اللباب
في شرح الكتاب كتاب الرهن.
- الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول، ويتم بالقبض، فإذا قبض المرتهن الرهن
محوزاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الرهن
مناسبته للبيع ظاهرة، لأن الغالب أنه يكون بعده.
(الرهن) لغةً: الحبس (1) ، وشرعاً: حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه، و
(ينعقد بالإيجاب والقبول) اعتباراً بسائر العقود، غير أنه لا يتم بمجرد ذلك
(و) إنما (يتم) ويلزم (بالقبض) وهذا إشارة إلى أن القبض شرط لزومه كما في
الهبة، وهو خلاف ما صححه في المجتبى من "أنه شرط الجواز، قال في الهداية:
ثم يكتفى به بالتخلية في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه لا يثبت في
المنقول إلا بالنقل، والأول أصح، اهـ. (فإذا قبض المرتهن الرهن) حال كونه
(محوزاً) : أي مجموعا، احترز به عن المتفرق، كالثمر على رؤوس النخل والزرع
في الأرض بدون النخل والأرض، كما في المجتبى (مفرغاً) : أي غير مشغول بحق
الراهن، احترازاً عن النخل المشغول بالثمرة والأرض المشغولة بالزرع بدون
الثمر والزرع (مميزاً) : أي غير مشاع كما في المجتبى وغاية البيان، وهذه
المعاني هي المناسبة لهذه الألفاظ، لا ما قيل: إن الأول احتراز عن المشاع،
والثالث عن الثمر على الشجر دون الشجر، كما لا يخفى على أهل النظر. كذا في
الدرر
_________
(1) وفي القرآن الكريم {كل نفس بما كسبت رهينة} أي محبوسة، وقد يطلق الرهن
لغة على نفس الشيء المرهون من باب تسمية المفعول بالمصدر
(2/54)
مفرغاً مميزاً تم العقد فيه، وما لم يقبضه
فالراهن بالخيار: إن شاء سلمه، وإن شاء رجع عن الرهن، فإذا سلمه إليه وقبضه
دخل في ضمانه، ولا يصح الرهن إلا بدين مضمونٍ، وهو مضمونٌ بالأقل من قيمته
ومن الدين، فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته والدين سواءٌ صار المرتهن
مستوفياً لدينه حكماً، وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين فالفضل أمانة في
يده، وإن كانت أقل سقط من الدين بقدرها ورجع المرتهن بالفضل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(تم العقد فيه (1)) ولزم، لحصول الشرط.
(وما لم يقبضه) المرتهن (فالراهن بالخيار: إن شاء سلمه، وإن شاء رجع عن
الرهن) كما في الهبة (فإذا سلمه إليه) : أي إلى المرتهن (وقبضه دخل في
ضمانه) لتمامه بالقبض.
(ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون) لأنه شرع استيثاقا للدين، والاستيثاق فيما
ليس بمضمون لغوٌ.
(وهو) : أي الرهن الذي دخل في ضمانه (مضمون بالأقل) : أي بما هو أقل (من
قيمته ومن الدين) فإن كان الدين أقل من القيمة فهو مضمون بالدين، وإن كانت
القيمة أقل من الدين فهو مضمون بالقيمة، فتكون "من" لبيان الأقل الذي هو
القيمة تارة والدين أخرى، صدر الشريعة (فإذا هلك) الرهن (في يد المرتهن
وقيمته) يوم الرهن (والدين سواء صار المرتهن مستوفياً لدينه حكماً) لتعلق
قيمة الرهن بذمته، وهي مثل دينه الذي على الراهن، فتقاصا (و) كذلك (إن كانت
قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة في يده) : أي غير مضمون، ما لم يتعد، قنية
(وإن كانت) القيمة (أقل سقط من الدين بقدرها ورجع المرتهن بالفضل) على
الراهن؛ لأن الاستيفاء بقدر المالية.
_________
(1) وعند مالك رضي الله عنه يتم الرهن ويلزم بمجرد العقد، ويؤيد ما ذهبنا
إليه قوله تعالى {فرهن مقبوضة} فقد علقه سبحانه بالقبض فلا يتم إلا به
(2/55)
ولا يجوز رهن المشاع، ولا رهن ثمرةٍ على
رؤوس النخل دون النخل، ولا زرعٍ في الأرض دون الأرض، ولا يجوز رهن الأرض
والنخل دونهما، ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والمضاربات ومال الشركة،
ويصح الرهن برأس مال السلم وثمن الصرف والمسلم فيه، فإن هلك في مجلس العقد
تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفياً لدينه.
وإذا اتفقا على وضع الرهن على يد عدلٍ جاز، وليس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يجوز رهن المشاع) سواء كان يحتمل القسمة أو لا، من شريكه أو غيره، ثم
الصحيح أنه فاسد يضمن بالقبض، كما في الدر (ولا) يجوز (رهن ثمرة على رؤوس
النخل دون النخل، ولا) رهن (زرع في أرض دون الأرض) ؛ لما مر من أنه غير
محوز، ولأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقةً؛ فكان المعنى المشاع، (و)
كذا (لا يجوز) العكس، وهو (رهن النخل والأرض دونهما) أي الثمر والزرع؛ لأن
الاتصال من الطرفين (ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والمضاربات ومال
الشركة) ؛ لكونها غير مضمونة، فللراهن أن يأخذه، ولو هلك في يد المرتهن قبل
الطلب هلك بلا شيء، كما في صدر الشريعة (ويصح الرهن برأس مال السلم، وثمن
الصرف، والمسلم فيه) ؛ لأن المقصود ضمان المال، والمجانسة ثابتة في
المالية، فيثبت الاستيفاء (فإن هلك) أي الرهن بثمن الصرف والسلم (في مجلس
العقد) : أي قبل الافتراق (ثم الصرف والسلم، وصار المرتهن مستوفياً لدينه)
حكماً؛ لتحقق القبض، وإن افترقا قبل هلاك الرهن بطلا؛ لفوات القبض حقيقة
وحكماً، وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه، لأنه يصير مستوفياً
للمسلم فيه؛ فلم يبق السلم؛ ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك
رهناً برأس المال؛ لأنه بدله.
(وإذا اتفقا) : أي الراهن والمرتهن (على وضع الرهن على يد عدل) سمى به
لعدالته في زعمهما (جاز) ؛ لأن المرتهن رضي بإسقاط حقه (وليس
(2/56)
للمرتهن ولا للراهن أهذه من يده، فإن هلك
في يده هلك من ضمان المرتهن.
ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، فإن رهنت بجنسها وهلكت هلكت
بمثلها من الدين، وإن اختلفا في الجودة والصناعة.
ومن كان له دينٌ على غيره فأخذ منه مثل دينه فأنفقه ثم علم أنه كان زيوفاً
فلا شيء له عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يرد مثل الزبوف ويرجع
بالجياد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للمرتهن ولا للراهن أخذه من يده) ؛ لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده وأمانته،
وتعلق حق المرتهن به استيفاء، فلا يملك أحدهما إبطال حق الآخر (فإن هلك)
الرهن (في يده) : أي العدل (هلك من ضمان المرتهن) ؛ لأن يده في حق المالية
يد المرتهن، وهي مضمونة. هداية.
(ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون) لأنها محل للاستيفاء (فإن
رهنت) المذكورات (بجنسها وهلكت هلكت بمثلها من الدين، وإن اختلفا) : أي
الرهن والدين (في الجودة والصناعة) ؛ لأنه لا عبرة بالجودة عند المقابلة
بالجنس، وهذا عند الإمام، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسها، وإن رهنت
بخلاف جنسها هلكت بقيمتها كسائر الأموال.
(ومن كان له دين على غيره فأخذ منه مثل دينه فأنفقه) على زعم أنه جياد (ثم
علم) بعد ما أنفقه (أنه كان زيوفاً فلا شيء له عند أبي حنيفة) لأنه وصل
إليه مثل حقه قدراً، والدراهم لا تخلو عن زيف، والجودة لا قيمة لها (وقال
أبو يوسف ومحمد: يرد مثل الزيوف ويرجع بالجياد) اعتباراً للمعادلة، قال
الإسبيجاني: وذكر في الجامع الصغير قول محمد مع أبي حنيفة، وهو الصحيح،
واعتمده النسفي، لكن قال فخر الإسلام: قولهما قياس، وقول أبي يوسف استحسان
(2/57)
ومن رهن عبدين بألف درهمٍ فقضى حصة أحدهما
لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين.
وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين
فالوكالة جائزةٌ، فإن شرطت في عقد الرهن فليس للراهن عزله عنها، فإن عزله
لم ينعزل، وإن مات الراهن لم ينعزل.
وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به،
وإن كان الرهن في يده فليس عليه أن يمكنه من بيعه حتى يقضيه الدين من ثمنه،
فإن قضاه الدين قيل له: سلم الرهن إليه، وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن
المرتهن فالبيع موقوفٌ، فإن أجازه المرتهن جاز، وإن قضاه الراهن دينه جاز
البيع، وإن أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه، فإن كان الدين حالاً طولب
بأداء الدين، وإن كان مؤجلاً أخذ منه قيمة العبد فجعلت رهناً مكانه حتى يحل
الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقال في العيون: ما قاله أبو يوسف حسن وأدفع للضرر فاخترناه للفتوى، تصحيح.
(ومن رهن عبدين) جملة (بألف درهم) مثلا، ولم يسم لكل واحد قدراً من المال
(فقضى حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين) ؛ لأن الرهن
محبوس بكل الدين؛ فيكون محبوساً بكل جزء من أجزائه، مبالغة في حمله على
قضائه، فإن سمى لكل واحد منهما شيئا وقضاه كان له أن يقبضه على الأصح، كما
في الدر.
(وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل) الذي وضع الرهن على يديه (أو غيرهما)
كالأجنبي (ببيع الرهن عند حلول الدين فالوكالة جائزة) ؛ لأنه توكيل ببيع
ماله (فإن شرطت) الوكالة (في عقد الرهن فليس للراهن عزله عنها، فإن عزله لم
ينعزل) ؛ لأنها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صارت وصفا من أوصافه وحقاً من
حقوقه، ولو وكله بالبيع مطلقاً ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه؛ لأنه
لازم بأصله فكذا بوصفه، وكذا إذا عزله المرتهن لم ينعزل، لأنه لم يوكله،
وإنما وكله غيره، هداية (و) كذا (إن مات الراهن) أو المرتهن (لم ينعزل) فهي
تخالف الوكالة المفردة من وجوه: منها ما تقدم، ومنها أن الوكيل هنا يجبر
على البيع عند الامتناع؛ ومنها أنه يملك بيع الولد والأرش، ومنها إذا باع
بخلاف جنس الدين كان له أن يضرفه إلى جنسه.
(وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه) إذا حل الأجل؛ لأن الرهن وثيقة فلا يمنع
المطالبة كالكفالة (ويحبسه به) إذا مطله لظلمه؛ لأن الحبس جزاء
(2/58)
وإن كان الراهن معسراً استسعى العبد في
قيمته فقضى بها دينه، وكذلك إذا استهلك الراهن الرهن، وإن استهلكه أجنبيٌ
فالمرتهن هو الخصم في تضمينه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حق المرتهن من الوثيقة - ولا يمكن استدراك حقه إلا بالتضمين - لزمت قيمته
فكانت رهنا مكانه، فإذا حل الدين اقتضاه بحقه إذا كان من جنس حقه ورد
الفضل.
(وإن كان الراهن معسرا استسعى) بالبناء للمفعول (العبد في) الأقل من
(قيمته) ومن الدين (فقضى به دينه) ؛ لأنه لما تعذر الوصول إلى حقه من جهة
المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه - وهو العبد - لأن الخراج بالضمان (1) ، ثم
يرجع بما يسعى على مولاه إذا أيسر؛ لأنه قضى دينه وهو مضطر فيه. هداية
(وكذلك) الحكم (إذا استهلك الراهن الرهن) : أي كالحكم المار في إعتاق
الراهن العبد المرهون، إلا في السعاية؛ لاستحالة سعاية المستهلك (وإن
استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه) لأنه أحق بعين الرهن حال
قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك قيمته يوم
هلك
_________
(1) "الخراج بالضمان" هذه قاعدة من قواعد الفقه تجري في أبواب كثيرة،
ومعناها أن الغرم بالغنم، والمراد أن من يكون له أن يغنم بمقتضى تصرف من
التصرفات فعليه أن يغرم ما يقتضيه هذا التصرف من المغارم، وإنما لزمت العبد
السعاية لأن الدين متعلق برقبته، وقد صارت رقبته بمقتضى هذا العتق سالمة
له، فهذا هو الغنم الذي ترتب على تصرف الراهن بالعتق وقد تعذر استيفاء
الدين من الرهن الذي هو العبد لأنه لا يصح بيعه، فكان عليه أن يغرمه، وإنما
قلنا "يستسعى العبد في الأقل من قيمته ومن الدين"، لأنه لا يخلو من أن يكون
الدين أقل من قيمته أو أكثر منها، فإن كان الدين أقل من القيمة فإن مولى
العبد الذي أعتقه - وهو الراهن - ما كان يجب عليه أن يؤدي للمرتهن إلا
الدين فكذا العبد، وإن كان الدين أكثر من قيمة العبد فإنا لا نلزمه
بالزيادة؛ لأنه إنما سلمت له رقبته وهي لا تساوي إلا القيمة، فلكي يكون
الغرم على قدر الغنم لا تكلفه الزيادة: هذا كله إذا أعتقه الراهن بغير إذن
المرتهن، فإن أعتقه بإذنه فلا سعاية على العبد
(2/59)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الظلم، فإذا ظهر ظلمه حبسه القاضي به وإن كان به رهن (وإن كان الرهن في
يده) : أي يد المرتهن (فليس عليه أن يمكنه من بيعه) : أي الرهن (حتى) أي
لأجل أن (يقضيه الدين من ثمنه) لأن حكم الرهن الحبس الدائم إلى قضاء الدين
لأجل الوثيقة، وهذا يؤدي إلى إبطاله (فإذا قضاه الدين قيل له) أي للمرتهن:
(سلم الرهن إليه) أي إلى الراهن، لزوال المانع من التسليم - وهو الدين -
فإن هلك في يده قبل أن يرده هلك بالدين؛ لأنه صار مستوفياً عند الهلاك
بالقبض السابق، فيكون الثاني استيفاء ثانياً فيجب رده، جوهرة (وإذا باع
الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف) لتعلق حق الغير به (فإن أجازه
المرتهن جاز البيع) وصار ثمنه رهنا مكانه، لأن البدل له حكم المبدل (وإن
قضاه الرهن دينه جاز البيع) أيضا؛ لزوال المانع من النفوذ، وإلا بقي
موقوفا، وكان المشتري بالخيار: إن شاء صبر إلى فك الرهن، أو رفع الأمر إلى
القاضي ليفسخ البيع (وإن أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه) وخرج من الرهن؛
لأنه صار حرا (فإن كان الدين حالا) والراهن موسرا (طولب بأداء الدين) ؛
لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين فلا تحصل فائدة (وإن كان
مؤجلا أخذ منه قيمة العبد فجعلت رهنا مكانه حتى يحل الدين) وذلك لأنه لما
بطل
(2/60)
ويأخذ القيمة فتكون رهناً في يده،
وجناية الراهن على الرهن مضمونةٌ، وجناية المرتهن عليه تسقط من دينه
بقدرها، وجناية الرهن على الراهن وعلى المرتهن وعلى مالهما هدرٌ.
وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وأجرة الراعي ونفقة الرهن
على الراهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويأخذ) المرتهن (القيمة فتكون رهنا في يده) ؛ لأنها قائمة مقام العين.
(وجناية الراهن على الرهن مضمونة) لأنها تفويت حق لازم محترم، وتعلق مثله
بالمال يجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان (وجناية المرتهن عليه) أي الرهن
(تسقط من الدين بقدرها) : أي الجناية: لأنه أتلف ملك غيره فلزمه ضمانه،
وإذا لزمه وقد حل الدين سقط بقدره، وهذا إذا كان الدين من جنس الضمان، وإلا
لم يسقط منه شيء، والجناية على المرتهن، وللمرتهن أن يستوفي دينه (وجناية
الرهن على الراهن وعلى المرتهن وعلى مالهما هدرٌ) : أما كون جنايته على
الرهن هدراً فلأنها جناية المملوك على مالكه، وهي فيما يوجب المال هدر؛
لأنه المستحق، وأما كون جنايته على المرتهن هدراً فلأن هذه الجناية لو
اعتبرناها للمرتهن كان عليه نظيرها لأنها حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب
الضمان مع وجوب التخلص عليه. درر. والمراد بالجناية على النفس ما يوجب
المال، وأما ما يوجب القصاص فهو معتبر بالإجماع، نهاية.
(وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن) وأجرة حافظه (على المرتهن) ؛ لأنه مؤنة
الحفظ وهي عليه (وأجرة الراعي) لو الرهن حيواناً (ونفقة الرهن) لو إنساناً
وعشره أو خراجه لو ضياعا (على الراهن) والأصل فيه: أن كل ما يحتاج إليه
لمصلحة الرهن
(2/61)
ونماؤه للراهن، فيكون رهناً مع الأصل، فإن
هلك هلك بغير شيء وإن هلك الأصل وبقي النماء افتكه الراهن بحصته، ويقسم
الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك، فما أصاب الأصل
سقط من الدين، وما أصاب النماء افتكه الراهن به.
وتجوز الزيادة في الرهن، ولا تجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بنفسه وتبقيته فعلى الراهن، لأنه ملكه. وكل ما كان لحفظه فعلى المرتهن، لأن
حبسه له (ونماؤه) : أي الرهن، كالولد والثمر واللبن والصوف (للراهن) ؛ لأنه
نماء ملكه (فيكون رهنا مع الأصل) ؛ لأنه تبع له لكونه متولدا منه، بخلاف ما
هو بدل عن المنفعة كالكسب والأجرة، وكذا الهبة والصدقة فإنها غير داخلة في
الرهن، وتكون للراهن، والأصل: أن كل ما يتولد من عين الرهن يسري إليه حكم
الرهن، وما لا فلا، مجمع الفتاوى (فإن هلك) النماء (هلك بغير شيء) لأن
الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل، لأنها لم تدخل تحت العقد مقصوداً، إذ
اللفظ لا يتناولها (وإن هلك الأصل وبقي النماء افتكه الراهن بحصته) من
الدين لأنه صار مقصودا بالفكاك، والتبع يقابله حصة إذا كان مقصودا، وحينئذ
(يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض) ؛ لأنه يصير مضموناً بالقبض (وقيمة
النماء يوم الفكاك) ، لأنها تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته (فما
أصاب الأصل سقط من الدين) بقدره؛ لأنه يقابله الأصل مقصوداً (وما أصاب
النماء افتكه الراهن به) : أي بما أصابه، كما لو كان الدين عشرة، وقيمة
الأصل يوم القبض عشرة، وقيمة النماء يوم الفك خمسة، فثلثا العشرة حصة الأصل
فيسقط، وثلث العشرة حصة النماء فيفك به.
(وتجوز الزيادة في الرهن) كأن يرهن ثوباً بعشرة ثم يزيد الراهن ثوباً آخر
ليكون مع الأول رهناً بالعشرة، وتعتبر قيمتها يوم القبض أيضا (ولا تجوز)
(2/62)
في الدين عند أبي حنيفة ومحمدٍ، ولا يصير
الرهن رهناً بهما، وقال أبو يوسف: تجوز الزيادة في الدين أيضاً، وإذا رهن
عيناً واحدةً عند رجلين بدينٍ لكل واحد منهما جاز وجميعها رهنٌ عند كل
واحدٍ منهما؛ والمضمون على كل واحدٍ منهما حصة دينه منها، فإن قضى أحدهما
دينه كانت كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الزيادة (في الدين عند أبي حنيفة ومحمد) كأن يقول: أقرضني خمسة أخرى على أن
يكون الثوب الذي عندك رهناً بخمسة عشر؛ فلا يلتحق بأصل العقد (ولا يصير
الرهن رهنا بهما) ؛ لأن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير
مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة
الرهن؛ هداية (وقال أبو يوسف: تجوز الزيادة في الدين أيضا) قال في التصحيح:
واعتمد قولهما النسفي وبرهان الأئمة المحبوبي كما هو الرسم.
(وإذا رهن عينا واحدة عند رجلين) ولو غير شريكين (بدين لكل واحد منهما جاز،
وجميعها رهن عند كل واحد منهما) ؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين بصفقة
واحدة، ولا شيوع فيه، وموجبه الحبس بالدين، وهو لا يتجزأ، فصار محبوساً بكل
منهما، بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة لأن المقصود منها
الملك، والعين الواحدة لا يتصور كونها ملكا لكل منهما كملاً فلابد من
الانقسام، وهو ينافي المقصود، درر، ثم إن تهايآ (1) فكل واحد منهما في
نوبته كالعدل في حق الآخر، وهذا إذا كان مما لا يتجزأ، وإلا فعلى كل حبس
النصف، فلو دفع له كله ضمنه عنده، خلافا لهما، وأصله مسألة الوديعة. در عن
الزيلعي (والمضمون على كل واحد منهما) أي المرتهنين (حصة دينه منها) : أي
العين؛ لأنه عند الهلاك يصير كل منهما مستوفياً حصته، لأن الاستيفاء يتجزأ
(فإن قضى) الراهن (أحدهما) أي المرتهنين (دينه كانت) العين (كلها
_________
(1) أي اتفقا على أن يأخذ كل واحد منهما العين عنده مدة معلومة
(2/63)
رهناً في يد اخر حتى يستوفي دينه؛ ومن باع
عبداً على أن يرهنه المشتري بالثمن شيئاً بعينه، فإن امتنع المشتري من
تسليم الرهن لم يجبر عليه، وكان البائع بالخيار: إن شاء رضي بترك الرهن،
وإن شاء فسخ البيع، إلا أن يدفع المشتري الثمن حالاً أو يدفع قيمة الرهن
رهناً مكانه، وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في
عياله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رهناً في يد الآخر حتى يستوفي دينه) ، لما مر أن العين كلها رهن في يد كل
منهما بلا تفرق.
(ومن باع عبداً على أن يرهنه المشتري بالثمن شيئاً بعينه) أو يعطي كفيلا
كذلك حاضرا في المجلس جاز؛ لأنه شرط ملائم للعقد، لأن الكفالة والرهن
للاستيثاق وهو يلائم الوجوب، لكن لا يلزم الوفاء به؛ لعدم لزومه (فإن امتنع
المشتري من تسليم الرهن) المشروط (لم يجبر عليه) : أي على تسليمه؛ لعدم
تمام الرهن؛ لما مر من أن تمامه بالقبض (وكان البائع بالخيار: إن شاء رضي
بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع) لفوات الوصف المرغوب فيه (إلا أن يدفع
المشتري الثمن حالا) لحصول المقصود (أو يدفع قيمة الرهن رهناً مكانه) ، لأن
يد الاستيفاء ثبتت على المعين وهو القيمة. قيد بالمعين لأنه إذا لم يكن
المشروط رهنه وكفالته معيناً يفسد البيع، وقيدنا بحضور الكفيل بالمجلس لأنه
إذا كان غائبا حتى افترقا فسد البيع. وتمامه في البحر.
(وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده) الكبير الذي في عياله (وخادمه
الذي في عياله) لأنه "إنما يحفظ عادة بهؤلاء، وهذا لأن عينه أمانة في يده،
فصار كالوديعة. هداية
(2/64)
وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن،
وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته، وإذا أعار
المرتهن الرهن للراهن فقبضه خرج من ضمان المرتهن، فإن هلك في يد الراهن هلك
بغير شيء، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده، فإذا أخذه عاد الضمان، وإذا مات
الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين، فإن لم يكن له وصيٌ نصب القاضي له وصياً
وأمره ببيعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن حفظه بغير من في عياله) ولو ابنه أو أجيره (1) ، (أو أودعه) أو أعاره
أو آجره (ضمن) ؛ لأن يده غير أيديهم، فكان في الدفع إليهم متعدياً.
(وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته) لأنه بالتعدي
صار غاصباً (وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن فقبضه) الراهن (خرج) الرهن (من
ضمان المرتهن) ؛ لأنه باستعارته وقبضه انتقض القبض الموجب للضمان (فإن هلك)
الرهن (في يد الراهن هلك بغير شيء) لتلفه في يد مالكه (وللمرتهن أن يسترجعه
إلى يده) ؛ لأن المرتهن بمنزلة المالك في حق الحبس، ولو مات الراهن والرهن
في يده عارية فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء (فإذا أخذه) المرتهن (عاد
الضمان) لعود سببه وهو القبض (2) .
(وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن) لقيامه مقامه (وقضى) به (الدين، فإن لم
يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه) ؛ لأن القاضي نصب ناظراً لحقوق
المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه
ويستوفي ماله. هداية.
_________
(1) الأجير الخاص - وهو الذي استأجره مشاهرة أو مسانهة - كولده الذي في
عياله.
(2) مما يجب أن تعلمه أنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن استخداما إن كان
مما يستخدم كالرقيق، أو لبسا إن كان مما يلبس كالثياب، أو إجارة إن كان مما
يستأجر كالعقار والضياع، وذلك لأن مقتضى الرهن الحبس للاستيفاء، فلا يتضمن
الانتفاع إلا بتسليط صاحبه وإذنه، فإن انتفع فتلف كان متعديا ووجب عليه
الضمان
(2/65)
|