اللباب في شرح الكتاب

كتاب البيوع.
- البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب البيوع
عقب البيع للعبادات وأخر النكاح لأن الاحتياج إلى البيع أعم، لأنه يعم الصغير والكبير، وبه قيام المعيشة التي هي قوام الأجسام، وبعض المصنفين قدم النكاح لأنه عبادة، ثم البيع مصدر، وقد يراد به المفعول فيجمع باعتباره كما يجمع المبيع، وقد يراد به المعنى - وهو الأصل - فجمعه باعتبار أنواعه، فتح.
(البيع) لغة: مبادلة شيء بشيء، ملا أولا، بدليل {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} (1) وهو من الأضداد، ويستعمل متعديا لمفعولين؛ يقال: بعتك الشيء وقد تدخل " من" على المفعول الأول على وجه التأكيد، فيقال: بعت من زيد الدار. وربما دخلت اللام، فيقال: بعت لك الشيء؛ فهي زائدة وابتاع الدار بمعنى اشتراها؛ وباع عليه القاضي: أي من غير رضاه. بحر عن ابن القطاع. وشرعا: مبادلة مال بمال بالتراضي (2)
و (ينعقد بالإيجاب) وهو: ما يذكر أولا من كلام أحد العاقدين (والقبول) وهو: ما يذكر ثانياً (إذا كان بلفظ الماضي) كبعت واشتريت؛ لأن البيع إنشاء تصرف، والإنشاء يعرف بالشرع، وهو قد استعمل الموضوع للإخبار في الإنشاء؛ فينعقد به، ولا ينعقد بلفظين أحدهما مستقبل، بخلاف النكاح كما سيأتي، وقوله رضيت أو أعطيتك بكذا أو أخذته بكذا في معنى قوله بعت واشتريت؛ لأنه
_________
(1) صدر الآية 111 من سورة التوبة.
(2) ومما يذكر في هذا المقام أن البيع قد يكون مطلقا وهو بيع العين بالدين وقد يكون مسلما وهو عكسه وقد يكون صرفا وهو بيع الثمن بالثمن وقد يكون مقايضة وهو بيع العين بالعين. وقد يكون بخيار وغيره وقد يكون منجزا وقد يكون بأجل ومنه مرايحة وقوليه وغير ذلك فهذه أنواع جميع البيع باعتبارها. وهو من الأخذ إذا باعه أخرجه من ملكه بثمن وباعه اشتراه ويتعدى بنفسه وبالحرف، باعه الثوب وباعه منه وشرعيته بالكتاب لقوله سبحانه وتعالى: {وأحل الله البيع، وحرم الربا} وبالسنة وهي قوله صلى الله عليه وسلم "يا معشر التجار: إن بيعكم هذا يدخله اللغوة والكذب فشوبوه بالصدقة" وبعث النبي في الناس يتبايعون فأقرهم والإجماع منعقد عليه وسبب مشروعيته تعلق البقاء المطلوب فيه لله تعالى على وجه جميل لأن الإنسان لا يستطيع الاستغلال بصنع كل شيء فكان لابد من التبادل ولو لم يشرع البيع لكان الأخذ مغالبة أو سؤالا أو كان الصبر حتى الموت وكل منها فساد لا يتفق مع الأديان. من الفتح

(2/3)


وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار: إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده،
وأيهما قام من المجلس قبل القبول بطل الإيجاب.
وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحدٍ منهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يؤدي معناه والمعنى هو المعتبر في هذه العقود، ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس والخسيس وهو الصحيح؛ لتحقق المراضاة. هداية (وإذا أوجب أحد المتعاقدين) بائعاً كان أو مشتريا (البيع فالآخر بالخيار: إن شاء قبل) كل المبيع بكل الثمن (في المجلس) ؛ لأن خيار القبول مقيد به (وإن شاء رده) لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه، وللموجب الرجوع ما لم يقبل الآخر؛ لخلوه عن إبطال حق الغير. وإنما يمتد إلى آخر المجلس؛ لأنه جامع للمتفرقات؛ فاعتبر ساعاته ساعة واحدة دفعاً للعسر وتحقيقاً لليسر، والكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال حتى أعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة، وقيدنا القبول لكل المبيع بكل الثمن لأنه ليس له أن يقبل المبيع أو بعضه ببعض الثمن؛ لعدم رضاء الآخر بأقل مما أوجب أو بتفرق الصفقة، إلا إذا بين ثمن كل واحد؛ لأنه صفقات معنى (وأيهما قام من المجلس) وإن لم يذهب عنه. نهر، وابن كمال (قبل القبول) من الآخر (بطل الإيجاب) ؛ لأن القيام دليل الإعراض والرجوع، وتقدم أن له ذلك، وكذلك كل ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر. فتح:
(وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع) وإن لم يقبض (ولا خيار لواحد منهما؛ لأن في الفسخ إبطال حق الآخر؛ فلا يجوز، والحديث محمول على خيار القبول

(2/4)


إلا من عيبٍ أو عدم رؤيةٍ.
والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع، والأثمار المطلقة لا تصبح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الحديث إشارة إليه؛ فإنهما متبايعان حقيقة حالة المباشرة لا بعده، وإن احتمله باعتبار ما كان فجعله على حالة مباشرته أولى عملا بالحقيقة؛ والتفريق محمول على تفرق الأقوال (إلا من عيب) أو شرط (أو عدم رؤية) كما يأتي.
(والأعواض المشار إليها) من مبيع أو ثمن (لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع) لنفي الجهالة بالإشارة ما لم يكن ربوبيا قوبل بجنسه (والأثمان المطلقة) : أي غير المشار إليها، بدليل المقابلة (لا يصح) البيع بها (إلا أن تكون معروفة القدر والصفة) ؛ لأن التسليم واجب بالعقد، هذه الجهالة مفضية

(2/5)


ويجوز البيع بثمنٍ حالٍ ومؤجلٍ إذا كان الأجل معلوماً، ومن أطلق الثمن في البيع، كان على غالب نقد البلد، فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسدٌ، إلا أن يبين أحدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى المنازعة، فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز، وهذا هو الأصل. هداية. وهذا حيث اختلف نقد البلد مالية واستوى رواجا، بدليل ما بعده.
(ويجوز البيع بثمن حال) وهو الأصل (ومؤجل، إذا كان الأجل معلوما) لئلا يفضي إلى المنازعة، وهذا إذا بيع بخلاف جنسه ولم يجمعهما قدر؛ لما فيه من ربا النساء كما سيجئ، وابتداء الأجل من وقت التسليم، ولو فيه خيار فمذ سقوطه عنده. خانية: ويبطل الأجل بموت المديون لا الدائن.
(ومن أطلق الثمن في البيع) عن التقييد بالوصف: بأن ذكر القدر دون الصفة (كان) الثمن المقدر محمولا (على غالب نقد البلد) ؛ لأنه المتعارف وفيه التحري للجواز فيصرف إليه. هداية (فإن كانت النقود مختلفة) في النقد والمالية (فالبيع فاسد) للجهالة (إلا أن يبين أحدها) في المجلس؛ لارتفاع الجهالة قبل تقرر الفساد وهذا إذا استوت رواجاً، أما إذا اختلفت في الرواج ولو مع الاختلاف في المالية وذلك كالذهب الغازي والعدلي في زماننا فيصح وينصرف إلى الأروج، وكذا يصح لو استوت ماليه ورواجا، ويخير المشتري بين أن يؤدي أيها شاء، قال في البحر: فلو طلب البائع أحدها للمشتري دفع غيره؛ لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه ولا فضل تعنت. اهـ قال شيخنا: يعلم من قولهم "يصح لو استوت ماليه ورواجا" حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالفروش؛ فإنها في حكم المستوية في الماليه، فإن القروش في الأصل قطعه مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعه من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا، ثم أن أنواع العملة المضروبة تقوم القرش، فمنها ما يساوي عشرة، ومنها أقل، ومنها أكثر، وإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا، وقدمنا أن المشتري يخير فيما تساوى ماليه ورواجا

(2/6)


ويجوز بيع الطعام والحبوب مكاملةً ومجازفةً، وبإناءٍ بعينه لا يعرف مقداره وبوزنٍ حجرٍ بعينه لا يعرف مقداره، ومن باع صبرة طعامٍ كل فقيرٍ بدرهمٍ جاز البيع في فقيرٍ واحدٍ عند أبي حنيفة إلا أن يسمى جملة قفزانها، ومن باع قطيع غنمٍ كل شاةٍ بدرهمٍ فالبيع فاسدٌ في جميعها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في دفع أيها شاء. ثم قال: في ما إذا اشترى بالقروش المذكورة ثم رخص بعض أنواعها أو كلها واختلفت في الرخص كما وقع ذلك في زماننا مراراً وأكثر السؤال عنه، والذي تحرر أنه يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا، لحتى لا يلزم الضرر بهما، وهذا إذا رخص الجميع، أما لو بقي منها نوع على حاله فينبغي أن يلزم المشتري بالدفع منه، لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا وقصدا لا ضرار البائع مع إمكان غيره، وتمام ذلك في الرسالة.
(ويجوز بيع الطعام) وهي الحنطة ودقيقها خاصة في العرف الماضي. فتح (و) جميع (الحبوب) كالشعير والذرة ونحوهما (مكاملة) بكيال معروف (ومجازفة) وهي كما في المغرب: البيع والشراء بلا كيل ولا وزن (وإناء بعينه لا يعرف مقداره، وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره) والظاهر أنه من المجازفة وعطفه عليها لأنه صورة كيل ووزن وليس به حقيقة، وهذا إذا كان بخلاف جنسه ولم يكن رأس مال لشرطية معرفته كما سيجئ (ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة) لتعذر الصرف إلى كلها لجهالة المبيع والثمن، فيصرف إلى الأقل وهو معلوم (إلا أن) تزول الجهالة بأن (يسمى جملة قفزاتها) أو بالكبل في المجلس: ثم إذا جاز في قفيز المشتري الخيار؛ لتفرق الصفقة عليه، وقالا: يجوز في الوجهين، وبه يفتي، شرنبلاليه عن الربهان، وفي النهر عن عيون المذاهب: وبه يفتي تيسيراً، وفي البحر: وظاهر الهداية ترجيح قولهما؛ لتأخير دليلهما كما هو عادته. اهـ. قال شيخنا: لكن رجح في الفتح قوله وقوى دليله على دليلهما، ونقل ترجيحه العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة. ولعله من حيث قوة الدليل؛ فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير، ثم رأيته في شرح المتقي أفاد ذلك. اهـ. والفتوى على قوله.
(ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فالبيع فاسد في جميعها) وإن علم عددها

(2/7)


وكذلك من باع ثوباً مذارعة كل ذراع بدرهمٍ ولم يسم جملة الذرعان، ومن ابتاع صبرةً على أنها مائة قفيزٍ بمائة درهمٍ فوجدها أقل كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع، وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع، ومن اشترى ثوباً على أنه عشرة أذرعٍ بعشرة دراهم أو أرضاً على أنها مائة ذراع بمائة درهمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعد العقد ولو في المجلس على الأصح، سراج عن الحلواني؛ للجهلة وقت العقد؛ وكذا في الواحدة؛ لأن بيع شاة من قطيع لا يصح؛ للتفاوت بين الشياه؛ بخلاف بيع قفيز من صبرة فإنه يصح؛ لعدم التفاوت (وكذلك من باع ثوباً) يضره التبعيض (مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان) وكذلك كل معدود متفاوت كإبل وعبيد ونحوهما (ومن ابتاع) : أي اشترى (صبرة طعام على أنها مائة قفيز بمائة درهم) مثلا (فوجدها أقل) مما سمى له (كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع) لتفرق الصفقة عليه، وكذا كل مكيل وموزون ليس في تبعيضه ضرر (وإن وجدها أكثر من ذلك فالزيادة للبائع) ؛ لأن البيع وقع على مقدار معين (ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم) مثلا (أو أرضاً على أنها مائة ذراع بمائة درهم فوجدها أقل) مما سمى له فالمشتري (بالخيار: إن شاء أخذها بجملة الثمن) المسمى (وإن شاء تركها) ، لأن الذرع وصف في الثوب؛ بخلاف الأول فإنه مقدار يقابله الثمن، والوصف لا يقابله شيء من الثمن، إلا أنه يخير لفوات الوصف المذكور (وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه) البائع (فهو) : أي الزائد (للمشتري ولا خيار للبائع) ، لما ذكرنا أنه صفة؛ فكان بمنزلة ما إذا باعه معيبا فإذا هو سليم؛ وهذا حيث لم يكن الذرع مقصودا كما أفاده بقوله: (وإن قال بعتكها) : أي الأرض المتقدم ذكرها (على أنها مائة ذراع بمائة درهم) مثلا

(2/8)


فوجدها أقل فالمشتري بالخيار: إن شاء أخذها بجملة الثمن، وإن شاء تركها، وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري، ولا خيار للبائع، وإن قال بعتكها على أنها مائة ذراع بمائة درهمٍ كل ذراعٍ بدرهمٍ فوجدها ناقصةً فهو بالخيار: إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء تركها، وإن وجدها زائدةً فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الجميع كل ذراعٍ بدرهمٍ، وإن شاء فسخ البيع، ومن باع داراً دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه، ومن باع أرضاً دخل ما فيها وإن لم يسمه، ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية، ومن باع نخلاً أو شجراً فيه ثمرٌ فثمرته للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة فهو بالخيار: إن شاء أخذها بحصتها من الثمن) ؛ لأن الوصف وإن كان تابعا لكنه صار أصلا بانفراده بذكر الثمن؛ فينزل كل ذراع منزلة ثوب؛ وهذا لأنه لو أخذه بكل الثمن لم يكن آخذا كل ذراع بدرهم هداية (وإن شاء تركها) لتفرق الصفقة (وإن وجدها زائدة كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم، وإن شاء فسخ البيع) لدفع ضرر التزام الزائد.
(ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه) : أي البناء في عقد البيع لأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء في العرف، وهو متصل به اتصال قرار؛ فيدخل تبعا له؛ والأصل في جنس هذا أن كل ما كان اسم المبيع متناولا له عرفا أو كان متصلا به اتصال قرار - وهو ما وضع لا ليفصل - دخل من غير ذكر (ومن باع أرضا) ذات نخل وشجر (دخل ما فيها) من النخل والشجر في البيع أيضاً (وإن لم يسمه) لأنه متصل به اتصال قرار؛ فأشبه البناء، قال قاضيخان: هذا في المثمرة، واختلفوا في غير المثمرة، والصحيح أنها تدخل صغيراً كان أو كبيراً. تصحيح (ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية) ، لأنه متصل بها للفصل؛ وله غاية ينتهي إليها، بخلاف الأول (ومن باع نخلا أو شجراً فيه ثمرة) سواء كان بحال له قيمة أو لا في الصحيح: هداية (فثمرته للبائع) ، لأن الاتصال وإن كان خلقه فهو للقطع لا للبقاء فأشبه الزرع (إلا أن يشترطها) أي الثمرة (المبتاع) : أي المشتري. لأنه حينئذ يكون من المبيع، وعبر هنا بالشرط وثمة بالتسمية إشارة لعدم الفرق بينهما، وأن هذا الشرط غير مفسد

(2/9)


ويقال للبائع: اقطعها وسلم المبيع، ومن باع ثمرةً لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع، ووجب على المشتري قطعها في الحال، فإن شرط تركها على النخل فسد البيع، ولا يجوز أن يبيع ثمرةً ويستثني منها أرطالاً معلومةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويقال للبائع: اقطعها) : أي الثمرة وإن لم يظهر صلاحها (وسلم المبيع) وكذا إذا كان في الأرض زرع، لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع، لكان عليه تفريغه وتسليمه، كما إذا كان فيه متاع (ومن باع ثمرة) بارزة (لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع) ؛ لأنه مال متقوم: إما لكونه منتفعا به في الحال؛ أو في الثاني، وقد قيل: لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها، والأول أصح، هداية، وقيدنا الثمرة بكونها بارزة لأن بيعها قبل الظهور لا يصح اتفاقا، ولو برز بعضها دون بعض لا يصح في ظاهر المذهب؛ وصححه السرخسي، وأفتى الحلواني بالجواز لو الخارج أكثر، ويجعل المعدوم تبعا للموجود استحسانا لتعامل الناس للضرورة. زيلعي، وظاهر الفتح الميل إلى هذا؛ وقواه شيخنا (ووجب على المشتري قطعها في الحال) بطلب البائع، تفريغا لملكه، وهذا إذا اشتراها مطلقا، أو بشرط القطع (فإن) كان (شرط تركها على النخل) حتى تتنامى (فسد البيع) . لأنه شرط لا يقتضيه العقد. وهو شغل مال الغير. ولو اشتراها مطلقا وتركها بإذن البائع طلب له الفضل. وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته. لحصوله بجهة محظورة. هداية (ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة) ، لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا استثنى نخلا معينا، لأن الباقي معلوم بالمشاهدة. هداية، ومشى عليه المختار وبرهان الشريعة وصدر الشريعة، وقال في الاختيار: وهو الصحيح، وقيل: يجوز، وخالفه النسفي تبعا للهداية حيث قال - بعد ذكر ما في الكتاب - قالوا هذه رواية الحسن. وهو قول الطحاوي، أما على ظاهر الرواية فينبغي أن يجوز، لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من القعد وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه. اه

(2/10)


ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشرها، ومن باع داراً دخل في المبيع مفاتيح أغلافها، وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع، وأجرة وزانٍ الثمن على المشتري.
ومن باع سلعةً بثمنٍ قيل للمشتري: ادفع الثمن أولاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تصحيح، قال في الفتح: وعدم الجواز أقيس بمذهب الإمام. اهـ (ويجوز بيع الحنطة) بانفرادها حالة كونها (في سنبلها والباقلاء في قشرها) وكذا الأرز والسمسم ونحوهما، وعلى البائع إخراجه، وللمشتري الخيار. فتح، وهذا إذا باع بخلاف جنسه. وإلا لا، لاحتمال الربا، وإنما بطل بيع ما في تمر وقطن وضرع وما على حنطة من نوى وحب ولبن وتبن لأنه معدوم عرفا.
(ومن باع داراً دخل في البيع مفاتيح أغلاقها) ، لأنه يدخل فيه الأغلاق لأنها مركبة فيها للبقاء والمفتاح يدخل في بيع الغلق، لأنه بمنزلة بعضه، إذ لا ينتفع به بدونه. هداية. (وأجرة الكيال) والوزان والعداد والزراع للمبيع (وناقد الثمن على البائع) أما الكيل والوزن والعدد والذرع فلا بد منه للتسليم، وهو على البائع وأما النقد فالمذكور رواية ابن رستم عن محمد لأن النقد يكون بعد التسليم وفي رواية ابن سماعه عنه على المشتري، لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد المقدر، وهو الجودة تعرف بالنقد كما يعرق القدر بالوزن فيكون عليه. هداية، وفي التصحيح: قال في المحيط: وأجرة الناقد ووزن الثمن على المشتري، وهو الصحيح، وقال قاضيخان: والصحيح أنه يكون على المشتري) لما بينا أنه هو المحتاج إلى تسليم الثمن، وبالوزن يتحقق التسليم. هداية. (ومن باع سلعة) حاضرة غير مشغولة (بثمن) حال (قيل للمشتري: ادفع الثمن أولا) ، لأن حق المشتري تعين في المبيع، فيتقدم دفع الثمن، ليتعين حق البائع بالقبض، لأن الثمن لا يتعين بالتعين قبل القبض، قيدنا السلعة بالحاضرة وغير مشغولة لأنه إذا كانت

(2/11)


فإذا دفع قيل للبائع: سلم المبيع، ومن باع سلعةً بسلعةٍ أو ثمنٍ قيل لهما: سلما معاً.

باب خيار الشرط.
- خيار الشرط جائزٌ في البيع للبائع والمشتري (1) ، ولهما الخيار ثلاثة أيامٍ فما دونها،
ولا يجوز أكثر من ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غائبة أو مشغولة لا يؤمر بدفع الثمن حتى يحضر السلعة أو يفرغها كما في الفيض، وقيد الثمن بالحال لأنه إذا كان مؤجلا لا يملك البائع منع السلعة لقبضه، لأن ابتداء الأجل من قبض السلعة كما مر (فإذا دفع) المشتري (الثمن قيل للبائع: سلم المبيع) لأنه ملك الثمن بالقبض، فلزمه تسليم المبيع. وإن سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن ليس له أن يسترده (ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما: سلما معاً) ، لاستوائهما في التعيين، ثم التسليم يكون بالتخلية على وجه يتمكن من القبض بلا مانع ولا حائل لأن، التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة، وتمامه في حاشية شيخنا.
باب خيار الشرط
قدمه على باقي الخيارات لأنه يمنع ابتداء الحكم، وعقبه بخيار الرؤية لأنه يمنع تمامه، وأخر خيار العيب لأنه يمنع اللزوم؛ وتمام الكلام عليه مبين في الدور.
(خيار الشرط جائز) في صلب العقد أو بعده ولو بأيام بحر أما قبله فلا يثبت، تتارخانية (في البيع) أي المبيع كله أو بعضه (للبائع) وحده (والمشتري) وحده (ولهما) معاً، ولغيرهما (والخيار) مدته (ثلاثة أيام فما دونها) وفسد عنه إطلاق أو تأييد، وفي جامع الفتاوى: ولو قال بعت إن رضى فلان جاز إن بين وقت الرضا. اهـ. وبه ظهر جواب حادثة الفتوى، وهي: باع إن رضي شفيعها من غير بيان وقت (ولا يجوز) الخيار (أكثر من ذلك عند أبي حنيفة) لأنه ثبت على خلاف القياس
_________
(1) والأصل فيه أن ما روى أن حيان ابن منقذ بن عمرو الأنصاري كان رجلا ضعيفا. وكان قد أصابته في رأسه ما سدمه فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار إلى ثلاثة أيام فيما اشتراه. وكان قد ثقل لسانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بع وقل لا حلاله وكان يشتري الشيء فيجئ به إلى أهله فيقولون له: هذا غال فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي وسكت عليه رواه الحاكم في المستدرك ورواه الشافعي ثم قال والأصل فيه الفساد ولكن لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم لحيان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع انتهينا إلى ما قال والحديث يروى في عدة كتب من الصحاح وبروايات مختلفة كلها تتفق على الجواز

(2/12)


وقال أبو يوسف ومحمدٌ رحمهما الله: يجوز إذا سمى مدةً معلومةً.
وخيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه، فإن قبضه المشتري فهلك في يده ضمنه بالقيمة، وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع من ملك البائع، إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة، وعندهما يملكه، فإن هلك في يده هلك بالثمن وكذلك إذا دخله عيبٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالنص؛ فيبقى الباقي على الأصل (وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز إذا سمى مدة معلومة) ؛ لأنه شرع للحاجة للتروي ليندفع به الثمن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر؛ فصار كالتأجيل في الثمن. قال في التحفة: والصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه المحبوبي وصدر الشريعة والنسفي وأبو الفضل الموصلي، ورجحوا دليله، وأجابوا عما يتمسك به لهما. تصح.
(وخيار البائع) ولو مع خيار المشتري (يمنع خروج المبيع من ملكه) اتفاقا (فإن قبضه المشتري فهلك في يده) في مدة الخيار (ضمنه بالقيمة) لو قيميا، وبالمثل لو مثليا؛ لأن البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا، ولا نفاذ بدون المحل؛ فبقي مقبوضاً في يده على سوم الشراء، وفيه القيمة في القيمى والمثل في المثلى. فتح. ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع، ولا شيء على المشتري اعتباراً بالمطلق. هداية (وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع من ملك البائع) بالإجماع. جوهرة. إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة، وقالا: يملكه) ؛ لأنه لما خرج من ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك، ولا عهد لنا به في الشرع، ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلة قلنا بأنه يدخل في المبيع في ملكه لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة، ولا أصل له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة. هداية. قال في التحفة: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي والموصلي. تصحيح (فإن هلك في يده هلك بالثمن) المسمى، لأنه عجز عن رده فلزمه ثمنه (وكذلك إن دخله عيب) لازم؛ سواء كان بفعل المشتري أو أجنبي أو آفة سماوية أو فعل المبيع،

(2/13)


ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في مدة الخيار، وله أن يجيزه، فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز، إلا أن يكون الآخر حاضراً، وإذا مات من له الخيار بطل خياره، ولم ينتقل إلى ورثته، ومن باع عبداً على أنه خبازٌ أو كاتبٌ فكان بخلاف ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما العيب الغير اللازم كمرض: فإن زال في المدة فهو على خياره، وإلا لزمه العقد، لتعذر الرد. ابن كمال. ولا يخرج شيء من مبيع وثمن عن ملك مالكه إذا كان الخيار لهما اتفاقا، وأيهما فسخ في المدة انفسخ البيع، وأيهما أجاز بطل خياره فقط (ومن شرط له الخيار) من بائع أو مشتر أو أجنبي (فله أن يفسخ في مدة الخيار، وله أن يجيزه) ، لأن هذا فائدة الخيار (فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز) إجماعاً، لأنه إسقاط لحقه، فلا يتوقف على حضور الآخر، كالطلاق والعتاق، إلا إذا كان الخيار لهما وفسخ أحدهما فليس للآخر الإجازة، لأن المفسوخ لا تلحقه الأجازة (وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضراً) والشرط العلم، وكنى بالحضرة عنه لأنها سببه، حتى لو كان حاضراً ولم يعلم لم يجز، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز وإن لم يكن الآخر حاضراً، قال في التصحيح: ومشى على قولهما النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة. اهـ. ولو شرط المشتري أو البائع الخيار لأجنبي صح وثبت للأصيل مع التائب، فإن أجاز أحدهما أو فسخ صح، وإن أجاز أحدهما وعكس الآخر اعتبر الأسبق، لثبوت حكمه قبل المتأخر فلم يعارضه، ولو صدرا معا أو لم يعلم السابق فالفسخ أحق. زيلعي.
(وإذا مات مات من له الخيار بطل خياره) وتم البيع من جهته (ولم ينتقل إلى ورثته) ، لأنه ليس له إلا مشيئة وإرادة، فلا يتصور انتقاله، والإرث فيما يقبل الانتقال، بخلاف خيار العيب، لأن المورث استحق المبيع سليما، فكذا الوارث. فأما نفس الخيار فلا يورث. هداية.
(ومن باع عبداً على أنه خباز أو كاتب فكان بخلاف ذلك) بأن لم يوجد

(2/14)


فالمشتري بالخيار. إن شاء أخذهى بجميع الثمن، وإن شاء ترك،

باب خيار الرؤية.
- ومن اشترى شيئاً لم يره فالبيع جائزٌ، وله الخيار إذا رآه: إن شاء أخذه، وإن شاء رده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معه أدنى ما يطلق عليه اسم الكاتب والخباز، فتح (فالمشتري بالخيار: إن شاء أخذه بجميع الثمن) ، لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة في العقد (وإن شاء ترك) ، لفوات الوصف المرغوب فيه المستحق في العقد بالشرط، وفواته يوجب التخيير، لأنه ما رضى به بدونه، وهذا بخلاف شرائه شاة على أنها حامل، أو تحلب كذا رطلا، أو يخبز كذا صاعاً، أو يكتب كذا قدراً، فإنه يفسد البيع، لأنه شرط زيادة مجهولة لعدم العلم بها، فتح. أي: والسابق وصف مرغوب فيه كوصف السلامة، ولذا لو شرط أنها حلوب أو لبون جاز.
باب خيار الرؤية
قدمنا وجه تقديمه على خيار العيب، وهو من إضافة المسبب إلى السبب. (ومن اشترى شيئاً لم يره فالبيع جائز) لكن بشرط الإشارة إليه، أو إلى مكانه، فلو لم يشر لذلك لم يجز بالإجماع، كما في المبسوط، وما في حاشية أخي زاده من أن الأصح لجواز مبنى على ما فهم من إطلاق الكتاب، قال في الفتح: والظاهر أن المراد بالإطلاق ما ذكره شمس الأئمة السرخسي وغيره كصاحب الأسرار والذخيرة من أن الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع (1) اهـ. (وله الخيار إذا رآه) وكذا قبل الرؤية في الأصح، بحر، لعدم لزوم البيع (إن شاء أخذه، وإن شاء رده) وإن قال رضيت قبلها، لأن الرضى بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق، وهو غير مؤقت، بل يبقى إلى أن يوجد ما يبطله، ويشترط لفسخه علم البائع
_________
(1) ومذهب الشافعي أنه لا يجوز فيما لم يسم جنسه قولا واحد وأما فما سمى جنسه وصفته على ما نقل في شرع الوجيز والحلية أنه يجوز على قوله القديم وعلى قوله الجديد لا يجوز وعن مالك وأحمد مثل قول الحنفية واختاره كثير من أصحاب الشافعية وهو قول عثمان بن عفان وطلحة واحتج المانعون بأنه بيع المجهول وهو منهي عنه وكذلك بيع الفرد والمجيزون يقولون أنه لا عذر في ذلك لأن الفرز أن تفشه بإظهار ما ليس في الواقع وما هنا ليس كذلك وكذلك يقال في المجهول أي أنه منهي عنه للضرر وما ينتهي إليه من النزاع وهذا لو لم يثبت له الخيار إذا رأى المبيع وأما إذا ثبت ذلك فلا وفي ذلك يسر على العباد فمن عقد صفقة على غائب غير موجود لحاجته إليه جاز وكان بالخيار إذا رآه وذلك أشبه بمشروعية الأحكام لمصالح العباد ولا سيما المعاملات التي تبنى على المنقولات مالم تخالف النص فكيف إذا كان على مقتضى النص وهو حديث البيهقي عن مكحول يرفعه إلى النبي ص: من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه؛ وإن شاء تركه وهو مرسل والمرسل حجة عند أكثر أهل العلم والحديث مروي عن الحسن البصري وابن سيرين وغيرهما وهو مذهب ابن سيرين وقد روى مرفوعا رواه أبو حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في طريقه إلى أبي حنيفة عمر الكردي وهو منهم

(2/15)


ومن باع مالم يره فلا خيار له، ومن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطوياً أو إلى وجه الجارية أو إلى وجه الدابة وكفلها، فلا خيار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن باع مالم يره فلا خيار له) لأنه معلق بالشراء بالنص فلا يثبت لغيره (وإن نظر) قبل الشراء (إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطويا) وكان مما يستدل بظاهره على باطنه، بخلاف ما إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع العلم (أو إلى وجه الجارية) لأنه المقصود في الآدمي (أو إلى وجه الدابة وكفلها) لأنهما المقصود في الدواب (فلا خيار له) والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره؛ فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود، ولو دخل في المبيع أشياء: فإن كان لا تتفاوت آحاده كالمكيل والموزون - وعلامته: أن يعرض بالنموذج - يكتفى برؤية واحد منها إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى؛ فحينئذ يكون له الخيار. أي خيار العيب، لا خيار الرؤية، وإن كان تتفاوت آحاده كالثياب والدواب فلا بد من رؤية كل واحد. هداية. قال شيخنا: وبقي شيء لم آر من نبه عليه. وهو ما لو كان المبيع أثوابا متعددة وهي من نمط واحد لا يختلف عادة بحيث يباع كل واحد منها بثمن متحد، ويظهر لي أنه يكفي رؤية ثوب منها، إلا إذا ظهر الباقي أردأ وذلك لأنها تباع بالنموذج في عادة التجار؛ فإذا كانت ألوانا مختلفة ينظرون من كل لون إلى ثوب. اهـ. وهذا إذات كان في وعاء واحد، وأما إذا كان

(2/16)


له. وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها،
وبيع الأعمى وشراؤه جائزٌ، وله الخيار إذا اشترى، ويسقط خياره بأن يجس المبيع إذا كان يعرف بالجس، أو يشمه إذا كان يعرف بالشم، أو يذوقه إذا كان يعرف بالذوق، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في وعاءين أو أكثر ورأى أحدها فمشايخ العراق على أنها كرؤية الكل ومشايخ بلخ على أنه لا بد من رؤية الكل، والصحيح أنه يبطل برؤية البعض كما في الفيض والفتح والبحر وغيرها (وإن رأى صحن الدار) : أي ساحتها (فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها) . أي داخلها عند أبي حنيفة؛ لأن رؤية ساحتها وظاهر بيوتها يوقع العلم بالداخل؛ لعدم تفاوت البيوت بالمنفعة، وعند زفر لابد من رؤية داخل البيوت، قال أبو نصر الأقطع؛ وهو الصحيح، وفي الجوهرة: وعليه الفتوى: وفي الهداية، والأصح أن جواب الكتاب على وفق عادتهم في الأبنية فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ فأما اليوم فلابد من الدخول في داخل الدار للتفاوت والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل اهـ ومثله في الفتح وغيره، ونظر وكيله بالقبض والشراء كنظره، بخلاف رسوله. (وبيع الأعمى وشراؤه) ولو لغيره (جائز) لأنه مكلف محتاج (وله الخيار إذا اشترى) ، لأنه اشترى ما لم يره (ويسقط خياره) بما يفيد العلم بالمقصود، وذلك (بأن يجس المبيع إذا كان يعرف بالجس، أو يشمه إذا كان يعرف بالشم، أو يذوقه إذا كان يعرف بالذوق) لأن هذه الأشياء تفيد العلم بالمقصود، فكانت في حقه بمنزلة الرؤية (ولا يسقط خياره في العقار) ونحوه مما لا يدرك بالحواس المذكورة (حتى يوصف له) لأن الوصف يقام مقام الرؤية كما في السلم، قال في التحفة: هذا هو الأصح من الروايات، وقال أبو نصر الأقطع: هذا هو الصحيح من المذهب، تصحيح، وعن أبي يوسف: إذا وقف في مكان لو كان بصيراً لرآه فقال " قد رضيت"

(2/17)


ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار: إن شاء أجاز البيع، وإن شاء فسخ، وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقياً والمتعاقدان بحالهما، ومن رأى أحد ثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يسقط خياره؛ وقال الحسن؛ يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه، وهذا أشبه بقول أبي حنيفة، لأن رؤية الوكيل كرؤية الموكل على ما مر آنفا. هداية.
(ومن باع ملك غيره) بغير أمره (فالمالك بالخيار: إن شاء أجاز البيع؛ وإن شاء فسخ؛ و) لكن إنما (له الإجازة إذا كان المعقود عليه باقياً) وكذا المالك والمتعاقدان بحالهما) فإذا حصلت الإجازة مع قيام الأربعة جاز البيع؛ وتكون الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة؛ ويكون البائع كالوكيل، والثمن للمجيز إن كان قائما، وإن ملك في يد البائع ملك أمانة؛ ولكل من المشتري والفضولي أن يفسخ العقد قبل أن يجيز المالك، وإن مات المالك قبل الإجازة تفسخ البيع؛ ولا يجوز بإجازة ورثته. جوهرة.
(ومن رأى أحد ثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما) معا، لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر للتفاوت في الثياب، فيبقى الخيار له فيما لم يره، فله رده بحكم الخيار، ولا يتمكن من رده وحده، فيردهما إن شاء كيلا يكون تفريغاً للصفقة على البائع قبل التمام، وهذا لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده كخيار الشرط، بدليل أن له أن يفسخه بغير قضاء ولا رضاء. فتح

(2/18)


ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره، ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدةٍ، فإن كان على الصفة التي رآه فلا خيار له، وإن وجده متغيراً فله الخيار.

باب حيار العيب.
- إذا اطلع المشتري على عيبٍ في المبيع فهو بالخيار: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده، وليس له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره) ولم ينتقل إلى ورثته كخيار الشرط كما مر.
(ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة) وهو يعلم أنه مرئيه (فإن كان) باقيا (على الصفقة التي رآه فلا خيار له) ، لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة، وبفواته يثبت لخ الخيار، وكذا إذا لم يعلم أنه مرئيه لعدم الرضى به (وإن وجده متميزا فله الخيار) لأنه بالتغير صار كأنه لم يره، وإن اختلفا في التغير فالقول للبائع لأن التغير حادث؛ وسبب اللزوم ظاهر، بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية، لأنها أمر حادث، والمشتري ينكره، فالقول له. هداية.
باب خيار العيب
من إضافة الشيء إلى سببه.
والعيب لغة: ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد به ناقصاً فتح. وشرعا: ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة، كما يذكره المصنف (إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع) كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض، لأن ذلك رضى به، هداية (فهو بالخيار: إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء رده) ، لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة (1) فعند فواته يتخير، كيلا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به.
(وليس له
_________
(1) قال في الفتح إن هذا ثابت من المعقول والمنقول أما المنقول ففي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم للمسلم عبد الأداء ولا جنته ولا غائبة فقوله بيع المسلم للمسلم دليل ملاحظة معنى السلامة من العيب ولهذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالرد بالعيب عندما اختصم إليه الخصمان في مثله. وأما المعقول فلأن السلامة لما كانت هي الأصل في المخلوق انصرف مطلق العقد إليها ولأن العادة أن القصد إلى ما هو متحقق من كل وجه لأن دفع الحاجة على التمام به يكون

(2/19)


أن يمسكه ويأخذ النقصان، وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيبٌ، والإباق والبول في الفراش والسرقة عيبٌ في الصغير ما لم يبلغ، فإذا بلغ فليس ذلك بعيبٍ، حتى يعاوده بعد البلوغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يمسكه ويأخذ النقصان) لما مر أن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، والبائع لم يرض بزواله بأقل من المسمى فيتضرر، ودفع الضرر عن المشتري ممكن بالرد (وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب) ، لأن التضرر بنقصان المالية، وذلك بانتقاص القيمة، والمرجع في معرفته أهله، سواء كان فاحشاً أو يسيراً، بعد أن يكون مما يعده أهل تلك الصناعة عيباً فيه. جوهرة (والإباق) إلى غير سيده الأول (والبول في الفراش والسرقة) من المولى وغيره (عيب في الصغير) المميز الذي ينكر عليه مثل ذلك (ما لم يبلغ) عند المشتري، فإن وجد شيء منها بعد ما بلغ عنده لم يرده، لأنه عيب حدث عنده، لأن هذه الأشياء تختلف صغراً وكبراً (فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ) قال في الهداية: ومعناه إذا ظهرت عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره يرده، لأنه عين ذلك، وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده، لأنه غيره، وهذا لأن سبب هذه الأشياء يختلف بالصغر والكبر، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة، وبعد الكبر لداء في البطن؛ وإلا باق في الصغر لحب اللعب والسرقة لقلة المبالاة وهما بعد الكبر لخبث في الباطن. اهـ. قال في الفتح: فإذا اختلف سببها بعد البلوغ وقبله كان الموجود منها بعده غير الموجود منها قبله، وإذا كان غيره فلا يرد به، لأنه عيب حادث عنده، بخلاف ما إذا ظهرت عند البائع والمشتري في الصغر أو ظهرت عندهما بعد البلوغ، فإن له أن يرده بها، وإذا عرف الحكم وجب أن يقرر اللفظ المذكور في المختصر، وهو قوله "فإذا بلغ فليس ذلك" الذي كان قبله عند البائع "بعيب" إذا وجد بعده عند المشتري "حتى يعاوده بعد البلوغ" عند المشتري بعد ما وجد عند البائع، واكتفى بلفظ

(2/20)


والبخر والدفر عيبٌ في الجارية، وليس بعيبٍ في الغلام، إلا أن يكون من داءٍ، والزنا وولد الزنا عيبٌ في الجارية دون الغلام. وإذا حدث عند المشتري عيبٌ ثم اطلع على عيبٍ كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب، ولا يرد المبيع إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه، وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيباً رجع بالعيب، وإن خاطه أو صبغه أولت السويق بسمنٍ ثم اطلع على عيبٍ رجع بنقصانه، وليس للبائع أن يأخذه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعاودة لأن المعاودة لا تكون حقيقة إلا إذا اتحد الأمر. اهـ. (والبخر) نتن الفم (والدفر) بالدال المهملة - نتن الإبط وكذا الأنف، در عن البزازية، (عيب في الجارية) مطلقاً، لأن منها قد يكون الاستفراش، وهما يخلان به (وليس بعيب في الغلام) ، لأن المقصود هو الاستخدام، ولا يخلان به (إلا أن يكون من داء) أو يفحش بحيث يمنع القرب من المولى (والزنا وولد الزنا عيب في الجارية) ، لأنه يخل بالمقصود وهو الاستفراش وطلب الولد (دون الغلام) لأنه لا يخل بالمقصود وهو الاستخدام، إلا أن يكون له عادة له، لأنه يخل بالخدمة:
(وإذا حدث عند المشتري عيب) في مشتريه (ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب ولا يرد المبيع) لأن في الرد إضراراً بالبائع؛ لأنه خرج من ملكه سالما وصار معيباً؛ فامتنع. ولكن لابد من دفع الضرر عنه؛ فتعين الرجوع بالنقصان (إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعينه) لأنه أسقط حقه (وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيباً رجع بالعيب) لامتناع الرد بالقطع، إلا أن يقبله البائع كذلك كما مر (وإن خاطه أو صبغه) بأي صبغ كان (أولت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه) لامتناع الرد بالزيادة (وليس للبائع أن يأخذه) ؛ لأنه لا وجه للفسخ بدونها؛ لأنها لا تنفك عنه، ولا معها لحصول الربا

(2/21)


ومن اشترى عبداً فأعتقه أو مات ثم اطلع على عيبٍ رجع بنقصانه فإن قتل المشتري العبد أو كان طعاماً فأكله لم يرجع عليه بشيءٍ في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يرجع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها زيادة بلا مقابل، ثم الأصل: أن كل موضع للبائع أخذه معيباً لا يرجع بإخراجه عن ملكه، وإلا رجع. اختيار (ومن اشترى عبداً فأعتقه) مجاناً (أو مات) عنده (ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه) أما الموت فلأن الملك ينتهي به، والامتناع منه حكمي لا بفعله، وأما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع؛ لأن العتق انتهاء الملك فكان كالموت، وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد معتذر. هداية. وقيدنا العتق بكونه مجاناً لأنه لو أعتقه على مال لم يرجع بشيء (فإن قتل المشتري العبد) المشتري (أو كان طعاماً فأكله) أو ثوباً فلبسه حتى تخرق ثم اطلع على عيب (لم يرجع عليه بشيء في قول أبي حنيفة) لتعذر الرد بفعل المضمون منه في المبيع، فأشبه البيع والقتل (وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع) استحساباً، وعليه الفتوى. بحر. ومثله في النهاية، وفي الجوهرة: والخلاف إنما هو في الأكل لا غير، أما القتل فلا خلاف أنه لا يرجع إلا في رواية عن أبي يوسف. اهـ. فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده، وعندهما يرجع بنقصان العيب في الكل، وعنهما أنه يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل، ونقل الروايتين عنهما المصنف في التقريب، ومثله في الهداية، وذكر في شرح الطحاوي أن الأولى قول أبي يوسف، والثانية قول محمد، كما في الفتح. والفتوى على قول محمد كما في البحر عن الاختيار والخلاصة، ومثله في النهاية وغاية البيان والمجتبى والخانية وجامع الفصولين. وإن باع بعض الطعام ففي الذخيرة أن عندهما لا يرد ما بقي ولا يرجع بشيء وعن محمد يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع، كذا في الأصل. اه

(2/22)


ومن باع عبداً فباعه المشتري ثم رد عليه بعيبٍ، فإن قبله بقضاء القاضي فله أن يرده على بائعه، وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده.
ومن اشترى عبداً وشرط البراءة من كل عيبٍ فليس له أن يرده بعيبٍ وإن لم يسم العيوب ولم يعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال في التصحيح: وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقاً بالناس، واختاره الصدر الشهيد اهـ. وفي جامع الفصولين عن الخانية: وعن محمد لا يرجع بنقصان ما باع ويرد الباقي بحصته من الثمن، وعليه الفتوى. اهـ. ومثله الولوالجية والمجتبى والمواهب. والحاصل أن المفتى به أنه لو باع البعض أو أكله يرد الباقي ويرجع بنقصان ما أكل، لا ما باع. فإن قيل: إن المصرح به في المتون أنه لو وجد ببعض المكيل أو الموزون عيباً له رده كله أو أخذه، ومفهومه أنه ليس له رد المعيب وحده. أجيب بأن ذاك حيث كان كله باقيا في ملكه، بقرينة قولهم: " له رده كله" أو هو مبني على قول غير محمد.
(ومن باع عبداً) أو غيره (فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي) ببينة أو إباء أو إقرار. هداية (فله) أي البائع الثاني (أن يرده على بائعه) الأول؛ لأنه فسخ من الأصل، فجعل البيع كأن لم يكن (وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده) لأنه بيع جديد في حق ثالث، وإن كان فسخاً في حقهما، والأول ثالثهما. هداية.
(ومن اشترى عبداً) مثلا (وشرط البراءة من كل عيب فليس له أن يرده بعيب) مطلقاً، موجود وقت العقد أو حادث قبل القبض (وإن لم يسم العيوب ولم يعدها) ، لأن البراءة عن الحقوق المجهولة صحيحة لعدم إفضائها إلى المنازعة

(2/23)


باب البيع الفاسد.
- إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرماً فالبيع فاسدٌ، كالبيع بالميتة أو بالدم أو بالخمر أو بالخنزير، وكذلك إذا كان غير مملوكٍ كالحر؛ وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب البيع الفاسد
المراد بالفاسد الممنوع، مجازاً عرفيا؛ فيعم الباطل والمكروه، وقد يذكر فيه بعض الصيح تبعا. در.
ثم هذا الباب يشتمل على ثلاثة أنواع: باطل، وفاسد، ومكروه؛ فالباطل؛ مالا يكون مشروعا بأصله ووصفه، والفاسد: ما يكون مشروعا بأصله دون وصفه والمكروه: مشروع بأصله ووصفه، لكن جاوره شيء آخر منهي عنه. وقد يطلق المصنف الفاسد على الباطل؛ لأنه أعم؛ إذ كل باطل فاسد، ولا عكس، ومنه قوله: (إذا كان أحد العوضين) : أي المبيع أو الثمن (أو كلاهما محرما) الانتفاع به (فالبيع فاسد) : أي باطل، وذلك (كالبيع بالميتة أو بالدم أو بالخمر أو بالخنزير) قال في الهداية: هذه فصول جمعها أي في حكم واحد - وهو الفساد - وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله فنقول: البيع بالميتة والدم باطل؛ لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال؛ فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد، والبيع بالخمر والخنزير فاسد: لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال عند البعض. اهـ (وكذلك إذا كان) أحد العوضين أو كلاهما (غير مملوك) لأحد (كالحر) فالبيع باطل (وبيع أم الولد والمدبر) المطلق (والمكاتب فاسد) : أي باطل؛ لأن استحقاق الحرية بالعتق ثابت لكل منهم بجهة لازمة على المولى. فتح. قال في الهداية: ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه

(2/24)


ولا يجوز بيع السمك في الماء، ولا بيع الطير في الهواء؛ ولا يجوز بيع الحمل ولا النتاج، ولا بيع اللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم، وذراعٍ من ثوبٍ، وجذعٍ في سقفٍ، وضربة الغائص، وبيع المزابنة وهو بيع الثمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روايتان، والأظهر الجواز. اهـ. أي إذا بيع برضاه لتضمن رضاه فسخ الكتابة قبل العقد، بخلاف إجازته بعد العقد. جوهرة.
(ولا يجوز) : أي لا يصح (بيع السمك في الماء) قبل صيده؛ لأنه بيع ما ليس عنده، أو بعده صيده ثم ألقي فيه ولا يؤخذ منه إلا بحيلة؛ للعجز عن التسليم، وإن أخذ بدونها صح وله الخيار: لتفاوتها في الماء وخارجه (ولا بيع الطير في الهواء) قبل صيده أو بعده ولا يرجع بعد إرساله؛ لما تقدم (1) ، وإن كان يطير ويرجع صح وقيل: لا. (ولا يجوز بيع الحمل) : أي الجنين في بطن المرأة (ولا النتاج) أي نتاج الجمل، وهو حبل الحبلة وجزم في البحر ببطلانه؛ لعدم تحقق وجوده (2) ، (ولا بيع اللبن في الضرع) وهو الذات الظلف والخف كالثدي للمرأة؛ للغرر؛ فعساه انتفاخ. ولأنه ينازع في كيفية الحلب، وربما يزداد فيختلط المبيع بغيره (و) لا (الصوف على ظهر الغنم) ؛ لأن موضع القطع منه غير متعين فيقع التنازع في موضع القطع، ولو سلم البائع اللبن أو الصوف بعد العقد لا يجوز ولا ينقلب صحيحاً (3) . جوهرة. (و) لا بيع ذراع من ثوب) يضره التبعيض (وجذع) معين (في سقف) لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر؛ فلو قطع الذراع من الثوب أو قلع الجذع من السقف وسلم قبل فسخ المشتري عاد صحيحا، ولو لم يضره القطع كذراع من ثوب كرباس أو دراهم معينة من نقرة فضة جاز لانتفاء المانع؛ لأنه لا ضرر في تبعيضه، وقيدنا الجذع بالمعين لأن غير المعين لا ينقلب صحيحاً وإن قلعه وسلمه للجهالة (و) لا (ضربة القانص) وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبك؛ لأنه مجهول (و) لا (بيع المزابنة وهو بيع الثمر) بالمثلثة - لأن ما على رءوس النخل لا يسمى تمراً بل رطبا ولا يسمى تمراً
_________
(1) قال في الهداية والفتح إن الطير قبل أخذه غير مملوك وبعد أخذه وإرساله غير مقدور التسليم عقب العقد، ثم لو قدر على التسليم بعد ذلك لا يعود بالجواز عند مشايخ بلخ وعلى قول الكرخي يعود وكذا عند الطحاوي وكذا الحكم لو جعل العصفور ثمنا.
(2) في الصحيحين والسنن عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان يبتاعه أهل الجاهلية كان الرجل يبيع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج الذي في بطنها واستدل الشارح هنا بعدم وجوده ففي بيعه غرر لجواز إلا يلد الحيوان أو يموت قبل ذلك.
(3) فلا وصل عند الفقهاء في ذلك ما ثبت من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الطرافي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع ثمرة حتى تطعم ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع والحديث روي بعدة روايات ومنه يعلم النهي عن بيع كل شيء في غلافه كاللحم في الشاة الحية أو شحمها وإليتها أو أكارعها أو جلودها أو دقيق هذه الحنطة أو سمن في هذا اللبن ونحو ذلك

(2/25)


على رءوس النخل بخرصه تمراً، ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والملامسة، ولا يجوز بيع ثوبٍ من ثوبين.
ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري، أو يدبره أو يكاتبه، أو باع أمةً على أن يستولدها فالبيع فاسدٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلا المجذوذ بعد الجفاف (على النخل بخرصه) : أي مقداره حزراً وتخميناً (تمراً) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة؛ فالمزابنة ما ذكرناه، والمحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً؛ ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه؛ فلا يجوز بطريق الخرص، كما إذا كانا موضوعين على الأرض، وكذا العنب بالزبيب على هذا. هداية (ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر) من المشتري على السلعة المساومة (والملامسة) لها منه أيضاً، والمنابذة لها من البائع: أي طرحها للمشتري، وهذه بيوع كانت في الجاهلية، وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة: أي يتساومان، فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع أو وضع عليه المشتري حصاة لزم البيع، فالأول بيع الملامسة، والثاني المنابذة، والثالث إلقاء الحجر. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة، ولأن فيه تعليقاً بالخطر. هداية. أي لأنه بمنزلة ما إذا قال: أي ثوب لمسته أو ألقيته عليه حجراً أو نبذته لك فقد بعته، فأشبه القمار (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين) لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء، جاز البيع استحساناً. هداية.
(ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه) أو لا يخرجه من ملكه (أو باع أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد) لأن هذا بيع وشرط، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ثم جملة المذهب فيه أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد؛ لثبوته بدون الشرط، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق يفسده، كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع لأن فيه زيادة عارية عن العوض؛ فيؤدي إلى الربا، أو لأنه يقع بسببه المنازعة

(2/26)


وكذلك لو باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهراً، أو داراً على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهماً، أو على أن يهدي له هديةً، ومن باع عينا على أن لا يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسدٌ، ومن باع جاريةً إلا حملها فسد البيع، ومن اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصاً أو قباءً، أو نعلاً على أن يحذوها أو يشركها فالبيع فاسدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيعرى العقد عن مقصوده، ولو كان لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده، هو الظاهر من المذهب، كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة، لأنه انعدمت المطالبة، فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة. هداية (وكذلك) : أي البيع فاسد (لو باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهرا) مثلا (أو دارا على أن يسكنها) كذلك (أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية) ، لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين (ومن باع عيناً على أن يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسد) ؛ لما فيه. شرط نفي التسليم المستحق بالعقد (ومن باع جارية إلا حملها فسد البيع) والأصل: أو ما لا يصلح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل، وهذا لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقه، وبيع الأصل يتناولها، فالاستثناء يكون على خلاف الموجب، فلم يصح، فيصير شرطاً فاسداً والبيع يبطل به. هداية.
(ومن اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصاً أو قباء) بفتح القاف - فالبيع فاسد؛ لأنه شرط لا قتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين لأنه يصير صفقة في صفقة. هداية (أو نعلا) أي صرما؛ تسمية له باسم ما يئول إليه (على أن يحذوها أو يشركها فالبيع فاسد) أي يضع عليها الشراك وهو السير - قال في الهداية: وما ذكره جواب القياس، ووجه ما بيناه (1) ، وفي الاستحسان
_________
(1) يريد ما ذكره في الفرع الذي قبله. من أن هذا شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين

(2/27)


والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسدٌ، ولا يجوز البيع إلى الحصاد والدياس والقطاف وقدوم الحاج، فإن تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع.
وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وفي العقد عوضان كل واحدٍ منهما مالٌ ملك المبيع ولزمته قيمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز التعامل فيه، فصار كصنع الثوب، وللتعامل جوزنا الاستصناع. اهـ. (والبيع إلى النيروز) وهو أول يوم من الربيع (والمهرجان) أول يوم من الخريف (وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسدٍ) لجهالة الأجل، وهي مفضية إلى المنازعة؛ لابتنائه على المماسكة؛ إلا إذا كان يعرفانه، لكونه معلوما عندهما، أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في صومهم؛ لأن مدة صومهم؛ بالأيام معلومة؛ فلا جهالة. هداية. (ولا يجوز المبيع إلى الحصاد والدياس والقطاف وقدوم الحاج؛ لأنها تتقدم وتتأخر (فإن تراضيا) بعده ولو بعد الافتراق خلافا لما في التنوير (بإسقاط الأجل قبل) حلوله، وهو (أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج) وقبل فسخ العقد (جاز البيع) وانقلب صحيحاً، خلافاً لزفر، ولو مضت المدة قبل إبطال الأجل تأكد الفساد ولا ينقلب جائزاً إجماعا، كما في الحقائق ولو باع مطلقاً ثم أجل إليها صح التأجيل، كما لو كفل إلى هذه الأوقات؛ كما في التنوير. وقوله "تراضيا" خرج وفاقا؛ لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه؛ لأنه خالص حقه. هداية.
(وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد) خرج الباطل (بأمر البائع) صريحاً أو دلالة بأن قبضه في مجلس العقد بحضرته (وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال ملك المبيع) بقيمته إن كان قيميا (ولزمته قيمته) يوم قبضه عندهما، لدخوله

(2/28)


ولكل واحدٍ من المتعاقدين فسخه، فإن باعه المشتري نفذ بيعه.
ومن جمع بين حرٍ وعبدٍ أو شاةٍ ذكيةٍ أو ميتةٍ بطل البيع فيهما، ومن جمع بين عبدٍ ومدبرٍ أو عبده وعبد غيره صح العقد في العبد بحصته من الثمن.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، وعن السوم على سوم غيره؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في ضمانه يرمئذ، وقال محمد: يوم الاستهلاك كما في مختلف الرواية لأبي الليث، وبمثله إن مثلياً، وهذا حيث كان هالكا أو تعذر رده، وإلا فالواجب رد عينه.
(ولكل واحد من المتعاقدين فسخه) قبل القبض وبعده، ما دام بحاله. جوهرة، ولا يشترط فيه قضاء قاض (فإن باعه المشتري نفذ بيعه) وامتنع الفسخ لتعلق حق الغير به.
(ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما) قال في الينابيع: هذا على وجهين. إن كان قد سمى لها ثمناً واحداً فالبيع باطل بالإجماع؛ وإن سمى لكل واحد منهما ثمناً على حدة فكذلك عند أبي حنيفة، وقالا: جاز البيع في العبد والذكية وبطل في الحر والميتة، قال في التصحيح: وعلى قوله اعتمد المحبوبي والنسفي والموصلي.
(وإن جمع بين عبد ومدبر) أو مكاتب أو أم ولد (أو) جمع بين (عبده وعبد غيره صح العقد في العبد بحصته من الثمن) ، لأن المدبر محل للبيع عند البعض فيدخل في العقد ثم يخرج، فيكون البيع بالحصة في البقاء دون الابتداء، وفائدة ذلك تصحيح كلام العاقل مع رعاية حق المدبر. ابن كمال.
(ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش) وهو: أن يزيد في الثمن ولا يريد به الشراء ليرغب غيره (وعن السوم على سوم غيره) وعن الخطبة على خطبة غيره؛ لما في ذلك من الإيحاش والإضرار؛ وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ المساومة، فإذا لم يركن أحدهما إلى الآخر - وهو بيع من يزيد فلا بأس به على ما تذكره؛ وما ذكرناه

(2/29)


وعن تلقي الجلب، وعن بيع الحاضر للبادي، وعن البيع عند أذان الجمعة، وكل ذلك يكره ولا يفسد به العقد.
ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحمٍ محرمٍ من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو محمل النهي في النكاح. هداية (وعن تلقي الجلب) : أي المجلوب؛ أو الجالب؛ وهذا إذا كان يضر بأهل البلد؛ فإن كان لا يضر فلا بأس به؛ إلا إذا لبس السعر على الواردين، لما فيه من الغرر والضرر (وبيع الحاضر) وهو المقيم في المصر والقرى (للبادي) وهو المقيم في البادية؛ لأن فيه إضرارا بأهل البلد، وفي الهداية تبعا لشرح الطحاوي: وصورته أن يكون أهل البلد في قحط وهو يبيع من أهل البدو طمعاً في الثمن الغالي اهـ، وعلى هذا اللام بمعنى "من" أي: من المبادئ؛ وقال الحلواني: صورته أن يجيئ البادي بالطعام إلى المصر؛ فلا يتركه السمسار الحاضر يبيعه بنفسه؛ بل يتوكل عنه ويبيعه ويغلي على الناس؛ ولو تركه لرخص على الناس؛ وعلى هذا قال في المجتبى: هذا التفسير أصح؛ كذا في الفيض (وعن المبيع عند أذان الجمعة) الأول؛ وقد خص منه من لا جمعة عليه؛ فتح (1) . (وكل ذلك) المذكور من قوله " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلى هنا (يكره) تحريماً لصريح النهي (ولا يفسد به العقد) فيجب الثمن لا القيمة؛ ويثبت الملك قبل القبض؛ لأن النهي ورد لمعنى خارج عن صلب العقد مجاور له، لا لمعنى في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، فأوجب الكراهة، لا الفساد، والمراتد من صلب العقد البدل والمبدل، كذا في غاية البيان.
(ومن ملك) بأي سبب كان (مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر) من الرحم؛ وبه خرج المحرم من الرضاع إذا كان رحماً كإبن العم هو أخ رضاعاً (لم يفرق بينهما) ببيع ونحوه، وغير بالنفي مبالغة في المنع عنه (وكذلك إن كان أحدهما
_________
(1) في نسخه "منح"

(2/30)


كبيراً والآخر صغيراً، فإن فرق بينهما كره له ذلك وجاز البيع، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما.

باب الإقالة.
- الإقالة جائزةٌ في البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كبيراً والآخر صغيراً) لأن الصغير يستأنس بالصغير والكبير، والكبير يتعاهده، فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد، وفيه ترك المرحمة على الصغار، وقد أوعد عليه، ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم ولا الزوجان حتى جاز التفريق بينهما، لأن النص ورد بحلاف القياس فيقتصر على مورده، ولابد من اجتماعهما بحق مستحق في ملكه حتى لو كان أحدهما له والآخر لغيره لا بأس ببيع واحد منهما، ولو كان التفريق فلا بأس به: كدفع أحدهما بالجناية، وبيعه بالدين، ورده بالعيب، لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به، كذا في الهداية (فإن فرق بينهما كره له ذلك) لما قلنا (وجاز البيع) ، لأن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشابه كراهة الاستيام. هداية. (وإن كان كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما) لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين. هداية.
باب الإقالة
(الإقالة) مصدر أقاله، وربما قالوا: قاله البيع، بغير ألف؛ وهي لغة قليلة مختار. وهي لغة: الرفع، وشرعاً: رفع العقد. جوهرة.
وهي (جائزة في البيع) بلفظين ماضيين أو أحدهما مستقبل، كما لو قال أقلني، فقال: أقلتك، لأن المساومة لا تجري في الإقالة: فكانت. كالنكاح، ولا يتعين مادة قاف

(2/31)


بمثل الثمن الأول، فإن شرط أقل منه أو أكثر فالشرط باطلٌ، ويرد مثل الثمن الأول.
وهي فسخٌ في حق المتعاقدين بيعٌ جديدٌ في حق غيرهما في قول أبي حنيفة.
وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة، وهلاك المبيع يمنع منها فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في باقيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لام، بل لو قال: تركت البيع، وقال الآخر: رضيت أو أجزت - تمت. ويجوز قبول الإقالة دلالة بالفعل، كما إذا قطعه قميصاً في فور قول المشتري: أقلتك. وتنعقد بفاسختك وتاركتك. فتح (بمثل الثمن الأول) جنسا وقدرا (فإن شرط) أحدهما (أقل منه) : أي الثمن الأول إلا إذا حدث في المبيع عيب عند المشتري فإنها تصح بالأقل (أو أكثر) أو شيئاً آخر أو أجلا (فالشرط باطل) والإقالة باقية (ويرد مثل الثمن الأول) تحقيقاً لمعنى الإقالة. (وهي) : أي الإقالة (فسخ في حق المتعاقدين) حيث أمكن جعله فسخاً، وإلا فيبطل (بيع جديد في حق غيرهما) لو بعد القبض بلفظ الإقالة، وهذا (في قول أبي حنيفة) وعند أبي يوسف بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخاً إلا أن لا يمكن فيبطل، وعند محمد هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخاً فيجعل بيعا إلا أن لا يمكن فيبطل. هداية. وفي التصحيح قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة. قلت: واختاره البرهاني والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة. اهـ. وقلنا "لو بعد القبض بلفظ الإقالة"، لأنها إذا كانت قبل القبض كانت فسخا في حق الكل في غير لعقار؛ ولو بلفظ المفاسخة أو المتاركة أو التراد لم تكن بيعاً اتفاقاً، ولو بلفظ البيع فبيع اتفاقا.
(وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة) كما لا يمنع صحة البيع (وهلاك المبيع يمنع منها) ؛ لأنه محل البيع والفسخ (فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في باقيه) ، لقيام المبيع فيه، ولو تقابضا تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما، ولا تبطل بهلاك أحدهما؛ لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقياً. هداية

(2/32)


باب المرابحة والتولية.
- المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربحٍ. والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربحٍ.
ولا تصح المرابحة ولا التولية حتى يكون العوض مما له مثلٌ.
ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز والفتل وأجرة حمل الطعام، ولكن يقول: قام علي بكذا، ولا يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب المرابحة والتولية
شروع في بيان الثمن بعد بيان المثمن.
(المرابحة) مصدر رابح، وشرعا: (نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول) ولو حكما كالقيمة, وعبر به لأنه الغالب (مع زيادة ربح والتوالية) : مصدر ولى غيره: جعله واليا، وشرعا: (نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول) ولو حكما كما مر (من غير زيادة ربح) ولا نقصان (1) .
(ولا تصح المرابحة ولا التولية حتى يكون العوض مما له مثل) ؛ لأنه إذا لم يكن له مثل فلو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة، ولو كان المشتري باع مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح دراهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم. هداية.
ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز) بالكسر - علم الثوب (والفتل وأجرة حمل الطعام) لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجارة، ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به هذا هو الأصل، وما عددنا بهذه الصفة؛ لأن الصنع وأخواته يزيد في العين، والحمل يزيد في القيمة؛ إذ القيمة تختلف باختلاف المكان. هداية.) ولكن يقول: قام علي بكذا، ولا يقول:
_________
(1) قال في الهداية إن البيعين جائزان لاستجماع شرائط الجواز والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجد القول بجوازهما ولهذا كان مبناهما على الأمانة والإحتراز عن الخيانة وعن شبهتها. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر رضي الله عنه بعيرين فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم دلني أحدهما فقال هو لك بغير شيء فقال صلى الله عليه وسلم أما بعد ثمن فلا قال في الفتح وفي التولية أحاديث لا شبهة فيها وذكرهما حديث عبد الرزاق بسنده إلى سعيد بن المسقب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به والحديث من مراسيل سعيد ولا خلاف في قبولها

(2/33)


اشتريته بكذا.
فإن اطلع المشتري على خيانةٍ في المرابحة فهو بالخيار عند أبي حنيفة: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده، وإن اطلع على خيانةٍ في التولية أسقطها المشتري من الثمن.
وقال أبو يوسف: يحط فيهما وقال محمدٍ: لا يحط فيهما.
ومن اشترى شيئاً مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اشتريته بكذا) كيلا يكون كذبا، وسوق الغنم بمنزلة الحمل، بخلاف أجرة الراعي، وكراء بيت الحفظ؛ لأنه لا يزيد في العين ولا القيمة. فتح.
(فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة) بإقرار البائع أو برهان أو نكول (فهو) . أي المشتري (بالخيار عند أبي حنيفة: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء فسخ) لفوت الرضا (وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها المشتري من الثمن) عند أبي حنيفة أيضا؛ لأنه لو لم يحط في التولية لا يبقى تولية؛ لأنه يزيد على الثمن الأول فيتغير التصرف فيتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط يبقى مرابحة وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف؛ فأمكن القول بالتخيير، فلو هلك قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة. هداية.
(وقال أبو يوسف: يحط فيهما) لأن الأصل كونه توليه ومرابحة ولهذا تنعقد بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول، إذا كان معلوما؛ فلابد من البناء على الأول، وذلك بالحط، غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال، وفي المرابحة منه ومن الربح (وقال محمد: لا يحط فيهما) ؛ لأن الاعتبار للتسمية لكونه معلوما، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب، فيكون وصفاً مرغوبا فيه كوصف السلامة؛ فيتخير بفواته. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام النسفي والبرهاني وصدر الشريعة.
(ومن اشترى شيئاً مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه) ؛ لأن فيه

(2/34)


ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لا يجوز،
ومن اشترى مكيلاً مكايلةً، أو موزوناً موازنةً، فاكتاله أو اتزنه ثم باعه مكايلةً أو موازنةً؛ لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ولا يأكله حتى يعيد الكيل والوزن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غرز انفساخ العقد على اعتبار الهلاك (ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأن ركن البيع صدر من أهله في محله، ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر، بخلاف المنقول، والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد، والحديث معلل بهذا. هداية. (وقال محمد: لا يجوز) رجوعا لإطلاق الحديث (1) واعتبارا بالمنقول. هداية. قال في التصحيح: واختار قول الإمام من ذكر قبله.
(ومن اشترى مكيلا مكايلة أو موزوناً موازنة) يعني بشرط الكيل والوزن (فاكتاله المشتري) أو اتزنه (ثم باعه مكايلة أو موازنة لم يجز للمشتري منه) أي للمشتري الثاني من المشتري الأول (أن يبيعه، ولا) أن (يأكله حتى يعيد الكيل والوزن) ؛ لاحتمال الزيادة على المشروط، وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام؛ فيجب التحرز عنه، بخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة له. هداية. ويكفي كيله من البائع
_________
(1) الحديث الذي ورد في هذا الموضوع هو أنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن بيع مالم يقبض) فأما محمد بن الحسن رحمه الله فأخذ بظاهره، وقال: إن الحديث لم يفرق بين العقار والمنقول؛ فيكون بيع كل منهما قبل قبضه منهيا عنه وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فقالا: إن العلة في هذا النهي كون المبيع قبل قبضه يعرض الهلاك فيكون العقد على شفا الانفساخ إذا تبين هلاك المبيع، ولما كان الهلاك في المنقول قريب الاحتمال والهلاك في العقار نادرا حملنا الحديث على خصوص المنقول؛ رجوعا إلى العلة التي من أجلها ورد النهي. ولم نجعل العقار مما يتناوله النهي لأن الشيء البادر لا يحفل به؛ فلا يكون له حكم الشيء المتكرر القريب الوقوع

(2/35)


والتصرف في الثمن قبل القبض جائزٌ.
ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن،
ويجوز للبائع أن يزيد في المبيع، ويجوز أن يحط من الثمن ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك.
ومن باع بثمنٍ حالٍ ثم أجله أجلاً معلوماً صار مؤجلاً،
وكل دينٍ حالٍ إذا أجله صاحبه صار مؤجلاً إلى القرض؛ فإن تأجيله لا يصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بحضرة المشتري بعد البيع لا قبله، فلو كيل بحضرة رجل فشراه فباعه قبل كيله لم يجز وإن اكتاله الثاني؛ لعدم كيل الأول فلم يكن قابضا. فتح.
(والتصرف في الثمن) ولو مكيلا أو موزونا، قهستاني (قبل القبض جائز) لقيام الملك، وليس فيه غرر الانفساخ بالهلاك، لعدم تعينها بالتعيين، بخلاف المبيع. هداية. وهذا في غير صرف وسلم.
(ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن) ولو من غير جنسه، في المجلس وبعده. خلاصة. بشرط قبول البائع كون المبيع قائماً (ويجوز للبائع أن يزيد في المبيع) ويلزمه دفعها إن قبلها المشتري (ويجوز) له أيضاً (أن يحط من الثمن) ولو بعد قبضه وهلاك المبيع (ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك) ؛ لأنها تلتحق بأصل العقد، وعند زفر تكون هبة مبتدأة: إن قبضها صحت، وإلا بطلت.
(ومن باع بثمن حال ثم أجله معلوما) أو مجهولا جهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحو ذلك كما مر، وقبل المديون (صار) الثمن (مؤجلا) وإن أجله إلى مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح ونزول المطر، وإلى الميسرة؛ فالتأجيل باطل والثمن حال (وكل دين حال) كثمن البياعات وبدل المستهلكات (إذا أجله صاحبه) وقبل المديون (صار مؤجلا) ؛ لأنه حقه؛ فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه، ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقاً، فكذا مؤقتاً، ولأن هذه الديون يجوز أن تثبت مؤجلة ابتداء. فجاز أن يطرأ عليها الأجل، بخلاف القرض؛ ولذلك استثناؤه فقال: إلا القرض فإن تأجيله لا يصح) ،

(2/36)


باب الربا.
- الربا محرمٌ في كل مكيلٍ أو موزونٍ، إذا بيع بجنسه متفاصلا (1) ، فالعلة فيه الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس (2) فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثلٍ جاز البيع، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه إعارة وصلة في الابتداء، حتى يصح بلفظ الإعارة، ولا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي، ومعاوضة في الانتهاء؛ فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة؛ إذ لا جبر في التبرع، وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح أيضاً؛ لأنه يصير بيع الدرهم بالدرهم نسيئة وهو رباً. وهذا بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلاناً إلى سنة حيث يلزم من ثلاثة أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي. هداية.
باب الربا
بكسر الراء مقصور على الأشهر، ويثنى ربوان - بالواو على الأصل - وقد يقال: ربيان - على التخفيف - كما في المصباح، والنسبة إليه ربوى - بالكسر - والفتح خطأ. مغرب.
(الربا) لغة: مطلق الزيادة، وشرعاً: فضل خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة، كما أشار إلى ذلك بقوله: هو (محرم في كل مكيل أو موزون) ولو غير مطعوم ومقتات ومدخر (إذا بيع بجنسه متفاضلا؛ فالعلة فيه الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس) قال في الهداية: ويقال: القدر مع الجنس، وهو أشمل. اهـ. يعني يشمل الكيل والوزن معاً (فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مثلا بمثل جاز البيع) : لوجود شرط الجواز، وهو المماثلة في المعيار (وإن
_________
(1) هو محرم قطعا بنص القرآن {لا تأكلوا الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} وهو من السبع الموبقات في الحديث الصحيح المتفق عليه.
(2) والأصل في ذلك حديث السنة إلا البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى)
وعلته عن الشافعي الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان والجنسية شرط والمساواة مخلص من الحرمة وعند مالك العلة الاقتيات والادخار فكل ما يقتات ويدخر فهو ربا وحالا فى والاستدلال والمناقشة في المطولات

(2/37)


تفاضلا لم يجز، ولا يجوز بيع الجيد بالردئ مما فيه الربا إلا مثلا بمثلٍ، فإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه حل التفاضل والنساء، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا وجدا أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، وكل شيءٍ نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلاً فهو مكيلٌ أبداً وإن ترك الناس الكيل فيه، مثل الحنطة والشعير والتمر والملح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تفاضلا) أو كان فيه نساء (لم يجز) لتحقيق الربا (ولا يجوز بيع الجيد بالردئ مما) يثبت (فيه الربا إلا مثلا بمثل) ؛ لأن الجودة إذا لاقت جنسها فيما يثبت فيه الربا لا قيمة لها. جوهرة. وقيد بما يثبت فيه الربا لإخراج ما لا يدخل تحت القدر كحفنة بحفنتين وتفاحة بتفاحتين وفلس بفلسين وذرة من ذهب وفضة مما لا يدخل تحت الوزن بمثليها بأعيانهما؛ فإنه يجوز التفاضل لفقد القدر، ويحرم النساء لوجود الجنس، فلو اكتفى الجنس أيضاً حل مطلقاً؛ لعدم العلة (فإذا عدم الوصفان) أي الجنس والمعنى المضموم إليه) من الكيل أو الوزن (حل التفاضل والنساء) بالمد لا غير - التأخير، مغرب لعدم العلة المحرمة، والأصل فيه الإباحة هداية، (وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء) لوجود العلة (وإن وجدا أحدهما) : أي القدر وحده، أو الجنس وحده (وعدم الآخر حل التفاضل، وحرم النساء) ولو مع التساوي، واستثنى في المجمع والدار إسلام النقود في موزون؛ لئلا ينسد أكثر أبواب السلم؛ وحرر شيخنا تبعاً لغيره أن المراد بالقدر المحرم القدر المتفق؛ بخلاف النقود المقدرة بالصنجات مع المقدرة بالأمنان والأرطال (وكل شيء نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا) ؛ أي (وإن ترك الناس الكيل فيه؛ مثل) الأشياء الأربعة المنصوص عليها (الحنطة والشعير والثمن والملح) . لأن النص أقوى من العرف، والأقوى لا يترك

(2/38)


وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزناً فهو موزونٌ أبداً، مثل الذهب والفضة، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس.
وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس، وما سواه مما فيه الربا يعتبر فيه التعيين، ولا يعتبر فيه التقابض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالأدنى، فلو باع شيئاً من هذه الأربعة بجنسها متساوياً وزناً لا يجوز وإن تعورف ذلك، لعدم تحقق المساواة فيما هو مقدور فيه وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزناً فهو موزون أبداً) : أي وإن ترك الناس الوزن فيه (مثل) الإثنين الآخرين (الذهب والفضة) فلو باع أحدهما بجنسه متساوياً كيلا لا يجوز وإن تعورف؛ كما مر (وما لم ينص عليه) كغير الأشياء الستة المذكورة (فهو محلول على عادات الناس) ، لأنها دلالة ظاهرة، وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً، لأن النص على ذلك لمكان العادة، وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة: إنه لا حيلة فيه إلا لتمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف، لكن ذكر شارحها العارف سيدي عبد الغني ما حاصله: أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن لقول: إذا كان الذهب والفضة مضروبين فذكر العدد كتابة عن الوزن اصطلاحا، لأن لهما وزناً مخصوصا، ولذا نقش وضبط؛ والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار. اهـ. وتمامه هناك.
(وعقد الصرف) وهو (ما وقع على جنس الأثمان) من ذهب، وفضة (يعتبر) : أي يشترط (فيه) : أي في صحته (قبض عوضيه في المجلس) : أي قبل الافتراق بالأبدان، وإن اختلف المجلس، حتى لو عقدا عقد الصرف ومشيا فرسخاً ثم تقابضا وافترقا صح فتح (وما سواه) : أي سوى جنس الأثمان (مما) يثبت (فيه الربا يعتبر فيه التعيين، ولا يعتبر) : أي لا يشترط (فيه التقابض) لتعينه، لأن غير الأثمان يتعين

(2/39)


ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق.
ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لا يجوز، إلا أن يكون اللحم الذي في الحيوان أقل مما هو المعقود عليه، ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلاً بمثلٍ والعنب بالزبيب،
ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالتعيين (ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق) من الحنطة (ولا بالسويق) منها، وهو المجروش، ولا بيع الدقيق بالسويق، ولا الحنطة المقلية بغيرها؛ بوجه من الوجوه، لعدم التسوية، لأن المعيار في كل من الحنطة والدقيق والسويق الكيل، وهو لا يوجب التسوية بينهما، لأنها - بعارض التكسير - صارت أجزاؤها متكثرة في الكيل، والقمح ليس كذلك، فلا تتحقق المساواة؛ فيصير كسبع الجزاف، ويجوز بيع الدقيق بالدقيق والسويق بالسويق إذا تساويا نعومة وكيلا.
(ويجوز بيع اللحم بالحيوان) ولو من جنسه (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ، لأنه بيع الموزون بما ليس بموزون، فيجوز كيف كان بشرط التعيين لاتحاد الجنس. وشرط محمد زيادة اللحم؛ ليكون الزائد بمقابلة السقط؛ كالزيت بالزيتون قال في التصحيح: وشرط محمد زيادة اللحم؛ ليكون الزائد بمقابلة السقط؛ كالزيت بالزيتون قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، ومشى عليه النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة (ويجوز بيع الرطب بالتمر) وبالرطب (مثلا بمثل) كيلا عند أبي حنيفة، لأن الرطب تمر، وبيع التمر بمثله جائز، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: وقالا لا يجوز، والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده النسفي، والمحبوبي وصدر الشريعة (و) يجوز بيع (العنب بالزبيب) وكذا كل ثمرة تجف كتين ونحوه: يباع رطبها برطبها وبيابسها؛ قال في العناية: كل تفاوت خلقي كالرطب والتمر والجيد والردئ فهو ساقط الاعتبار، وكل تفاوت بصنع العباد كالحنطة بالدقيق والحنطة المقلية بغيرها يفسد. اهـ (ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم) بكسر السينين (بالشيرج) ويقال له حل، بالمهملة (حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم

(2/40)


بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم، فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير، ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعضٍ متفاضلاً، وكذلك ألباني البقر والغنم، وخل الدقل بخل العنب، ويجوز بيع الخبز بالحنطة والدقيق متفاضلاً.
ولا رباً بين المولى وعبده، ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير) بفتح المثلثة وبكسر الجيم - النقل. وكذا كل ما لتفله قيمة كجوز بدهنه ولبن بسمنه (ويجوز بيع اللحمان) بضم اللام - جمع لحم. مصباح (المختلفة بعضها ببعض متفضلا) والمراد لحم البقر والإبل والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز والضأن، والعراب والبخاتي. هداية. (وكذلك ألبان البقر والغنم، وخل الدقل) بفتحتين - ردئ التمر (بخل العنب) متفاضلا، للاختلاف في الأصول؛ وكذا في الأجزاء باختلاف الأجزاء والمقاصد (ويجوز بيع الخبر) ولو من البر (بالحنطة والدقيق متفاضلا) لأن الخبز صار عدديا أو موزونا، والحنطة مكيلة، وعن أبي حنيفة: لا خير فيه، والفتوى على الأول، ولا خير في استقراضه عدداً أو وزنا عند أبي حنيفة، لأنه يتفاوت بالخبز والخباز والتنور والتقدم والتأخر. وعند محمد: يجوز بهما؛ للتعامل. وعند أبي يوسف: يجوز وزناً، ولا يجوز عدداً؛ للتفاوت في آحاده. هداية قال في الدر: والفتوى على قول محمد. ابن ملك، واختاره في الاختيار؛ واستحسنه الكمال، واختاره المصنف تيسيراً. اهـ. باختصار.
(ولا ربا بين المولى وعبده) : لأن العبد وما في يده ملك لمولاه فلا يتحقق الربا، (ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب) ، لأن مالهم مباح في دارهم؛ فبأي طريق أخذه المسلم مالا مباحاً إذا لم يكن فيه غدر. بخلاف المستأمن منهم، لأن ماله صار محظوراً بعقد الأمان. هداية

(2/41)


باب السلم.
- السلم جائزٌ (1) في المكيلات والموزونات والمعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض، وفي المذروعات، ولا يجوز السلم في الحيوان، ولا في أطرافه، ولا في الجلود عدداً، ولا في الحطب حزماً، ولا في الرطبة جرزاً.
ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجوداً من حين العقد إلى حين المحل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب السلم
(السلم) لغة: السلف، وزناً ومعنى، وشرعاً؛ بيع آجل بعاجل. وركنه ركن البيع؛ ويسمى صاحب الثمن رب السلم، واآخر المسلم إليه، والمبيع المسلم فيه.
وهو (جائز في) الذي يمكن ضبط صفته كجودته ورداءته ومعرفة مقداره، بالكيل في (المكيلات، و) الوزن في (الموزونات، و) العد في (المعدودات التي لا تتفاوت) آحادها (كالجوز والبيض) ونحوهما (و) كذا يجوز (في المذروعات) ، لا مكان ضبطها بذكر الذراع والصفة والصنعة، ولابد منها لترتفع الجهالة فيتحقق شرط صحة السلم. هداية (ولا يجوز السلم في الحيوان) للتفاوت في المالية باعتبار المعاني الباطنة (ولا في أطرافه) كالرءوس والأكارع (ولا في الجلود عدداً) ، لأنها لا تضبط بالصفة ولا توزن عادة، ولكنها تباع عدداً، وهي عددى متفاوت (ولا في الحطب حزماً ولا في الرطبة جرزاً) للتفاوت، إلا إذا عرف ذلك بأن يبين طول ما يشد به الحزمة أنه شبر أو ذراع، فحينئذ يجوز إذا كان على وجه لا تتفاوت. هداية.
(ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل) حتى لو كان منقطعا~ً عند العقد موجوداً عند المحل، أو على العكس، أو منقطعاً فيما
_________
(1) وجوازه بالكتاب وهو آية المداينة على ما قال ابن عباس أشهر أن السلفا المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في الكتاب وأذن فيه قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} الآية وبالسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وقال كثير من الحنفية أنه على خلاف القياس لأنه بيع المعدوم

(2/42)


ولا يصح السلم إلا مؤجلا، ولا يجوز إلا بأجلٍ معلومٍ، ولا يجوز السلم بمكيال رجلٍ بعينه، ولا بذراع رجلٍ بعينه، ولا في طعام قريةٍ بعينها، ولا في ثمرة نخلةٍ بعينها.
ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط تذكر في العقد: جنسٍ معلومٍ، ونوعٍ معلومٍ، وصفةٍ معلومةٍ، ومقدارٍ معلومٍ، وأجلٍ معلومٍ، ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان مما يتعلق العقد على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بين ذلك - لا يجوز. هداية. ولو انقطع بعد الاستحقاق خير رب السلم بين انتظار وجوده والفسخ وأخذ رأس ماله. در (ولا يصح السلم إلا مؤجلا) ، لأنه شرع رخصة دفعاً لحاجة المفاليس، ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص والأجل أدناه شهر، وقيل: ثلاثة أيام؛ وقيل: أكثر من نصف يوم؛ والأول أصح. هداية (ولا يصح إلا بأجل معلوم) ؛ لأن الجهالة فيه مفضية إلى المنازعة كما في البيع (ولا يصح السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه) إذا لم يعرف مقداره؛ لأنه يتأخر فيه التسليم فربما يضيع فيؤدي إلى المنازعة. ولابد من أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالصاع مثلا؛ فإن كان مما يتكلبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز للمنازعة، إلا في قرب الماء التعامل فيه، كذا عن أبي يوسف. هداية (ولا في طعام قرية بعينها أو تمرة بعينها) ؛ لأنه ربما يعتريه آفة فتنتفي قدرة التسليم، إلا أن تكون النسبة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج، فتنبه.
(ولا يصح التسليم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط تذكر في العقد) وهي: (جنس معلوم) كحنطة أو شعير (ونوع معلوم) كحوراني أو بلدي (وصفة معلومة) كجيد أو ردئ (ومقدار معلوم) ككذا كيلا أو وزناً (وأجل معلوم) وتقدم أن أدناه شهر (ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان) رأس المال (مما يتعلق العقد على) معرفة

(2/43)


قدره، كالمكيل والموزون والمعدود، وتسمية المكان الذي يوافيه فيه إذا كان له حملٌ ومؤنةٌ.
وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معيناً ولا إلى مكان التسليم، ويسلمه في موضع العقد.
ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه.
ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا في المسلم فيه قبل قبضه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قدره) وذلك (كالمكيل والموزون والمعدود) بخلاف الثوب والحيوان فإنه يصير معلوما بالإشارة اتفاقا (و) السابع (تسمية المكان الذي يوافيه فيه إذا كان له) : أي المسلم فيه (حمل ومؤنة) وأما ما لا حمل له ولا مؤنة فلا، ويسلمه حيث لقيه.
(وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معيناً) بالإشارة إليه، لأن المقصود يحصل بالإشارة فأشبه الثمن والأجرة وصار كالثوب (ولا) يحتاج أيضاً (إلى) تعيين (مكان التسليم) وإن كان له حمل ومؤنة (ويسلمه في موضع العقد) لتعينه للإيفاء؛ لوجود العقد فيه الموجب للتسليم فيه، ما لم يصرفاه باشتراط مكان غيره. فتح. قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام النسفي وبرهان الشريعة والمحبوبي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي. اهـ. قال الإسبيجاني في شرحه: وههنا شروط أخر أغمض عنها صاحب الكتاب، وهو: أن لا يشتمل البدلان على أحد وصفي علة الربا؛ لأنه يتضمن ربا النساء فيكون فاسدا، وأن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعين، حتى لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير، وأن يكون العقد باتا ليس فيه خيار شرط لهما أو لأحدهما. اهـ. وتقدم في الربا أن القدر المحرم إنما هو القدر المتفق عليه، فتنبه.
(ولا يصح السلم حتى يقبضه) المسلم إليه (رأس المال قبل أن يفارقه) رب السلم ببدنة، وإن ناما في مجلسهما أو أغمي عليهما أو سارا زماناً لم يبطل كما يأتي في الصرف.
(ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا في السلم فيه قبل قبضه) أما الأولى

(2/44)


ولا تجوز الشركة ولا التولية في المسلم فيه قبل قبضه.
ويجوز السلم في الثياب إذا سمى طولاً وعرضاً ورقعةً، ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز، ولا بأس في السلم في اللبن والآجر إذا سمى ملبناً معلوماً.
وكل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا يمكن ضبط صفته، ولا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد، وأما الثاني فلأن المسلم فيه مبيع والتصرف قبل القبض لا يجوز. هداية. (ولا تجوز الشركة ولا التولية) ولا المرابحة ولا الوضعية (في المسلم فيه قبل قبضه) ؛ لأنه تصرف فيه قبل قبضه.
(ويجوز السلم في الثياب) والبسط ونحوهما (إذا سمى طولا وعرضا ورقعة) بالقاف كبقعة وزناً ومعنى - قال في المغرب: يقال رقعة هذا الثوب جيدة، يراد غلظه وثخانته مجازاً. اهـ. لأنه أسلم في معلوم مقدور التسليم. هداية. (ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز) ؛ لأن آحادها تتفاوت فاحشاً، حتى لو كانت اللآلئ صغاراً تباع بالوزن يصح السلم فيها (ولا بأس في السلم باللبن) بكسر الباء - الطوب الغير المحرق (والآجر) الطوب المحرق (إذا سمى ملبناً) بكسر الباء (معلوماً) ؛ لأنه عددي يمكن ضبطه، وإنما يصير معلوما إذا ذكر طوله وعرضه وسمكه.
(و) الأصل في ذلك أنه (كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره) بكيل أو وزن أو عدد في متحد الآحاد (جاز السلم فيه) ، لأنه لا يفضي إلى المنازعة (وما لا تضبط صفته ولا يعرف مقداره) لكونه غير مكيل وموزون وآحاده متفاوتة (لا يجوز السلم فيه) لأنه مجهول يفضي إلى المنازعة

(2/45)


ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع، ولا يجوز بيع الخمر والخنزير، ولا يجوز بيع دود القز إلا أن يكون مع القز، ولا النحل إلا مع الكوارات.
وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين إلا في الخمر والخنزير خاصةً، فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويجوز بيع الكلب) ولو عقواراً (والفهد) والقرد (و) سائر (السباع) سوى الخنزير؛ للانتفاع بها وبجلدها، والتمسخر بالقرد - وإن كان حراما - لا يمنع بيعه، بل يكرهه كبيع العصير. در شرح الوهبانية (ولا يجوز بيع الخمر والخنزير) لنجاستهما وعدم حل الانتفاع بهما (ولا يجوز بيع دود القز إلا أن يكون مع القز) قال في الينابيع: المذكور إنما هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقوله "إلا أن يكون مع القز" يريد أن يظهر فيه القز. وقال محمد: يجوز كيف كان. اهـ. قال في الخلاصة: وفي بيع دود القز الفتوى على قول محمد إنه يجوز، وأما بيع بزر القز فجائز عندهما وعليه الفتوى، وكذا قال الصدر الشهيد في واقعاته، وتبعه النسفي، وكذا في المحيط. كذا في التصحيح (ولا) بيع (النحل) إلا مع الكوارات. قال الإسبيجاني: وعن محمد أنه يجوز إذا كان مجموعا، والصحيح جواب ظاهر الرواية؛ لأنه من الهوام، وقال في الينابيع: ولا يجوز بيع النحل، وعن محمد أنه يجوز بشرط أن يكون محرزاً، وإن كان مع الكوارات أو مع العسل جاز بالإجماع، وبقولهما أخذ قاضيخان والمحبوبي والنسفي. تصحيح.
(وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين) لأنهم مكلفون محتاجون كالمسلمين (إلا في الخمر والخنزير خاصة) ومثله الميتة بخنق أو ذبح نحو مجوسي (فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير) والميتة (كعقد المسلم على الشاة) لأنها أموال في اعتقادهم، ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون. هداية

(2/46)