اللباب
في شرح الكتاب كتاب الشركة.
- الشركة على ضربين: شركة أملاكٍ، وشركة عقودٍ.
فشركة الأملاك: العين يرثها رجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف
في نصيب الآخر إلا بإذنه، وكل واحدٍ منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هداية. (وإن ردها) بالعيب، هداية. (بغير قضاء أو تقايلا) البيع (فللشفيع
الشفعة) ، لأنه فسخ في حقهما لولايتهما على أنفسهما، وقد قصد الفسخ، وهو
بيع جديد في حق ثالث، لوجود حد البيع - وهو: مبادلة المال بالمال بالتراضي
- والشفيع ثالث، ومراده الرد بالعيب بعد القبض، لأنه قبله فسخ من الأصل وإن
كان بغير قضاء على ما عرف، هداية.
(وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها) ؛ لأنها لم تأت بالعمل المستحق
عليها - وهو الإرضاع - لأن إرضاعه بلبن الشاة إيجار وليس بإرضاع، فاختلف
العمل، فلم يجب الأجر كما في الهداية.
كتاب الشركة
(الشركة) لغةً: الخلطة، وشرعا - كما في القهستاني عن المضمرات -: اختصاص
اثنين أو أكثر بمحل واحد.
وهي (على ضربين: شركة أملاك، وشركة عقود، فشركة الأملاك) هي: (العين) التي
(يرثها رجلان) فأكثر (أو يشتريانها) أو تصل إليهما بأي سبب كان، جبريا كان
أو اختياريا، كما إذا اتهب الرجلان عينا، أو ملكاها بالاستيلاء، أو اختلط
مالهما من غير صنع، أو بخلطهما، خلطاً يمنع التمييز رأساً أو إلا بحرجٍ.
وحكمها أن كلا منهما أجنبي في حصة الآخر (فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في
نصيب الآخر إلا بإذنه) كما في الأجانب، كما صرح بذلك في قوله: (وكل واحد
منهما في نصيب الآخر كالأجنبي) في الامتناع عن التصرف إلا بوكالة أو ولاية؛
لعد تضمنها الولاية
(2/121)
والضرب الثاني: شركة العقود، وهي على أربعة
أوجهٍ: مفاوضةٍ، وعنان، وشركة الصنائع، وشركة الوجوه.
فأما شركة المفاوضة فهي: أن يشترك الرجلان فيستويان في مالهما وتصرفها
ودينهما، فتجوز بين الحرين المسلمين العاقلين البالغين، ولا تجوز بين الحر
والمملوك، ولا بين الصبي والبالغ، ولا بين المسلم والكافر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(والضرب الثاني: شركة العقود) وهي الحاصلة بسبب العقد، وركنها الإيجاب
والقبول، وشرطها: أن يكون التصرف المعقود عليه قابلا للوكالة، ليكون ما
يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما (وهي) : أي شركة العقود (على أربعة أوجه:
مفاوضة، وعنان) بالكسر وتفتح (وشركة وجوه، وشركة الصنايع) :
(فأما) الأولى - وهي (شركة المفاوضة - فهي: أن يشترك الرجلان) مثلا
(فيستويان في مالهما وتصرفهما ودينهما) لأنها شركة عامة في جميع التجارات
يفوض كل منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق؛ إذ هي من المساواة. قال
قائلهم:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم (1) ، أي متساوين. ولابد من تحقيق المساواة
ابتداء وانتهاء، وذلك في المال، والمراد به ما يصح الشركة فيه، ولا يعتبر
التفاضل فيما لا تصح فيه الشركة، وكذا في التصرف، لأنه لو ملك أحدهما
تصرفاً لا يملكه الآخر فات التساوي، وكذا في الدين، لفوات التساوي في
التصرف بفواته (فتجوز بين الحرين المسلمين) أو الذميين (البالغين العاقلين)
لتحقق التساوي، (ولا تجوز بين الحر والمملوك) ولو مكاتباً أو مأذوناً (ولا
بين الصبي والبالغ) لعدم التساوي؛ لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة،
والمملوك لا يملك واحداً منهما إلا بإذن المولى، والصبي لا يملك الكفالة
مطلقا، ولا التصرف إلا بإذن الولي (ولا بين المسلم والكافر) وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد، لأن الذمي يملك من التصرف ما لا يملكه المسلم. وقال أبو يوسف:
يجوز، للتساوي بينها في الوكالة والكفالة، ولا معتبر بزيادة
_________
(1) هذا صدر بيت للأفوه الأودي، وعجزه قوله:
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
(2/122)
وتنعقد على الوكالة والكفالة، وما يشتريه
كل واحدٍ منهما يكون على الشركة إلا طعام أهله وكسوتهم، وما يلزم كل واحدٍ
منهما من الديون بدلاً عما يصح فيه الاشتراك فالآخر ضامنٌ له، فإن ورث
أحدهما مالاً تصح فيه الشركة أو وهب له ووصل إلى يده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يملكها أحدهما كالمفاوضة بين شافعي المذهب والحنفي فإنها جائزة، ويتفاوتان
في التصرف في متروك التسية، إلا أنه يكره: لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز
من العقود. قال في التصحيح: والمعتمد قولهما عند الكل كما نطقت به المصنفات
للفتوى وغيرها. اهـ. ولا تجوز بين العبدين ولا الصبيين ولا المكاتبين،
لانعدام الكفالة، وفي كل موضع لم تصح المفاوضة لفقد شرط ولا يشترط ذلك في
العنان كان عناناً، لاستجماع شرائط العنان. هداية (وتنعقد على الوكالة
والكفالة) فالوكالة لتحقق المقصود، وهو الشركة، والكفالة لتحقق المساواة
فيما هو من موجبات التجارة، وهو توجه لمطالبة نحوهما، ولا تصح إلا بلفظ
المفاوضة وإن لم يعرفا معناها. سراج. أو بيان جميع مقتضياتها؛ لأن المعتبر
هو المعنى (وما يشتري كل واحد منهما) : أي المتفاوضين (يكون على الشركة)
لأن مقتضى العقد المساواة، وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف، فكان
شراء أحدهما كشرائهما، إلا ما استثناه بقوله: (إلا طعام أهله وكسوتهم)
وطعامه وكسوته ونحو ذلك من حوائجه الأصلية استحساناً، لأنه مستثنى بدلالة
الحال للضرورة، فإن الحاجة الراتبة معلومة الوقوع، ولا يمكن إيجابه على
صاحبه ولا الصرف من ماله، ولابد من الشراء فيختص به ضرورة، وللبائع مطالبة
أيهما شاء بثمن ذلك: فالمشتري بالأصالة، والآخر بالكفالة، ويرجع الكفيل على
المشتري (وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما يصح فيه الاشتراك)
كالبيع والشراء والاستئجار والاستقراض (فالآخر ضامن له) تحقيقاً للمساواة.
قيد بما يصح فيه الاشتراك لإخراج نحو دين الجناية والنكاح والخلع والنفقة؛
فإن الآخر فيه ليس بضامن (فإن ورث أحدهما مالا) مما (تصح فيه الشركة) مما
يأتي (أو وهب له ووصل إلى يده) : أي الوارث والموهوب له، وإنما لم يثن
الفعل لأنه معطوف
(2/123)
بطلت المفاوضة وصارت الشركة عناناً.
ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، ولا تجوز بما
سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر والنقرة فتصح الشركة بهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأو، فيشترط قبض كل كما في شرح الطحاوي والنظم قاضيخان والمستصفى والنتف
وغيرها. قهستاني (بطلت المفاوضة) لفوات المساواة بقاء، وهي شرط كالابتداء
(وصارت الشركة عناناً) للامكان، فإن المساواة ليست بشرط فيها.
(ولا تنعقد الشركة) أعم من أن تكون مفاوضة أو عناناً (إلا بالدراهم) : أي
الفضة المضروبة (والدنانير) : أي الذهب المضروب، لأنهما أثمان الأشياء، ولا
تتعين بالعقود، فيصير المشتري مشترياً بأمثالهما في الذمة، والمشتري ضامن
لما في ذمته، فيصير الربح المقصود له، لأنه ربح ما ضمنه كما في الجوهرة،
والشريك يشتري للشركة فالضمان عليهما والربح لها، فما يستحقه كل واحد منهما
من الربح ربح ما ضمن، بخلاف العروض، فإنها مثمنات، فإذا بيعت وتفاضل
الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك ولم
يضمن (والفلوس النافقة) ، لأنها تروج رواج الأثمان فالتحقت بها، قال في
التصحيح: لم يذكر المصنف في هذا خلافا، وكذلك الحاكم الشهيد في الكافي،
وذكر الكرخي الجواز على قولهما، وقال في الينابيع: وأما الفلوس إن كانت
نافقة فكذلك عند محمد، وقال أبو حنيفة: لا تصح الشركة بالفلوس، وهو
المشهور، وروى الحسن عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الشركة بالفلوس جائزة، وأبو
يوسف مع أبي حنيفة في بعض النسخ، وفي بعضها مع محمد، وقال الإسبيجاني في
مبسوطه: الصحيح أن عقد الشركة يجوز على قول الكل؛ لأنها صارت ثمنا
بالاصطلاح، واعتمده المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة (ولا
تجوز) الشركة (بما سوى ذلك) المذكور (إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر) : أي
الذهب الغير المضروب (والنقرة) : أي الفضة الغير المضروبة (فتصح الشركة
فيهما)
(2/124)
وإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل واحدٍ
منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقدا الشركة.
وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة؛ ويصح التفاضل في المال،
ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، ويجوز أن يعقدها كل واحدٍ
منهما ببعض ماله دون بعضٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للتعامل، ففي كل بلدة جرى التعامل بالمبايعة بالتبر والنقرة فهي كالنقود لا
تتعين بالعقود وتصح الشركة فيه، ونزل التعامل باستعماله ثمناً منزلة الضرب
الخصوص، وفي كل بلدة لم يجز التعامل بها فهي كالعروض تتعين في العقود ولا
تصح به الشركة. درر عن الكافي.
(وإذا أرادا) أي الشريكان (الشركة بالعروض باع كل واحد منهما) قال في
الجوهرة: صوابه أحدهما (نصف ماله بنصف مال الآخر) فيصيران شريكي ملك، حتى
لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر (ثم) إذا (عقدا الشركة) صارا شريكي
عقد، حتى جاز لكل منهما أن يتصرف في نصيب صاحبه، وهذا إن تساويا قيمة، وإن
تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة.
(وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة) لأنها من ضرويات التصرف (دون
الكفالة) لأنها ليست من ضرورياته، وانعقادها في المفاوضة لاقتضاء اللفظ
التساوي، بخلاف العنان. (ويصح التفاضل في المال) مع التساوي في الربح لأنها
لا تقتضي المساواة (و) كذا (يصح) العكس، وهو: أن (يتساويا في المال
ويتفاضلا في الربح) لأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في
المضاربة، وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى أو أكثر عملا وأقوى فلا يرضى
بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل (ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما) : أي
شريكي العنان (ببعض ماله دون بعض) ؛ لأن المساواة في المال ليست بشرط فيها
(2/125)
ولا تصح إلا بما بينا أن المفاوضة تصح به،
ويجوز أن يشتركا ومن جهة أحدهما دراهم ومن جهة الآخر دنانير، وما اشتراه كل
واحدٍ منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر ثم يرجع على شريكه بحصته منه،
وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئاً بطلت الشركة، وإن
اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشري بينهما على ما شرطا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا تصح) شركة العنان (إلا بما بينا) قريباً (أن المفاوضة تصح به) وهي
الأثمان (ويجوز أن يشترا) مع اختلاف جنس ماليهما (و) ذلك بأن يكون (من جهة
أحدهما دراهم ومن جهة الآخر دنانير) وكذا مع اختلاف الوصف، بأن يكون من
أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود، لأنهما وإن كانا جنسين فقد أجرى عليهما
التعامل حكم الجنس الواحد، كما في كثير من الأحكام، فكان العقد عليهما
كالعقد على الجنس الواحد (وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون
الآخر) لما مر أنها تتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق
(ثم يرجع) الشريك (على شريكه بحصته منه) إن أدى من ماله، لأنه وكيل من جهته
في حصته، فإذا نقد من ماله رجع عليه.
(وإذا هلك مال الشركة) جميعه (أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئا بطلت
الشركة) لأنها تعينت بهذين المالين، فإذا هلكا فات المحل، وبهلاك أحدهما
بطل في الهالك لعدمه، وفي الآخر لأن صاحبه لم يرض أن يعطيه شيئاً من ربح
ماله (وإن اشترى أحدهما بماله وهلك) بعده (مال الآخر قبل الشراء فالمشتري)
بالفتح (بينهما على ما شرطا) ؛ لأن الملك حين وقع وقع مشتركا بينهما لقيام
الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك المال الآخر بعد ذلك، قال في
التصحيح: والشركة شركة عقد حتى إن أيهما باع جاز بيعه، وقال الحسن ابن
زياد: شركة أملاك، والمعتمد قول محمد على ما مشى عليه في المبسوط. اه
(2/126)
ويرجع على شريكه بحصته من ثمنه، وتجوز
الشركة وإن لم يخلطا المالين، ولا تصح الشركة إذا شرطا لأحدهما دراهم
مسماةً من الربح.
ولكل واحدٍ من المتفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال ويدفعه مضاربةً،
ويوكل من يتصرف فيه، ويده في المال يد أمانةٍ.
وأما شركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويرجع) الشريك (على شريكه بحصته من ثمنه) ؛ لأنه اشترى حصته بالوكالة ونقد
المال من مال نفسه.
(وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين) ؛ لأن الشركة مستندة إلى العقد دون
المال؛ فلم يكن الخلط شرطاً. هداية. لكن الهالك قبل الخلط بعد العقد على
صاحبه سواء ملك في يده أو يد الآخر، وبعد الخلط عليهما (ولا تصح الشركة،
إذا شرطا لأحدهما دراهم مسماة من الربح) لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة، فعسى
ألا يخرج إلا قدر المسمى، وإذا لم تصح كان الربح بقدر الملك حتى لو كان
المال نصفين، وشرطا الربح أثلاثا فالشرط باطل ويكون الربح نصفين.
(ولكل واحد من المتفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال) : أي يدفعه بضاعة،
وهو: أن يدفع المتاع إلى الغير ليبيعه ويرد ثمنه وربحه؛ لأنه معتاد في عقد
الشركة (ويدفعه مضاربة) لأنها دون الشركة فتتضمنها، وعن أبي حنيفة أنه ليس
له ذلك؛ لأنه نوع شركة، والأول الأصح، وهو رواية الأصل، هداية.
(ويوكل من يتصرف فيه) لأن التوكل بالبيع والشراء من توابع التجارة، والشركة
انعقدت للتجارة، وكذلك له أن يودع ويعير لأنه معتاد ولابد له منه، ويبيع
بالنقد والنسيئة إلا أن ينهاه عنها (ويده) : أي الشريك (في المال يد أمانة)
فلو هلك بلا تعد لم يضمنه.
(وأما شركة الصنائع) وتسمى التقبل، والأعمال، والأبدان (فالخياطين
(2/127)
الصنائع فالخياطان والصباغان يشتركان على
أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وما يتقبله كل واحدٍ
منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه، فإن عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما
نصفان.
وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما
ويبيعا، فتصح الشركة على هذا، وكل واحدٍ منهما وكيل الآخر فيما يشتريه، فإن
شرطا أن يكون المشتري بينهما نصفين فالربح كذلك، ولا يجوز أن يتفاضلا فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصباغان) مثلا، أو خياط وصباغ (يشتركان على أن يتقبلا الأعمال ويكون
الكسب) الحاصل (بينهما، فيجوز ذلك) ؛ لأن المقصود منه التحصيل، وهو ممكن
بالتوكيل، لأنه لما كان وكيلا في النصف أصيلا في النصف تحققت الشركة في
المال المستفاد، ولا يشترط فيه اتحاد العمل والمكان، ولو شرطا العمل نصفين
والمال أثلاثا جاز، لأن ما يأخذه ليس بربح، بل بدل عمل، فصح تقويمه، وتمامه
في الهداية (وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه) حتى أن
كل واحد منهما يطالب بالعمل، ويطالب بالأجر، ويبرأ الدافع بالدفع إليه،
وهذا ظاهر في المفاوضة، وفي غيرها استحسان. هداية (فإن عمل أحدهما دون
الآخر فالكسب بينهما نصفان) إن كان الشرط كذلك، وإلا فكما شرطا.
(وأما شركة الوجوه) سميت بذلك لأنه لا يشتري إلا من له وجاهة عند الناس
(فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا) نوعا أو أكثر (بوجوهها)
نسيئة (ويبيعا) فما حصل بالبيع يدفعان منه ثمن ما اشتريا، وما بقي بينهما
(فتصح الشركة على هذا) المنوال (وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه)
لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو ولاية؛ ولا ولاية فتتعين
الأولى (فإن شرطا أن يكون المشتري بينهما نصفين فالربح كذلك) بحسب الملك
(ولا يجوز أن يتفاضلا فيه) أي الربح مع التساوي في الملك؛ لأن الربح في
شركة الوجوه بالضمان،
(2/128)
وإن شرطا أن يكون المشتري بينهما أثلاثاً
فالربح كذلك.
ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد، وما اصطاده كل واحدٍ
منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وإذا اشتركا ولأحدهما بغلٌ وللآخر
روايةٌ يستقي عليها الماء والكسب بينهما لم تصح الشركة، والكسب كله للذي
استقى، وعليه أجر مثل الرواية إن كان صاحب البغل، وإن كان صاحب الرواية
فعليه أجر مثل البغل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضمان بقدر الملك في المشتري؛ فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن،
فلا يصح اشتراطه (وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثاً فالربح كذلك)
لما قلناه.
(ولا تجوز الشركة في) تحصيل الأشياء المباحة مثل (الاحتطاب والاحتشاش
والاصطياد) وكل مباح، لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل في أخذ
المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بغير أمره فلا
يصلح نائبا عنه (وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه) أو احتشه (فهو له دون
صاحبه) ؛ لثبوت الملك في المباح بالأخذ، فإن أخذاه معاً فهو بينهما نصفين؛
لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئاً فهو
للعامل، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر بأن حمله معه أو حرسه له فللمعين أجر
مثله لا يجاوز به نصف ثمن ذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد بالغاً
ما بلغ.
(وإذا اشتركا ولأحدهما بغل) مثلا (وللآخر راوية) وهي المزادة من ثلاثة
جلود، وأصلها بعير السقاء؛ لأنه يروى الماء أي يحمله، مغرب (يستقي عليها
الماء، والكسب بينهما لم تصح الشركة) ؛ لانعقادها على إحراز المباح وهو
الماء، (والكسب) الحاصل (كله للذي استقى) الماء؛ لأنه بدل ما ملكه بالإحراز
(وعليه مثل أجر الراوية إن كان) المستقى (صاحب البغل، وإن كان) المستقى
(صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل) لاستيفائه منافع ملك الغير - وهو البغل
أو الراوية - بعقد فاسد؛ فيلزمه أجره
(2/129)
وكل شركةٍ فاسدةٍ فالربح فيها على قدر
المال، ويبطل شرط التفاضل وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب
بطلت الشركة، وليس لواحدٍ من الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه.
فإن أذن كل واحدٍ منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته فأدى كل واحدٍ منهما فالثاني
ضامنٌ، علم بأداء الأول أو لم يعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل) لأن الربح
تابع للمال كالريع، ولم يعدل عنه إلا عند صحة التسمية، ولم تصح الشركة؛ فلم
تصح التسمية.
(وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب) وحكم بلحاقه: لأنه بمنزلة
الموت (بطلت الشركة) لأنها تتضمن الوكالة، ولابد منها لتحقق الشركة،
والوكالة تبطل بالموت وكذا بالالتحاق مرتداً، وإذا بطلت الوكالة بطلت
الشركة، ولا فرق بين ما إذا علم الشريك بموته وردته أو لم يعلم؛ لأنه عزل
حكمي، بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة حيث يتوقف على علم الآخر، لأنه
عزل قصدي. قيدنا بالحكم بلحاقه لأنه إذا رجع مسلماً قبل أن يقضي بلحاقه لم
تبطل الشركة.
(وليس لواحد من الشريكين أن يؤدي زكاة مال لآخر إلا بإذنه) ؛ لأنه ليس من
جنس التجارة (فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي) عنه (زكاته فأدى كل
واحد منهما) على التعاقب (فالثاني ضامن) ؛ لأدائه غير المأمور به؛ لأنه
مأمور بأداء الزكاة، والمؤدى لم يقع زكاة، فصار مخالفاً فيضمن، سواء (علم
بالأداء الأول أو لم يعلم) ، لأنه معزول حكما؛ لفوات المحل، وذا لا يختلف
بالعلم والجهل، كالوكيل يبيع العبد إذا أعتقه الموكل، وهذا عند أبي حنيفة،
وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم، قال في التصحيح: ورجح في الأسرار دليل الإمام
واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. اهـ، قيدنا بأن الأداء على التعاقب لأنه
لو أديا معاً أو جهل ضمن كل نصيب صاحبه وتقاصا أو رجع بالزيادة
(2/130)
|