اللباب
في شرح الكتاب كتاب الصلح.
- الصلح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فقال: إنما أحلتك) أي وكلتك بالدين الذي عليه (لتقبضه لي، وقال المحتال:
بل أحلتني بدين) كان (لي عليك، فالقول قول المحيل) لأن المحتال يدعي عليه
الدين وهو ينكر، ولفظ الحوالة مستعمل في الوكالة فيكون القول قوله بيمينه،
هداية.
(ويكره السفاتج، وهو قرض (1) استفاد به المقرض أمن خطر الطريق) .
وصورته كما في الدرر: أن يدفع إلى تاجر مبلغا قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد
آخر ليستفيد به سقوط الطريق، اهـ. قال في الهداية: وهذا نوع نفع استفيد به؛
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر نفعاً. اهـ.
كتاب الصلح
وجه المناسبة لما قبله هو أن في كل من الوكالة والكفالة والحوالة مساعدة
لقضاء الحاجة، وكذا الصلح، فتناسبا.
(الصلح) لغة: اسم المصالحة، بمعنى المسالمة بعد المخالفة، وشرعا: عقد يرفع
النزاع
_________
(1) السفاتج: جمع سفتجة - بضم السين وفتح التاء بينهما فاء ساكنة - وهي
الروقة قال في الجوهرة: "وصورته أن يقول التاجر: أقرضتك هذه الدراهم بشرط
أن تكتب إلي كتابا إلى وكيلك ببلد كذا، فيجيبه إلى ذلك، وأما إذا أعطاه من
غير شرط وسأله ذلك ففعل فلا بأس به. وإنما يكره إذا كان أمن خطر الطريق
مشروطا؛ لأنه نوع نفع استفيد بالقرض. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
قرض جر منفعة" اهـ. وفي الفتاوى الصغرى وغيرها "إن كان السفتج مشروطاً في
القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد، وإلا جاز، وصورة الشرط - كما في
الواقعات - رجل أقرض رجلا مالاً على أن يكتب له به إلى بلد كذا فإنه لا
يجوز، وإن أقرضه بلا شرط وكتب جاز" اهـ ومن هذا تفهم أن شرط الكراهة أو عدم
الجواز شيئان: الأول: أن يدفع المال في بلده قرضا لمن يكتب له؛ فلو دفعه
إليه أمانة لم يكره ولم يفسد. والثاني: أن يشترط عليه في عقد القرض أن يكتب
له به إلى البلد الأخرى؛ فلو لم يشترط ذلك لم يكره
(2/162)
على ثلاثة أضربٍ: صلحٌ مع إقرارٍ، وصلحٌ مع
سكوتٍ وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكره، وصلحٌ مع إنكار، وكل ذلك
جائزٌ.
فإن وقع الصلح عن إقرارٍ اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع عن مال
بمالٍ، وإن وقع عن مالٍ بمنافع فيعتبر بالإجارات.
والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويقطع الخصومة. وركنه: الإيجاب والقبول، وشرطه: العقل، وكذا البلوغ والحرية
إلا مع الإذن والنفع، وكون المصالح عليه معلوما إن كان يحتاج إلى قبضه،
وكون المصالح عنه حقا يجوز الاعتياض عنه: مالا كان أو غيره، معلوما كان أو
مجهولا.
وهو (على ثلاثة أضرب) أي أنواع؛ لأنه إما (صلح مع إقرار) من المدعى عليه
(و) إما (صلح مع سكوت) منه (وهو أن لا يقر المدعى عليه) بالمدعى به (ولا
ينكره، و) إما (صلح مع إنكار) له (وكل ذلك) المذكور (جائز) بحيث يثبت الملك
للمدعى في بدل الصلح، وينقطع حق الاسترداد للمدعى عليه؛ لأنه سبب لرفع
التنازع المحظور، قال تعالى: {ولا تنازعوا} فكان مشروعا.
(فإن وقع الصلح عن إقرار) من المدعى عليه (اعتبر فيه) : أي الصلح (ما يعتبر
في البياعات إن وقع) الصلح (عن مال بمال) لوجود معنى البيع - وهو مبادلة
المال بالمال - في حق المتعاقدين بتراضيهما؛ فتجري فيه الشفعة إذا كان
عقارا، ويرد بالعيب، ويثبت فيه خيار الشرط، ويفسده جهالة البدل؛ لأنهما هي
المفضية إلى المنازعة، دون جهالة المصالح عنه؛ لأنه يسقط، ويشترط القدرة
على تسليم البدل. هداية (وإن وقع) الصلح (عن مال بمنافع) كخدمة عبد وسكنى
دار، وكذا لو وقع عن منفعة بمال أو بمنفعة من جنس آخر (فيعتبر) فيه ما
يعتبر (بالإجارات) لوجود معنى الإجارة - وهو تمليك المنافع بمال -
والاعتبار في العقود لمعانيها؛ فيشترط التوقيت فيها، ويبطل بموت أحدهما في
المدة؛ لأنه إجارة. هداية.
(و) أما (الصلح) الواقع (عن السكوت والإنكار) فهو (في حق المدعى
(2/163)
عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة، وفي حق
المدعى بمعنى المعاوضة، وإذا صالح عن دار لم تجب فيها شفعةٌ، وإذا صالح على
دارٍ وجبت فيها الشفعة، وإذا كان الصلح عن إقرارٍ فاستحق بعض المصالح عنه
رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض، وإن وقع الصلح عن سكوتٍ أو إنكارٍ
فاستحق المتنازع فيه رجع المدعى بالخصومة ورد العوض، وإن استحق بعض ذلك رد
حصته ورجع بالخصومة فيه، وإن ادعى حقاً في دارٍ لم يبينه فصولح من ذلك على
شيء ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئاً من العوض، لأن دعواه يجوز أن تكون
فيما بقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة) ؛ لأنه في زعمه أنه مالك لما في يده
(وفي حق المدعى بمعنى المعاوضة) ؛ لأنه في زعمه يأخذ عوضا من حقه؛ فيعامل
كل على معتقده ويجوز أن يختلف العقد بالنسبة كما في الإقالة وقد مر (وإذا
صالح) المدعى عليه (عن دار) بإنكار أو سكوت (لم تجب فيها شفعة) لأنه يزعم
أنه لم يملكها بالصلح، وقول المدعى لا ينفذ عليه (وإذا صالح) عما ادعى عليه
به (على دار) له (وجبت فيها الشفعة) لأنه الآخذ يزعم أنه ملكها بعوض فتلزمه
الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه يكذبه.
(وإذا كان الصلح عن إقرار فاستحق بعض) المدعى به (المصالح عنه رجع المدعى
عليه بحصة ذلك) المستحق (من العوض) المصالح به؛ لما مر أن الصلح مع الإقرار
كالبيع، وحكم الاستحقاق في البيع كذلك (وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار
فاستحق المتنازع فيه) كله (رجع المدعى بالخصومة) على المستحق (ورد العوض)
المصالح به؛ لأن المدعى عليه ما بذل تعوض للمدعى إلا ليدفع خصومته عن نفسه.
فإذا ظهر الاستحقاق تبين أنه لا خصومة له، فيبقى العوض في يده غير مشتمل
على غرضه فيسترده (وإن استحق بعض ذلك) المتنازع فيه (رد حصته ورجع بالخصومة
فيه) على المستحق؛ اعتباراً للبعض بالكل (وإن ادعى) المدعي (حقاً في دار لم
يبينه) بنسبة إلى جزء شائع، أو إلى جهة مخصوصة، أو مكان معين منها (فصولح
من ذلك) أي عن ذلك الحق (على شيء. ثم استحق بعض الدار) المدعى فيها الحق
(لم يرد شيئا من العوض) المصالح به؛ (لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي)
(2/164)
والصلح جائز في معنى الأموال والمنافع
وجناية العمد والخطأ ولا يجوز من دعوى حدٍ.
وإذا ادعى رجلٌ على امرأةٍ نكاحاً وهي تجحد فصالحته على مال بذلته حتى يترك
الدعوى جاز وكان معنى الخلع، وإن ادعت امرأةٌ نكاحاً على رجلٍ فصالحها على
مالٍ بذله لها لم يجز، وإن ادعى على رجلٍ أنه عبده فصالحه على مالٍ أعطاه
جاز، وكان في حق المدعى في معنى العتق على مالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف ما إذا استحق كله؛ لأنه يعرى العوض عما يقابله.
(والصلح جائز من دعوى الأموال) ، لأنه في معنى البيع كما مر (والمنافع)
لأنها تملك بالإجارة فكذا بالصلح (وجناية العمد والخطأ) في النفس وما دونها
أما الأول فلأنه حق ثابت في المحل؛ فجاز أخذ العوض عنه، وأما الثاني فلأن
موجبه المال، فيصير بمنزلة البيع، إلا أنه لا تصح الزيادة على قدر الدية،
لأنه مقدر شرعا، فلا يجوز إبطاله، فترد الزيادة، بخلاف الأول حيث تجوز
الزيادة على قدر الدية، لأن القصاص ليس بمال، وإنما يقوم بالعقد (ولا يجوز)
الصلح (من دعوى حد) ؛ لأنه حق الله تعالى، ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره.
(وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحاً وهي تجحد) دعواه (فصالحته على مال بذلته)
له (حتى يترك الدعوى جاز) الصلح (وكان) ذلك (في معنى الخلع) في جانبه،
لزعمه أن النكاح قائم، ولدفع الخصومة في جانبها (وإن ادعت امرأة نكاحاً على
رجل) وهو يجحد (فصالحها على مال بذله) لها (لم يجز) الصلح، لأنه بذل لها
المال لتترك الدعوى، فإن جعل فرقة فالزوج لا يعطى العوض في الفرقة وإن لم
يجعل فرقة فالحال على ما كان قبل الدعوى؛ وعلى كل لا شيء يقابله العوض فلم
يصح، وفي بعض النسخ "جاز" ووجهه أن يجعل زيادة في مهرها، كذا في الهداية،
قال في التصحيح نقلا عن الاختيار: الأول أصح (وإن ادعى على رجل أنه عبده
فصالحه) المدعى عليه (على مال أعطاه) إياه (جاز، وكان) ذلك الصلح (في حق
المدعى في معنى العتق على مال) ، لزعمه أنه ملكه، وكذا في حق المدعى
(2/165)
وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحقٌ بعقد
المداينة لم يحمل على المعاوضة وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط
باقيه، كمن له على رجلٍ ألف درهمٍ جيادٌ فصالحه على خمسمائة زيوفٍ جاز وصار
كأنه أبرأه عن بعض حقه وأخذ باقيه، ولو صالحه على ألفٍ مؤجلٍ جاز وصار كأنه
أجل نفس الحق، ولو صالحه على دنانير إلى شهرٍ لم يجز، ولو كان له ألفٌ
مؤجلة فصالحه على خمسمائةٍ حالةٍ لم يجز، ولو كان له ألفٌ سودٌ فصالحه على
خمسمائةٍ بيضٍ لم يجز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه إن كان الصلح عن إقرار، ويثبت الولاء، وإلا كان لدفع الخصومة لزعمه
الحرية، ولا يثبت الولاء إلا أن يقيم المدعى البينة فتقبل ويثبت الولاء.
(وكل شيء وقع عليه) أي عنه (الصلح وهو مستحق بعقد المداينة) الني يدعيها
المدعى، وكان بدل الصلح من جنس ما يدعيه (لم يحمل) فيه الصلح (على
المعاوضة) لإفضائه إلى الربا الموجب لفساد الصلح (وإنما يحمل على أنه
استوفى بعض حقه وأسقط باقيه) تحرياً لتصحيحه بقدر الإمكان، وذلك (كمن له
على رجل ألف درهم جياد فصالحه على خمسمائة زيوف جاز) الصلح (و) صار كأنه
أبرأه عن بعض حقه واستوفى بعضه، وتجوز في قبض الزيوف عن الجياد (و) كذلك
(لو صالحه على ألف مؤجلة جاز) أيضاً (وصار كأنه أجل نفس الحق) ، لأنه لا
يمكن جعله معاوضة، لأن بيع الدراهم بمثلها نسيئة لا يجوز، فحملناه لى
التأخير (ولو صالحه على دنانير) مؤخرة (إلى شهر لم يجز) ، لأن الدنانير غير
مستحقة بعقد المداينة فلا يمكن حمله على التأخير، ولا وجه له سوى المعاوضة،
وبيع الدراهم بالدنانير نسيئة لا يجوز وإنما خص المداينة مع أن الحكم في
الغصب كذلك حملا لأمر المسلم على الصلاح (ولو كان له ألف مؤجلة فصالحه)
عنها (على خمسمائة حالة لم يجز) ، لأن المعجل خير من المؤجل، وهو غير مستحق
بالعقد؛ فيكون التعجيل بإزاء ما حط عنه وذلك اعتياض عن الأجل، فلم يجز (و)
كذا (لو كان له ألف سود فصالحه) عنها (على خمسمائة بيض لم يجز) أيضاً، لما
مر أنه معاوضة، بخلاف العكس، لأنه إسقاط قدر أو صف
(2/166)
ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالحه لم يلزم
الوكيل ما صالح عليه إلا أن يضمنه والمال لازمٌ للموكل.
فإن صالح عنه على شيء بغير أمره فهو على أربعة أوجهٍ: إن صالح بمال وضمنه
تم الصلح، وكذلك لو قال "صالحتك على ألفي هذه" تم الصلح ولزمه تسليمها،
وكذلك لو قال "صالحتك على ألفٍ" وسلمها، وإن قال "صالحتك على ألفٍ" ولم
يسلمها فالعقد موقوفٌ: فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه
بطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن وكل رجلا بالصلح عنه) عن دم العمد أو عن دين على بعضه ليكون إسقاطاً
(فصالحه) أي صالح الوكيل المدعى كذلك (لم يلزم الوكيل ما صالح عليه) . لأن
الصلح إذا كان إسقاطاً كان الوكيل فيه سفيراً ومعبراً، والسفير لا ضمان
عليه، كما مر (إلا أن يضمنه) ؛ لأنه حينئذ مواخذٌ بعقد الضمان لا بعقد
الصلح (والمال) المصالح عليه (لازم للموكل) ؛ لأن العقد يضاف إليه. قيدنا
الصلح بدم العمد أو دينٍ ببعضه لأنه إذا كان عن مال بمال فهو بمنزلة البيع؛
فترجع الحقوق إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل.
هداية.
(فإن صالح عنه) أي عن المدعى عليه، فضوليٌ (على شيء بغير أمره فهو) يقع
(على أربعة أوجه) يتم في ثلاثة منها، ويتوقف على إجازة الأصيل في واحد، وقد
بين ذلك بقوله: (إن صالح بمال وضمنه تم الصلح) ، لأن الحاصل للمدعى عليه
ليس إلا البراءة، ويكون الفضولي متبرعاً على المدعى عليه، كما لو تبرع
بقضاء الدين (وكذلك إن قال: صالحتك) عنه (على ألفي هذه، تم الصلح ولزمه
تسليمها) ؛ لأنه لما أضافه إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه، فصح الصلح
(وكذلك لو قال: صالحتك) عنه (على ألف) من غير نسبة (وسلمها) إليه؛ لأن
المقصود - وهو سلامة البدل - قد حصل؛ فصح الصلح (وإن قال: صالحتك) عنه (على
ألفٍ) من غير نسبة ولا تسليم (ولم يسلمه؛ فالعقد موقوف) على الإجازة؛ لأنه
عقد فضولي (فإن أجازه) الأصيل وهو (المدعى عليه جاز ولزمه الألف) المصالح
بها (وإن لم يجزه بطل) لأن الصلح حاصل له، إلا أن الفضولي يصير أصيلا
بواسطة إضافة
(2/167)
وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من
نصيبه على ثوبٍ فشريكه بالخيار: إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه، وإن
شاء أخذ نصف الثوب، إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين، ولو استوفى نصف نصيبه
من الدين كان لشريكه أن يشركه فيما قبض، ثم يرجعان على الغريم بالباقي، ولو
اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعةً كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضمان إلى نفسه، فإذا لم يضفه بقي عاقداً عن الأصيل؛ فيتوقف على إجازته.
(وإذا كان الدين بين شريكين) بسبب متحد كثمن مبيع صفقة واحدة، وثمن المال
المشترك، والموروث بينهما، وقيمة المستهلك المشترك. هداية (فصالح أحدهما من
نصيبه على ثوب فشريكه) الساكت (بالخيار: إن شاء اتبع الذي عليه الدين
بنصفه) الباقي عنده؛ لأن نصيبه باقٍ في ذمته؛ لأن القابض قبض نصيبه، لكن له
حق المشاركة (وإن شاء أخذ نصف الثوب) المصالح به، لأن الصلح وقع على نصف
الدين وهو مشاع، لأن قسمة الدين حالة كونه في الذمة لا يصح، وحق الشريك
متعلق بكل جزء من الدين، فيتوقف على إجازته، وأخذه النصف دليل على إجازته
العقد (إلا أن يضمن له) أي للشريك الساكت (شريكه) المصالح (ربع الدين) ؛
لأن حقه في ذلك (ولو استوفى) أحد الشريكين (نصف نصيبه من الذين كان لشريكه)
الساكت (أن يشركه فيما قبض) ؛ لأنه لما قبضه ملكه مشاعا كأصله، فلصاحبه أن
يشاركه فيه، ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض، لأن العين غير الدين
حقيقة، وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه، ويضمن لشريكه حصته
(ثم يرجعان) جميعاً (على الغريم بالباقي) ؛ لأنهما لما اشتركا في المقبوض
بقي الباقي على الشركة (ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين) المشترك (سلعة
كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين) ، لأنه صار قابضاً حقه بالمقاصة كاملا؛ لأن
مبنى البيع على المماكسة، بخلاف الصلح، لأن مبناه على الإغماض والحطيطة،
فلو ألزمناه دفع الدين يتضرر به، فيخير القابض كما مر
(2/168)
وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما من
نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: يجوز
الصلح.
وإذا كانت التركة بين ورثةٍ فأخرجوا أحدهم منها بمالٍ أعطوه إياه والتركة
عقارٌ أو عروضٌ جاز، قليلاً كان ما أعطوه أو كثيراً، وإن كانت التركة فضة
فأعطوه ذهباً. أو كانت ذهباً فأعطوه فضةً، فهو كذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على) ما دفع من (رأس
المال) فإن أجازه الآخر جاز اتفاقا، وكان المقبوض من رأس المال مشتركا
بينهما، وما بقي من السلم كذلك، وإن لم يجزه (لم يجز) الصلح (عند أبي حنيفة
ومحمد) ؛ لأنه لو جاز في نصيب أحدهما خاصة يكون قسمة الدين قبل القبض، ولو
جاز في نصيبهما لابد من إجازة الآخر؛ لأن فيه فسخ العقد على شريكه بغير
إذنه، وهو لا يملك ذلك (وقال أبو يوسف: يجوز الصلح) اعتباراً بسائر الديون،
قال في التصحيح: وهكذا ذكر الحاكم قول محمد مع أبي حنيفة، وهكذا في
الهداية، وفي الإسبيجاني: وقالا يجوز الصلح، وقول أبي حنيفة هو أصح
الأقاويل عند المحبوبي، وهو المختار للفتوى على ما هو رسم المفتى عند
القاضي وصاحب المحيط، وهو المعول عليه عند النسفي.
(وإذا كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمالٍ أعطوه إياه والتركة
عقاراً وعروض جاز) ذلك (قليلا كان ما أعطوه أو كثيرا) ؛ لأنه أمكن تصحيحه
بيعاً، وفيه أثر عثمان رضي الله عنه؛ فإنه صالح تماضر الأشجعية امرأة عبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار. هداية.
(وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهباً، أو) بالعكس، بأن كانت (ذهباً فأعطوه
فضة فهو كذلك) جائز، سواء كان ما أعطوه قليلا أو كثيراً؛ لأن بيع الجنس
بخلاف الجنس، فلا يعتبر التساوي، ولكن يعتبر تقابض البدلين في المجلس،
(2/169)
وإن كانت التركة ذهباً وفضةً وغير ذلك فصالحوه على فضةٍ أو ذهبٍ فلابد أن
يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة
بحقه من بقية الميراث، وإن كان في التركة دينٌ على الناس فأدخلوه في الصلح
على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم فالصلح باطلٌ، فإن شرطوا أن
يبرئ الغرماء منه ولا يرجع عليهم بنصيب المصالح فالصلح جائزٌ. |