اللباب في شرح الكتاب

كتاب الهبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه صرف (وإن كانت التركة ذهباً وفضة وغير ذلك) من عروض أو عقار (فصالحوه على فضة أو ذهب فلابد) من (أن يكون ما أعطوه) من الذهب والفضة (أكثر من نصيبه) من التركة (من ذلك الجنس) للدفوع إليه (حتى يكون نصيبه بمثله) من المدفوع إليه (والزيادة بحقه) أي بمقابلة حقه (من بقية الميراث) احترازاً عن الربا، ولابد من التقابض فيما يقابل نصيبه، لأنه صرف في هذا القدر (وإذا كان في التركة دين على الناس فأدخلوه) : أي الدين (في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين) كله كبقية التركة (لهم فالصلح باطل) في الدين والعين معاً؛ لأن فيه تمليك لدين من غير من عليه الدين، وهو باطل، وإذا بطل في حصة الدين بطل في الكل؛ لأن الصفقة واحدة، وقد ذكر لصحته حيلة فقال: (فإن شرطوا) يعني المصالحين (أن يبرئ) المخرج (الغرماء منه) أي من حصته من الدين (ولا يرجع) بالبناء للمجهول (عليهم) أي على الغرماء (بنصيب المصالح فالصلح جائز) ، لأنه إسقاط، أو هو تمليك الدين ممن عليه الدين، وهو جائز. هداية. ثم قال: وهذه حيلة الجواز، والأخرى أن يعجلوا قضاء نصيبه متبرعين، وفي الوجهين ضرر ببقية الورثة؛ فالأوجه أن يقرضوا المصالح مقدار نصيبه، ويصالحوا عما وراء الدين، ويحيلهم على استيفاء نصيبه من الغرماء، اهـ.
كتاب الهبة
وجه المناسبة لما قبله مر من أن في الصلح مساعدة لقضاء الحاجة وكذا في الهبة فتناسبا

(2/170)


- الهبة تصح بالإيجاب والقبول، وتتم بالقبض، فإذا قبض الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز، وإن قبض بعد الافتراق لم تصح، إلا أن يأذن له الواهب في القبض.
وتنعقد الهبة بقوله: وهبت، ونحلت، وأعطيت، وأطعمتك هذا الطعام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الهبة) لغة: التبرع والتفضل بما ينفع الموهوب مطلقاً، وشرعا: تمليك عين بلا عوض، و (تصح بالإيجاب والقبول) ، لأنها عقد كسائر العقود، إلا أن الإيجاب من الواهب ركن، والقبول ليس بركن استحساناً، خلافا لزفر كما في الفيض، وفي الدرر: قال الإمام حميد الدين: ركن الهبة الإيجاب في حق الواهب، لأنه تبرع فيتم من جهة المتبرع، أما في حق الموهوب له فلا تتم إلا بالقبول اهـ. وفي الجوهرة: وإنما عبر هنا بتصح وفي البيع بينعقد لأن الهبة تتم بالإيجاب وحده، ولهذا لو حلف لا يهب فوهب ولم يقبل الموهوب له حنث، أما البيع فلا يتم إلا بهما جميعاً. اهـ.
ثم لا ينفذ ملك الموهوب له (وتتم) الهبة له إلا (بالقبض) الكامل الممكن في الموهوب، فالقبض الكامل في المنقول ما يناسبه، وكذا العقار كقبض المفتاح أو التخلية، وفيما يحتمل السمة بالقسمة، وفيما لا يحتملها بتبعية الكل، وتمامه في الدرر (فإن قبض الموهوب له) الهبة (في المجلس بغير أمر الواهب) ولم ينهه (جاز) استحساناً، لأن الإيجاب إذنٌ له بالقبض دلالة (وإن قبض بعد الافتراق لم تصح) الهبة؛ لأن القض في الهبة منزل منزلة القبول، والقبول مختص بالمجلس، فكذا ما هو بمنزلته بالأولى (إلا أن يأذن له الواهب في القبض) لأنه بمنزلة عقد مستأنف. قيدنا بعدم نهيه لأنه لو نهاه عن القبض لم يصح قبضه، سواء كان في المجلس أو بعده، لأن الصريح أقوى من الدلالة.
(وتنعقد الهبة بقوله: وهبت، ونحلت، وأعطيت) ، لأن الأول صريح في ذلك، والثاني والثالث مستعملان فيه (و) كذا (أطعمتك هذا الطعام) ، لأن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد تمليك العين، بخلاف ما إذا قال

(2/171)


وجعلت هذا الثوب لك، وأعمرتك هذا الشيء، وحملتك على هذه الدابة، إذا نوى بالحملان الهبة.
ولا تجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزةً مقسومةً.
وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزةٌ.
ومن وهب شقصاً مشاعاً فالهبة فاسدةٌ، فإن قسمه وسلمه جاز.
ولو وهب دقيقاً في حنطةٍ أو دهناً في سمسمٍ فالهبة فاسدةٌ، فإن طحن وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"أطعمتك هذه الأرض" حيث تكون عارية، لأن عينها لا تطعم (وجعلت هذا الثوب لك) لأن اللام للتمليك (وأعمرتك هذا الشيء) وكذا "جعلت هذا الشيء لك عمري" وسيأتي بيانه (وحملتك على هذه الدابة، إذا نوى بالحملان) عليها (الهبة) ؛ لأنه ليس بصريح فيها، إذ هو الإركاب حقيقة، فيكون عارية، لكنه يحتمل الهبة فيحمل عليه عند نيته.
(ولا تجوز الهبة فيما يقسم) أي يمكن قسمه ويبقى منتفعاً به بعد القسمة من جنس الانتفاع الذي كان قبل القسمة ولو من الشريك (إلا محوزة) : أي مجموعة مفرغة عن ملك الواهب وحقوقه، واحترز به عما إذا وهب التمر على النخل دونه، والزرع في الأرض دونها (مقسومة) ؛ لأن القبض الكامل ممكن فيه بالقسمة؛ فلا يكتفي بالقاصر.
(وهبة المشاع فيما لا يقسم) : أي لا يبقى به بعد القسمة أصلا كعبد ودابة، أو لا يبقى منتفعاً به من جنس الانتفاع الذي كان قبل القسمة كالحمام الصغير والرحى (جائزة) ؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفي به.
(ومن وهب شقصا) أي جزءا (مشاعا) فيما يحتمل القسمة (فالهبة فاسدة) ؛ لما مر (فإن قسمه) أي قسم الشقص الموهوب (وسلمه) إلى الموهوب له (جاز) ذلك؛ لأن تمامه بالقبض، وعنده لا شيوع.
(ولو وهب دقيقاً في حنطة أو دناً في سمسم) أو سمنا في لبن (فالهبة فاسدة) أب باطلة؛ ولذا قال: (فإن طحن) الحنطة (وسلم) الدقيق، أو أخرج الدهن

(2/172)


لم يجز.
وإذا كانت العين في يد الموهوب له ملكها بالهبة، وإن لم يجدد فيها قبضاً، وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبةً ملكها الابن بالعقد، فإن وهب له أجنبيٌ هبةً تمت بقبض الأب، وإذا وهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من السمسم، أو السمن من اللبن، وسلم للموهوب له (لم يجز) ذلك؛ لأن الموهوب معدوم، والمعدوم ليس محلا للملك، فوقع العقد باطلا، فلا ينعقد إلا بالتحديد، بخلاف ما تقدم؛ لأن المشاع محل للتمليك، وهبة اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، والزرع والنخل في الأرض، والتمر في النخل - بمنزلة المشاع؛ لأن امتناع الجواز للاتصال، وذلك يمنع القبض كالشائع. هداية.
(وإذا كانت العين) الموهوبة (في يد الموهوب له ملكها بالهبة) : أي بقبولها (وإن لم يجدد فيها قبضا) جديداً؛ لأن العين في قبضته، والقبض هو الشرط، بخلاف ما إذا باعه منه؛ لأن القبض في البيع مضمون؛ فلا ينوب عنه قبض الأمانة، أما قبض الهبة غير مضمون فينوب عنه، هداية. قال في الينابيع: يريد به إذا كانت العين في يده وديعة أو عارية أو مغصوبة أو مقبوضة بالعقد الفاسد، أما لو كانت في يده رهناً فيحتاج إلى تجديد القبض، قال الإسبيجاني: بأن يرجع إلى الموضع الذي فيه العين ويمضي وقت يتمكن فيه من قبضها، كذا في التصحيح (وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة) معلومة (ملكها الابن) الموهوب له (بالعقد) لأنه في قبض الأب؛ فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو يد مودعه، لأن يده كيده، بخلاف ما إذا كان مرهوناً أو مغصوبا أو مبيعا فاسداً، لأنه في يد غيره أو في ملك غيره، والصدقة في هذا مثل الهبة، وكذا إذا وهبت له أمه وهو في عيالها والأب ميت ولا وصي له، وكذلك كل من يعوله، هداية (فإن وهب له) أي الصغير (أجنبي هبة تمت بقبض الأب) ؛ لأنه يملك عليه الدائر بين النفع والضرر، فملكه النافع أولى (وإذا وهب) بالبناء للمجهول

(2/173)


لليتيم هبةٌ فقبضها له وليه جاز، فإن كان في حجر أمه فقبضها له جائزةٌ، وكذلك إن كان في حجر أجنبيٍ يربيه فقبضه له جائزٌ.
وإن قبض الصبي الهبة بنفسه له جاز.
وإن وهب اثنان من واحدٍ داراً جاز، وإن وهب واحدٌ من اثنين داراً لم يصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(لليتيم هبة فقبضها وليه) وهو أحد أربعة: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه (له) أي للصغير (جاز) القبض وتمت الهبة، وإن لم يكن اليتيم في حجرهم، وعند عدم هؤلاء تتم بقبض من هو في حجره، كما ذكره بقوله: (فإن كان) اليتيم (في حجر أمه) أو أخيه أو عمه (فقبضها) أي الأم ونحوها (له جائز) ، لأن لهؤلاء الولاية فيما يرجع إلى حفظه وحفظ ماله، وهذا من باب الحفظ، لأنه لا يبقى إلا بالمال (وكذلك إن كان) اليتيم (في حجر أجنبي يربيه) ولو ملتقطاً (فقبضه له جائز) ، لأن له عليه يداً معتبرة، ألا يرى أنه لا يتمكن أجنبي آخر أن ينزعه من يده؛ فيملك ما يتمحض نفعاً كم حقه.
(وإن قبض الصبي الهبة بنفسه جاز) إذا كان مميزاً، لأنه في النافع المحض كالبالغ، قال في الهداية: ويملكه مع حضرة الأب، بخلاف الأم ونحوها حيث لا يملكونه إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة في الصحيح؛ لأن تصرف. هؤلاء للضرورة، ومع حضرة الأب لا ضرورة. اهـ.
(وإن وهب اثنان من واحد داراً) أو نحوها مما يقسم (جاز) ؛ لأنهما سلماه جملة وهو قبضها جملة؛ فلا شيوع (وإن وهب واحد من اثنين لم يصح عند أبي حنيفة) ؛ لأنهما هبة النصف من كل واحد منهما، فيلزم الشيوع (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح) لأنهما هبة الجملة منهما، إذ التمليك واحد فلا يتحقق الشيوع، قال في التصحيح: وقد اتفقوا على ترجيح دليل الإمام، واختار قوله أبو الفضل الموصلي وبرهان الأئمة والمحبوبي وأبو البركات النسفي. اهـ. قيدنا بالهبة لأن الإجارة الرهن والصدقة للاثنين تصح اتفاقا

(2/174)


وإذا وهب هبةً لأجنبيٍ فله الرجوع فيها، إلا أن يعوضه عنها، أو تزيد زيادةً متصلةٌ، أو يموت أحد المتعاقدين، أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له، وإن وهب هبة لذي رحمٍ محرمٍ منه فلا رجوع فيها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا وهب هبة لأجنبي) وقبضها الموهوب له (فله) أي للواهب (الرجوع فيها) لأن المقصود بها التعويض للعادة، فيثبت ولاية الفسخ عند فواته، إذ العقد يقبله. هداية، ثم قال: وقوله "فله الرجوع" لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "العائد في هبته كالعائد في قيئه". اهـ.
(ثم ذكر المصنف للرجوع موانع فقال: (إلا أن يعوضه) الموهوب له (عنها) ويقبضه الواهب، لحصول المقصود، لكن بشرط أن يذكر لفظا يعلم الواهب أنه عوض عن كل هبته كما يأتي قريبا (أو تزيد) العين الموهوبة بنفسها (زيادة متصلة) موجبة لزيادة القيمة كالبناء والغرس والسمن ونحو ذلك، لأنه لا وجه للرجوع فيها دون الزيادة لعدم الإمكان، ولا معها لعدم دخولها تحت العقد. قيد بالزيادة لأن النقصان لا يمنع، وبالمتصلة لأن المنفصلة كالولد والأرش لا تمنع فيرجع بالأصل دون الزيادة، وقيدنا الزيادة بنفسها لأنها لو كانت بالقيمة لا تمنع، لأنها للرغبة إذ العين بحالها، وبالموجبة لزيادة القيمة، لأنه لو كانت غير موجبة لزيادة القيمة لا تمنع، لأنها قد توجب نقصا (أو يموت أحد المتعاقدين) ، لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته، وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد، إذ هو ما أوجبه. هداية (أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له) ، لأنه حصل بتسليط الواهب، فلا يكون له نقضه، لأن نقض الإنسان ما تم من جهته مردود، ولأن تبدل الملك كتبدل العين، وقد تبدل الملك بتجدد السبب، وفي المحيط: لو رده المشتري بعيب إلى الموهوب له ليس للواهب الرجوع، ولو وهبه لآخر ثم رجع فللأول الرجوع، لو وهب دارا فقبضها الموهوب له ثم باع نصفها فللواهب الرجوع في الباقي لخلوه من مانع الرجوع، كذا في الفيض (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه) نسباً (فلا رجوع فيها) ،

(2/175)


وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر.
وإذا قال الموهوب له للواهب: خذ هذا عوضاً عن هبتك، أو بدلاً عنها، أو في مقابلتها، فقبضه الواهب سقط الرجوع، وإن عوضه أجنبيٌ عن الموهوب له متبرعاً فقبض الواهب العوض سقط الرجوع.
وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض، وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن المقصود فيها صلة الرحم، وقد حصل. قيدنا بالمحرم نسباً لأنه لو كان محرما من الرضاع كأخيه رضاعا أو المصاهرة كربيبته وأم امرأته كان له الرجوع (وكذلك) حكم (ما وهب أحد الزوجين للآخر) ؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة، وإنما ينظر إلى هذا وقت العقد، حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع، ولو أبانها بعد ما وهب لها فلا رجوع، هداية.
(وإذا قال الموهوب له للواهب: خذ هذا) الشيء، سواء كان قليلا أو كثيراً من جنس الموهوب أولا؛ لأنها ليست بمعاوضة محضة (عوضاً عن هبتك، أو بدلا عنها، أو في مقابلتها أو نحو ذلك مما هو صريح في أنه عوض عن جميع هبته (فقبضه الواهب سقط الرجوع) ؛ لحصول المقصود، ولو لم يذكر أنه عوض كان هبة مبتدأة، ولكل منهما الرجوع بهبته، ولهذا يشترط فيها شرائط الهبة من القبض والإفراز وعدم الشيوع (وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعا) ؛ وكذا بأمر الموهوب له بالأولى (فقبض الواهب العوض سقط الرجوع) ؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي، كبدل الخلع والصلح.
(وإذا استحق نصف الهبة) المعوض عنها (رجع) المعوض (بنصف العوض) لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه (وإن استحق نصف العوض لم يرجع) الواهب (في الهبة) بشيء منها؛ لأن الباقي يصلح عوضا للكل في الابتداء، وبالاستحقاق

(2/176)


إلا أن يرد ما بقي من العوض ثم يرجع.
ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما، أو بحكم الحاكم.
وإذا تلفت العين الموهوبة فاستحقها مستحقٌ فضمن الموهوب له لم يرجع على الواهب بشيء.
وإذا وهب بشرط العوض اعتبر التقابض في العوضين، وإذا تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع: يرد بالعيب، وخيار الرؤية، وتجب فيه الشفعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظهر أنه لا عوض إلا هو (إلا) أنه يتخير، لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له، فكان له (أن يرد ما بقي من العوض ثم يرجع) في هبته لبقائها بغير عوض. (ولا يصح الرجوع) في الهبة (إلا بتراضيهما، أو بحكم الحاكم) للاختلاف فيه، فيضمن بمنعه بعد القضاء، لا قبله.
(وإذا تلفت العين الموهوبة) في يد الموهوب له (فاستحقها مستحق فضمن) المستحق (الموهوب له لم يرجع) الموهوب له (على الواهب بشيء) ، لأنه عقد تبرع، فلا يستحق فيه السلامة.
(وإذا وهب بشرط العوض) المعين (اعتبر) فيه شروط الهبة، وهي (التقابض في العوضين) والتمييز وعدم الشيوع، لأنه هبة ابتداء باعتبار التسمية (فإذا تقابضا) العوضين (صح العقد، وكان في حكم البيع) انتهاء لوجود المعاوضة، فهو (يرد بالعيب وخيار الرؤية وتجب فيه الشفعة) وهذا إذا قال: وهبتك على أن تعوضني كذا أما لو قال: وهبتك بكذا - بالباء - كان بيعاً ابتداء وانتهاء كما في الدر والدرر.
قيدنا العوض بالمعين لأنه لو كان مجهولا يبطل اشتراطه، فيكون هبة ابتداء وانتهاء

(2/177)


والعمرى جائزةٌ للمعتمر في حال حياته، ولورثته من بعده.
والرقبى باطلةٌ عند أبي حنيفة ومحمدٍ، وقال أبو يوسف: جائزةٌ.
ومن وهب جاريةً إلا حملها صحت الهبة، وبطل الاستثناء.
والصدقة كالهبة: لا تصح إلا بالقبض، ولا تجوز في مشاعٍ يحتمل القسمة، وإذا تصدق على فقيرين بشيءٍ جاز، ولا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(والعمرى) وهي: أن يجعل داره له عمره، وإذا مات ترد عليه، وهي (جائزة للمعمر) له (حال حياته، ولورثته من بعده) ، لصحة التمليك، وبطلان الشرط، لأن الهبة لا تبطل بالشرط الفاسد.
(والرقبى) وهي أن يقول له: أرقبتك هذه الدار، أو هذه الدار لك رقبى، ومعناه إن مت قبلك فهي لك، وإن مت قبلي عادت إلي، وهي (باطلة عند أبي حنيفة) ومحمد لأنه تعليق التمليك بالخطر، فإذا سلمها إليه على هذا تكون عارية، له أخذها متى شاء (وقال أبو يوسف) : هي (جائزة) ، لأن قوله "داري لك" تمليك، وقوله "رقبى" شرط فاسد فيبطل كالعمرى، قال في التصحيح: قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما.
(ومن وهب جارية إلا حملها) أو على أن يردها عليه، أو يعتقها، أو يستولدها (صحت الهبة) ، لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة (وبطل الاستثناء) في الحمل، لأنه إنما يعمل في المحل الذي يعمل فيه العقد؛ وهبة الحمل لا تجوز، فلا يجوز استثناؤه، وكذا يبطل الشرط، لمخالفته مقتضى العقد، وهو ثبوت الملك مطلقاً.
(والصدقة) على الفقير (كالهبة) لجامع التبرع؛ ولذا (لا تصح إلا بالقبض) لأنها تبرع كالهبة (ولا تجوز في مشاع يحتمل القسمة) لما مر (و) لكن (إذا تصدق على فقيرين بشيء) يحتمل القسمة (جاز) ، لأن المقصود في الصدقة هو الله تعالى وهو واحد، والفقير نائب عنه في القبض كالساعي في الزكاة (ولا يصح الرجوع في الصدقة) ولو على غنى استحسانا. هداية (بعد القبض) ؛ لأن المقصود هو الثواب وقد حصل

(2/178)


ومن نذر أن يتصدق بماله لزمه أن يتصدق بجنس ما تجب فيه الزكاة، ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع، ويقال له: أمسك منه مقدار ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكسب مالاً، فإذا اكتسبت مالاً تصدق بمثل ما أمسكت.