب عليه شيء، وعبر به لأنه يستلزمه.
(ومن ترك الوقوف بالمزدلفة) من غير عذر (فعليه دم) ، لأنه من الواجبات.
(ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم) واحد، لأن الجنس متحد والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي، وهو اليوم الرابع، وما دامت باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على الترتيب، ثم بالتأخير يجب الدم عند الإمام، خلافاً لهما (وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم) لأنه نسك تام (وإن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث) في غير اليوم الأول (فعليه) لكل حصاة (صدقة) ، لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد، والمتروك الأقل، حتى لو كان الأكثر وجب الدم) (وإن ترك رمي جمرة العقبة) الذي هو (في يوم النحر) أو أكثره (فعليه دم) لأنه نسك تام؛ إذ هو وظيفة ذلك اليوم.
(ومن أخر الحلق) عن وقته (حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذلك إن أخر طواف الزيارة عنده عنها) وقالا: لا شيء عليه، وكذلك الخلاف

(1/210)


وإذا قتل المحرم صيداً أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء (1) ، يستوي في ذلك العامد والناسي والمبتدئ والعائد والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله فيه أو في أقرب المواضع منه إن كان في بريةٍ، يقومه ذوا عدلٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في تأخير الرمي، وفي تقديم نسك على نسك: كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي والحلق قبل الذبح، هداية، وفي التصحيح: قال الإسبيجاني؛ الصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي.
(وإذا قتل المحرم صيداً) : أي حيواناً برياً متوحشاً بأصل خلقته مباحاً أو مملوكاً (أو دل عليه من قتله) وهو غير عالم به (فعليه الجزاء، ويستوي في ذلك العامد والمخطئ (والناسي) لا حرامه (والمبتدئ) بقتل الصيد (والعائد) إليه: أي تكرر منه؛ لأنه ضمان إتلاف، فأشبه غرامات الأموال (والجزاء) الواجب (عند أبي حنيفة) وأبي يوسف: أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله المحرم فيه) إن كان في مكان يقوم فيه (أو في أقرب المواضع منه إن كان في برية) لاختلاف القيم باختلاف الأماكن (يقومه ذوا عدل) لهما بصارة في تقويم الصيد، وفي
_________
(1) قتل الصيد البري محرم على المحرم وإن لم يأكله كما يحرم عليه أكله وإن لم يصده قالوا ولو اضطر محرم إلى أكل الميتة أو الصيد يتناول الصيد على قول الشيخين ويؤدى الجزاء لأن حرمة الميتة أغلظ فإن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الأمر فهي مؤقتة وقال زفر يأكل الميتة لا الصيد لتعدد وجهات حرمته عليه ولو كان الصيد مذبوحاً فهو أولى بالإجماع. أما صيد البحر فهو حلال لقوله سبحانه {أحل لكم صيد البحر وطعامه متعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} قال في الهداية وصيد البر ما يكون قواعده ومثواه في البر وصيد البحر ما يكون قواعده ومثواه في الماء والتحقيق أن المعول عليه التوالد. فلا يأثم الجزاء بقتل كلب الماء والضفدع المائي. والدليل على وجوب الجزاء على من دل على الصيد عند الحنفية حديث أبي قتادة الدال على حرمة الصيد والدلالة عليه. وهو معترض ولهذا قال الشافعي لا جزاء في الدلالة ويؤيد مذهب الحنفية ما روى عن عطاء أنه قال: أجمع الناس على أنه ليس على الدال جزاء ونقله ابن قدامه في المعنى عن علي وابن عباس قال الطحاوي وهو المروي عن عدة من الصحابة والتابعين ولم يرو عن غيرهم خلافه فكان إجماعاً

(1/211)


ثم هو مخييرٌ في القيمة، إن شاء ابتاع بها هدياً فذبح إن بلغت هدياً، وإن شاء اشترى بها طعاماً فتصدق به على كل مسكينٍ نصف صاع من برٍ أو صاعاً من تمرٍ أو شعيرٍ، وإن شاء صام عن كل نصف صاعٍ من برٍ يوماً، وعن كل صاعٍ من شعيرٍ يوماً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهداية: قالوا: والواحد يكفي، والاثنان أولى؛ لأنه أحوط وأبعد من الغلط كما في حقوق العباد، وقيل: يعتبر المثنى ههنا بالنص (1) . اهـ.
(ثم هو) : أي المحكوم عليه بالقيمة (مخير في تلك) القيمة (إن شاع ابتاع) أي اشترى (بها هدياً فذبح بمكة (إن بلغت) القيمة (هدياً) يجزئ في الأضحية، من إبل أو بقر أو غنم؛ لأنه المعهود في إطلاقه (وإن شاء اشترى بها طعاماً فتصدق به) أين شاء، على كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيقه، أو صاعاً من تمر أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع، هداية، وتكفي الإباحة كدفع القيمة. در (وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر يوماً) وعن كل صاع من تمر أو شعير يوماً؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام؛ فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه
_________
(1) هو قوله تعالى في الآية 95 من سورة المائدة {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم}

(1/212)


فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاعٍ فهو مخيرٌ: إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوماً كاملاً. وقال محمدٌ. يجب في الصيد النظير فيما له نظيرٌ؛ ففي الظبي شاةٌ، وفي الضبع شاةٌ، وفي الأرنب عناقٌ، وفي النعامة بدنةٌ، وفي اليربوع جفرةٌ، ومن جرح صيداً، أو نتف شعره، أو قطع عضواً منه ضمن ما نقصه، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معهود في الشرع كما في باب الفدية. هداية.
(فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع) من بر أو أقل من صاع من تمر أو شعير (فهو مخير: إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوماً كاملاً) ؛ لأن صوم أقل من يوم غير مشروع، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم الواجب أو يصوم يوماً كاملا لما قلنا. هداية. (وقال محمد: يجب في الصيد النظير) سواء كانت قيمته أقل أو أكثر، وهذا (فيما له نظير) وأما ما ليس له نظير كالعصفور والحمامة ففيه القيمة إجماعاً. جوهرة (ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة) أيضاً (وفي الأرنب عناق) بالفتح - وهي الأنثى من ولد المعز لم يبلغ الحول (وفي النعامة بدنة، وفي اليربوع (1) جفرة)
وفي التصحيح: قال الإسبيجاني: الصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو القول الصحيح المعول عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل عند المحبوبي. اهـ. (وعن جرح صيداً أو نتف شعره أو قطع عضواً منه) ولم يخرج به من حيز الامتناع (ضمن ما نقص منه) اعتقاداً للبعض بالكل كما في حقوق العباد (وإن
_________
(1) اليربوع - بفتح الياء وسكون الراء - نوع من الفأر طويل الرجلين قصير اليدين جداً، ويجمع على يرابيع، والجفرة: ما تم لها أربعة أشهر من أولاد المعز أيضا، فالجفرة أصغر من العناق، والعناق أصغر من الجذع. وكلهن من أولاد المعز

(1/213)


نتف ريش طائرٍ، أو قطع قوائم صيدٍ، فخرج من حيز الامتناع فعليه قيمته كاملةً، ومن كسر بيض صيدٍ فعليه قيمته، فإن خرج من البيض فرخٌ ميتٌ فعليه قيمته حياً وليس في قتل الغراب والحدأة والذئب والحية، والقرب والفأرة جزاءٌ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج) بذلك (من حيز الامتناع فعليه قيمة كاملة) ؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع؛ فيغرم جزاءه (ومن كسر بيض صيد) غير مذر (2) أو شواه (فعليه قيمته) ؛ لأنه أصل الصيد وله عرضية أن يصير صيداً، فنزل منزلة الصيد احتياطاً (فإن خرج من البيض) الذي كسر (فرخ ميت) ولم يعلم أن موته كان قبل كسره (فعليه قيمته حياً) ؛ لأنه معد ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته؛ فيحال عليه احتياطاً، وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنيناً ميتاً وماتت عليه قيمتها. هداية.
وليس على المحرم (في قتل الغراب) الأبقع الذي يأكل الجيف، بخلاف غراب الزرع الذي يأكل الحب والعقعق الذي يجمع بينهما لأنهما لا يبتدئان بالأذى (والحدأة) الطائر المعروف؛ وجمعها حدأة، كعنبة وعنب. صحاح (والذئب والحية والعقرب والفأرة) والكلب العقور (جزاء) قال في الهداية: وعن أبي حنيفة: أن الكلب العقور وغير العقور والمستأنس والمتوحش منهما سواء، لأن المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشية. اهـ.
_________
(1) في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم. الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الذئب والفأرة والحدأة والغراب وهناك روايات مختلفة تؤيد ذلك فراجعها إن شئت في الفتح.
(2) مذر - بفتح فكسر - فاسد

(1/214)


وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد شيءٌ.
ومن قتل قملةً تصدق بما شاء، ومن قتل جرادةً تصدق بما شاء، وتمرةٌ خيرٌ من جرادةٍ.
ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع ونحوها فعليه الجزاء، ولا يتجاوز بقيمتها شاةً.
وإن صال السبع على محرمٍ فقتله فلا شيء عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد) والفراش والذباب والوزغ والزنبور والخنافس والسلحفاة والقنفذ والصرصر وجميع هوام الأرض (شيء) من الجزاء، لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن.
(ومن قتل قملة) أو اثنتين أو ثلاثاً من ثوبه أو بدأته أو ألقاها (تصدق بما شاء) ككف طعام، لأنها متولدة من التفث الذي على البدن، وقيدنا بكونها من بدنه أو ثوبه لأنه لو وجدها على الأرض فقتلها لم يكن عليه شيء (ومن قتل جرادة تصدق بما شاء) لأن الجراد من صيد البر، قال في البحر: ولم أر من فرق بين القليل والكثير، وينبغي أن يكون كالقمل. اهـ (وتمرة خير من جرادة (كذا روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه) .
(ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد) البري (كالسباع) من البهائم (ونحوها من سباع الطير (فعليه الجزاء، ولا يتجاوز بقيمتها شاة) ؛ لأن قتله إنما كان حراما موجبا للجزاء باعتبار إراقة الدم، لا باعتبار إفساد اللحم؛ لأنه غير مأكول، وبإراقة الدم لا يجب إلا دم واحد، أما في مأكول اللحم ففيه فساد اللحم أيضاً؛ فتجب قيمته بالغة ما بلغت. قاضيخان في شرح الجامع.
(وإن صال السبع على محرم) ولا يمكنه دفعه إلا بقتله (فقتله فلا شيء عليه) ، لأنه ممنوع عن التعرض، لا عن دفع الأذى، ولهذا كان مأذونا في دفع متوهم

(1/215)


وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء، ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقرة والبعير والدجاج والبط الكسكري وإن قتل حماماً مسرولا أو ظبياً مستأنساً فعليه الجزاء.
وإن ذبح المحرم صيداً فذبيحته ميتةٌ لا يحل أكلها، ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيدٍ اصطاده حلالٌ أو ذبحه إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأذى كما في الفواسق، فلأن يكون مأذوناً في دفع المتحقق أولى، ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء. هداية.
(وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء) ؛ لأن الأذى مقيد بالكفارة بالنص. هداية (ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقر والبعير والدجاج والبط) بفتح الباء (الكسكري) بفتح الكافين - نسبة إلى كسكر، قال في المغرب؛ ناحية من نواحي بغداد، وإليها ينسب البط الكسكري، وهو مما يستأنس به في المنازل وطيرانه كالدجاج. اهـ، لأن هذه الأشياء ليست بصيود لعدم التوحش (وإن قتل حماماً مسرولاً) بفتح الواو - في رجليه ريش كأنه سراويل ألوف مستأنس بطئ النهوض للطيران (أو ظبياً مستأنساً فعليه الجزاء) ؛ لأنها صيود في الأصل متوحشة بأصل الخلقة؛ فلا يبطل بالاستئناس العارض، كالبعير إذا ند (1) فإنه لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم.
(وإن ذبح المحرم صيداً) مطلقاً أو الحلال صيد الحرم (فذبيحته ميتة لا يحل أكلها) لأحد من محرم أو حلال (ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال) من حل (أو ذبحه، إذا لم يدله المحرم عليه، ولا أمره بصيده) سواء
_________
(1) أي شرد وهاج

(1/216)


وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال فعليه الجزاء، وإن قطع حشيش الحرم أو شجرة الذي ليس بمملوكٍ ولا هو مما ينبته الناس فعليه قيمته، وكل شيءٍ فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دماً فعليه دمان: دمٌ لحجته، ودمٌ لعمرته، إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرامٍ ثم يحرم بالعمرة والحج فيلزمه دمٌ واحدٌ، وإذا اشترك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اصطاده لنفسه أو للمحرم، حيث لم يكن له فيه صنع.
(وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال جزاء) بقدر قيمته، يتصدق به على الفقراء، ولا يجزئه هنا الصوم؛ لأنها غرامة، وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال. هداية.
(وإن قطع حشيش الحرم) محرم أو حلال (أو شجرة) الرطب (الذي ليس بمملوك) قيد فيهما، وكذا قوله (ولا هو مما ينبته الناس) كالشيح ونحوه فعليه قيمته) كما تقدم قبله؛ وقيدنا بالرطب لأنه لا شيء يقطع اليابس منهما.
(وكل شيء فعله القارن) بين الحج والعمرة (مما ذكرنا أن فيه على المفرد) بسبب جنايته على إحرامه (دماً فعليه) أي القارن (دمان) لجنايته على الحج والعمرة فيجب عليه (دم لحجته ودم لعمرته) وكذا الصدقة (إلا أن يتجاوز الميقات من غير إحرام ثم يحرم) داخل الميقات (بالعمرة والحج) معاً (فيلزم دم واحد) لكونه عند المجاوزة غير قارن، والواجب عليه إحرام واحد، وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد. هداية. وقيدنا الإحرام بداخل الميقات لأنه إذا عاد إليه قبل الطواف وجدد الإحرام سقط عنه الدم.
(وإذا اشترك المحرمان في قتل صيد) في حرم أو حل (فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملا) ؛ لأن كل واحد منهما جنى على إحرام كامل (وإذا اشترك

(1/217)


المحرمان في قتل صيدٍ فعلى كل واحدٍ منهما الجزاء كاملاً، وإذا اشترك الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاءٌ واحد.
وإذا باع المحرم صيداً أو ابتاعه فالبيع باطلٌ.

باب الإحصار.
- إذا أحصر المحرم بعدوٍ أو أصابه مرضٌ منعه من المضي جاز له التحلل وقيل له: أبعث شاةً تذبح في الحرم وواعد من يحملها يوماً بعينه يذبحها فيه ثم تحلل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد) ؛ لأن الضمان هنا لحرمة الحرم؛ فجرى مجرى ضمان الأموال؛ فيتحد باتحاد المحل كرجلين قتلا رجلاً خطأ يجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة. هداية. وإذا اشترك محرم وحلال فعلى المحرم الجزاء الكامل وعلى الحلال النصف. جوهرة.
(وإذا باع المحرم صيداً أو ابتاعه) : أي اشتراه (فالبيع باطل) ؛ لأنه لا يملك بالإصطياد، فكذا بالبيع، فلو صاده حلالاً وباعه محرماً فالبيع فاسد، وبعكسه جائز. جوهرة.
باب الإحصار
هو لغة: المنع، وشرعاً: منع المحرم عن أداء الركنين.
(إذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض منعه من المضي) أو هلكت نفقته (حل له التحلل) لئلا يمتد إحرامه فيشق عليه (وقيل له: أبعث شاة) أو قيمتها (تذبح في الحرم) فإن لم يجد بقي محرماً حتى يجد أو يتحلل بطواف (وواعد من يحملها يوماً بعينه) ليعلم حتى يتحلل (يذبحها فيه) أي في ذلك اليوم (ثم) إذا جاء ذلك اليوم (تحلل) : أي حل له ما كان محظوراً، وفيه إيماء إلى أنه لا حلق عليه، ولكنه حسن؛ لأن التحلل حصل بالذبح، وهذا إذا كان الإحصار في الحل، أما إذا كان في الحرم فالحلق واجب. جوهرة

(1/218)


وإن كان قارنا بعث بدمين، ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة أن يذبح متى شاء، والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجةٌ وعمرةٌ، وعلى المحصر بالعمرة القضاء، وعلى القارن حجةٌ وعمرتان، وإذا بعث المحصر هدياً وواعدهم أن يذبحوه في يومٍ بعينه ثم زال الإحصار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن كان قارناً بعث بدمين) لاحتياجه إلى التحلل عن إحرامين، ولا يحتاج إلى التعيين فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن أحدهما لم يتحلل عن واحد منهما، لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة، وفي ذلك تغيير المشروع (ولا يجوز ذبح دم الإحصار) مطلقاً (إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة) ؛ لإطلاق النص، ولأنه لتعجيل التحلل (وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر) اعتباراً بدم المتعة والقران، قال في التصحيح: ورجح دليل الإمام في الشروح، وهو المختار عند أبي الفضل الموصلي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي. اهـ. (ويجوز للمحصر بالعمرة أن يذبح متى شاء) اتفاقا؛ لأنها غير مختصة بوقت، فكذا التحلل منها (وللمحصر بالحج ولو نقلا (إذا تحلل) ولم يحج من عامه (فعليه حجة) قضاء عما فاته (وعمرة) ، لأنه في معنى فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، فإن لم يأت بها قضاها، وقيدنا بكونه لم يحج من عامه لأنه لو حج منه لا عمرة عليه، لأنه ليس في معنى فائت الحج، جوهرة (وعلى المحصر بالعمرة القضاء) لما شرع فيه (وعلى) المحصر (القارن حجة وعمرتان) أما الحج وإحداهما فلما بينا، والثانية لأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها هداية (وإذا بعث المحصر هدياً وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار،

(1/219)


فإن قدر على إدراك الهدي والحج لم يجز له التحلل ولزمه المضي، وإن قدر على إدراك الهدي دون الحج تحلل، وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحساناً، ومن أحصر بمكة وهو ممنوعٌ من الوقوف والطواف كان محصراً وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر.

باب الفوات.
- ومن أحرم بالحج ففاته الوقوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قدر على إدراك الهدي والحج) معاً (لم يجز له التحلل ولزمه المضي) ، لزوال الحجر قبل حصول المقصود بالخلف، وإذا أدرك هديه صنع به ما شاء، لأنه ملكه وقد عينه لمقصود استغنى عنه. هداية، وإلا (فإن قدر على إدراك الهدي دون الحج تحلل) لعجزه عن الأصل (وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا) . لئلا يضيع عليه ماله مجانا، إلا أن الأفضل التوجه (ومن أحصر بمكة وهو ممنوع من) الركنين (الطواف والوقوف كان محصراً) ، لأنه تعذر عليه الإتمام، فصار كما إذا أحصر في الحل (وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر) ، لأنه إن قدر على الطواف تحلل به، وإن قدر على الوقوف فقد تم حجه فليس بمحصر.
باب الفوات
أعقبه الإحصار لأن كلا منهما من العوارض، والإحصار منه بمنزلة المفرد من المركب، وذلك لأن الإحصار إحرام بلا أداء، والفوات إحرام وأداء. نهر.
(ومن أحرم بالحج) فرضا أو نقلا، صحيحا أو فاسدا (ففاته الوقوف

(1/220)


بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل، ولا دم عليه، والعمرة لا تفوت، وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق.
والعمرة سنةٌ، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج) ، لما تقدم أن وقت الوقوف يمتد إليه وأن الحج عرفة (و) يجب (عليه) إذا أراد التحلل (أن) يتحلل بأفعال العمرة بأن (يطوف ويسعى) من غير إحرام جديد لها (ويتحلل) بالحلق أو التقصير، قال الإسبيجاني: ثم عند أبي حنيفة ومحمد أصل إحرامه بالحج باق ويتحلل بعمل عمرة، وعند أبي يوسف يصير إحرامه إحرام عمرة، والصحيح قولهما: تصحيح (ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه) ؛ لأن التحلل وقع بأفعال العمرة؛ فكانت حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر، فلا يجمع بينهما. (والعمرة لا تفوت) ؛ لأنها غير موقتة بوقت (وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره) كراهة تحريم (فعلها فيها) ؛ أي إنشاؤها بالإحرام، أما إذا أداها إحرام سابق كما إذا كان قارنا ففاته الحج وأدى العمرة في هذه الأيام لا يكره. جوهرة وإنما كرهت في هذه الأيام لأنها أيام الحج، فكانت متعينة له، وهي: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق) الثلاث.
(والعمرة سنة) مؤكدة في الصحيح، وقيل: واجبة. نهر. (وهي الإحرام والطواف والسعي) والحلق أو التقصير. فالإحرام شرط، وأكثر الطواف ركن، وغيرهما واجب، وإنما لم يذكر الحلق لأنه مخرج منها

(1/221)


باب الهدي.
- الهدي أدناه شاةٌ. وهو ثلاثة أنواعٍ: الإبل والبقر، والغنم، يجزئ في ذلك الثني فصاعداً، إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ، ولا يجوز في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل، ولا الذاهبة العين ولا العجفاء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الهدي
لما دار ذكرى الهدي فيما تقدم من المسائل احتيج إلى بيانه، وما يتعلق به، ابن كمال. ويقال فيه: هدي - بالتشديد على فعيل - الواحدة هدية، كمطية ومطى ومطايا. مغرب.
(الهدي) لغة وشرعا: ما يهدى إلى الحرم من النعم للتقرب: وأدناه شاة؛ وهو) : أي الهدي (من ثلاثة أنواع: الإبل، والبقر، والغنم) ؛ لأن العادة جارية بإهداء هذه الأنواع (يجزئ في ذلك) ما يجزئ في الأضحية، وهو (الثني فصاعدا) وهو من الإبل ما تم له خمس سنين؛ ومن البقر سنتان، ومن الغنم سنة (إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ) والجذع - بفتحتين - ما دون الثني (ولا يجزئ في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين ولا العجفاء) كثيرة الهزال (ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك) بفتح السين وكسرها - الموضع الذي تذبح به النسائك، صحاح، لأنها عيوب بينة، وهذا إذا كانت العيوب موجودة بها قبل الذبح، أما إذا أصابها ذلك حالة الذبح بالاضطراب وانفلات السكين جاز، لأن مثل هذا لا يمكن

(1/222)


والشاة جائزةٌ في كل شيء إلا في موضعين: من طاف طواف الزيارة جنباً، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة فإنه لا يجوز إلا بدنةٌ. والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدةٍ منهما عن سبعةٍ إذا كان كل واحدٍ من الشركاء يريد القربة، فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم لم يجزئ عن الباقين، ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاحتراز عنه.
(والشاة جائزة) في الحج (في كل شيء) جناه في إحرامه (إلا في موضعين) وهو (من طاف طواف الزيارة جنباً) أو حائضا أو نفساء (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة) وقبل الحلق كما مر (فإنه لا يجوز) في هذين الموضعين (إلا بدنة) كما تقدم (والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة) وما دونهما بالأولى (إذا كان كل واحد من الشركاء يريد القربة) ولو اختلف وجه القربة: بأن أراد أحدهم المتعة، والآخر القران، والآخر التطوع؛ لأن المقصود بها واحد، وهو الله تعالى (فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم) أو كان ذمياً (لم يجزئ عن الباقين) لأنها لم تخلص لله تعالى (ويجوز الأكل) لصاحب الهدي، بل يندب من هدي التطوع والمتعة والقران) إذا بلغ الهدي محله؛ لأنه دم نسك فيجوز الأكل منه بمنزلة الأضحية، وما جاز الأكل منه لصاحبه جاز للغني، وقيدنا ببلوغ المحل لأنه إذا لم يبلغ الحرم لا يحل الانتفاع منه لغير الفقير كما يأتي في آخر الباب (ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا) كدماء الكفارات والنذور وهدي
_________
(1) وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحمه هديه وشرب من مرقه وكان قارنا ففي حديث جابر الطويل ثم أمر من كل بدنة نصفه فجعلت في قدر فطبخت الحديث وكان في الهدي التطوع لأنه بلغ المائة إلا أنه أكل من هدي التطوع بعدما بلغ الحرم فإن لم يبلغ لم يجد لأنه في الحرم تتم القربة فيه بالإراقة وفي غير الحرم لا يحصل به بل بالتصدق فلو أكل منه أو من غيره مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكله وهو مذهب الشافعي وأحمد وقال مالك لو أكل لقمة ضمته كله ويستحب أن يتصدق بثلثها ويهدي ثلثها كما في الضحايا وأما بقية الهدايا فلا يجوز وفي نهاية الحديث (ولا تأكل أنت ولا رفقتك شيئا منها وحل بينها وبين الناس)

(1/223)


ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقتٍ شاء، ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم، ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم، ولا يجب التعريف بالهدايا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإحصار والتطوع إذا لم يبلغ محله.
(ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر) وفي الأصل: يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر وذبحه يوم النحر أفضل، وهذا هو الصحيح؛ لأن القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا، وذلك يتحقق ببلوغها إلى الحرم؛ فإذا وجد ذلك جاز ذبحها في غير يوم النحر، وفي أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيه أظهر. هداية (ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء) لأنها دماء كفارات؛ فلا تختص بيوم النحر؛ لأنها لما وجبت لجبر النقصان كان التعجيل بها أولى؛ لارتفاع النقصان من غير تأخير، بخلاف دم المتعة والقران لأنه دم نسك. هداية (ولا يجوز ذبح الهدايا) مطلقا (إلا في الحرم) ؛ لأن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان، ومكانه الحرم) ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم) لأن الصدقة قربة معقولة، والصدقة على كل فقير قربة، وعلى مساكين الحرم أفضل، إلا أن يكون غيرهم أحوج. جوهرة (ولا يجب التعريف بالهدايا) وهو إحضارها عرفة؛ فإن عرف بهدي المتعة والقران والتطوع فحسن لأنه يتوقت بيوم النحر فعسى ألا يجد من يمسكه فيحتاج إلى أن يعرف به (ولأنه دم نسك، ومبناه على التشهير، بخلاف دماء الكفارات) ؛

(1/224)


والأفضل في البدن النحر، وفي البقر والغنم الذبح، والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إذا كان يحسن ذلك ويتصدق بجلالها وخطامها، ولا يعطي أجرة الجزار منها، ومن ساق بدنةً فاضطر إلى ركوبها ركبها، وإن استغنى عن ذلك لم يركبها، وإن كان لها لبنٌ لم يحلبها وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن، ومن ساق هدياً فعطب، فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه يجوز ذبحها قبل يوم النحر، وسببها الجناية فالستر بها أليق.
(والأفضل في البدن النحر) قياما، وإن شاء أضجعها (وفي البقر والغنم الذبح) مضجعه، ولا تذبح قياما؛ لأن الذبح في حال الإضجاع أبين، فيكون الذبح أيسر (والأولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إن كان يحسن ذلك) لأنه قربة، والتولي في القربات أولى، لما فيه من زيادة الخشوع، إلا أنه يقف عند الذبح إذا لم يذبح بنفسه (ويتصدق بجلالها) جمع جل، وهو ككساء يقي الحيوان الحر والبرد. جوهرة. (وخطامها) يعني زمامها (ولا يعطي أجرة الجزار منها) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط الجزار منها" (ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها) أو حمل متاعه عليها (ركبها) وحملها (وإن استغنى عن ذلك لم يركبها) لأنه خالصاً لله جعلها، فلا ينبغي أن يصرف لنفسه شيئاً من عينها أو منافعها إلى أن تبلغ محلها، وإذا ركبها أو حملها فانتقصت فعليه ضمان ما انتقص منها (وإن كان لها لبن لم يحلبها) ، لأن اللبن متولد منها، وقد مر أنه لا يصرف لنفسه شيئاً من عينها قبل محلها (وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن) عنها، وهذا إذا قرب محلها، وإلا حلبها وتصدق بلبنها كيلا يضر ذلك بها، وإن صرفه لنفسه تصدق بمثله أو قيمته: لأنه مضمون عليه (ومن ساق هدياً فعطب) أي هلك (فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره) ؛ لأن القربة تعلقت به، وقد فات؛

(1/225)


وإن كان عن واجبٍ فعليه أن يقيم غيره مقامه، وإن أصابه عيبٌ كبيرٌ أقام غيره مقامه، وصنع بالمعيب ما شاء وإذا عطبت البدنة في الطريق، فإن كان تطوعاً نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحتها ولا يأكل منها هو ولا غيره من الأغنياء، وإن كانت واجبةً أقام غيرها مقامها وصنع بها ما شاء؛ ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يكن سوقه متعلقاً بذمته (وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه) ، لأن الواجب باق بذمته حيث لم يقع موقعه، فصار كهلاك الدراهم المعدة للزكاة قبل أدائها (وإن أصابه عيب كبير) بحيث أخرجه إلى الرداءة (أقام غيره مقامه) إبقاء الواجب في ذمته (وصنع بالمعيب ما شاء) لأنه التحق بسائر أملاكه (وإذا عطبت البدنة في الطريق) أي قاربت العطب، بدليل قوله " نحرها" لأن النحر بعد حقيقة العطب لا يتصور (فإن كانت) البدنة (تطوعا نحرها وصنع نعلها) : أي قلادتها. هداية. (بدمها وضرب بها) : أي بقلادتها المصبوغة بدمها (صفحتها) : أي أحد جنبيها (ولم يأكل منها هو) : أي صاحبها (ولا غيره من الأغنياء) وفائدة ذلك أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وهذا لأن الإذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله فينبغي أن لا يحل قبل ذلك أصلاً، إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يترك جزرا للسباع، وفيه نوع تقرب، والتقرب هو المقصود. هداية (وإن كانت) البدنة (واجبة أقام غيرها مقامها) لأنها لم تبق صالحة لما عينه (وصنع بها) : أي التي عطبت (ما شاء) ، لأنها ملكه كسائر أملاكه (ويقلد) ندبا (هدى التطوع) والنذر (والمتعة والقران) لأنه دم نسك فيليق به الإظهار والشهرة، تعظيماً لشعائر الإسلام، والمراد من الهدي الإبل والبقر، وأما الغنم فلا يقلد. وكل ما يقلد يخرج به إلى عرفات، وما لا فلا

(1/226)


ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جوهرة. (ولا يقلد دم الإحصار) لأنه لرفع لا حرام (ولا دم الجنايات) ، لأنه دم جير، فالأولى إخفاؤها وعدم إظهارها

(1/227)