اللباب في شرح الكتاب

كتاب الكفالة.
- الكفالة ضربان: كفالةٌ بالنفس، وكفالةٌ بالمال.
فالكفالة بالنفس جائزةٌ، والمضمون بها إحضار المكفول به، وتنعقد إذا قال "تكفلت بنفس فلانٍ، أو برقبته، أو بروحه، أو بجسده، أو برأسه، أو بنصفه، أو بثلثه"،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن قال) المدعى (إني وكيل) فلان الغائب (بقبض الوديعة) التي عندك (فصدقه المودع) في دعواه (لم يؤمر بالتسليم إليه) ؛ لأنه أقر له بمال الغير، بخلاف الدين، ولو ادعى أنه مات أبوه وترك الوديعة ميراثاً له ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه؛ لأنه لا يبقى ماله بعد موته؛ فقد اتفقا على أنه مال الوارث، ولو ادعى على أنه اشترى الوديعة من صاحبها وصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه ما دام حيا كان إقراراً بملك الغير، هداية.
كتاب الكفالة
وجه المناسبة بينها وبين الوكالة أن كلا منهما استعانة بالغير.
(الكفالة) لغة: الضم، وشرعاً: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة (1) .
وهي (ضربان: كفالة بالنفس، وكفالة بالمال) وتكون بهما معاً، كما يأتي.
(فالكفالة بالنفس جائزة) ؛ لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام "لزعيم غارم) (2) ، (والمضمون بها إحضار المكفول به) ؛ لأن الحضور لازم على الأصيل؛ فجاز أن يلتزم الكفيل إحضاره كما في المال (وتنعقد) كفالة النفس (إذا قال: تكفلت بنفس فلان، أو برقبته، أو بروحه، أو بجسده، أو برأسه) أو ببدنه، أو بوجهه أو نحو ذلك مما يعبر به عن الكل، حقيقة أو عرفا، على ما مر في الطلاق. هداية.
(أو) قال: كفلت (بنصفه أو بثلثه) أو بجزء شائع منه، لأن النفس الواحدة
_________
(1) يدل على أن الكفالة في اللغة الضم مطلقا قوله تعالى حكاية عن مريم {وكفلها زكريا} أي ضمها إلى نفسه للقيام بأمرها.
(2) الزعيم: هو الكفيل، وفي القرآن الكريم {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}

(2/152)


وكذلك إن قال "ضمنته، أو هو علي، أو إلي، أو أنا زعيمٌ به، أو قبيلٌ"، فإن شرط في الكفالة تسليم المكفول به في وقتٍ بعينه لزمه إحضاره إذا طالبه به في ذلك الوقت، فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم حتى يحضره، وإذا أحضر وسلمه في مكانٍ يقدر المكفول له على محاكمته برئ الكفيل من الكفالة، وإذا تكفل به على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ، وإن سلمه في بريةٍ لم يبرأ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في حق الكفالة لا تتجزأ؛ فكان ذكر بعضها شائعا كذكر كلها (وكذلك إن قال: ضمنته، أو هو علي، أو إلي) أو عندي؛ لأنها صيغ الالتزام (أو أنابه زعيم) أي كفيل (أو قبيل) هو بمعنى الزعيم، بخلاف ما إذا قال: أنا ضامن بمعرفته؛ لأنه التزم المعرفة دون المطالبة. هداية (فإن شرط) الأصيل (في الكفالة تسليم المكفول به في وقت بعينه لزمه) أي لزم الكفيل (إحضاره) أي إحضار المكفول به (إذا طالبه به) الأصيل (في ذلك الوقت) وفاء بما التزمه كالدين المؤجل إذا حل (فإن أحضره) فيها، لأنه وفى ما عليه (وإلا) أي: وإلا يحضره (حبسه الحاكم) لامتناعه عن إيفاء حق مستحق، ولكن لا يحبسه أول مرة لعله لم يدر لماذا دعي، ولو غاب المكفول بنفسه أمهله الحاكم مدة ذهابه وإيابه، فإن مضت ولم يحضره حبسه، لتحقق الامتناع عن إيفاء الحق. هداية.
(وإن أحضره وسلمه في مكان يقدر المكفول له على محاكمته) كالمصر، سواء قبله أو لم يقبله (برئ من الكفالة) لأنه أتى بما التزمه، إذ لم يلتزم التسليم إلا مرة واحدة (وإذا تكفل به على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ) أيضاً، لحصول المقصود، لأن المقصود من شرط التسليم في مجلس القاضي إمكان الخصومة وإثبات الحق، وهذا حاصل متى سلمه في المصر، لأن الناس يعاونونه على إحضاره إلى القاضي، فلا فائدة في التقييد، وقيل: لا يبرأ في زماننا، لأن الظاهر المعاونة على الامتناع، لا على الإحضار، فكان تقييده مفيداً. هداية. وفي الدر عن ابن ملك: وبه يفتى في زماننا، لتهاون الناس. اهـ (وإن سلمه في برية لم يبرأ) ، لأنه لا يقدر على المخاصمة فيها، فلم يحصل المقصود، وكذا

(2/153)


وإن مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة، فإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فهو ضامنٌ لما عليه وهو ألفٌ ولم يحضره في ذلك الوقت لزمه ضمان المال ولم يبرأ من الكفالة بالنفس.
ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة، وقالا: يجوز.
وأما الكفالة بالمال فجائزةٌ معلوماً كان المال المكفول به أو مجهولاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا سلمه في سواد، لعدم قاض يفصل الحكم فيه، ولو سلم في مصر آخر غير المصر الذي كفل به برئ عند أبي حنيفة، للقدرة على المخاصمة فيه؛ وعندهما لا يبرأ، لأنه قد يكون شهوده فيما عينه، ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرأ، لأنه لا يقدر على المحاكمة فيه. هداية.
(وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة) ؛ لأنه سقط الحضور عن الأصيل فيسقط الإحضار عن الكفيل، وكذا إذا مات الكفيل؛ لأنه لم يبق قادراً على تسليم المكفول به بنفسه، وماله لا يصلح لإيفاء هذا الواجب، بخلاف الكفيل بالمال، ولو مات المكفول له فللوصي أن يطالب الكفيل، وإن لم يكن فلوارثه لقيامه مقام الميت. هداية. (وإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فهو ضامن لما عليه وهو ألف) مثلا (فلم يحضره في) ذلك (الوقت) المعين (لزمه ضمان المال) لأنه علق الكفالة بالمال بشرط متعارف فصح (ولم يبرأ من الكفالة بالنفس) لعدم التنافي.
(ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة) قال في الهداية: معناه لا يجبر عليها عنده، وقالا: يجبر في حد القذف، لأن فيه حق العبد، بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى. اهـ. قال في التصحيح - بعد ما ذكر عبارة الهداية - فسره بذلك الإسبيجاني قال: المشهور من قول علمائنا أن الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص جائزة في اختيار المطلوب، أما القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل، وقال أبو يوسف ومحمد: يؤخذ منه الكفيل، ابتداء، واختار قول الإمام النسفي والمحبوبي وغيرهما. اهـ.
(وأما الكفالة بالمال فجائزة، معلوما كان المال المكفول به أو مجهولا) ؛

(2/154)


إذا كان ديناً صحيحاً، مثل أن يقول: تكفلت عنه بألفٍ، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع، والمكفول له بالخيار: إن شاء طالب الذي عليه الأصل، وإن شاء طالب كفيله.
ويجوز تعليق الكفالة بالشرط مثل أن يقول: ما بايعت فلاناً فعلي، أو ما ذاب لك عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن معنى الكفالة على التوسع؛ فتتحمل فيها الجهالة (إذا كان) المكفول به (ديناً صحيحاً) وهو: الذي لا يسقط إلا بأداء أو الإبراء، واحترز به عن بدل الكتابة، وسيأتي، وذلك (مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف) مثال المعلوم، ومثال المجهول قوله: (أو بمالك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع) ويسمى هذا ضمان الدرك (والمكفول له بالخيار) في المطالبة: (إن شاء طالب الذي عليه الأصل) ويسمى الأصيل، (وإن شاء طالب كفيله) ؛ لأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، كما مر، وذلك يقتضي قيام الأول، لا البراءة عنه؛ إلا إذا شرط فيه البراءة؛ فحينئذ ينعقد حوالةً اعتباراً للمعنى، كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل تكون كفالة، ولو طالب أحدهما له أن يطالب الآخر، وله أن يطالبهما. هداية.
(ويجوز تعليق الكفالة بالشرط) الملائم لها، وذلك بأن يكون سبباً لثبوت الحق (مثل أن يقول: ما) بمعنى إن، أو موصولة والعائد محذوف، أي أن (بايعت) أو الذي بايعت به (فلانا فعلي، أو ما ذاب) أي ثبت (لك عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي) وكذا قوله لإمرأة الغير: كفلت لك بالنفقة أبداً ما دامت الزوجية. خانية. أو يكون شرطاً لإمكان الاستيفاء، مثل: إن قدم فلان فعلي ما عليه من الدين، أو شرطا لتعذره، نحو: إن غاب عن المصر؛ فهذه جملة الشروط التي يجوز تعليق الكفالة بها، ولا يصح تعليقها بغير الملائم - نحو: إن هبت الريح، أو جاء المطر - فتبطل الكفالة به، لأنه تعليق بالخطر، وما في الجوهرة تبعا للهداية من أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا، قال الزيلعي: هذا

(2/155)


وإذا قال: تكفلت بما لك عليه، فقامت البينة بألفٍ عليه ضمنه الكفيل، فإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به، فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله. وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره، فإن كفل بأمره رجع بما يؤدى عليه، وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سهو، فإن الحكم فيه أن التعليق لا يصح ولا يلزمه؛ لأن الشرط غير ملائم، فصار كما لو علقه بدخول الدار ونحوه مما ليس بملائم، ذكره قاضيخان وغيره. هـ. وكذا حقق المحقق ابن الهمام.
(وإذا قال) الكفيل: (تكفلت بما لك عليه، فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل) لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينةً فيتحقق ما عليه، فصح الضمان به (وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به) ، لأنه منكر للزيادة، والقول قول المنكر بيمينه (فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك) الذي اعترف به الكفيل (لم يصدق على كفيله) لأنه إقرار على الغير، ولا ولاية له عليه، ويصدق في حق نفسه، لولايته عليها.
(وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه، وبغير أمره) لأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه، وفيه نفع للطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع إذ هو عند أمره (فإن) كان (كفل بأمره رجع) الكفيل (بما يؤدى عليه) : أي على الأصيل؛ لأنه قضى دينه بأمره، وهذا إذا أدى مثل الذي ضمنه قدراً وصفة، أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن لا بما أدى، كما إذا تكفل بصحاح أو جياد فأدى مكسرة أو زيوفاً وتجوز بها الطالب، أو أعطاه دنانير أو مكيلا أو موزوناً رجع بما ضمن: أي بالصحاح أو الجياد، لأنه ملك الدين بالأداء، بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى، لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء، جوهرة (وإن) كان (كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه) ؛ لأنه متبرع بأدائه

(2/156)


وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه، فإن لوزم بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه، وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل، وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ المكفول عنه، ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرطٍ، وكل حقٍ لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص، وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال) الذي كفله عنه (قبل أن يؤديه عنه) ، لأنه لا يملكه قبل الأداء، بخلاف الوكيل بالشراء حيث يرجع قبل الأداء كما مر (فإن لوزم) الكفيل (بالمال) المكفول به (كان له أن يلازم المكفول عنه) وإن حبس به كان له أن يحبسه (حتى يخلصه) ، لأنه لم يلحقه ما لحقه إلا من جهته فيجازى بمثله (وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل) ، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل (وإن أبرأ) الطالب (الكفيل لم يبرأ المكفول عنه) ، لبقاء الدين عليه، وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل تأخر عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يتأخر عن الأصيل، هداية.
(ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرط) كإذا جاء غد فأنت برئ منها، لأن في الإبراء معنى التمليك كالإبراء عن الدين، قال في الهداية: ويروى أنه يصح، لأن عليه المطالبة دون الدين في الصحيح، فكان إسقاطاً محضاً كالطلاق، ولهذا لا يرتد إبراء الكفيل بالرد، بخلاف براءة الأصيل. اهـ.
(وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص) قال في الهداية: مهناه بنفس الحد، لا بنفس من عليه الحد، لأنه يتعذر إيجابه عليه، لأن العقوبة لا تجري فيها النيابة. اهـ.
(وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز) ، لأنه دين كسائر الديون (وإن

(2/157)


تكفل عن البائع بالمبيع لم يصح، ومن استأجر دابةً للحمل فإن كانت بعينها لم تصح الكفالة بالحمل، وإن كانت بغير عينها جازت الكفالة، ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في مجلس العقد، إلا في مسألةٍ واحدةٍ، وهي أن يقول المريض لوارثه: تكفل عني بما علي من الدين فتكفل به مع غيبة الغرماء، وإذا كان الدين على اثنين وكل واحدٍ منهما كفيلٌ ضامنٌ عن اخر فما أدى أحدهما لم يرجع به على شريكه حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تكفل عن البائع بالمبيع لم يصح) ، لأنه مضمون بغيره - وهو الثمن - والكفالة بالأعيان المضمونة إنما تصح إذا كانت مضمونة بنفسها كالمبيع فاسداً والمقبوض على سوم الشراء والمغصوب.
(ومن استأجر دابة ليحمل عليها) أو عبداً للخدمة (فإن كانت الإجارة) لدابة (بعيها) أو عبد بعينه (لم تصح الكفالة بالحمل) عليها والخدمة بنفسه، لأن الكفيل يعجز عن ذلك عند تعذره بالموت ونحوه (وإن كانت) لدابة (بغير عينها) وعبد بغير عينه (جازت الكفالة) ، لأن المستحق حينئذ مقدور للكفيل.
(ولا تصح الكفالة) بنوعيها (إلا بقبول المكفول له في مجلس العقد) قال في التصحيح: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز إذا بلغه فأجاز، والمختار قولهما عند المحبوبي والنسفي وغيرهما (إلا في مسألة واحدة، وهي أن يقول المريض) الملئ (لوارثه: تكفل عني بما علي من الدين، فتكفل به) الوارث (مع غيبة الغرماء) فإنه يصح اتفاقاً، استحساناً؛ لأن ذلك في الحقيقة وصية، ولذا يصح وإن لم يسم المكفول لهم، وشرط أن يكون مليئا قال في الهداية: ولو قال المريض ذلك لأجنبي اختلف المشايخ فيه. اهـ. قال في الفتح: والصحة أوجه.
(وإذا كان الدين على اثنين كل واحد منهما كفيل ضامن عن الآخر) بأمره (فما أدى أحدهما) من الدين الذي عليهما (لم يرجع به على شريكه حتى

(2/158)


يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة، وإذا تكفل اثنان عن رجل بألفٍ على أن كل واحدٍ منهما كفيلٌ عن صاحبه فما أداه أحدهما يرجع بنصفه على شريكه، قليلاً كان أو كثيراً، ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة، حرٌ تكفل به أو عبدٌ،
وإذا مات الرجل وعليه ديونٌ ولم يترك شيئاً فتكفل رجلٌ عنه للغرماء لم تصح الكفالة عند أبي حنيفة، وقالا: تصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يزيد ما يؤديه على النصف) لتحقق النيابة (فيرجع بالزيادة) ، لأن الأداء إلى النصف قد تعارض فيه جهة الأصالة وجهة الكفالة، والإيقاع عن الأصالة أولى؛ لما فيه من إسقاط الدين والمطالبة جميعاً، بخلاف الكفالة فإنه لا دين على الكفيل (وإذا تكفل اثنان عن رجل بألف على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه) الآخر (فما أداه أحدهما يرجع بنصفه على شريكه، قليلا كان) ما أداه (أو كثيراً) قال في الهداية: ومعنى المسألة في الصحيح أن تكون كفالة بالكل عن الأصيل، وبالكل عن الشريك؛ لأن ما أداه أحدهما وقع شائعاً عنهما، إذ الكل كفالة فلا ترجيح للبعض على البعض، بخلاف ما تقدم. اهـ.
(ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة، حر تكفل به أو عبد) لما مر من أن شرط صحة الكفالة بالمال أن يكون ديناً صحيحاً، وهو: ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، والمكاتب لو عجز سقط دينه.
(وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئاً فتكفل رجل) وارثا كان أو غيره (عنه للغرماء) بما عليه من الديون (لم تصح الكفالة عند أبي حنيفة) ؛ لأن الدين سقط بموته مفلساً، فصار كما لو دفع المال ثم كفل به إنسان (وقالا: تصح) الكفالة؛ لأنه كفل بدين ثابت ولم يوجد المسقط، ولهذا يبقى في الآخرة ولو تبرع به إنسان يصح، قال في التصحيح: واعتمد قول الإمام المحبوبي والنسفي

(2/159)